منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6821)

ايوب صابر 02-23-2012 09:32 AM


* القاهرة مكتب الجزيرة إنصاف زكي
أبو المعاطي أبو النجا من أبرز الأدباء العرب الذين يكتبون القصة النفسية ويعبرون بدقة عن المشاعر الداخلية للإنسان وتحمل اعماله الابداعية سواء القصصية او الروائية تجارب حافلة بكل ما هو انساني فهو يرصد الواقع بمفرداته الحسية ويتوغل في التفصيلات الدقيقة للشخصية الانسانية ولم يقع أسير الواقع الحرفي ولم يهرب إلى عالم الفانتازيا بتهاويله الخرافية لذا نجح في نسج خيوط تجربته الابداعية فوصفه النقاد بانه ابرع اديب عربي كتب القصة النفسية.


صدرت للأديب ابو المعاطي ابو النجا ثماني مجموعات قصصية منها (فتاة المدينة، ابتسامة غامضة، الناس والحب، مهمة غير عادية، الجميع يربحون الجائرة), وأصدر روايتين هما (العودة الى المنفى، ضد مجهول), واصدر كتاباً نقدياً واحداً بعنوان (طرق متعددة لمدينة واحدة).

التقته الجزيرة في هذا الحوار الذي تحدث فيه عن مسيرته الابداعية واعماله وتجربته في كتابة القصة النفسية والعديد من القضايا الادبية الاخرى.

* الاتجاه الى الطريق الادبي لا بد ان تقف وراءه دوافع كثيرة ما هي دوافع البداية عند الاديب ابو المعاطي ابو النجا؟
تفتح وجداني الأدبي على قراءات الف ليلة وليلة وسيرة ابو زيد الهلالي وغيرها من السير الشعبية حينما كنت اقرأها في الصبا الباكر لبعض اهالي قريتي، حيث كانوا يطلبون مني قراءتها لهم مما كان يملؤني شعوراً بالاعتزاز بنفسي كما فتح لي المنفلوطي وجبران خليل جبران وايليا ابو ماضي وأمين الريحاني وغيرهم الباب واسعاً لعالم الابداع فقد بدأت ادرك ان وراء حدود قريتي الصغيرة والضيقة عوالم واسعة، وهكذا بدأت الرحلة فبدأت اغامر بكتابة بعض الخواطر التي واظبت على كتابتها فترة طويلة أتعلم من قراءاتي وخبراتي المستمدة من تجاربي حتى بدأت النشر في دار الآداب البيروتية وكانت اول مجموعة قصصية نشرت لي فيها بعنوان (فتاة في المدينة) وكتب الناقد الراحل انور المعداوي مقدمة نقدية لها ولقيت هذه المجموعة ترحيباً كبيراً من نقاد هذه المرحلة وكان لذلك أكبر الآثر في دفعي للمضي في تيار الكتابة القصصية ثم تتابعت مجموعاتي القصصية وكانت تتنشر بنوع من التوازن بين دار الآداب في بيروت والهيئة العامة للكتاب ودار الهلال بالقاهرة.

القصة النفسية
* يطلق عليك العديد من النقاد بأنك ابرز اديب كتب القصة النفسية، كيف ترى ذلك! وهل هناك مؤثرات خاصة ساهمت في اتجاهك لهذه الكتابة؟
فيما يتعلق بكتابة القصة النفسية اعتقد ان الجانب النفسي الداخلي للانسان بشكل عام وللشخصية الروائية بخاصة هو الجانب الذي تسعى كل الاعمال القصصية او الروائية لرصد حركته وتسجيل نبضاته بقوة وامانة وكل ما في الامر ان الكتاب في سبيلهم للوصول الى هذه الغاية سيسلكون سبيلين فبعضهم يهتم برصد السلوك الخارجي للشخصية السلوك الظاهر للعيان قولاً او فعلاً وهو هنا يرصد هذا السلوك في علاقته بسلوك الشخصيات الاخرى وفي الواقع الخارجي المرئي ويرى ان هذا الرصد هو الطريقة المثلى والاكثر صدقاً في رصد الجانب النفسي الداخلي، كما ان الاكتفاء بمثل هذا الرصد الخارجي يترك هامشاً واسعاً من الحرية للقارئ في استكشاف الجانب النفسي الداخلي وهو ما يناسب القارئ ويمنح فرصة لتعدد التأويلات والتفسيرات، اما البعض الآخر من الكتاب واظنني منهم فهم لا يركزون على رصد السلوك الخارجي كما هو في الداخل وفق ما تقتضيه طبيعة الموقف في القصة او في الرواية المهم ان يتم هذا الرصد لسلوك الشخصية سواء في الداخل او الخارج بقدر كبير من الحياد والشفافية.

اما فيما يتعلق بالمؤثرات فهناك اشياء كثيرة من الصعب حصرها لكن يمكن النظر اليها كتيارات عامة فهناك مثلاً تيار المهن التي عملت بها في حياتي الوظيفية فقد عملت لمدة اعوام قليلة بالتدريس كما عملت محرراً بمجمع اللغة العربية بالقاهرة بعد تخرجي في كلية دار العلوم جامعة القاهرة, كما عملت مديراً للعلاقات العامة والاعلام في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي بالكويت لمدة عشر اعوام اقتربت خلالها بشدة من مشكلات التربية والتعليم كما عملت بعد ذلك بمجلة العربي الكويتية، وعبر هذه الرحلة الممتدة تفاعلت مع افراد ومجموعات من كبار الكتاب والمثقفين في الوطن العربي، وهناك ايضاً تيار الاحداث الكبرى التي عاشها جيلي بما تمثله من انتصارات وهزائم ومتغيرات في مناحي الفكر والعمل، وبشكل عام لا يمكن الفصل بين تأثر الكتاب وتأثير الخبرات والتجارب العملية والابداع التي تتطور او تتغير مع تطور نظريات المعرفة والعلم والثقافة وبالطبع كنت اتابع مثل هذا التطور عبر رحلة الحياة ويمكن القول ان التأثر الباكر في مرحلة الشباب كان واقعاً تحت تأثير تيارين متناقضين ومع ما بين هذين التيارين من اختلافات حادة ففي داخلي عقدت بينهما نوعاً من الصلح لاحظه من كتب عن القصص التي كتبتها في تلك المرحلة فقد كانت ازمة العلاقة بين الفرد والجماعة هي النغمة الاساسية التي تتردد بقوة في قصص هذه المرحلة كما اكد معظم من كتبوا عن اعمالي القصصية في هذه المرحلة من النقاد.

تجربة الغربة
* وماذا عن تجربة الغربة حيث قضيت 15 عاماً بعيداً عن الوطن هل كان لها تأثيرها على ابداعك؟

تجربة الغربة والعمل في الخارج كان لها تأثيرات مختلفة على اعمالي الابداعية بعضها ايجابي والآخر سلبي ومن التأثيرات الايجابية اقترابي من مجموعات المثقفين العرب الذين عملوا هناك في الفترة التي كنت بها بالخارج وتعرفت على رؤاهم المختلفة لقضايانا الثقافية والحياتية وقد تناولت في بعض مجموعاتي القصصية مشكلات العمل وهذه الرؤى المختلفة، اما الجوانب السلبية فقد كان اهمها التوقف الذي حدث لمشروعي الروائي الذي كان يحتاج الى نوع من التفرغ المستمر ويحتاج قدراً من المتابعة المستمرة للمتغيرات اليومية، وبشكل عام فإن تجربة الغربة ساهمت كثيراً في اثراء رؤيتي للعديد من القضايا القومية والوطنية والثقافية واكتشاف ينابيع جديدة في مشوار الابداع.


* بين مجموعاتك القصصية ورواياتك ايهما احب اليك؟
اجد نفسي في الرواية اكثر ولكنها تحتاج الى وقت طويل ومتابعة مستمرة للمتغيرات اليومية ولكن كانت القصة القصيرة هي الشكل الاكثر مناسبة لظروف حياتي ولشخصيتي التي تميل للانطوائية والتأمل وحين واتتني فرصة التفرغ كتبت روايتين هما العودة الى المنفى، وضد مجهول وكان لدي مشروع روائي لرصد جوانب من حياة ذلك الجيل الذي خرج من الحياة في الريف الى الحياة والعمل في المدينة ولكن هذا المشروع متوقف، وخلال حياتي في الخارج كانت القصة القصيرة هي الشكل الاكثر ملاءمة لي للكتابة الادبية فهو عمل يتوقف انجازه على جهدي وحده كما يمكن انجازه في اوقات الفراغ المتقطعة التي تسمح بها ظروف العمل.

بين النقد والإبداع
* وماذا عن موقف النقد من ابداعاتك؟
في بداية ظهروي ونشأتي كان موقف النقد جيدا ومتعاطفا ومتفهماً ومبشراً واعتقد ان هذا هو دور النقد في اكتشاف اي كاتب جديد وهو ان يلفت اليه الانظار، ومن المفترض ان يتابع الناقد الموهبة وهل حققت الوعود الملقاة عليها وهل تتطور بالقدر الكافي، وما الاساليب التي ابتكرها في الكتابة، اما ما يحدث على ارض الواقع فغير ذلك تماماً حيث مر النقد بمرحلتين الاولى قبل عام 67 حيث كانت الروح الوطنية والقومية والعدالة الاجتماعية وكان النقد في هذه المرحلة احادي الاتجاه او النظرة فالاعمال التي كانت تؤيد هذا الاتجاه كان النقد يقف بجانبها والعكس صحيح كما كان هناك تركيز على اسماء كبيرة ظهرت وتبلورت واصبحت رموزاً للمرحلة مثل يوسف ادريس ونجيب محفوظ وحجازي وعبدالصبور اما المرحلة الثانية بعد عام 67 فقد حدث خلالها نوع من الفوضى النقدية حيث الرغبة في التغلب على صدمة الهزيمة وفهم ما حدث، اما الآن فنحن في مرحلة بها قدر من التوازن وفيها قدر من التعدد والتنوع فلم يعد الناقد موجهاً بوصلته على نظرية نقدية معينة يقيس عليها ابداعات الآخرين كما كان في السابق، ومن المهم هنا التأكيد على خروجنا من اطار الرؤية الواحدة او الاتجاه الواحد في النقد، وكل عمل جيد لابد من الالتفات اليه نقدياً.


في هذا الصباح
* اخيراً ماذا عن مجموعتك القصصية الجديدة (في هذا الصباح) وخاصة انها جاءت بعد غياب طويل عن الكتابة؟
(في هذا الصباح) مجموعة قصصية تدور بين مجموعات من البشر العاديين وتغوص في ادق مشاعرهم الانسانية وتبرز آمالهم وطموحاتهم وآلامهم ومعاناتهم اليومية البسيطة، وقد جاءت هذه المجموعة بالفعل بعد فترة غياب طويلة نسبياً لان الكتابة لدي ليست وظيفة او نوعاً من الوظيفة فأنا لا اتوجه للكتابة الا اذا كانت لدي فكرة اتوهم انها جديدة أو مختلفة على الاقل بالنسبة لما سبق لي ان كتبته وهكذا جاءت في هذا الصباح.

مجهول الطفولة

ايوب صابر 02-26-2012 09:54 PM

38- وكالة عطية خيري شلبي مصر

وكالة عطية
تأليف: خيرى شلبى
سنة النشر: 2008
نبذة: يتسبب اعتداء بطل الرواية الطالب المتفوق بمعهد المعلمين بدمنهور على مدرسه في طرده من المعهد وسقوطه إلى العالم السفلى: وكالة عطية: مأوى المهمشين والصعاليك والأشقياء في المدينة. ومن هنا يأخذنا الكاتب الكبير خيري شلبي في واحدة من أمتع الرحلات وأكثرها تشويقا، إلى قاع مدينة دمنهور وعوالم مثيرة بل تكاد تكون خيالية. حصلت هذه الرواية على جائزة ميدالية نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2003، وصدرت بالإنجليزية عام 2007.
خيري شلبي أحد أهم كُتَّاب الرواية في العالم العربي، وحائز على جائزة الدولة التقديرية عام 2005. له أكثر من 70 كتابا ما بين الرواية والقصة والمسرحية والدراسة، من أشهرها: وكالة عطية وصالح هيصة وثلاثية الأمالي وزهرة الخشخاش ونسف الأدمغة. وترجمت أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية والصينية والكورية والأردية.

====
خيري شلبي طفولة بائسة كما يقول هذا الفلم الوثائقي:
http://www.youtube.com/watch?v=goCsWrLn4NI

ايوب صابر 02-26-2012 10:03 PM

خيري شلبي

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة


خيري شلبي (31 يناير 1938 - 9 سبتمبر 2011)، كاتب وروائي مصري. ولد بقرية شباس عمير بمركز قلين بمحافظة كفر الشيخ.



الجوائز
[عدل] أعماله

من أشهر رواياته : السنيورة، الأوباش، الشطار، الوتد، العراوى، فرعان من الصبار، موال البيات والنوم، ثلاثية الأمالى (أولنا ولد - وثانينا الكومى - وثالثنا الورق)، بغلة العرش، لحس العتب، منامات عم أحمد السماك، موت عباءة، بطن البقرة، صهاريج اللؤلؤ، نعناع الجناين، بالإضافة إلى :
اسم الروايةملخصسنة الإصدارصالح هيصةقصة شخصية مثيرة للجدل من عموم الشعب المصري لها آرائها الخاصة في الحياة2000نسف الأدمغةعصابة تتاجر ببعض البقايا البشرية لكي تنتج أنواعاً أشد فتكاً من المخدرات2004زهرة الخشخاشقصة شاب مصري من عائلة معروفة في منتصف الخمسينات2005وكالة عطيةوكالة عبارة عن مبنى قديم يؤوي متشردين لكل منهم قصته الخاصة وعالمه الغريب2007صحراء المماليكصحفي يسكن في منطقة جديدة وعلاقاته بشخص غير مرغوب فيه2008اسطاسيةقصة عائلة فاسدة والعلاقات المتوترة بين المسلمين والأقباط2010من مجموعاته القصصية: صاحب السعادة اللص، المنحنى الخطر، سارق الفرح، أسباب للكى بالنار، الدساس، أشياء تخصنا، قداس الشيخ رضوان، وغيرها.
من مسرحياته: صياد اللولي، غنائية سوناتا الأول، المخربشين.
من مؤلفاته ودراساته: محاكمة طه حسين: تحقيق في قرار النيابة في كتاب الشعر الجاهلي، أعيان مصر (وجوه مصرية)، غذاء الملكات (دراسات نقدية)، مراهنات الصبا (وجوة مصرية)، لطائف اللطائف (دراسة في سيرة الإمام الشعراني)، أبو حيان التوحيدي (بورتيره لشخصيته)، دراسات في المسرح العربي، عمالقة ظرفاء، فلاح في بلاد الفرنجة (رحلة روائية)، رحلات الطرشجي الحلوجي، مسرح الأزمة (نجيب سرور) وغير ذلك.
رائد الفانتازيا التاريخية في الرواية العربية المعاصرة، وتعد روايته (رحلات الطرشجى الحلوجى) عملا فريدا في بابها.
كان من أوائل من كتبوا مايسمى الآن بالواقعية السحرية، ففى أدبه الروائى تتشخص المادة وتتحول إلى كائنات حية تعيش وتخضع لتغيرات وتؤثر وتتأثر، وتتحدث الأطيار والأشجار والحيوانات والحشرات وكل مايدب على الأرض، حيث يصل الواقع إلى مستوى الأسطورة، وتنزل الأسطورة إلى مستوى الواقع، ولكن القارئ يصدق مايقرأ ويتفاعل معه. على سبيل المثال روايته (السنيورة) وروايته (بغلة العرش) حيث يصل الواقع إلى تخوم الأسطورة، وتصل الأسطورة في الثانية إلى التحقق الواقعى الصرف، أما روايته (الشطار) فإنها غير مسبوقة وغير ملحوقة لسبب بسيط وهو أن الرواية من أولها إلى آخرها (خمسمائة صفحة) يرويها كلب، كلب يتعرف القارئ على شخصيته ويعايشه ويتابع رحلته الدرامية بشغف.
[عدل] في السبعينيات

في فترة السبعينيات من القرن الماضى كان خيرى شلبى باحثا مسرحيا، إكتشف من خلال البحث الدؤوب أكثر من مائتى مسرحية مطبوعة في القرن التاسع عشر وأواسط القرن العشرين، بعضها تم تمثيله على المسرح بفرق شهيرة وقد نشرت أسماء الفرق والممثلين، وبعضها الآخر يدخل في أدب المسرح العصىّ على التنفيذ، وقد أدهشه أن هذه المسرحيات المكتشفة لم يرد لها ذكر في جميع الدراسات التاريخية والنقدية التي عنيت بالتاريخ للمسرح المصري، ومعظمها غير مدرج في (ريبروتوار) الفرقة التي مثلتها، وبعضها الآخر إنقرضت الجوقات التي مثلتها. وقام الباحث بتحقيق هذه المسرحيات في حديث بإذاعة البرنامج الثاني (البرنامج الثقافى حاليا) تحت عنوان (مسرحيات ساقطة القيد) ضمن برنامج كبير كان يقدمه الروائى بهاء طاهر. والجدير بالذكر أن الباحث وضع خطة (حاليا) لتجميع هذه الأحاديث (وهي دراسات بكل معنى الكلمة) في كتاب كبير يحفظ لهذه الأعمال ريادتها.
الجدير بالذكر كذلك أن الباحث اكتشف ضمن هذه المجموعة من النصوص نصا مسرحيا من تأليف الزعيم الوطني مصطفى كامل بعنوان: (فتح الأندلس) وقام بتحقيقه ونشره في كتاب مستقل بنفس العنوان صدر عن هيئة الكتاب في سبعينيات القرن الماضى.
اكتشف أيضا مسرحية من تأليف العلاَّمة الشيخ أمين الخولي، وكان هذا شيئا مثيرا جدا، والمسرحية بعنوان: (الراهب) كتبها أمين الخولى لجوقة عكاشة، وكان يحضر جلسات التدريبات كل يوم وهو أحد قضاة مصر آنذاك ولكنه كان يحجب اسمه ووضع بدلا منه بقلم كاتب متنكر، إلا أن حيلته كانت مكشوفة لأن الخبر قد نشر أيامها. واستطاع الباحث تحقيق النص ونسبته إلى أمين الخولى، كما اكتشف صلة الشيخ بفن المسرح، ومحاولاته المتكررة في التأليف. وقد نشرت المسرحية في مجلة الأدب التي كان يصدرها الشيخ أمين، ونشرت الدراسة في أكثر من دورية ثقافية.
خيري شلبى هو مكتشف قرار النيابة في كتاب الشعر الجاهلي إذ عثر عليه في إحدى مكتبات درب الجماميز المتخصصة في الكتب القديمة، ولم يكن كتابا بل كراسة محدودة الورق متهرئة ولكنها واضحة وعليها توقيع النائب العام محمد نور الذي حقق مع طه حسين في القضية. وكان المعروف إعلاميا أن طه حسين قد أستتيب لتنتهى القضية، وبظهور هذا القرار النيابى إتضحت القضية واتضح أن النائب العام حفظ القضية لعدم كفاية الأدلة، وكانت أسئلة النائب العام وردود طه حسين عليها شيئا ممتعا وعظيما، كما أن المستوى الثقافي للنائب العام كان رفيعا، كل ذلك حفز الكاتب لتحقيق هذا القرار من الزاوية القانونية وإعادة رصد وقائع القضية وردود أفعالها اجتماعيا وأكاديميا وسياسيا وأدبيا ثم نتج عن ذلك واحد من أهم كتب خيرى شلبى وهو: كتاب (محاكمة طه حسين) الذي طبع أكثر من مرة في الهلال وفى الدراسات والنشر ببيروت ودار المستقبل بالقاهرة وكانت أولى الطبعات عام 1969.
يعد خيرى شلبى من رواد النقد الإذاعى، ففى فترة من حياته أثناء عمله كاتبا بمجلة الإذاعة والتليفزيون تخصص في النقد الإذاعى بوجهيه المسموع والمرئى. وكان إسهامه مهما لأنه التزم الأسلوب العلمى في التحليل والنقد بعيدا عن القفشات الصحفية والدردشة، فكان يكتب عن البرنامج الإذاعى كما يكتب عن الكتاب والفيلم السينمائى والديوان الشعرى.
ٌإبتدع في الصحافة المصرية لونا من الكتابة الأدبية كان موجودا من قبل في الصحافة العالمية ولكنه أحياه وقدم فيه إسهاما كبيرا اشتهر به بين القراء، وهو فن البورتريه، حيث يرسم القلم صورة دقيقة لوجه من الوجوه تترسم ملامحه الخارجية والداخلية، إضافة إلى التكريس الفنى للنموذج المراد إبرازه، وقدم في فن البورتريه مائتين وخمسين شخصية من نجوم مصر في جميع المجالات الأدبية والفنية والسياسية والعلمية والرياضية، على امتداد ثلاثة أجيال، من جيل طه حسين إلى جيل الخمسينيات إلى جيل الستينيات.
وقد صدر من هذه الشخصيات ثلاثة كتب هي:كتب النقد والدراسات الأدبية، ومن كتبه في هذا الصدد:
  • (غذاء الملكة) هيئة قصور الثقافة.
  • (لطائف اللطائف) دراسة في سيرة الشعرانى - دار العروبة.
  • (أبو حيان التوحيدى) دار العروبة.
  • (مؤرخو مصر الإسلامية) دار المستقبل.
عمل أستاذا زائرا بمعهد الفنون المسرحية لتدريس تاريخ المسرح المصري المعاصر.
قدمت أعماله للسينما في:في التليفزيون:وقد كتب المؤلف السيناريو والحوار لكل من المسلسلين.
ترجمت معظم رواياته إلى الروسية والصينية والإنجليزية والفرنسية والأوردية والعبرية والإيطالية، وخصوصا رواياته: الأوباش، الوتد، فرعان من الصبار، بطن البقرة، وكالة عطية، صالح هيصة.
قدمت عنه عدة رسائل للماجستير والدكتوراه في جامعات القاهرة وطنطا والرياض وأكسفورد وإحدى الجامعات الألمانية.
توفي فجر يوم 2011/9/9 عن عمر يناهز 73 عاماً

ايوب صابر 02-26-2012 10:06 PM

خيرى أحمد شلبى

مواليد قرية شباس عمير، مركز قلين، محافظة كفر الشيخ. رحل في صباح يوم الجمعة 9-9 2011، عن عمر يناهز ال73 عاماً. خيري شلبي كاتب وروائي مصري له سبعون كتاباً من أبرز أعماله مسلسل الوتد عن قصة بنفس الاسم قامت ببطولتها الفنانة المصرية الراحلة هدى سلطان في الدور الرئيسي "فاطمة تعلبة".

رائد الفانتازيا التاريخية في الرواية العربية المعاصرة، وتعد روايته رحلات الطرشجى الحلوجى عملا فريدا في بابها. كان من أوائل من كتبوا مايسمى الآن بالواقعية السحرية، ففى أدبه الروائى تتشخص المادة وتتحول إلى كائنات حية تعيش وتخضع لتغيرات وتؤثر وتتأثر، وتتحدث الأطيار والأشجار والحيوانات والحشرات وكل مايدب على الأرض، حيث يصل الواقع إلى مستوى الأسطورة، وتنزل الأسطورة إلى مستوى الواقع، ولكن القارئ يصدق مايقرأ ويتفاعل معه. على سبيل المثال روايته السنيورة وروايته بغلة العرش حيث يصل الواقع إلى تخوم الأسطورة، وتصل الأسطورة في الثانية إلى التحقق الواقعى الصرف، أما روايته الشطار فإنها غير مسبوقة وغير ملحوقة لسبب بسيط وهو أن الرواية من أولها إلى آخرها خمسمائة صفحة يرويها كلب، كلب يتعرف القارئ على شخصيته ويعايشه ويتابع رحلته الدرامية بشغف.

حاصل على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عام 1980- 1981. حاصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1980 – 1981. حاصل على جائزة أفضل رواية عربية عن رواية "وكالة عطية" 1993. حاصل على الجائزة الأولى لإتحاد الكتاب للنفوق عام 2002. حاصل على جائزة ميدالية نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عن رواية "وكالة عطية" 2003. حاصل على جائزة أفضل كتاب عربى من معرض القاهرة للكتاب عن رواية "صهاريج اللؤلؤ" 2002. حاصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب ‏2005‏. رشحته مؤسسة "إمباسادورز" الكندية للحصول على جائزة نوبل للآداب. يرأس حاليا تحرير مجلة الشعر (وزارة الإعلام). رئيس تحرير سلسلة : مكتبة الدراسات الشعبية (وزارة الثقافة).

من أشهر رواياته : السنيورة، الأوباش، الشطار، الوتد، العراوى، فرعان من الصبار، موال البيات والنوم، ثلاثية الأمالى (أولنا ولد - وثانينا الكومى - وثالثنا الورق)، بغلة العرش، لحس العتب، منامات عم أحمد السماك، موت عباءة، بطن البقرة، صهاريج اللؤلؤ، نعناع الجناين، بالإضافة إلى صالح هيصة: قصة شخصية مثيرة للجدل من عموم الشعب المصري لها آرائها الخاصة في الحياة ونسف الأدمغة :عصابة تتاجر ببعض البقايا البشرية لكي تنتج أنواعاً أشد فتكاً من المخدرات
زهرة الخشخاش: قصة شاب مصري من عائلة معروفة في منت

ايوب صابر 02-26-2012 10:12 PM

الراحل خيري شلبي

Fri, 9-09-2011 - 7:08Fri, 2011-09-09 19:08 | إيهاب الملاح

http://www.dostor.org/sites/default/...inimage/ss.jpg



«عميد دوحة الروائيين المصريين»، كما كان يعتبره الكثيرون، ويصفونه بالحكاء الماكر الساخر.. الراوي الشعبي بالوراثة، رسام الملامح والوجوه، الذي يمزج بين الفلكلور والأسطورة وصراعات الذات وأحلام المهمشين.. المتدفق في سرده كينبوع صاف يتفجر من باطن الأرض الطيبة..
توفي خيري شلبي وهو يكابد الكتابة ويعانيها كما كان يقول عنها، فالكاتب الذي ليس له صلة بالناس أو الذي يتعالى عليهم هو كاتب غير موجود أصلا..
عمر من الكتابة الغامرة الفياضة وإبداع غزير غزارة الشلال، راوح بين الرواية والقصة والقصيرة والمقال الأدبي والسيناريو وفنون أخرى.. انحفرت أعماله في مدونة الإبداع المصري والعربي بحروف من نور.. من منا لم يقرأ أو يسمع عن "الوتد"، "منامات عم أحمد السماك"، "ثلاثية الأمالي"، "رحلات الطرشجي الحلوجي"، "وكالة عطية"، "صحراء المماليك"، وغيرها من تراثه الروائي والقصصي الفاخر المعتبر.
كان خيري شلبي "وتدا" من أوتاد جيله الإبداعي الأشهر، جيل الستينيات، متوسطا عقد هذا الجيل مقترنا بإبراهيم أصلان وجمال الغيطاني وبهاء طاهر وصنع الله إبراهيم..
عندما زرته في منزله بالمعادي لإجراء حوار مطول معه، وكان بمناسبة الخطاب الذي ألقاه أوباما بجامعة القاهرة، وبعد أن صافحني اصطحبني إلى حجرة مكتبه، فوجئت بأنها في الحقيقة ليست حجرة مكتب بالمعنى الذي يتبادر إلى الذهن، إنما هي مساحة طولية مقتطعة من صالة الاستقبال الفسيحة، جعلها بمثابة جناح فاخر.. شديد التنظيم، مرتب بعناية فائقة، الكتب مرصوصة كأنها معروضة بشكل جميل في إحدى دور عرض الكتب، الإضاءة خافتة بسيطة توحي بأجواء حالمة كأنها تنبعث من ثنايا حكايات «ألف ليلة وليلة».. وعلى الحائط الملاصق للمكتب تتراص عدة صور فوتوغرافية قديمة لعدد من كبار مبدعينا الأعلام.. نجيب محفوظ، يحيى حقي، صلاح جاهين، وآخرين.
أسفل هذه الصور صف من الأجندات و"المفكرات" و"الكراريس" متنوعة الأحجام والأشكال منها ما هو قديم عتيق تفوح منه رائحة السنين ومكابدات الأيام، ومنها ما هو حديث المظهر.. هكذا كان عمنا "شلبي" يعتمد على التدوين والتسجيل حتى بعد أن تخطى السبعين وأسس منجزه الروائي على أسس راسخة.
برع خيري شلبي في كتابة "البورتريه الأدبي" اعتمادا على الذاكرة دون الاعتماد على أي مصادر أو الرجوع لمادة جاهزة مسبقا، "البورتريه" عند خيري شلبي فن قائم بذاته له مفهومه الواضح في ذهنه كان يراه صورة مرسومة لوجه من الوجوه، تصاحبها كتابة ترصد بدقة ملامح هذا الوجه الخارجية والداخلية وتترسم سماته وخصائصه، إضافة إلى التكريس الفني للنموذج المراد إبرازه. ولم يكن يكتب عن شخصية إلا إذا كان مستوعبا لها محيطا بأبعادها المختلفة، وجمعت هذه البورتريهات في كتب عدة من أشهرها "أعيان مصر"، و"وصحبة العشاق"، وفرسان الضحك".
الكاتب الحق، في منظور خيري شلبي، لكي يكون صاحب دور حقيقي في الحياة، لا بد أن يكون في خندق واحد مع الناس يعيش آلامهم وأحلامهم، آمالهم وهمومهم، وتصبح الكتابة في هذه الحالة فعل مقاومة.. يقول شلبي "دور الكاتب في نظري أن يبصر الإنسان بقواه الخفية.. ويضع يد القارئ على قواه الخفية ويساعده على اكتشافها والإمساك بها وتطويرها"..
وظل خيري شلبي حتى رمقه الأخير يساعدنا على التبصر بقوانا الخفية.. رحم الله العم الكبير "خيري شلبي

ايوب صابر 02-26-2012 10:27 PM

الحكايات في حياة خيري شلبي يصل إلى مصب الرحيل
سيد محمود حسن

9-9-2011 | 15:47




لم تفقد مصر برحيل الكاتب خيري شلبي روائيا فذا فقط، لكنها فقدت كذلك نهرا من أنهار عطائها الكبير. إذ يصعب اختصار منجزه الفني في الكتابة الروائيةالتي أبدع فيها.

ويبدو لي أنه أقرب ما يكون لنهر تعددت روافده ،وصبت في مجرى واحد يحمل اسمه وتعرض العالم الفني لخيري شلبي في ظني لشيء من الاختصار المخل ، حيث سعت معظم الكتابات التي عالجته إلى حصره في القدرة على تناول فئة المهمشين اجتماعيا ، حتى بدا وكأنه مؤرخ لهذه الطبقة وتحولاتها في مصر.
ويلمس قارىء أعماله الغزيرة الكثيرالذي يخالف هذا الحكم المتسرع. لأن فيهاانفتاحا مدهشا على عوالم سردية تكشف خبرة فنية كبيرة وحياتية كذلك وتجاورا بين ما جرى في الريف المصري من تحولات عكسها في ( نعناع الجناين ، الوتد ، ثلاثية الأمالي )وما يجري في المدينة وانعكاساته على كافة فئات المجتمع سواء في القاع أو في القطاع الأعلى من الطبقة المتوسطة ( منامات أحمد السماك / صالح هيصة ، وكالة عطية ).
وتقدم السيرة الذاتية لخيري شلبي مفتاحا لفهم هذه القدرة التي كانت ابنة ل"خبرة الحياة " ففي بداية حياته عمل في مهن لا علاقة لها بالأدب والإبداع ولم يكن هدفه من وراء ذلك القيام بتجارب تفيده في الكتابة، ولكن كانت بهدف البحث عن لقمةالعيش فقد عمل في جمع القطن ،وتعلم كذلك مهنةالخياطة والحدادة، ثم النجارة واشتغل مع عمال التراحيل.
وخلال تلك الفترة زار معظم محافظات مصر، كما عمل بائعا جائلا في المواصلات العامة وهو ما أفاده في الكتابة وأعطاه تجربة بالمعايشة انعكست على أعماله التي عرض فيها لتحولات اجتماعية واقتصادية دفعت بشريحة المصريين للسكن في المقابر ومزاحمة الموتى لكنه بخبرةالكاتب الكبير جعل من هذا الموضوع الاجتماعي القاتم مصدرا للسخرية ولخلق عوالم أسطورية لا تخلو من " الفانتازيا " كما في مجموعتي " عدل المسامير / ما ليس يضمنه أحد ) أو روايات (السنيورة) ، (بغلة العرش) ، و(الشطار) والأخيرة توصف بأنها غير مسبوقة وغير ملحوقة لسبب بسيط وهو أنها ومن أولها إلى آخرها (خمسمائة صفحة) تروى على لسان كلب.
وفي مسار آخر قدم الراحل في أعماله الكثيرة عن الريف صورة تغاير الصورة التي رسخها ريف يوسف إدريس وعبد الرحمن الشرقاوي فهما قدّماالقرية المصرية من وجهة نظر بورجوازية. لكنه كتب عنها من مكان آخر بحكم تجربة الطفولة، والتراجع الطبقي لأسرته.
وانشغل الراحل كذلك بقضايا وجودية تتعلق بأسئلة المصير الإنساني ،إلى جانب الحرص على انصاف المرأة والتأكيد على القهر الاجتماعي الذي تتعرض له في كافة الطبقات.
وحقق خيري شلبي ذلك كله عبر الاتكاء على لغة متميزة في الحكي لا تخلو من التنوع في أساليب القص وهي على الرغم من فصاحتها لا تخلو من حيوية ومن طزاجة جعلتها قريبة من لغة الحياة اليومية.
وتكاد صفة " الحكاء " هي الصفة التي تلخص أسلوبه الفني وهو أسلوب استمده من شغفه الطفولي برواة السيرة الشعبية في قريته " شباس عمير " ومن معرفته العميقة بتراث الحكي الشعبي وتقاليدالكتابة في " ألف ليلة وليلة " فضلا عن انشغاله باكتشاف لغة سردية ظلت تنهل من مصادر الأدب الشعبي.
وفي كل حواراته حرص الكاتب الراحل على الإشارة إلى أن جانبا كبيرا من مصادر تميز لغته يعود إلى استفادته القصوى من المنجز اللغوي الذي راكمه يحيي حقي في أعماله كلها لا سيما مقالات النثر الفني التي كتبها والتي " لينت " لغة الكتابة وحررتها من القاموس ودفعت بها إلى ملامسة هموم الناس، كما رصد ذلك الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي في إشارته الذكية عن عالم الراحل إذ أكد " أن خيري شلبي منحته التجربة كتابته ومنحته كتابته نفسها فأغنى الرواية بعوالم لم يطأها قلم من قبله" كما أنصفه نجيب محفوظ حين سُئل عن سبب عدم كتابته عن القرية، فأجاب: "كيف أكتب عن القرية ولدينا خيري شلبي".
وحدها السنوات الأخيرة أنصفت الكاتب الراحل ووضعته في المكانة التي تليق به ككاتب كبير ، إذ تعرضت أعماله لتغييب نقدي ، لا أعرف إن كان تغييبا متعمدا أم يعود إلى غزارة أعماله وتنوعها ( حوالي 75 كتابا ) وبصورة لم تمكن من الإحاطة بها وإصدار أحكام قاطعة في شأنها.
واللافت كذلك أن معرفة القراءالمعاصرين بأعمال صاحب " صهاريج اللؤلؤ " تكاد تقتصر على كتاباته الروائية وتغيب عنها مسارات أخرى ، منها مساره كباحث ومحقق متميز ، إذ كشف خيري شلبي لأول مرة عن نصوص التحقيق مع الدكتور طه حسين في القضية الشهيرة المرتبطة بكتابه " في الشعر الجاهلي " وبفضل هذا الاكتشاف تمت تبرئة طه حسين في وعي المثقفين إذ عثر شلبي على قرار وكيل النيابة محمد نور بحفظ التحقيق في القضية وحفز ذلك الكاتب الراحل لتحقيق القرار من الزاوية القانونية، وإعادة رصد وقائع القضية وردود أفعالها اجتماعيا وأكاديميا وسياسيا وأدبيا ثم نتج عن ذلك واحد من أهم كتب خيرى شلبى وهو: كتاب (محاكمة طه حسين) الذي كانت أولى طبعاته عام 1969.
ويجهل قراءالكاتب الراحل كذلك أعماله المسرحية التي كتبها تأثرا بنشاطه الرئيس في الستينيات كناقد مسرحي لمجلة " الاذاعة " وهي الفترة التي أثمرت مجموعة كتب منها " دراسات في المسرح العربي ، وكتابه مسرح الأزمة (نجيب سرور) وغير ذلك. إلى جانب تأليف مسرحيات منها صياد اللولي، غنائية سوناتا الأول، المخربشين. ، كذلك أن الباحث اكتشف ضمن هذه المجموعة من النصوص نصا مسرحيا من تأليف الزعيم الوطني مصطفى كامل بعنوان: (فتح الأندلس) وقام بتحقيقه ونشره في كتاب مستقل بنفس العنوان صدر عن هيئة الكتاب في سبعينيات القرن الماضى كما اكتشف أيضا مسرحية من تأليف العلاَّمة الشيخ أمين الخولي بعنوان: (الراهب) .
وعلى خلاف الكثير من أبناء جيله لم ينخرط خيري شلبي في تجربةالانتماءإلى التنظيمات السياسيةالتي كانت عنوانا لمرحلتي الخمسينيات والستينيات وقد فسر ذلك، مؤكدا أن شغفه بالحكاية وولعه بالبوح والاعتراف كانا سبب نفور سماسرةالتجنيد للتنظيمات الشيوعية منه على أساس أنه لا يقوى على الاحتفاظ بسر. وقد حمد خيري شلبي الله على أنه لم يخض تجربة التنظيمات السياسية لأنها كانت ضد تكوينه الإنساني، لكن هذا لا يعني أنه كان ضد التنظيمات السياسية، بل كان شديدالاحترام لمن خاضوا تجربة التنظيم السياسي وقدموا تضحيات جسيمة في سبيل مبدأ آمنوا به، وتجلى ذلك الاحترام بوضوح في روايته " صحراء المماليك " التي صدرت في العام 2007 وتضمنت جانب من سيرة مثقفي جيله وكشفت صنوف التعذيب التي تعرضوا لها.
وفي السنوات الأخيرة تألق حضور خيري شلبي ككاتب بوتريه أو صورة قلمية لرموز الثقافة العربية والمصرية وهي البوتريهات التي جمعها في عدة كتب منها ( أعيان مصر ، صحبة العشاق ، عناقيد النور ) وفي الكتاب الأخير مقدمة متميزة كتبها حاتم حافظ تكشف عن جماليات البوتريه لدى الراحل الذي أصدر كتابه الأخير قبل أقل من شهرين بعنوان " أنس الحبايب " وتضمن فصول من سيرته الذاتية " التي غامر بكتابتها لأول مرة في سلسلة مقالات نشرتها " الأهرام " وجاءت هذه المغامرة بعد تردد طويل حسمه الراحل الذي كتب مرة يحلل أسباب عدم حماس الكتاب لكتابة سيرهم الذاتية وهو يقارن سيرته مع السيرة الذاتية التي كتبها الكاتب الكولومبي الشهير جابرييل جارسيا ماركيز في كتابه " أن تعيش لتروي " وفي هذا المقال رأى شلبي أن لسيرة الذاتية فن يكتسح كل المعضلات وتبعث الضوء في كل حنية من الحنايا ، ولذلك يصعب أن يقرأ هذا الكتاب بمعزل عن هذه القناعة التي حكمت رؤية صاحبه الذي قاده الاقتراب من الموت لكتابة " حكايته" الأخيرة.

ايوب صابر 03-01-2012 11:46 PM

اهم الاحداث التي اثرت في طفولة خيري شلبي:

يبدو ان وضعه الاجتماعي كان العامل الحاسم فقد تناول فئة المهمشين اجتماعيا ، حتى بدا وكأنه مؤرخ لهذه الطبقة وتحولاتها في مصر. مجهول الطفولة لكن هناك ما يكفي من معلومات للقول انه عاش حياة ازمة .

مأزوم.

ايوب صابر 03-01-2012 11:48 PM

39 - تامس عروسة النالوتي تونس

عروسيّة النالوتي تدخل في «تماس» إلى قلب الصراع: نساء ورجال وأحزان..
http://www.wajjd.com/uploads/424963ff93.jpg


نجاة العدواني

رغم نجاح المرأة في تفجير القضايا الاجتماعيّة والسياسيّة فأنها لم تتخلّص نهائيّا من معاناتها الشّخصيّة، فنراها تحمّلها معظم كتاباتها التي تخفي بين السّطور رائحة صراع أبديّ بين جنسين تجمع بينهما مشاعر متناقضة، كالحب والكراهية والرّغبة في الحريّة والتملّك معا. ولأن الرّجل هو الذي تعوّد على اضطهادها وتطويعها إلى رغباته فقد انشغل بتطوير أساليبا مبتكرة تمكّنه من ذلك حتّى في ظلّ القوانين الجديدة، وإذا أصبح لا يقوى على جرّها من شعرها إلى مقصورته عن طريق عقد زواج يبرم بينه وبين أبيها فهو قادر على سحبها من رموشها فوق بلّور الشاشات وعلى أغلف المجلاّت المختصة في الموضة والإعلانات، مجردةّ من كلّ حياء أو كرامة وبمحض إرادتها. ولأن المرأة المبدعة تعدّ نفسها مسؤولة أمام هذه القضايا وغيرها فهي تشهر قلمها متوعدة، متحدية تارة وشاكية، باكية تارة أخرى وفي الحالتين تبقى صورة المرأة غائمة غير جلية تقبع في ظلّ الرجل، من هذا المنطلق ندخل عوالم رواية عروسية النالوتي “تماس” التي حاولت التغريد خارج السرب لكنّها لم تفلح في ذلك رغم إصرار بطلة روايتها هذه على مواصلة الصراع إلى النهاية، رافضة إعلان خنوعها و استسلامها إلى القدر المحتوم، والهزيمة المنتظرة...

شخصيات مأساويّة

إن شخصيّات “تماس” شخصيات مأساوية تطاردها المصائب دون أن تكون متسبّبة في ذلك أو ارتكبت أيّ فعل شائن تستحقّ من أجله عقابا بل عن طريق خطأ يتسبّب فيه الغير أو الآخر المتمثّل هنا في المجتمع وقد رأينا في هذا النصّ ما يبرّر حتى تسلّط “قاسم عبد الجبّار والد زينب” الذي نشأ في حضن أم متسلّطة أرغمته على التجرّد من مشاعر الأبوّة ومن واجبه تجاه زوجه. فيصبح بالنسبة له من العار أن يجهر بها حتى بعد موت والدته، وهذه الصورة تحيله إلى شخصيّة مرهوبة، لكنها تخفي داخلها ذاتا هشّة تجلّت عندما عانقته ابنته: “فعانقها بشدّة وهو يطلق العنان لشهقاته المكتومة، كطفل يلوذ بحضن أمّه، واستغربت “خديجة” لانقلاب الأوضاع... ولم تعد تفهم شيئا فقد تحوّل زوجها إلى طفل وديع يشكو يتمه لأمّ هي ابنته، وغدت ابنتها التي لم تعرف معنى الأمومة بعد إلى أمّ عرّيفة بحاجات الولد إلى أمّ سخيّة تحضن وتمسح ما ترسّب في النّفس من أكدار”.

توضّح هذه الفقرة هشاشة قاسم من الدّاخل، كما تبرّر له جبروته وظلمه “لخديجة” فيجد القارئ نفسه أمام شخصيّة تستدرّ عنده مشاعر متناقضة فهو يسخط عليه عندما يرى فيه تلك الشخصية المنفرة التي تسحق وتبطش وتقتل ويشفق عليه حين تتحوّل الشخصية ذاتها من مرهوبة إلى مستكينة، تستسلم إلى صدر الابنة/ الأمّ وكأن الرجل يرفض أن يكبر ويتجاوز طفولته وهو في حاجة دائمة إلى حضن أمه، أكثر من حاجته إلى زوج تعامله كانسان راشد، مسؤول. وقد يعود ذلك إلى حرمان تعرّض له في صغره مثلما جرى “لقاسم” في هذا النص. لكن من تعرّض للحرمان من شيء كان يجب عليه أن لا يكرّر الخطأ نفسه ويحرم غيره منه؟ قد تكون “خديجة” أيضا باستكانتها وضعفها حافزا آخر طوّر نزعة التسلّط عند “قاسم”، فهي تعوّدت ألاّ ترفض له طلبا، أن تتحمّل أخطاءه وتغفرها فهي تحبّه وقد رأينا ذلك وهي تحتضر، كانت تنتظر منه إطلالة أو كلمة: “صمتت زينب... وكانت تريد أن تقول لأمها بقوّة العتب الذي ترقرق داخلها: “غريب أمرك أما زلت تسألين عنه؟ بعد كلّ هذا العمر المهدور تسألين عنه؟ أليس في هذا الجسد ذرّة من الغضب تحفظينها له كأضعف أيمان؟”.

وخضوع “خديجة” ولّد ثورة وغضب لدى ابنتها زينب التي استمدّت رفضها وتمردها من تلك المعاناة، معاناة “خديجة” التي ظلّت مستسلمة لآلامها وكأنّها أيوب يتلذّذ جراحاته النازفة. إن شخصية “زينب” المنفصمة قد تشظّت وانقسمت إلى شخصيات متعددة تشترك في المعاناة وتحمل الملامح نفسها وتمتزج داخلها المشاعر وتختلط فهي غير قادرة على التمييز بين المحبّة والكراهية، بين الزواج والعبودية. وبقدر ما يتفجر في روحها عشق الآخر بقدر ما تكبر في كيانها الرهبة والخوف على حريتها منه ومن هنا تكتسب الخشية من الارتباط والتقيد بعقود ومواثيق رسمية تبعث فيها الإحساس بفقدان الذات المستقلة، الطليقة، كما أن الزواج بالنسبة لزينب أصبح بمثابة السجن أو الكابوس الذي يقود إلى الموت: ألم تمت أمها بسبب رجل اسمه زوجها؟ ألم تر رجالا يضجرون من نسائهم يركضون وراءها طالبين ودّها؟ هل سيكون حظّها أفضل من حظّ “مونيك” التي أصبحت تغار حتى من ابنتها “ناديا” المفضّلة لدى أبيها؟

إذا فالحرمان هو الخيط الرّابط بين شخصيّتي “قاسم وزينب” .الأول حرم من حنان الأم فتحول إلى شخصية مريضة تفرض هيمنتها على من معها وتعذّبه بينما تحمل في داخلها روحا معذّبة، هشّة تحلم بالانعتاق والثانية حرمت من حنان الأب فخرجت تبحث عنه في رجال آخرين لهم بنات يغدقون عليهن حنانهم بسخاء فحاولت تجريدهن من آبائهم وتجريد أمهاتهن من أزواج طيّبين لم تحض “خديجة “ أمها بزوج مثلهم...

ومثلما ركّزت على الطفولة ودورها في بناء شخصيّة الإنسان، اهتمت المؤلّفة بالموروث وما يسبّبه من اختلال وتشويه لطبيعة الكائن الذي يخلق جميلا، رائعا ثم يتحول غصبا عنه إلى شخص مريض تكبّله العقد.

لم تكشف المؤلفة عن جانب واحد من معاناة المرأة بل توسعت في وصفها وتطرقت إلى كل القضايا المحيطة بها. لكنّها رغم تحريرها لبطلة روايتها استطاعت أن تمنعها من التهور وارتكاب جريمة في آخر الرواية.

لم تشأ عروسية النالوتي أن تختم نصّها بقتيل وقاتل، فجعلت “زينب حسّان” تفقد السيطرة على قبضتها فينزلق “قاسم” من بين أظافر “زينب عبد الجبّار”، ويفسّر ذلك رغبة “زينب حسّان” في قتل الأب المتسلّط بيد ابنته المعذّبة “زينب عبد الجبّار”، التي تتخلّى في اللّحظة الأخيرة عن ذلك و تفضل عنه اللّجوء إلى الحوار.

