منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6821)

ايوب صابر 04-12-2012 10:22 AM

56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن

نبذة النيل والفرات:
"الخميس، الصغيرة... كم أحب مغادرة هذا البلد، أسافر في خيالي إلى غابات الأمازون أطير إلى كاليفورنيا أنتقل إلى باريس القرن الثامن عشر: إلى ماري انطوانيت يحضر خيالي حقول الأزمنة مثل خلد الحقل... يحفر أنفاقاً صوب أمكنة أخرى... حيث لا أحد يعرف اسمي الحقيقي: كم أتمنى لو أملك طاقية الإخفاء فلا تراني العيون. أبي يقف خلف الواجهة الزجاجية لبيتنا. يحدق إلى تلك النبتة الغربية التي يسمونها "المجنونة". يقول دون أن يلتفت: متى ستنمو فتغطي هذا الزجاج العاري؟... يسمونها أحياناً "جهنمية" عيون الحرس فوق السور تحدق إلينا. تخترق هذه الجدران الزجاجية، ونحن-أنا وأمي وأبي نحاول، مثل لصوص سلطت أضواء باهرة عليهم بغتة، أن نختفي وراء باب، نتوارى خلف جدار داخلي يجلل عري هذا البيت الزجاجي المستباح والعيون المجلقة.
ننتظر نقاب الظلام. الظلام ستارة، إزاء ثور... لا يجللنا إلا في الليل. أحس بالعراء. حتى خواطري... أحسها عارية مستباحة". مؤنس الرزاز ينطق شخصياته يحركها، يدخلها السجن ويضع آخرين منها في الإقامة الجبرية، يطوف بشخصياته في غير قطر عربي، ويسلط الضوء على أكثر من قضية ومرحلة. وهو ينطق شخصياته بدون صوت وذلك من خلال تنكيرهم الذي يأخذ شكل المولوج الداخلي المسموع. يخلق من اليأس تفاؤلاً وتحدياً، فأحد شخصياته، الختيار، يكتب ويحبّر وعندما ينتهي الكتابة تصادر الكلمات... لكن الرسالة تصل إلى أصحابها... من قلب الإقامة الجبرية والوحدة القاتلة تنفلت الإرادة ويشع الأمل بالمستقبل لرؤية القرن الحادي والعشرين. وبطريقته يدخل الكاتب في نهاية الرواية بما يشبه الحوار مع القراء وكأنه أراد أن يجعلهم من شخصيات الرواية فيصل بهذا إلى مبتغاه ويستريح بتواضع ويختتم الكلام: "لكنه في أعماقه الخفية كان يكركر فرحاً (بخبث ومكر) لأنه وجدا أخيراً عشرة قراء يقرأون روايته".
==
اعترافات كاتم صوت
قد يتبادر الي ذهن الكثير اسئلة محيرة عن عنوان التدوينة الحالية
في الحقيق هذا العنوان هو عنوان رواية لكاتب اردني “مؤنس الرزاز
رواية تمرد على حاكم وصديق خائن
من أكثر الروايات التي قرأتها جاذبية لقد جذبتني بأسلوب كاتبها وروعة ما يحمله من خيال قاتل بين سطور روايته
للاسف الرواية تباع على الانترنت لا اعلم لما لا تكون مصدراً مفتوحاً يرتوي منه الكتاب الصغار ليتعلموا اصل كتابة الرواية العربية بتلك الجاذبية
سأحدثكم عن تلك الرواية بملخص قصير :
قاتل مأجور كانت مهمته التالية صعبة نوعا ما ولكنه قام بها على اكمل وجه
كانت المهم والهدف صديقه احمد في البداية صعقت من الهدف الذي حدده الكاتب ولكن سرعان ما ايقنت ان تلك الرواية جذبتني حتى اني اعتقدت ان بامكاني التمرد على ذلك الموقف
الصديق ابن رجل مشهور قاموا بتصفية عائلته وبقي هو بين احضان صديقه وبنفس الوقت قاتله!!
عندما علم أن ساعته أتت أخبر صديقه انه يريد او يقتله وهو مستيقظ ولكنه قتله على غرة باعتقاد منه انه سوف ينسى ذلك المشهد بسهولة ولكن كانت الايام والنسيان الذ اعداء القاتل
فلم يجد سبيلاً إلا الاعتراف بجرائمه لكي ينام ليلة هانئة فقرر الاعتراف الى غانية استمعت لاعترافاته لفترة طويلة شاهدت الندم وشاهدت الدموع وأحست الخوف والضعف والخيانة
ولكنها لم تسمع كلمة واحدة من اعترافات ذلك القاتل لأنها صماء!! لم يعلم القاتل ذلك وبالرغم من اعترافه لها كان هنالك خوفا ينمو داخله كون تلك الغانية دليل جرائمه !!
ولكنه كان أكثر جزعاً وضعفا عند معرفته بعجزها عن السمع …..
للرواية تفاصيل شيقة تغرق قارئها بحياة القاتل

