منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   معطف الحرية (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=9123)

موسى الثنيان 06-11-2012 08:22 PM

معطف الحرية
 
معطف الحرية...

تجلس جدتي على كرسيها الخشبي وهي تحيك لي معطفا للشتاء المقبل، ثوبها القصير يكشف عن سروالها القديم والخيوط الصوفية بألوانهاالقزحية كأزهار ربيعية نبتت حولها للتو ، كانت تهيئ لغزل وردة حمراء عند الصدر ، كم انتظرت بشوق شكله النهائي لأريه زميلاتي.

في الصباح رأيتها تنظر إلى عصفور المنزل في قفصه وهو خائف ويزقزق ، خلتها تنقشه في ذاكرتها لترسمه في المعطف ، لم أكن لأتدخل في ما تختاره جدتي من نقش أو من ألوان الخيوط ، انطلقتُ للعمل وتركتها تتأمل العصفور .. مازلت أذكر معطف أختي في الشتاء الماضي ، بألوانه الربيعية ونقشه الجميل ، رسمت شجرة تستند على جذعها طفلة ألصقت على وجهها وجنتين من القماش الأحمر جعلتا منظرها يشي بالسعادة والفرح، فعلى الرغم من تقدم جدتي في العمر إلا أن روحها جميلة ومتفائلة ، كأنها فتاة في العشرين من عمرها، كنتُ دائما أقول لأبي لو تسنى لجدتي العودة شابة لأصبحت مصممة أزياء أو رسامة عالمية ، يكتفي أبي بضحكة وأحيانا يومئ بالإيجاب...

حين عدت في المساء ، وجدت العصفور ذاته في المعطف بلونه الرمادي ومنقاره الأحمر ولكنه كان ميتا ، وقد أغمض عينيه بحزن و الوردة الحمراء التي بالصدر سالت منها خيوط حمراء ، سألت نفسي ألف مرة ؛ماذا حل بجدتي؟!... أترى ذلك بسبب أخبار التلفاز التي يشاهدها أبي كل مساء...؟أخبار دموية ، رصاص ودماء تسيل هنا وعملية انتحارية هناك ودمار وعفونة وأرواح رخيصة لم تعد تساوي حتى الذباب...لا توجد سوى أخبار القتل...كنا نتأفف باستمرار... هل أثرت الحرب على جدتي ، هل أثر على خيالها الجميل ...لم أحب المعطف ، كيف سأرتديه أمام صديقاتي ، وزميلاتي في العمل .

تحيرت هل أخبر جدتي بأن تنقض غزلها وأن تحيك أي نقش غير هذا النقش ، أم أتركها تكمله ومن ثم أحتفظ به في دولابي للذكرى ، خشيت أن تسألني عنه إن لم ترني أرتديه في الشتاء القادم..لكن لم يشأ الرب أن يكتمل المعطف ، لقد ماتت جدتي بسبب المرض الذي ألم بها، بكيت كثيرا ، كانت تملأ البيت بضحكاتها بالحكايات التي تدفئ ليالينا وتملؤها بالأحلام السحرية ، ثرثرتها وامتعاضها ،تركت الكرسي الخشبي يهتز وحيدا ،ماتت وتركت المعطف تتدلى منه خيوط لم تنعقد وحكاية نقش لم تكتمل، تمنيت لو أنجزت جدتي المعطف ، كنت سأرتديه مهما كان نقشه كي تعرف صديقاتي مدى حب جدتي لي وحبي لها ... قادتني قدماي ذات مساء إلى غرفة جدتي ،تفقدت كل شيء فيها ، صندوق زواجها القديم، جدارنها العتيقة، دولابها الخشبي ، رأيتُ المعطف مطروحا على المنضدة وكنت أنوي الاحتفاظ به لنفسي ، أخذته و أشرعته وكان ضوء البدر يضيء الغرفة ، أصابتني الدهشة حين رأيت المعطف وقد نقضت جدتي غزله تماما لتحيك لي معطفا بخيوط خضراء ما أذهلني فيه الشجرة الكبيرة المثمرة و الصبي الذي يغرس بذورا أظنها قمحا ...ما استطعت حبس دموع عيني في محجريهما ، ارتديته ؛ كأنني ارتدي ريشا جعلني أحلق إلى السموات ..
2012

الفرحان بوعزة 06-11-2012 11:24 PM

سأعود لهذه القصة الجميلة أخي موسى إن شاء الله .. أحببت من قلبي هذه الجدة ..
جميل ما كتبت وأبدعت أخي ..
مودتي الخالصة ..
الفرحان بوعزة ..