الزمان والمكان

أخذ الماضي في هذا النص يتقدّم حتى تجاوز الحاضر إلى المستقبل وذلك تجلّى من خلال الاسترجاع والاستذكار لأحداث جدّت خلال فترة الطفولة: “للصخر همسه. للصخر هلوسته. للصخر نداءاته البعيدة، المدويّة في الفضاءات السّحيقة الفارغة إلا من الذكرى وحكايات الإنسان الذي كان هنا زمن ثم عبر وترك شرط الوجود والعلامة”.

تحيل هذه الفقرة على ماض وحاضر ومستقبل وقد انطلق ذلك في الحاضر من خلال هلوسات الصّخر ونداءاته: ماض بعيد، ينضم إلى ماض قريب ويشكلا معا الحاضر والمستقبل، الذي يعبر على جسر استمرارية الحياة المتصلة بوجود الإنسان في تلك المساحة من الأرض وطالما أن الإنسان يحافظ على وجوده من خلال التناسل والتكاثر والتوارث فان المكان لم يزل هناك يواصل احتواء رائحة من مروا ويتهيّأ لاحتضان القادمين.

أما زمن الرواية فهو امتداد للمكان، سواء كان ذلك من خلال الأمكنة الفعلية التي احتضنت الأحداث والشخصيات أو من خلال الفضاءات المستترة التي تعكسها الأصوات والروائح وبعض الحركات الأخرى، ويضاف إلى هذين الحيزين حيز آخر يكمن في الذات طالما أن شخصيات “تماس” تحيا خارج ذواتها وذلك قد يعود إلى تذبذبها وانفصامها الذي جعلها ترتدي أقنعة متعددة تواجه من خلالها مواقف الحياة المختلفة بينما تخفي في جوهرها ذاتا أصيلة تنمو انفعالاتها أو تتشوّه تبعا لعلاقتها بالزمن وحركتها في أبعاده الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل. كما أن زمن هذا النص يضبط إيقاع سرعته تمشيا مع الحالة النفسية للشخصيات فهو سريع متدفق في حالة الاضطراب والفرح وبطيئا في حالات اليأس والانتظار وقد كانت أطول فترة أو مرحلة في هذه الرواية، تلك التي شملت مرض “خديجة” واحتضارها.

مثلما كان الزمن نفسيا كان المكان أيضا تابعا لما تشعر به الشخصيات داخله، فالمنزل يتحول إلى سجن خانق بالنسبة “لخديجة”، المرأة المضطهدة التي حكم عليها ألاّ تغادره الآّ إلى القبر.

فيصبح المنزل يشبه الضريح في وحشته وسكونه وينطويان معا على رائحة الموت. كما أن المكان في هذا النص لم يكن ايجابيا بل كان سلبيا لأنه لم يفلح في التأليف بين الشخصيات، ومن هذا المنطلق وجدت تلك المسافة التي تبعد بين الزوج وزوجه والأب وابنته والصديقة وصديقها... وبالتالي لم يساعد المكان الشخصيات في إدراك ذاتها لأنه لم يوفر لها فرصة الاتصال المتجدّد بما يحيط بها فانكفأت تبحث في أعماقها عن بديل لم تطله التشويهات ولم يتسرب عذاب العزلة إليه بعد.

أسلوب حديث

رغم تقيد المؤلفة بمقاييس الرواية التقليدية سواء على صعيد الشخصيات التي حملت أسماء حقيقية وملامحا وأدوارا في الحياة، أو على صعيد السرد الذي تطور حسب نسق صاعد تطورت خلاله الأحداث وتوالدت تباعا، نجحت عروسية النالوتي في توليد الشخصيات بجعلها الوجوه والأنفس تتناسخ من أجل أن توضح مدى انفصام الإنسان وتمزقه. كما أنها جعلت هذه الشخصيات تشترك في المشاعر. فيصبح الجلاّد ضحيّة والضحيّة جلاّدا، رافضة تزيين نصها بأمل مخادع، مفضلة الصراحة والمواجهة على الكذب والزيف، لإدراكها أن المأساة لا يكون الخلاص فيها إلا عن طريق الألم والصراع والموت. والموت في هذه الرواية لم يكن ذلك الوحش الكاسر الذي يختطف زهرة الروح، وإنما كان مخلّصا رحيما جاء يخلص امرأة معذبة في وضع “خديجة” من آلامها.

عروسية النالوتي كاتبة تونسية، من مواليد 1950 بالجنوب التونسي “جزيرة جربة”، وأستاذة أدب عربي، صدر لها قبل “تماس”: البعد الخامس”، “مراتيج”، وبعض قصص الأطفال.

الاتحاد الاماراتية

ايوب صابر 03-02-2012 10:07 PM

عروسية النالوتي
ـ ولدت بجربة خلال سنة 1950
ـ زاولت تعليمها الابتدائي والثانوي والعالي بتونس العاصمة
ـ تحصلت على الإجازة في اللغة والآداب العربية سنة 1975
ـ اشتغلت بعد التخرج بالتعليم في المعاهد الثانوية .
ـ عملت في الحقل الصحفي وأنتجت عديد البرامج الإذاعية
ـ كتبت المقالة الصحفية والقصة القصيرة والرواية والمسرحية ، ولها عديد الدراسات الأدبية
ـ عضو نادي القصة واتحاد الكتاب التونسيين .
الإصــدارات:
ـ البعد الخامس ـ مجموعة قصصية سنة 1975
ـ مراتيج ـ رواية سنة 1985
ـ جحا ـ هجمة النمل على قرية التين والزيتون ـ قصص للأطفال 1974
ـ تماس ـ رواية 1995

===

عروسية النالوتي

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
http://www.mnaabr.com//bits.wikimedi...ules/img/1.png غير مفحوصة

اذهب إلى: تصفح, البحث
عروسية النالوتي أديبة تونسية، من مواليد عام 1950، من مؤلفاتها : البعد الخامس، مراتيج، تماس. ساهمت في كتابة سيناريوهات بعض الأفلام التونسية، منها فيلم ثلاثون للمخرج الفاضل الجزيري (2008).ملف:C:\Users\mohammed\Documents

ايوب صابر 03-02-2012 10:12 PM

الروائية التونسية عروسية النالوتي: أمارس حريتي في الرواية وأكتب القصة للتجريب

كتب: القاهرة – سيد حسين
نشر في 13, February 2012 :: الساعه 12:01 am |
http://aljarida.com/wp-content/theme...w=280&zc=1&a=t


أكدت الروائية التونسية عروسية النالوتي أنه لولا وجود الثورة ما تحرر الصوت ولا القلم وعانى المثقفون والكتاب في تونس إجهاد النظام السابق لهم الذي كبح حريتهم.
شاركت النالوتي أخيراً في فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب وأدارت ندوة موسعة عن الثورات العربية والأدب، التقيناها وكان الحوار التالي.
كيف ترين اختيار تونس ضيف شرف في معرض القاهرة للكتاب هذا العام؟
خطوة إيجابية تؤدي إلى تنوع ثقافي ليس على المستويين المصري والتونسي فحسب، بل على المستوى العربي عموماً. ثمة كتب كانت ممنوعة من النشر ظهرت بعد الثورة وتشارك في المعرض بقوة، كذلك يبدو تفاعل الأجنحة العربية المشاركة واضحاً، ونستفيد من تجارب بعضنا البعض ونحتفل بثورتي تونس ومصر في نصوصنا وكتاباتنا أيضاً.
كيف ترين الحركة الثقافية العربية بعد ثورات الربيع العربي؟
لا يمكن أن نتحدث عن إنتاج ثقافي الآن عن الثورتين في مصر وتونس، لكن نشر البعض نصوصاً وكتابات كانت ممنوعة في تونس وتكشف كيف كان النظام الديكتاتوري يتعامل مع المثقفين.
وصلت هذه الحقيقة إلى القارئ بفضل الغضب وصرخة الشعوب لتحرير نفسها مما يكبلها ورفع الصوت والقلم. عندما حدثت الثورة بادرت الدور إلى نشر الكتب الممنوعة التي تعبر عن معاناة أصحابها داخل السجون وخارجها في سجن الوطن عموماً.
ماذا عن دور المرأة التونسية في الثورة؟
تماماً كما دور الرجل في الثورة، فالشعب كله خرج رجالاً ونساء وشيوخاً يطلقون الصرخة للعيش بكرامة في وطنهم ومحاربة كل من يهدر أحلامهم وطموحاتهم في الحرية والكرامة. قام الجميع بدورهم على أكمل وجه حتى نجحت الثورة.
لماذا نتحدث عن الثورات وكأنها فجائية، ولماذا يعتقد البعض أن المرأة لم تؤد دوراً مهماً فيها. النظرة إلى الاحتجاجات التي قامت في تونس منذ عام 2008، تؤكد على انخراط النساء في القوى والعناصر الشعبية المطالبة بعيش كريم، ذلك في ظل استحالة وجود أحزاب في المعارضة.
كذلك ثمة من يتحدث عن النصوص والروايات التي تناولت الثورات الأخيرة وكأنها ظهرت فجأة. الحقيقة أنها كانت موجودة، والثورة حررتها من سجنها. حتى صمت النخبة كان يعني بالنسبة إلى النظام الحاكم موقفاً معادياً، والمطلع على تاريخ كتابة معظم الروايات يجدها سابقة على تاريخ الثورة.
بين الرواية والقصة والسيناريو وكتب الأطفال، كيف ترين هذا التنوع الأدبي؟
تملي الفكرة شكلها وإطارها، وتحمل الكتابة المتنوعة سواء للأطفال أم الكبار تقنيات حديثة. توجهت إلى كتابة السيناريو والمسرحيات المختلفة منذ بداية السبعينيات، لكن تبقى الرواية هي الأقرب إلى نفسي، أكتبها والقصة القصيرة منذ سنوات طويلة وأهتم بالأدب العربي أو الشرقي عموماً، والغربي أيضاً نتيجة نشأتي في تونس القريبة من أوروبا، ما جعلني أجمع بين ثقافات متعددة ومختلفة.
كيف تقيمين رحلتك الإبداعية على مدى هذه السنوات؟
من الصعب على الإنسان تقييم عمله، والكاتب خصوصاً يرى نفسه من خلال الآخرين ومستوى تلقيهم مؤلفاته وتواصله معهم. يبدو لي إلى حد ما أن لكتاباتي صدى عند القارئ منذ بدأت بالرواية وصولاً إلى السيناريو والأفلام التونسية.
هل حظيت أعمالك الروائية والأدبية بالنقد الموضوعي؟
لا يمكنني التأكيد على ذلك، لكنها حظيت بنقد إعلامي سريع، وبكتابات نقدية أكاديمية استخدمت فيها أدوات النقد الحديثة ووسائل نفسية وظفت في خدمة الموضوعية والخروج من نص إلى آخر. أما النقد عموماً، فيمكن لي القول إن أدواته معترف بها عالمياً ولا يمكن أن تتدخل الأهواء في تقييم النص الأدبي.
كيف ترين العلاقة بين المثقف والسلطة بعد ثورات الربيع العربي؟
أتمنى أن تتغير لأننا ما زلنا في حالة انتظار، وألا تعود إلى ما عانيناه سابقاً، فلا يمكن أن نفرط في مكاسب الثورة ولن نسمح بتكبيلنا مجدداً ولا بسجن الكلمة الحرة لتنطلق المشاريع الجديدة وتنطلق الثقافة.
كيف يمكن لنا أن الارتقاء بالثقافة العربية؟
نحتاج إلى مشروع قومي عربي تتضافر فيه جميع الجهود العربية، وإلى توجهات من الجماهير العربية وقياداتها السياسية تعمل على الارتقاء بالثقافة لتشكل ركناً أساسياً في الوطن مع النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فشعب بلا ثقافة لا كيان له أو مقام بين الشعوب الأخرى.
ماذا عن جديدك؟
لدي إصدارات كثيرة ترى النور قريباً، من بينها السياسية والأدبية والروائية التي تحتاج إلى التروي قليلاً ريثما تتضح الاتجاهات وتتبلور الصورة، لأن الكتابة لا بد من أن تواكب تاريخنا وحضارتنا العربية.
نبذة
- عروسية النالوتي أديبة تونسية، من مواليد عام 1950 ولدت في جزيرة جربة وتعمل أستاذة في التعليم الثانوي، ومجازة في الأدب العربي.
- عالجت الأدب على اختلاف أنواعه ونشرت عدداً من الكتابات الشعرية والنقدية.
- بدأت مسيرتها الأدبية بمجموعة قصصية بعنوان «البعد الخامس» (تونس 1975)، مذهبها فيها التمرد على الواقع الوحش آكل لحم الفقراء ومفترس الأنوثة. توالت بعد ذلك إصداراتها بروايتي «مراتيج» و{تماس»، ومجموعة قصص بعنوان «جحا» ثم رواية «هجمة النمل على قرية التين والزيتون».
- ساهمت في كتابة سيناريوهات بعض الأفلام التونسية، منها فيلم «ثلاثون» للمخرج الفاضل الجزيري.

ايوب صابر 03-03-2012 07:54 PM

عروسية النالوتي

مجهولة الطفولة.

ايوب صابر 03-03-2012 07:59 PM

40 - سلطانه غالب هلسا - الاردن.

رشح "المركز العربي للإنتاج الإعلامي" نخبة من أبرز أعماله للمشاركة في فعاليات مهرجان القاهرة للإعلام العربي الذي انطلقت دورته الرابعة عشرة أمس بمشاركة 18 دولة عربية، رشحت أكثر من ثمانين عملاً للمنافسة على جوائز المهرجان، تنوعت بين اللون التاريخي والاجتماعي والكوميدي.

وجاءت أعمال هذا العام، متنوعة بين اللونين الاجتماعي والتاريخي، وحملت عناوين المسلسل الاجتماعي "سلطانة" والدراما التاريخية "عودة أبو تايه"، إلى جانب المسلسل التاريخي "أبو جعفر المنصور"، الذي نفذ "المركز العربي" إنتاجه ورشحه تلفزيون قطر للمنافسة على جوائز المهرجان.

ويتنافس المسلسل الاجتماعي "سلطانة"، المأخوذ عن رواية أديب الأردن الراحل غالب هلسا، التي تحمل ذات الاسم، على جائزة المهرجان في فئة الدراما الاجتماعية إلى جانب عدد من أعمال الدراما الاجتماعية التي عرضتها الشاشات العربية مؤخراً لنيل جائزة المهرجان.

ويعدّ "سلطانة"، الذي أخرجه الأردني إياد الخزوز عن نص الكاتب الراحل غسان نزال، وثيقة درامية تلقي الضوء على حقبة هامة من تاريخ الأردن، والعاصمة عمان، في فترة تمور بالأحداث شهدت حراكاً اجتماعياً وسياسياً ومنعطفات تاريخية شكلت الوجه المعاصر للعاصمة الأردنية.

غالب هلسا الغائب الحاضر
د. عبدالرحيم مؤذن
september 23, 2013


تظل تجربة الروائي الأردني- بالرغم من غيابه الجسدي منذ سنوات عديدة- ‘غالب هلسا’ من أهم التجارب الروائية العربية التي تزداد ثراء، وغنى، كلما أعيدت قراءتها من قبل قارئ يجد نفسه أسير عوالمها التي لا يستطيع منها فكاكا. و من أهم ما يميز هده التجربة- قصة ورواية- حفاظها الدائم على المعنى الطازج، والسرد الأليف، والبناء الدرامي المصنوع من مفردات ‘شرطنا الانساني’ الذي يمور بأسئلة الهوية، أسئلةالماضي والحاضر، أسئلة المفارقات المبكية المضحكة التي تناسلت في مجتمعاتنا، والتي لم يجد الكاتب أمام أوضاعها المبكية المضحكة، سوى التشريح الساخر لمختلف علاقاتها الظاهرة والباطنة.
في نصوصه الروائية الشهيرة (السؤال/ الخماسين/الضحك/ ثلاثة وجوه لبغداد..)، أو في مجموعته القصصية المميزة (بدو وزنوج وفلاحون) ظل الكاتب مخلصا لأسلوبه في فضح وتعرية الأوجه الخفية- وبعضها يقدم في طبق من ذهب- للاستبداد انطلاقا من المظاهر اليومية، مرورا بالحوادث المختلفة، سواء كانت جريمة قتل، أو صراعا عاديا، رغبة بسيطة، أوحلما ملتبسا، وصولا إلى علاقة الرجل بالمرأة- وهي قضية مركزية في معظم نصوصه- الوجه الظاهر، والخفي أيضا، للاستبداد بمختلف دلالاته السياسية والاجتماعية والنفسية.
في رواية ‘الضحك’، ينتهي السرد إلى قسم الملاحق الذي لم يتعود عليه قارئ الرواية. فالملاحق، عادة، من نصيب البحوث والدراسات العلمية، بهدف إعطاء مصداقية محددة للمتن المدروس. أما أن تنتهي بها الروايات فهذا يقتضي وقفة، بل وقفات، متأنية تنظر في الاضافات العديدة التي اتسمت بها تجربة الكاتب، في سياق ما عرفته الرواية العربية من تنوع في الموضوعات، وأساليب الكتابة، ومستويات الشخصية.
يحمل ملحق من ملاحق رواية ‘الضحك’ سؤال الشخصية المركزية عن أغزل بيت قالته العرب.؟ وتكون’الاجابة على الشكل التالي: ماذا تقول لأطفال بذي مرخ .. زغب الحواصل لا ماء ولا شجر.
كيف سيكون رد فعل القارئ داخل النص وخارجه أيضا- عند سماعه لهذه الاجابة التي لم تخطر على بال..ااماذا سيقول أصحاب النقد الجديد، من دعاة ‘أفق الانتظار’ وغيرهم، أمام هذا الخرق الأجناسي الذي يحتاج إلى إعادة النظر في ما تعارف عليه المبدعون والنقاد من توصيفات وتسميات ومواثيق قراءة.
والمتأمل للسؤال والاجابة، سيكتشف أصالة التجربة الروائية- والحياتية أيضا- عند ‘غالب هلسا’ بمصادرها المتعددة. فانتماؤه – قولا وعملا- للحركة الوطنية، والتقدمية العربية، خاصة المقاومة الفلسطينية، منحه قدرة فكرية، وإبداعية، على اختيار مواقع الرؤية التي نظر من خلالها إلى ما يمور به المجتمع من مظاهر وظواهر ووقائع ونماذج مختلفة. وهو في ذلك، يختبر مصداقية الرؤية في الواقع، ومصداقية الرؤية في النص عبر السؤال التالي: ما السر في هذا التدمير اليومي الذي يمارسه الحاكم- وليس من الضروري أن يكون حاكما سياسيا- ويخضع له المحكوم- وليس من الضروري أن يكون مسحوقا- إلى الحد الذي أصبح فيه العسف وهذا من أعلى مراحل السخرية- ضرورة يومية لاغنى عنها، يتلذذ بها الحاكم- ساديا ومازوشيا- مخلصا لآليته الدموية، ويخضع لها المحكوم الذي- لطول عهده بالعسف وأشكاله- لم يعد يعرف غيرها من الممارسات، بل إنها الممارسة التي فتح عينيه على مظاهرها المختلفة في العمل والأسرة والشارع والحلم واليقظة.
ولاشك أن تجربة ‘غالب هلسا’ هي نتاج تجربة حياتية- وفكرية- غنية تفاعلت فيها الروافد الماركسية بالمنابع القومية، ومحطات المنفى الدائم، بمحطات الوطن التي لم تسلم من أوضاع النفي والمطاردة المتواصلة، والخلفية النظرية (مجلة المصير الديموقراطي/ ترجمه لكتاب باشلار عن جماليات المكان/ ترجمته لنصوص سردية مختلفة..) بالخلفية الابداعية التي صاغها- إبداعا وسؤالا- في معظم نصوصه الروائية والقصصية. وهو في ذلك يشارك مواطنه (تيسير سبول) الذي انتحر بعد هزيمة 1967، في مواجهة الاستبدلد دون كلل أو ملل. والفارق بين الكاتبين، يعو إلى طبيعة السرد عند ‘سبول’ الذي يقوم على التشظي الحكائي للظاهرة، بلغة مسنونة، وضربات عنيفة أشبه بضربات فرشاة لوحات ‘فان جوخ’ التي تشبه آثار أظافر جسد مسحول فوق الصخر، وبقوم هذاى السرد’ـ من ناحية أخرى- عند ‘هلسا’ على الاستبطان الهادئ للعلاقات الانسانية، والانطلاق في تقشير أقنعتها المزيفة التي تحكم مختلف مسلكياتها في مختلف المجالات. ومن ثم انطلق السارد، عند ‘غالب هلسا’، في رصد التحولات المبكية المضحكة، بلغة تقوم على التحليل العميق، من جهة، وعلى المزاوجة بين المحكي والموصوف، دفعة واحدة، من جهة ثانية، سواء تعلق الأمر بصراع الدات مع الذات، أوصراع الذات مع الذوات الأخرى.
بعودتنا إلى بيت الحطيئة الشهير، والوارد في أحد ملحقات رواية ‘الضحك’، نلمس خصيصة أخرى تميز بها سرد الكاتب. تلك هي خصيصة السخرية التي شكلت موضوعة مركزية في معظم نصوصه الروائية والقصصية. أو بعبارة أخرى: لم يقتصر توظيف السخرية، عند الكاتب، على وظيفتها الموضوعاتية، بل امتدت إلى جانبها التشكيلي، لتصبح أداة سردية لصياغة العالم الروائي فضاء وشخصيات ولغة زمواقف. هكذا تجاوزت السخرية الهجاء، حينا، والدعابة، حينا آخر، ‘الكاريكاتورية’ حينا، والنقد حينا آخر، تجاوزت كل ذلك، لتصبح وسيلة مركزية على حد تعبير ‘لوكاتش- لـ(تجاوز تعاستنا الحاضرة). وعلى هذا الأساس لم يعد الغزل هو تعداد لمحاسن المرأة، بل هو تعداد لمظاهرالخلل في المجتمع. إنه خرق جديد، من قبل الجنس الأدبي، على حدتعبير ‘تودوروف’، لما هو متعارفعليه في النص والذائقة والمجتمع. ما المانع ألا يتغزل الكاتب’في موضوعات غزلية، لا أول لها ولا آخر، يبدعها مجتمع يبدع العجائب في كل وقت وحين. ؟ رحم الله ‘غالب’، ولاغالب إلا الله/.

ايوب صابر 03-03-2012 08:00 PM

سلطانة”: غالب هلسا يحضر بعد عقدين على رحيله
محمود منير

هل بإمكان الدراما أن تنصف المنجز الروائي للراحل غالب هلسا الذي طردته الجغرافيا العربية مدينةً تلو الأخرى، من عمّان إلى القاهرة فبغداد فبيروت، إلى دمشق التي توفي بها ليعود في كفن إلى وطنه.
يُطرح هذا السؤال بعد رحلة في المنافي، كتب هلسا من الروايات خلالها: "الضحك"، "الخماسين"، "السؤال"، "البكاء على الأطلال"، "ثلاثة وجوه لبغداد"، "الروائيون"، و"سلطانة" التي حُولت أخيراً لمسلسل تلفزيوني بثته قناة "روتانا خليجية"، وحظي بنسبة مشاهدة عالية كما تؤكد استطلاعات الرأي. فهل باستطاعة هذا العمل الكشفَ عن جوانب من إبداع هلسا الذي نال في حياته، وبعد رحيله أيضاً، أقل مما ناله أيٌّ من نظرائه العرب من اهتمام وتقدير.
"سلطانة" الذي أخرجه الأردني إياد الخزوز عن سيناريو كتبه وأعده السيناريست الراحل غسان نزال لرواية "سلطانة" وعملين قصصيين آخرين لهلسا هما: "وديع والقديسة ميلادة"، و"زنوج وبدو وفلاحون"، يؤكد ضرورة العودة لتراث غالب الذي كتب أعمالاً رصدت تشكّل المجتمع الأردني الحديث في بدايات القرن العشرين وحتى الخمسينيات، وهي فترة تحظى بالتباس وإهمال متعمدَين، فهناك من يصرّ على تكريسها من زاوية واحدة تهتم ببناء الدولة الأردنية وحضورها، فيما لا يكترث آخرون بذلك، مدفوعين بمسوغات ثقافية لتأكيد أن تلك الفترة لا تستهوي أحداً في المنطقة العربية، وهو ما ثبت عكسه بالنظر إلى حجم المشاهدة التي حظي بها "سلطانة".
كل إبداع مرهون بصاحبه، لذلك كان لغالب أن يكتب سيرة روائية بحجم "سلطانة"، توثق لفترة طفولته ويفاعته التي عاشها بين قريته الصغيرة "ماعين" ومدينتَي مادبا وعمّان، وتستثير ذاكرةً رصدت المكان بتفاصيله؛ إذ ينفخ فيها روحه الحقيقية، ويخلق شخصياته الأصيلة، تماماً كما هي "سلطانة" القروية التي تلعب بالتجارة والرجال، وتؤثر في السياسة والمجتمع.
هناك من توقع أكثر مما جرى تقديمه في المسلسل، نظراً لطبيعة المنتج الروائي الغني لهلسا، الذي رصد تحولات المجتمع وبروز الشرائح والطبقات الاجتماعية. فضلاً عن أن هذه "سلطانة" كُتبت في فترة متأخرة من حياة هلسا الذي قدم تحليلاً ماركسياً يتقدم على نماذج ماركسية عربية أخرى، لاختلاف مرجعياته، واطّلاعه على الثقافة الأوروبية الغربية وآدابها.
فكّك غالب مجتمعه وجسّد بجرأة وعمق تلك الرابطة التي جمعت بين البدو والفلاحين وعلاقتهم بالحكم إبان تأسيس الإمارة، والهجرات المتعاقبة إلى عمّان منذ بدايات القرن العشرين، بخاصة من الشام ونابلس، وهو ما حوّل المدينة إلى حاضرة تجارية. وتستعرض الدراما أحوال السوق، وأوضاع تجار الحبوب والألبسة والعطور، دون أن تغفل تجارة الحشيش والدعارة. كل ذلك بموازاة ظهور الحركات السياسية، وفي مقدمتها الشيوعية وحضورها المتصاعد في أوساط الشباب، وتأثير الأوضاع بفلسطين على الساحة المحلية، إذ شارك أردنيون في قتال العصابات اليهودية، وفي الجدل الدائر قبل النكبة وبعدها، ما أسهم بدوره في تشكّل النخبة السياسية.
هذه الأفكار وغيرها قدّمها هلسا في نسيج روائي متماسك وأخّاذ، أسند دور البطولة فيه إلى عدد كبير من النساء الفاعلات (دأبه في معظم رواياته). وتتميز الرواية بجرأة عالية في تفكيك العلاقات بين المرأة والرجل، وهو حال "سلطانة"، ومن قبلها أمها "سلمى"، ومن بعدها ابنتها "أميرة". إضافة إلى متابعتها الدقيقة للخرافات والحكايات الغيبية الباعثة على الإثارة والتشويق.
ليس بعيداً عن الرواية، أطل علينا صنّاع المسلسل بما اجتهدوه، دالّين على الأثر من دون أن يلمسوه، مقتربين من الرواية ومبتعدين، مستلَبين للسيناريو الذي قيّد العمل، وذلك بدلاً من أن ينفتح المخرج وأبطاله على الرواية محاولين تقديم إبداع موازٍ، لا مجرد إسناد السيناريو لشخصيات بدت مثيرة، لكنها احتاجت لعمق أكبر وغنى أكثر.
الفنانة السورية "قمر خلف" نقلت شخصية "سلطانة" بحساسية عالية وأداء مرهف، وهو ما يُحسب أيضاً لزهير النوباني في دور "عودة" الذي يشارك سلطانة في تجارتها معتمداً على شطارته وفهلوته، ولمحمد الإبراهيمي بدور التاجر الذي يهيم بسلطانة، فتُغير شخصيتَه باعثةً الحيرة والقلق فيه ودافعةً إياه إلى العبث. يقدم العمل أيضاً فنانون موهوبون، مثل كندة علوش، وخالد الغويري، وأشرف طلفاح.
مع ذلك، فإن الرؤية الإخراجية للعمل وتسييرها لأحداث المسلسل، بدت غير مترابطة ومفككة في أحيان عدة، وجاء الحوار إنشائياً في غالبه منبتّاً عن روح الرواية، أو قاصراً عن الوصول إلى عمق الشخصيات التي جسّدتها الرواية. وهو ما يثير الشفقة، بخاصة إذا ما انزاح أداء بعض الممثلين إلى تقليدية باهتة، تذكّر بأعمال درامية أردنية في ثمانينيات القرن الفائت.
بدلاً من تجسيد الأجواء التي ظهرت فيها الحركات السياسية الأردنية والتي تميزت بسخونة النقاشات وحماسة الشباب المتحزبين، جاءت الحوارات في المسلسل جامدة وباهتة، وظهرت الحركة الشيوعية بصورة فقيرة، رغم أن الشيوعيين كانوا حينئذ يريدون تغيير العالم.
العمل الدرامي الذي أنتجه المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية، افتقر للجرأة التي اشتمل عليها النص الروائي في تناولهِ قصصَ الحب والعلاقات الجنسية، ولم ترقَ الاجتهادات الفنية عبر الإيحاء والتأثير إلى جمالية ما تصمنته الرواية في هذا السياق، رغم أن المسلسل تضمن أحياناً مساحات جريئة في الحوار وفي بعض المشاهد، وهو ما كان غابَ عن الدراما الأردنية طوال العقود الماضية.
رغم ذلك كله، يشكل "سلطانة" تحدّياً كبيراً كعمل درامي، وهو يكشف عن اختراق على أكثر من صعيد، منها: إعادة الاعتبار للدراما الأردنية التي تجسد البيئة المحلية بعد انقطاع سبقه كثير من الأعمال الضعيفة، والتغيير الذي جرى لمفهوم هذه الدراما بالنظر إلى جرأة الطرح وغنى الشخصيات والأحداث، وإن لم يرقَ "سلطانة" إلى ما هو مأمول منه.

ايوب صابر 03-03-2012 08:08 PM

أعمال غالب هلسا الروائية والقصصية بوصفها سيرة ذاتية
عمر شبانة

السؤال الأول الذي نطرحه على هذا البحث, فيما يختص بروايات غالب هلسا, هو: أين يمكن أن نعثر على شخصية غالب في كتاباته? وإلى أي حد يجوز اعتبار بعض شخوص رواياته تجسيدا, أو قناعا , له? وهل نستطيع قراءة الوقائع الفنية في عمله الإبداعي بوصفها وقائع حدثت فعلا ? وهل نستطيع- إذن- أن نقرأ رواياته وقصصه بوصفها سيرة ذاتية, ليس له كشخص, بل بما تعكسه من رؤية للمجتمع الذي عاش فيه?

يسعى هذا البحث, في صورته الحالية التي هو عليها, إلى استقصاء ملامح شخصية غالب هلسا وسيرته الذاتية والاجتماعية كما نجدها في روايته سلطانة خصوصا . وإلى ذلك, فإن أعمال غالب عموما ستكون طريقنا لمعرفة ملامح اجتماعية وسياسية وثقافية من حياة الأردن في الثلاثينيات والأربعينيات ومطلع الخمسينيات من القرن العشرين. ففي اعتقادنا أن كتابة غالب, الروائية منها والقصصية وكذلك الفكرية والسياسية, كانت سعيا لكشف حقائق وإعادة بناء عالم انهار, وتصوير عالم ينهض في مكانه. وهذا ما يجعل روايته تجمع ملامح من السيرة, فالسيرة عند أندريه موروا هي <<البحث الشجاع عن الحقيقة>> (موروا, أوجه السيرة, دار الشؤون الثقافية, بغداد, 1987).

نظريا , يتحدث الناقد د. جابرعصفور عن منطقة التماس والتقاطع بين الرواية والسيرة الذاتية, فيرى أن هناك وحدة مرنة تجمع الأنواع الكتابية, وهي وحدة <<تصل فن السيرة الذاتية بفن الرواية في منطقة التماس أو التداخل التي تتحول فيها الرواية (وبخاصة رواية التكوين أو النشأة Bilduingsroman ) إلى رواية سيرة ذاتية (autobiographical novel), أو تتحول السيرة الذاتية إلى عمل روائي لا يتردد النقاد في نسيان إطاره المرجعي الشخصي من حيث هو سيرة ذاتية, والإلحاح على إشاراته السردية إلى نفسه بوصفه قصاً تخيلياً, أعني قصاًُ يلفت الانتباه إلى علاقاته الداخلية, قبل أن يلفت الانتباه إلى مرجعياته الخارجية, وينتسب إلى عالم الرواية بما ينطوي عليه من خصائص نوعها>> (جابر عصفور, زمن الرواية, دار المدى, 1999).

وكما يرى عصفور, فالسيرة الذاتية مهما كانت متأصلة في صفاتها الأدبية, أو موغلة في الذاتية, تشير إلى عالم تاريخي يجاوز الذات التي كتبتها, ومن ثم تسمح بجمع معلومات غير أدبية حول <<واقع>> ما خارج نص كتابتها, لأنها تنبني في النهاية على الإدلاء بخبر أو إخبار عن هذا الواقع في تعين ه التاريخي وتحققه المرجعي.

ويرى الفرنسي أندريه موروا أن كاتب السيرة الجيد, هو من بوسعه رؤية الحصانين الأسود والأبيض في النفس البشرية. وأن يرينا كيف يمكن للإنسان الذي يتوجب عليه أن يسوق هذا الزوج الصعب أن ينجح مثلما يمكن أن يخفق. وأخيرا , فما يميز أشخاص السيرة أنهم ليسوا مكي فين, مثل أشخاص الرواية, لكي يعفونا من الحاجة إلى الإقدام على عمل أو اتخاذ قرار, لأنهم موجودون بالفعل.

وفي محاولة لفهم أسباب ودلالات ارتفاع نسبة رواية السيرة الذاتية, كميا وكيفيا , بالقياس إلى كتب السيرة الذاتية, يرى عصفور أن الدلالة الأولى تتصل <<بعلاقة جنس الرواية نفسه بفن السيرة الذاتية.. أما الدلالة الثانية فتتصل بعلاقة السيرة الذاتية نفسها بمساحة المسكوت عنه في المجتمع, ومن ثم تحديد درجات المباح أو المنهي عن النطق المباشر به في الكتابة الذاتية. وتنصرف الدلالة الثالثة والأخيرة إلى طبيعة أو نوع الاستجابة التي يستجيب بها المجتمع إلى أشكال الإفضاء أو الاعتراف الشخصي في الكتابة التي لا تفارق هموم الذات الفردية وهواجس رغباتها>>.

ويؤكد عصفور أن الرواية أقدر من السيرة على سبر أغوار التجليات المختلفة لانقسامات الذات في مستوياتها المتعددة, وذلك بسبب الطبيعة الحوارية للرواية, وقدرتها على الجمع بين الأصوات المتآلفة والمتنافرة. وهذا الأمر ينطبق, ربما أكثر ما ينطبق, على رواية الاعتراف التي تزايد حضورها الإبداعي في الأدب العالمي, كاشفة عن ميل الفرد المعاصر إلى الإفضاء بمكنون نفسه, والاعتراف إلى نظيره بما يدني الاعتراف من حال شعائري أقرب إلى التطهر. فرواية الاعتراف تكتب عادة بضمير المتكلم الذي تتكشف به أعماق المؤلف المضمر.

وكما يورد موروا, فقد قام سارتر بعد نشر جوانب من سيرته الذاتية في كتابه <<الكلمات: سيرتي الذاتية>>, بالتوقف ليكمل عمله في رواية, قائلا <<لقد حان الوقت لكي أقول الحقيقة أخيرا , لكن لا يمكن أن أقولها إلا في عمل تخييلي>>. ويضيف <<نويت كتابة قصة .. أمرر فيها بطريقة غير مباشرة ما كنت أنوي قوله سابقا في نوع من الوصية السياسية... سأبدع شخصية يمكن للقارئ أن يقول عنها: هذا الإنسان هو سارتر>>.

هذه نظرات سريعة في العلاقة بين الرواية والسيرة الذاتية, نقاط اللقاء والافتراق.. سنعتمدها في قراءتنا هذه, وفي تحليلنا لمحتويات الأعمال الفنية التي سنتناولها, وما يمكن اعتباره مفاصل من سيرة ذاتية/ اجتماعية للمؤلف.

مقدمات أولى

بالتوقف مع كتاب غالب <<أدباء علموني.. أدباء عرفتهم>>, سنجد فيه شكلا من أشكال السيرة الذاتية, الحياتية والأدبية والنقدية, لمؤلفه. وهو شكل قد يكون نادرا , إن لم يكن جديدا , في الكتابة العربية. وفي هذا الكتاب الذي يضم معالجات غالب لعدد من الكتب والكتاب الذين قرأ لهم, نقرأ أيضا أثر هؤلاء في كتابته هو نفسه, كما نجد أصداء من سيرته كقارئ وكاتب. ومن هذا يهمنا أن نثبت قوله في فصل <<الزير سالم>>:

<<بدأت ممارسة الكتابة وأنا صغير جدا .. كانت الكتابة عاري السري, ووسيلتي للخروج من الرتابة والملل. وحين قرأت كافكا فيما بعد, انفجرت عوالم الحلم في داخلي.. لم يعلمني أحد الكتابة ولم يشجعني أحد على المضي فيها. كنت أقرأ لأكو ن أفكارا خاطئة لم يعن أحد بتصحيحها. كنت قد أعددت نفسي للبحث عن (أرسين لوبين) لأشاركه في مغامراته.. سألني إسكافي القرية الذي كان يعيرني روايات (أرسين لوبين) إن كان شخصية حقيقية.. فأقسمت له أنه حقيقي, وأن أخي الأكبر الذي يعرف اللغتين الإنجليزية والفرنسية هو الذي قال لي ذلك. لكنه لم يكن قال ذلك بالطبع..الخ>>.

وفي مقطع تال , يتحدث هلسا عن الغجر الذين كانوا يحلون في قرية ماعين, فيراهم غالب الطفل بعين من قرأ الزير سالم, وعرف من أهل القرية أن جساس- قاتل كليب- هو الجد الأكبر للغجر, فيحاول غالب- مع أطفال القرية- الانتقام من الغجر لمقتل كليب, فيروح يشتم جساس أمامهم, لكنه يلحظ أن ذلك لا يثير غضبهم. ثم يأخذ في سرد مفاصل من السيرة, وما جذبه فيها, خصوصا جليلة زوجة كليب وأخت جساس, وصراعها بينهما. وينتقل إلى مرحلة ربط حرب البسوس ببعض صراعات قبائل القرية, التي كانت <<معارك محدودة, بالحجارة والعصي, بين قبيلتين من قبائل العوازم>> (وهذه- كما يخبرنا- قبيلة من المسلمين). ولأن المعارك تلك لم تكن إلا <<مجرد احتكاكات لا أهمية لها>> راح يشحنها <<بمعطيات حرب البسوس, مما أضفى عليها أبعادا أسطورية>>.

ومع قراءته روبرت ستيفنسن, يأخذ غالب في استعادة مناخات ترتبط لديه بقراءة هذا الكاتب, فيستعيد- مثلا - ليلة باردة في بيت أخيه المنعزل في مأدبا, ثم يستعيد عواصف ثلجية تهدر حول بناء المدرسة الداخلية (يقصد المطران) وهو في سريره يحاول استجلاب الدفء.

وفي تعليقه على سؤال من شاب أردني كان يدرس معه في القاهرة, يقول إن ذلك الشاب كان <<يشكو سوء حظه وسوء حظ الأردنيين جميعا , لأنه في كل بلاد العالم تحدث أشياء غريبة ومثيرة تتيح للكتاب أن يكتبوا قصصا وروايات, أما الأردن فلا يحدث فيه شيء يستحق الكتابة, فكيف يمكن للأردني أن يكون كاتبا ?>>. ويعلن غالب اتفاقه مع الشاب مع بعض التحفظات. ومع ذلك كتب غالب كثيرا عن الأردن, عن مجتمع القرية والمدينة وتفاصيله, وقدم قراءته للمكان بعناصره وتفاصيله وجمالياته. ونجد في حوار معه قوله <<قبل فوكنر كنت أحتار كيف أصيغ من الحياة البطيئة والرتيبة في القرية فعلا دراميا , فوكنر جعلني أرى الأحداث ليس كما وقعت, ولكن عبر تحولاتها في المجتمع>>.

فيما بعد سيروي غالب كيف كتب <<وديع والقديسة ميلادة وآخرون>>, قبل أن يقرأ فوكنر, ثم كيف كتب <<زنوج وبدو وفلاحون>> بتأثير من فوكنر. ففي الفصل المخصص للكاتب الأمريكي المعروف, يتحدث غالب عن كونه ولد ونشأ في مجتمع يتحول من البداوة إلى الزراعة, ومن الزراعة إلى التجارة. ويعود ويتذكر ذلك الطالب الجامعي وشكواه, وأن رأيه كان من رأي الشاب, إلى أن قرأ فوكنر, فصار الواقع اليومي في خانة الاحتمالات, وبات يكتسب حيوية مدهشة, وتنوعا لا حد له. وفجأة <<امتلأ البشر حولي بإمكانات لانهائية>>. فثمة في الأردن, كما في غيره من دول العالم, ما يستحق الكتابة, وهذا ما فعله غالب في رواياته, بعد سنوات, وكما لم يفعله سواه.

ويشير غالب إلى نقطة هي غاية في الأهمية, حول وجوده في المدرسة الداخلية, ببنيته الجسمانية الضئيلة, وكثافة الطلبة الكبار التي كان يستحيل اختراقها, فاختار من بينها نماذج لرواياته وقصصه. ثم يتذكر أنه كان يكتب مواضيع الإنشاء لعشرة طلبة, على الأقل, لإرضائهم, ولكنهم ظلوا يحتقروه لأنه- كما يقول- <<لم أكن أصلح لشيء إلا لهذه الأمور (يقصد الكتابة) التي لا تجعل من الإنسان رجلا>>. وفي هذا توضيح لنظرة كانت سائدة حول مفهوم <<الرجولة>>, ونظرة إلى انعدام أهمية الكتابة لدى المجتمع.

زنوج وبدو وفلاحون

ما يهمنا من هذه المجموعة القصصية هو القصة التي تحمل هذا العنوان, وما سنركز عليه من هذه القصة هو ما يبرز نمط الحياة في القرية الأردنية كما يقدمه غالب. فالمقطع الأخير من القصة الذي يصور استقبال أهل الريف لزيدان المتعب وزوجته, وهما قادمان على حصان بعد قتل سحلول, يقيم تناظرا ضمنيا بين نمطين من الحياة ولهجتين وثقافتين. ففي حين تعكس لهجة البدو القاسية نمط حياتهم المغلقة: (أشوفك مربي جدايل, ما قلت والله غير انك بدوي, وأنت فلاح مقطوع الأصل), فإن لهجة الريف الشفافة تصور تسامح أهلها وطيبتهم (والله ما حد رايح الصلاة في هالسمطة, أبونا الله يسامحه ما يقطع فرض لو كانت حتى ثلج). وهذا الصراع يخفي صراع ثقافتين ونمطين من الوجود: البدوي العدواني والريفي المتسامح.

تسرد قصة <<زنوج وبدو وفلاحون>>, في فصولها الثمانية, مشاهد من سيرة حياة قبيلة بدوية, وتصور على نحو معمق مجموعة من العلاقات داخل القبيلة وبين أفرادها, من جهة, وعلاقة القبيلة بالفلاحين الذين يعملون لديها من جهة ثانية, وعلاقتها كذلك بالضابط الإنجليزي المعروف <<جون باجوت جلوب>> والملقب ب-<<أبو حنيك>> من جهة ثالثة. وهي في ذلك كله تقدم رؤية للمجتمع الأردني في حقبة تاريخية محددة, هي الفترة التي شهدت تأسيس <<إمارة شرقي الأردن>> مطلع العشرينيات من القرن العشرين, والمجتمع المحكوم بالعلاقات العشائرية.

وتظهر في القصة صورة البدوي في علاقته مع الضابط الإنجليزي, فيما يحاول شيخ العشيرة استغلال موقع الضابط لدى <<الأمير>> من أجل توظيف أبناء العشيرة في الجيش, ثمنا لوقوفهم مع الأمير لتأسيس الإمارة والدفاع عنها, فيبشرهم بوعد <<سيدنا>> أن يقدمهم على غيرهم, ف<<سيدنا ما ينسى وقفتكم معه>>. وفي هذه الشريحة من الصورة, يبدو الضابط ساذجا في اعتقاده أنه يكسب ولاء هؤلاء البدو عبر تمسكه بعاداتهم وحرصه البالغ على التقيد بها. فالراوي يعتقد أن البدو كانوا يتظاهرون أمام الضابط <<بالتعلق الشديد بتلك العادات>>, وهم يعلمون أنه <<سياسي ملعون الوالدين>> كما يهمس رجل لآخر يجلس بجواره, فيسمع <<الصاحب>>- كما يطلقون عليه- همسهما. والبدو يراقبونه <<بسخرية يجيدون إخفاءها>>. وفي الجهة الثانية يقف الضابط بطموحاته وأحلامه ومخاوفه من هذه المغامرة الفذة التي يعيشها مع <<هؤلاء البدائيين الذين هم على استعداد للقتل لأدنى سبب>>, فهو يحلم أن يسكن <<بيتا ريفيا على ضفاف إحدى البحيرات, الملك جورج السادس يستقبله في قصر بكنجهام ويمنحه لقب فارس..>>.

وديع والقديسة ميلادة

في كتابه <<أدباء علموني..>>, وفي فصل عن علاقته بروايات فوكنر, ثمة فقرة يتحدث فيها غالب عن رواية فوكنر <<الحرام>> وبطلها <<بوبي>>, فهذا البطل الذي يفقد مسدسه في لحظة, يدرك أنه فقد شيئا أساسيا في شخصيته, ويرى غالب كيف اعتقد <<بوبي>> أنه- بفقدان مسدسه- كمن أصيب بعاهة, لأن الأمير المحارب لا يجوز أن يفقد عدته, لذا يفضل الموت. ومثل بوبي هذا, يحدثنا غالب عن فارس بدوي من قريته, أصيبت ذراعه اليسرى بالغنغرينا, فقرر الطبيب قطعها, لكن الفارس البدوي قال إنه يفضل الموت! ومن هاتين الحالتين, بوبي والفارس البدوي, يخلص غالب إلى أن <<سمة الكمال العضوي صورة للأمير المحارب>>. وعليه يؤكد أن قصته <<الب ش عة>> قد كتبت بتأثير هذه الصورة.

وقصة البشعة هي عن رجل كان عليه أن ي قدم إلى <<محاكمة>> حيث يضعون النار على لسانه ليثبت براءته من تهمة العلاقة بامرأة. ولما كان يعلم أن العلاقة حقيقية, وكان على يقين بأن الجمرة ستحرق لسانه, فحين جاءت له أمه بالمرأة نفسها وأدخلتها عليه, اكتشف أن الخوف جعل منه عنينا , فقتل نفسه, ورفض أن يهرب من القرية.

بالمقاييس نفسها التي حاكم بها غالب بطولة <<بوبي>>, يمكن القول إن البطل هنا أكثر من حالة واقعية, فهو تجسيد لواقع وتقاليد معروفة في العشائر البدوية الأردنية, وربما العربية, لكنه هنا ليجسد حالة ذهنية, وليكشف زيف هذه التقاليد حين يجعل أهل البطل يحاولون بكل ما يمكنهم من الحيل أن لا يخضع ابنهم للاختبار. بل إن أمه, وهي امرأة داهية, تساعده على الالتقاء بالمرأة التي يحبها, مع أنها لا تكف عن لعنه ولعن والده الذي لم يكن يكف عن مطاردة النساء حتى وفاته. وبقدر ما تكشف القصة عوالم نفسية لشخوصها, فهي تكشف أيضا بنية ثقافة شعبية مستقرة, مستخدمة في ذلك قاموس هذه الثقافة ومفرداتها.

ويستكمل غالب الغوص في هذه الثقافة من زاوية أخرى, فيقدم في قصة <<وديع والقديسة ميلادة وآخرون>> نماذج للتخلف والخرافات التي تعشش في مجتمع الريف والبداوة. فالمكان قرية تجمع النمطين الريفي والبدوي, في لحظة توجههما إلى الاستشفاء لدى الطفلة التي باركتها السيدة العذراء, وراح أهلها يستغلونها لمعالجة أصناف المرض العضوي والنفسي.

