منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   جلباب مسعود ! ! ! ! (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=25931)

محمد أبو الفضل سحبان 12-08-2019 12:06 AM

جلباب مسعود ! ! ! !
 
......ذهب جمهور من رواة هذه الحكاية إلى أن مسعود شخصية حقيقية ، وأنه قد عاش قبل هجرته للمدينة في بلدة نائية توجد في الجنوب.. بينما ذهب البعض الآخر إلى أنها قصة من نسج خيال الكاتب،وأن حكاية المعطف المغزول من الصوف الأصيل ، المرصع بأزرار منسوجة من حرير، هي من وحي الخيال ....و المشهور أنه باع المعطف قبل عودته للبلدة بسنوات لأحد الأثرياء في سوق للمتلاشيات ..وأكدت نفس المصادر أن مسعود عاد إلى البلدة محملا بالأوراق المالية التي خاط عليها بخيوط متينة داخل جيوب جوفية آمنة توجد في بطانة جلباب جده "أبي موسى " الذي كان مع المعطف المذكور من نصيب أبيه "عبد السلام" من تركة جده، وقد منحهما لمسعود قبل هجرته للمدينة بأيام وأوصاه بالحفاظ عليهما قائلا: اعتن بهما وإياك أن تفكر ببيعهما أو التفريط فيهما ...واحذر لصوص المدينة يا ولدي فمثل هذه الأشياء ليس لها ثمن...
وبالعودة لسوق المتلاشيات فقد روي أن مسعود ظل واقفا لساعات مرتديا الجلباب المعلوم وحاملا بيده المعطف عارضا إياه للبيع....لم يساومه أحد حتى أوشك السوق على الانتهاء ...فوقف أخيرا رجل أنيق تبدو عليه معالم اليسار.....
ثم أخذ الرجل المعطف بين يديه يفحصه وفطن في الحال إلى أنه معطف عريق ...المعطف يحمل علامة الجودة...و ما يزال لونه جذابا رغم سنين الفرك و الغسيل ...
سأله الرجل: كم ثمن هذا المعطف يا ولدي..؟؟؟...
مسعود : ثلاثون درهما يا سيدي الفاضل وأحسب أنك تعلم أن ثمنه الحقيقي يعدل الثلاث مائة درهم أو يزيد
ضحك الرجل قائلا : أتحسب أني أجهل الحساب..؟؟.أنت تقصد أن ثمنه هو عشرة أضعاف ما تطلبه .....
لذلك فمن الواضح جدا أنك تحلم يا ولدي...هل معطف جدك مصنوع من جلد الحمام ؟؟؟...وهل هو مبطن بريش النعام.؟؟؟؟...هاهاهاها
أنا سأمنحك فضلا مني ثلاث دراهم ولن أزيد "سنتا" واحدا..امممم ...ماذا تقول ؟؟؟
تذكر مسعود أنه صفر اليدين ، وأن الأيام أيام برد وجوع....
الرجل أعجبه المعطف وعرف قيمته ....أكيد أنه سيعتني بالمعطف من بعدي....
ثم قال ظانا أن مسعود من جراء سكوته لن يقبل ببيع المعطف بذلك الثمن البخس : يجب ألا تنسى يا صديقي أن المعطف بحاجة لإصلاحات جذرية... أنظر للبطانة الممزقة ... من ينظر إليها سيخيل إليه في الحال أن صاحب هذا المعطف كان عدوا للفئران...ثم قال: ألا تشم رائحته؟؟؟ إنها تزكم الأنوف ...أليس ببيتكم ماء و صابون.؟؟؟.. إنني أتشمم أيضا رائحة العطر الردئ الذي قمت برشه ....أنت تحاول عبثا طمس حقيقته ....لذا لا بد من غسله عدة مرات وإرساله "لعدول" الخياط ليستبدل البطانة بأخرى جديدة ...هل تعرفه إنه معروف في الحارة.؟؟؟.اسأله إن شئت كم ستكلفني البطانة وتركيب الأزرار المفقودة.. وبعد كل ذلك لابد من تعريضه لأشعة الشمس لأيام طويلة حتى تخرج منه رائحتك ورائحة أجدادك ....
كان مسعود شريد الذهن ولم يسمع جيدا ما بذر من فم سليط اللسان ذاك الذي تجاوز بتقدير الراوي حدود المعطف ...كان يفكر في وصية أبيه ثم قال بعد طول تفكير:
- أرجو منك أن تسامحني يا أبت ، فأنت تعلم أني رجل صالح ولم أبذر قط مالا ،ولم أضيع في الفراغ وقتا..أنت تعلم أني لم أكن سوى مجرد طاه للخبز في فرن " سيدي احمد"الذي سيصير بعد ذلك في ملكيتي ولكن بعد سنوات من العزلة الطويلة ،لم أكن أسمع فيها سوى الأنات المكتومة للأحطاب ولا أرى فيها إلا حصاد ألسنة من نار... ....وسأحكيك فيما بعد يا أبت بالتفصيل عن حياة الحرمان وسر الملايين التس جنيتها. ..و لكني أستطيع مع كل ذلك أن أقول بفخر إنني ألبس الآن ذلك الجلباب المرقع وكلي شوق و حنين لتلك الأيام الخالية ...


الساعة الآن 08:24 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team