خالد العاطفي 06-12-2012 04:25 AM

كم هن شامخات ,,تلكن الجدات
كم هي نظيفة تلك القلوب الطاهرة
رب احفظ من بقى , وارحم من رحل
رائعة ,,, لك اخي من معطف الحرية
كنت هنا

موسى الثنيان 06-12-2012 03:55 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفرحان بوعزة (المشاركة 121031)
سأعود لهذه القصة الجميلة أخي موسى إن شاء الله .. أحببت من قلبي هذه الجدة ..
جميل ما كتبت وأبدعت أخي ..
مودتي الخالصة ..
الفرحان بوعزة ..


أهلا بك صديقي العزيز

بانتظار عودتك

موسى الثنيان 06-12-2012 03:56 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد العاطفي (المشاركة 121047)
كم هن شامخات ,,تلكن الجدات
كم هي نظيفة تلك القلوب الطاهرة
رب احفظ من بقى , وارحم من رحل
رائعة ,,, لك اخي من معطف الحرية
كنت هنا


الجدات أصيلات كالتربة والنخل


شكرا لك وسعدتُ بحضورك

الفرحان بوعزة 06-14-2012 12:18 AM

أخي وصديق الوفي .. موسى الثنيان .. تحية طيبة ..
سرد جميل شفاف ، تستصيغه النفس والذات والفكر ، لما له من جمالية أدبية متميزة من حيث المبنى والمعنى .. جميل أن يتأسس النص على محطات زمانية / الصباح / المساء /.. ومكانية / المنزل / .. حرص فيها السارد على تتبع التفاصيل والجزئيات التي جاءت على شكل التماعات تضيء النص .. فساهمت في توليد حس الأمن والطمأنينة لهذه الجدة الطيبة .. والتي كانت بمثابة ثريا تنير أركان البيت .. فالبطلة عبرت عن إحساسها بصدق وأمانه عن العلاقة التي تربطها بجدتها .. إلا أنها استغربت منها لما كانت تطيل النظر للعصفور وهو في قفصه .. والسارد اختار القفص كرمز إيحائي جيد لانعدام الحرية في البلد ، أما موته وهو داخل قفصه فهو تعبير عن قبر الحرية المطلوبة .. فكأنها كانت يائسة من تطور الأحداث نحو الأسوء .. لذلك نقشت المعطف بطريقتها الحالية ، فاختارت اللون الرمادي والأحمر دلالة على غموض الأفق وضبابية المستقبل الآتي .... . والسارد لم يفسر هذه العلاقة بل منح للحفيدة أن تقرأ هذه العلاقة حسب منظورها الخاص ..
موت العصفور هو مؤشر قوي على قرب أجل الجدة ، ماتت وهي تتحسر على عدم معايشتها لحرية تليق بحفيدتها .. فلا حاجة لها لمعطف غامق الشكل منفر للرؤية البصرية .. لكنها لها حس قوي بتغير المستقبل ، لها رؤية منبثقة عن تجربة وخبرة بأن الأمور سوف تتغير مع الزمن .. فإذا كان مستقبلها قد أفل ، فإن مستقبل الحفيدة سيكون زاهراً .. وسوف تعيش تحت معطف الحرية ، فكان المعطف الذي تركته في الدولاب هو رمز للمستقبل الزاهر والحفيدة يحق أن تفتخر به .. ما دامت تتمتع بحريتها داخل بلدها الحر .. لذلك استحق أن يطلق عليه / معطف الحرية / ..
جميل ما كتبت وأبدعت أخي موسى .. نص جميل قوي من حيث الفكرة ، نص جاد من حيث الرؤية الهادفة لتيمة الحرية التي جاءت موزعة على أفعال وسلوكات رمزية تقوي من فاعلية الأحداث الصغرى وعلاقتها بالأحداث الكبرى ..
بالمناسبة تذكرت / معطف دوللي بارطون المغنية الشهيرة التي تغنت بمعطف أمها ..
معطف غوغول ، معطف دولي بارطون/ وهو معطف متعدد الألوان coat of many colors للمغنية الأمريكية دولي بارطون ملكة موسيقى الكنتري "
كيف كانت أم المغنية بارطون تصنع معاطف من الألوان بارطون تحيكها لبناتها من قطع الأثواب ، مضمون تيمة الأغنية إذن هي الفقر ونظرات الآخرين ..
تقديري واحترامي ..
وما قراءتي المتواضعة إلا اجتهاد ذاتي .. أتمنى أن يجانبني الصواب ..
الفرحان بوعزة ..