في الطريق يبرز لنا الراوي مفارقات غريبة من أجواء القرية, ثم ينقلنا, بسرد ساخر وتفصيلي, إلى البلدة المجاورة, حيث على أهل القرية انتظار الحافلة التي ستنقلهم إلى عم ان. وفي القرية طبيب علقت على باب عيادته <<الفيلا>> لوحة سوداء كتب عليها بخط واضح <<الدكتور متى عيد>> وبخط أصغر <<اختصاصي أمراض النساء والأطفال والباطنية والعين والجلد والأنف والأذن والحنجرة والأعصاب>>. وفي هذه البلدة صراع بين الأطباء, ومنهم طبيب أشاع أن هتلر سيطلق غازات سامة تبيد جميع البشر ما عدا الألمان, وراح- الطبيب- يحقن الناس بحقن ضد الغازات, مقابل عشرة قروش للحقنة, ثم تبين أنه يحقنهم بالماء, فحوكم وسحبت رخصته!

ورغم أن الراوي يعرض ما يبدو لنا وقائع, بدءا من صراع رهبان الكاثوليك والأرثوذكس ورعاياهما, والصراع بين هذين الجناحين وبين البروتستانت, مرورا بالوعي البسيط, ولكن الخبيث والماكر للقرويين, فإن الصراع يدور حول هذا الوعي وما ينتج عنه. فأهل القرية يتوجهون للعلاج عند ميلادة, لكنهم- بعضهم على الأقل- يمتلكون وعيهم ودهاءهم الذي يمكنهم من معرفة أن الدواء الذي يقدمه والد القديسة الطفلة ليس سوى زيت زيتون, معبأ في زجاجات تباع الواحدة منها بسعر خرافي (5- 10 جنيهات), يتناسب مع حجم خرافة القديسة نفسها, لذا لن يتورع واحد منهم عن سرقة ما أمكن من هذا الزيت, ولن يتورع آخر عن قبول زجاجة <<رشوة>> من والد <<القديسة>>.

إلا أن غالب يبرّئ الطفلة من فعل والدها, فهي تلعب مع الأطفال في الحارة عند وصول <<الضيوف>>, ولدى أداء الطقس في <<الكهف المقدس>> أصيبت الطفلة بالإغماء <<سقطت على الأرض وهي تنشج وتصرخ بصوت مسرسع حاد كأنه تحطم زجاج>>. صوت ينم على الرعب, بما يؤكد عدم اشتراكها باللعبة ذات الهدف التجاري. وقد اختار غالب أن يجعل ميلادة فلسطينية, فجعل والدها يرحب بالضيوف <<بلهجته الفلسطينية التي تحول الكاف إلى شيء قريب من حرف الشين>>? كما أنه يجعل العذراء تظهر في الصورة <<بلباس فلاحة فلسطينية تحتضن يسوع الطفل>>? بما يشير, ربما, إلى وجود <<القديسة>> في فلسطين!

ثمة صراع آخر في هذه القصة الطويلة (أو الرواية القصيرة, كما يسميها غالب), هو الصراع بين القروي والمديني. وهنا نسترجع ما قاله غالب حول أثر فوكنر في كتاباته حيث يقول عن شعوره تجاه أهل المدينة <<مارست انتقامي- انتقاما لخيبة أملي- من عم ان, إذ بدا أهلها ضيقي الأفق, مفجوعين بأحلام لا تتحقق>>. (هذه الخيبة يعلن عنها في سلطانة أيضا ) فحين يذهب أهل القرية إلى المدينة, بما فيهم الطفل وديع وأمه, ينزلون عند الأستاذ إلياس- الشقيق الأكبر لوديع- الذي يتعامل معهم بازدراء, كما لو كانوا من الهمج. من هنا تأتي خيبة أمل وديع.

وهنا يظهر لنا الراوي طبيعة مشاعر القرويين بعد دخول بيت إلياس <<بعد أن كوّموا حاجياتهم قرب الباب, كان الجميع يشعرون بتأنيب وخوف غامضين, وراحت عيونهم تتجه إلى كل حركة تصدر عنهم>>. ورغم أنهم يحاولون منع كل ما يمكن أن يسبب مشكلة, فهم لا يتورعون عن تأنيب إلياس حين يقمع شقيقه الطفل وديع. ولتبرز ثنائية الريفي وازدواجية تركيبة شخصيته; فمن ناحية ثمة شعور عارم بالكرامة, يقابله- من ناحية ثانية- شعور بالدونية أمام الأستاذ, الكاتب, ابن المدينة!

ثلاثة وجوه لبغداد

سنقف عند الفصل الأول من هذه الرواية, الفصل الذي يظهر فيه غالب المؤلف هو نفسه غالب <<البطل. ففي الصفحة الثالثة من الرواية يكشف غالب هلسا اسم <<بطل<< روايته <<غالب>>, القادم للتو من القاهرة إلى بغداد, وهو يتجول في شوارعها. وبعد صفحات قليلة نجد غالب هذا في شارع الرشيد, ونقرأ على لسان الراوي أنه <<كان يود أن يعبر الشارع نحو الصيدلية. كانت المكتبة على يساره, وقد صفت أمام الباب أعداد كبيرة من الكتب. كتاب ما, غير محدد اجتذبه قبل أن يغادر الرصيف, فوقف أمام الكتب وأخذ يقرأ عناوينها. وخفق قلبه. كان هناك كتاب يحمل اسمه, بعنوان <<زنوج وبدو وفلاحون>>. أمسك بالكتاب وتفحصه. إنه من إصدار وزارة الثقافة والإعلام العراقية. الغريب أنه لم يرسل مخطوطة لتنشر في العراق. فكيف حدث هذا?<<. وهذا المشهد من أوضح المشاهد التي تربط السيرة الذاتية لغالب برواياته. فالبطل هو غالب هلسا نفسه, وهو مؤلف الكتاب المذكور كنوع من التأكيد على حضور مؤلف الرواية التي بين أيدينا. وفي وزارة الثقافة المتخيلة سيقابل غالب موظفا عجوزا يسأله عن مكافأة الكتاب, ويستغرب العجوز من اسم <<هلسا>>.. لكنه ما أن دخل الوزارة الحديثة حتى وجد كتاب قصة ورواية وشعراء يعرفهم ويعرفونه, بل يتوقعون مجيئه. ولكنهم تأدبا سألوه عما حدث كي تبعده القاهرة, فحكى لهم أن ندوة أقيمت في القاهرة عن <<المخطط الأمريكي في المنطقة العربية>>, وأنه كان يرأسها, وعندما انتهت الندوة ألقوا القبض عليه ووضعوه في الطائرة المتجهة إلى بغداد..

هذه جميعا وقائع يعرفها كل من يعرف غالب هلسا عن قرب, وكل من قرأ عن تلك الندوة المذكورة وما جرى فيها وعلى إثرها. ففي هذه الوقائع تحديدا , وفي وقائع غيرها من الرواية أيضا , نجد صورة غالب هلسا واضحة المعالم والملامح. لكن هذا لا يعني أن الرواية هي رواية وقائع أو رواية تسجيلية. فثمة الكثير من المتخيل الذي لا علاقة له بالذكريات فقط.

في <<سلطانة>>

يستطيع قارئ أعمال غالب هلسا أن يجد جوانب كثيرة من الحياة الاجتماعية الأردنية في عدد من رواياته, لكن العمل الأضخم, والأهم في نتاجه الإبداعي الذي خصصه للأردن هو- في اعتقادي- روايته <<سلطانة>>. ففي هذه الرواية نستطيع- ببساطة, ومن خلال معرفتنا بتفاصيل حياة غالب قبل رحيله النهائي عن الأردن منتصف الخمسينيات- اعتبار شخصية غالب متجسدة في شخصية جريس. ولذا فإن القول بأن هذه الرواية تنطوي- أكثر من سواها- على شكل ما من <<سيرة>> غالب في الأردن, يجد ما يبرره. ورغم أن الرواية- كما يقول الراوي- هي رد على سؤال عزة (حبيبة جريس في القاهرة) عن سبب رحيله عن الأردن وعدم عودته إليه, الأمر الذي جعله يستعيد هذه الحياة كلها, إلا أن القارئ سرعان ما ينسى عزة والقاهرة, ويندمج في أجواء أردنية, بدءا من قرية ماعين, وصولا إلى عمّان بكل تفاصيل الحياة فيها.

سنكتفي بعرض مفاصل أساسية من هذا العمل الضخم, وبما يكفي للكشف عما اعتبرناه <<سيرة>> غالب من جهة, وعن سيرة المجتمع كما قدمتها رواية غالب من جهة ثانية. وبما يصور لنا طبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية في الأردن, خلال المرحلة التي تتناولها الرواية, وهي مرحلة تمتد من ثلاثينيات القرن العشرين حتى منتصف الخمسينيات منه. كما ستركز هذه الدراسة على التحولات العميقة التي شهدتها هذه المرحلة, من خلال نماذج وشخوص مما حشدته الرواية.

علينا هنا أن نستعيد بعض ما كتبه غالب- في كتاباته غير الروائية- عن قريته, وعن عائلته وقبيلته, وعن مدرسته الداخلية, وسواها مما يمكن أن يضيء تفاصيل هامة من هذه الرواية. ففي حديثه عن القرية, وهو غالبا ما يأتي ضمن سياقات من الحنين والتذكر, لا التأريخ والتوثيق, يكتب غالب, في دراسات ومقالات كثيرة, أشخاصا وحوادث ووقائع تتقاطع مع شخوص وحوادث ووقائع الرواية التي نحن بصددها.

نشير هنا- مثلا - إلى ما جاء عن طفولته, وعن كونه ولد واكتشف أن له أُمّيْن: واحدة يناديها <<يمَّة>> والثانية يناديها <<يمّة آمنة>>. وهذه الأم الثانية, كما نعرف من كتاباته, وكذلك من الرواية, هي أمه بالرضاعة. والمفارقة التي نتوقف عندها- ابتداء- هي أن أمه آمنة هي امرأة من قبيلة مسلمة, وظلت ابنتها أخته في الرضاعة حتى كبر وغادر الأردن. وستشكل هذه المرأة محورا هاما في حياة غالب, كما شكلت في حياة جريس الذي يقول <<حين كبرت رحت أتساءل: كيف يحدث في مجتمع متعصب دينيا , العائلة والقبيلة فيه تشكلان وحدة عضوية متماسكة ومعادية للعالم.. كيف قدرت أمي آمنة المسلمة أن تحب طفلا من عائلة غريبة, ومسيحية كمان, دون أن تسأل نفسها أنا شو بيربطني فيه?>>. هذا التساؤل يحتاج دراسة معمقة للبنية التي أنتجت هذه الحالة, رغم إمكانية القول إنها الشذوذ الذي يؤكد القاعدة ولا ينفيها. والمرأة الأخرى التي ستشكل محطة هامة في حياة جريس, هي سلطانة, فمن <<سلطانة>> هذه?

جريس يجسد غالب, لأنه يلتقي معه في أمور عدة: نشأ في ماعين, ودرس في المطران, ثم سافر إلى بيروت ليدرس في جامعتها الأمريكية.. وكما يقول جريس نفسه <<عشت في مدن كثيرة: عم ان, دمشق, بيروت, القاهرة, بغداد, أديس أبابا, برلين, وتونس و.. أحببت نساء في كل هذه المدن, ولكنني لم أعرف قط وجها أثارني وظل يلاحقني كوجه سلطانة في تلك اللحظة>>.. أما سلطانة فهي, كما تبدو لنا في الرواية, أكثر من امرأة طبيعية أو حقيقية. ورغم كل شيء سنتعامل مع الجانب الواقعي منها, كأنثى أولا , وبوصفها عنوانا من عناوين التحول من المجتمع الريفي إلى التجارة والحياة في المدينة, وصولا إلى ما مثلته في عمليات المتاجرة والتهريب إلى إسرائيل الناشئة حديثا آنذاك, خصوصا في تهريب الماس والمتاجرة به.

منذ بداية الرواية, نتعرف على بيت سلطانة في القرية بوصفه بيت <<الحوارنة>>, وذلك عندما تعود <<أميرة>> ابنة سلطانة التي تعمل خادمة في أحد بيوت عم ان, حيث سافر مخدوموها إلى رام الله لقضاء الصيف. وإذ تعود الصبية وهي تجر معها كلبا لا يأكل سوى اللحم, فإنها تثير حفيظة أهل القرية الذين لا يجد كثيرون منهم الخبز, بل إن والدها نفسه يقول لها <<يا ست أميرة, إحنا مش لاقيين الخبز, نقوم نطعم الكلب لحمة?>>. لكن الوالد هنا ذو شخصية هزيلة أمام الشخصية الطاغية لزوجته سلطانة وابنته أميرة, التي هي بالتأكيد ابنة سلطانة, لكن لا شيء يؤكد أنها ابنته هو أيضا , فسلطانة عاشت- منذ طفولتها- ألوانا من الحرية وصلت حد الانفلات. وهي امرأة خارجة على قوانين المجتمع, لا تخضع سوى لقوانين حريتها الداخلية.

نتوقف عند نشأة سلطانة, ابنة صاحب بقالة, أمها هي المرأة الجميلة الشرسة الشهوانية المثيرة لرجال القرية, والتي تدير شؤون البقالة بنفسها, وتتعاون مع سائق شاحنة سيصبح مالكا لها فيما بعد. في بيئة كهذه, وفي قرية ذات مواضعات وتقاليد اجتماعية راسخة, نرى الطفلة سلطانة تلعب بين أولاد من جيلها, أو أكبر قليلا , في مكان يدعى <<الهربج>>, وتشارك في صيد العصافير وممارسة الطقوس الجنسية, وحين يحاول بعضهم الاعتداء على أنوثتها تتصدى لأكبرهم وتهينه في ذكورته, ثم تبدأ علاقة مع الخوري صليبا, زير النساء الذي لا يرتوي. لكن هذا كان في طفولتها, وقبل أن تكتشف إمكانات توظيف جسدها وأنوثتها وجمالها, وأصبحت- كما يقول جريس بحسرة وألم العاشق البعيد زمانا ومكانا عن معشوقته- مومسا تعرف كيف <<تبيع جسدها لتثري>> ولتغدو صاحبة تجارة مزدهرة.

كان بيت سلطانة في القرية متميزا عن بيوت القرية, بفخامته وأثاثه, بما يوحي ببعض ملامح شخصيتها, لكن انتقالها إلى عمّان سيوضح لنا المزيد من هذه الملامح, كما سيضع أمامنا عالم المدينة الذي انتقل إليه جريس. ففي عم ان, حيث مدرسة المطران التي يدرس جريس ويقيم فيها, وحيث بيت سلطانة في جبل اللويبدة, الأرقى في عمّان الأربعينيات, تتكشف لنا عوالم المدينة الصغيرة, فنرى جوانب من الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية فيها.

صورة عمّان من أواخر الأربعينات إلى مطلع الخمسينيات, هي صورة مدينة صغيرة لكنها تعيش- كما يبدو- حياة تحظى بقدر من الحرية والتنوع. فعلى صعيد الحياة السياسية يشتبك جريس ومجموعة من أصدقائه بنمط من الحياة الحزبية, يتداولون النشرات في اجتماعات شبه سرية, ويسهرون في ناد ثقافي يحشد الحزبيين والمثقفين من تيارات متصارعة. ومن خلال العلاقات الحزبية والعمل السياسي, تتكشف تفاصيل كثيرة, بعضها ذو طابع سياسي بحت, وبعضها الآخر ذو سمة اجتماعية أو ثقافية. لكن الرابط بين هذه العناصر قوي جدا , بحكم أن شخصية جريس تجمع هذه الأمور كلها وتشكل محورها.

بعد انتهاء دراسة جريس في عمّان, وعودته إلى القرية, يكتشف أن الكثير قد تغير, وأن الناس لم يعودوا يفكرون إلا في النقود وفتح دكان في عمّان أو.. فتقول له أمه إن الدنيا كلها قد تغيرت <<فالناس كثرت والطلبات كثرت. أيام زمان كان الناس قلائل وكل شيء بسعر التراب..كان الناس يجتمعون في مضافة العماشنة وتدور الأحاديث الحلوة عند العصر. كان الشباب يركبون الخيول ويتسابقون والبنات يزغردن للفائز..>>. وفي مقطع آخر من الرواية, حين يكون جريس مع عزة في القاهرة, ينفجر في داخله صوت يقول له <<الأردن التي تحلم بها لم تعد موجودة حتى حين كنت فيها>>.

هذا التغير يحظى من الراوي بنصيب كبير من السرد, فهو يفسر ويحلل, من خلال شخصية سلطانة وشركائها, الكثير من الوقائع. ويهمنا هنا أن نركز على عاملين يعتقد الراوي أنهما كانا وراء التحول: الأول يتمثل في دخول التجارة كعنصر جديد إلى نمط الإنتاج, حتى أن الزراعة أصبحت خاضعة للتجارة, فاضطر الفلاحون إلى بيع أراضيهم المرهونة للتجار حين لم يستطيعوا سداد ديونهم. والعامل الثاني هو التهريب مع فلسطين قبل نكبة 1948, ومع إسرائيل بعد قيامها. فقد وجد الكثيرون في تهريب القمح والعدس والشعير, إلى فلسطين, عبر الشريعة (نهر الأردن), والعودة من هناك بالزيت والتين المجفف, (وفيما بعد راحوا يهربون الخراف والبقر والدجاج, وفي مرحلة تالية سيبدأ تهريب الماس وسواه من المعادن) مصدرا لجمع الثروات, خصوصا بعد قيام دولة إسرائيل, حيث الإسرائيليون يدفعون أضعاف الثمن الذي يدفع لمثل هذه البضاعة في الأردن. أما دور سلطانة في هذا العمل, فيتضح في حديث جريس عن التحولات التي كانت تجري في الأردن قبل خروجه منه, وذلك حين يصف سلطانة بأنها <<متعاملة مع إسرائيل, ومهربة حشيش>>. وهناك إشارات إلى شخصيات عالية المستوى في الحكم ممن يشاركون سلطانة في هذا العمل.

وعلى صعيد الحياة السياسية, ثمة نماذج لحزبيين شيوعيين, وآخرين بلا ملامح محددة. فالشيوعيون هم الأشد حضورا هنا, وهم يحضرون عبر علاقتهم بجريس, ومنهم الطالب والمعلم ومنهم الموظف الكبير في وزارة الخارجية. أما نضالهم فلا نرى له أثرا في الرواية, بل نجد اجتماعات ونقاشات. لكننا نعثر على نمط من <<النضال>> يتمثل في محاولة موسى (أحد قادة الحزب) إقناع جريس بزيارة نائب في البرلمان, للتفاهم معه على كيفية تخليصه من قصته مع <<أميرة>> ابنة, بحكم قرابته مع عشيرتها كما يظن القائد الحزبي, فأميرة ادعت أن النائب قد اغتصبها. وتأتي محاولة موسى للتدخل مقابل خدمة سيقدمها النائب للحزب, فهم يطلبون منه أن يثير في البرلمان ملف قضية من القضايا التي تهم البلد (قضية من قضايا التهريب). لكن جريس يذهب مع موسى ويسهران ويشربان مع النائب, ثم يسخر من شرب الويسكي في مكتب النائب, ويعلن بعدها تخليه عن التدخل, يقول لنفسه <<يدعوني النائب لأسهر في مكتبه الباذخ.. يستعمل ستار الوطنية لأساعده في التنصل من اغتصاب فتاة قاصر. يجب أن يعلم أنني لم أنخدع.. أنا وموسى لنا لعبتنا.. شو دخل الحزب ليحمي جريمة>>.

في هذا السياق نذكر أن مناضلا (هو طعمة) مطرودا من الحزب بتهمة العمالة لضباط في المباحث المصرية (كانوا أعضاء في الحركة التقدمية للتحرر الوطني), هو الذي قدم أميرة للنائب ليكسب رضاه. وهذا يعني أن الحزب الذي طرد طعمة دون محاكمة عادلة, وأشاع عن علاقته بالأجهزة الأمنية, ما دفعه إلى الانحراف.. يخضع هنا لمحاكمة جريس ونقده.

نشير أيضا , إلى الجنس والدعارة, فبعد أن كان الجنس عبارة عن ممارسات قائمة على اللعب والعاطفة, في صور فردية, هاهو يصبح له مؤسسة وسماسرة ومراكز لتقديم هذه الخدمة- البضاعة.. فيذهب إليه الرفاق الحزبيون الذين- يبدو أن- لا بديل أمامهم لتفريغ طاقاتهم المكبوتة سوى هذا السبيل, فنراهم في شوارع العاصمة وأزقتها يتسكعون وينتظرون لحظة حضور <<القواد>> الذي كثيرا ما كان يعترضهم ويعرض عليهم خدماته, وهاهم في أحد الأحياء البائسة, وسط العتمة, يغوصون في وحل وروائح حيوانات وسواها, ليصلوا إلى نساء بلا جمال, سمينات ومرهقات ويبدو عليهن الشقاء أكثر مما يبدو عليهن طابع المهنة. والرحلة هذه, في سريتها, تشبه رحلة في عالم الثورة السري حيث المخاطر قائمة في كل لحظة.

وفي ارتباط وثيق مع مفاصل الحياة السياسية, نكشف عن لقطات سريعة لجوانب من الحياة الثقافية, عبر وجود شخصيتين لمبدعين هما شاعر وقاص في الحزب. كما تأتي قراءات جريس المتنوعة التي تدل على وجود الكتب والصحف والمجلات, وهذا ما يشير إليه غالب هلسا نفسه في كتاباته النثرية. ففي مدرسة المطران يمكننا أن نعثر على مشاهد متعددة لجريس وهو يقرأ أو يكتب في مجلة المدرسة. وقد عثرنا فعلا على كتابات مختلفة له في المجلة الموجودة في أرشيف المدرسة, من هذه الكتابات مقالة وقصة قصيرة.

ونستطيع أن نذكر هنا, أن في الإمكان العثور على الطفل وديع, في رواية غالب القصيرة <<وديع والقديسة ميلادة..>>, في لحظة قراءة, وهي لحظة تتعلق بقراءة الصحيفة التي نشرت خبر الطفلة المقدسة <<ميلادة>>. أو بقراءة الكتاب المقدس لوالديه. وثمة إشارة متكررة, في <<سلطانة>> كما في <<وديع..>> وفي كتاب <<أدباء علموني إلى وجود المكتبة في بيت الأخ الأكبر الأستاذ إلياس. وهذا واحد من معالم حياة ثقافية ما.

خلاصة

نخلص مما سبق إلى خلاصات أسية, تتمركز حول نقطة واحدة, هي أن رواية سلطانة, وسواها ربما من روايات غالب, قد نهلت في صورة أساسية من حياته وطفولته تحديدا , وبصرف النظر عما إذا كان ممكنا اعتبار <<سلطانة>> رواية ذاتية, أو سيرة روائية, ففي الإمكان التعامل معها كرواية تنطوي على وقائع محورية في حياة الأردن في تلك الفترة التي يكتب غالب عنها, وهي رواية تكتب الأشياء بأسلوب ووعي متقدمين ليس كاعترافات أو ذكريات, بل كإعادة بناء لتلك العناصر التي تتناولها, سواء على صعيد بناء الشخصيات الروائية بناء يقع بين الواقعي والأسطوري, أو على مستوى بناء الوقائع بما يخدم رؤية فكرية وفنية في آن. فكل ما في سلطانة يشير إلى أن غالب قد أراد منها تقديم صورة عن فترة من حياة الأردن, هي مرحلة تحولات عصفت بالبلد.

ويلخص ذلك عبارة جريس وهو يتذكر الأردن من القاهرة, حيث يقول <<الأردن التي تحلم بها لم تعد موجودة حتى حين كنت فيها>>. كما يؤكده حديثه عن التحولات المختلفة, بدءا من التحول من زمن الفروسية, زمن <<آمنة.. الحلم الرومانسي..>>, إلى زمن التهريب والمتاجرة مع إسرائيل, زمن المرأة الأخرى <<سلطانة>>.. الشبق الملعون.

ايوب صابر 03-04-2012 01:23 PM

اهم احداث طفولة غالب هلسا:

واضح ان طفولة غالب هلسا غنية بالاحداث التي قام الروائي على تصويرها في رواياته. وعلى الرغم انه لم يتضح اذا كان هناك يتم او موت او ازمة خانقة في طفولته لكن هذه الفقرة تشير الى انه كان يعيش في مدرسة داخلية وانه لاقى صعوبات في تلك المدرسة.

"ويشير غالب إلى نقطة هي غاية في الأهمية, حول وجوده في المدرسة الداخلية, ببنيته الجسمانية الضئيلة, وكثافة الطلبة الكبار التي كان يستحيل اختراقها, فاختار من بينها نماذج لرواياته وقصصه. ثم يتذكر أنه كان يكتب مواضيع الإنشاء لعشرة طلبة, على الأقل, لإرضائهم, ولكنهم ظلوا يحتقروه لأنه- كما يقول- <<لم أكن أصلح لشيء إلا لهذه الأمور (يقصد الكتابة) التي لا تجعل من الإنسان رجلا>>. وفي هذا توضيح لنظرة كانت سائدة حول مفهوم <<الرجولة>>, ونظرة إلى انعدام أهمية الكتابة لدى المجتمع".

استطيع ان اقول بأن زمن غالب هلسا وظروفة الشخصية في طفولته تشكل ازمة.

مأزوم.

ايوب صابر 03-04-2012 09:56 PM

ابرز حدث في حياة كل واحد من الروائييناصحاب افضل الروايات العربية من 31- 40


31- نجران تحت الصفريحيي يخلف فلسطين.............مأزوم.
32- العشاقرشاد أبو شاور فلسطين.....................يتيم الام في سن الخامسة.
33- الاعترافعلي أبو الريش الامارات..................مأزوم.
34- النخلة والجبرانغائب طعمة فرمان العراق..........مأزوم.
35- عودة الغائبمنذر القباني السعودية..................مأزوم.
35- قنديل أم هاشميحيي حقي مصر.....................مأزوم.
37- العودة الي المنفيأبوالمعاطي أبو النجا مصر........مجهول الطفولة.
38- وكالة عطيةخيري شلبي مصر.......................مأزوم.
39- تماسعروسية النالوتي تونس.......................مجهولة الطفولة.
40- سلطانةغالب هلسا الاردن...........................مأزوم.

ايوب صابر 03-04-2012 10:12 PM


41- مالك الحزين إبراهيم أصلانمصر
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

مالك الحزين أحد أشهر واهم الروايات العربية المعاصرة، ومؤلفها هو إبراهيم أصلان وهو أحد أهم الأدباء المصريين المعاصرين، كتب إبراهيم اصلان هذه الرواية في الفترة من ديسمبر 1972 وحتى أبريل 1981 اي في حوالي تسعة اعوام ونصف تقريباً.
نبذه

تدور احداث الرواية في حي امبابة في القاهرة تحديداً في منطقة الكيت كات، وتدور احداثها حول عالم مغترب يتغير ابطاله ويعاني كل منهم من همه الخاص واغترابه الخاص، شخصيات الرواية أكثر من 115 شخصية، رغم الحجم المتوسط نسبياً للرواية، يمكن ان نصنف الأشخاص الأساسيين في الرواية إلى:
  • يوسف النجار.. شاب مثقف اغتبر عن مجتمع الجامعة وأصبح وحيداً وحزيناً في امبابة
  • فاطمة.. فتاة بسيطة فقيرة تحب يوسف النجار من طرف واحد وتحاول أن تغويه
  • الشيخ حسني.. شيخ ضرير يعيش في المنطقة ويعاني من اغتراب ووحدة يحاول أن يتكيف معها بطرق طريفة ومضحكة
  • المعلم صبحي.. التاجر الغني يحاول أن يشتري القهوة الرئيسية في المنطقة والتي تمثل معلماً بارزاً في حياة الأبطال ليقوم بهدمها وبناء عمارة محلها
  • المعلم عطية.. صاحب المقهى
  • عبد الله القهوجي.. الجرسون وصبي المقهى يرى عالمه (المقهى) يباع امام عينيه وهو لا يستطيع ان يفعل شيء
  • الأسطى قدري الإنجليزي.. رجل كان عمله طوال حياته مع الإنجليز ثم بعد الجلاء أصبح مغترباً عن عالمه إذ يشعر انه ينتمي إلى المجتمع الإنجليزي الراقي على الرغم من فقره وسكنه أحد افقر احياء مصر
  • فاروق وشوقي.. شابان عاطلان عن العمل يحاولان في يأس البحث عن عمل ويحاولان مجاراة الواقع المر
  • العم عمران.. طباخ عجوز كان طباخاً خصوصياً للملك فاروق.. انتهى عالمه بانتهاء الملكية.. وأصبح وحيداً لا يؤنس وحدته سوى العم مجاهد بائع الفول الذي مات في بداية الرواية
  • الأمير عوض الله.. ابن باني المقهى الحاج عوض الله.. يرى المقهى الذي بناه والده يباع ليهدم امام عينيه ويتابع ولا يستطيع ان يفعل شيء
  • الهرم.. بائع المخدرات في المنطقعة
  • سليمان الصايغ.. ابن صائغ وغني تهرب منه زوجته اللعوب
الفيلم المقتبس من الرواية

تم تحويل الرواية إلى عمل سينيمائي تحت مسمى الكيت كات على يد داوود عبد السيد عام 1991، وقد تم دمج بعض الشخصيات وتغيير دور شخصيات أخرى واخفاء شخصيات أخرى، ولكن ظلت الرواية هي الخط الأساسي للفيلم

ايوب صابر 03-04-2012 10:18 PM

إبراهيم أصلان
الكاتب إبراهيم أصلان (3 مارس1935 - 7 يناير2012) هو أحد أبرز كتاب جيل "الستينات" في مصر.
سيرته

ولد إبراهيم أصلان بمحافظة الغربية ونشأ وتربى في القاهرة وتحديدا في حى إمبابة والكيت كات، وقد ظل لهذين المكانين الحضور الأكبر والطاغى في كل أعمال الكاتب بداية من مجموعته القصصية الأولى "بحيره المساء" مرورا بعمله وروايته الأشهر "مالك الحزين"، وحتى كتابه "حكايات فضل الله عثمان" وروايته "عصافير النيل" وكان يقطن في الكيت كات حتى وقت قريب ثم انتقل للوراق أما الآن فهو يقيم في المقطم.

لم يحقق أصلان تعليما منتظما منذ الصغر، فقد ألتحق بالكتاب، ثم تنقل بين عدة مدارس حتى أستقر في مدرسة لتعليم فنون السجاد لكنه تركها إلى الدراسة بمدرسة صناعية. ألتحق إبراهيم أصلان في بداية حياته بهيئة البريد وعمل لفترة كبوسطجى ثم في إحدى المكاتب المخصصه للبريد وهي التجربه التي ألهمته مجموعته القصصيه "ورديه ليل".

ربطته علاقة جيدة بالأديب الراحل يحيى حقي ولازمه حتى فترات حياته الأخيرة ونشر الكثير من الاعمال في مجله "المجلة" التي كان حقى رئيس تحريرها في ذلك الوقت.
لاقت أعماله القصصية ترحيبا كبيرا عندما نشرت في أواخر السيتينات وكان أولها مجموعة "بحيره المساء" وتوالت الأعمال بعد ذلك إلا أنها كانت شديدة الندرة، حتى كانت روايته "مالك الحزين" وهي أولى رواياته التي أدرجت ضمن أفضل مائة رواية في الأدب العربى وحققت له شهره أكبر بين الجمهور العادى وليس النخبه فقط.

ألتحق في أوائل التسيعنيات كرئيس للقسم الأدبى بجريدة الحياة اللندنية إلى جانب رئاستة لتحرير إحدى السلاسل الأدبية بالهيئة العامة لقصور الثقافة إلا أنه أستقال منها أثر ضجه رواية وليمة لأعشاب البحر للروائى السورى حيدر حيدر.

توفي في السابع من يناير عام 2012 عن عمر يناهز 77 عاماً.
أعماله

المجموعات القصصية
  • بحيرة المساء. مجموعته القصصية الأولى، صدرت في أواخر الستينيات.
  • يوسف والرداء.
  • وردية ليل.
الروايات
كتابات أخرى
  • خلوة الغلبان.
  • حكايات من فضل الله عثمان.
  • شيء من هذا القبيل.
الكيت كات

حققت رواية مالك الحزين نجاحا ملحوظا على المستوى الجماهيرى والنخبوى ورفعت اسم أصلان عاليا بين جمهور لم يكن معتادا على اسم صاحب الرواية بسبب ندره أعماله من جهة وهروبه من الظهور الأعلامى من جهة أخرى، حتى قرر المخرج المصري داوود عبد السيد ان يحول الرواية إلى فيلم تحت عنوان الكيت كات وبالفعل وافق أصلان على إجراء بعض التعديلات الطفيفة على الرواية أثناء نقلها إلى وسيط أخر وهو السينما، وبالفعل عرض الفيلم وحقق نجاحا كبيرا لكل من شاركوا فيه وأصبح الفيلم من أبرز علامات السينما المصرية في التسعينات.
أزمة وليمة لاعشاب البحر

كان إبراهيم أصلان أحد أطراف واحدة من أكبر الأزمات الثقافية التي شهدتها مصر دون أن يرغب في ذلك، وذلك في سنة 2000م حين تم نشر رواية وليمة لأعشاب البحر لكاتبها حيدر حيدر وهو روائي سوري، التي جاء نشرها في سلسلة آفاق عربية التي تصدر عن وزارة الثقافة المصرية ويرأس تحريرها إبراهيم أصلان.

تزعمت صحيفة الشعب والتي كانت تصدر عن حزب العمل من خلال مقالات للكاتب محمد عباس حمله على الرواية حيث أعتبرها الكاتب أنها تمثل تحديا سافرا للدين والأخلاق، بل وان هذه الرواية تدعو إلي الكفر والإلحاد، وأثارت في هذة الفترة الجدل العارم وقامت المظاهرات بين طلاب الأزهر على خلفيه أستفزازهم بالمقالات التي تتصدى للرواية وترفضها ظنا منهم أنها ضد الدين بالفعل، ولم تقعد الدنيا وتم التحقيق مع إبراهيم أصلان وتضامن معه الكثير من الكتاب والأدباء والمفكرين، غير أن مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر قد أدان الرواية والقائمين علي نشرها في مصر وأعتبروها خروجا عن الآداب العامة وضد المقدسات الدينية.
جوائز

حصل إبراهيم على عدد من الجوائز منها:
موقفة السياسي

أييد الكاتب أبراهيم أصلان حركة التغيير التي تبناها الدكتور محمد البرادعي، و وافق على مطالب السبعة للجمعية الوطنية للتغيير، و تم الاتفاق علي إصدار وثيقة يصيغها الأدباء والمثقفون، منهم الكاتب ابراهيم أصلان، في مصر لتكون بمثابة مشروع سياسي وفكري للدولة المدنية التي تطالب الجمعية الوطنية للتغيير بها، وكذلك الإجابة عن الأسئلة التي يتم طرحها عن الدولة التي يريد المصريون إقامتها

ايوب صابر 03-04-2012 10:27 PM

حوار مع الروائي المصري إبراهيم أصلان

المراوغ

الحوار المتمدن- عبد النبي الفرج

حصل إبراهيم أصلان علي هبات ومنح لم تتوفر لموظف بريد من قبل علي الإطلاق وكل هذه المكاسب بقليل من الأعمال , بحيرة المساء , مالك الحزين , يوسف والرداء , وورديه ليل,
ولا حد يصدق أن هذه الهبات لمجرد كونه موهوب فالدول الحكومات المنحطة والتي تسيطر علي كل شيء في هذا الوطن لا تحفل بمن موهوب ومن غير موهوب بل عديم الموهبة اسلم وأكثر راحة لها ويدلل البعض هذا الكلام بمقولة محمد حافظ رجب عن أصلان أصلان يعني أتنين , نسختين يعني , نسخة للسلطة ونسخة للمثقفين يلبد في مكتب الحياة ولا يشارك في الحياة العامة ألا قليلا منها زيارة عبده وازن إلي القاهرة أو دعوة من وزارة الثقافة يمرر مصالحة بهدوء ولأنه وسيم وشكله طيب تتدفق عليه الهدايا والمنح الربانية حتى أن الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد قال وكنا أظن علي البستان أصلان لو وزعوا شقق في 6 أكتوبر يطلع واحد ماتعرفش منين يقول احجزوا شقة لأصلان دي غلبانا وفي كل الأحوال أنت لا تستطيع أن تنكر انه كاتب شديد الموهبة رغم أنه غير مغامرا علي الإطلاق فقد آمن بالشكل الذي قدمه السرد الأوربي في الخمسينات الذي يسمي تيار الاغتراب أو التشيؤ ومن الأكثر شهرة في ذلك المجال أرنست همنجواي الساحر الأمريكي والذي دفع بالقصة القصيرة إلي أقصي مدي لها, والذي وجد أصلان ضالته في هذا الشكل والذي يتوافق مع روحة تماما فاصلان غير شجاع ينظر إلي الناس بريبة والي الكتابة أيضا ولذلك يضع علي وجهه قشرة صلبة لكي يحمي نفسة من المشاركة أو الانفتاح علي الناس ليس لأنه متعال أطلاقا ولكنه يخاف أن يشتبك مع الناس فيفضح ضعفه وهشاشته المفرطة رغم الادعاء بغير ولذلك عندما يتوجس منك ينظر إليك بنصف عين في خبث ذئبي وكأنه لا يراك أو يتركك تتكلم دون أن يعلق ويردد آه , آه وطبعا يمكن أن يكون سرحا في آي حاجة , لو أنت حساس تهرب من أول ما تبص في عينيه وتلقيه عمال يدور علي أشياء وهمية أو يدور حول ذاته لو أنت جبلة ماشي يستسلم كسلحفاة وينتظر لكي يضرب ضربته ويخليك مسخره , ليه لأنه يحتملك احتمال جمل منذ سنوات فتحت هذا الهدوء الظاهري عنف مكبوت ولذلك أنظر الي يديه ستجدها ترتعش أرتعاشة خفيفة ليس من مرض ولكن لمحاولاته الدائبة أن يكبت العنف داخلة ذلك وكل هذا أنعكس علي القصة لدية
ماهية سمات القصة لدي أصلان
الاقتصاد في استخدام اللغة الأحكام في البناء , الاهتمام بالشخوص والأعماق المظلمة والطريفة للإنسان المصري , وحدة الحدث لكي يسهل السيطرة عليه , شعرية اللغة , المساحة المحدودة التي تدور فيها الأحداث , , الكيت كات , فضل الله عثمان ,النيل , هذه المناطق الأليفة والذي عقد معها صداقة وهذا فقط لكي أصل إلي
أن هذه السمات تكشف عن عجز في مواجهة الواقع , القاري, الناقد , الوسط الثقافي ولذلك يظل يحذف , يحذف حتى يترك الشجرة عارية
واصلان حكاء جميل مثل كل الفقراء من الكتاب والذي يتحولوا الي مسامرين مثل خيري شلبي والذي قضوا طوال حياتهم لاستجداء البيات والأكل
في البداية حاولت أن أشرح فكرتي وهو يقول آه آه كالعادة , طبعا أن عندي وساوس قهرية وشكوك لتنتهي فسكت ونظرت أليه للمعرفة الانطباعي علي وجهه .. كان يبدو جادا رغم أنني لأعمل في صحيفة أو مجلة أدبية وتركت المكان وأنا غير واثق أن أصلان سيوافق علي أجراء الحوار وجئت في الميعاد وتم التأجيل بعد أن ضرب علي جبهته أخ هو ميعادنا النهاردة
النهاردة أجازة , فيه مشكلة ..هو أصلان يسخر مني ..استمرت في السير في شارع أمريكا اللاتينية وأنا خائف من العسكر في كل مكان وآلي , رصاص , رتب من كل صنف ولون وأشجار ميتة وكلاب وحدائق مسورة وبوابا حديدية ضخمة ورجال بيض بياض كالح وعيون زرق ورجال يذكروك بالقراصنة .. ولا همسة دخلت العمارة , الأسانسير معطل وأنا متعب وأحتاج لقليل من الوقت لكي أنام علي الكرسي الأسود حتى أستعيد حيويتي , دخلت وأنا متأكد أنه غير موجود وقد خاب ظني فقد كان موجودا وفي انتظاري
أهلا يا أستاذ محمد
سلمت وأنا أتلفت حولي ولما تأكدت انني وحد وأن الكلام موجه لي قلت:
أنا اسمي عبد النبي فرج
آه آه منور يا أستاذ عبد النبي
ثم صمت ودخل عامل البوفيه وأحضر فنجانا من القهوة يصعد منه بخارا لذيذ وأنا عاشق لفنجان القهوة وسحره أكثر من القهوة ذاتها , خاصة لو كانت من الخزف الصيني البني أو الأزرق وأخذت أنظر ألي الفنجان حتى امتدت يده وسحبت الفنجان ورشف رشفة وأشار لي أنه سيحضر مسجل من غرفة المكتب الاخري , وعندما خضر كان في يدي كتاب أخذته من علي المكتب أقلب فيه كان الغلاف رديئا
دا غلاف يعم أصلان
أنت عارف لو الكتاب ده بتاع ماركيز وبالغلاف ده هيهفقه ويخليه زى كتاب ..
الكتاب المفروض يكون في حد ذاته لوحة فنية
مال أصلان وأخرج كتاب وردية ليل وكان مترجم حديثا
شوف الغلاف
لوحة فنية والله … كان الغلاف جميلا بالفعل
شوف الاخراج أهو ده راجل أجنبي … شوف الروية , شوف الجمال, دا راجل قراء الرواية كويس
وأخذ يقرب مني الغلاف ويشير علي ببعض التفاصيل المادية وهنا يظهر عشق أصلان للأشياء
سحبت الورقة والقلم بعد الفشل في إحضار مسجل
· التكثيف الشديد والولع بالحذف هل هو ناتجا عن عنف يمور داخل الكاتب مما جعله أشبه ببستاني فبدل من أن يمسك مقص لتشذيب الحديقة , مسك بلطه وأخذ يقطع في فروع الشجر حتى تركها عارية ؟ أم هو تأثر بتقنية كتابة معينة؟
* عادتا أنت تلجا إلي الوسائل التي تتلاءم مع طبيعة إمكانياتك من ناحية وتتوافق مع طبيعة أغراضك وعلي هذا الأساس ودعنا نقول أنني تجدني أكثر ميلا إلي استبعاد مايمكن استبعاده طالما أن هذا المستبعد سوف يظل موجودا كإحساس وراء القليل الذي يكتب ومادمت أنت لجاءت إلي تشبه يتعلق بطبيعة البستاني وعلاقته بالحديقة دعنا نقول الأتي
أن البناء عادتا يعني مراكمة الأشياء فوق بعضها سواء كنا نبني بيتا أو نبني رواية في كثير من الأحيان أو نبني مستوصف وهذا النوع من البناء لا يهتدي بقوانين البناء بمعني قوانين الخلق التي تهدي به الطبيعة وهي قوانين غير قابلة للأخذ والرد .. بمعني أن النبتة الصغيرة عليها أن تزيل الحشائش الضارة والأوشاب وكل ما يعيق نموها وهذا بناء طبيعي فطري يقوم علي الاستبعاد لأنه بناء يتعلق بما هو حي وكل بناء حي من شجر وإنسان وحيوان . عمل فني . لو تأملت الأمر ستجده لاينمو ألا عبر استبعاد كل ما يعوق هذا النمو وهذا يكون شرطا أساسيا لنمو آي كائن حي والعمل الفني كائنا عضويا في نهاية الأمر وبدايته . لا تستطيع أن تغير هذا التكوين بمعني أنك لا تستطيع أن تعيد ترتيب أعضاء كائن أو تعيد استبعاد فصول رواية ويظل العمل هو نفس الكائن أيضا …..
أيضا لا تنس أن غالبا الأشياء الحقيقية فعلا والمرجحة في حياة كل منا تكون عصية علي الكتابة وعلي التعبير عنها ومن هنا نحن لا نكتبها ولكن نكتب بها وسوف نجد أي نص لا يكتسب قيمته وقدرته علي التأثير مما هو مكتوب ولكن من قيمة الزاد أو الطاقة الروحية التي كتب بها
* أذا الحذف والتكثيف ليس ناتجا عن عنف مكتوم انعكس علي الكتابة
- أنا لأعرف هو ناتجا عن أيه ؟ - ولكن شوف كل ما هو مستبعد هو ما أعرفه وأنا لدي يقين أن ما أعرفه متاح لكل إنسان أن يعرفه ومن هنا تجدني غير شغوف بتكرارها علي مسامع القارئ .
في الكتابة هناك طريقتين 1 أن تعيش حياه أو تجربة أو تجربة ثم تذهب لتحكي عنها لماذا ؟أنا عن نفسي وقد عشت تجربة أظنها صعبة أو غنية لم يتخلف لذي أحساس بأنها تجربة استثنائية وذلك لأنني قضيت حياتي في حي شعبي بين بسطاء الناس الذين يمتلكون نفس التجربة أو ما هو أكثر من حيث الغني والصعوبة لم أري أحدا يعتبرها تجربه استثنائية , هو عاشها مرغما وألا مات من الجوع وفي وضعي كان علي أن أمتلك قدرا من الصلافه . ومن هذا يلائمني أكثر أن احكي بهذه الأوجاع والمسرات
*في عالم إبراهيم أصلان تبدوا المرأة وكأنها أداة متعة أو مصدرا للشرور والخيانة فما رأيك
- أولا أنا لأعرف شيء أسمه المرأة وشيء اسمه الرجل انا أعرف حسنيه , فتحية , أو عباس , , أو مرسي لان فيما يتعلق بالكتابة لا تصلح الإشارة إلي النوع بشكل عام وإذا حددنا الأمور علي هذا النحو سنجد أن السؤال ظالم ثم ستجد نمازج خارجة عن أو لاتنطبق عليها هذا الاتهام وبالعكس أن تقديري الشخصي للمرأة أظن أنه مبالغا فيه
* هذا علي المستوي النظري لكن الكتابة فاضحة وارجوا أن تراجع مالك الحزين , خلو وردية ليل من النساء والمشهد الوحيد التي تظهر فيه تكون شبه عاهرة ثم راجع القصص القصيرة
-أنا لا تحضرني كل القصص القصيرة لكن أتذكر قصص كثيرة المرأة ليست هكذا في بحيرة المساء لن تجدها هكذا إطلاقا راجع , وقت الكلام , التحرر من العطش والرغبة في البكاء وفي رواية مالك الحزين يوجد نساء كثيرات لم يقدمهم الفيلم لاينطبق عليها هذا القول
أريد أن أنبه علي انه من الممكن أن يتخلف مثل هذا الإحساس من وجود لحظات ذات طابع شبقي أو جنسي في طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة وأنا لاعتبر هذا دلالة انحراف أو عيبا يشين المرأة أو الرجل طالما هذا يتم في الإطار الفني والشرعي أحيانا
* الحوار يمثل قيمة جوهرية في نسيج العمل الروائي والقصصي . هل النهضة المسرحية التي ظهرت بقوة في الخمسينات في إنحاء العالم من برخت إلي كامي وسارتر وبيكيت إلي مصر ووجود مسرحيات نعمان عاشور ومحمود دياب وسعد الدين وهبه ونجيب سرور والفريد فرج
- أولا بغض النظر عن أجادتي للحوار أو عدم أجادتي له فالحوار موهبه برأسها . بمعني أنه قد يلجا بوسائل وجهود سردية كيما يحصل من الشخصية كائنا حي من لحم ودم .
أنا لا يعونني السرد كثيرا في إحياء الشخصية . يكفي الشخص أن ينطق بجملة حوارية صحيحة حتى يدب يحي أمامي علي الورق . الحوار مسألة خطيرة جدا إلي الحد الذي يمكن أن تقول أن جملة حوار واحدة رديئة قد تكون كفيلة بإفساد عمل شاهق مثل الحرب والسلام وغيرها من الأعمال الكبيرة وهذا لا يمنع أن الثقافة المسرحية كانت أحد الروافد المهمة في تكويني وتكوين أبناء جيلي بالإضافة إلي السينما وهذا ليس سرا أن أول عمل نشر لي كان مسرحية من فصل واحد في مجلة الثقافة والذي كان يشرف عليها محمد فريد ابو حديده وذلك عام 64
* ولكن لماذا لا تكن هذه طبيعة الأيام والأشياء ؟ قد يكون ذلك صحيحا وقد لا يكون ولكن الأمر المؤكد بالنسبة لي علي الأقل أن هناك شيئا من الضروري أن أضع حدا له ..الوقت يمضي . هل خوف إبراهيم من الزمن كان ناتجا في ذلك الوقت ومن عدم تحقق علي المستوي الإنساني والأدبي ؟
- أنت تذكرني بكلام كثير كتبته قبل أكثر من ثلاثين عام وعندما تقرأه الان أشعر أنه مازال ملائم لكي أردده مرة أخري رغم أنني يبدوا أنني تحققت قليلا وأنفجر في الضحك
* يدعو أدوار سعيد إلي نمط معين من الفن القائم منطقه علي التجاوز والتغاضي علي عدم تأكيد هوية مركزية سلطوية. هل تساير ادوار في دعوته؟
مشكلتي مع الكتابة غالبا أنني لأكتب علي هدي نظري أو علي هدي من المصطلح وهذا لا يتنافي مع اعتقادك بهذا المصطلح أو بما هو نظري
يعني علي المستوي النظري أنا أخذ الأمور بجدية ولكن في النهاية أكتب بما يتراء لي أن الأمور هكذا أقرب إلي المزاج أكثر من أي شيئا أخر ولكن هناك بعض الأمور الهامة وعلي رأسها اللأتشيء بأن السرد ليس سردا روائيا فقط , هناك سرد اجتماعي , سرد ثقافي , سرد جنسي , سرد ديني , هذه السرودات مهيمنة لان ما تقوم به مؤسسات تتواري في خبراتها وأخطر هذه السرودات المهيمنة هو منطقها ذلك المنطق الأبوي الذي يفكر بدل من الناس ويتخيل بدلا منهم مهمة الفنون أن تعمل نقيضا لهذه الهيمنة وأن تسعي لتقويض هذا المنطق الأبوي , أن العمل الفني الحقيقي هو ذلك العمل الذي ليفكر بيه لأحد ولا يتخيل لأحد ولكن يوفر الإمكانية الوحيدة والقادرة جماليا علي أن تتيح للآخرين, التفكير لأنفسهم والتخيل لأنفسهم
* وقال عبد الله ” قول يعم عمران .. قول : قال لي أنها ليست مسافرة إلي مصر … هذا الشغف بالحكي هل تسلل لك من ألف ليلة وليلة أم من ألحكي الشعبي ألشفاهي من ناس امبابة وبولاق وغيرها
- ألف ليلة وليلة هو الكتاب الوحيد مع القرأن الكريم ودلائل الخيرات هم الكتب الوحيدة الموجود في بيتنا ,
بدأت علاقتي بالف ليلة قبل أن أحسن القراءة بشكل جيد وكان يضعها فوق الدولاب خشيية أن أقراءها وقد كان الوالد يري أنه من غير الأئق أن يقرأها صبي في مثل سني ولذلك كنت أنتهز الفرصة عندما يذهب الي العمل وأمارس قرأتها … عندما تحدثت في الأجابة السابقة عن هيمنة السرود التي تقوم بها المؤسسة بمنطقها الأبوي وضرورة أن الأدب والفن يسعي الي تقويض هذه الهيمنةكنت أعني أن علينا أن نستلهم منطقا بديلا والتجربة أثبتت لي أن المنطق البيل هو منطقة السرد الشفاهي فهو علي الأقل ليس منطقا أبويا بأي شكل من الأشكال فنحن ندرك أن الهيمنة التي تحدثنا عليها هو قدرته علي ترسيخ صيغ لغوية نجد أنفسنا عادتا وبشكل تلقائي علي التفكير بها اينما ذهبت أفكارنا هنا أو هناك أي أنالتخييل لأنفسنا قد وضعت لنا سلفا , حيث أننا نظل طيلة الوقت أسري لها بينما نظن أنفسنا أحرارا ..ز منطق السرد الشفاهي لايقوم علي هذه الأليات فهوا أبعد وأعمق وأبعد غورا في النفس وأكثر أستلهام ماهو جذري أنه يعاونك علي الأقل وببساطة علي البحث عن دوار اخر للكلمة مما يبخث فيها وفي سياقها مزيدا من الحرية
· رغم أدانتك للأشياء بقوة في وردية ليل من خلال شتق عم مرزوق نفسه وسط الأ[شياء التي يمتلكها في المحل الأ أن أن ابراهيم يبدوا عاشق للأشياء التي تتجاوز الصفة النفعية
- هذا ليس تناقضا فالناس تموت وسط أشياءها سواء كانت رديئة ـأو جميلة وهذا لايحتمل أي أدانة للأشياء
· ولم يجد من الشلة الأ يوسف النجار ليخبره فهو يبدوا مثل الغريب في أمبابة . لماذا يشعر يوسف بأنه غريب ؟ وهل يوسف هو واحد من أقنعة أصلان
- بالنسبة للقناع أذ كان هذا مفيد تستطيع أن تقول أه أما مسألة الغربة … أنا أظن أن يوسف كان يعر طيلة الوقت بالغربة , وهذا من سلبية المؤسسة التي تقرر لك , فيما أنت مهموما بالشأن العام مثل يوسف النجار ولا تستطيع أن تكزن فعالا في ظل شروط وضعت لك دون أن تساهم في وضعها وهذا حال العديد من المثقفين العرب ولذلك يعزف المثقف عن المشاركة في وليس عاجزين عنها كما ظن عددا كبرا من النقاد والذين كتبوا عن شخصية يوسف .. سوف تلاحظ هذا أذ ماتذكرت الشيخ حسني , هذا جل ضرير غير معني بالشأن العام ورغم ذلك قادرا علي المشاركة والأيجابية … استطاع رغم عماه بينما يوسف الذي يري ويعرف غير راغب في ذلك أتحدث عن يوسف كما هو في الرواية وليس كما هو في الفيلم الكيت كات
· هل قسوة المدينة هي السبب في جنوح الشخوص الي اللأمباله والعدمية أم تأثر بظاهرة العبث في الستينيات
- أنت تسميها هنا الأمباله والنقاد يسمونها النظرة الحيادية وأنا أراها علي نحو مختلف .. نحن لاتقراء الروايات لمعرفة رأي الكاتب أو موقفه وهذه مسألة سهلة ولاتستحق كتابة رواية من أجلها نحن تقرأ لكي تعاوننا علي أن يكون انا موقفا بمعني ليس مهما ما يقوله الكاتب ولكن المهم أين نحن بعد قرآت العمل عمله ما يبدوا حياديا أو لامبالاة هو كما أراه هو كما أراه وسيلة أو أداة فنية ليس أكثر أو أقل لأنني أظن أنني مادمت قد بنيت في عملي موقفا واضحا فلقد عافيتك القاريء من أتخاذ آي موقف , أنها الرغبة في تقديم تجربة دون أى خطأ بالطبع … ليس هذا أقتراحا لوسيلة مثلي للكتابة ولكم هذا مارأيته اكثر ملأمة لمزاجي الشخصي عند كتابة هذه النصوص
· ياناثانيل أوصيك بالدقة لا بالوضوح هذه ىالتعويذة قد تحتوي علي نوع من الخديعة لان الدقة قد تكون مفيدة في العلوم الذهنية ولكم الأبداع قد يكون فيه الفوضي والغموض والهلاوس والجنون أقرب الي روح النص”
- حتي الهلاوس والجنون لابد ةأن ينتظمها شكل فني دقيق.. الدقة مطلوبة أي ماكان نقدمه ..هي مسئلة لاتتعلق ةبالفهم , احيلك لأعمال سلفادور دالي انظر الي رؤأه وانظر الي دقة الأشكال التي قدمت بها هذه الروح , الشكل بالنسية للعمل الفني هو القضية الأساسية أكاد أقول بالنسبة لكل شيء … لأن شيء بدون شكل لن يكون له معني زان يكون هناك أي أمكانية للمعرفة وليس هذا أن يكون الشكل واصحا أو مما له أشباه وأحيلك هنا الي تماثيل هنري مورو اشكال قد تعد بالقياس العادي رغم أنها لنساء أو رجال تبدو في غاية الغرابة ومع هذا هذه الأسكال أكثر حياة وأستقلاليةوأكثر تأثيرا بفعل بناءها الفني ودقته والدقة مرتبطه بما هو فني أما الوضوح فهو مسئلة تحيل الي دقة الفهم أما عدم الفهم وهذه مسألة غير مطروحة فنيا بأعتبار أن المطروح حيال أي عمل فني هو مسألة الأحساس أولا بهذا العمل الفني
· تأثير هزيمة 67 وماذا فعلت بعد أن تأكدت أن البلاد في طريقها الي كارثة ؟
· يعني أكتأبت شأن كل مواطن مصري ولكن بالمناسبة سوف تجد الستينات مشحون قبل الهزيمة بنزر كارثة ما . المفاجأة لم تكن في الكطارثة التي حدثت ولكن في حجم هذه الكارثة .. كنا متوقعين في ذلك الوقت ولذلك هذه الصدمة جعلتنيوهي حكاية شائعة وكانت جملة أعتراضية .. وجءت كما يلي بينما نعمل ليل نهار في حجراتنا العارية بسنترال رمسيس حيث توجد عدة الاف من البرقيات وكانت موحودة أمامي أنني حملتها وألقيت بها من النافذة في شارع الجلاء مما ترتب عليهخ خروج معظم العملين بوردية الليل وألتقاتها من هنا وهناك والمشكلة كانت في سقوط هذه البرقيات فوق الأشجار العملاقة وقد تحولتللتحقيق بسببها
· بناء القصة في أقتصاد وأحكتما شديد هل هو ناتجا عن خوف أصلان من عدم قدرته علي السيطرة علي النص أم لكي يخفي لا معني لكثيرا مني قصصه
- أظن أن هناك تناقضا في السؤال مابين القدرة علي أحكام البناء ولا معني كثير من القصص
· أنا لا قصد معني البناء ولكن أقصد الهدف من ورأ القصة
· أنا لاأبدا من معني أريد توصيله للقاريء ولكن أنا اسعي الي معني . است صاحب رسالة .. ثم صمت وقد سرح قليلا
· خلاص الكلام
· أنت قرات وردية ليل
· طبعا
· البناء هنا يختلف عن عصافير النيل لماذا ..لأنه مبني علي طريقة البرقية .. أي أن المحزوف هو الواجب المراهمة عليه أعتمادا علي أشارات بينك وبين الطرف الاخر بمعني أن هماك رسالة وهناك مرسل اليه والذي يكتب يجب أن يختزل الي أبعد درجة
· أن لم ننتقض تتحول الكتابة الي نوع من الزيف هذه المقولة لصنع الله هل تتفق مع هذه المقولة وكيف تري دور الروائي
· كل عمل روائي هو عمل نقدي علي نحو أو أخر .. التجربة الجمالية في حد ذاتها هي وسيلتنا في مواجهة كل أشكتال الغلظة والفظاظة والقهر الذي يعاني منه الأنسان

