منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   جدران ملساء (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=26227)

ريم بدر الدين 01-30-2020 10:25 PM

جدران ملساء
 
جدران ملساء

ريم بدر الدين بزال

بدأ النور يشق ستور العتمة كأنه طفل فضولي يدخل يديه المخفيتين في قلب السماء ، يتلمس أطراف نسيجها و يزيحها رويدا رويدا ثم يترك المهمة التالية لأشعة الشمس.
عندما يكمل النور دورته الكاملة اعتبرها لحظة مقدسة ، أحب أن أرتشفها كل يوم مع قهوتي الصباحية. شرفتي صغيرة تتسع لمقعدين، من خلال زجاجها المغلق اطلع على الحياة.
هذا الصباح ككل الصباحات، لم يستيقظ جيراني في الأبنية المجاورة إذ لم تعبق رائحة القهوة من نوافذ المطابخ و في فضاءات السلالم. لم تفتح أبواب الشرفات بعد و لم أرَ المؤشر اليومي لاستيقاظ ربات البيوت و هو الغسيل الندي الطازج يمارس شعور الأراجيح مع النسمات ،و مع ضوء الشمس. قالت لي المرحومة زوجتي ذات مرة أن ظاهرة نشر الغسيل على الشرفات ظاهرة غير حضارية لكنني أراها وجها من وجوه الحياة .
لمحت كتلة سوداء تتسلق البناء المقابل. حدقت قليلا فتبين لي أنه جرذ متوسط الحجم ، كان يتشبث بحائط البناء المكسو بالاسمنت الخشن كما يفعل متسلقو الجبال. شعرت بالتقزز من منظره و يعود هذا إلى فوبيا من الحيوانات الحية و الميتة تسكنني منذ كنت طفلا.
كانت نافذة المنور الأمامي للبناء مفتوحة ، تسلل الجرذ إلى الداخل !.
احترت بين أن أحذر السكان من هذا الضيف غير المرغوب به أو أترك الأمور تجري على عواهنها، غير أن قراراتي طويت مع صوت انطباق باب شقتي. هاهي ابنتي قد أتت لتتفقدني و تقوم ببعض شؤوني.
في الصباح التالي و أثناء موعد قهوتي على شرفتي لمحت عددت من الجرذان تتسلل عبر المنور المفتوح في البناء المجاور . شعرت بالقلق الفعلي و عزمت أن أبلغ سكان البناء المقابل لي لكن ابنتي منعتني فقد خشيتْ أن يعتبرني الجيران عجوزا خرفا يعاني من هلاوس بصرية بفعل تقدم السن.
كل صباح أشاهد تزايداً في أعداد الجرذان السوداء التي تتسلق الجدار و يخيل لي أن أحجامها أًصبحت تكبر بسرعة.
لم يطل الوقت عندما بدأت صيحات النسوة تتعالى من البناء المجاور عندما يكتشفن الغزو الجرذي في بيوتهن.
لم تجد مصائد الفئران نفعا في الحد من تدفق الجرذان بل بدا أن الجرذان تعتبر المصائد المنصوبة نوعا من التسلية و الترفيه.
بدأ سكان الأبنية المجاورة باتخاذ الإجراءات الوقائية و التفتيش الحثيث عن جحر هنا أو هناك داخل بيوتهم و سده، و بدأوا في سكب المواد الكيماوية الحارقة في المصارف ، و إحكام إغلاق النوافذ و الأبواب. لم يجد هذا نفعاً فهرب السكان من بيوتهم تدريجيا و لم يبق إلا السكان الذين لا يملكون ما يمكنهم من الهرب إلى مكان آخر.
بقي بناءنا الوحيد الذي لم تغزه الجرذان لأنه مكسو بمادة رخامية ملساء لا يستطيع الجرذ أن يتسلقها إضافة إلى وسائل الحماية الأخرى التي اتبعها السكان و الأبواب الموصدة بإحكام.
لم أعد أخرج للشرفة أبدا و اصبحت أراقب ما يحدث من النافذة الموصدة بإحكام، أرى الجرذان بأعدادها الكبيرة تدخل و تخرج من أبواب البناء و كأنها في نزهة.
لم أعد أرى السكان المتبقين في الأبنية المجاورة فلعلهم ماتوا أو هربوا أو . ..ربما أصبحوا رقيقا.
انقطعت ابنتي عن زيارتي حتى إشعار آخر، كانت تود أن تخرجني لكن الطرق انقطعت و تعذر عليها هذا.
تقوم الطائرات الحكومية بمسألة التموين الغذائي و الطبي حيث تقذف لنا المروحيات ما نحتاجه و يقوم فريق من الشباب بجمعه و توزيعه على سكان البناء
في الليل نسمع هدير قطعان الفئران و هي تجول في المكان كما لو أنها خيول برية هاربة من فيلم أمريكي قديم و هي تهددنا بدك باب البناء الموصد
أعتقد أننا لن نصمد طويلا في وجه هذا الغزو، فقد لمحت اليوم من نافذتي جرذاً يقف على قائمتيه الخلفيتين في مطبخ جيراني في البناء المقابل و كانت جارتي تغسل الأطباق و (هو )يمسك السوط . الغريب أنه في مثل حجم الإنسان ، رآني و لوح لي بيده في تهديد واضح!