ايوب صابر 04-12-2012 01:56 PM

اعترافات كاتم صوت

إذا انتقلنا إلى رواية "اعترافات كاتم صوت"(2) سنجد أن مؤنس الرزاز يستخدم تقنية مألوفة في الرواية المعاصرة، أي تلك التقنية التي يوزع فيها المؤلف الكلام على المتكلمين بطريقة غير منظمة دون أن يعمد على إدارة الحوار بينهم. فعندما يتكلم الأب في الرواية يكتفي بالحوار مع نفسه، وكذلك تفعل الأم والابنة الصغيرة في الإقامة الجبرية حيث تعيد الشخصيات أنتاج إحساسها بالعزلة والصمت. ومن هنا يأخذ عنوان القسم الأول من الرواية "مدارات الصدى" دلالته المحورية، إذ أن الصدى يحل محل الصوت في غياب أي تبادل حواري بين الشخصيات. من جهة أخرى يمكن القول إن هذا القسم من الرواية مبني استنادا إلى أسلوب زوايا النظر، ولكنها هنا زوايا نظر تخص أحداثا متعددة لا حدثا أو موقفا روائيا بعينه. وهو أسلوب يفيد في تقليب معنى الفعل أو الحدث على وجوه متعددة بتمريرها في منشور تكون وجوهه شخصيات عديدة. وهكذا يتحلل الفعل إلى زوايا نظر تمثل الأب والأم والابنة الصغيرة والملازم والراوي.

تقوم الابنة بتدشين النص إذ تصف مشهد العزلة. إن الأبطال التراجيديين الثلاثة (الأب والأم والابنة) يغرقون في العزلة والصمت رغم وجودهم معا في بيت الاقامة الجبرية. ولا تتواصل العائلة المسجونة مع العالم الخارجي إلا عندما يتصل الابن من الخارج في يوم محدد من أيام الأسبوع. ويشكل التواصل المتقطع مع العالم الخارجي تمهيدا لانتقال الرواية من الحديث عن شخصيات الاقامة الجبرية إلى الحديث عن اعترافات يوسف/ كاتم الصوت. وما كان ممكنا لولا حركة الانتقال الذكية (من بيت العزلة إلى العالم الخارجي) تشريح أعماق القاتل/ كاتم الصوت الذي يحتل بؤرة العمل الروائي.

تبدأ "اعترافات كاتم صوت" بمونولوج الابن، ويلخص هذا المونولوج ظروف الاقامة الجبرية، ثم يقوم الأب والأم بجلاء شروط هذه الاقامة ويوضحان قسمات المكان المستباح بأعين الحرس. كما نتبين من سياق الحوارات الداخلية للشخصيات أن الأب كان مسؤولا كبيرا في السلطة التي اعتقلته. وتتوضح في هذه الحوارات بعض خيوط حياة هذه الشخصيات حيث يتعرف القارئ على تاريخ الأب المناضل الذي وصل حزبه إلى السلطة ثم اختلف معه فزج به في الاقامة الجبرية، وعلى تاريخ الأم التي أحبت الأب وتزوجته إعجابا به وبأفكاره السياسية.

القسم الخاص بـ"اعترافات كاتم الصوت" يشكل المادة الأساسية في العمل، وليست الأقسام الأخرى سوى وسائل لايضاح الظروف المحيطة والانتقال إلى لحظة الاعتراف. ومن هنا يستخدم الكاتب في هذا القسم ضمير المتكلم موحيا بالبعد الحميم من أبعاد الاعتراف والبوح الداخلي. إن الصفحات (51-70) هي جملة اعتراف متصلة يقوم يوسف من خلالها بتحليل وظيفته ككاتم للأصوات شارحا لنا الأسباب التي جعلته يمتهن هذه الوظيفة. ويبدو المؤلف وكأنه يفرد الفضاء السردي لاعتراف كاتم الصوت عبر مونولوج طويل يتحدث فيه يوسف لسيلفيا التي استأجرها ليسرد لها اعترافاته. لكن سيلفيا لا تسمع بل تقرأ حركات الشفاه، وبما أن شارب يوسف عريض يغطي شفتيه فإنها لا تعرف عم يتحدث!

نقبض في لحظة الاعتراف إذا على المفارقة الساخرة التي تغلف فضاء النص. ونحن في البداية نظن أن كاتم الصوت وحده هو الذي يجهر بصوته، وعندما نتقدم في النص نكتشف أن الطرف الذي يفترض أن يسمع الاعتراف يعاني من الصمم. لكن المفارقة الكبرى تتمثل في كون كاتم الصوت نفسه لا يدرك أن سيلفيا لا تسمعه. بهذا المعنى تطابق اللعبة السردية، التي يتوسلها الكاتب، بين صوت يوسف ومسدسه الكاتم للصوت. وهكذا فان الإيهام السردي، من خلال الإيحاء بالحميمية وتحقق لحظة الاعتراف وتحويل ما نسميه بالسامع الضمني إلى صورته المادية الملموسة في النص الروائي، هو وسيلة لتقليص الفعالية التي يحققها بروز ضمير المتكلم في النص لأن يوسف/ كاتم الصوت، مثله مثل العائلة المقيمة في الإقامة الجبرية، محكوم بالعزلة والصمت. ولعل اصطناع شخصية كاتم الصوت ووضعية الاعتراف كذلك تكشف عن نية الكاتب الاختفاء وراء الشخصية للتشديد على منظوره للعالم بأن يجعل كاتم الصوت يمارس اعترافا كاريكاتوريا أمام فتاة صماء دون أن يكتشف للحظة واحدة أنه يعري ذاته لذاته لا تسمعه الفتاة التي استأجرها لتحقيق فعل الاعتراف والتطهر من أدران ما فعله.