ايوب صابر 03-04-2012 10:34 PM

الروائى إبراهيم أصلان: يوجد بداخلى أصلان آخر..

١٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٤بقلم أشرف شهاب
واحد من الروائيين المتميزين الذين أنجبتهم الحياة الأدبية المصرية. ويكاد يكون علما من الأعلام الدالة على تطور فن الرواية العربية بشكل عام. مراسل "فلسطين" فى القاهرة أشرف محمود التقى إبراهيم أصلان، صاحب "وردية ليل"، و"مالك الحزين"، بالقاهرة وأجرى معه الحوار التالى:


- فلسطين: ما هى الملامح الأساسية فى مسيرة حياة ابراهيم أصلان؟
- أصلان: ولدت فى مدينة طنطا. وكان والدى موظفا فى هيئة البريد. وإنتقل للعمل بالقاهرة لكى يحص على علاوة امتياز خمسين قرشا. وكان كأب جدير بكلمة رجل بكل ما تعنيه الكلمة. وقد أنجبت والدتى اثنى عشر ولدا منهم خمسة ماتوا. وفور نزولنا للقاهرة أقمنا فترة فى منطقة الحسين، ثم أقمنا فترة أخرى فى منطقة باب الشعرية.
- فلسطين: هل لديك ذكريات طفولة عن منطقة الحسين؟
- أصلان: منطقة الحسن من المناطق الرائعة بحق فى محافظة القاهرة. وهى مخزن كبير للذكريات، ومصدر إلهام للعديد من الكتاب. ولكننى لا اتذكر من مرحلة طفولتى فى الحسين سوى مشهد واحد فقط أقف فيه على سلم بيتنا، وزملائى الأطفال ينادوننى. وأمى تقول لهم: "إبراهيم مش هيلعب معاكم لأنكم بتضربوه". ولكننى أتذكر أيضا أن رحلة متاعب والدى بدأت فى تلك الفترة، حيث دخلت بعد الكُتاب مدرسة أولية أهلية. ودرست فيها حوالى سنة تقريبا، ثم تركتها، ثم دخلت مدرسة إمبابة الإسماعيلية الإبتدائية. وبعد ذلك تركتها، ثم دخلت مدرسة لتصميم وهندسة السجاد، وتركتها كذلك. بعدها اضطر والدى لالحاقى بمدرسة عسكرية داخلية وكان سنى 15 سنة. ولأن هذه المدرسة كانت عسكرية ظللت بها سنتين. وحينما قامت ثورة 1952 أغلقت المدرسة أبوابها نهائيا. ولذلك دخلت المدرسة الصناعية فى مصر الجديدة. وكانت المواد التى يتم تدريسها فيها لا علاقة لها بالمرة بالعلوم العسكرية التى درستها فى المدرسة العسكرية. وحينما تركت هذه المدرسة أيضا أدرك والدى أنه لا فائدة من تعليمى فألحقنى للعمل معه بمصلحة البريد. وبعد ذلك عملت رواية "وردية ليل". ثم تم انتدابى بعد ذلك للعمل كنائب لرئيس تحرير سلسلة مختارات "فصول"، بعد أن كنت قد نشرت بالطبع كثيرا من الكتب بالهيئة العامة للكتاب. وفى ذلك الوقت كان سامى خشبة يرأس تحرير السلسة. والحقيقة أن كل هذه التقلبات والتنقلات جعلتنى عارفا بأصول حرف كثيرة من الصعب على إنسان أن يتعلمها جميعا مثل "الخراطة – الحداده – كهربة السيارات – الكهرباء"، وقد عايشت عشرات النماذج البشرية وآلاف الوقائع فى هذه الرحلة المثيرة.
- فلسطين: هل يمكن أن تقص علينا أحد هذه المواقف؟
- أصلان: أذكر مثلا ان عملى كبوسطجى كان فى منطقة "جاردن سيتى". و كنت مطالبا بتوصيل الخطابات لرجل غامض كث الشارب شقته ممتلئة عن آخرها بالكتب، عرفت أنه "بشر فارس"، أحد أهم رواد الأدب الرمزى فى مصر. وكان أحد مؤسسى مدرسة "أبوللو" الشعرية فى بدايتها وكان شاعرا ايضا.
- فلسطين: تبدو مسيرتك وحياتك الأدبية متقلبة، ومعقدة الملامح.
- أصلان: صحيح. لكن عموما أنا بداياتى الأدبية كانت عام 63. والغريب أننى بدأت بكتابة المسرحية، وليس الرواية أو القصة القصيرة. و أول أعمالى مسرحية من فصل واحد. وفى يناير 65 عاودت كتابة القصة، وقد أسعدنى جدا فى تلك الأيام صدور عدد خاص من مجلة "جاليرى" عنى، احتوى على مجموعات القصص التى تكونت منها مجموعتى "المساء"، ومجموعات من المقالات والدراسات عنى. وفى الحقيقة فإن أول من قدمنى للوسط الادبى كان علاء الديب فى مجلة "صباح الخير" و كتب مجموعة من الكلمات الرائعة التى لا تزال فى ترن ذاكرتى حتى الآن.
- فلسطين: كيف ترى العلاقة بين جيلكم والأجيال الأدبية الأخرى؟
- أصلان: أولا لا بد أن أوكد أن مسيرة الأدب متواصلة. ومهمة الأدب الأساسية فى الحياة أن يحقق نوعا من التوازن النفسى للمجتمع، فهو أحد أشكال الفنون الجميلة، مثله مثل الموسيقى والرسم، وهو غذاء روحى، ونفسى. لكنه يتميز عنها جميعا بأنه أرحب فى التناول. ويحقق تعادلا موضوعيا مع اشكاليات الحياة. و قد قدم جيلنا منجزات أدبية مهمة جدا، ووصل بالرواية إلى مستويات واشكال متقدمة. وأخذ كل واحد منا اتجاهه، وطريقه الخاص، وتفرد فى فهمه، ومعالجته للعمل الأدبى. واذا سألتنى أقول لك إن "بالامس حلمت بك" لبهاء طاهر، أو "الزينى بركات" لجمال الغيطانى أعمال بالغة الأهمية والروعة. وعلى رأسنا جميعا يأتى عمنا الكبير نجيب محفوظ لأنه ببساطة أسس الرواية العربية. وكل الذين كانوا قبله مهدوا الأرض فقط. أما نجيب محفوظ فهو الذى وضع الأساس المتين لهذا الفن، وقدم فى هذا الإطار جهدا بالغ الأهمية. وهو حاول تقديم نموذج لأزمة اللغة فى معالجة الرواية، وفعل ذلك باقتدار شديد، وثانيا قدم الرجل درسا عظيما فى احترامه البالغ لمن يتلقون العمل الأدبى.
- فلسطين: تبدو علاقتك بالكتابة شديدة الصعوبة. فأنا ألاحظ فى أسلوبك تعمقا فى التفاصيل، وقدرة على التشبيك بشكل محير!
- أصلان: لقد كنت أتحدث للتو عن نجيب محفوظ. وهذه مناسبة لأقول إن أهم فارق بينى وبينه أنه كاتب يحمل رسالة واضحة، كرس لها وقته وجهده وإبداعه. أما أنا فليست لى رسالة وراء ما اكتبه لأننى أبحث عن هذه الرسالة. وحتى الآن لم أعثر عليها،
- فلسطين: تبدو صريحا للغاية، ففى الغالب لا يعترف كاتب على نفيه بهذه السهولة..
- أصلان: هذه هى الحقيقة.. ولا أرى فائدة من إخفائها .. و يتولد لدى يقين أن الكتابة هى الوسيلة الوحيدة لتوثيق معرفتى بالدنيا. وانا دائما لا أكتب لأروى واقعة أو مشاهد فى إطار جميل، خصوصا، وأن ذهنى يحتشد بمئات التفاصيل، والنهايات التى تصلح مادة للقص أو للروى. ودائما أحاول أن أصل بالقارئ إلى العناصر الأولية التى تخلق الشعور بالحدث. وعلى سبيل المثال "الكيت كات" لها قصة. فقد كنا معتادين على الجلوس، ولسنوات طويلة على قهوة عوض الله. كنا أربعة أصدقاء، نلتقى يوميا. والمقهى – لمن لا يعرف- فى الأحياء الشعبية ليست مشروبا عابرا، أو جلسة سريعة، لأنها مكان يتشكل بنا.. بحيث إذا غاب واحد من أعضاء "الشلة" – أى شلة - فى يوم تغير شكل المقهى. وما لا يعرفه أحد أن البعض تصل به الحالة إلى إعتبار المقهى بكل أجوائها بمثابة أسرة توازى تماما أسرته فى المنزل، عليها يتبادلون طرح مشكلاتهم العائلية، والخاصة فى بعض الأحيان. وغالبا ما يتم الوصول إلى حلول عفوية محملة بخبرة السنوات التى يحملها المسنين من الرواد. لا أبالغ إذا قلت لك أن المقهى يحقق للمصريين هدوءا نفسيا، لا يستطيع تحقيقه لهم اساطين الطب النفسى فى العالم.
- فلسطين: تتحدث عن عدم وجود رسالة واضحة لديك تريد نقلها..هل لهذا السبب لم ترتبط بفكر سياسى محدد كمعظم المثقفين؟
- أصلان: الحقيقة أنى، وعلى الرغم من محبتى الغامرة للناس إلا أننى دائما أشعر بالغربة، والوحدة. يوجد بداخلى ابراهيم اصلان آخر. بداخلى جزء مهم جدا، هو أننى طول عمرى متأكد أننى لن أستطيع أن أُخضع ضميرى الشخصى للضمير العام. ومن هنا قرأت فى الوجودية، وأحببتها. وقرأت الماركسية، وأحببتها كذلك. لكن أفكارى بطبيعتها، وبدون أى اختيار منى كانت بجانب اليسار.
- فلسطين: من خلال عشرات ومئات الإبداعات التى تكتبها أو تشرف على نشرها.. أريد أن أعرف منك لماذا حدث ذلك التباعد بين الأدب والحياة؟ أصلان: لا يمكننى أن أتفق معك فى هذا الرأى. أنا لا أرى هذا الانفصال .. ربما ما يحدث هو حالة مختلفة أريد أن أسميها ظاهرة التناسل اللغوى.
- فلسطين: ماذا تعنى بكلمة التناسل اللغوى.
- أصلان: تعنى أن الكل يحاول الكتابة بطريقة معينة بأليات شبه معروفة، لكن هذا لا ينفى أن هناك مشاريع حقيقة للكتابة تسعى للانتساب الى الأدب، لكن ما يعيب هذه المحاولات أنها متعجلة، ومتسرعة.
- فلسطين: ما هى قراءاتك الأساسية؟
- أصلان: أنا لا اقرأ بإنتظام حتى أن هناك أدباء لم اقرا لهم إطلاقا ..
- فلسطين: مثل من؟
- أصلان: مثل المرحوم ثروت أباظة.. هذا الكاتب لم أقرأ له، ولا أنوى أن اقرأ شيئا مما كتب. كما أننى لم اقرأ لمحمد فريد ابو الحديد شيئا، ولا لعبد الرحمن بدوى، ولا لكثيرين غيرهم. لكننى ومن خلال نصائح الرجل العظيم يحى حقى أدركت أنه لابد من قراءة ديستوفسكى كاملا، وول ديورانت كاملا، وهكذا.
- فلسطين: ما هى روايتك المفضلة، ومن هو كاتبك المفضل؟
- أصلان: رواية "الحب فى زمن الكوليرا" هى روايتى المفضلة، وكاتبى المفضل هو صاحبها جابرييل جارسيا ماركيز. هذه الرواية لها مكانة خاصة فى قلبى، وأعاود قراءتها باستمرار.
- فلسطين: وشاعرك المفضل؟
- أصلان: أمل دنقل.
- فلسطين: عشت أيام الرئيس عبد الناصر، وأيام الرئيس السادات فما هى شهادتك كأديب ومثقف على العصرين؟
- أصلان: بالنسبة لعصر عبد الناصر، ورغم تجاوزات بالغة فيما يتعلق بقضية الحرية والديمقراطية، إلا أننى -مع الجميع تقريبا- كنا نشعر بحالة خاصة، ورائعة من الكبرياء، والزهو القومى، وبنفس الدرجة شعرت بأن هذا الكبرياء قد انكسر مع عصر السادات

ايوب صابر 03-04-2012 11:16 PM

اهم الاحداث في حياة ابراهيم اصلان:

- لم يحقق أصلان تعليما منتظما منذ الصغر، فقد ألتحق بالكتاب، ثم تنقل بين عدة مدارس حتى أستقر في مدرسة لتعليم فنون السجاد لكنه تركها إلى الدراسة بمدرسة صناعية.
- ألتحق إبراهيم أصلان في بداية حياته بهيئة البريد وعمل لفترة كبوسطجى ثم في إحدى المكاتب المخصصه للبريد وهي التجربه التي ألهمته مجموعته القصصيه "ورديه ليل".
- يخاف أن يشتبك مع الناس فيفضح ضعفه وهشاشته المفرطة
- ماهية سمات القصة لدي أصلان : الاقتصاد في استخدام اللغة، الأحكام في البناء , الاهتمام بالشخوص، والأعماق المظلمة والطريفة للإنسان المصري , وحدة الحدث لكي يسهل السيطرة عليه , شعرية اللغة , المساحة المحدودة التي تدور فيها الأحداث. واصلان حكاء جميل مثل كل الفقراء من الكتاب والذي يتحولوا الي مسامرين مثل خيري شلبي والذي قضوا طوال حياتهم لاستجداء البيات والأكل.
-في الكتابة هناك طريقتين 1 أن تعيش حياه أو تجربة ثم تذهب لتحكي عنها لماذا ؟ أنا عن نفسي وقد عشت تجربة أظنها صعبة أو غنية لم يتخلف لدي أحساس بأنها تجربة استثنائية وذلك لأنني قضيت حياتي في حي شعبي بين بسطاء الناس الذين يمتلكون نفس التجربة أو ما هو أكثر من حيث الغني والصعوبة لم أري أحدا يعتبرها تجربه استثنائية , هو عاشها مرغما وألا مات من الجوع وفي وضعي كان علي أن أمتلك قدرا من الصلافه . ومن هذا يلائمني أكثر أن احكي بهذه الأوجاع والمسرات.
- يقول أنا أكتب بما يتراء لي أن الأمور هكذا أقرب إلي المزاج أكثر من أي شيئا أخر
- يقول في ادى المقابلات معه" أن التجربة الجمالية في حد ذاتها هي وسيلتنا في مواجهة كل أشكتال الغلظة والفظاظة والقهر الذي يعاني منه الأنسان".
- يقول أصلان في مقابلة اخرى" ولدت فى مدينة طنطا. وكان والدى موظفا فى هيئة البريد. وإنتقل للعمل بالقاهرة لكى يحص على علاوة امتياز خمسين قرشا. وكان كأب جدير بكلمة رجل بكل ما تعنيه الكلمة. وقد أنجبت والدتى اثنى عشر ولدا منهم خمسة ماتوا. وفور نزولنا للقاهرة أقمنا فترة فى منطقة الحسين، ثم أقمنا فترة أخرى فى منطقة باب الشعرية.
- ويقول"لكننى لا اتذكر من مرحلة طفولتى فى الحسين سوى مشهد واحد فقط أقف فيه على سلم بيتنا، وزملائى الأطفال ينادوننى. وأمى تقول لهم: "إبراهيم مش هيلعب معاكم لأنكم بتضربوه". ولكننى أتذكر أيضا أن رحلة متاعب والدى بدأت فى تلك الفترة، حيث دخلت بعد الكُتاب مدرسة أولية أهلية. ودرست فيها حوالى سنة تقريبا، ثم تركتها، ثم دخلت مدرسة إمبابة الإسماعيلية الإبتدائية. وبعد ذلك تركتها، ثم دخلت مدرسة لتصميم وهندسة السجاد، وتركتها كذلك. بعدها اضطر والدى لالحاقى بمدرسة عسكرية داخلية وكان سنى 15 سنة. ولأن هذه المدرسة كانت عسكرية ظللت بها سنتين. وحينما قامت ثورة 1952 أغلقت المدرسة أبوابها نهائيا. ولذلك دخلت المدرسة الصناعية فى مصر الجديدة. وكانت المواد التى يتم تدريسها فيها لا علاقة لها بالمرة بالعلوم العسكرية التى درستها فى المدرسة العسكرية. وحينما تركت هذه المدرسة أيضا أدرك والدى أنه لا فائدة من تعليمى فألحقنى للعمل معه بمصلحة البريد. وبعد ذلك عملت رواية "وردية ليل".
- ويقول "الحقيقة أنى، وعلى الرغم من محبتى الغامرة للناس إلا أننى دائما أشعر بالغربة، والوحدة. يوجد بداخلى ابراهيم اصلان آخر. بداخلى جزء مهم جدا، هو أننى طول عمرى متأكد أننى لن أستطيع أن أُخضع ضميرى الشخصى للضمير العام. ومن هنا قرأت فى الوجودية، وأحببتها. وقرأت الماركسية، وأحببتها كذلك. لكن أفكارى بطبيعتها، وبدون أى اختيار منى كانت بجانب اليسار.
مأزوم .

ايوب صابر 03-05-2012 05:03 PM

42- باب الشمس إلياس خوري لبنان
باب الشمس | من الأوّل




2 http://m282.files.wordpress.com/2010/10/39065.jpg?w=450من الأوّل، من أوّل الأول، من الجليل، دير الأسد، الغابسيّة، شعب، ترشحيا، من بيروت، برج البراجنة، تل الزعتر، شاتيلا، من عمّان، القاهرة، من فلسطين، ومن الأوّل الأوّل تبدأ هذه الرواية الكبيرة، تبدأ بالنكبة، تحكي عن النكبة، وعن المنكوبين، وتأخذ في نهايتها القارئ إلى جانب هادئ من الثورة الفلسطينية، نعم للثورات جوانب هادئة، لكننا نجهلها لأننا نجهل كيف نبدأ من الأوّل، لا نقتنع بان الثورات، بأن الموت، انما وجد لتحقيق المستحيل، لا الممكن، الممكن يمكن عمله في مختبر، أمّا النصر فيحتاج ثورةً، وموتًا وحبّا، ورواية.

“باب الشمس” رواية كبيرة جدًا، ولا أقصد هنا صفحاتها التي تتجاوز المئات الخمس، أقصد فحواها، إنها رواية كبيرة، فيلم وثائقي مكتوب وممتد على مدى عقود، ضفائر سوداء وناعمة لا سلطان عليها إلا للريح. وكأيّ كبير، فإنّ انطباعي عنها كبير، كرهتها، وأحببتها، مللت منها، وملّتني، لكنني أكملتها، من ألفها إلى يائها، من الغيبوبة إلى الغيبوبة، ومن نهيلة 1، إلى آخر إصدار من نهيلة التي صرخت في وجه محققي الأرض ” أنا شرموطة ” فخرجت من قسم الشرطة تقطر شرفًا. السيرة الذاتية للكاتب الياس خوري سيرة متشعبة، لكنها لم تقنعني بتاتًا أن ذلك يكفي لكي يكون روائيًا جيدًا، الذي أقنعني هو ما كتب، ما أخرج، ما فتح من أبواب في باب الشمس.

يونس الأسدي، ابو ابراهيم، وابو صالح، هو بطل الرواية الصّامت، هذا اللاجئ استطاع أن يأكل فلسطين بعد أن صيّرها برتقالاً، وأن يقطع الحدود جيئةً وذهابًا بعد أن صيّر نفسه ذئبًا للجليل. يقبع يونس في غيبوبة طوال الرواية، هذا في خط الزمن الرئيسي، لكنه يستيقظ ويحارب مع حامية شعب، يسب على جيش الانقاذ، ويضاجع حبّ حياته نهيلة، هو في غيبوبة في خط الزمن الرئيسي، لكنّه حيُّ يرزق ويتنفّس ويحكي في التفرُّعات. الدكتور خليل ليس طبيبًا، ولا ممرضًا، هو يرتدي رداءً أبيضًا ويكتب وصفات الأدوية وهذا كلُّ ما في الأمر، يحبُّ شمسًا التي زوّجت نفسها لغيره بالرصاص، لم ير والده، وشارك في حرب تمترس فيها وراء الجهل، جهل سبب الحرب وطرفها الآخر.
أكاد اجزم باستحالة حفظ جميع الشخصيات، ورسم ملامح مستقلة لكل منها، إلا ربما بقراءة الرواية بتفرغ تام، الأمر الذي لم أفعله، قرأتها في خضم فعلي أشياءَ أخرى كثيرة، شعرت أن جملها القصيرة غبية في كثير من الأحيان، وأن أسلوب استحضار الشخصية بالسؤال المعهود ” هل حكيت لك عن .. ” أسلوب سطحي أكثر من اللازم، لكن الصورة العامة عمومًا ستُرسم حتى وان كان الرسم تخطيطيًا، خريطة، لو قُرأت باب الشمس قراءةً سري

من الأوّل، من أوّل الأول، من الجليل، دير الأسد، الغابسيّة، شعب، ترشحيا، من بيروت، برج البراجنة، تل الزعتر، شاتيلا، من عمّان، القاهرة، من فلسطين، ومن الأوّل الأوّل تبدأ هذه الرواية الكبيرة، تبدأ بالنكبة، تحكي عن النكبة، وعن المنكوبين، وتأخذ في نهايتها القارئ إلى جانب هادئ من الثورة الفلسطينية، نعم للثورات جوانب هادئة، لكننا نجهلها لأننا نجهل كيف نبدأ من الأوّل، لا نقتنع بان الثورات، بأن الموت، انما وجد لتحقيق المستحيل، لا الممكن، الممكن يمكن عمله في مختبر، أمّا النصر فيحتاج ثورةً، وموتًا وحبّا، ورواية.
“باب الشمس” رواية كبيرة جدًا، ولا أقصد هنا صفحاتها التي تتجاوز المئات الخمس، أقصد فحواها، إنها رواية كبيرة، فيلم وثائقي مكتوب وممتد على مدى عقود، ضفائر سوداء وناعمة لا سلطان عليها إلا للريح. وكأيّ كبير، فإنّ انطباعي عنها كبير، كرهتها، وأحببتها، مللت منها، وملّتني، لكنني أكملتها، من ألفها إلى يائها، من الغيبوبة إلى الغيبوبة، ومن نهيلة 1، إلى آخر إصدار من نهيلة التي صرخت في وجه محققي الأرض ” أنا شرموطة ” فخرجت من قسم الشرطة تقطر شرفًا. السيرة الذاتية للكاتب الياس خوري سيرة متشعبة، لكنها لم تقنعني بتاتًا أن ذلك يكفي لكي يكون روائيًا جيدًا، الذي أقنعني هو ما كتب، ما أخرج، ما فتح من أبواب في باب الشمس.
يونس الأسدي، ابو ابراهيم، وابو صالح، هو بطل الرواية الصّامت، هذا اللاجئ استطاع أن يأكل فلسطين بعد أن صيّرها برتقالاً، وأن يقطع الحدود جيئةً وذهابًا بعد أن صيّر نفسه ذئبًا للجليل. يقبع يونس في غيبوبة طوال الرواية، هذا في خط الزمن الرئيسي، لكنه يستيقظ ويحارب مع حامية شعب، يسب على جيش الانقاذ، ويضاجع حبّ حياته نهيلة، هو في غيبوبة في خط الزمن الرئيسي، لكنّه حيُّ يرزق ويتنفّس ويحكي في التفرُّعات. الدكتور خليل ليس طبيبًا، ولا ممرضًا، هو يرتدي رداءً أبيضًا ويكتب وصفات الأدوية وهذا كلُّ ما في الأمر، يحبُّ شمسًا التي زوّجت نفسها لغيره بالرصاص، لم ير والده، وشارك في حرب تمترس فيها وراء الجهل، جهل سبب الحرب وطرفها الآخر.
أكاد اجزم باستحالة حفظ جميع الشخصيات، ورسم ملامح مستقلة لكل منها، إلا ربما بقراءة الرواية بتفرغ تام، الأمر الذي لم أفعله، قرأتها في خضم فعلي أشياءَ أخرى كثيرة، شعرت أن جملها القصيرة غبية في كثير من الأحيان، وأن أسلوب استحضار الشخصية بالسؤال المعهود ” هل حكيت لك عن .. ” أسلوب سطحي أكثر من اللازم، لكن الصورة العامة عمومًا ستُرسم حتى وان كان الرسم تخطيطيًا، خريطة، لو قُرأت باب الشمس قراءةً سريعة نوعًا ما، مصحوبة بالكثير من السجائر، وبقلم رصاص، فإنّ الناتج في ذهن قارئها خريطة.
الرواية هدية من صديقة، صديق آمنت مثلي أننا ” جيلٌ لم ير شيئًا “، وقررت أن تعين نفسها وتعينني على التخيّل، تمهيدًا للرؤية، الرؤية التي فارقت خليل في آخر الآخر، فصارت الصورة إمرأة، أو صارت المرأة صورة.

=
التناص في رواية اليا خوري
رسالة ماجستير على الرابط التالي:
http://scholar.najah.edu/sites/schol...yas_khouri.pdf




ايوب صابر 03-05-2012 05:07 PM

إلياس خوري

(بالإنجليزية: Elias Khoury) هو قاص وروائي وناقد وكاتب مسرحي لبناني، ولد في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1948. كتب عشر روايات ترجمت إلى العديد من اللغات وثلاث مسرحيات وله العديد من الكتابات النقدية. يشغل حاليا منصب محرر في ملحق الحقيقة وهو الملحق الثقافي الأسبوعي لجريدة النهار.
أعماله

فيما يلي قائمة ببعض أشهر أعماله الأدبية:
  • عن علاقات الدائرة - رواية نشرت عام 1975
  • الجبل الصغير - رواية نشرت عام 1977
  • دراسات في نقد الشعر - كتاب نقد نشر عام 1979
  • أبواب المدينة - رواية نشرت عام 1981
  • الوجوه البيضاء - رواية نشرت عام 1981
  • الذاكرة المفقودة - كتاب نقد نشر عام 1982
  • المبتدأ والخبر - مجموعة قصصية نشرت عام 1984
  • تجربة البحث عن أفق - كتاب نقد نشر عام 1984
  • زمن الاحتلال - كتاب نقد نشر عام 1985
  • رحلة غاندي الصغير - رواية نشرت عام 1989
  • مملكة الغرباء - رواية نشرت عام 1993
  • مجمع الأسرار - رواية نشرت عام 1994
  • رواية باب الشمس - نشرت عام 1998 وقد تم إنتاجها فيلماً سينمائياً من إخراج يسري نصرالله وتمثيل عروة نيربية،هيام عباس،حلا عمران، نادرة عمران، عماد البيتم، باسل خياط
  • رائحة الصابون - رواية نشرت عام 2000
  • يالو - رواية نشرت عام 2002
  • كأنها نائمة - رواية نشرت عام 2007
قراءة تحليلية لرواية: مجمع الاسرار

مقالة أحمد محمود زين الدين
تبدأ قصة الياس خوري " مجمع الأسرار " بلازمة كلامية " بدأت الحكاية " تتكرر في مستهل كل مقطع، وتعيد رواية الوقائع مجدداً على صورة حلقات حلزونية تضيق وتتسع. تستـأنـف الحكاية دائماً من جديد، او الأحرى، من زاوية اخرى، ومن زمن آخر، كأنما هـي تتوالـد وتتناسل من داخل بؤرة حكائية مستقلة عن انعكساتها الواقعية، بؤرة تكشف بقـدر ما تخفـي، وتعكس الواقع لتوهمنا به. الخبر الروائي في قصة خوري هذه، كما ســائـر اقاصيصـه، يبـدو شديد الواقعية، ولكن ما ان نفرغ منه، حتى نتبين انه كاذب، وان ما يُروى هوالكـذب في عينه. هو الإيهام بالحقيقة، وليس الحقيقة في ذاتها. " هل نعرف السر حين نستمـع الـى الكلام ؟ هل الكلام يخبر ام ينفي " (ص 84). بهذا يتفوه الراوي ـ الكاتـب، وهـذا هـو الأساس الذي يقوم عليه البناء الروائي عند الياس خوري. فالرواية لديه ليست رواية الحقيقة، انما رواية الاحتمالات، شهـوة إلى الكلام لا ترد الـى الواقع بل إلى رواية اخرى. يضعنا الكاتب دوماً في مناخ من عـدم التصديق ان ما يحدث هو الواقع، يدفعنا إلى الريبة فيما يكتبه هو، وفيما نقرأه نحن. وإذ لا حــدود بيـن المعيـوش والمتخيل، ما دامت الحكاية تحل احياناً محل الواقع، فإن رواية خـوري تقول لنا بأننا غيـر قادرين على معرفة الحقيقة. وان النص الذي بين ايدينا ليس محاولة لهزّ يقيننا بهذا الواقع الذي نسميه واقعاً. والراوي ها هنا، غير واثق من حقيقة ما يرويه. وحيث يتمـاهى الـراوي بالمؤلف لا يعود المؤلف قابضاً على زمام الموقف، وهو يضع نفسه في الموقـع المـحايـد، ويغدو واحداً من الرواة المحتملين، ومرجعاً من مرجعيات متعددة. وإذ لا يدري هل ما يرويه حدث بالفعل، او هو متخيل او مختلق، فإن اللايقينية هذه تدفعه إلى الحيرة والبلبلة التي تختلط عليه الأحداث وتشتبه الأسماء في ذهنه، فلا يميز بين ما وضعه الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز في " قصة موت معلن " عن حكاية سانتياغو نصار، وما يكتبه هو عن عـائلة يعقوب نصار في لبنان التي كانت تستعد للهجرة إلى كولومبيا. ويتساءل : " من كتب الرسالة ؟ ما العلاقة بين جريمة قتل حصلت في كولومبيا، وبين هذه العـائلة التي باعـت الارض فـي " عين كسرين " وكانت تستعد للهجرة النهائية إلى اميركا الجنوبية ؟ هل كان الكـاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز يعلم حين كتب روايته " قصة موت معلن " انه يكتشف سر تلك الرسالة التي بقي غامضاً فترة طويلة، او حكاية ماركيز لا عـلاقة لها بموضوعنا، وصلتها الوحيدة به هي الأسماء التي قد تتشابه وتتكرر ؟ ". لا يعود الراوي ـ الكاتـب امام هذا الالتباس مسيطراً سيطرة كلية على فضائـه الروائـي. ولا يبقى متقلداً سلطة الكلام كصوت سردي وحيد. ثمة مسافة او هوة عميقة بـين المؤلـف ونصه. وكأنما النص يتحرر من كاتبه، ويتملص من قيوده، ويسخر من ادعاءاتـه بالقـدرة المطلقة، ويغدو الراوي ـ الكاتب جزءاً من نسيج الأحداث، خاضعاً لوطأتها، معرضاً للنسيان والشك والتضليل. ما يدفعه إلى خلخلة الفواصل بين الأزمنة والأمكنة والشخاص وبين المنـام واليقظة. وبين التمثيل والواقع. بين البريء والمجرم. ويظهر ان تبادل الأدوار، او الالتباس بين حنا السلمان (المالح) البريء، وفيكتور عواد القاتل، يمثّل صورة ناصعة عن هذا الخلط ذي البعد المأسوي. فحنا هذا الذي ارغم طوال الرواية على اداء الدور، ظـن في النهاية لشدة ما عانه انه لم يمثل دوراً، بل مارس حياة السجن كمجرم حقيقي. وحين ذهب لحضور اعـدام فيكتور عواد شعر كأنه هم من سيعدم ". حضر المحاكمة وذهب إلى حيث مثل عواد جرائمه، وكان يشعر انه من الممكن ان يكون هو. رأى المجرم الحقيقي يمثل الجرائم التي سبق لـه أن مثلها. وخاف من الحقيقة، واقتنع ان الإنسان يمكن ان يكون اي شيء، وان القضية برمتـها مجرد مصادفة " ص (169). وحيث الرواية تزيل الحد بين الواقعي والمتخيل او المحتمل، تدخـل القـارئ في دوامـة السؤال المفتوح عن المنطقة البرزخية بين هذين القطبين. واعتدنا بـما ورثنـاه من مفاهيـم وتصورات ان نفرق بينهما تفريقاً حاداً. الرواية إذن تناقض ما ألفناه وتقول ما يخالف قناعاتنا، وحيث نريد ان نقرأ ما يجلو الغموض، ويبسـط الحقائـق تطمـس الحـدود، وتحجـب، وتواري، بدل ان تبين وتكشف. تبدأ بموت (إبراهيم نصار) وتقفل او، الأحـرى، تفتـح مجدداً، (لأن كل نهاية في الرواية بداية لنقطة اخرى) على سلسلة من الأوهام والحكايـات المحيرة. بيد ان هذا الاختلاط بين الواقعي والوهمي في " مجمعغ الأسرار " لا يقلل البتة من علائقها بالحاضر او بالماضي، فالواقع في الرواية الذي يتناول، في وجه خاص، حقبة الخمسينـات، حاضر بقوة، وبكل كثافته التفصيلية اليومية، بصفته انه فترة مرجعية تضغط علـى تشكيـل المسار او المنحى الذي اتخذته الحرب الأهلية اللبنانيـة عـام 1975 في ما بعـد، غيـر ان استحضار هذا الواقع او تلك الفترة يمر من طريق الذاكرة، اي من طريـق التصفية واعـادة التركيب والمزاوجة بين الصورة الواقعية والصورة المتخيلة. كذلك يقـارب اليـاس خـوري الأحداث لا كما هي تنعكس في الذهن السلبي، وانما من خـلال اعـادة توزيعـها وتقطيعـها، وتنويع مساراتها ومستوياتها السردية، فيتمظهر الواقع لا كما كان، بل كما هو معاد إنتاجـه في نص متعدد الطبقات والكثافات. ويسعى القاص في مواضع من روايته إلى " التدخل " موضحاً مدلول تسميتة او خبـر ما، بالإحالة على كتابات واخبار صحافية، وربما وثائق تاريخية، مثل معنى اسم بلدة عين كسـور كما ورد في كتاب " معجم أسماء المدن والقرى اللبنانية " لأنيس فريحة، وحوّرها الياس خوري إلى " عين كسرين " واخبار اصلاح السجون اللبنانيـة نقلاً عن الصحـف اللبنانيـة الصـادرة عهدئذ. وكذلك استعادة احداث 1860، وتقصي حكايات المهرب الشهيـر سامـي خـوري. ووصف مراحل نزوح بعض العائلات اللبنانية من مواطنها الأصلية إلى لبنان. فالكاتـب لا يخرج روايـاته ولا ابـطاله من السيـاق التـاريخي والأحـداث العاصفة، ولا يحررهم من الإيديولوجيات الدينيـة والعصبويـة والعائليـة التي تضغط على اعناقـهم وعقولهم. فهو خصص بالحرب الأهلية اللبنانية جل رواياته واقاصيصه السابقة، وهنا فـي " مجمع الأسرار " وإن لم يضوئ على الحرب الأهلية 75، مثلما درج في رواياته السابقـة، فإن تحديد زمن الرواية ومن الصفحة الأولى بالسادس من كانون الثاني 1976 والعودة المتكررة إلى احداث 1860 لا يخلوان من دلالة ارتباط وثيق تجمع الحربين في سياق واحد، ويجعلان من الحرب الأخيرة فرعاً من جذع او بنية من العلاقات السلطوية المتجذرة في تـاريـخ لبنان. وتغدو حكاية الحرب الأخيرة حكاية محتملة الحدوث في كل آن. " كيف سيؤرخ المؤرخون لتلك العشيـة، هل بـدأت الحرب عـام 75، او عـام 73 او 68، او عـام 67 او عــام 58 او عـام 1860 ؟. " لا ادري كل العشيات تصلح ان تكون عشية لتلك الحرب الطـويلة التي دمرت كـل شيء " ص (185). والقاص في ما يكتب ينحو إلى الكشف عن الشروخ في قلب العلائق الاجتماعية والسياسية، ولا يتوانى في إظهار الثقوب في الجسد السياسي، عبر إدانته الجهاز القمعي للدولة التي عذبت بريئاً مثل حنا سلمان في السجن، حتى اوصلته إلى حافة الإعـدام والجنـون، وغضـت النظـر او تواطأت مع مهرب عالمي مثل سامي خوري. كذلك يعرض بالسلك الكهنوتي عندما يرتشي الكاهن، فيدفن الميت دون اجراء الطقوس المفروضة دينياً. وفي روايته يعنى الكاتب بموضوع الغربة داخل الوطن وخارجه، كما بأمور واقعية أخرى. هذا " الحضور " التاربخي والواقعي الملموس في الرواية لا يمكن مقاربته مباشرة، كما لو أننا نقرأ رواية واقعية، إذا جاز اليوم هذا التصنيف الجازم، بل ان الكاتب لا يقدم طبقاً واقعيـاً جاهزاً، ولا موضوعاً ممتكاملاً. وان غزل قصته من خيوط الواقع فهو يبعثـرها ويشبكـها، يشظي حكاياته، ويكسر زمنه. ويبدد موضوعاته، وان ثمة من علاقة بين الكاتـب والقـارئ فهي علاقة متباينة. حيثما يسعى الكاتب إلى التفتيت والتقويض والهدم، ينهض القارئ بأعبـاء الردم والتركيب والبناء، ووصل ما انقطع، وجمع ما تشتت. كذلك شأن وحدة موضوع الرواية، فثمة احداث او بؤر حكائية تتمحور حول شخصيـات، مثل حنا وابراهيم ونورما وسارة وسامي خوري وفيكتور عواد وجوليا وعباس ومنير واحمد. ووقائع محددة : موت إبراهيم، سجن حنا، اختفاء نورما. إلا ان سمة هذه البؤر او الأحداث : الاحتمالية والتعددية، وتكرارها الحلزوني، وقابـلية وقوعها على أكثر من وجـه وصورة. الرواية ذات مراكز متعددة، ولكل مركز او بؤرة حكائيـة خصوصيتـها ودلالاتـها الذاتيـة المستقلة من جهة، لكنها من جهة اخرى متعلقة، دون العلاقة العضويـة، بالنسق التخييـلي السائد والمهيمن على مجمل الفضاء الروائي العام. ومتداخلـة بأصـل او اصـول حكائيـة مفترضة، وبمفاصل زمنة ومكانية، وعناصر تعريفية دقيقة. واللافت في رواية الياس خوري انسجاماً مع تعدد المراكز والبؤر الحكائية، غياب البـطل " المركزي " الأوحد ازاء البطولة المتعددة والمتنوعة، وان بدا احياناً ان الضوء يسلط علـى حنا السلمان، فإن مأسوية مصيره هي التي توحي بهذا. وشخصيات هذه الرواية ليست مختلفة عن سائر شخصيات خوري في رواياته الأخرى. ببعدها عن النمطية والنموذجيـة والقولبـة، واقترابها من المواقع الشعبية المهمشة، ومن المعاناة المعيشية اليومية التي تطحـن اجسـادها وعقولها وتشوه نفوسها وتعبث بمصائرها. شخصيات في قلب السياق التاريخي وخارجـه فـي آن، لأنها منهمكة بترتيب شؤونها الصغيرة ونزواتـها التافهـة، ومحاصرة بعقـدها النفسيـة " نورما " المترددة، المازوخية، و" سارة " العانـس، و" جوليـا " المتوهمـة. إلى " حنـا " الغريب، و" إبراهيم "، المتوحد والمحبط. كذلك تتراجع اللغة الحوارية في " مجمع الأسرار " إلى درجة من العامية، والسـوقية احياناً، فتنم عند الشخصيات بالنوازع والنزوات الدفينة المتحللة من إهـابها الاجتماعي، والمعبرة عـن عمقها الباطني الحار.