العنود العلي 01-31-2020 02:02 AM

رد: جدران ملساء
 
لن أخبرك عن مدى شعوري بالقرف كلما وُصف لي مخلوق كريه من القوارض
في هذه القصــة تحديدا حاولت قـــدر المستطاع أن أتماسك ولجـــأت للخيــــال
لأتخلص من غثياني والقرف فتخيلت الجرذ هنا عبارة عن سنجاب جميل ورائع
لكن هذه الطريقة لم تفلح معي البتة , حيث أنني من الداخـــل كنت في قمة
التعب النفسي .. وكانت نفسي تضايقني وتهمـــس لي بضرورة التوقف عن
القراءة و يجب إطلاق الأسماء على عواهنها .. كنت قد قررت أن أستمع إليها
عندما وجدت السطور الأخيرة من قصتك الرائعة .. فتنفست الصعداء وأنا
أكتب لكِ أستاذة ريم .. بأن يراعك إبداعي ومنطقي .. مع فائق التقدير

صفاء الأحمد 01-31-2020 05:37 PM

رد: جدران ملساء
 
قصة جميلة جدا تنم عن ثقافة و ذكاء الكاتبة ريم بزال،
نبدأ من العنوان الرائع الذي يفتح للقارئ آفاق التأمل و التفكير و النظر للجدار الأملس كمخلّص لآخر سكان الحي أو ربما قاتلهم.
جاءت بداية القصة نافذة تطل على النور، عشنا مع السطور الأولى التي وصفت مظاهر الحياة في الصباح الباكر نفحة من أمل و ابتسامة سرعان ما تلاشت بعد اقتحام جيوش من الجرذان القصة،
اعتمدت الكاتبة على المزج بين رمزية القوارض السوداء أو المائلة للسواد و الواقع المرير بطريقة ذكية جدا.
فالجرذ يوازي الإنسان، كلاهما يصنعان جيوشا و يشنوا الحروب على بني جلدتهم، علاوة على أن الجرذ كائن طفيلي يثير ذعر الإنسان رغم ضآلة حجمه، على مر التاريخ استطاعت الجرذان الانتشار و التكاثر و التعاضد بطريقة صعب معها القضاء عليها، حيث أنها تتبنى الصورة الأكثر قذارة للقوارض حيث تقوم بسرقة الطعام و إتلاف الممتلكات الخاصة و تأكل جثث الموتى بدت هنا و كأنها عصابات أو جماعات مافيا أرسلت في بادئ الأمر جرذ ليستطلع الوضع العام في المنطقة ، ثم مجموعة جرذان ثم شنّت الهجوم بغير هوادة.
فكان من الطبيعي وقوع سكان الأبنية المجاورة ضحايا نزوح أو موت أو عبودية، بعد احتلال الجرذان لجميع الأبنية.
قال الكاتب البريطاني جوناثان بيتر في كتابه (الجرذ ) : "لو تطور الإنسان نحو الأسوأ لن يصل إلى القرد بل إلى الجرذ."
في نهاية القصة ربما وضعت الجدارن الملساء حد للجرذ الذي يوازي الإنسان، حيث منعته و إن مؤقتا من اقتحام آخر مبنى في الحي، رغم محاولات حثيثة. لكن النتيجة كانت حبس قسري لكل سكان البناية، و حياة مع وقف التنفيذ، مغلفة بالخوف و الترقب وانتظار سكانها نهايتهم الحتمية فالحرب وباء لا يحابي أحد، جاءت القفلة مدهشة حيث البَسَت الجرذ ثوب الوحشية الذي يرتديه الإنسان، و حمله سوط ( للتعذيب ) و تهديده لمسالم خائف يراقب حتفه عبر النافذة.