إذا كانت "اعترافات كاتم صوت" تمثل في عمل الرزاز رواية الأصوات وزوايا النظر التي تجلو في حكاياتها وتأملاتها الشخصية فكرة التحلل وسقوط القيم والمشاريع القومية الكبرى عبر تآكل الحزب والفكرة التي يقوم عليها، فإن "متاهة الأعراف في ناطحات السراب"(3) هي رواية الطبقات المتراكبة واللاوعي الجمعي الغائر حيث يستخدم الكاتب نظرية كارل يونغ عن طبقات اللاوعي وأسلوب ألف ليلة وليلة السردي ليقيم معماره الروائي. إن الليل الذي تحكي فيه شهرزاد يقابل النهار الذي تتحقق فيه حكايات الليل حيث يدرك القارئ من سياق السرد أن الحاضر يكرر الماضي كما يكرر النهار الليل.

إن بناء العمل شديد التركيب لكن ما يهمنا في هذا السياق هو أطروحة العمل الأساسية، أي كيف يصبح التراث وسيلة لتفسير ما يعرضه العمل الروائي، وكيف يصبح حكي شهرزاد رمزا للعلاقة بين الحاضر والماضي، بين الوعي الفردي والوعي الجمعي، الشعور واللاشعور، وبين طبقات اللاوعي المتراكمة الغائرة داخل الإنسان العربي المعاصر. ويعمل الرزاز في هذا الإطار على تقديم تصور مركب للواقع العربي المعاصر ملمحا إلى كون الراهن يتشكل من طبقات متراكمة من وعي العصور الماضية تؤثر لا شعوريا في استجابات الإنسان العربي المعاصر وتكبله وتكبح أفعاله ورغباته، ومن ثم يكون التراث لا قناعا يؤدي وظيفة شكلية في العمل بل جزءا من تكوين الوعي. إن استعارة صوت شهرزاد الحكي عن الماضي، والحديث عن طبقات اللاوعي الراسخة في وجدان الشخصية العربية، ما يجعلها تتصرف دون أن تعلم بوحي من رواسب هذا اللاوعي، كل ذلك يكشف اطروحة العمل وتفسيره اليونغي (نسبة إلى كارل يونغ) للعلاقة بين الفرد وتراثه الجمعي

ايوب صابر 04-12-2012 01:57 PM

مؤنس منيف الرزاز

، (1951-2002 م) روائي أردني ولد في مدينة السلط. الرزاز هو ابن المناضل الأردني منيف الرزاز الذي عاش في الأردن فترة من حياته. له عدد كبير من الروايات ونشرت أعماله الكاملة عام 2003 بعد وفاته. رواياته:
  1. أحياء في البحر الميت،
  2. جمعة القفاري ( يوميات نكرة)
  3. اعترافات كاتم صوت
  4. حين تستيقظ الأحلام
  5. متاهات الأعراب في ناطحات السحاب.
  6. ليلة عسل
  7. عصابة الوردة الدامية .
  8. الشظايا والفسيفساء
  9. النمرود (مجموعة قصصية)
  10. مد اللسان الصغير في وجه العالم الكبير (مقالات ساخرة)
  11. رواية سلطان النوم وزرقاء اليمامة
  12. قبعتان ورأس واحدة
له العديد من الكتابات المنشورة في صحف عربية واسعة الانتشار. شغل منصب رئيس تحرير مجلة افكار الثقافية الصادرة عن وزارة الثقافة الأردنية حتى وفاته. توفي بتاريخ 8 فبراير2002

==
اسمه: مؤنس منيف الرزاز.

مولده :
ولد مؤنس الرزاز في العام 1951 في مدينة السلط الاردنيه . عاش طفولته فيجبل اللويبده - مكان سكن العائله تاريخياً - ، وعاصر مع والده الطبيب المناضل منيفالرزاز الذي كان سياسياً معروفاً في فتره حفلت بكل عناصر الاندفاع حيث شهد الأبن معابيه دورات متناقضة من التردد بين علو السلطة وإمتيازاتها وبين فداحة السجونوالمعتقلات في مقابل أحلام الأمة .

تعليمه :
تلقى تعليمهالابتدائي في مدرسة المطران بجبل عمان ، درس الانجليزية في جامعة اكسفورد وتخرج منجامعة بغداد.

محطات :
-
في عام 1965 رحل الى دمشق في اعقابأنتخاب والده منيف الرزاز اميناً عاماً للقيادة القومية لحزب البعث العربيالاشتراكي . -
مع بداية السبعينات توجه مؤنس الى جامعة اكسفورد في بريطانيالدراسة اللغه الانجليزيه , مكث فيها سنة وعاد بعدها ليرحل الى بيروت لدراسة الفلسفهفي جامعاتها غير انه لم يستطع اكمال دراسته بسبب اندلاع الحرب الاهليه اللبنانيه . -
واصل دراسته بعد ذاك في العراق ويتخرج من جامعة بغداد وقد شهدت تلك الفترهولادة مجموعته القصصيه الأولى (البحر من ورائكم )، غادر بعدها الى الولايات المتحدهالامريكيه لمواصلة دراسته العليا في الفلسفه من جامعة (جورج تاون ) غير انه عاد قبلأقل من عام الى بغداد ليشهد أنتخاب والده اميناً عاماً مساعداً للقيادة القوميةلحزب البعث . -
ذهب إلى بيروت ليقضي فيها بضعة أعوام عمل خلالها باحثاً في مجلة (شؤون فلسطينيه ). -
عاد مؤنس الى عمان في العام 1982 وقد انطلق منذ منتصفالثمانينيات الى عالمه الإبداعي لتصل مجموع اعماله الى ما يربو على 15 عملاً استحقعنها مجموعة كبيرة من التكريمات والجوائز .