ايوب صابر 03-05-2012 08:48 PM

Elias Khoury

(Arabic: إلياس خوري‎) (born 12 July 1948, Beirut) is a Lebanese novelist, playwright, critic and a prominent public intellectual. He has published ten novels, which have been translated into several foreign languages, as well as several works of literary criticism. He has also written three plays. Between 1993 and 2009 he served as editor of Al-Mulhaq, the weekly cultural supplement of the Lebanese daily newspaper Al-Nahar.
Life and career as academic, critic and editor

Elias Khoury was born into a middle-class family in the predominantly Christian Ashrafiyye district of Beirut. In 1967, as Lebanese intellectual life was increasingly becoming polarised, with the opposition taking on a radical Arab nationalist and pro-Palestinian hue, Khoury travelled to Jordan where he visited a Palestinian refugee camp and then enlisted in Fatah, the largest resistance organisation in the Palestinian Liberation Organisation. He left Jordan in 1970 after the Palestinian guerrilla forces in the kingdom were crushed in Black September and travelled to Paris to continue his studies. There he wrote a dissertation on the 1860 Lebanon conflict. After returning to Lebanon, he became a researcher with the Palestine Liberation Organization's research centre in Beirut. He took part in the Lebanese civil war that broke out in 1975, and was seriously injured, temporarily losing his eyesight.
Khoury's first major involvement on the Arab literary scene was as a member of the editorial board of the journal Mawaqif, which he joined in 1972. Other members included Adonis, Hisham Sharabi and, somewhat later, Palestinian national poet Mahmoud Darwish. Of this group, Khoury later remarked that it was important, but marginal: "We were neither on the liberal right nor on the classical left. Intellectually speaking, we were very much linked to the Palestinian experience."[1]
From 1975 to 1979 he was editor of Shu'un Filastin (Palestinian affairs), collaborating with Mahmoud Darwish, and from 1981 to 1982 editorial director of Al-Karmel. From 1983 to 1990 he was editorial director of the cultural section of Al-Safir. He has been editor of Al-Mulhaq, the cultural supplement of Al-Nahar, since its reappearance after the end of the civil war.
He has taught in Columbia University, New York, in the American University of Beirut, the Lebanese University, the Lebanese American University and New York University.
[Literary works

Elias Khoury's first novel was An 'ilaqat al-da'ira, 1975. It was followed in 1977 by the highly successful The Little Mountain, set during the Lebanese civil war, which Khoury initially saw as a catalyst for progressive change. Other well-known works include The Journey of Little Gandhi, about a rural immigrant to Beirut who lives through the events of the civil war, and Gate of the Sun, 2000. An epic re-telling of the life of Palestinian refugees in Lebanon since the Nakba of 1948, Gate of the Sun also subtly addresses the ideas of memory, truth and story-telling. It has been made into a film by Egyptian director Yousry Nasrallah.
Interviewed for the Israeli newspaper Yediot Aharonot after the appearance of the Hebrew translation of the novel, Khouri remarked:
...when I was working on this book, I discovered that the “other” is the mirror of the "I." And given that I am writing about half a century of Palestinian experience, it is impossible to read this experience otherwise than in the mirror of the Israeli “other.” Therefore, when I was writing this novel, I have put a lot of effort into trying to take apart not only the Palestinian stereotype but also the Israeli stereotype as it appears in Arab literature and especially in the Palestinian literature of Ghassan Kanafani, for example, or even of Emil Habibi. The Israeli is not only the policeman or the occupier, he is the "other," who also has a human experience, and we need to read this experience. Our reading of their experience is a mirror to our reading of the Palestinian experience.
Khoury's most recent novel, Yalo, was controversial as it depicted a former militiaman accused of crimes during the civil war and portrayed the use of torture in the Lebanese judicial system.
Khoury's novels are notable for their complex approach to both political themes and more fundamental questions of human behaviour. His narrative technique often involves an interior monologue, at times approaching a stream of consciousness. In recent works he has tended to use a considerable element of colloquial Arabic, although the language of his novels remains primarily Modern Standard Arabic, which is also called Fusha. This use of dialect forms adds to the credibility and immediacy of the narratorial voice. While use of dialect in dialogue is relatively common in modern Arabic literature (for example, in the work of Yusuf Idris), Khoury introduces it into the main narrative, an unusual step although one clearly associated with the narrative technique of his works.
Elias Khoury's works have been translated into English, French, German, Hebrew, Portuguese, Italian, Catalan, Norwegian, Spanish, Swedish and Dutch[1].
[Recent political engagement

Al-Mulhaq, under Khoury's editorship, became the "tribune of opposition"[3] to controversial aspects of the post-Civil War reconstruction of Beirut led by businessman and politician Rafiq al-Hariri. The destruction of surviving elements of the city's architectural heritage in the Burj area and the old Jewish quarter of Rue Ouadi Abou Jamil aroused particular opposition.
In March 2001 Khoury signed a statement along with 13 other Arab intellectuals (including Mahmoud Darwish, Samir Kassir and Adonis), opposing the holding of a Holocaust denial conference in Beirut, a statement which was praised in the newspaper Le Monde by the Israeli ambassador to France. Khoury responded angrily to the ambassador's remarks, pointing to the Israeli repression of the Palestinian intifada.
Khoury, along with Samir Kassir and other intellectuals and political activists, was involved in the establishment of the Democratic Left Movement.
[List of works

Titles are given in English where a translation has been published, and otherwise in Arabic. Dates are of the appearance of the original Arabic work.
  • 'an 'ilaqat al-da'irah, 1975 (novel)
  • The Little Mountain, 1977 (novel) (translated by Maia Tabet)
  • Dirasat fi naqd al-shi'r, 1979 (criticism)
  • The Gates of the City, 1981 (novel) (translated by Paula Haydar)
  • White Masks' , 1981 (novel) (translated by Maia Tabet)
  • Al-dhakira al-mafquda, 1982 (criticism)
  • Al-mubtada' wa'l-khabar, 1984 (short stories)
  • Tajribat al-ba'th 'an ufq, 1984 (criticism)
  • Zaman al-ihtilal, 1985 (criticism)
  • The Journey of Little Gandhi, 1989 (novel) (translated by Paula Haydar)
  • The Kingdom of Strangers, 1993 (novel) (translated by Paula Haydar)
  • Majma' al-Asrar, 1994 (novel)
  • Gate of the Sun 1998 (novel) (translated by Humphrey Davies)
  • Ra'ihat al-Sabun, 2000 (novel)
  • Yalo, 2002 (novel; Best Translated Book Award 2009 short-list; available in two translations by Humphrey Davies and Peter Theroux)
  • As Though She Were Sleeping, 2007 (novel) (translated by Marilyn Booth)

ايوب صابر 03-17-2012 06:40 PM



مقابلة احمد الزين مع الياس خوري على العربية وفيها يتضح حضور الكارثة والمآسي والحروب والموت في طفولة وحياة الياس خوري.

http://rawafednet.blogspot.com/2011/...post_5442.html

ايوب صابر 03-17-2012 10:47 PM

الياس خوري

للاسف لا يوجد تفاصيل دقيقة عن طفولة الياس خوري. ويبدو ان كل السير الذاتية المكتوبة عنه تقفز من ذكر سنة الولادة الى انضمانه للعمل الفدائي.
- ولد عام 1948 وكان قريب من مخيمات اللجوء والتشرد الذي عاناه الفلسطينيون.
- هزيمة 1967 كانت كارثه هزت وجدانه ودفعته للانضمام للعمل الفدائي حيث عاش في الغربية.
- انضم الى العمل الفدائي ثم شارك لاحقا في الحرب الاهلية اللبانية واصيب في تلك الحرب حتى انه فقد البصر مؤقتا.
- رائعته تحكي قصة اللجوء الفلسطيني في لبنان منذ عام 1948 وهي سنة مولده وفي ذلك ما يشير الى اثر تلك الكارثه عليه فانعكس ذلك الاثر عملا روائيا رائعا.
- ما يميز روايات الياس خوري هو معالجتها المعقدة للافكار السياسية والتصرفات الانسانية العميقة، وغالبا ما تميل رواياته لتحكى باسلوب التفريغ الذاتي internal monolgue او التداعي الحر .


سنعتبره عاش حياة ازمة كونه ولد سنة النكبة وصدم من هزيمة 67 ..ثم شارك في الحروب واصيب في احدها الى حد فقده للبصر...

مأزوم

==
للاطلاع على سر الروعة في اعظم الروايات العالمية تفضل بزيارة الرابط التالي:


ايوب صابر 03-18-2012 11:42 AM

43- الحي اللاتيني سهيل ادريسلبنان

الحي اللاتيني
الحيّ اللاتيني، كانت صورته المتخيلة تملأ أفكاره ومشاعره، فتضرب دون كل ما سواها غشاوة كثيفة، ولقد مرّ بشوارع مرسيليا، ولكنه لم يرها، وقضى فيها يومه كاملاً، ولكنه لم يحسها، وأنفق أربع عشرة ساعة في القطار، أورثت في صدره ضيقاً شديداً، ولكنه نسي كلّ شيء إذ دخل القطار "محطة ليون" عما قليل، سيكون في الحي اللاتيني، سيتحقق الحلم المستحيل، بعد ردح قصير، ستبدأ الحياة التي ما انفك يعيشها في الخيال، منذ أن تهيأت له أسباب السفر إلى باريس، إنكم الآن في الحي اللاتيني، في روايته هذه استطاع "سهيل إدريس" أن يجعل النفس الإنسانية مسرحاً لصراع بين بيروت وباريس، بين الشرق والغرب، الشرق بأديانه وأخلاقه وتقاليده وصموده ورغبته في التحرر، والغرب بحريته وتقدمه وثقافته ونزعته الاستعمارية أيضاً
استطاع سهيل إدريس أن يجعل النفس الإنسانية مسرحاً لصراع بين بيروت وباريس، بين الشرق والغرب، الشرق بأديانه وأخلاقه وتقاليده وصموده ورغبته في التحرر، والغرب بحريته وتقدمه وثقافته ونزعته الاستعمارية أيضاً
==
نص رواية الحي اللاتيني:
http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:86473&q=


==
الحي اللاتيني
إن عنوان الرواية هو الحي اللاتيني، وهو عنوان كلاسيكي صيغ في تركيب وصفي اسمي، خبره المتن الروائي ككل. ويشير العنوان إلى المكون المكاني الذي تجري فيه الأحداث الرئيسة في الرواية. والحي اللاتيني حي الطلبة الذين يأتون إلى فرنسا من كل أصقاع العالم لطلب العلم ومتابعة الدراسات العليا الجامعية قصد تحضير شهادة الليسانس أو الدكتوراه, ويحاذي هذا الفضاء العلمي جامعة السوربون بباريس. كما أن هذا المكان يأوي الطلبة المغتربين بفنادقه ومطاعمه ويتحول إلى أندية للنقاش السياسي والاجتماعي والفكري أو ملتقى إنساني وحضاري متنوع لتعدد مشارب الطلبة على المستوى اللغوي والعقائدي، وفضاء رومانسي وغرامي يؤثث العلاقات بين الجنسين، كما يشكل صورة واضحة للعلاقة بين الشرق والغرب.
عتبة الجنس:
يمكن إدراج هذه الرواية ضمن الرواية الحضارية التي تصور العلاقة الجدلية بين الشرق والغرب أو بين الشمال والجنوب، أي أن الرواية الحضارية هي التي تصور العلاقة بين الأنا والآخر أو اللقاء الحضاري بين الشرق بعاداته ودياناته ومعطياته الروحية وبين الغرب بمعطياته المادية والعلمية والتكنولوجية. وقد تكون هذه العلاقة بين الأنا والآخر علاقة إيجابية قائمة على التواصل والتعايش والحوار والتكامل والأخوة والاحترام، وقد تكون العلاقة مبنية على الصراع الجدلي والعدوان والكراهية والصدام. والحي اللاتيني رواية من هذه الروايات الحضارية التي تعقد مقارنة حضارية بين الشرق والغرب، كما يمكن اعتبارها كذلك سيرة ذاتية للمؤلف الدكتور سهيل إدريس لتطابق أحداث الرواية مع سيرة الكاتب من الناحية العلمية والاجتماعية والهوية الثقافية والأدبية...ويمكن اعتبارها سيرة ذهنية على غرار سيرة عبد الله العروي أوراق والأيام لطه حسين وحياتي لأحمد أمين... مادامت تركز على المعطى العلمي والثقافي وما حصله البطل من شواهد علمية وما قرأه من كتب وما قام به من علاقات غرامية وثقافية وإنسانية.
وليست هذه الرواية هي الرواية الحضارية الوحيدة بل هناك روايات أخرى ظهرت منذ القرن التاسع عشر مع صدمة الاستعمار وطرح المفكرين والمبدعين لذلك السؤال الحضاري الجوهري الكبير: لماذا تقدم الغرب وتأخر الشرق؟
ومن النصوص السردية والروائية الحضارية نجد:
تخليص الإبريز في تاريخ باريز لرفاعة الطهطاوي(1834)؛
علم الدين لعلي مبارك( 1836)؛
حديث عيس بن هشام للمويلحي( 1905)؛
أديب لطه حسين(1935)؛
عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم (1938)
الحي اللاتيني لسهيل إدريس(1953)
قنديل أم هاشم ليحيى حقي(1954)؛
موسم الهجرة للشمال للطيب صالح(1966)
شرق المتوسط لعبد الرحمن منيف(1975).
4- المعمار الروائي:
للحي اللاتيني معمار روائي يذكرنا بالأبحاث الأكاديمية والرسائل والأطروحات الجامعية، إذ قسم الكاتب روايته إلى ثلاثة أقسام وتمهيد وخاتمة على غرار المصنفات والدراسات الأدبية والنقدية والفكرية. وهذا المعمار كان لا يستعمل بكثرة في الإبداع سواء أكان شعرا أم رواية أم قصة. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى تأثر الكاتب سهيل إدريس ببحوثه ودراساته الأدبية والنقدية والمترجمات التي كان ينجزها. و يتكون كل قسم من مجموعة من الفصول المرقمة دون أن يسميها فصولا. ويمكن توضيح المعمار الروائي على الطريقة التالية:
تمهيد: ثلاث صفحات تقريبا.
القسم الأول: 12 فصلا أو مبحثا قصصيا.
القسم الثاني: 11 فصلا أو مبحثا روائيا أو قصصيا.
القسم الثالث: 11 فصلا أو مبحثا روائيا أو قصصيا.
الخاتمة: ثلاث صفحات تقريبا.
ويلاحظ أن الكاتب أحسن تقسيم روايته لوجود تعادل وتواز كمي بين الأقسام و بشكل نسبي بين المباحث والفصول.
ومن حيث الدلالة يمكن حصره في الشكل التالي:

التمهيد :وصول الكاتب وأصدقائه إلى الحي اللاتيني بباريس
القـــــسم الأول إخفاق بطل الحي اللاتيني في باريس وجدانيا وعاطفيا وتعرفه على جانين مونترو
القسم الثاني العلاقة التي كانت تجمع بين البطل وجانين مونترو وعودته إلى بيروت لزيارة أهله
القسم الثالث تطور العلاقة الموجودة بين جانين والبطل بسبب الاختلاف الحضاري بين الشرق والغرب وقرار جنين التخلص من جنينها الذي تركته مع البطل
خاتمة عودة البطل إلى بلده بعد حصوله على الشهادة العليا وقراره أن يبدأ حياة نضالية جديدة
4- عتبة الأيقون:
إن الطبعة التي نعتمدها في دراستنا هاته هي الطبعة الحادية عشرة "1995" الصادرة عن دار الآداب البيروتية التي أسسها سهيل إدريس نفسه مع نزار القباني. ويحمل غلافها الخارجي ثلاث لوحات أيقونية: لوحة باريس الداكنة في فصل الشتاء، ولوحة نهر السين الذي يعبر باريس، ولوحة امرأة شقراء جميلة شبه عارية. وهذه اللوحات تلمح إلى الحب والجنس والمغامرات والفضاء الباريسي بعمرانه و مؤسساته وطبيعته الوارفة الغناء.
5- عتبة النشر:
لقد تم طبع هذه الرواية في دار الآداب البيروتية التي تنشر مجلة الآداب المعروفة التي كانت وإلى الآن منبر للحداثة والتجديد والريادة، وهذه الدار سهرت على طبع الكثير من الأعمال الإبداعية التي سوقتها عربيا وعالميا وحققت نجاحا كبيرا.
ومن يتأمل هذه الرواية يجد أنها وصلت إلى أكثر من الطبعة الحادية عشرة، وهذا يعني أن لها رواجا كبيرا حيث طبع منها آلافا وآلافا من النسخ " أكثر من 700000نسخة"، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى جودة هذه الرواية وشهرتها في العالم العربي، وبسبب ما خصص لها من إشهار إعلامي ودراسي.
6- عتبة كلمات الغلاف:
في الغلاف الخارجي الخلفي لرواية الحي اللاتيني مجموعة من الكلمات الانطباعية والآراء النقدية التي تقيم الرواية وتنقدها، وكلها تصب في تقريضها ومدح صاحبها على ما حققه من روعة فنية فيها. ومن هؤلاء نجد: ميخائيل نعيمة ونجيب محفوظ وشاكر مصطفى وأحمد كمال زكي ويوسف الشاروني وعبد الله عبد الدائم.
ب- المكونات القصصية:
المتن الحكائي:
تصور هذه الرواية العلاقة بين الشرق والغرب من خلال المرأة باعتبارها هي المحك الأساسي لهذه العلاقة والرمز الإنساني الذي سيحكم على هذا التواصل الحضاري بين الأنا والآخر. فبطل الحي اللاتيني هو الأنا أو الشرق، وجانين مونترو هي بمثابة رمز للآخر أو الغرب. إذا، كيف ستكون طبيعة العلاقة بين هاتين الشخصيتين الرئيسيتين في الرواية؟ هل ستكون علاقة إيجابية أم سلبية؟ وما أساس هذه العلاقة ومنظورها الفلسفي؟
يبدأ الكاتب باستهلال روائي يحدد الشخصيات المحورية في الرواية: البطل وعدنان وصبحي الذين غادروا لبنان متجهين إلى فرنسا من أجل استكمال دراساتهم العليا وتحضير الدكتوراه، وكل هذا على نفقة وزارة المعارف اللبنانية. بيد أن الشخصية الدينامية هي شخصية البطل التي استقر بها المقام بعد وصولها إلى باريس في الحي اللاتيني لتكون قريبة من جامعة السوربون. وقد نزل هذا البطل عاصمة الجن والملائكة من أجل تسجيل رسالة الدكتوراه في الشعر العربي الحديث تحت إشراف أساتذة فرنسيين ومستشرقين يدرسون في السوربون.
وبعد الاستقرار في الفندق، انطلق أصدقاء البطل للارتماء في أحضان الحرية والخمرة والرقص والمجون والاستهتار والجنس بعد أن هربوا من قيود أعراف مجتمعهم وتقاليده التي جعلتهم يعانون من الحرمان والكبت. و أصبحت الأنثى لعدنان وصبحي ملاذا وجوديا ومصيرا إنسانيا ضروريا في هذا الاغتراب الذاتي والمكاني. لكن بطلنا انطوى على نفسه وانزوى في حجرته يسترجع الماضي وأصدقاءه في بيروت وعشيقته ناهدة. وعاش البطل فترة من التردد والانجذاب بين بيروت وباريس، بيروت الماضي والتقاليد الصارمة وباريس الحاضر وحرية الانعتاق. وأحس بعد ذلك بالإخفاق والفشل في الحصول على ماكان يتمناه ألا وهو الوصول إلى أنثى شقراء للتواصل معها وجدانيا وعاطفيا على غرار أصدقائه العرب ولاسيما أحمد وربيع وفؤاد وصبحي وعدنان:" تبحث عنها... عن المرأة...تلك هي الحقيقة التي تنساها...بل تتجاهلها. لقد أتيت إلى باريس من أجلها. والآن، أرأيت أنك كنت مخدوعا عن نفسك، ساعة كنت تتصور أنهن كثيرات، هنا، وأنه يكفيك أن تسير في الطريق، ليتهافتن عليك، ويحدثنك حديث الهوى؟"1.
وقرر بطل الحي اللاتيني أن ينطلق مستبيحا ماهو محرم في بلده، يقتنص لذات الحب والجنس مع مومس الرصيف ويلامس ساق الفتاة الشقراء في قاعة السينما ويسأل هذه ويطارد الأخرى كدون جوان أو زير النساء. ولكن علاقاته في البداية كانت فاشلة أساسها الخيبة والانتظار والملل والإخفاق على غرار شخصية إدريس في رواية أوراق لعبد الله العروي. ولم يأت البطل إلى باريس إلا للبحث عن المرأة العارية للارتواء الجنسي بعد أن ذاق الحرمان والمنع والكبت السياسي والاجتماعي على شاكلة بطل الطيب صالح في روايته موسم الهجرة إلى الشمال الذي هاجر بلده السودان إلى لندن لينتقم من انجلترا التي استعمرت بلده جنسيا. إنه هروب من شرق التقاليد وطقوس الخوف والقهر إلى غرب الحرية واللذة الشبقية لا للانتقام من فرنسا المستعمرة بل للتحرر الشبقي والوجودي:" أسبوع طويل ينقضي، وفي جسدك نار تلتهب، وفي مخيلتك ألف صورة وصورة لنساء عاريات، متمددات على السرر، يلسعن فكرك وجسمك بألف لسان من نار. لا، لا تحاول أن تحتج أو تنكر. أجل شرقك ذلك، لم يغرك بالهرب منه سوى خيال المرأة الغربية، سوى اختفاء المرأة الشرقية في حياتك، إلا أن تطل في بسمة لا تزيد الحرمان إلا حرمانا، أو أن تشعرك بوجودها بلمسة تائهة، خائفة، بعيدة، تملأ ذاتك بمئة عقدة، وتميت فيك ثقتك برجولتك، أو أن تسعى أنت إليها حين تشعر تارة بالغربة الروحية مع امرأة لا تعطيك إلا جسدا فيه برودة الثلج، وطورا بالاشمئزاز والغثيان يتنافس في خلقهما عشرة أسباب على الأقل...هكذا عرفت المرأة في شرقك، فعرفت الخوف والحرمان والكبت والشذوذ والانطواء والخيال المريض. عرفت الخيال على أي حال، فكان لك فيه منجى من نفسك وجوك ومحيطك ومجتمعك. وقد أمسك هذا الخيال بذهنك، فقاده إلى البعيد الذي خلقت إطاره في وجدانك فصول من الكتب، أو من مغامرات صديق..." 22.
وبعد أيام وأيام من العبث واللهو والمجون، تعرف البطل فتاة شقراء في مقتبل العمر، حسناء من الألزاس هي جانين مونترو كانت تقطن معه بالفندق الذي كان يسكنه هذا الشاب الشرقي. فكانت بينهما ابتسامات الجوار، فتحولت إلى مطاردة ثم انتهت بالحب الرومانسي الذي أعقبه الارتواء الجسدي. فصارت العلاقة بينهما علاقة وفاء وصدق والتزام حتى أصبح كل واحد منهما لا يستطيع الفراق عن الآخر. عاشا أياما حلوة وممتعة بين قاعات السينما ومسارح باريس، وبين المقاهي والمطاعم، وبين الحانات والمراقص الليلية، وكانت جانين جسدا فاتنا ووجها جذابا يثير أنظار الآخرين. وقد أشاد بها زملاؤه ولاسيما فؤاد صديقه الوفي والعزيز لديه الذي كان شريكا لفرانسواز. وإذا كانت المرأة للبطل هدفا أساسيا فإنها بالنسبة لفؤاد وسيلة للنضال الوطني والقومي، فقضيته أكبر من المرأة، فأمته في حاجة إليه لتحريرها من شرنقة الاستعمار والتخلف والاستبداد؛ لذلك سيتصادم مع فرانسواز التي كانت تدافع عن الاستعمار الفرنسي، بينما فؤاد يرفض موقفها العنصري الذي لا ينسجم مع حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها وما دعت إليها الثورة الفرنسية. لذلك سيغادرها فؤاد عائدا إلى بلده لتشييع والده والبقاء هناك من أجل النضال القومي.
ومع مرض الأم، اضطر البطل أن يغادر باريس للتوجه إلى بيروت لقضاء العطلة الصيفية ريثما يعود في السنة الجامعية المقبلة لتكون آخر سنة لمناقشة أطروحته الجامعية نظرا لكثرة النفقات التي لايمكن لوزارة المعارف اللبنانية أن تتحملها إذا طالت مدة إقامته في فرنسا. وكان هذا السفر بالنسبة لجانين مأساة مؤلمة أثار فيها فكرة التفاوت الحضاري بين الشرق والغرب على الرغم من انبهارها بالشرق الروحاني وسحره الطبيعي الرائع وصحرائه المشمسة الفيحاء وتعاطفها مع العرب وثورتها على بلدها: فرنسا الاستعمارية. ولم تستطع أن تمنع جانين عشيقها الشرقي من السفر مادامت أمه تلح على رؤيته قبل أن تودع الحياة.
وبعد وصوله إلى بيروت، أحس البطل بالغربة والملل والضيق بسبب ابتعاده عن باريس وحبيبته جانين التي كانت ترسل إليه عدة رسائل وكان آخرها تخبره بأن له ابنا وهو جنين في بطنه وعليه أن يحسم في اختياره وأن يحدد مصير علاقتهما. وتحت ضغوطات أمه وأخته، اضطر البطل أن ينكر هذا المولود الذي قد يكون ثمرة علاقات مشبوهة مع الآخرين ولاسيما خطيبها هنري الذي فض بكارتها في بداية الأمر. ولكن جنين اتخذت موقفا نزولا عند رغبة عشيقها فأجرت عملية جراحية لإسقاط الجنين، وعانت في ذلك المرارة والألم الشديد وتغيرت صحتها وأصبحت بعد ذلك فقيرة معدمة ليس لها من يعيلها ولا عمل يساعدها على مواجهة أعباء الحياة مادامت لم تسطع الحصول على شهادة في معهد الصحافة الذي كانت تدرس فيه.
وعندما عاد بطل الحي اللاتيني إلى باريس، وبخه فؤاد لأنه لم يلتزم بالحرية ولم يكن في مستوى المسؤولية، كما عاتبته مذكرات جانين ورسائلها التي اعتبرت نفسها فيها عائقا كبيرا أمام طموح هذا الشرقي الذي ظفر بشهادة الدكتوراه ، وبحبها الصادق الذي ضحت من أجله لكي يدوم ويثمر ويبقى حيا طوال حياتهما. واستلقت جانين في كهف سان جيرمان لمعانقة أفكار سارتر في التحرر من المسؤولية والانسياق وراء الاختيار الوجودي والبحث عن المصير الإنساني المفضل. لقد أصبحت شخصية وجودية فقدت الثقة في القيم والإنسان ومعايير الحياة التي يقننها العقل والمنطق.
لم يستطع البطل أن ينسلخ عن شرقه وجذوره وما نشأ عليه من أعراف وتقاليد، وقد استوعبت جانين هذا الاختلاف الحضاري جيدا على الرغم من أن عشيقها قرر أن يتزوج منها بعد أن عاتبه ضميره الحي وأراد أن يقتاد بفؤاد وأن يكون مسؤولا وملتزما بدوره الوجودي. إنه صراع بين القيم الروحية والقيم المادية، صراع بين الدين والإلحاد، وصراع بين الأخلاق والإباحية، وصراع بين الرجولة الشرقية والأنوثة الغربية، وقد يعكس هذا الصراع التفاوت الحضاري بين غرب التقدم والتكنولوجيا والعلم وشرق التخلف والخرافات كما عكست ذلك رواية قنديل أم هاشم ورواية توفيق الحكيم: عصفور من الشرق. إذا، صدام اجتماعي وأخلاقي وحضاري، وهذا ما تعبر عنه جانين في مذكراته إلى فتاها الأسمر الشرقي بعد أن رفضت الزواج من فتاها بسبب القيود الاجتماعية والفكرية والعقائدية بين الشرق والغرب:" أنا الآن على يقين من أن اجتماعنا أمس، في غرفتي المسكينة، فرض علي فرضا أن أرد فكرة الاقتران بك. لقد اجتمعت أمس بإنسان لا أعرفه. بشاب أنكرته، وكأنني ما لقيته من قبل قط. كان شعوري بعد أن تركتني يا حبيبي. لقد استعدت ما حدثتني به عن المستقبل، وعن آمالك، وعن حياة الصراع الذي أنت مدعو إلى أن تعيشها في بلادك، فوجدت أن دنياك التي تحلم بها أوسع وأعظم من أن يستطيع الثبات فيها شخص ضعيف مثلي. إنك الآن تبدأ النضال، أما أنا فقد فرغت منه، ومات حس النضال في نفسي. لقد عجزت أن أقاوم أطول مما قاومت، فسقطت ضعيفة مهيضة الجناح...
أما أنت، فقد قرأت أمس في عينيك استعدادا طويلا، طويلا جدا للمقاومة والصراع. وقد كنت قرأت مثل ذلك في عيني صديقك العزيز فؤاد، ولكن يخيل إلي أن الجذوة التي كانت تطل من ناظريك هي أشد التهابا وإشعاعا من جذوة فؤاد، تلك التي حدثتني عنها مرة في معرض الإعجاب. إنك إنسان جديد يعرف الذي يريده، ويسعى إليه بثقة وإيمان. لا يا حبيبي، لسنا على صعيد واحد. لقد وجدت أنت نفسك بينما أضعت أنا نفسي. فكيف تريدني أن أستطيع السير إلى جانبك، قدما واحدة، في الطريق الشاق الذي ستسلك؟ إنني لا أنتمي إلى جيلكم، جيل وجيل فؤاد وربيع وأحمد وصبحي وعدنان. لا، لن أذهب معك. إن بوسعي الآن أن أتمثل نفسي إذا رافقتك. ستجرجرني خلفك. سأعيق طموحك. سأعيق طموحك. سأكون أنا في السفح وتكون أنت في القمة. فامض قدما يا حبيبي، ولا تلتفت إلى ما وراءك. أما أنا فأستمد دائما من حبي لك، هذا الذي تصهره الآلام، وقودا يشع علي، فينسيني شقاء عيشي، وزادا أتبلغ به حتى أيامي الأخيرة. فدعني هنا أتابع طريقي حتى النهاية، وعد أنت يا حبيبي العربي إلى شرقك البعيد الذي ينتظرك، ويحتاج إلى شبابك ونضالك.- جانين."3
وعاد الشرقي إلى بلده بشهادته المشرفة ليبدأ نضاله الوطني والقومي، ولتحقيق طموحاته وتطلعاته بين أحضان أسرته وشعبه وأمته.



ايوب صابر 03-18-2012 11:47 AM

تابع،،
الشخصيات:
لقد وظف الكاتب سهيل إدريس مجموعة من الشخصيات التي تتقابل فضائيا وحضاريا( الشرق≠ الغرب)، وجنسيا( الذكورة العربية≠ الأنوثة الغربية)، ولونيا( الأسمر العربي≠ الغربية الشقراء) لرصد التفاوت الحضاري والاختلاف الوجودي بين البيئة العربية المكبلة بأغلال الحرمان والمنع والكبت والشذوذ والعقد والخلفيات المسبقة والعادات والتقاليد المحافظة الموبوءة والبيئة الغربية التي تتسم بالتحرر والانعتاق والعلم والإقبال على الحياة ولو في ثوبها المادي اللاأخلاقي.
وإذا كانت مجموعة من الروايات العربية روايات أفضية ومكانية مثل: روايات نجيب محفوظ( زقاق المدق)، وعبد الرحمن الشرقاوي( الأرض)، ومحمد عزالدين التازي( المباءة- المغارات...)، فإن رواية سهيل إدريس على الرغم من عنوانها المكاني لهي رواية الشخصية لاسيما الشخصية النموذجية( بطل الحي اللاتيني) التي تعيش مصيرا وجوديا من خلال ثنائية الحرية والمسؤولية، الحرية في إثبات وجودها والارتواء من لذات الحياة والاستمتاع بمباهج الدنيا ومعاقرة الخمرة والإشباع الجنسي، والمسؤولية التي تكمن في الثورة على الحرمان والتقاليد البالية والعادات المستنبتة في الشرق والرغبة في النضال الوطني والقومي لتحرير الإنسان العربي من موروثات التخلف وقيود الكبت والإحجام والانطواء النفسي حتى تصبح الذات العربية قادرة على الإبداع والابتكار في مجتمع يقدس المرأة ويحررها إلى جانب الرجل حتى تساهم في العطاء والبناء الحضاري على غرار المرأة الغربية.
لقد خلق الكاتب شخصية مركزية وهي البطل واستتبعها بشخصيات ثانوية تابعة لها مثل صبحي وعدنان وربيع وفؤاد وأحمد. وتتسم هذه الشخصية بالفردية والتشبع بالفكر الوجودي الذي اكتسبه في جامعة السوربون لاسيما أن هذه الفترة كانت فترة الفلسفة الوجودية التي دعا إليها كل من سارتر وسيمون دوبوبفوار وألبير كامو، إذ قال سارتر: إن الإنسان في هذه الحياة كممثل يؤدي دوره ثم ينتهي وجوديا، لذلك دعا إلى حياة العبث واللاجدوى تحت شعار: افعل ما تشاء، حيث تشاء، ومتى تشاء. ( حرية الفعل، حرية المكان، حرية الزمان). كما أن فلسفة سارتر تنبني على مرتكزين أساسيين هما: الحرية والمسؤولية.
ويلاحظ أن شخصية بطل الحي اللاتيني شخصية تعبر عن المؤلف الواقعي: الدكتور سهيل إدريس مما يعطي لهذه الرواية بعدا أطوبيوغرافيا( سيرة ذاتية)؛ لأن الكاتب يرسم هذه الشخصية حسب قناعاته وأفكاره ومبادئه التي يؤمن بها حتى تتبدى لنا شخصية نموذجية ومثالية بالمقارنة مع عدنان المتعصب دينيا وصبحي المستهتر أخلاقيا وربيع التونسي المتطرف في مواقفه الوطنية والسياسية وفؤاد الملتزم بالدفاع عن قضايا الوطن والأمة حيث تخلى عن عشيقته فرانسواز لاصطدام مواقفهما تجاه فرنسا وبطشها الاستعماري. ويجمع فؤاد بين هموم المرأة الجنسية والهموم الثقافية والفكرية والنضالية، بينما يظل بطل الحي اللاتيني بطلا معتدلا في أفكاره ووطنيته ومواقفه تجاه الوطن والأمة والآخر لا يتشنج ولا يتعصب كالآخرين، فلسفته الوجودية متوازنة، وهذا ما يشير غليه كذلك الدكتور إبراهيم السعافين:" فالشخصية المركزية هي الفكرة المثالية، والشخصيات الأخرى إما عوامل كشف عن الشخصية المركزية وتعديل سلوكها وتسويغ له، وإما تبع لها تدور في فلكها، وتنطق باسمها، فوق أنها تلقي الضوء عليها، وتكشف عن أبعادها. وشخصية بطل الحي اللاتيني قد اختارت النوع الأول من الشخصيات الثانوية حيث تبدو شخصيته قائمة على الاعتدال، فهو معتدل في فكره و معتقده، معتدل في نزواته، معتدل في وطنيته، وحتى يلقى المؤلف الضوء على هذه القضايا، لجأ إلى توظيف الشخصيات الثانوية التي تعد نماذج ابتدعها فكر المؤلف، لتحدد " نموذج" الشخصية المركزية. وأما ما نسمعه على ألسنة جانين أو فرانسواز أو غيرهما فإنه محاولة لكشف بعد جديد من شخصية البطل، في الوقت الذي لانحس فيه بوجود هذه الشخصيات في الواقع أو نكاد. فهي- على أي حال- شخصيات كسيحة شوهاء أشبه بنماذج لفكرة جبرية في رأس المؤلف. الأمر الذي أدى أحيانا إلى أن تظهر النرجسية بوضوح فيما أضفته الشخصيات الثانوية إلى الشخصية المركزية" النموذج" على نحو ما ورد في رسالة جانين الأخيرة إلى بطل الحي اللاتيني التي أشرنا إليها في حديثنا عن الأحداث والعقدة"4.
وحتى على مستوى الشخصيات النسوية نجد تقابلا بينها: فجانين مونترو عشيقة البطل هي شخصية نموذجية تدافع عن العرب، وتقدر الحب والمسؤولية، وفية وصادقة في عواطفها ومبادئها، تضحي بكل ما لديها من أجل الآخرين. أما فرانسواز حبيبة فؤاد فكانت مثقفة وواعية ذوقها الفني رفيع بيد أنها كانت عنصرية تدافع عن فرنسا الاستعمارية. أما مارغريت والأخريات كمرأة الرصيف وفتاة السينما فهي نماذج وجودية مستهترة وعبثية غير صادقة ووفية، فواحدة تدعي أنها شاعرة، والأخرى تسرق نقودا من البطل، وأخرى تعد ولاتفي. أما هند في الشرق فهي نموذج للمرأة العربية الخائفة على شرفها وعفتها وجسدها ترتعد من وجود الرجل وتعطي ألف حساب للمعتقدات والأنظمة الاجتماعية الموروثة حتى تحافظ على نفسها ووجودها بين أسرتها ومجتمعها.
قد قلنا سالفا أن شخصية البطل أتت لتعبر عن فكر المؤلف مما جعلها تتميز بالفردية والنرجسية؛ لأن الشخصيات الأخرى كلها تدور في فلكها وترغب في اصطحابها ومعاشرتها على الرغم من انطوائيتها وعزلتها واحترامها لحريتها المقننة التي ترتبط بالمسؤولية. كما يمكن لنا أن نرصد مسارات في هذه الشخصية النامية الديناميكية:
مسار الإخفاق والعبث والملل واليأس واللاجدوى والاغتراب الذاتي والمكاني؛
مسار التحرر الوجودي عن طريق التمركز الذاتي والإشباع الجنسي والارتواء الثقافي والفني؛
مسار النقد الذاتي وتحمل المسؤولية الوجودية والوطنية والقومية.
ويمكن كذلك أن نضع تصنيفا للشخصيات في الرواية بهذا الشكل:
شخصيات وجودية عابثة ( صبحي- عدنان- أحمد....)؛
شخصيات وجودية متوازنة( البطل، وفؤاد)؛
شخصيات محافظة ( الأم، ناهدة، هدى، الأهل في لبنان....)؛
شخصيات نسوية زائفة( مارغريت، ليليان، فتاة الرصيف، فتاة السينما...)،
شخصيات نسوية عنصرية( فرانسواز، امرأة مطعم لوي جران التي وصفت الإنسان العربي بالمتوحش)؛
شخصيات إنسانية ضحية الظروف ولها موقف: ( جانين مونترو- تيريز).
ونستغرب أن يكون بطل سهيل إدريس بدون اسم علم يحمله، إذ تركه مجهولا لتعبر عنه ملامحه وأفعاله والقيم التي يؤمن بها. وما الجدوى من اسم علم في عالم يتناطح فيه الصراع ويبرز فيه الشر وتنعدم فيه الحرية . يقول سهيل إدريس عن بطله:" ولكن من حسن حظ بطل الحي اللاتيني أن قام عشرات من الدارسين يتعاطفون معه، محللين سلوكه بين الوقائع والأحداث، ويربطونه بوضع الإنسان العربي، المحروم المقموع، جنسيا وفكريا واجتماعيا، الذي يذهب ليلتمس الحرية في فترة من الاغتراب المؤقت، حتى إذا أاشبع هذه الرغبة المقموعة والتي كانت تكبت معظم طاقاته الإنسانية والإبداعية، بدأ يعي ذاته ويستكمل مختلف أبعادها، ويوظف طاقته في خدمة قومه الذين يعود إليهم. لقد ارتكب هذا الإنسان كثيرا من الآثام والأخطاء، لأنه كان يعتقد أن الحرية بلا ثمن. ولكنه حين أراد التكفير عن خطئه، أثبت أنه أصبح يعي مسؤوليته وأنه مدعو لتوظيفها في خدمة قضاياه المصيرية."5
وهكذا نخلص إلى أن شخصية البطل اللاتيني شخصية وجودية متوازنة على الرغم من تناقضاتها، وقد اهتدت في الأخير إلى خلاصها المسؤول أخلاقيا ومصيريا ووجوديا ووطنيا وحضاريا.
الفضاء الروائي:
نقصد بالفضاء الروائي المكان وزمان القصة في ترابطهما الجدلي والفني والسردي. فأحداث الرواية تقترن بفضاءين متناقضين: فرنسا ولبنان، وهما يشيران إلى التفاوت الحضاري بين فضاء روحاني وفضاء مادي. فلبنان بالنسبة لبطل الحي اللاتيني فضاء الحرمان والكبت والقهر والعادات المحافظة أما فرنسا فهو فضاء التحرر والانعتاق الوجودي. ويبقى الحي اللاتيني هو الفضاء الأساسي في الرواية لأبعاده التربوية والإنسانية كما أنه ملاذ للمحرومين جنسيا وعاطفيا. وتتقابل كذلك باريس الحرية مع بيروت التقاليد والمحافظة لتشكل شخصية البطل في صراعها الذاتي والموضوعي.
أما زمان القصة، فإن كان غير محدد بشكل جلي ولكن يمكن أن نموقع القصة في فترة ما بين الأربعينيات و الخمسينيات لانتشار الفكر الوجودي وإقبال الشباب على كهوف سان جيرمان لإثبات وجودهم الجنسي والمصيري والتحرر من قيود العقل وأنظمة المنطق، والإشارة إلى خضوع الوطن العربي للاستعمار.
ت- مكونات الخطاب الروائي:
1- الوصف:
يتسم الوصف عند سهيل إدريس بالإيجاز والاختصار؛ والسبب في ذلك أن الرواية تنبني على الأحداث ووظائف الشخصيات مما أثر على الوصف.
ولقد اهتم سهيل إدريس بوصف الشخصيات فوصفها وصفا بيانيا رائعا فيه سحر أخاذ كوصفه لفتاة السينما:" واسترخى في مقعده سعيدا كالطفل، فرحا بقرب هذه الفتاة التي يشعر بنكهة الفتوة تفيض من أردانها. كانت ترتدي بنطلونا طويلا مرسلا في وحشية لذيذة، دون ما تفنن. أما وجهها، فلم ير إلا الجانب الأيمن منه: وجه طفل تبرق فيه عين زرقاء، وشفتان تلتمعان بحمرة شفافة تحييها بسمة ساذجة".6
إن هذا الوصف يعتمد فيه الكاتب على الأوصاف والنعوت والتشبيه والاستعارات المجازية لتزيين الموصوف وتجميله. وقد يركز الكاتب على الوصف الخارجي7 الفيزيائي بطريقة موجزة ومختصرة تخالف طريقة المدرسة الواقعية التي تعتمد على التفصيل والإسهاب والإستقصاء كما عند نجيب محفوظ وعبد الكريم غلاب ومبارك ربيع:" فلم يقتنع عدنان ولم يشأ أن يمضي في النقاش. وما لبثوا أن طرقوا باب منزل في ضاحية " فانسين" أخذوا عنوانه من أحد المكاتب، ففتحت لهم سيدة لا يبدو أنها تتعدى الثلاثين من عمرها، ممشوقة الجسم، سمراء الوجه، ذات سحر وإغراء. وقد استقبلتهم باسمة مرحبة وأدخلتهم غرفة مؤثثة نظيفة طلبت ثمانية آلاف فرنك أجرا شهريا لها."7. كما وصف الكاتب الفضاء بأشيائه كوصفه لغرفة جانين بعد سأمها الوجودي وضياعها النهائي: "ويدخل، فيغلق الباب، ويراها تخلع سترتها وترمي بها على سرير منخفض صغير قائم في الزاوية. وإذ ذاك رأى ثيابها. كانت ترتدي مثل اللباس الذي رآه في " برغولا". وأجال بصره في الغرفة. إنها نصف غرفتي، نصف غرفتها في " ليغران زوم". وبالقرب من السرير، كانت تقوم طاولة قصيرة القوائم. وفي الزاوية المقابلة أريكة ذات مرفقين، أتجه إليها متمهلا، فانخسفت به حين اقتعدها" .8
ويلاحظ على وصف الأشياء الإيجاز بالمقارنة مع روايات بلزاك أو فلوبير؛ والسبب في ذلك يعود إلى افتقار غرفة جانين إلى الأثاث لفقرها وعوزها. ووصف الكاتب بعض الأمكنة إيجازا واختصارا:"على أنه ما عتم أن ضاق بغرفته نفسها، فغادرها عند الغروب إلى ساحة الأوبرا وفي نيته أن يشاهد واجهات المخازن المزدانة لمناسبة الميلاد، بكل رائع فتان من المعروضات. وقد ظل ساعة ينتقل أمام الحوانيت المضاءة، حتى أسلمته قدماه إلى جادة " الشانزليزيه"، وكان قد اجتازها مرة من أدناها إلى أقصاها، فاستشعر لذلك لذة غريبة.".9
الرؤية السردية:
يستند الكاتب في تقديمه للحبكة السردية إلى الرؤية من الخلف أو التبئير الصفري لاعتماد الكاتب على ضمير الغياب والراوي الواحد الموضوعي الذي تنازل إلى درجة الصفر لكسب الحياد وعدم التدخل في الأحداث. وتتسم معرفة الراوي بكونها معرفة شاملة ومطلقة تتعدى ماهو خارجي على ماهو داخلي كأنه الإله الخفي، ويعني هذا أن السارد يتوارى وراء ضمير الغائب ليقدم وجهة نظره ورؤيته للعالم والكون والإنسان. وإليكم مقطعا سرديا يحدد لنا هذه الرؤية المطلقة التي تدخل الرواية ضمن زمرة الروايات الكلاسيكية التقليدية:"وأغضت جانين مونترو، فأدرك هو أن نظرته المحددة قد آذتها. والحق أنه لم تكن له في ذلك حيلة، فقد كان في عينيها الزرقاوان صفاء لم يعهده في عينين قبلهما. وكان يحس، وهو ينظر فيهما، أن نظراته تستحم في مياهها الدافئة، بالرغم من أنها نظرات خاطفة هاربة، بل من أجل ذلك بالذات. وقد شعر بهذا منذ التقت عيناه بعيني جانين للمرة الأولى، فكان كل همه بعد هذا النظر الهارب، ويثبته في نظره، حتى يتاح له أن يسبر أغواره. وكان الفتاة إذ أغضت، قد أدركت ذلك، فصرفت عنه هذا النظر الذي يود أن يحتفظ بأسراره"10.
وللسارد وظائف يقوم بها في هذا النص كوظيفة السرد والتعليق وتقديم الأحداث والتنسيق بين الشخصيات والتأثير في المتلقي من خلال الوظيفة الانفعالية، بالإضافة إلى الوظيقة الإيديولوجية التي تكمن في تقديم الفلسفة الوجودية والدفاع عنها في هذا النص الروائي كأطروحة فكرية للاختبار والتمحيص.
بنية الزمن في الرواية:
وظف الكاتب نسقا زمنيا كلاسيكيا متناميا ومتسلسلا في تطوره السردي والكرونولوجي المتعاقب، إذ انطلق من الحاضر إلى المستقبل أو من لحظة الوصول إلى باريس إلى لحظة العودة إلى بيروت بعد حصوله على شهادة الدكتوراه كأن الزمن السردي في النص زمن دائري: بيروت- باريس- بيروت. وعلى الرغم من تسلسل الأحداث منطقيا وسببيا وكرونولوجيا فهناك انحرافات زمنية إما: إلى الماضي لاسترجاعه" فلاش باك"أثناء تذكره للبنان وناهدة وأسرته وأصدقائه وإما في استشراف للمستقبل لما ينتظره من طموح وتطلع علمي ونضالي أو لقاء غرامي ورومانسي.
الصياغة الفنية:
استعمل الكاتب في صياغته الفنية لمتنه الروائي على السرد ، ولكن لم يكتف بهذه الطريقة الأحادية في التعبير بل وظف الحوار للتعبير عن مواقف الشخصيات واستنطاق وجهات نظرهم ومنظوراتهم الإيديولوجية، كما شغل الأسلوب غير المباشر الحر الذي يختلط فيه كلام السارد والشخصية والذي يتحول في عدة مقاطع نصية إلى منولوج أو مناجاة تعبر عن الصراع الداخلي والتمزق النفسي:" ولكن هذا كله ما معناه، وما مناسبته؟ أليس هو تعلة تتعلل بها من خيبتك؟ أية خيبة هي؟ فتاة وعدت بالمجيء، وأنا لم أطلب إليها ذلك، ثم لم تأت، فليس في الأمر ما يعنيني، وإنما يعنيها هي أنها كاذبة. أما أنا، فقد ذهبت إلى السينما لأشاهد ذلك الفيلم الرائع، وكان لقائي بها لمصادفة عابرة أستطيع أن أنساها بالسهولة نفسها التي تمت بها. أي ضير في هذا؟"11.
أما لغة الرواية السردية فهي لغة بيانية وإنشائية تذكرنا بلغة الرافعي وطه حسين والمنفلوطي، تمتاز بنصاعة التعبير وسلاسة الألفاظ والتعابير الموحية والصور البلاغية الرائعة في الجودة والانتقاء، كما أنها لغة شاعرية في التشخيص، ثرية في تراكيبها ومعاجمها. ومن حقولها الدلالية نجد: حقل السفر- حقل الذات- حقل الجنس- حقل العلم- حقل الحب- حقل النضال.
أما الخطابات التي تتضمنها الرواية فنذكر الخطاب الفلسفي" الوجودية"، والخطاب الأدبي" الشعر العربي الحديث"، والخطاب الديني" تصورات عدنان"، والخطاب السياسي" تصورات فؤاد"...
وبناء على ما سلف يمكن القول: إن الحي اللاتيني رواية كلاسيكية في أسلوبها وبيانية في لغتها الأدبية على غرار رواية زينب لمحمد حسين هيكل أو عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم.
ث- الأبعاد المرجعية في الرواية:
1- البعد الفلسفي:
تندرج رواية الحي اللاتيني لسهيل إدريس ضمن الروايات الوجودية التي ترتكز على مقومين أساسيين وهما: الحرية والمسؤولية. أي أن هذه الرواية تصور عبث الشخصيات وقلقها ومللها وتحررها من القيود الاجتماعية والأخلاقية بحثا عن ذواتهم. ولكن تبقى الحرية عند البعض فوضى واستهتار مثل: صبحي وعدنان، وعند البعض الآخر مسؤولية كفؤاد وبطل الرواية." إن تعبير الحي اللاتيني عن الفكر الوجودي الذي التزم به المؤلف، لاتقل أهمية عن المضامين العديدة الأخرى التي ناقشتها الرواية من خلال اللقاء المتعدد الآثار بين الشرق والغرب، إن لم تكن تلك المضامين نابعة أصلا من موقف عام أملاه هذا الفكر في نظرته إلى الإنسان والواقع وحركة الحياة. وهكذا كان الفكر أبرز ما يسم رواية الحي اللاتيني التي تعد بداية انفتاح المؤلف " البطل"على الفكر الغربي بصورة مباشرة، ويتضح ذلك بصورة خاصة في قضايا المرأة والالتزام الوطني والقومي والسياسي، والمفارقة بين الموقف 12الثقافي والموقف الاستعماري في الحضارة الأوربية."12