موسى الثنيان 06-14-2012 01:30 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفرحان بوعزة (المشاركة 121182)
أخي وصديق الوفي .. موسى الثنيان .. تحية طيبة ..
سرد جميل شفاف ، تستصيغه النفس والذات والفكر ، لما له من جمالية أدبية متميزة من حيث المبنى والمعنى .. جميل أن يتأسس النص على محطات زمانية / الصباح / المساء /.. ومكانية / المنزل / .. حرص فيها السارد على تتبع التفاصيل والجزئيات التي جاءت على شكل التماعات تضيء النص .. فساهمت في توليد حس الأمن والطمأنينة لهذه الجدة الطيبة .. والتي كانت بمثابة ثريا تنير أركان البيت .. فالبطلة عبرت عن إحساسها بصدق وأمانه عن العلاقة التي تربطها بجدتها .. إلا أنها استغربت منها لما كانت تطيل النظر للعصفور وهو في قفصه .. والسارد اختار القفص كرمز إيحائي جيد لانعدام الحرية في البلد ، أما موته وهو داخل قفصه فهو تعبير عن قبر الحرية المطلوبة .. فكأنها كانت يائسة من تطور الأحداث نحو الأسوء .. لذلك نقشت المعطف بطريقتها الحالية ، فاختارت اللون الرمادي والأحمر دلالة على غموض الأفق وضبابية المستقبل الآتي .... . والسارد لم يفسر هذه العلاقة بل منح للحفيدة أن تقرأ هذه العلاقة حسب منظورها الخاص ..
موت العصفور هو مؤشر قوي على قرب أجل الجدة ، ماتت وهي تتحسر على عدم معايشتها لحرية تليق بحفيدتها .. فلا حاجة لها لمعطف غامق الشكل منفر للرؤية البصرية .. لكنها لها حس قوي بتغير المستقبل ، لها رؤية منبثقة عن تجربة وخبرة بأن الأمور سوف تتغير مع الزمن .. فإذا كان مستقبلها قد أفل ، فإن مستقبل الحفيدة سيكون زاهراً .. وسوف تعيش تحت معطف الحرية ، فكان المعطف الذي تركته في الدولاب هو رمز للمستقبل الزاهر والحفيدة يحق أن تفتخر به .. ما دامت تتمتع بحريتها داخل بلدها الحر .. لذلك استحق أن يطلق عليه / معطف الحرية / ..
جميل ما كتبت وأبدعت أخي موسى .. نص جميل قوي من حيث الفكرة ، نص جاد من حيث الرؤية الهادفة لتيمة الحرية التي جاءت موزعة على أفعال وسلوكات رمزية تقوي من فاعلية الأحداث الصغرى وعلاقتها بالأحداث الكبرى ..
بالمناسبة تذكرت / معطف دوللي بارطون المغنية الشهيرة التي تغنت بمعطف أمها ..
معطف غوغول ، معطف دولي بارطون/ وهو معطف متعدد الألوان coat of many colors للمغنية الأمريكية دولي بارطون ملكة موسيقى الكنتري "
كيف كانت أم المغنية بارطون تصنع معاطف من الألوان بارطون تحيكها لبناتها من قطع الأثواب ، مضمون تيمة الأغنية إذن هي الفقر ونظرات الآخرين ..
تقديري واحترامي ..
وما قراءتي المتواضعة إلا اجتهاد ذاتي .. أتمنى أن يجانبني الصواب ..
الفرحان بوعزة ..


الصديق الجميل الفرحان بوعزة

بصراحة احترت فيما أكتب لك من كلمات تليق بهذا الحضور وهذا الجهد الرائع الذي محته النص من وقتك الثمين.

فلا هي قراءة ذكية جدا لأحداث النص ورمزياته...

فما أسعدني وما أوفر حظي لهذه القراءة الثقافية للنص هذا يشعر الكاتب بان نصه قد نال الحياة ونال التقدير لما كتبه، ففي المنتديات بشكل عام قلما نجد تعليقات بهذا المستوى...

واعذر تقصيري معك...


الساعة الآن 08:34 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team