سعيدة جدا بمطالعة هذه القطعة الأدبية الرائعة ..
شكرا أستاذة ريم.

بتول الدخيل 02-01-2020 02:04 PM

رد: جدران ملساء
 
قصة جميلة ورائعة استاذتي الكبيرة ريم

باقة ود:Untitled-3:

هيثم المري 02-02-2020 01:52 AM

رد: جدران ملساء
 
قصة تدور بنا من المعقول المرفوض إلى غير المعقول الجائز
أحببت إختيارك للفئران حيث أتاحوا لنا إستغلال الخيال بأسلوب عقلاني
شكرا سيدتي الإدارية على نصك الرائع .. تحيتي لكِ

فارس العمر 02-03-2020 12:39 AM

رد: جدران ملساء
 
مضمون القصة رائع وتجاوز حدود التوقعات ~ والفأر حيوان مقزز كما سيق وأن نوهت الأستاذة العنود ~ لكنك أبدعتِ سيدتي الكريمة حين أبعدتِ عن إذهاننا الفأر أو الجُرذ ~ عندما إستشهدتِ بقول الكاتب البريطاني جوناثان بيتر في كتابه (الجرذ ) : "لو تطور الإنسان نحو الأسوأ لن يصل إلى القرد بل إلى الجرذ." فجعلتِ المتلقي يخفف من وطأة التفكير بالقارض إلى التفكير والخوف على نفسه ~ شكرا أختي ريم على قصتكِ الرائعة ~ لكِ مني تحية وسلاما

المختار محمد الدرعي 02-03-2020 04:29 PM

رد: جدران ملساء
 
ليتها كانت جرذانا حقيقية لأنها لا تستطيع أن تقتل و تهجر السكان و يمكن القضاء عليها بمجز مواد قاتلة في قطعة من الجبن..
جميلة أعجبتني رمزية الجدار
تقديري واحترامي

عبدالعزيز صلاح الظاهري 02-10-2020 01:40 PM

رد: جدران ملساء
 
جدران ملساء واخرى خشنة

يدان مخفيتين ومهمة تالية
جيران في سبات كل صباح
ونظرتان حول نشر الغسيل
وفوبيا من حيوانات حية و ميتة تسكن ذلك الطفل.!.
وسكان متبقين في الأبنية المجاورة لعلهم ماتوا أو هربوا أو . ..ربما أصبحوا رقيقا.
انقطعت ابنتي عن زيارتي حتى إشعار آخر،
الطرق انقطعت.
طائرات تقذف بالغذاء والدواء
أعتقد أننا لن نصمد طويلا في وجه هذا الغزو،
لمحت اليوم من نافذتي جرذاً في مثل حجم الإنسان
يقف على قائمتيه الخلفيتين يمسك سوطا .
لوح لي بيده في تهديد واضح
الاستاذة ريم بدر الدين بزال
احببت ما كتبتي فككت الجمل عزلتها كنت اشعر ان هنالك شيء مفاجئ يخرج خلسة ليدلني ولكن ما يلبث ان يتلاشى فلم اجد سوى العنوان وما سطره خيالك في اخر الكلام
الان سأتوقف وانظر الى ذلك الجدار الاملس الذي بنيتيه بأبداع "كدرع " والى ذلك الحيوان الشبيه بالإنسان الذي يلوح بيده مهددا

ريم بدر الدين 03-24-2020 11:48 PM

رد: جدران ملساء
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة العنود العلي (المشاركة 251062)
لن أخبرك عن مدى شعوري بالقرف كلما وُصف لي مخلوق كريه من القوارض
في هذه القصــة تحديدا حاولت قـــدر المستطاع أن أتماسك ولجـــأت للخيــــال
لأتخلص من غثياني والقرف فتخيلت الجرذ هنا عبارة عن سنجاب جميل ورائع
لكن هذه الطريقة لم تفلح معي البتة , حيث أنني من الداخـــل كنت في قمة
التعب النفسي .. وكانت نفسي تضايقني وتهمـــس لي بضرورة التوقف عن
القراءة و يجب إطلاق الأسماء على عواهنها .. كنت قد قررت أن أستمع إليها
عندما وجدت السطور الأخيرة من قصتك الرائعة .. فتنفست الصعداء وأنا
أكتب لكِ أستاذة ريم .. بأن يراعك إبداعي ومنطقي .. مع فائق التقدير