ايوب صابر 03-18-2012 11:48 AM

تابع،،

البعدالاجتماعي:
تناقش الرواية كثيرا من الظواهر الاجتماعية و الحضارية كالتفاوتالموجود بين الشرق والغرب على مستوى العلم والثقافة والفكر والفلسفة والفن، ومعاناةالعالم العربي من التخلف والاستعمار والجهل والاستبداد السياسي والحرمان الاجتماعيوتردي القيم. كما تشير الرواية إلى نكبة فلسطين وضرورة النضال الوطنيوالقومي.
وتشير الرواية كذلك إلى البعثات الطلابية إلى الخارج وانسياقهم وراءملذات الحياة والتيارات الإلحادية المنحرفة والانغماس في الجنس والخمرة والاستهتاراللاأخلاقي. وتعكس كذلك منظومة الزواج في العالم العربي ، واستعداد الشباب العربيالمثقف للنضال والتضحية من أجل التحرر من الاستعمار والتخلف.
البعدالنفسي:
تتميز شخصيات الرواية بالطابع الوجودي وبخاصية الاستهتار والعبثواللاجدوى والخوف والقلق واليأس. فبطل الحي اللاتيني عند وصوله إلى باريس كان يحملمعه نفسية شرقية يطبعها الحياء والانطواء والانعزال والحرمان والكبت والشذوذ، إذاستقصد باريس للارتواء الجنسي باحثا عن المرأة للتلذذ بها أو الاجتماع بها وجوديا. وقد أحس بالإخفاق والإحباط العاطفي وتعرض للخوف والقلق والاغتراب الذاتي والمكانيولم يستطع أن يتكيف لا مع شرقه المستبد الممل ولا مع الغرب العبثي. وينتقل البطلبعد ارتباطه بجانين إلى التغني بالفردية والنرجسية بعيدا عن الهموم الجماعيةوالنضال الوطني. لينتهي به المطاف إلى الفكر الجماعي وعزمه في الأخير على النضالوالتحرر.
ج- القراءات النقدية:
هناك عدة دراسات قاربت رواية الحي اللاتيني،فهناك من اكتفى بتلخيص الرواية كما فعلت خالدة سعيد في كتابها حركيةالإبداع13، وهناك من قاربها من الناحية الفنية كالدكتور إبراهيم السعافين " تطورالرواية العربية الحديثة في بلاد الشام"، وهناك من حاكمها أخلاقيا مثل : عيسىالناعوري ورضوان الشهال اللذين أدانا البطل ووصفاه " بأنه سفيه خسيس ارتكب عملا لاأخلاقيا بتخليه عن الفتاة التي أنجبت منه، وخرجا من ذلك بأن المؤلف ، مثل بطله،سفيه خسيس"14. ونجد إلى جانب ذلك دراسات تقريضية أشادت بهذه الرواية وأبانت روعتهاالفنية والجمالية مثل: نجيب محفوظ و ميخائيل نعيمة ويوسف الشاروني وأحمد كمال زكيوشاكر مصطفى وعبد الله عبد الدائم ...15.
خاتـــــمــــة:
تعد رواية الحي اللاتيني لسهيل إدريس رواية وجوديةذات بناء كلاسيكي ولغة بيانية إنشائية شاعرية موحية مشوقة، كما أنها رواية ذهنيةحضارية تصور العلاقة بين الشرق والغرب من خلال المرأة كرمز فني لتجسيد هذا التقابلبين الرجولة والأنوثة من خلال رؤية للعالم قوامها التصور الوجودي الذي يستند إلىالحرية والمسؤولية.
1 -
سهيل إدريس: الحي اللاتيني، مطبعةدار الآداب، بيروت، لبنان، ط11، ص:26؛
2 -
سهيل إدريس: الحياللاتيني، ص:28-29؛
3 -
سهيل إدريس: نفسه، ص: 281-282؛
4 -
د. عبد الله السعافين: تطور الرواية العربيةالحديثة في بلاد الشام، دار المناهل، بيروت، لبنان، ط2، 1987،صص:463-464؛
5 -
د. سهيل إدريس: ( شهادة في تجربة روائية)،الرواية العربية: واقع وآفاق، دار ابن رشد للطباعة والنشر، ط1، 1981، ص: 286-287؛
6 -
سهيل إدريس: نفسه، ص: 32؛
7 -
نفسه، ص:67؛
8 -
نفسه، ص: 270؛
9 -
نفسه، ص: 136؛
10 -
نفسه، ص: 97؛
11 -
نفسه، ص: 43؛
12 -
إبراهيمالسعافين: نفسه، ص:446-447.
13 -
خالدة سعيد : حركيةالإبداع، دار العودة ، بيروت، لبنان، ط2،1982ص:225؛
14 -
انظر الرواية العربية: واقع وآفاق، ص:286؛
15 -
انظر الغلافالخارجي الخلفي لرواية الحي اللاتيني، ط11، 1995.
ملاحظةهامة : عن مجلة العربي المصرية

ايوب صابر 03-18-2012 11:49 AM

سهيل إدريس
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
سهيل إدريس من مواليد بيروت سنة 1925 م، درس في الكلية الشرعية وتخرج منها شيخا عالما ورجل فقه، وبعد تخرجه سنة 1940 م تخلى عن زيه الديني وعاد إلى وضعه المدني. وبعد ذلك بدأ يمارس الصحافة منذ سنة 1939 م، لكنه استقال ليتابع دراساته العليا في باريس قصد تحضير الدكتوراه في الأدب العربي تحت إشراف أساتذة جامعة السوربون.
نال فعلا شهادة الدكتوراه واستوعب جيدا الفكر الغربي وتياراته الفلسفية عن طريق القراءة والترجمة والاحتكاك المباشر وعند عودته، أنشأ سهيل إدريس مجلة الآداب سنة 1953م بالاشتراك مع المرحومين بهيج عثمان ومنير البعلبكي، ثم تفرد بالمجلة سنة 1956م ودافع كثيرا عن التيار الوجودي، وترجم الكثير من إبداعاته وقد كانت المجلة دعامة أساسية للشعر التفعيلي والقصيدة النثرية والحداثة بصفة عامة.
أعماله

في سنة 1956 م، أسس سهيل إدريس دار الآداب بالاشتراك مع نزار القباني، الذي اضطر لاحقا إلى الانفصال عن الدار بسبب احتجاج الوزارة الخارجية السورية.
وعمل في سلك التعليم مدرسا للغة العربية والنقد والترجمة في عدة جامعات ومعاهد.
وأسس اتحاد الكتاب اللبنانيين مع قسطنطين زريق ومغيزل ومنير البعلبكي وأدونيس، وانتخب أمينا عاما لهذا الاتحاد لأربع دورات متتالية.
من مؤلفاته

قصص
  • أشواق 1947
  • نيران وثلوج 1948
  • كلهن نساء 1949
  • أقاصيص أولى 1977
  • أقاصيص ثانية 1977
  • الدمع المر 1956
  • رحماك يا دمشق 1965
  • العراء 1977
مسرحيات
  • الشهداء 1965
  • زهرة من دم 1969
روايات
  • الحي اللاتيني 1953
  • الخندق الغميق 1958
  • أصابعنا التي تحترق 1962
  • "سراب" رواية نشرت مسلسلة في جريدة بيروت المساء عام 1948
دراسات
  • في معترك القومية والحرية
  • مواقف وقضايا أدبية
  • القصة في لبنان
ترجمات
  • دروب الحرية
  • الغثيان
  • سيرتي الذاتية لسارتر
  • الطاعون لألبير كامو
  • هيروشيما حبيبي:لمارغريت دورا
سير ذاتية
  • ذكريات الأدب والحب 2005
  • "المنهل" معجم فرنسي – عربي بالإشتراك مع الدكتور جبور عبد النور.
  • ترجم سهيل إدريس أكثر من عشرين كتابا بين دراسة ورواية وقصة ومسرحية.

ايوب صابر 03-20-2012 10:00 AM

سهيل إدريس
1925م-

ولد الكاتب والروائي سهيل إدريس في بيروت. تعلم في مدرسة الحجر الابتدائية فالمقاصد المتوسطة فالثانوية فكلية فاروق الشرعية في بيروت. انتقل إلى باريس حيث التحق بالمعهد العالي للصحافة. حاز على الدكتوراه في الآداب من جامعة السوربون بباريس سنة 1953.

عمل لدى عودته إلى بيروت صحفياً وأسس مجلة الآداب التي لا يزال يصدرها بالاشتراك مع ابنه حتى اليوم. علّم الترجمة والنقد الأدبي في الجامعة الأميركية ببيروت.

كان والده إماماً لمسجد البسطة التحتا في بيروت وأراد لابنه سهيل أن يسير على الدرب ذاتها فتعمم الولد وهو لم يبلغ الثامنة من العمر. اختاره المفتي محمد توفيق خالد، مفتي الجمهورية اللبنانية آنذاك، من بين العديدين من طلاب الكلية الشرعية ليتلقى علوم الدين وليصبح يوم يشب إماماً كوالده. وبعد خمسة أعوام شعر الشاب أنه لم يخلق لهذه الدعوة ولم تخلق له، كما يقول في حديث له، فترك الدراسات الدينية. ولكنه يعترف في الوقت نفسه أن هذه الدراسات ساعدته كثيراً على ولوج الطريق الذي سلكه فيما بعد، طريق الأدب والفكر واللغة.

هكذا انتهت المرحلة الأولى من مراحل إعداد سهيل إدريس للمستقبل ودخل مرحلة جديدة ساعده فيها أستاذه خليل عيتاني الذي أصبح فيما بعد سفيراً للبنان في الأمم المتحدة. فقد انكب عيتاني على تدريس سهيل اللغة الفرنسية فانفتحت أمامه الآفاق التي كانت مغلقة قبلاً. وانكب على الأدب الفرنسي يدرسه بنهم حتى تحمس لترجمة رواية فرنسية للعربية أرسلها يومها إلى طه حسين الذي كان يشرف على منشورات دار الكتاب المصري فأدرجها حسين في سلسلة منشورات الدار ولكنها لم تُنشر بسبب احتراق الدار.

عمل في الصحافة في جريدة بيروت بدءاًً بتصحيح المسودات ثم الكتابة الصحفية وأصبح مندوب الصحيفة في مجلس النواب ومحرراً للسياسة الخارجية فيها. وعمل أيضاً في جريدة بيروت المساء ومجلتي الصياد والجديد.

بعد هذه التجربة الصحفية التي دامت سبع سنوات ذهب سهيل إدريس إلى باريس ليلتحق بمعهد الصحافة ومن ثم السوربون. وهنا حدث التحول الكبير في توجهه الأدبي والثقافي والسياسي أيضاً

ايوب صابر 03-20-2012 10:01 AM

قراءة في سيرة سهيل إدريس الذاتية
- ذكريات الأدب والحب -
الجزء الاول
د. فاروق مواسي
صدر مؤخرا كتاب جديد في أدب السيرة الذاتية هو ذكريات الأدب والحب للقاص الروائي، صاحب الآداب سهيل إدريس.
وسهيل، كما لا يخفي، كان قد أصدر روايات الحي اللاتيني والخندق الغميق وأصابعنا التي تحترق وبضع مجاميع قصصية وكتبًا نقدية.
أما كتاب السيرة الذاتية الذي صدر عن دار الآداب فيقع في مائة وأربع وثمانين صفحة، أشغلت مائة صفحة تقريباً ( هي في نهاية الكتاب) علاقته مع الأديبين المعروفين أنور المعداوي وسعيد تقي الدين، حيث يعترف الكاتب بفضلهما عليه في مسيرته الأدبية.
يتحدث الكاتب في الصفحات الأولى الثمانين عن أصل عائلته ومولده ، وعن أسرته والحي الذي سكنه، كما يروي لنا حكاية الجبة والعمامة ومشيخته التي سرعان ما تخلى عنها - هذه الحكاية كنا قد طالعناها روائياً في الخندق الغميق ، ونتعرف كذلك على بدايات غرامياته، وعمله في الصحافة، وخاصة في الصياد.
إن لغة سهيل في هذا الكتاب تتصف بالسلاسة والانسياب، ويعمد فيها إلى السخرية والتسلية والفكاهة الرشيقة (وأحياناً بدون ربط أو مبرر)، وهي على العموم تدفعنا إلى الابتسام.
غير أن هذه الفكاهة/السخرية تتجاوز حدودها وحرارتها، وبالأخص في حديثه عن والده _ إذ يقول:
" وكان لأبي كرش أنفر منها ، لأنه لم يكن يتورع عن تنفيسها بريح يطلقها بين الفينة والفينة دون تحرج حينما يتنقل في المنزل. وسمعت أمي ذات يوم، بعد أن فرغنا من غداء تجشأ منه أبي بصوت عال، تقول بتقزز أعوذ بالله! ما هذا؟ من فوق؟ ومن تحت؟ فضحك أبي طويلاً.... " (ص12)
وأنا لا أدري ما هي الوظيفة الأدبية لحشر هذه القصة في السيرة، وماذا يبغي كاتبنا أن يثبت؟
هل هي واردة للتدليل على نهم أبيه مثلاً؟
هل هي حكاية لمجرد الحكاية؟
وما هي علاقتها بالمبدع أصلاً؟
إن الصراحة والصدق في الوصف من مستلزمات الترجمة الذاتية - وهذا حق- ولكن شريطة أن يكون لهذا البوح الصادق مبرر ما، وظيفة ما، توصيل ما.
ولنتابع هذا البوح الصادق ؟ ! :
" والحقيقة أنني لم أكن أحب أبي، إذ كنت أشعر بأنه يعيش جواً من النفاق، وجاء وقت بدأت أحس أن أبي يحيا حياتين... واكتشفت ذات يوم اصطحابه لشاب جميل الطلعة، أشقر الشعر، كنت أراه أحياناً في المتجر الملاصق لمتجره على المرفأ. وقد دخل مع هذا الشاب إلى غرفة الاستقبال في بيتنا التي كان لها باب خارجي، وبعد قليل سمعت صوت انغلاق الباب الداخلي لهذه الغرفة وصوت المفتاح يدور في قفل الباب، فناديت أخي الأكبر، وحكيت له، فهز رأسه كأنه فهم ما أقصد إليه، وتمتم بعبارة فيها لهجة استنكار، وتكررت هذه الحادثة..." (ص 12،13 )
إن المؤلف بهذه الجرأة التي لا تحسب له يحاول أن يبرر لنا سبب ذكر هذه الوقائع اللوطية بقوله :
" ....خلف ذلك عندي نفوراً من العلاقات الشاذة بالرغم مما ورد من تبريرات لهذه العلاقة تتعلق بالتأثير الجيني والتكوين الجسماني لبني البشر."
لا أراني بعد هذا المسوّغ إلا سائلاً:
وهل هناك شك لدى أحد أنك من المفروض أن تنفر من علاقات كهذي؟!
ثم لماذا هذه التتمات في إخراج التبريرات؟
إن العلاقات الغرامية الشخصية التي ساقها لنا المؤلف كانت عادية، على المستوى الفني-، أستثني من ذلك حبه المتهيب في فترة مشيخته، فهذه تشي لنا بالكثير، وكأنها تقول لنا إن الإنسان يبقى إنساناً؛ وكذلك حبه المتهالك الذي قلد فيه روميو وجولييت، فوقع عن النافذة، وهذه أيضاً تشي بتأثير الثقافة على سلوك الأديب.
أما سائر القصص الحبّـيــّـة فلم يكن لها مبرر فني أو حتى ما يبعث الدفء.
كم توقعت أن ألمح التحفز الوطني بارزاً أكثر لدى الكاتب وهو الذي عرفنا مواقفه في طليعة المد القومي، لكنه آثر أن يستطرد فيما هو مجرد قصص عاشتها بيروت كحكاية السردوك (ص 35) التي اعتبرتها عائلة إدريس (عائلته) مثالاً للشجاعة والاعتزاز بالنفس، مع أن القارئ يمكن أن يعجب بشخصية زوجة الدركي الرجولية.
* * * * *
في القسم الثاني من السيرة- عن المعداوي وتقي الدين- إفادة بالغة للقارئ يفيدها من مجمل النقاشات والاعترافات المتبادلة.
ويرى الشاعر محمد علي شمس الدين أن هذه المراسلات من أكثر فصول الكتاب متعة وفائدة، تلك التي أثبت إدريس بعضًا من مراسلاته مع شيخين من شيوخ الأدب في الأربعينيات والخمسينيات (انظر دراسته عن السيرة في صحيفة الرياض السعودية عدد 9/12/2002.)
نتعرف عبر هذي الرسائل أولا علي شخصية المعداوي الناقد، فنلمس، مع ذلك - موقفًا غريبًا علي سلوكياته - وذلك في سخريته من المستشرق ليفي بروفنسال الذي أحجم عن إقرار أطروحة سهيل للدكتوراة " الرواية العربية الحديثة من 1900- " 1940،والتأثيرات الأجنبية فيها " وذلك في قوله: " رحم الله امرءاً عرف حده" .
جدير بالذكر أن أطروحة الدكتوراة كانت قد أجيزت فيما بعد بإشراف بلاشير في السوربون (ومن الغريب أنها لم تصدر في كتاب كما عودنا سهيل أن يفعل).
كانت الرسائل المتبادلة بين سهيل والمعداوي كذلك مبعث اهتمام الناقد المصري أحمد محمد عطية في كتابه الهام: أنور المعداوي، عصره الأدبي ، فقد أثبت جميع هذه الرسائل وعلق عليها.
وقبل أن نصحب المؤلف إلى عالم سعيد تقي الدين ومماحكته ارتأى أن يحدثنا عن أقاصيصه التي كانت مثار اهتمام كل من المعداوي وتقي الدين، فأطلعنا على ملاحظات المعداوي وشاكر خصباك وسيد قطب (وهذه الأخيرة لم تكن إيجابية) فناقش كلا منهم، ثم ما لبث أن وضع أمامنا مقدمة أقاصيص أولى التي كتبها ، كما وضع أمامنا نموذجاً من قصصه المبكرة ليطلعنا على بداياته - حسب رأيه.
وفي ظني أن هذا الاقتباس الذاتي هو مستحدث، وقد يكون من نافل السيرة الذاتية ، إلا أنني وجدت في القصة المثبتة ( الشَّعر المسرَّح ) مستوى فنياً راقياً، وذلك في التركيز على تسريحة شعر...وتفصيل المشاعر والأحاسيس التي ترافق الجزئية، فكانت النهاية انفراجة أو لقطة تحول ، أو مفاجأة موفقة، وفي تخريجها ما يدل على مراس في الكتابة.
قلت من نافل السيرة..، وإلا فأين التعليق الجديد، وما دورها في نسيج السيرة؟ أين هو منها؟ وما هي العبرة من وراء إثباتها؟
وتبقى صفحات سعيد تقي الدين عذبة المناكفات والحواريات بغمزاتها وخفة ظلها، إلى حد أنني تساءلت _ ألم تكن هذه الصفحات معدة لتكون في كتاب خاص نحو : ذكرياتي مع سعيد تقي الدين، فجاء المؤلف وضمها لإضافة أو لإخراج كتاب؟ ثم أين سائر الأدباء في هذه الفترة، ولا مشاحّة أن لسهيل علاقات أدبية لا حصر لها، وثمة منهم من يشار إليه بالبنان.
وإذا كان في هذه القراءة بعض القسوة فإن هناك دافعين يشفعان لي بذلك:
استعداد الكاتب لتقبل النقد برحابة صدر ، كما دلل على ذلك في الكتاب وفي أكثر من موقع، واعترافي بأنني من أولئك الذين نهلوا من معين مجلة الآداب في مطلع شبابهم، فتركت المجلة في نفسي وفي كتابتي كبير أثر، فحفزتني على أن أقول ما هو رأيي، وصاحب المجلة من دعاة هذه الحرية التي ننادي بها.
ختاماً لن أضن على القارئ ببضعة أبيات كنت قد كتبتها انتصاراً للبنان أيام محنته، وهي من قصيدة يا لبنان:
يا لبنان اشتقت إليك، وقلت: متى آتيك
أتفقد دور النشر وأرتاد بيوت العلم
وأنظر حتى أعلي هام الأرز
أقضي صيفاً، بل ليلاً فيك
وأزور الأحباب
(سهيل منهم)
وعلى ذكر سهيل، كيف " الآداب " وتأديب الناس على الطرقات؟
وفي الختام، أرجو أن يكون في الجزء الثاني ما يزيدنا متعة وإبداعًا.
20/10/2005

ايوب صابر 03-20-2012 10:02 AM

حوار لم ينشر مع د. سهيل إدريس



عن الشعر، والكِتاب، والحبّ، وشراءِ الأقلام

أجراه: الشاذلي زوكار
نشرت الزميلة الصباح التونسية في منتصف آذار 2008 حديثًا أجراه الأستاذ الشاذلي زوكار مع مؤسِّس الآداب وصاحب دار الآداب والروائي والمترجم واللغوي والناشط د. سهيل إدريس (1925 ــ 2008). وكان هذا الحوار قد أجري في 15/5/1993، ولكنّه لم يُنْشر إلاّ بعد وفاته. والآداب تعيد نشر هذا الحديث المهمّ تعميمًا للفائدة.
أنزل المقالة
- د. سهيل إدريس، أنت رائدٌ من روّاد الفكر العربي، ومبدعٌ مميَّزٌ من مبدعيه. ولقد بدأ نجمُكَ يلمع في سماء الأدب الحديث مع ظهور مجلّة الآداب سنة 1953. وتُعتبر هذه المجلّة صورةً صادقةً للتفاعل الفكري العربي، وللقلق المسيطر على مجتمعنا في بداية الخمسينات عندما كان أغلبُ العرب يرزحون تحت نير الاستعمار. وقد أمكن هذه المجلّةَ أن تلعب دورًا خطيرًا في بداية عهدها. فكيف انبثقتْ فكرةُ تأسيس هذه المجلّة؟ وما هي ظروفُ التأسيس التي مررتم بها؟ وهل تعتقدون أنّ دور مجلّة الآداب مازال متواصلاً حتى اليوم؟
+ لا نشكّ في أنّ لكارثة فلسطين عامَ 1948 تأثيرًا بالغًا في إثارة الوعي لدى جميع المثقّفين العرب، ودفْعِهِم إلى أن يضطلعوا بدور مهمّ في الحياة الثقافية لكي يستطيعوا أن يهيّئوا الأجيالَ لمجاوزة هذه الكارثة. والواقع أنّني، بتأثيرٍ من هذا، تخلّيتُ عن جميع أعمالي التي كنتُ أقوم بها في تلك الفترة، ولاسيّما في الصحافة، لأطلبَ تجديدًا لنفسي ومزيدًا من الوعي. ففي سنة 1949، أيْ بعد الكارثة بعام، استقلتُ من الصحف والمجلاّت التي كنتُ أعمل فيها، ومن الإذاعات التي كنتُ أوافيها ببعض إنتاجي، وقرّرتُ أن أسافر إلى باريس لأكتسبَ المزيدَ من المعرفة والعلم وأوظّفَ هذا المزيدَ من أجل القضية الكبرى. وبدأتُ أستعدّ لتهيئة رسالة دكتوراه في الأدب العربي الحديث كان موضوعُها: "الرواية العربية الحديثة والتأثيرات الأجنبية فيها." وكنتُ في باريس أجتمع بعدد من الأجيال العربية الجديدة التي ذهبتْ إلى العاصمة الفرنسية لتنهلَ العلمَ ولكي تؤكِّد ذاتَها ومسؤوليَّتها عن بلادها.
ومن هذا الاحتكاك بتلك العناصر المثقّفة والشابّة، بدأتُ أفكِّر في إصدار مجلّة للعالم العربي، لا للبنان وحده، بحيث نَلمُّ حولها الأقلامَ العربيةَ الواعية، ونباشرُ عمليةَ التغيير المطلوبة لتجاوز النكسة. وقد اتّصلتُ وأنا في باريس بعدد من المثقّفين العرب والكتّاب الذين كانت تربطني بهم صداقةٌ سابقةٌ، وحدّثتُهم عن مشروعي في إصدار مجلّة عربية كبيرة، فشجّعوني.
وفي أوّل سنة 1953 صدر العددُ الأوّلُ من مجلّة الآداب، وهو يضمّ فئةً متميّزةً من المفكّرين العرب ينتمون إلى عدد كبير من الأقطار العربية. ومن العدد الأوّل تنبّه القرّاءُ والمثقّفون إلى عروبة هذه المجلّة التي تستقطب الكتّابَ من كلّ عاصمة عربية. ولن يقتصر الأمرُ على ذلك فقط، بل اتّخذتُ لهذه المجلّة مراسلين في الأقطار العربية ليوافوا القرّاءَ بنتاج كلّ بلد وإبداعاته. ولا بدّ هنا من أن أَذْكر للقرّاء الكرام أنّ الشاذلي زوكار، الذي يُجري الآن هذا الحديث، كان المراسلَ الأوّلَ لمجلّة الآداب في القطر التونسي، وقد وافى المجلّةَ بعددٍ من رسائله المتميّزة قبل أن ينتقل إلى السلك الديبلوماسي، وها هو يعود الآن إلى سلك الصحافة.
لم أكن أملكُ المالَ لإصدار الآداب، فاتّفقتُ مع "دار العلم للملايين" على أن تموِّل المجلّة، وعلى أن أُشرفَ شخصيّاً على تحريرها. ثم انفصلتُ عن دار العلم بعد سنتين أو ثلاث، لأستقلّ بها وأديرَها. وتعرفون أنّها الآن في عامها الحادي والأربعين، وقد كنتُ طوال هذه الأعوام رئيسًا لتحريرها، وربما كانت ظاهرةً فريدةً في المجلات الأدبيّة أن يتولّى تحريرَها بلا انقطاعٍ شخصٌ واحدٌ طوال هذه المدة.
وفي أوّل السنة الماضية [1992] أردتُ أن أبعثَ روحًا جديدةً، دمًا جديدًا، في المجلّة. ولذلك عهدتُ بإدارة تحريرها إلى ابني الدكتور سماح إدريس الذي عاد مؤخّرًا من الولايات المتحدة، وقد حصل على شهادة الدكتوراه، وهو متخصّصٌ في الدراسات النقدية واللغوية، ومتذوّقٌ للأدب ولمختلف ألوان الإبداع. وأعتقد أنّ القرّاء قد لاحظوا التغيّرَ الذي حدث في المجلّة، وهذا أمر طبيعي لأنّ الأجيال تتواصل وينبغي أن لا تتوقّف في أيّ لحظة، وأن لا يكون هناك استئثارٌ من الأب أو من الجدّ، وطغيانٌ على الولد أو الحفيد.
- الآن نتحوّل إلى المجال الروائي والآفاق القصصية، وأنتم تَعْلمون أنّ روايتكم الحيّ اللاتيني كانت أوّلَ روايةٍ في اعتقادي تنشرونها. ومن خلال هذه الروايةَ نَعرف أنّك سجَّلتَ مذكّراتك كطالب عاش في باريس أيّامَ الدراسة. فهل تعتقد، يا دكتور سهيل، أنّ أحداثَ الحيّ اللاتيني ذاتُ صلةٍ بأحداث اليوم؟
+ إنّ الشباب العربي مازالت أمامَه طموحاتٌ من أجل التطوّر والتقدّم، ومازالت أمامَه أسئلةٌ كثيرةٌ تدعوه إلى المقارنة بين واقعه المتهافت وبين حضارة مزدهرة. فكيف له أن يَلْحق، أو أن تَلحق أمّتُه، بهذه الحضارة؟ كيف له أن يؤسِّسَ أو يشاركَ في تأسيس حضارة جديدة تكون تتمّةً للحضارة العربية المشرقة في القرون الوسطى، تلك الحضارة التي التمعتْ في الوقت الذي كانت تنطفئ فيه حضارةُ الغرب؟ كيف لنا أن نبعثَ مثلَ هذه الحضارة وأن نواصلَ مسيرتنا في الحياة العالمية؟
هكذا في الحقيقة استطاع بطلُ رواية الحيّ اللاتيني أن يَطْرح قضايا أعتقد أنّها لاتزال حتى اليوم مطروحةً. فمشكلةُ تصادُمِ الغرب والشرق، ومشكلةُ المثاقفة التي يرفضها دعاةُ التفريق بين حضارتين ومذهبين في الحياة، من المشاكل التي ماتزال مطروحةً، وخصوصًا بعد النكسات الكبيرة التي شهدتْها أمّتُنا العربية. كيف نعي ذاتنا؟ هذه هي القضية التي حملتْها الحيّ اللاتيني، ولو أنّها صيغت في إطارٍ عاطفيّ.
والحقّ أنّ النقّادَ العرب، في ما تناولوه من روايات تَطْرح موضوعَ الشرق والغرب وتصادُمهما، قد وضعوا اليدَ على نقاطٍ كثيرةٍ في روايتي هذه، تجعلها حيّةً. وهي الآن تجاوزتْ طبعاتِها العشرَ، ولاتزال تدرَّس في الجامعة وتُختار للمطالعة. أقول، إذن، إنّ الحيّ اللاتيني قصّةُ فرد، ولكنّها قصّةُ جيلٍ وأجيالٍ.
- بالمناسبة، ذكرتم اسمَ "ربيع" في هذه الرواية، وقيل لي إنّكَ ترمز بهذا الاسم إلى الأديب التونسي محمد فريد غازي. فإذا كان ذلك كذلك، فما هي علاقتُكَ بهذا الأديب؟ وما هي انطباعاتُكَ عنه؟ وكيف كانت علاقتُكَ بالتونسيين آنذاك؟
+ صحيح أنّني أرمز بـ "ربيع" إلى المرحوم محمد فريد غازي الذي كان صديقًا لي، من أولئك الأصدقاء العرب الكثر الذين كنتُ أجتمع وإيّاهم في ساحات الحيّ اللاتيني لنتداول في أمورنا. وكان ربيع كما أعتقد رمزًا للمثقّف التونسي المغربي الجزائري، وقد لفت نظري، وكان شاعرًا. ولكنّه في فترته الأخيرة التي عرفتُه فيها بباريس أصبح زاهدًا في كلِّ شيء. ولا أدري إنْ كان سبب هذا الزهد يعود إلى مرضٍ يعانيه؛ ولكنّني أذكر ذاتَ مرّة، وهو في حالته هذه، أنّه قال لي إنّه بدأ يَكْفر بكلّ الإنتاج. وقال إنّ أحسنَ قصيدةٍ له ستكون يومًا ما ورقةً بيضاءَ، ليست عليها أيّةُ كتابة!
- كانت لكَ علاقاتُ أخرى بعدد كبير من الأدباء التونسيين، أمثال الدكتور فرحات الدشراوي والدكتور مصطفى الفيلالي وغيرهما. وكنتَ تراسلني وتطالبني بأن أتحدّث معهم من أجل المساهمة في مجلّة الآداب. وبهذه المناسبة أردتُ أن أسأل عن مدى المشاركة المغاربية في مجلّة الآداب، ومدى تفاعل المغاربة معها؟
+ مِنَ الذين كنتُ على صلة بهم في باريس أيضًا كاتبٌ تونسيٌّ كبير اسمُه محمود المسعدي. وقد تحدّثتُ مطوّلاً عن روايته السدّ في دراستي عن الرواية العربية الحديثة، وبقيتُ على اتصالٍ به، ولا أزال كلّما جئتُ إلى تونس أسأل عنه وأزوره حين يتاح لي الوقتُ لذلك.
علاقتي بالتوانسة لم تنقطعْ في يوم من الأيّام، وكنتُ دائمًا أراهن على دورهم المتميّز في حياتنا الثقافية. وقد سبق منذ عشرين عامًا على ما أعتقد أن أصدرتِ الآداب عددًا خاصّاً عن الأدب التونسي الحديث، أَشْرف عليه صديقُنا الأستاذ محمد العروسي المطوي آنذاك. ونحن الآن في سبيل الإعداد لإصدار عدد آخر عن الأدب التونسي بعد هذه الأعوام العشرين، نَجْمع له المادّةَ، رمزًا لتحيةٍ جديدةٍ نوجّهها إلى الكتاب التونسيين والقرّاء التونسيين. وأنا أَذْكر، بالمناسبة، أنّ تونس تشكّل بالنسبة إلى الإقبال على الأدب منطقةً متميّزةً. والقرّاء التونسيّون كثيرون، حتى إنّني أعتقد أنّ عددهم يزيد على أيّ بلد عربي آخر، ولاسيّما في هذه الفترة. وهذا ما نلاحظه إجمالاً من معارض الكتاب التي تقام في تونس: فالإقبال عليها كبير، ولاسيّما على دار الآداب التي بدأتْ تهتمّ اهتمامًا خاصّاً بالإنتاج التونسي الحديث. ونحن نَفعل ذلك من غير منّة لأنّ المواهب التونسية كثيرة، ونعتزّ بأنّنا نُصْدر بين الفينة والفينة إبداعاتِ الكتّاب التونسيين، ومستمرّون في هذه الخطّة، وكلُّ ما يأتينا من تونس يحظى لدينا باهتمامٍ خاصّ يستحقّه هذا الإبداعُ التونسي الحديث.
- شكرًا يا دكتور على هذه الأحاسيس العميقة التي تؤكّد لنا اهتمامَكَ بالأدب في تونس وفي المغرب العربي بصفة عامّة، وبمدى اهتماماتك في هذا المجال منذ أن كنتَ في باريس. ولكنْ، رغم ذلك، فإنّنا في تونس نَتَّهم المشارقةَ بأنّهم لا يَعْرفون عن الأدب العربي في تونس، أو في المغرب العربي بصفة عامّة، مثلَ ما يعرفه التونسيّون والمغاربةُ عن أدباء المشرق العربي. فما هو الخللُ في رأيك؟ وكيف يمكن أن نعالج هذا الخلل الذي أحسستُه أنا شخصيّاً من خلال ترحالي على مدى سنوات عديدة في المشرق العربي؟
+ أعتقد أنّ في هذا التشخيص شيئًا من المبالغة. فلا بدّ من أن نَذْكر أنّ الأديب نفسه هو الذي يَفْرض ذاتَه على القرّاء. وحين يستطيع الأديبُ التونسي أن يَفرض نفسَه، وقد بدأ منذ فترة بذلك، فإنّه سيمتنع عن مثل هذه الشكوى.
نحن مفتوحو الصدور لكلّ إنتاج متميّز. وربما كان الإبداعُ التونسي أحدثَ عهدًا من الإبداع المصري مثلاً، إنّما لا يَنْقص الإبداعَ التونسي شيءٌ حتى يكون في طليعة موكب المبدعين العرب. فهناك شعراء، وهناك روائيّون وقصّاصون، وهناك دارسون متميّزون، من تونس. ولا أعتقد أنّ هناك "تخطيطًا" معيّنًا في المشرق للإهمال أو للاضطهاد. فهناك بعضُ جهاتٍ تتميّز على البعض الآخر لفترة من الزمن، فتَفْرض نفسَها على الآخرين، كما حَدَثَ للكتّاب المصريين مثلاً؛ ولكن استطاع بعضُ الكتّاب اللبنانيين والسوريين والمشرقيين الآخرين أن يَخرقوا هذا "التسلّط" إذا صحّ التعبير، وأن يَبرزوا في الحياة الثقافية، أمثال جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ومارون عبّود في لبنان؛ وفي سوريا عدد كبير من الشعراء لا ضرورة لأن نذكر أسماءهم، وقد استطاعوا أن يعطوا للأدب السوري هذه الميزة في الحياة الثقافية. وآمل أن تزول هذه الشكوى المبالَغُ فيها مع مزيدٍ من الإنتاج والإبداع الذي يُصْدره الكتّابُ التونسيّون.
- صحيح أنّه ليس هناك عدمُ اهتمام مقصود بالأدب التونسي. ولكنْ أعتقد أنّ الكتاب التونسي لا يصل إلى المشرق العربي مثلما يصلنا الكتابُ المشرقي. هناك خللٌ ما. فما هو الخلل الذي تراه، ليس بوصفك صاحب مجلّة الآداب فقط، وإنّما صاحبَ دارٍ للنشر أيضًا؟
+ هذا يعود إلى اهتمام شركات التوزيع في إيصال الكتاب المغربي إلى المشرق. وقد لاحظتُ في السنوات الأخيرة أنّ بعض كتب المغاربة تصل إلى لبنان وتباع. ولكنْ يجب أن لا ننسى أنّ لبنان مثلاً بذل جهودًا كبيرةً في ميدان التوزيع، ولذلك يأتي الآن عدد من الكتّاب العرب من مختلف المناطق ليَنشروا إنتاجَهم في ببيروت حرصًا منهم على أن يوزَّع كتابُهم توزيعًا أوسَع في البلدان العربية. المسألة ليست بهذه الصعوبة، وبفضل المؤتمرات واللقاءات والمبادلات تزول هذه الغربةُ إنْ صحّ أن نسمّيها كذلك. ويبقى أنّ التواصل هو الشيء الأساسي في حياتنا الثقافية.
- بالنسبة إلى جائزة نوبل، فقد أُسندتْ إلى القصّاص المصري المعروف نجيب محفوظ، وهذا شرفٌ للأدب العربي بلا شكّ. فلو سُئلتَ يا دكتور عمّن ترشِّح بعد ذلك لجائزة نوبل من العرب، فماذا تقول؟
+ لا أريد أن أعطي لظاهرة جائزة نوبل أهمّيةً أكثر َممّا تتحمّلها هذه الجائزة. فنحن نعرف أنّ وراءها جهودًا كثيرةً قد لا تكون مرتبطةً بالفنّ وحده ومن أجل الفنّ وحده، إذ إنّ هناك تأثيرات كثيرة صهيونية أخّرتْ حتى الآن منحَ هذه الجائزة لكاتب عربيّ. وأذكر أنّني رشّحتُ الروائي السوري المعروف حنّا مينة، وقد سبقتُ الدكتور طه حسين الذي رشّح فيما بعد هذا الكاتبَ نفسَه. ولا شكّ أنّ هناك كتّابًا وشعراء آخرين يستحقّون هذه الجائزة. وقد برز في السنوات الأخيرة شاعرٌ كبيرٌ رُشّح لها أكثرَ من مرّة وزُوحم عليها، وهو الشاعر أدونيس؛ فهو أيضًا من الذين يستحقّونها... هو ومحمود المسعدي ومحمود درويش وآخرون.