الوظائف التي شغلها في حياته :
عمل مؤنس منذ العام 1992 مستشاراً لوزير الثقافه ورئيساً لتحرير مجلةافكار الشهريه إضافة الى كتابته لمقال يومي في جريدة الرأي والزمان كما ترأس الهيئهالأدارية لرابطة الكتاب الاردنيين في دورة عام 1993 – 1994 وأستقال منها , كمااختير أميناً عاماً للحزب العربي الدميقراطي وتركه ايضاً .


أوسمة :
نال جائزة الدولة التشجيعية في الرواية وجائزة الدولة التقديريه فيالآداب .
حصل على ميدالية الحسين للتفوق .
اختارت اليونسكو روايتةالذاكره المستباحه لتقدمها للقارئ العربي في ثلاثة ملايين نسخة ضمن مشروع (كتاب فيجريدة ).

ما قاله النقاد :
-
عن مجلة أفكار الأردنية : " إنمشهد اعتقال الأب البعثي سيبقى ماثلاً لسنوات طويلة في ذاكرة الطفل ذي الحساسيةالمفرطة كما أن نهاية الأب في أقامته الجبرية ثم موته الدراماتيكي سيشكل ناظماأساسياً لوجان الكتابة وضميرها عند مؤنس الرزاز . ولهذا كانت كتاباته تتأرجح بين ماهو مأساوي وفانتازي وبين ماهو خارجي وداخلي وسياسي ووجودي وبين الكآبة الشخصيةوالهجاء السياسي حتى بدا انه يعاني العالم كقضية شخصية .
فنجد مثلاً أن روايته (اعترفات كاتم صوت ) كأنها قصيدة عن سجن ابية ووثيقة للعذاب الشخصي ذلك انه جعل منجرحه الخاص موضوعاً عاماً وفناً روائياً وفي رواياته الأخرى اللاحقة ينشطر البناءالروائي موضوعياً ونفسياً كشكل آخر من أشكال إعادة بناء النفس أو محاولة التخفيف منتمزقها وكوابيسها , ربما لم تكن شخصياته الروائية نسخاً عنه وبالتأكيد هي ليست كذلكلكنها على الأقل عاشت الإيقاع ذاته والانشطارات ذاتها , من هنا تصدعت البنيةالروائية كمحيط حاضن لها تماماً كما تصدعت الأحلام والأحوال العامة فتركها تنحومنحنى غرائبياً هذيانياً ."

-
الدكتور خالد الكركي : " يمثل الروائيالأردني مؤنس الرزاز (المولود في مدينة السلط عام 1951) صوتًا متميزًا في الروايةالعربية الحديثة منذ الثمانينيات. وينبع هذا التميز من التكوين المركّب للكاتب, الذي جمع بين ثقافة دارس الفلسفة والكاتب الصحفي والمترجم, وبين خبرات المسافر وراءالحلم القومي في عواصمه الكبرى, وتجربة المقاتل. يضاف إلى هذا كله ممارسة مرّةللعمل السياسي والحزبي. .
مثّلت رواية الرزّاز الأولى (أحياء في البحر الميت) انتقالاً في رؤية الواقع العربي, ونضجًا في التشكيل الروائي. وشكّل الرزاز الضلعالثالث للمثلث الذي دخل بالرواية الأردنية فضاء الرواية العربية الجديدة والحداثية. وكان تشكّل المثلث قد بدأ بتيسير السّبول عندما نشر روايته (أنت منذ اليوم) بعدنكسة 1967 مباشرة, ثم بغالب هلسا الذي نُشرت رواياته منذ أوائل السبعينيات (الضحك), (الخماسين), (السؤال), و(البكاء على الأطلال). .
تناولت رواية الرزاز الثانية (اعترافات كاتم صوت) (1986) موضوع القمع. بينما كانت ثالثته (متاهة الأعراب فيناطحات السحاب) (1986) بناءً فنيًّا يبعث على الدهشة, ويوغل في عالم اللاشعوروالثنائيات المتضادة, ويحكي عن المدن العربية وعن فلسطين, وعن الرمال والبداوةوالعمل الحزبي. وجرّب الكاتب - في تلك الرواية - إمكانات اللغة المتصلة بالتراثوالمنفتحة على العصر. واستعاد الماضي, وقرأ الحاضر, في محاولة للتحرر من سلطةالسائد. .
واصل مؤنس عطاءه, وعكست رواياته في التسعينيات تحولاً جديدًا فيالشكل, وتركيزًا على واقع بلاده: (جمعة القفاري), (قبعتان لرأس واحد), (الذاكرةالمستباحة), (الشظايا والفسيفساء), (عصابة الوردة الدامية), وقد رسّخت هذه الأعمالموقع الرزاز بين الروائيين العرب, وأظهرته كاتبًا ماضيًا في التجريب والبحث, ومحيطًا بفن المعمار الروائي, ومناضلاً في الدفاع عن الحرية والعدل وكرامة الإنسان. ."