و هل أضيف شيئا؟ حسنا يا صديقتي. أنا أيضا ينتابني شعور بالخوف من أي حيوان سواء كان حيا أو ميتا. و لكن أخشى ما أخشاه هو الجرذ و الأفعى.
لكن الحقيقة هو أنني أتعامل مع الموضوع برمزيته. و ببدو أن بعض رؤاي تصدق أحيانا. و نحن ًنعيش ما نعيشه في العزلة الإجبارية التي اختارتنا
أتمنى للجميع جدرانا ملساء لا يعتليها المرض أو القوارض أو أيا من الأمور المزعجة.
كل التقدير و المحبة و الدعاء بأمن موفور و عافية سابغة

ريم بدر الدين 03-24-2020 11:50 PM

رد: جدران ملساء
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صفاء الأحمد (المشاركة 251064)
قصة جميلة جدا تنم عن ثقافة و ذكاء الكاتبة ريم بزال،
نبدأ من العنوان الرائع الذي يفتح للقارئ آفاق التأمل و التفكير و النظر للجدار الأملس كمخلّص لآخر سكان الحي أو ربما قاتلهم.
جاءت بداية القصة نافذة تطل على النور، عشنا مع السطور الأولى التي وصفت مظاهر الحياة في الصباح الباكر نفحة من أمل و ابتسامة سرعان ما تلاشت بعد اقتحام جيوش من الجرذان القصة،
اعتمدت الكاتبة على المزج بين رمزية القوارض السوداء أو المائلة للسواد و الواقع المرير بطريقة ذكية جدا.
فالجرذ يوازي الإنسان، كلاهما يصنعان جيوشا و يشنوا الحروب على بني جلدتهم، علاوة على أن الجرذ كائن طفيلي يثير ذعر الإنسان رغم ضآلة حجمه، على مر التاريخ استطاعت الجرذان الانتشار و التكاثر و التعاضد بطريقة صعب معها القضاء عليها، حيث أنها تتبنى الصورة الأكثر قذارة للقوارض حيث تقوم بسرقة الطعام و إتلاف الممتلكات الخاصة و تأكل جثث الموتى بدت هنا و كأنها عصابات أو جماعات مافيا أرسلت في بادئ الأمر جرذ ليستطلع الوضع العام في المنطقة ، ثم مجموعة جرذان ثم شنّت الهجوم بغير هوادة.
فكان من الطبيعي وقوع سكان الأبنية المجاورة ضحايا نزوح أو موت أو عبودية، بعد احتلال الجرذان لجميع الأبنية.
قال الكاتب البريطاني جوناثان بيتر في كتابه (الجرذ ) : "لو تطور الإنسان نحو الأسوأ لن يصل إلى القرد بل إلى الجرذ."
في نهاية القصة ربما وضعت الجدارن الملساء حد للجرذ الذي يوازي الإنسان، حيث منعته و إن مؤقتا من اقتحام آخر مبنى في الحي، رغم محاولات حثيثة. لكن النتيجة كانت حبس قسري لكل سكان البناية، و حياة مع وقف التنفيذ، مغلفة بالخوف و الترقب وانتظار سكانها نهايتهم الحتمية فالحرب وباء لا يحابي أحد، جاءت القفلة مدهشة حيث البَسَت الجرذ ثوب الوحشية الذي يرتديه الإنسان، و حمله سوط ( للتعذيب ) و تهديده لمسالم خائف يراقب حتفه عبر النافذة.

سعيدة جدا بمطالعة هذه القطعة الأدبية الرائعة ..
شكرا أستاذة ريم.

سعيدة أنا أيضا بابنتي القاصة الجميلة صفاء و هي تحلل القصة بمهارة و حرفية.
كل التمنيات لك بالأجمل يا صفاء
جماكِ الله و أهلك


الساعة الآن 12:00 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team