ايوب صابر 03-20-2012 10:03 AM

تابع،،،حوار مع سهيل ادريس

- على ذِكْر الشعر، نلاحظ أنّ ألوانًا جديدة من الشعر الحديث ظهرتْ في الساحة الثقافية، سواء في الشكل أو المضمون. وأحيانًا يُدْخلنا هذا النوعُ في عالمٍ ضبابيّ من المتاهات. ولقد حَضَرْنا معًا أمسيةً شعريةً استمعنا فيها إلى الشاعر المغربي محمد بنّيس، وأنا شخصيّاً لم أفهمْ شيئًا ممّا كان يقوله من الشعر. فما هو رأيكَ في هذه القضية؟
+ صحيحٌ ما ذكرتَ من أنّه كان من الصعب أن يُفهم ما قاله الشاعر محمد بنّيس في تلك الأمسية الشعرية. وهذا في رأيي يعود إلى شيء أساس. محمد بنّيس شاعرٌ من دون ريب. وما قرأه هو من شعر التفعيلة، أيْ ليس ممّا يسمّى اليومَ "قصيدةَ النثر." ونحن من الذين يؤيّدون ويباركون شعرَ التفعيلة، وقد فَسَحْنا لها المجالَ منذ الأعداد الأولى من مجلّة الآداب، وأعتقد أنّها التطوّر الطبيعي للشعر العربي بعد العهد الأندلسي. ولكنّ مشكلة هذا الشعر الجديد أنّه ليس كالشعر العمودي، للاستماع؛ وإنّما هو للقراءة. الشعر العمودي تَسْمعه، فيأخذكَ بعموديّته ووزنه وإيقاعه وقوافيه، فتتحمّس له، وتدركه بأسهلَ ممّا تدرك الشعرَ العربيَّ الحديث أو شعرَ التفعيلة. هذا من ناحية الشكل. ولكنْ من ناحية الاستماع والإقبال عليه باعتباره جديدًا في الفكر أيضًا، فإنّه لا بدّ من أن يُقرأ أكثرَ من مرّةٍ ليُفْهم.
- هل لأنّه مغرِقٌ في الرمزية؟
+ الرمز صفة لا تنحصر فقط في شعر التفعيلة، بل يمكن أن تقال عن كلّ أنواع الشعر. على أنّني أؤيّد تمامًا القولَ بأنّ كثيرًا من الذين يدّعون أنّهم شعراء أصبحوا يستسهلون الشعرَ، ويَكْتبون أيَّ كلامٍ ويقولون إنّه شعر. وأكثرُ ما يتجنّون به على الشعر هو أنّهم يَفْتكون فيه بالموسيقى، ويَفْتكون فيه بالإيقاع. أنا لا أفهم أبدًا أن يُنتزعَ من مقوّمات الشعر العربي هذا المقوِّمُ الأساسي، مقوّمُ الموسيقى، أيّاً كانت الحُجّة. وربما يحدّثكَ بعضُ هؤلاء عن أنّ لقصيدة النثر موسيقاها الخاصّةَ، أيْ ما يَدْعونه "الموسيقى الداخليّة" أو "الإيقاعَ الداخلي." وأعتقد أنّ هذه فكاهةٌ أكثر ممّا هي حقيقة. على أنّنا لا ننفي أنّه قد يكون في بعض هذا الإنتاج الحديث ممّا يُطْلق عليه "قصيدةُ نثر" شيءٌ من القيمة الجمالية. ولكنّ اعتراضنا هو على تسميته "شعرًا." فنحن نفضّل أن يبقى تحت تسميةٍ عامّة، مثل "نصوص فنية جميلة" لأنّ النصّ يمكن أن يكون جميلاً جدّاً من دون أن يكون شعرًا؛ وربما تكون فيه شاعريّة، ولكنْ ليس من الضروري أن يكون شعرًا. ذلك أنّ هناك فرقًا بين الشعرية والشعر: فاليوم توجد رواياتٌ كثيرةٌ حديثة تتميّز بالشعرية، فهل يمكن أن نقول إنّ هذه الرواية شعر؟ ينبغي أن تبقى هذه الحدودُ أو الشروطُ قائمةً لكي لا يصبح هناك خلطٌ في المفاهيم وفي التعريفات.
نحن في مجلّة الآداب نَنْشر بعضَ هذه النصوص ونرحّب بها، ولكنّنا نرفض أن نسمّيها "شعرًا،" لأنّ الشعرَ شعر، والنثرَ نثر، ولا يمكن للشعر أن يكون نثرًا، ولا للنثر أن يكون شعرًا!
- إذن، يا دكتور سهيل إدريس، ما هو تعريفُكَ للشعر؟
+ أنا لا أجد أيَّ مانعٍ في أن أتبنّى التعريفَ القديمَ للشعر مع شيء من الفويْرقات، إذا صحّ التعبير. الشعر هو الإنتاج الموزون، أي الذي فيه وزنٌ يوفِّر لنا إيقاعًا وموسيقى. ولكنّني لستُ من الذين يتشبّثون بـ "المقفّى" في قولهم "الشعر الموزون المقفّى"؛ ذلك لأنّ القوافي الآن تتنوّع، وربما تكون في قصيدة واحدة عدّةُ قوافٍ، وهذا من تطوير الشعر الذي لا يضرّ في كينونته ولا في تطوّره. فالحال أنّ القافية ليست دائمًا، في الحقيقة، عنصرًا إيجابيّاً في القصيدة العمودية، كأنْ تُنْشد قصيدةً من أربعين بيتًا تكون قافيتُها موحّدة. إنّ هذا في الحقيقة يولِّد المللَ والضجرَ، وربما يكون فيه نوعٌ من "الطُبوليّة" إذا صحّ التعبير، أي "الطُبوليّة" الجوفاء التي تأخذنا برتابتها.
- لقد شاركتم في معارض كثيرة للكِتاب في العالم العربي، وأسهمتم إسهامًا مشرِّفًا وبارزًا في مجال التعريف بالكِتاب بكلّ أنواعه. فهل تعتقد أنّ الشعر مازال رائجًا كما كان في الزمان القديم باعتباره "ديوانَ العرب،" أمْ أنّه تزحزح عن موقعه لتصبح "الروايةُ هي ديوان العرب" كما يقول البعض؟
ـ يجب أن نعترف بأنّ الشعر على صعيد الإقبال هو الآن إلى انحسار. وأعني أنّ الشعراء الذين يبقون في نطاق التجاوب مع الجمهور العربي أصبحوا قليلين. ولمّا كانت دُورُ النشر تعاني معاناةً شديدةً من نشر الشعر، فإنّني لا أجد أكثرَ من دارٍ أو داريْن تهتمّان بنشر الشعر، وعلى نطاق ضيّق أيضّا.
نحن مثلاً نُصْدر كلَّ عام في دار الآداب ثلاثةَ دواوين من الشعر أو أربعة، للشعراء المحْدثين الشباب، لا يزيد إصدارُ الواحد منها عن ألفيْ نسخة، وتبقى مع ذلك خمسَ سنوات أو سبعًا قبل أن تَنْفد كلّيّاً. وهذا يدلّ على أزمة القراءة الشعرية على أقلّ تقدير. ولا يُستثنى من ذلك تقريبًا إلاّ شاعرٌ أو شاعران أو ثلاثة من الذين لم يخفَّ الإقبالُ عليهم، بل لعلّه يزداد؛ وعلى رأس هؤلاء: الشاعر العربي المعروف نزار قبّاني، ويليه أدونيس ومحمود درويش. على أنّ الفارق بين قبّاني والآخرين فارق كبير من حيث النشر والتوزيع.
الذي نعرفه أيضًا أنّ الشعر في العالم كلِّه يعاني هذه الأزمةَ. ربما كانت نتيجة هذه القضية أو سببها ما يُعلن اليومَ من أنّ الرواية حلّت محلَّ الشعر. وإذا كنّا في السابق نقول إنّ "الشعر ديوان العرب" فإنّ بعض النقّاد اليوم، وبعضَ الروائيين، ومنهم حنّا مينة نفسُه، يقولون إنّ "الرواية ديوان العرب" على أساس أنّ الرواية تستطيع أن تستوعب من الشاعرية ما يُغْني عن قول الشعر. بل إنّ بعضَ كبار الشعراء في العالم تحوّلوا من كتابة الشعر إلى كتابة الرواية، كما كان سارتر تحوَّلَ مثلاً من كتابة الفلسفة إلى كتابة الرواية لأنّه استطاع أن يُضمِّنَ روايتَه كلَّ فلسفته.
فهل هذه الأزمة تعني أنّ الشعر قد مات؟ لا أعتقد ذلك. لن يموت الشعرُ مادام في الحياة حبٌّ وعواطفُ إنسانية وإشراقُ شمسٍ وإضاءةُ قمر. وجميعُ هذه الأشياء التي كنّا نسمّيها "رومانسية" تعود الآن لأنّ "الواقعية" تتخبّط في دماءٍ كثيرةٍ، لن يُنقذَها منها إلاّ العودةُ إلى الينابيع. والشعرُ هو من "الينابيع."
- د. سهيل هل تستطيب ترديدَ أغنيةٍ ما؟ وهل هذه الأغنية ترتبط بقصّة حبّ؟ وهل ضمّتْ إحدى قصصكَ أو رواياتك قصّةَ حبٍّ ما؟
ـ بالنسبة إلى الغناء، أنا أتمتّع في أوقاتي الخاصّة ببعض أغاني محمد عبد الوهّاب القديمة وأمّ كلثوم ورياض السنباطي... وطبعًا فيروز. وربما كان لي صوتٌ ظَنَّ والدي أنّه جديرٌ بأن يوظّفه في إقامة الأذان؛ فأنا أنتمي إلى عائلة دينية، وظَنُّ والدي يكفي لكي يُدْرجني في المشيخة أو في الزيّ الديني ـ وهو ما تحدّثتُ عنه في روايتي الخندق الغميق. ولكنّي أعترف هنا، ولا بأس من ذلك مادمنا دخلْنا بعضَ المناطق الحميمة من الحياة، بأنّني وَظّفتُ أيضًا هذا الصوتَ في استمالة فتاةٍ أحببتُها، وكان لديها نوعٌ من التحفّظ تجاهي. فحين غنّيتُ لها لاحظتُ تغيُّرًا في موقفها، واستسلمتْ لهذا الحبّ الذي كنتُ أظنّ أنّها تبادلني إيّاه. وأظنّ أنّ هذه الأغنية كانت "الجندول" لمحمد عبد الوهّاب.
ومادمنا أيضًا في موضوع الحبّ، فقد سبق لي أن رويتُ قصّةً حدثتْ لي، وهي متعلّقة برواية الحيّ اللاتيني. فهذه الرواية حين صدرتْ، كما تعرف، أثارت ضجّةً في الوسط الأدبي ومناقشاتٍ مطوّلةً، وبثّتْ في نفسي نوعًا من الغرور، حتى اعتقدتُ أنّني قُذفتُ إلى الخلود بسببها! وذاتَ يوم كنتُ في إحدى الجلسات الأدبية فتعرّفتُ بفتاةٍ قالت إنّها قرأت الحيّ اللاتيني، فسألتُها بنوع من الكبرياء: "وهل أعجبتكِ الرواية؟" قَلَبَتْ شفتيْها قائلةً: "لا... لم تعجبني!" استغربتُ هذا الموقف طبعًا، واستخففتُ بهذه الفتاة التي لا تريد أن تعترف بالشهادات التي كَتَبها النقّادُ والكتّاب، وأرادت أن تعارض "الرأيَ العامَّ الأدبي" إذا صحّ التعبير. فقلتُ لها: "أخشى أنّك لم تقرئي الروايةَ قراءةً متمعّنة، ومعمّقة، فأنصحُكِ بأن تعيدي قراءتها." قالت: "أنتَ أستاذ، وسآخذ بنصيحتك."
وبعد فترة التقيتُ بها ثانيةً، فقالت لي: "قرأتُ الكتابَ مرّةً ثانية." قلتُ لها: "أرجو أن تكوني قد غيّرتِ رأيكِ." قالت: "نعم... غيّرتُه... ولكنْ إلى أسوأ. فهذه المرّة درستُ الروايةَ دراسةً ناقدة، فوجدتُ أنّكَ تشوِّه فيها الفتاةَ الشرقيّة وتمتدح الفتاةَ الغربية." وأخذتْ تتكلّم ويرتفع صوتُها، فتجمّع حولنا بعضُ الحاضرين يتساءلون مَنْ هذه الفتاةُ الوقحة التي تتصدّى للدكتور سهيل إدريس صاحبِ الحيّ اللاتيني. وبقيتْ تتكلّم بهذا الحماس، الأمرُ الذي جعلني أتساءل: كيف السبيلُ إلى إسكات هذه الفتاة أمام كلّ هؤلاء الناس؟ فأجبتُ نفسي: إنّ أفضلَ طريقةٍ لإسكات هذه الفتاة هي أن أتزوّجها.
وهذا هو الذي حصل، وتزوّجتُ عائدة مطرجي. ولكنّها لم تسكتْ، بل أنا الذي سكتُّ فيما بعد!
- الكاتبُ الناقدُ جورج أَزْوَط في كتابه سهيل إدريس في قصصه ومواقفه يتّهمك بالطائفية في قصصك، وخاصّةً "رحماك يا دمشق" المستوحاة من أحداث انفصال سوريا عن مصر ضدّ الوحدة؛ وكذلك في الحيّ اللاتيني، لأنّك صوّرتَ الفئةَ المسيحيةَ (كنصري وجورج وأنطوان) بعيدةً عن العمل القومي الثوري، بينما صوّرتَ الآخرين (كربيع وعدنان وأحمد) يبحثون في قضايا التحرّر والثورة العربية. فما هو ردّكَ على هذه التهمة، ولو أنّني لا أعتقد كذلك؟
+ إنّ ما ذكرتَه نصٌّ في كتاب أزوط الذي نشرتُه أنا شخصيّاً، وأردتُ أن أبقيَه على ما هو عليه. ولكنّي ناقشتُ المؤلِّفَ ـ رحمه الله ـ في هذا، وأنكرتُ أن تكون التسمياتُ التي أطلقتُها على بعض هؤلاء الأبطال ذاتَ مغزًى سياسي أو طائفي. فأنا أعرف أنّ كثيرين من الذين تحدّثتُ عنهم في رواياتي، وعلى سبيل المثال "فؤاد" في رواية الحيّ اللاتيني، كانوا مسيحيين ولكنّهم كانوا من معتنقي الفكر القومي إلى أبعد الحدود. وقد كان لفؤاد تأثير في بطل الرواية نفسه. إذن أعتقد أنّ في هذه التهمة شيئًا من التجنّي. وأنا لم أُعرفْ في سلوكي العامّ بأنّني طائفي، بل إنّ قوميّتي تَحُول دون أن أكون طائفيّاً.
- د. سهيل، قد يبدأ الإنسانُ في حياته شاعرًا، وخاصّةً إذا عاش قصّةَ حبّ. فهل بدأتَ شاعرًا قبل أن تكون قصّاصًا وروائيّاً؟ وهل حاولتَ الشعرَ؟
ـ نعم... حاولتُ الشعر فيما كنتُ أكتبُ القصّةَ والنقد. وربما كان هناك شيءٌ طريفٌ في هذا المجال، وهو أنّه كان لي صديقٌ سوري اسمُه عبد الغني العطري يُصْدر مجلّةً أسبوعيةً في دمشق كان اسمُها الصباح على ما أذكر. وكنتُ أوافيه ببعض إنتاجي، فيهتمّ بهذا الإنتاج وينشره في مكان ممتاز من المجلّة. إلى أن أخذني الغرورُ نفسُه يومًا ما، فحاولتُ كتابةَ قصيدةٍ أرسلتُها إليه، فكان احتفالُه بها أكبرَ من احتفاله بسائر إنتاجي، إذ نشرها في الصفحة الأولى مقدِّمًا لها بقوله: "وهذا وجهٌ جديدٌ يَطْلع به علينا سهيل إدريس الكاتبُ القصّاص." وأعتقد أنّه في ذلك كان يَحُوك لي مؤامرةً، بدليل أنّه في العدد التالي، وما بعده، نَشَرَ مقالاتٍ وتعليقاتٍ وردودًا على قصيدتي هذه، وكلُّها تسفِّهُها وتنتقدها انتقادًا مرّاً، الأمرُ الذي جعلني بعد ذلك أتوب عن قول الشعر وأنصرفُ إلى الإنتاج الإبداعي الآخر الذي هو القصّة والرواية!
أمّا مطلعُ القصيدة فأقول فيه: "حيران هائم يا دهر، ما لَكَ تَظْلمُ/قلبي الحزينَ وتَكْلمُ/يا دهرُ إنّي أَعْلمُ..." إذنْ، بعد ذلك، مررتُ بفترة من النقد الذاتي، فسكتُّ عن قول الشعر. وهذا ما قد يعزّ على كثيرٍ من الذين ينبغي عليهم أن يَصْمتوا عن قول الشعر أيضًا!
- بالنسبة إلى النقد، هل تعتقد أنّ النقد العربي بلغ المستوى المطلوب؟
+ ربما كان من الواضح أنّ النقد العربي قد انحسر في العقدين الماضييْن، بمعنى أنّنا كَفَفْنا عن أن نجد ما كنّا نجده في نقّادنا القدامى من الجهد وروح المعاناة و"الاستصعاب" (إذا صحّ التعبير)، مقابل كلمة "الاستسهال" التي هي الميزةُ الأساسيةُ في كثيرٍ ممّا يُنشر اليومَ من نقد. إنّه نقد خفيف... سهل.. لا يَعتمد الأسسَ العلميةَ والموضوعيةَ، بل يستهين بالكِتاب المنقود. وأَذْكر أن بعض النقّاد المعروفين سابقًا قد كفّوا اليومَ عن أن يَكْتبوا كما كانوا يكتبون، وربما كان ذلك بفضل بعض المجلاّت التي ترفض نشرَ دراساتٍ معمّقةٍ ومطوّلةٍ وتدّعي أنّ صفحاتها لا تتّسع لذلك.
إذن، هذا النقد هو الآن في أزمة، ولا بدّ من أن نستعيدَ له الوعيَ والعمقَ اللذين كنّا نحسّهما في كتابات النقّاد الأوائل، أمثال أنور المعدّاوي وعبد القادر القطّ وغالي شكري وصبري حافظ. لا بدّ من أن نسترجع مثل هذه الأصوات، وأن يعي النقّادُ المحْدثون دورَهم في تطوير الإبداع الأدبي الحديث.

- من حين لآخر تهوي بعضُ النجوم من سماء الفكر. هل تعلِّق أملاً على الجيل الجديد في أن يَحْمل الرسالةَ وأن يعوّض مَنْ يختفي عن الساحة من العمالقة؟
+ الحقيقة أنّ هناك اليوم أساليبَ في إغراء الكتّاب لكي يستسهلوا الكتابة، وهذا مرتبطٌ بالسؤال السابق.
إنّ الكاتب العملاق هو الذي يَبْذل أكثرَ ما يستطيع من جهد ليتجاوز نفسَه، ويتجاوزَ طاقاته، فيبرز إذّاك كائنًا يعي مسؤوليةً كبيرةً في الكتابة. هكذا كان عمالقةُ الأدب العربي الحديث، أمثال طه حسين وعبّاس محمود العقّاد وميخائيل نعيمة وسواهم. وكثيرٌ منهم لم يكونوا يسألون على الإطلاق تعويضًا مادّيّاً عن هذه الأعمال العظيمة التي كانوا يقومون بها. ولم يكونوا يتّخذون الأدبَ وسيلةً واحدةً للرزق، بل كانوا يستجيبون لدوافعَ نفسيةٍ: فلقد كانوا ملتزمين بالكتابة من غير أن يُلْزِمهم أحدٌ إلاّ ضميرُهم ووعيُهم.
نحن اليومَ في عهدٍ تُشترى فيه الأقلامُ والضمائرُ والذِّمم، ولذلك نجد هبوطًا وانحدارًا في المعايير وفي الإنتاج. أخشى على الأقلام العربية كلِّها أن تَغْرق (ولأقلْها بصراحة) في هذا المنحدر البترودولاري الذي ربما كانت له خطّةٌ في أن يُسْكت الأصواتَ أو يصرفَها عن الأمور الجادّة، وعن الأدب الرفيع، ليتاحَ للسلطات أن تَفْرض سياستَها على الشارع وعلى الجماهير من غير أن تكون هناك أصواتٌ معارضةٌ لها.
هناك مؤامرةُ تحاك ضدّ الفكر العربي، وليس بعيدًا أن يكون مشاركًا فيها جماعةُ "النظام العالمي الجديد" الذي يراد فرضُه على ضمائرنا بسبب هزيمةٍ تعرّضْنا لها. وينبغي أن يتنبّه لهذا، بالدرجة الأولى، المثقّفون الواعون والمسؤولون.
- كلام كثير يردّدونه عن الحداثة وعن مواكبة العصر. فما هو رأيكَ في ما يردّدون؟
+ في الحقيقة نحن نفضّل دائمًا أن يُنتج المبدعُ شيئًا حديثًا لا أن يتحدّث عن الحداثة. أعطونا إنتاجًا نَحْكم عليه فيما بعد، بدل أن نطالِبَ ليلاً نهارًا بأن نكون حداثويين وما بعد حداثويين وما إلى ذلك من الاصطلاحات المقتبسة من غيرِ أجوائنا ومن غيرِ أرضنا. وإنّما نحن نطالب بالعمل، لا بالكلام والتعريف.
- يتحدّثون كثيرًا هذه الأيّام عن الهويّة، وكأنّ الأمّة العربية لم تَكتشفْ بعدُ هويّتَها، أو كأنّها مازالت تتحسّس الطريق. ولعلّها قضية مختلقة لمجرّد التلهية وتشغيل عقولنا بقضايا أعتقدُ أنّ التاريخ قد بَتَّ فيها منذ زمن.
+ أعتقد أنّ من قوانين التاريخ أن يحاول الإنسانُ، إذا ما تعرّض لنكسات في حياته أو لتدمير بعض طاقاته، أن يعودَ إلى الصفر، وأن يحاول أن يبحث عن السبب الذي من أجله وَصَلَ إلى ما وصل إليه. وأنا أُدرج هذا التيّارَ الجديدَ، في التكلّم على الهويّة، في هذا النطاق. فنحن نبحث الآن فعلاً، ولم نُفِقْ بعدُ من الضربات المتتالية التي تَعرّضْنا لها في سنواتنا الأخيرة. إنّنا نبحث عن ذاتنا مرّةً أخرى لنُجوهِرَها، ونخرجَ بها إلى حيّزٍ تستطيع أن تكون فيه فاعلةً من أجل التطوّر والتغيّر وتجاوُزِ الواقع المؤلم. فلا ضير في أن نقوم بمثل هذا البحث بين فترة وأخرى، لأنّه يعرِّفنا بذاتنا أكثر. وربما كان في ذلك دفعٌ لنا لتدارُكِ ما فاتنا، ولمحاولة الخروج من المآزق التي يأخذ بعضُها برقاب بعضٍ وتضعنا في حالةٍ من الإحباطِ نبحث فيها عن ثغرةٍ من الأمل.
- ما مدى مسؤوليّة المثقّف العربي عمّا يجري في الساحة العربية من معاناةٍ ومآس؟
+ لا شكّ في أنّ للمثقّف العربي مسؤوليةً ما في ما نعانيه اليوم، ولكنّنا لا نستطيع أن نتّهمه بأنّه هو وحده المسؤول. يكون وحدَه مسؤولاً فعلاً إذا كان متاحًا له أن يتكلّم بحرّية، ولكنّ المثقف العربي الآن لا يتكلّم بحريّة؛ بل قد يساعد أحيانًا في أن تُفرض عليه القيودُ، بدل أن يعملَ على تحرير نفسه منها. فهو في كثير من الأحيان يَخْضع وينساق مع السلطة. وأنا أودّ هنا أن أتّهم كثيرًا من أصحاب الأقلام بأنّهم يهادنون السلطة بغير ما دافعٍ للمهادنة، إيثارًا للعافية، أو تخلّيًا عمّا قد يجدون فيه من جهد من أجل الإنتاج والإبداع الحقيقي. أقصد أنّ هناك جهات تريد أن تشتري الأقلامَ، ولكنّ هذه الأقلامَ مستعدّةٌ في كثير من الأحيان لبيع نفسها. هنا مسؤولية المثقّف في تغييبه الوعيَ الذي يجب أن يتزوّد به من أجل أن يلتزم بعمله وبحقيقته. ونحن من الذين يعتقدون أنّ الأديب مُعارِضٌ أبديٌّ للسلطة، وينبغي أن يتحمّل هذه المسؤولية، ومن دونها لن يكون هناك تقدّمٌ ولا تطوّرٌ للمجتمع.

- مثلُكَ الأعلى في الحياة؟
+ ليس هناك مثلٌ أعلى واحد، بل مُثُلٌ كثيرة. ولكنّني، ككاتب، أرى أنّ الـمَثَلَ الأعلى للكاتب هو أن يَجمعَ الإبداعَ إلى صدقِ الحياة والسلوك. ذلك لأنّني أعتقد أنّ المبدع، إذا كان خاليًا من الأخلاق، فإنّ إبداعه نفسَه موضعُ شكّ.
- لو لم تكن قصّاصًا وأديبًا.. فماذا تريد أن تكون؟
+ ... قصّاصًا وأديبًا.
- في نهاية هذا اللقاء نستغلّ هذه الفرصة، يا دكتور سهيل، لتقدّم نصيحةً أدبيةً إلى الأدباء الناشئين. فبماذا تنصح؟
+ لا أحبّ النصائحَ كثيرًا، وإنّما أَذْكر أنّني جاهدتُ طويلاً لكي يُنْشر لي في الصحف والمجلات التي فَتَحَتْ لي صفحاتها فيما بعد. ينبغي أن لا يشعر الأدباء الناشئون بأيّ إحباط، وأن لا يمتنعوا عن الاستمرار في الإنتاج إذا صادفتْهم بعضُ العقبات الأولى. فالاستمرار والمثابرة هما طريقُ النجاح في الحياة..
تونس
المقالة منشورة في مجلة الآداب, 7-9 / 2008

ايوب صابر 03-20-2012 10:04 AM

سهيل إدريس: لم أقصد أن أكون دون جوان
صاحب مجلة الآداب لـ «الشرق الاوسط»: مذكراتي أثارتالكثيرين ومنهم أفراد أسرتي وسأستمر في فضح النفاق
بيروت: سوسن الأبطح
اثارت مذكرات د. سهيل ادريس «ذكريات في الادب والحب» التي صدرت مؤخراً عن «دار الآداب» ردود فعل متباينة، وذلك بسبب جرأتها التي مسّت «عدة حساسيات محافظة». وقد فتحت هذه المذكرات الباب واسعاً امام السؤال حول جدوى كتابة السيرة ان لم تكن اعترافية ومشحونة بالبوح والتحدي. فبعد رواية «الحي اللاتيني» ورواية «الخندق العميق» ومجموعات قصية ثلاث توقف سهيل ادريس عن الكتابة الابداعية عام 1973، لكنه بقي حاضراً من خلال مجلته «الآداب» ومنشورات «دار الآداب» ومواقفه على الساحة الثقافية. وان كان ادب سهيل ادريس قد شكل محطة بارزة، وكتاباته النقدية حركت وجداناً راكداً، وترجماته المنتقاة قدمت خدمة جليلة للثقافة العربية، فإن أقل ما يقال في مذكراته ـ كما تبدو في جزئها الاول ـ انها مليئة بالصدق والمكاشفة. عن مسار سهيل إدريس، وتجربته الغنية، ومذكراته كان هذا الحوار:

* تشرح في سيرتك كم عانيت لتطليق الجبة والعمامة والانصراف الى الادب حيث كتبت روايات وقصصاً لاقت صدى واسعاً منذ الخمسينات. انما تبقى المفارقة الغريبة في إهمالك الكتابة، بعد ذلك، في سبيل مجلة «الآداب» و»دار الآداب» هل انت نادم اليوم، لانك اخترت هذا الطريق؟
ـ هذا صحيح، لكنني لم اتخل يوماً عن الهمّ الادبي. فقد كان هو الذي يستغرقني ويسكنني، انما اضافة الى هذا الهم ومنبثقاً عنه، كان عملي في المجلة. نعم ضحّيت بكتابتي الخاصة من اجل ان اقدِّم للأدب العربي مواهب ابداعية كثيرة في المجلة ومنشورات «الآداب». لكن بقي الحرف شاغلي الاول والاخير. وقد يكون انصرافي الى انتاج الآخرين نوعاً من التعويض عما لم استطع شخصياً ان اقوم به.
* لم تندم على خيارك رغم ان مجلة «الآداب» كانت مهددة بالاغلاق العام الماضي، وحال النشر ليست على ما يرام؟
ـ اذا كان لي ان اختار من جديد فلن اختار شيئاً غير الكتابة، وان اكون صاحب مجلة «الآداب» ومشرفاً على «دار الآداب». ثم انني ورغم ما مرّت به المجلة من ازمات لا استطيع ان اتخيل حياتي من دونها. انها كواحد من اولادي، لذلك لن اسمح بأن تتوقف ما دمت حياً. واعتقد اننا استفدنا من الخمسين سنة الاولى التي مرّت لتحسينها وتطويرها. وهو ما يقوم به ابني د. سماح منذ تسلمها.
الفوران القومي
* عايشت مرحلة فوران القومية العربية، وها نحن نراها تهزم في عقر دارها، وقد حملت «الآداب» هذا الهم القومي وما زالت، فكيف تنظر الى هذه الهزيمة، اين الخطأ؟ وماذا فعل جيلك بنا؟
ـ طبعاً عشنا في النصف الاول من القرن الماضي مجموعة من الهزائم، لا بسبب اعتناقنا للفكر القومي، وانما لسوء تطبيق هذا الفكر. ولا مبرر على الاطلاق للتخلي عن المبدأ الذي نعتقد ان لا خلاص من دونه. القومية التي تسعى الى الوحدة، هي منقذنا لانها تعالج جميع الآفات التي نخرت الكيان العربي طوال هذه الفترة، والمفارقة العجيبة ان الوحدة هي التي تسوس الامم الغربية بينما نحن نزداد تشرذماً وسعياً وراء مصالح خاصة، وحفاظاً على الكراسي، واهمال الهدف البعيد الذي يستطيع ان يوصلنا الى شاطىء الامان. جيلي هو الذي شهد الاشواق العربية تتحقق وان شابها تكالب الاستعمار طمعاً في الاستيلاء على خيرات الامة.
* تتحدث عن الاستعمار بينما كنت من اشد المعجبين بالحضارة الغربية في تلك المرحلة بشهادة روايتك «الحي اللاتيني»؟
ـ حين نستفيد او نفيد من الحضارة الغربية التي لذنا بها فإنما نسترد بعض حقوقنا عليها، لاننا لا نستطيع ان ننسى ما قدمته الحضارة العربية في القرون الوسطى للمجتمع العالمي، فليس لهم ان يمنّوا علينا بذلك، وان كانوا قد سبقونا بالتكنولوجيا، فلأنهم استفادوا كثيراً من خيراتنا ليطوروا انفسهم، بينما كنا نخسر وهم يربحون.
الوجودية والماركسية
* لماذا اعجبت بسارتر، تحديداً، دون غيره، بحيث انك ترجمته ونشرته؟
ـ اتيت الى سارتر من باب الوضع الجزائري، فسارتر لم يكن وجودياً فقط وانما كان يحمل فكر نضال تاريخي. لقد وقف من حضارته الفرنسية موقفاً نقدياً حين ادان الاستعمار الفرنسي في الجزائر. وهو ما جذبنا اليه اول المطاف، ثم عكفنا على دراسته، فاكتشفنا في الفلسفة الوجودية محورين هامين نحتاج اليهما في نهضتنا الحديثة، وهما: الحرية والمسؤولية. كان هناك محور ثالث في الفكر الوجودي هو محور الالحاد، لكن هذا المحور لم نأخذ به، لأنه كان يتناقض مع ايماننا وتقاليدنا، وسيرورة حضارتنا التي تعترف بضرورة الفكر الاسلامي في قيام الدعوة العروبية. من اجل ذلك، وجدت ان نتبنى اول خروجنا الى الحياة الفكرية المذهب الوجودي، دون ان نهمل المذاهب الاخرى. فمنشورات «الآداب» هي في الوقت نفسه، تؤمن بالفكر القومي ولا ترى فيه تناقضاً مع الفكر الوجودي في اول عهده، ولا تناقضاً مع الفكر اليساري. وقد أفدنا فائدة كبرى من الفكر اليساري والماركسي. ووقفنا في الواقع موقفاً نقدياً من كل هذه المذاهب، واردنا ان نستفيد منها كلها دون تغليب شيء على شيء آخر. لهذا انتقدنا الوجودية في مرحلة من المراحل كما انتقدنا الفكر الماركسي محاولين ان نجد للفكر العربي كيانه وماهيته، ولم نتراجع عن هذا طوال خمسين عاماً من حياة دارنا.
اتهامات اليساريين العرب
* هذا كلام جديد، لانكم اتهمتهم بالرجعية من قبل اليساريين، وصنفتم طوال تلك السنين مع الليبراليين والرأسماليين؟
ـ لا يكفي ان يتهمنا انسان بتهمة ما حتى تكون صحيحة. واعتقد ان اليساريين انفسهم والشيوعيين قد احسوا بالخطأ الذي ارتكبوه تجاهنا وتراجعوا عنه، وهم لا يعتبرون مجلة «الآداب» رجعية، بالعكس، فالكثير من اليساريين يتعاملون معنا ويؤمنون باستقلالية الخط الذي نتخذه. كانت لنا ملاحظات ونقدات على الفكر الشيوعي، وكنا في ذلك قريبين من مفكر يساري، نموذج في الفكر اليساري، هو الفقيد رئيف خوري الذي اعترف الشيوعيون بأنهم اخطأوا في حقه وان تفضيله الاستقلال على الالتزام الاعمى بسياسة موسكو كان اصحّ للشعب العربي مما كانوا هم يعتبرون.
العلاقة مع نزار قباني
* تقول في مذكراتك انك انشأت مجلة «الآداب» ثأراً من اولئك الذين رفضوا ان ينشروا كتاباتك فلماذا قامت دار النشر؟
ـ في اول الامر قامت الدار بالشراكة مع نزار قباني وقد انشأتها لأنني شعرت ان المجلة هي اضيق من ان تتسع للانتاج العام لكاتب من الكتّاب، فكان مشروع الدار تكملة لدور المجلة. واظن اننا بلغنا في ذلك شأواً. فعدد كبير من الكتاب المعاصرين نشأوا على صفحات مجلة «الآداب» ودار «الآداب» في وقت واحد، نذكر منهم نازك الملائكة وصلاح عبد الصبور واحمد عبد المعطي حجازي وامل دنقل وحنا مينا وكثيرين غيرهم ممن قادوا الحياة الفكرية في الستينات والسبعينات. ولا بد من التذكير انه عن دار «الآداب» صدر ايضاً عدد من عيون الكتب العربية المعاصرة امثال «مذكرات طه حسين» و»اولاد حارتنا» التي لم يستطع الناشرون المصريون اصدارها بعد موقف الازهر منها. وقد تجاوزنا هذه العقبة، وكانت «اولاد حارتنا» اساس منح نجيب محفوظ جائزة نوبل.
سيرة في أجزاء
* يبدو من سيرتك الذاتية في جزئها الاول انها لن تستوفى بجزء ثان وقد تستغرق عدداً من الاجزاء؟
ـ في اعتقادي انها لن تقل عن اربعة او خمسة اجزاء، اكتبها تدريجياً، راجياً ان ابقى وفياً للمبدأ الذي اتخذته في كتابتي للجزء الاول، وهو الصدق والكشف عن آفات المجتمع وتعرية هذه الآفات بشكل يتناسب مع الرسالة التي اؤمن فيها من ان الادب اذا لم يكن كاشفاً فلا فائدة منه.
* هذه السيرة جريئة الى حد صادم احياناً، وهي لا تشبه الرجل المحافظ الذي نعرفه فيك؟
ـ اولاً، انا احتج على تصنيفي بأنني محافظ، ان الذي انشأ مجلة «الآداب» التي تدعو الى التجديد لا يمكن ان ينطلق من المحافظة، فلماذا لا امارس هذه التجديد في السيرة الذاتية؟ لقد اخذ عليَّ البعض ما ذكرته عن سلوك ابي من شذوذ جنسي، ولكنهم لا يستطيعون ان يشعروا بما كنت اشعر به شخصياً حين كتبت ما كتبته، لم يكونوا ليشعروا بالخجل الذي عانيته من سلوك ابي، وهذا شيء انساني وطبيعي، ومن المفروض ان اتحدث عنه كما اشعر بالخجل من اي سلوك يكون فيه الكذب هو الطاغي والتزوير والتضليل. حاولت في هذا الجزء الاول ان افضح النفاق، واود ان استمر في هذا الخط في الاجزاء المقبلة.
* هل شعرت بالتردد عند كتابة هذا المقطع عن سلوك والدك، ام ان المسألة كانت بالنسبة لك محسومة؟
ـ شعرت بشيء من التردد، وهذا بشري ايضاً، لكنني قررت مع ذلك ان اعود الى احساسي العميق والصادق مما كنت اعانيه من هذه المشكلة. صحيح انه اثار كثيرين، ومنهم بعض افراد اسرتي. لكن ليس هناك ما يلغي حقي في الاعتراف بالحقائق.
الرواية والسيرة
* الى اي مدى اثّر سلوك الوالد على حياتك الشخصية فنحن نراك ـ حسب السيرة ـ شغوفاً بالنساء حتى انك تتعرف على واحدتهن تلو الاخرى، لقد ذكرت معرفتك بالعديدات في فترة وجيزة للغاية؟
ـ اولاً الفتيات اللواتي ذكرتهن في هذا الجزء، جئن قبل زواجي فكان طبيعياً ان اتحدث عن حبي للمرأة واشواقي لها. بعد ذلك عرفت نساء كثيرات وآمل ان اتمكن من الحديث عنهن بما لا يسيء اليهن ولا الى اطراف اخرى عايشتها.
* تبدو في هذا الكتاب وكأنك الشيخ سهيل الذي تحول الى دون جوان يعيش دنياه طولاً وعرضاً؟
ـ (يضحك) لم اقصد ان اكون دون جواناً، واعتقد ان كل الذين عرفتهم عاشوا ما عشته وواجهوا القضايا التي واجهتها. حاولت ان اقول ما حدث بصدق وصراحة. والفرق بيني وبين سواي ممن يكتبون السيرة الذاتية انهم ليسوا صادقين بما فيه الكفاية. من اجل هذا وجد البعض صراحتي متنافية مع التقاليد المعروفة.
* اللافت في الكتاب انك تتحدث عن خلوات متعددة ومتكررة مع حبيباتك في اربعينات القرن الماضي، وهي فترة من الزمن نظن ان شاباً في السابعة عشرة ما كان يستطيع تدبر امره بهذه المهارة لولا الكثير من الحيلة.
ـ حتماً، الفتى والفتاة المتحابان لا يعدمان وسيلة للقاء حين يرغبان في ذلك. اذا تذكرنا كثيراً من الوقائع لدى الشعراء والكتّاب حتى من اسلافنا نجد ان ذلك كان متاحاً. لا ننسى مغامرات عمر بن ابي ربيعة ولا سواه، ما كانت تعوز هؤلاء الوسائل للقاء حبيباتهن.
* كنت قد قرأت عمر بن ابي ربيعة في تلك السن؟
ـ طبعاً، درست عمر بن ابي ربيعة في المدرسة وكنت معجباً به، كما كنت شديد الاعجاب بالمتنبي لنزعته الطامحة الى المجد، واعجبتني فلسفة طرفة بن العبد في أبياته الشهيرة. ولا اعتقد انني امثّل بالنسبة لهؤلاء شذوذاً في الادب العربي. وقد كانوا احياناً من الجرأة ما يتجاوز جرأتي في الكتابة. انا لا افعل الا ان اتابع سير عدد من هؤلاء الشعراء والادباء الصادقين في الحياة.
شيخ مودرن
* في بداية الكتاب تقول ان الجبة والعمامة كانتا عبئاً كبيراً عليك، وكأنه كان ثمة تناقض بين الشخص الذي في الداخل والرداء الخارجي. كما ان التوفيق بين ميلك الادبي واختصاصك الديني كان امراً مستحيلاً.
ـ ما من شك انني شعرت بعبء ذلك اللباس، وإلا لما طرحته جانباً بدعوى انني اريد ان اعيش الحرية التي يحرمني منها المجتمع العربي الشديد التزمت. وهذا هو السر في سفري الى الخارج، كما لو انني اود ان افتش عن مجتمع مختلف عن الذي اعيش فيه. وهو ما حدث حين عشت ثلاثة اعوام في باريس، استكملت فيها ابعاد ذاتي، وتنفست من الحرية ما مكنني من ان اصبح مغنياً لهذه الحرية، في مختلف اشكالها، في ما بعد.
* تلحّ بشكل مؤثر على ما سبب لك قصر قامتك من ازعاج، فهل يمكن ان يكون القصر ـ وهناك من هم اقصر منك ـ عند الرجل مهماً الى هذا الحد؟
ـ لم اخف يوماً انني بسبب هذا الوضع في الجسم، كنت اعاني بعض العقد النفسية لانني ربما لم اكن احظى بما كان يحظى به طوال القامة من متع الحياة ومن اقبال الجنس الآخر عليهم.
* هل كنت ترغب باكثر مما حظيت به من قبل النساء، وهو ليس بالقليل؟
ـ (يضحك) ربما كان هناك، على ما يبدو، ما يعوض عن قصر القامة في شخصي وهو الذي كان يجتذب بعض المخدوعات من البنات.
* اي ان تصيد النساء كان بمثابة استعادة ثقة بالنفس؟
ـ اعتقد، ممكن جداً، كما كنت اقول حينها. كان بعضهن او بعضهم يحاول الغمز من قناتي بصفتي شيخاً فكنت اقول لكنني شيخ «مودرن».
* تعاملت بشكل وثيق مع نزار قباني وحدث بينكما خلاف شديد، واتهمته بأنه كان يمنعك من النشر للادباء الناشئين، وقلت عنه انه متفلسف، وذكرت على لسان غيرك، في سيرتك الذاتية انه لم يقرأ الشعر ولا كبار الشعراء؟
ـ في الجزء الاول تحدثت لماماً عن نزار قباني وسأعطيه صفحات واسعة جداً في الاجزاء المقبلة وافضل ان احتفظ بما عندي لما سينشر لاحقاً من اجزاء، فهو رجل واسع الايحاء الى جانب كونه شاعراً عظيماً، لذلك اعتبره صديق العمر.
* هل سيكون حاله كما سعيد فريحة، صاحب «دار الصياد» الذي بدأت معه الكتابة ووصفته بأنه كان امياً وانانياً، لا يحب ان يرى غير اسمه في مجلته؟
ـ اخطأ البعض في القول بأنني انتقدت سعيد فريحة انتقاداً ظالماً. ولم ينتبهوا الى انني تحدثت ايضاً عن تأثيره عليَّ ككاتب نكتة وكفكاهي، فهو وسعيد تقي الدين كان لهما اثر في ما يراه البعض من روح الطرفة والنكتة عندي. اما ان كنت قد تحدثت عن أميّة سعيد فريحة ودكتاتوريته فأنا لم اظلمه.
* لا بد ان هذا الكتاب قد اثار لك مشاكل شخصية واعتراضات من المذكورين فيه او عائلاتهم؟
ـ نعم ثمة من شعر بالانزعاج، انما على اي حال، لم اذكر اسماء الفتيات وانما لجأت الى الاستعارة، من هنا تستطيع كل واحدة ان تدّعي انها ليست المقصودة، او ربما هي المقصودة من باب الافتخار. لكن ما اثار الكتاب من مشكلات هو الذي جعله لدى الكثير من الكتاب وذوي الحس المرهف موضع اعجاب وتقدير.
* تقول ان رواياتك وقصصك هي جميعها سير ذاتية، انما تبقى الرواية سيرة مقنّعة فهل كانت كتابة السيرة اشبه بشهوة تطاردك حتى تنجزها؟
ـ كل روائي حين يكتب، انما يكتب متخفياً، اما كاتب السيرة فيجب ان يختلف، والا فليكتب روايات اذا كان يخاف الخروج على حدود التقاليد. ففي الروايات، يحق له ان يمارس التشويه الفني للحقائق. اما في السيرة الذاتية فليس امامه خيار غير الصدق والواقعية.
* لا بد انك تقوم اليوم، اثناء الكتابة، بمراجعة عمر، وربما بنقد ذاتي لمسار طويل، فما هي المحطات التي تشعر بأنها شكلت خطأ في حياتك؟
ـ سأتحدث في الاجزاء المقبلة عن بعض النواحي السلبية في مواقفي، وعلى وقائع تدلّ على ندم متأخر، من ذلك مثلاً انه بالرغم من شدة اعجابي بالزعيم جمال عبد الناصر، اعتقد انني اخطأت حين لم ادن موقفه او موقف المسؤولين حوله من اعتقال بعض الكتَّاب الشيوعيين، وقد اعترفت بهذا امام محمود امين العالم الذي اعتقل في عهد عبد الناصر، لكنه كان من النبل بحيث أنه لم يتحدث عن هذه الفترة بشكل سلبي، كما اني اعتقد انه كان ينبغي علي ان ادين اعدام سيد قطب لأني لا اوافق على اعدام اي مفكر بسبب افكاره.
* لماذا، اذن، التزمت الصمت في ذلك الوقت؟
ـ لانني كنت اعشق عبد الناصر، وهذا كان يمنعني من ان اوجه له اي انتقاد. وهو ما قد يكون مقبولاً من الناس العاديين لكنه ليس مقبولاً من مثقف يعي الامور على حقيقتها.
* هل تعتقد ان ليونتك المستجدة من اليسار هي نتيجة سقوط الشيوعية ورؤيتك اميركا تتفرد في العالم؟
ـ نعم، هذا صحيح، نحن خسرنا في سقوط الاشتراكية والشيوعية اكثر بكثير مما ربحنا لأنهم كانوا ـ على الاقل ـ يدعمون قضايانا ولا يتركون المجال واسعاً للولايات المتحدة لتقوم بفرض هيمنة علينا تحصي الانفاس وتتهمنا بما نحن منه براء.