-
المحرر عبده وازن : " من يقارب عالم مؤنس الرزّاز الروائي، يخيّل إليهللوهلة الأولى، أنّه يحاذي بعض "أشراك" الأدب المُسيّس. لكنّه سرعان ما يكتشف، أنّالسياسة هُنا، ليست غاية بذاتها أو هدفاً بذاته، بل هي وسيلة من وسائل المعرفة،وطريقة من طرق الوعي والتحليل. وعلى الرغم من انغماس مؤنس الرزّاز، في الحياةالسياسيّة، بل والنضال السياسيّ، فهو استطاع أن يفصل بين النضال والأدب، موظِّفاًالسياسة في سبيل الأدب، لا العكس. ورواياته الكثيرة، تشهد على هذه الخصيصة. فالسياسة تحاذي الفنّ الروائيّ، ولكنّها لا تلقي بظلّها عليه، بل هو الذي يلقيبظلّه عليها. وقد تمكّن الرزّاز، أن يبتعد أيضاً، عن مزلق الآيديولوجيا والإلتزامالمباشر، منصرفاً إلى الفنّ الروائي، في كلّ ما يعني، من بناء عالم وشخصيّات، ومنتخطٍّ للمعايير الثابتة، وترسيخ للحداثة، ومن سخريّة وهجائيّة."

مؤلفاته :
1.
أحياء في البحر الميت،
2.
جمعة القفاري ( يوميات نكرة)
3.
اعترافات كاتم صوت
4.
حين تستيقظ الأحلام
5.
متاهات الأعراب في ناطحاتالسحاب.
6.
ليلة عسل
7.
الشظايا والفسيفساء
8.
النمرود (مجموعة قصصية)
9.
مد اللسان الصغير في وجه العالم الكبير (مقالات ساخرة)
10.
رواية سلطانالنوم وزرقاء اليمامة
11.
قبعتان ورأس واحدة

وفاته :
توفيعام 2002 م .. عن عمر ناهز الخمسين عاماً .

ايوب صابر 04-12-2012 02:00 PM

· مؤنس الرزاز روائي الانهيار العربي
الخميس, 04 فبراير 2010
فخري صالح
Related Nodes:
خلال العمر القصير الذي عاشه على هذه الأرض استطاع مؤنس الرزاز (1951- 2002) أن ينجز أحد عشر عملاً روائياً، إضافة إلى مجموعتين قصصيتين وعدد من الترجمات. والأهم من ذلك أنه وضع الرواية في الأردن على خريطة الكتابة الروائية العربية. وكان إصرار مؤنس على إنجاز الرواية تلو الرواية، لا تفصل بين الواحدة والأخرى سوى أشهر قليلة، سبباً في التفات عدد كبير من الروائيين والنقاد العرب إلى ما كان ينجزه الكاتب الشاب الذي لم يكن بلغ الثلاثين من العمر عندما انطلق في رحلته المحمومة لكتابة روايات كثيرة. وغزارة إنتاجه في الكتابة الروائية في سنوات حياته الأخيرة تشير إلى أن مؤنس كان يخاف أن يدهمه شبح الموت قبل أن يكمل مشروعه الذي زاوج فيه بين حرفة الكاتب المتملك لناصية النوع الروائي وحرارة التجربة الشخصية التي وزعها الكاتب على أعماله كلها. وهكذا توالت رواياته، بدءاً من ثلاثيته: «أحياء في البحر الميت» و «اعترافات كاتم صوت» و «متاهة الأعراب في ناطحات السراب»، وانتهاء بـ «ليلة عسل»، لتقيم معماراً عزّ مثيله في مسيرة هذا النوع الروائي في الأردن.
وأدرك مؤنس أن عليه أن يبدأ كتابته مما انتهت إليه الكتابة الروائية العربية في السبعينات وما حققه جيل الستينات من تطوير للكتابة الروائية المحفوظية. ولعل «أحياء في البحر الميت» ترجّع صدى «أنت منذ اليوم» لتيسير سبول و «المتشائل» لإميل حبيبي، إذ يقيم الكاتب تناصاً مع هذين العملين ويخبر القارئ أن روايته تطمح إلى كتابة الواقع بطريقة قريبة من شكل تمثيل الواقع العربي المعاصر في هذين العملين الروائيين الأثيرين إلى نفسه. وتقيم رواية مؤنس الأولى، في الوقت نفسه، جسور نسب مع الرواية الحديثة في العالم ممثلة في «البحث عن الزمن الضائع» لمارسيل بروست و «عوليس» لجيمس جويس وغيرهما من كلاسيكيات الرواية الحداثية في العالم. في تلك الرواية، التي تحكي عن انهيار القيم والمؤسسات القومية، وتشير بصورة غير مباشرة إلى تجربة مؤنس ووالده منيف الرزاز السياسية المرة، يؤسس مؤنس لشكل من الكتابة الروائية تعبر فيه التقنيات والشكل وزوايا النظر وأنواع الرواة عن أطروحة الانهيار التي تسكن أعماله الروائية التالية حيث يعمد إلى العناية بالشكل الروائي والمعمار المعقد للسرد، وتصبح تقنية تعدد الرواة وزوايا النظر حجر الأساس في أسلوب كتابته الروائية.
في «أحياء في البحر الميت» ينسحب الكاتب من عمله مختفياً وراء إحدى شخصياته مضاعفاً فعل الاختفاء بجعله شخصية مثقال طحيمر الزعل تختفي وراء عناد الشاهد. وتكمن فرادة «أحياء في البحر الميت» في هذه اللعبة السردية، حيث يصبح البناء الروائي شديد التركيب، وتصبح الشخصيات الروائية شبحية، وتنسب فعل الكتابة الروائية إلى بعضها بعضاً، فيكتب عناد الشاهد ويعيد مثقال تنظيم أوراقه. ويبدو هذا المدخل الذي تتوسله الرواية تبريراً للعبة الشكل الروائي الجديد وإيهاماً للقارئ (في لعبة تغريب بريختية معكوسة) أن العمل ليس سوى هلوسات غائب عن الوعي والعالم، ويتوسل الروائي هذا الشكل للفت انتباه القارئ إلى بؤرة التجربة وأعماقها الغائرة، أي إلى التجربة السياسية الفاشلة التي خاضها عناد الشاهد.
ليسـت «أحـياء في البحر الميت» مجرد باكورة روائية بل هي عمل تأسيسي نـجـد فـيه بــذور أعـمـال الرزاز التـالـيـة التي وسعت من أفق أطروحة الانـهيار وأقـامت من الشخصيات والأحداث والأفكار والـتأمـلات برهاناً على صحتها في الرواية والواقع. كان مؤنـس مـسكوناً بهذه الأطروحة يحاول تجسيدها في عمله الـروائي والتعبير عنها في مقالاته الصـحافية حتى تمكنت منه وأصبحت هاجسه وديدنه في الحياة والكتابة.
في روايته «اعترافات كاتم صوت» يعيد مؤنس الرزاز تركيب أطروحة الانهيار من خلال تحليل واقع المؤسسة الحزبية القومية التي تحولت إلى مؤسسة توتاليتارية مرعبة تأكل أبناءها، وتستبدل الحزب القائد بالقائد الأوحد، مؤدية إلى تبخر فكرة الثورة وعلاقتها بالجماهير التي ادعت أنها قامت من أجلها. وقد استعمل مؤنس، للتعرف الى تحولات السلطة وتوالد القمع وازدياد سطوته، تقنية الأصوات وزوايا النظر المتعددة من خلال إعطاء الكلام للقامع والمقموع والشخصيات المراقبة في الآن نفسه. وتجلو هذه الشخصيات في حكاياتها وتأملاتها فكرة التحلل وسقوط القيم والمشاريع القومية الكبرى عبر تآكل الحزب والفكرة التي يقوم عليها. وعلى رغم تخلل سيرة مؤنس الشخصية لـ «اعترافات كاتم صوت»، إذ إن أسرته حاضرة بوضوح في هذا العمل كما هي حاضرة في «أحياء في البحر الميت» وفي أعماله التالية، فإن تقنية زوايا النظر تتيح المجال للكاتب لكي يخفي، ما أمكنه، بعد السيرة الذاتية في العمل، معمقاً هذا البعد الأساسي في أعمال مؤنس الروائية كلها.
ينبغي أن نتنبه في هذا السياق الى أن روايات مؤنس تستند إلى نتف من حياته الشخصية، والأمكنة التي عايشها، والأشخاص الذين التقاهم أو أقام معهم صداقات عميقة طوال حياته. لكن هذا البعد الشخصي في تجربته الروائية يجري تغريبه، وتذويبه في مادة الرواية التجريبية التي تقوم لديه على اختبار السرد وقدرته على تصوير الواقع في رواية تشكك بمادتها على الدوام، ما يجعل القارئ في «اعترافات كاتم صوت» (التي تستند في مادتها الروائية إلى حكاية إقامة منيف الرزاز الجبرية في ظل حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين ووفاته وهو رهن تلك الإقامة وعودته إلى الأردن في تابوت) يحار في طبيعة العلاقة بين شخصية كاتم الصوت والرجل الذي يفكر في قتله. إن غاية هذا العمل الروائي هي سبر غور الشخصيات، والتعرف إلى آليات تفكير مثل هذه الشخصيات العصابية التي يستخدمها الحاكم المستبد للقتل والتخلص من مناوئيه في السلطة.
في «متاهة الأعراب في ناطحات السراب» يبني مؤنس الرزاز رواية الطبقات المتراكبة واللاوعي الجمعي الغائر، حيث يستخدم الكاتب نظرية عالم النفس السويسري كارل غوستاف يونغ عن طبقات اللاوعي الجمعي، المتراصفة طبقة وراء طبقة والتي تكرر نفسها في لاوعي الأفراد، لبحث كيفية تفكير العرب المعاصرين، والتمثيل روائياً (من خلال توالد الشخصيات من بعضها بعضاً، وحلول الواحدة منها محل الأخرى، والاعتماد في ذلك على عقيدة التناسخ) على شدة تأثير الماضي وأزماته في حياة العرب في الزمان الحاضر. ولكي يستطيع الروائي إقامة بنائه السردي الذي يستند إلى فكرة مستلة من علم نفس الجماعات، ويجعل في الإمكان تمثيل هذه الفكرة روائياً، من دون أن تتحول الشخصيات إلى مشاجب للأفكار وترجمة للقراءة النظرية للتاريخ، فإن الرزاز يستخدم أسلوب «ألف ليلة وليلة» السردي، حيث تتوالد الحكايات من الحكايات، ويتشابك السرد، وينشق وعي الشخصيات الآتية من الماضي السحيق والمقيمة في الحاضر في الآن نفسه، مؤسساً بذلك معماراً روائياً مركباً يسبر أغوار النفسية العربية في اصطدامها بزمان التكنولوجيا المعاصرة والهيمنة الغربية.
نعثر على هذه العلاقة التناقضية بين مادة الحكاية الواقعية والحكاية نفسها في «جمعة القفاري» و «مذكرات ديناصور» حيث تتميز الشخصيتان الرئيستان في هذين العملين بانفصالهما عن الواقع المحيط بهما، واغترابهما عن البيئة الاجتماعية وعدم قدرتهما على معايشة الواقع من حولهما. ومن هنا تنشأ المفارقة والباروديا (المحاكاة الساخرة) والسخرية المرة الجارحة في النص الروائي. ويكتشف القارئ أنه بإزاء عالم انكشف خواؤه الداخلي. كما تذكرنا الشخصيات التي يقوم الرزاز بتخليقها (جمعة القفاري في رواية «جمعة القفاري»، والديناصور في رواية «مذكرات ديناصور»، وبئر الأسرار في روايتي «سلطان النوم وزرقاء اليمامة» و «حين تستيقظ الأحلام») بـ «متشائل» إميل حبيبي و «الجندي الطيب شفايك» للكاتب التشيكي ياروسلاف هاشيك، وبالطبيعة المعقدة لهذه الشخصيات التي يكشف هؤلاء الروائيون من خلالها عن المستور والمحجوب من مادة الواقع اليومي، مبرزين بذلك التناقض الحاد بين المثال والواقع.
عليّ أن أشير في النهاية الى أن الأعمال الأخيرة، بدءاً من «جمعة القفاري: يوميات نكرة» (1990) وانتهاء بـ «ليلة عسل» (2000)، قد كتبت تحت ضغط التعبير عن موضوعة جديدة تطورت في كتابات مؤنس، وهي تدور حول فكرة الإنسان الهامشي، أو أبله العائلة (بتعبير جان بول سارتر في كتابه عن الروائي الفرنسي غوستاف فلوبير) أو ما يقع في دائرة الظل تطحنه الحياة اليومية الحديثة اللاهثة.
سيطرت الرغبة في فهم التحولات الاجتماعية والتكوينية التي ضربت قرية كبيرة كالعاصمة الأردنية عمان في ثمانينات القرن الماضي، إلى درجة حولتها إلى مدينة استهلاكية تشوهت فـيها الـقيم، على روايات مؤنس الأخيرة