ايوب صابر 03-20-2012 10:37 AM

السيرة الذاتية: صورة سهيل إدريس الشابّ

محمد جمال باروت
احتلّ سهيل إدريس مكانتَه في تاريخ الرواية العربية الحديثة وتطوّرها بفضل روايته الحيّ اللاتيني (1953) التي صدرت حين كانت الروايةُ العربيةُ تنجِز مرحلتَها الثانيةَ على يد رعيلٍ شابٍّ تباينت سبلُه وتلامعت فيه أسماءُ نجيب محفوظ وحنّا مينة وإحسان عبد القدّوس ويوسف السباعي وحسيب كيّالي... ومن إرث ذلك الرعيل كانت تتلامع رواياتُ إبراهيم المازني وتوفيق الحكيم وتوفيق يوسف عوّاد وشكيب الجابري.نبيل سليمان، "ثلاثية سهيل إدريس تندرج في الجيل الثاني للرواية العربية،" الحياة، 21/2/2008 وتمثِّل روايةُ إدريس علامةً في تطوّر الرواية العربية في مرحلتها تلك، كما في العودة إلى اكتشاف جوانبها الريادية في مرحلةٍ لاحقةٍ، وتحديدًا في إطارِ ما تمكن تسميتُه بلغة جورج طرابيشي نوعًا من تقليد الرواية الجنوسية الحضارية، أو ما وضعه محمد كامل الخطيب تحت اسم "المغامرة المعقّدة،" ونبيل سليمان تحت اسم "وعي الذات والآخر."
مثّلت الحيّ اللاتيني انتقالاً في تجربة إدريس من "المرحلة الرومنتيكية" إلى "المرحلة الباريسية." وإذا كان اسمُ "المرحلة الرومنتيكية" يحيل مباشرةً على تجربةٍ ذات سماتٍ فنيةٍ وأسلوبيةٍ ترتبط بالاتجاهات الأدبية والوجدانية الرومنتيكية، فإنّ "المرحلة الباريسية" متعددةُ الأبعاد والدلالات في تبلور قضايا شخصية إدريس واتجاهاتها.
ترتبط المرحلة الرومنتيكية بسهيل المنتقل من اليفاعة والفتوّة إلى النضج، وتشمل السنواتِ الممتدّةَ بين الخامسة عشرة والرابعة والعشرين، وهي سنواتُ تبلورِ قضايا الشخصية واتجاهاتها الفكرية والسلوكية. في هذه المرحلة، وهي سنُّ الشباب الأول، أنتج إدريس ثلاثَ مجموعات قصصية هي أشواق (1947) ونيران وثلوج (1948) وكلّهنّ نساء (1949)، وهي برمّتها ذاتُ عناوين رومنتتيكية، وتتّسم بما تسمّيه يمنى العيد "الأسئلةَ الأولى" للقصة القصيرة (والواقع أنّ إدريس نفسَه، في تقويمه الاستعادي لها، يعيد طباعتَها تحت اسم أقاصيص أولى، ويضعها في هذا الإطار بوصفها تمثِّل "إنتاجَ الشباب الأول.")"تذكرتُ تلك المجموعات الأولى التي نسيها القرّاءُ، وكدتُ أنساها معهم، فخطر لي أن أعيد نشرَها. ولكني، إذ رجعتٌ إليها أقرأها من جديد، أحسستُ بعدم الرضى عنها، وحكمتُ بأنها لا تمثّلني بعد. بيد أني توقفتُ عند مضمون هذه العبارة الأخيرة: "لا تمثّلني بعد",, إذن فقد كانت تمثّلني من" قبل" في فترة من إنتاجي. فهل يحقّ لي أن أُسقطَها من حساب التطور الفني الذي مرّ به هذا الإنتاج؟ إنني أبتسم الآن لدى قراءتي كثيرًا من هذه الأقاصيص الأولى.... فتنشأ لدي القناعة بأنني لا ألتمس المعاذير إذا حكمتُ بأنها من إنتاج الشباب الأول الذي يفتقر إلى النضج الحياتي والنضج الفني جميعًا.." سهيل إدريس، أقاصيص أولى (بيروت: دار الآداب، 2000)، ص5. لكنّ نشر هذه القصص يتمتع في مفهوم الأعمال الكاملة للكاتب بأهمية خاصة، إذ درج المفهومُ السائد لـ "لأعمال الكاملة" على الاختيار التدخلي الانتقائي للتجارب الأولى، بينما يقوم مفهومُه على نشر كلّ ما أنتجه الكاتبُ مما يسمّى "غثّاً وسمينًا."
وقد يمكن القول إنّ المرحلة الرومنتيكية هي الأكثرُ هيمنةً على أشكال تعبير الذات عن نفسها واختبارِها للعالم في مرحلة الشباب. إلاّ أنّ ما عزّزها هنا هو هيمنةُ الرومنتيكية الأدبية والفكرية والسياسية على تجارب الشباب في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، ولاسيما هيمنةُ الرومنتيكية الأدبية في المجال الأدبي والإبداعي عمومًا بوصفها اتجاهًا بازغًا وصاعدًا. ويُظهر الشعرُ ذلك بأكثر مما تُظهره القصةُ القصيرة بسبب القطب الحكائي والمرجعي الذي يَحكم إنتاجَ الأخيرة من ناحية طبيعتها النوعية السردية.
أما المرحلة الثانية، وهي" المرحلة الباريسية،" فترتبط بإصداره رواية الحيّ اللاتيني (1953) وهو في الثامنة والعشرين، وهي سنّ تُؤشّر على مرحلة الخروج من الشباب الأول، إذ ستسجِّل هذه الروايةُ تطوّرَ إدريس الروائي، الذي سيأخذ مداه من خلال إصداره لاحقًا لـ الخندق الغميق (1958) وأصابعنا التي تحترق (1962)، في شكلٍ روائيّ ينطوي في "الحلقات" الثلاث على سيرة ذهنية ديناميكية وصراعية بين شرقٍ وغرب، وتقليدٍ وحداثة، وبين أجيال مختلفة، وفي تحولات اجتماعية-سياسية لاهبة. إنها في الواقع سيرةُ جيلٍ بأكمله، أُطلق عليها في تاريخ الرواية العربية اسم "ثلاثية إدريس،" وهو وصفٌ تقبّله إدريس وإن كان ينظر إليها على ما يبدو كـ "مراحل مستقلة."سهيل إدريس، أقاصيص أولى، مصدر مذكور، ص 6.
تتمتع الحيّ اللاتيني في سياق "الثلاثية" بأهميةٍ خاصةٍ ترتبط بأنها أهمّ آثار "المرحلة الباريسية" في حياة الكاتب واتجاهاته. فالبطل الذي غادر بيئتَه التقليديةَ الدينيةَ البيروتيةَ إلى باريس كي يكمل دراسةَ الدكتوراه في جامعة السوربون في مطلع الخمسينيات - متلاطمًا بين اندفاعه إلى التحرر من عالمه الشرقي المكبوت وبين خيالات عالم المرأة الغربية الطليق – لا يعود إلى بيروت مجردََ دكتور بمرتبة شرف من السوربون، بل يعود شابّاً ملتزمًا وعضوًا ومؤسِّسًا في جمعية عربية قومية تسعى إلى تحقيق التغيير الشامل، لتسجّل هذه العودةُ في نهاية الشريط السردي نقطةَ بداية في حياة البطل.
تتّسم الجذورُ السيريةُ لهذا البطل بقوة حضورها في العالم السردي؛ بل يشير إدريس إلى أنّ البطل ليس سوى إيّاه (إدريس) في "مرحلته الباريسية."قارن مع سهيل إدريس، ذكريات الحب والأدب، الجزء الأول، ط2 (بيروت: دار الآداب، 2002 )، ص 116 وقد يمكن الذهابُ مع إدريس إلى القول بأنّ بطله ليس شخصيةً من "ورق" بل "من لحم ودم،" وبأنّ الحيّ اللاتيني تمثّل الشكلََ الروائي لتجربته السيرية الباريسية المتعددة الأبعاد. غير أنه لا يمكن اعتبارُ تحوير السيري إلى روائي من مصادر السيرة الذاتية؛ ذلك لأنّ عملية التحوير هذه تنطوي على حركةٍ مقابلةٍ، هي تحويرُ الروائي أو التخييلي إلى سيري، وبشكلٍ يصعب فيه التمييزُ بينهما: إذ يسمح التخييلُ الروائي بتحيين السيري، فتتقدم السيرةُ كفهمٍ للذات في شكلٍ روائي تَحكمه قوانينُ هذا الأخير.
وبكلامٍ آخر، فإنّ الحيّ اللاتيني روايةٌ فنيةٌ لا سيرةٌ ذاتيةٌ؛ بل الأحرى أنها روايةٌ قبل أيّ شيء آخر، ولا يمثِّل التطابقُ بين بطلِها وكاتبِها إشكاليةً خاصةً بالنسبة إلى النقد الأدبي، المعنيِِّ بالنصّ في حدّ ذاته، أو بالعلاقة بينه وبين متلقّيه لا بينه وبين أفكار منتجِه وسيرته الذاتية. كما أنه ليست لمدى هذا التطابق أو انحرافِه، أو لواقعيةِ ما يسرده النصُّ، أيةُ قيمةٍ في حدّ ذاتها، غير أنّ آليات النصّ توهم بواقعيةِ ما تسرده وبمعقوليتِه.
إنّ الجذورَ السيريةَ لبطل الحيّ اللاتيني تهمّ الدراسةَ الأدبيةَ فعلاً، بمعناها الواسع، لا النقدَ الأدبي. وإذا كانت الدراسةُ الأدبية، في منظور التطور النوعي الهائل الذي شهدته الممارسةُ النقديةُ، هي من قبيل النقد التقليدي الذي يَخلط بين عالم الرواية التخييلي والعوالم الأخرى، فإنها مهمةٌ في منظور التقييم الشامل لتجربة الأديب، وقد يمكن إدراجُها في فضاء النقد ما فوق النصّي الذي يتيح مقارباتٍ متنوعةً ومتعددةً تُعتبر المقاربةُ السيريةُ إحداها. وهذا يسمح بالانتقال إلى تمييزٍ آخر بين الرواية والسيرة الذاتية في تجربة إدريس: فالجانبُ السيري يختلف في الرواية عن السيرة الذاتية، لأنّ الأولَ المبثوثَ في أية رواية جزءٌ من الرواية لا من السيرة الذاتية.
إذن، تميّز الإنتاجُ الأدبيُّ لسهيل إدريس، وتحديدًا في الحيّ اللاتيني، بقوة حضور الجذور السيرية، وبآليّاتِ تحوير السيري إلى روائي، وبالعكس. إلاّ أنّ إدريس كتب، إلى جانب ذلك، سيرةً ذاتيةً قريبةً ممّا يمكن وصفُه بـ "سهيل إدريس بقلمه،" وهو تقليدٌ سيري- ثقافي معترَفٌ به في تاريخ الأدب الحديث. وهذه السيرة هي ما تعبِّر عنه ذكرياتُ الأدب والحب (2002).
لكنّ السيرة الذاتية تمثِّل، بدورها، مفهومًا ملتبَسًا: فهي سردٌ يتّسم بخصوصية العلاقة بين الرؤية الحكائية التي تَحكمه وبين الزمن. ولعلّ هذه العلاقة الخاصة هي ما يجعل منها نوعًا إشكاليّاً ينتمي في وقتٍ واحدٍ إلى مستويين: مستوى الواقع ومستوى التخييل. فهل هي نوع يصلح لوضعه في فضاء التراث الشفوي المدوّن؟ أم أنها مجردُ نوعٍ سردي تخييلي يصحّ عليه ما يصحّ على أيّ نوعٍ سرديّ آخر، مهما أوهم بواقعيته ومعقوليته؟ أم أنها نوعٌ هجينٌ يَصلح وصفُه بالنوع الكتابي الذي تتداخل فيه السماتُ الشفويةُ التاريخية المدوّنة بالسمات التخييلية؟
ترتبط هذه الأسئلة بموْقعة السيرة الذاتية بين التاريخ والأدب، في ضوء تحديد القيمة المتوخّاة منها: أهي قيمةٌ أدبيةٌ بحتة، أم قيمةٌ ما فوق أدبية؟ من الواضح أنّ السيرة الذاتية تقع في فضاءٍ وسيطٍ معقّدٍ بين التاريخ والأدب. لكنّ هذا لا ينفي أهميةَ التمييز بين السيرة الذاتية الموجَّهة لأسباب التأريخ والتعريف بتاريخ الشخصية وتطوّرها وعلاقتها بعصرها، وبين السيرة الذاتية المتوجّهة لأهدافٍ تخييليةٍ أدبية. هنا ليس لدينا سوى تحديد استراتيجية صاحب السيرة الذاتية: أهي تنتمي إلى مجال التاريخ، وتَصلح من ثم شهادةً يمكن الاستهداءُ بها أو الاستشهادُ بها في المقاربة التاريخية البحتة ضمن منهجية هذه المقاربة في الفحص والمقارنة، أم أنها تنتمي إلى مجال التخييل الذي له أن "يخترع" حوادثَ وتجاربَ وشخصياتٍ متخيّلةً وإن حملت أسماء ووقائعَ ومجرياتٍ وُجدت بالفعل؟
تنتمي سرديةُ ذكريات الأدب والحب إلى السيرة الذاتية، التي تتوجّه إلى التعرف على حياة الشخصية ومصادر تكوينها وتطوّرها، وإن كانت أسلوبيتُها سرديةً أدبيةً. ويمكن أن نميّز في السيرة الذاتية، وفق استراتيجيات الرؤية السردية، بين شكلين للسيرة: الذكريات (Souvenirs) والتذكارات (Memoires). ففي الذكريات يحرص الكاتبُ على أن تكون الرؤيةُ السرديةُ "مع" ما هو عليه. أما في التذكارات فيَجهد في أن يعيدَ رؤيتَها ليَحكمَ عليها وليجادلَها؛ وهذا يفترض أن ينشطر عن ذاته، وينظرََ إليها "من الخلف." وفي ذلك تبدو التذكاراتُ أقربَ إلى المذكّرات (Journal) من الذكريات، مع التنويه بتداخلها.سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي: الزمن، السرد، التبئير ( بيروت- الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1985)، ص288-289
في ضوءِ هذا التمييز المنهجي قد يمكن القول إنّ الشكل السيري لسهيل إدريس الشابّ في ذكريات الأدب والحبّ ينتمي إلى الذكريات أكثرَ من انتمائه إلى التذكارات، واستتباعًا إلى المذكّرات. ويبدو أنّ إدريس، وهو الخبيرُ المتمرِّسُ بالأنواع السردية المختلفة وبمصطلحاتها، لم يختر عنوانَه عبثًا. ولو سألنا عملَه المعجمي العظيم، المنهل، عمّا يقصده بالذكريات، لأجابنا أنه يعني بها الشكلَ الأول: Souvenirs. وقد يفسِّر ذلك أنّ إدريس لم يستخدم ما تستخدمه التذكاراتُ أو المذكّراتُ عادةً من وسائل أسلوبيةٍ ونصّيةٍ متعددةِ الأنواع والوظائف، مثل الوثيقة والصورة، حيث يهيمن الكاتبُ على اتجاهات الرؤية السردية ودلالاتها في إطارٍ يوهم بواقعيته ومصداقيةِ تبئيره، بل اختار للذكريات شكلاً انسيابيّاً بسيطًا يرافق فيها الكاتبُ دفقاتِها ومقاطعَها وووقائعَها برؤيةٍ سرديةٍ مصاحبة بضمير الراوي/ المتكلّم الذي يحيل على الكاتب نفسه، ويحيل في الوقت نفسه على ذكريات الكاتب/ الإنسان.
يغطّي المتنُ السردي من الجزء الأولرحل إدريس من دون أن يصدر الجزء الثاني، ولا نعرف على وجه الدقة ما إذا كان قد كتب هذا الجزء أو شرع فيه. من سيرة/ ذكريات سهيل إدريس بقلمه فترةً محدّدةً من حياة الكاتب، هي بشكلٍ أساسي فترةُ الشباب بالمفهوم المحدّد للفئة العمرية (15-24 سنة)، مع استرجاعاتٍ واستباقاتٍ محدودة إلى ما قبلها وبعدها. ولا يشتمل هذا المتنُ على معلومات تاريخية استثنائية أو ذاتِ خصوصية، لكنه يشتمل على معلومات سوسيولوجية وثقافية وطوبوغرافية شديدةِ الأهمية في معرفة البيئة الثقافية والاجتماعية والسياسية لفترة التكوّن في حياة الكاتب، والموجَّهة لخدمة التاريخ الأدبي-الفكري الخاصّ. ويُعتقد أنّ إدريس فكّر بتخصيص الجزء الثاني لتجربته الجديدة بعد نهاية "المرحلة الباريسية،" والتي ستشهد بروزَ دور إدريس الديناميكي القومي بامتياز في تأسيس مجلة الآداب وفي تبنّيها الرائد لحركة الشعر العربي الحديث وفي طرح الوجودية كإيديويولوجيا للحركة القومية المهيمنة تميّز وعيَ الذات القومية العربية عن الوعي الماركسي وعن الوعي القومي-الإقليمي، وصولاً إلى تجربة المشروع القومي العربي وتطلّعاته إلى وضع العرب في إنتاج التاريخ، وانكسار راياته بعد الانفصال السوري (1961) وهزيمة الخامس من حزيران (1967).
وبهذا المعنى لا يفيدنا الجزءُ الأول بأكثر من مرحلة التكوين والبزوغ، وهي مرحلةٌ ذاتُ أهمية في إطار وظيفتها المحدّدة والموجَّهة من قبل الكاتب. ويمكن أن نجد فيها جذورًا عميقةً لسهيل إدريس الناضج والمتبلور الذي كان يُفترض بالجزء الثاني أن يسردَها. وفي هذا الإطار العام للجزئين، الأول المنشور والثاني المفترض، فإنّ سيرة إدريس العامة هي سيرةُ التحوّل العاصف من صورة الشيخ التقليدي الذي يعيد إنتاجَ القيم المحافظة السائدة إلى صورة المثقف القومي الحديث، ومن نمط التعليم الشرعي الذي يتلقّاه خرّيجُ الكلّية الشرعية ببيروت يومئذ إلى نمط خرّيج جامعة السوربون في مرحلة غليان الأفكار الحديثة.
ذكريات سهيل إدريس الشابّ المنشورة قابلةٌ للتقسيم إلى جُملٍ أو حزماتٍ سرديةٍ زمنيةٍ ذكرياتية أو سيرية كبيرة من نوعٍ دلاليّ. وهي ما يلي:
1- الجملة السردية الأولى، وهي سرديةُ التكوّن، وتشتمل على "الأصل والمولد والأسرة" و"أهل الجدّة والأم والأخوال." تضطلع جملةُ الأصل والمولد بمكانة الجملة المؤسِّسة للشريط السردي الذكرياتي، وتغطّي حوالى 20 صفحة من مساحة المتن السردي، بينما تضطلع جملتُها التكميليةُ بإنارة المعلومات عن أهل الجدّة والأخوال، والتي تكشف شبكةَ المصاهرات والقرابات البيروتية العميقة، وتغطّي9 صفحات. وتقوم الجملتان بتزويدنا بالمعلومات عن الأسرة وبيئتها القريبة والمباشرة، وانحدارها من أصولٍ مغاربية، ونمطها البيروتي السُّنّي المحافظ في مرحلة هبوب التغيرات الحديثة، وانعكاس الأوضاع الاقتصادية الصعبة في تحويل ربّ الأسرة إلى تاجرٍ مفلسٍ. ولا تعني شجرةُ العائلة لسهيل الشابّ النابض بصورة الجيل الجديد شيئًا في حدّ ذاته، بل يحيط ذلك بسخريةٍ جميلةٍ تتعلّق بتجربة البحث العارض عمّا يمكن أن يكون هناك من إرثٍ وقفي ذُرّيّ (نسبة إلى الذرية) خّلفه الأجدادُ الأدارسةُ في المغرب!
2- تحمل الجملةُ السرديةُ السيرية الثانية عنوانًا مفتاحيّاً هو "جبل النار.. والشيخ الصغير، وبدايات الأدب والحبّ" وتضطلع بتقديم معلومات عن سنوات الطفولة والصِّبا، وتغطّي حوالى 26 صفحة، تنهض فيها صورٌ وشخصياتٌ وأحداثٌ من حيّ البسطة الذي اشتُهر بحيويته الوطنية المبادرة، ويصفه إدريس في ضوء ذلك بـ "جبل النار." ويستعيد إدريس فتوّتَه الأولى بحسّ كاتب القصة القصيرة الذي يعتني بالناس المغمورين والأبطال البسطاء وومضاتِ حيواتهم التي ما إن تشعّ حتى تخبو: الأب التقيّ الفاسد، القريب الذي يقوم بالخير لحاجةٍ في نفسِ يعقوب، قبضايات الحارة...
وتضيء هذه الجملة تكوّنَ إدريس الفتى في إطار هذه الملابسات التاريخية في الكلّية الشرعية ببيروت (1937-1941) التي كانت تؤهّل خرّيجيها الممتازين لمتابعة الدراسة في جامعة القاهرة. ويصف إدريس صورتَه في المتن الزمني لهذه الجملة بتعبيرٍ ينطوي على نوعٍ من المرارة، هو "الشيخ الصغير" الذي وضعه في زوايا الانزواء والسخرية. ويستعيد إدريس هذه الصورة عبر حزمةٍ من الأحداث الصغيرة التي لعبت دورَها في التمرد على نمط الشيخ الصغير الذي كان مقرَّرًا أن يكونَه. ولكن يمكن القولُ إنّ تبرّم سهيل الفتى والشابّ يدين نسبيّاً لما حملته مناهجُ هذه الكلّية من نفحاتٍ حديثةٍ سيكون لها أثرٌ كبيرٌ في تطوّر روحيته الثائرة اللاحقة، ولاسيّما أنها أتاحت له خيارَ التركيز على دروس اللغة والأدب أكثر من الموادّ الدينية، ودراسة اللغة الفرنسية التي واظب على اكتساب مهاراتها بنفسه، بل حاول القيامَ بترجماتٍ مبكّرة. فـ الذكريات تُبرز صورةَ فتًى مشيخيّ يُقبل على ترجمة فصول من رواية آلان فورنييه مولن الكبير، ويرسل فصولاً منها إلى مجلة الرسالة التي كان يرأس تحريرَها أحمد حسن الزيّات، حالمًا بأن ينشر فيها كما فعل أستاذُه علي الطنطاوي.
وربما كانت تجربةُ الفتى في ترجمة مولن أولَ تجربةٍ له بهدف النشر، لكنها كانت أولَ تجربةٍ له في الحبّ العنيف أيضًا. كأنّ الحياة تقلّد الفنَّ كما في قولة أوسكار وايلد، أي كأنّ إدريس يحاكي على طريقته تعلّقَ مولن بإيفون دو غاليه. وقد كتب سهيل عن ذلك الحبّ، كما يخبرنا، سبعين صفحة في شكل مذكّراتٍ روائيةٍ أعطاها عنوانًا رومنتيكيّاً خالصًا هو "أشعّة الفؤاد،" ومن حسن الحظّ أنه يُعلمنا أنها مازالت في أرشيفه، وقد طَبعت آثارُها قصصَه الأولى حتى الخمسينيات.ذكريات الأدب.. والحب، مصدر سبق ذكره، ص 50. في حال التفكير بإصدار أعمال كاملة لسهيل إدريس فإنه ينبغي نشرُ هذا النصّ، بغضّ النظر عن مستواه الفني. كما ينبغي نشرُ الرواية المسلسلة التي نشرها إدريس فعلاً تحت عنوان "السراب" في بيروت المساء، وكافة مراسلاته. في هذه المذكّرات كان إدريس الشابّ يمرّ بمرحلته الرومنطيقية الساذجة، وبخبرةٍ أولى في التعرّف على المرأة، وهو ما سيضطلع بدوره في تحرير الكاتب من صورة الشيخ المحافظة المنطوية على نفسها وعلى معارف "الحلال والحرام." وتنتهي هذه المرحلة في العام 1941 بخلع إدريس الشابّ للزيّ الديني على الرغم من عدم رضا والده عن ذلك، وبإعراض الكلّية عن إيفاده لإكمال دراسته في جامعة القاهرة. وكان إدريس يعبّر بعمله ذاك عن اختيار الفتى المتوهّج طريقَ الأفندي لا طريقَ الشيخ، وطريقَ المثقف الحديث لا طريقَ الشيخ التقليدي.
3- تحمل الجملة الثالثة عنوان "من الصحافة إلى الأدب،" وتغطّي مساحتُها النصّية حوالى 16 صفحة، بينما يغطّي مداها الزمني حوالى 8 سنوات (1943-1950). ويُعتبر هذا المدى الزمني مرحلةَ تحوّلات كبيرة انعكست آثارُها، ولاسيما السياسية، وفي عدادها معركةُ الاستقلال اللبناني وقضيةُ فلسطين، في وعي إدريس الشابّ، الذي يضيف إلى تمرّده على نمط الشيخ كسرًا لهيبة القيادة التقليدية البيروتية: فباستثناءِِ ما يمحضه من احترامٍ لرياض الصلح، فإنه يَسخر بشكلٍ مريرٍ من الوجهاء البيروتيين الآخرين الذين مثّلوا "أهلَ الحلّ والعقد" للبيروتيين. وفي هذه الفترة عمل إدريس محرِّرًا في مجلة الصيّاد لصاحبها الصحفي اللبناني العصامي المعروف سعيد فريحة، وذلك لأسبابٍ ثقافيةٍ واقتصاديةٍ تتعلّق بمساهمته في إعالة الأسرة التي غدا والدُها مفلسًا. وتتمثّل أهميةُ معلومات هذه الجملة في بروز تجربة إدريس الشابّ القصصية، التي أتاحت له، بحكم اتجاه موهبته ومتطلّبات العمل في تحرير الصيّاد، تأليفَ القصص القصيرة التي قام بإصدارها في ثلاث مجموعات هي: أشواق (1947) ونيران وثلوج (1948) وكلُّهن نساء (1949)، وكذلك تجربة النشر في بيروت المساء وغيرها. وربما وفّرت هذه القصص، ذاتُ العناوين والمضامين الرومنتيكية والمرتبكة، لإدريس الشابّ خبرةً هائلةً في التدرّب على الكتابة والإنتاج، وفي التواصل مع كتّابٍ وأدباء ناهضين في تلك الفترة مثل أنور المعدّاوي وسعيد تقيّ الدين وسيّد قطب وغيرهم، ولاسيما أنها ترافقت مع سجالٍ أدبيّ حول فنّ القصة وطرق تقويمها.
4- الجملة السردية الرابعة، وترتبط بالمرحلة الباريسية في تجربة إدريس، وتغطّي مساحةً نصّيةً كبيرةً تزيد عن نصف صفحات الذكريات، ويشمل متنُها الزمني الأساسي مرحلةَ السنوات 1949-1952 التي تمكّن فيها من تسجيل الدكتوراه في جامعة السوربون ومن إنجازها تحت عنوان: الرواية العربية الحديثة من 1900 إلى 1950 والتأثيرات الأجنبية فيها. وتضيء هذه الجملةُ بدرجة أساسية نوعيةَ الصداقة الثقافية–الأدبية والشخصية العميقة التي ربطت إدريس بكلٍّّ من الناقد المصري أنور المعدّاوي والأديب اللبناني سعيد تقيّ الدين. ويتوسّع إدريس هنا في استخدام الرسائل (38 صفحة مع المعدّاوي و52 صفحة مع تقيّ الدين)، وفي تركها تروي بنفسها تجربتَه من خلال منظورات حوارية متعددة. وقد يرتبط اهتمامُ إدريس الكبير بالرسائل في سرد ذكرياته باهتمامه المبكّر بهذا النوع الكتابي، ومحاولةِ إدماجه في السرد؛ وهو ما تعبّر عنه تجربتُه السرديةُ في أقاصيص أولى التي ترتبط بمرحلته الرومنتيكية ما قبل الباريسية، إذ يكثر استخدامُ الرسائل في قصص "أشواق" و"أمومة" و"أصداء" و"الحرمان" و"دموع في الكونتنتال" و"لعنة الحب." وسيعزّز إدريس أسلوبَ الرسائل في إطار تنويع أشكال السرد في مرحلته الباريسية التي تمثّل الحيّ اللاتيني أهمّ أثرٍ مرتبطٍ بها خصوصًا وبتجربة إدريس الأدبية عمومًا. لكنّ الرسائل المتبادلة بينه وبين المعدّاوي من جهة وتقيّ الدين من جهة ثانية تضطلع بأهميةٍ تاريخيةٍ كبيرة في منظور تاريخ الأدب وتطوّر المفاهيم الأدبية والنقدية في تلك الفترة. كما تضطلع مراسلاتُه مع تقيّ الدين بأهميةٍ خاصةٍ أيضًا بالنظر إلى الصداقة العميقة التي ربطت بينهما وافتراقها بتأثير حدّة الاستقطاب المحتدم في الخمسينيات بين الحزب السوري القومي الاجتماعي والحركة القومية العربية: ففي حين حدّد إدريس مصيرَه بقضايا الحركة العربية ومشروعها القومي، انخرط تقيّ الدين في حركة الحزب المذكور وأخلص له حتى حافة الهاوية، جامعًا بشكلٍ معقّدٍ بين شخصيته القوية الساخرة وتعلقه بإعادة اكتشاف اللغة الجارية واندفاعه خلف المُثل البطولية المرتبطة بفلسطين ومنعة الأمة. ويكشف تقيّ الدين في مراسلاته مع إدريس عن فهمٍ معمّقٍ ومتطوّرٍ للقصة القصيرة تجدر بنا العودةُ إليه ووضعُه في مكان التطور التاريخي في الأدب العربي الحديث لهذا المفهوم وممارساته الأدبية، إذ لا ريب في أنه يبدو سبّاقًا في الفهم الناضج والمكين لهذا النوع الأدبي.
***
تضيء ذكريات الأدب والحب مرحلةً مهمةً ومبكّرةً من حياة سهيل إدريس الشابّ الشخصية والأدبية والفكرية، وتضطلع بأهميةٍ خاصةٍ في منظور الدراسات الأدبية وتاريخ الأدب العربي الحديث خصوصًا، وتشكّل صورةَ المثقف الحديث في منظور نظرية الحداثة. وهي تقطع الشريطَ السردي عند مرحلة أوائل الخمسينيات، مع أنها تقوم باستباقاتٍ محدودةٍ إلى ما بعدها. ويثير ذلك أسئلةً عن الجزء الثاني أو الأجزاء الأخرى المحتملة، التي لا بدّ أن تكتسب أهميةً كبرى لأنها تتعلّق بمرحلة التحوّل والأسئلة والصراعات الكبرى التي انخرط فيها إدريس في مرحلته ما بعد الباريسية، وبامتلاك إدريس معلوماتٍ هائلةً عنها بحكمِ ما لعبته مجلةُ الآداب ومعاركُها في تطوّر الثقافة العربية الحديثة، وبحكم مكانة سهيل إدريس الديناميكية في الجيل الكبير الرائد والمؤسس في الثقافة العربية.
حلب

ايوب صابر 03-20-2012 01:50 PM

سهيل إدريس
- سهيل إدريس من مواليد بيروت سنة 1925 م، درس في الكلية الشرعية وتخرج منها شيخا عالما ورجل فقه، وبعد تخرجه سنة 1940 م تخلى عن زيه الديني وعاد إلى وضعه المدني.

- كان والده إماماً لمسجد البسطة التحتا في بيروت وأراد لابنه سهيل أن يسير على الدرب ذاتها فتعمم الولد وهو لم يبلغ الثامنة من العمر. اختاره المفتي محمد توفيق خالد، مفتي الجمهورية اللبنانية آنذاك، من بين العديدين من طلاب الكلية الشرعية ليتلقى علوم الدين وليصبح يوم يشب إماماً كوالده. وبعد خمسة أعوام شعر الشاب أنه لم يخلق لهذه الدعوة ولم تخلق له، كما يقول في حديث له، فترك الدراسات الدينية وهو ما يشير الى تمرده المبكر على نمط الحياة التي اختارها له الاخرون.

- إن لغة سهيل في هذا الكتاب تتصف بالسلاسة والانسياب، ويعمد فيها إلى السخرية والتسلية والفكاهة الرشيقة (وأحياناً بدون ربط أو مبرر)، وهي على العموم تدفعنا إلى الابتسام.

- يرى د. فاروق مواسي الذي قدم قراءة للسيرة الذاتية لسهيل ادريس انه لم يكن لبعض القصص التي وردت في كتابه مبرر مثل هذه القصة " والحقيقة أنني لم أكن أحب أبي، إذ كنت أشعر بأنه يعيش جواً من النفاق، وجاء وقت بدأت أحس أن أبي يحيا حياتين... واكتشفت ذات يوم اصطحابه لشاب جميل الطلعة، أشقر الشعر، كنت أراه أحياناً في المتجر الملاصق لمتجره على المرفأ. وقد دخل مع هذا الشاب إلى غرفة الاستقبال في بيتنا التي كان لها باب خارجي، وبعد قليل سمعت صوت انغلاق الباب الداخلي لهذه الغرفة وصوت المفتاح يدور في قفل الباب، فناديت أخي الأكبر، وحكيت له، فهز رأسه كأنه فهم ما أقصد إليه، وتمتم بعبارة فيها لهجة استنكار، وتكررت هذه الحادثة..." (ص 12،13 )..ولكن الباحث يدرك اهمية هذه القصة من حيث الاثر الذي خلفته علاقة والده الشاذة وعلاقته غير السوية مع والده عليه كطفل حيث يبدو انها اوقعته في ازمة نفسية حادة فدقعه نفاق والده للتخلي عن خط مسيرة في الذي رسم له.

- يقول سهيل إدريس في احدى اجاباته على سؤال " لا نشكّ في أنّ لكارثة فلسطين عامَ 1948 تأثيرًا بالغًا في إثارة الوعي لدى جميع المثقّفين العرب، ودفْعِهِم إلى أن يضطلعوا بدور مهمّ في الحياة الثقافية لكي يستطيعوا أن يهيّئوا الأجيالَ لمجاوزة هذه الكارثة. والواقع أنّني، بتأثيرٍ من هذا، تخلّيتُ عن جميع أعمالي التي كنتُ أقوم بها في تلك الفترة، ولاسيّما في الصحافة، لأطلبَ تجديدًا لنفسي ومزيدًا من الوعي. ففي سنة 1949، أيْ بعد الكارثة بعام، استقلتُ من الصحف والمجلاّت التي كنتُ أعمل فيها، ومن الإذاعات التي كنتُ أوافيها ببعض إنتاجي، وقرّرتُ أن أسافر إلى باريس لأكتسبَ المزيدَ من المعرفة والعلم وأوظّفَ هذا المزيدَ من أجل القضية الكبرى.

- ويقول في مكان آخر " أعتقد أنّ من قوانين التاريخ أن يحاول الإنسانُ، إذا ما تعرّض لنكسات في حياته أو لتدمير بعض طاقاته، أن يعودَ إلى الصفر، وأن يحاول أن يبحث عن السبب الذي من أجله وَصَلَ إلى ما وصل إليه. وأنا أُدرج هذا التيّارَ الجديدَ، في التكلّم على الهويّة، في هذا النطاق. فنحن نبحث الآن فعلاً، ولم نُفِقْ بعدُ من الضربات المتتالية التي تَعرّضْنا لها في سنواتنا الأخيرة. إنّنا نبحث عن ذاتنا مرّةً أخرى لنُجوهِرَها، ونخرجَ بها إلى حيّزٍ تستطيع أن تكون فيه فاعلةً من أجل التطوّر والتغيّر وتجاوُزِ الواقع المؤلم. فلا ضير في أن نقوم بمثل هذا البحث بين فترة وأخرى، لأنّه يعرِّفنا بذاتنا أكثر. وربما كان في ذلك دفعٌ لنا لتدارُكِ ما فاتنا، ولمحاولة الخروج من المآزق التي يأخذ بعضُها برقاب بعضٍ وتضعنا في حالةٍ من الإحباطِ نبحث فيها عن ثغرةٍ من الأمل.

- وفي رده على سؤال آخر يقول " طبعاً عشنا في النصف الاول من القرن الماضي مجموعة من الهزائم، لا بسبب اعتناقنا للفكر القومي، وانما لسوء تطبيق هذا الفكر. ولا مبرر على الاطلاق للتخلي عن المبدأ الذي نعتقد ان لا خلاص من دونه.

- ويقول في مكان آخر"لقد اخذ عليَّ البعض ما ذكرته عن سلوك ابي من شذوذ جنسي، ولكنهم لا يستطيعون ان يشعروا بما كنت اشعر به شخصياً حين كتبت ما كتبته، لم يكونوا ليشعروا بالخجل الذي عانيته من سلوك ابي، وهذا شيء انساني وطبيعي، ومن المفروض ان اتحدث عنه كما اشعر بالخجل من اي سلوك يكون فيه الكذب هو الطاغي والتزوير والتضليل.

- ويقول عن شذوذ والده "شعرت بشيء من التردد، وهذا بشري ايضاً، لكنني قررت مع ذلك ان اعود الى احساسي العميق والصادق مما كنت اعانيه من هذه المشكلة. صحيح انه اثار كثيرين، ومنهم بعض افراد اسرتي. لكن ليس هناك ما يلغي حقي في الاعتراف بالحقائق".

- يعترف بأن الجبة والعمامة كانتا عبئاً كبيراً عليه، وانها خلقت تناقضا بين الشخص الذي في الداخل والرداء الخارجي.

- كما يعترف بحجم معاناته بسبب قصر قامته ويقول ان ذلك تسبب له ببعض العقد النفسية. ويرى ان تصيد الناس كان بمثابة استعادة ثقة بالنفس.

- انعكاس الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي حولت والده التي تاجرٍ مفلسٍ.

هناك اكثر من سبب تجعلنا بعتقد انه عاش حياة ازمة وربما ان اهمها :

- قصر قامته.
- والده الشاذ وعلاقته المتوترة به لرفضه هذا السلوك مهما كانت المبررات.
- التناقض الذي عاشه بين تربيته الدينية ورغباته الدنوية التي ربما كانت مدفوعة بعقد النقص التي احسب ها فدعته للارتماء في أحضان الدنيا والمرأة.
- أصوله المغربية ( الادريسية ) وبحثه عن الذات.
- ظروف الأسرة الاقتصادية الصعبة وإفلاس والده التاجر.

مأزوم.

ايوب صابر 03-20-2012 11:21 PM

44- عودة الروح توفيق الحكيم مصر

25 يوليو 2008 كتبت بواسطة خالد الزهراني

المولف : توفيق الحكيم
الناشر : مكتبة مصر
الجزء الأول : 230 صفحة
الجزء الثاني : 212 صفحة

أهلاً بكم :
أقوم بعرض هذه الرواية بين ايديكم بعد أن أنتهيت لتو من قرائتها ، ولست أذكر كم من المرات قمت بقرائتها ، بيد أني في كل مرة أقوم بقرائتها يجتاحني ذات الشعور المريح بالفكاهة والخفة ،وكنت قد قرائتها لأول مرة منذ عشرين عاماً (لسة بذلك الكبير في السن ولكني بدئت بتقليب صفحات الكتب منذ بواكير سنيى الأولى) ،دعوكم مني الأن ولندلف الى عالم هذه الرواية الذي قام بخلقه الكاتب الكبير “توفيق الحكيم” .
تدور احداث هذه الرواية في مصر بالطبع أبان فترة الأحتلال الأنجليزي لها وشخصية الرواية المحورية شاب يدعى (محسن) وهو طالب ثانوية يسكن مع أعمامه الثلاثة ، حنفي ويعمل مدرس حساب وعبده طالب كلية الهندسة وسليم ضابط البوليس الموقوف عن العمل ويقوم بخدمتهم مبروك الخادم تحت أشراف السة زنوبة عمت محسن ، وينقدح زناد أحداث هذه الرواية بضياع منديلاً حريري تمتلكه سنية الجارة اليافعة الساكنة مع أمها ربة البيت وأبيها الدكتور حلمي والذي كان يعمل في الجيش كطبيب ،أنشغل محسن وأعمامه بهذه الفتاة أيمى أنشغال وتباينة أحاسيسهم تجاه هذه الفتاة ، وينتهي العام الدراسي ويسافر محسن الى دمنهور ، والى هنا وينتهي الجزء الأول من الرواية .
ويبد الجزء الثاني من الرواية من عربة القطار الذي أستقله محسن ليبلغ دمنهور حيث يعيش أبويه ، أمه التركية الأصل وأبوه صاحب الأرض الزراعية الواسعة وتبقى سنية وأعمامه حاضرين في ذاكرته طوال الوقت وهو يجوب الحقول ويعاشر الفلاحين ويسمع أحاديثهم ومشاكلهم مع البدو الذين يقيمون على أطراف القرية ، وتنتهي أجازة محسن ويعود الي القاهرة ، وكان أن دخلة على خط أحداث الرواية شخصية (مصطفى) وذلك اثناء غياب محسن ، ترى ما شأن هذ الشخصية مع سنية والعمة زنوبة وما موقف الأخرين منها ، هذا ما سوف أتركه لك عزيزي القارئ لتكتشفه .

تكون بداية النهاية لهذه الرواية بقيام البوليس بالزج بمحسن وأعمامه وخادمهم في السجن ثم ينتهي بهم المطاف الي مستشفى السجن كيف ولماذا هذا ايضاً اتركه لك سيدي القارئ لتكتشفه .

ايوب صابر 03-20-2012 11:26 PM

عودة الروح

نبذة النيل والفرات:
اشتدت الحالة حرجاً، غير أن المدهش أن "عبده" و"محسن" و"سليم" اندفعوا وانغمسوا في الثورة على نحو يقلق، ولعل زنوبة هي الوحيدة التي لاحظت ذلك... وقد خيّل إليها أنها فهمت قليلاً سرّ ذلك: أن هؤلاء الثلاثة الذين كانوا منذ قليل ساكتين صامتين كأصحاب "بنك" أفلس... تخنقهم الكآبة والضيق كأنهم في سجن من نفوسهم لا يستطيعون منه خلاصاً.

هؤلاء الثلاثة ما كادت الثورة تنفجر حتى انفجروا معها... وإذا هم قد ذهب انقباضهم ودهشتهم، وحلّ محله الاهتمام والكفاح والتحمّس. ولعلّ الصغير "محسن" كان أظهرهم تأثراً بذلك الحدث التاريخي!.. فقد استحال كلّ ما كان في قلبه من حبّ خاب فيه بقسوة، إلى عواطف وطنية حارة، وكل عواطف التضحية التي كان مستعداً لبذلها في سبيل معبود قلبه، إلى عواطف تضحية جريئة من أجل معبود وطنه. بهذه الكلمات يختصر الأديب توفيق الحكيم روايته عودة الروح. حب وخيبة وفشل عاطفي يسردها الحكيم بأسلوبه الممتع الذي يجعل من الرواية كتلة أحدا ث متحركة، ينطق شخصياتها بعفوية ممتعة ويحيلها حضوراً متواجداً في ذهن القارئ ونظره وسمعه، والذي يتفاعل مع الأحداث العاطفية منها والوطنية وذلك لبراعة القلم الذي صاغها وقدرته على النفاذ إلى عمق الشخصية والحدث بآن معاً، وصياغتها في مناخ روائي يمتع النفس ويثري الخيال.

==

باختصار هي رواية عن عائلة مصرية تناول الكاتب محاسنها وعيوبها في بساطة يحس معها القارئ أنه يقرأ عنها الحقيقة بعينها، ويشعر معها أن هذه العائلة هي صورة طبق الأصل لشعب بأكمله.. إن مثل هذه الروايات تساعدنا على فهم أوضاع شعب أعاد بناء استقلاله ببطء.. وقيمتها تكمن في تلك الصورة التي تمخضت عن خلق روح مصر الحاضرة.. هي رواية اجتماعية واقعية بقلم كاتب كبير ترك بصمة خالدة في تاريخ الأدب العربي.

==
فترةٌ وأنا منهمكٌ في قراءة الأدب المترجم ؛ و الذي لا يمكنني بالطبع إنكار جودته ، إلا أني أشعره
قد صُبَّ كقالبٍ واحد !
لا أجد فيه الليونة والانسيابية التي أتلذّذُ بها ،
وكانت عودتي لتوفيق الحكيم في روايته عودة الروح ، أشبه ما تكون بالعودة إلى الوطن !
أو إلى الفرشة التي تركتها مرغماً ، والتي نمتُ عليها لأعوامٍ وأعوام !
..
يقول جانين بونجران في عودة الروح :

" إنها ولاشك طريقة شهرزاد في حديثها ، مع سخرية دقيقة مماثلة لسخرية فولتير مؤلف كانديد !
ياله من سحر يجتذب القارئ حتى نهاية القصة .. "


ايوب صابر 03-21-2012 05:10 PM

توفيق الحكيم
- توفيق الحكيم (9 أكتوبر1898 - 26 يوليو1987)ولد في الإسكندرية وتوفى في القاهرة.
- اتهموه بأن له ما وصفوه بميول فرعونية وخاصة بعد روايةعودة الروح .
- أرسله والده إلى فرنسا ليبتعد عن المسرح ويتفرغ لدراسة القانون ولكنه وخلال إقامته في باريس لمدة 3 سنوات اطلع على فنون المسرح الذي كان شُغله الشاغل واكتشف الحكيم حقيقة أن الثقافة المسرحية الأوروبية بأكملها أسست على أصول المسرح اليوناني فقام بدراسة المسرح اليوناني القديم كما اطلع على الأساطير والملاحم اليونانية العظيمة .
- ولد توفيق إسماعيل الحكيم بالإسكندرية عام 1897 لأب مصري من أصل ريفي يعمل في سلك القضاء في قرية الدلنجات إحدى قرى مركز ايتاي البارودبمحافظة البحيرة، وكان يعد من أثرياء الفلاحين، ولأم تركيةأرستقراطية كانت ابنة لأحد الضباط الأتراك المتقاعدين
- لكنَ هناك من يقدم تاريخاً آخر لولادته وذلك حسب ما أورده الدكتور إسماعيل أدهم والدكتور إبراهيم ناجي في دراستهما عن الحكيم حيث أرَّخا تاريخ مولده عام 1903 بضاحية الرمل في مدينة الإسكندرية.
- كانت والدته سيدة متفاخرة لأنها من أصل تركي وكانت تقيم العوائق بين الحكيم وأهله من الفلاحين فكانت تعزله عنهم وعن أترابه من الأطفال وتمنعهم من الوصول إليه، ولعل ذلك ما جعله يستدير إلى عالمه العقلي الداخلي،
- عندما بلغ السابعة من عمره التحق بمدرسة دمنهور الابتدائية حتى انتهى من تعليمه الابتدائي سنة 1915 ثم ألحقه أبوه بمدرسة حكومية في محافظة البحيرة حيث أنهى الدراسة الثانوية ثم انتقل إلى القاهرة، مع أعمامه، لمواصلة الدراسة الثانوية في مدرسة محمد علي الثانوية، بسبب عدم وجود مدرسة ثانوية في منطقته.
- وفي هذه الفترة وقع في غرام جارة له، ولكن لم تكن النهاية لطيفة عليه.
- أتاح له هذا البعد عن عائلته نوعا من الحرية فأخذ يهتم بنواحٍ لم يتيسر له العناية بها إلى جانب أمه كالموسيقىوالتمثيل ولقد وجد في تردده على فرقة جورج أبيض ما يرضي ميوله الفنية للانجذاب إلى المسرح.
- في عام 1919 مع الثورة المصرية شارك مع أعمامه في المظاهرات وقبض عليهم واعتقلوا بسجن القلعة. إلا أن والده استطاع نقله إلى المستشفى العسكري إلى أن أفرج عنه.
- حيث عاد عام 1920 إلى الدراسة وحصل على شهادة الباكالوريا عام 1921. ثم انضم إلى كلية الحقوق بسبب رغبة أبيه ليتخرج منها عام 1925، التحق الحكيم بعد ذلك بمكتب أحد المحامين المشهورين، فعمل محاميا متدربا فترة زمنية قصيرة، ونتيجة لاتصالات عائلته بأشخاص ذوي نفوذ تمكن والده من الحصول على دعم أحد المسؤولين في إيفاده في بعثة دراسية إلى باريس لمتابعة دراساته العليا في جامعتها قصد الحصول على شهادة الدكتوراه في الحقوق والعودة للتدريس في إحدى الجامعاتالمصرية الناشئة فغادر إلى باريس لنيل شهادة الدكتوراه (1925 - 1928)، وفي باريس، كان يزور متاحف اللوفر وقاعات السينما والمسرح، واكتسب من خلال ذلك ثقافة أدبية وفنية واسعة إذ اطلع على الأدب العالمي وفي مقدمته اليونانيوالفرنسي .
- وانصرف عن دراسة القانون، واتجه إلى الأدب المسرحي والقصص، وتردد على المسارح الفرنسية ودار الأوبرا، فاستدعاه والداه في سنة 1927 أي بعد ثلاث سنوات فقط من إقامته هناك، وعاد الحكيم صفر اليدين من الشهادة التي أوفد من أجل الحصول عليها.
- في (عودة الروح) هي الشرارة التي أوقدتها الثورة المصرية، وهو في هذه القصة يعمد إلي دمج تاريخ حياته في الطفولة والصبا بتاريخ مصر، فيجمع بين الواقعية والرمزية معا على نحو جديد، وتتجلي مقدرة الحكيم الفنية في قدرته الفائقة على الإبداع وابتكار الشخصيات وتوظيف الأسطورة والتاريخ على نحو يتميز بالبراعة والإتقان، ويكشف عن مهارة تمرس وحسن اختيار للقالب الفني الذي يصب فيه إبداعه، سواء في القصة أو المسرحية، بالإضافة إلي تنوع مستويات الحوار لديه بما يناسب كل شخصية من شخصياته، ويتفق مع مستواها الفكري والاجتماعي؛ وهو ما يشهد بتمكنه ووعيه.
- يمتاز أسلوب توفيق الحكيم بالدقة والتكثيف الشديد وحشد المعاني والدلالات والقدرة الفائقة علي التصوير؛ فهو يصف في جمل قليلة ما قد لا يبلغه غيره في صفحات طوال، سواء كان ذلك في رواياته أو مسرحياته.
- يعتني الحكيم عناية فائقة بدقة تصوير المشاهد، وحيوية تجسيد الحركة، ووصف الجوانب الشعورية والانفعالات النفسية بعمق وإيحاء شديدين.
- فى ١٩٤٦ تزوج الحكيم أثناء عمله في «أخبار اليوم»، وأنجبت له زوجته طفلين هما إسماعيل وزينب، ولم يخبر أحداً بأمر زواجه حتى علق مصطفى أمين قائلاً (نحن الصحفيين مهمتنا الحصول على الأخبار ونحصل عليها من السراى ولا نعرف بزواج الحكيم) ويكتب مصطفى أمين عن زواجه في مقال له بعنوان (عدو المرأة يتزوج بشروطه) وينقله لنا الدكتور أحمد سيد محمد في كتابه «توفيق الحكيم.. سيرته وأعماله» فيقول: إنه أخفى عليهم أمره ثم اعترف لهم بأنه تزوج من سيدة مطلقة لها ابنتان، وأن الزواج عقلى الغرض الأول منه تأسيس بيت يصلح لحياة فنان، الكتب فيه أهم من الفراش، والموسيقى فيه أكثر من الطعام!
- نزّله جمال عبد الناصر منزلة الأب الروحي لثورة 23 يوليو، بسبب عودة الروح التي أصدرها الحكيم عام 1933، ومهّد بها لظهور البطل المنتظر الذي سيحيي الأمة من رقادها.
- من اقواله" ان الإنسان نفسه عقدة العقد".
- لما أتم تعلمه الابتدائي اتجه نحو القاهرة ليواصل تعلمه الثانوي ولقد أتاح له هذا البعد عن عائلته شيئا من الحرية فأخذ يعنى بنواحي لم يتيسر له العناية بها إلى جانب أمه كالموسيقى والتمثيل ولقد وجد تردده على فرقة جورج أبيض ما يرضي حاسته الفنية لانجذب إلى المسرح.
- عاصر الحربين العالميتين 1914 - 1939.
- توفيق الحكيم يبدو في مذكراته انه ألاكثر قلقاً والاقل استقراراً. وانه كان يخشى من عدم قدرته على الوصول للنجاح الذي يريده، ويصف في مذكراته الجهد الذي بذله للوصول للتفوق في ميدان الأدب.
- توفي في 1987
- كثير ما أقامت هذه الأم الحوائل بين الطفل توفيق وأهله من الفلاحين، فكانت تعزله عنهم وعن أترابه من الأطفال وتمنعهم من الوصول إليه، ولعل ذلك ما جعله يستدير إلى عالمه العقلي الداخلي، وبدأت تختلج في نفسه أنواع من الأحاسيس والمشاعر نتيجة لهذه العزلة التي فرضتها والدته عليه، فنشأت في نفسه بذور العزلة منذ صغره ، وقد مكّنه ذلك من أن يبلغ نضجاً ذهنياً مبكراً.
- بدأ توفيق الحكيم حياته التعليمية فى الكتاتيب، تمشيا مع ظروف عمل والده.
- عرضه حبه للسينما ذات مرة لأن يقضى ليلته مطروداً من المنزل، ولم يغفر له والداه حتى أقسم لهما على ألا يذهب إلى دور السينما.
- يصف عودته من فرنسا بدون شهادة بقوله "عدت فاستقبلنى أهلى كما يستقبل الخائب الفاشل، وتصادف أن سمعوا أصوات فرح على مقربة من منزلنا. فلما سألوا عن الخبر قيل إن سرادقاً أقيم وأكواب شربات تقدم ابتهاجاً بجار زميل لى عاد من الخارج ناجحاً فالحاً ظافراً بشهادة الدكتوراه، فازداد مركزى سوءًا، ورأيت الهم والغم والأسى فى عيون أهلى، وسمعتهم من حولى يتهامسون: يا خيبتنا يا خيبتنا».

هناك عدة احداث لا بد انها اثرت فيه وهي :
- عزلته عن اقاربه وعن الاخرين من اقرانه وهو طفل تلك العزلة التي فرضتها الام المعتزه بنفسها وباصلها.
- دراستة في القاهرة اي بعيد عن واليده بعد الدراسة الابتدائية.
- مشاركته في ثورة 1919 وعمره 21 سنه اذا كان من مواليد 1898 او 16 سنه اذا كان من مواليد 1903.
- سجنه كنتيجة لمشاركته في الثورة تلك.
- فشله في حصوله على الدكتوراه.
- معاصرته للحربين العالمية الاولى والثانية.
- عدم اعلان زواجه وزواجه من امرأة مطلقة لها ابنتان مؤشر الى عقد نفسية .
- موقفه من المرأة مؤشر آخر عن عقد نفسية ربما تسببت بها والدته.

يمكن اعتباره يتيم اجتماعي.


الساعة الآن 07:03 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team