ايوب صابر 04-12-2012 02:01 PM

مؤنس الرزاز

قراءه في الروائي الكبير والمبدع المتميز (مؤنس الرزاز )

لقد بدا منذ اللحظات الاولى لرحيلة انه جمع في شخصيته ميزات استثنائيه جعلته بحق شخصيه تحوز الاجماع الوطني العام بشقية الرسمي والشعبي مثلما كان في حياتة يحوز على رضاء جميع التيارات السياسيه والفكريه على اختلافها وتناقضاتها , لقد ولد رحيل مؤنس حالة عامه من الحزن بدا فيها الجميع شركاء في التضامن حتى ظهر انهم يعزون انفسهم ويستقبلون العزاء في الوقت ذاته .
يقول الشاعر العربي الكبير (سميح القاسم ) خسارتي في مؤنس الرزاز مثلثة خسرت فيه صديقاً عزيزاً ومثقفاً عربياً إستثنائياً , مؤنس الرزاز كان تجسيداً حياً وأصيلاً للصديق الوفي في زمن أصبح فيه الوفاء عملة نادره وهو من المثقفين القوميين التقدميين , فبقدر ما كان متشبتاً بعروبته وأصالته فقد كان منفتحاً على الآخر مقتدياً بروح الحضارة العربيه الاسلاميه , وأضاف حزني على مؤنس عميق وهو إضافة موجعه الى حزن الامه والوطن .
ولد مؤنس الرزاز في العام 1951 في مدينة السلط الاردنيه وقد تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة المطران بجبل عمان فيما كان يسمى جبيل اللويبده مكان سكن العائله تاريخياً وفي عام 1965 رحل الى دمشق في اعقاب أنتخاب والده منيف الرزاز اميناً عاماً للقيادة القومية لحزب العبث العربي الاشتراكي ومع بداية السبعينات توجه مؤنس الى جامعة اكسفورد في بريطانيا لدراسة اللغه الانجليزيه , مكث فيها سنة وعاد بعدها ليرحل الى بيروت لدراسة الفلسفه في جامعاتها غير انه لم يستطع اكمال دراسته بسبب اندلاع الحرب الاهليه اللبنانيه ليواصل دراسته بعد ذاك في العراق ويتخرج من جامعة بغداد وقد ولدت شهدت تلك الفتره ولادة مجموعته القصصيه الأولى (البحر من ورائكم ) وغادر بعدها الى الولايات المتحده الامريكيه لمواصلة دراسته العليا في الفلسفه من جامعة (جورج تاون ) غير انه عاد قبل أقل من عام الى بغداد ليشهد أنتخاب والده اميناً عاماً مساعداً للقيادة القومية لحزب البعث .
وبعد أعوام قليله قضاها في بيروت عمل خلالها باحثاً في مجلة (شؤون فلسطينيه ) عاد مؤنس الى عمان في العام 1982 وقد انطلق منذ منتصف الثمانينيات الى عالمه الإبداعي لتصل مجموع اعماله الى ما يربو على 15 عملاً استحق عنها مجموعة كبيرة من التكريمات والجوائز , فنال جائزة الدولة التشجيعية في الرواية وجائزة الدولة التقديريه في الآداب وميدلية الحسين للتفوق , كما اختارت اليونسكو روايتة الذاكره المستباحه لتقدمها للقارئ العربي في ثلاثة ملايين نسخة ضمن مشروع (كتاب في جريدة ) إضافة الى أنه كتب عنه العديد من الدراسات وأطروحات الدكتوراه والماجستير في الآداب .
عمل مؤنس منذ العام 1992 مستشاراً لوزير الثقافه ورئيساً لتحرير مجلة افكار الشهريه إضافة الى كتابته لمقال يومي في جريدة الرأي والزمان كما ترأس الهيئه الأدارية لرابطة الكتاب الاردنيين في دورة عام 1993 – 1994 وأستقال منها , كما اختير أميناً عاماً للحزب العربي الدميقراطي وتركه ايضاً .

الأدب في حياةمؤنس الرزاز

لعل تجربة مؤنس الرزاز الابداعية تعتبر واحدة من أشد تجارب المتابه وضوحاً في انحيازها وطواعيتها لسياقات المحطات الحياتيه والتاريخيه وانعكاساً وتأثيراً , حتى بدا ان المعمار الروائي الذي شاده الراحل مؤنس انما استمد مادته الأساسية من هول الأيام وهواجس الذات وتجاربها المرة , ليس رصيداً عيانياً بقدر ماهو تفاعل مع مشهدياتها وأبجدياتها سواء بالتعبير عنها أو بمحاولات الخلاص وطئ قسوتها وشدتها .
فذلك الطفل الذي سيولد لأب مناضل سيقضي طفولة مختلفه عن أقرانه فوالده الطبيب منيف الرزاز كان سياسياً معروفاً في فتره حفلت بكل عناصر الاندفاع حيث سيشهد الأبن مع ابية دورات متناقضة من التردد بين علو السلطة وإمتيازاتها وبين فداحة السجون والمعتقلات مقابل أحلام الأمه .
ان مشهد أعتقال الأب البعثي سيبقى ماثلاً لسنوات طويله في ذاكرة الطفل ذي الحساسيه المفرطه كما أن نهاية الأب في أقامته الجبرية ثم موته الدراماتيكي سيشكل ناظما أساسياً لوجان الكتابة وضميرها عند مؤنس الرزاز .
ولهذا كانت كتاباته تتأرجح بين ما هو مأساوي وفانتازي وبين ماهو خارجي وداخلي وسياسي ووجودي وبين الكآبة الشخصية ةالهجاء السياسي حتى بدا انه يعاني العالم كقضية شخصية .
فنجد مثلاً أن روايته (أعترفات كاتم صوت ) كأنها قصيدة عن سجن ابية ووثيقة للعذاب الشخصي ذلك انه جعل من جرحه الخاص موضوعاً عاماً وفناً روائياً
وفي رواياته الخرى اللاحقه ينشطر البناء الروائي موضوعياً ونفسياً كشكل آخر من اشكال إعادة بناء النفس أو محاولة التخفيف من تمزقها وكوابيسها , ربما لم تكن شخصياته الروائيه نسخاً عنه وبالتأكيد هي ليست كذلك لكنها على الأقل عاشت الإيقاع ذاته والانشطارات ذاتها , من هنا تصدعت البنيه الروائيه كمحيط حاضن لها تماماً كما تصدعت الأحلام والأحوال العامه فتركها تنحو منحنى غرائبياً هذيانياً .
دراسات ورسائل عن أدبه وتجربته .
حول تجربة الاستاذ مؤنس أعدت وأنجزت عشرات الرسائل الاكاديميه سواء في درجة الماجستير أو الدكتوراه وقد نشر بعضها في كتب وما زال الكثير منها مخطوطاً في الأدراج الاكاديميه للجامعات .
من ضمن تلك الرسائل نوقش في عام 2002 وفي قسم اللغه الانجليزيه بالجامعه الاردنيه أطروحة دكتوراه للباحثه (ريما مقطش ) تتناول فيها وبالمقارنه تجربيتي الروائي الإيرلندي جيمس جويس والراحل مؤنس من ناحية كتابة الرواية النفسيه .
حيث قامت بتحليل ومقارنة عمليه من أنتاج كل كاتب من حيث (صورة الفنان في شبابه 1916) وعوليس 1922 لجيمس جويس وأحياء في البحر الميت 1982 ومتاهة الأعراب في ناطحات السراب 1987 لمؤنس الرزاز مع بيان نقاط التشابه والاختلاف بين كلا الكاتبين .
مؤلفاته :-

.احياء في البحر الميت
. حين تستيقظ الاحلام
. سلطان النوم وزرقاء اليمامه
. فاصله في آخر السطر
.عصابة الورده الدامية
. الذاكرة المستباحه قبعتان ورأس واحد
. ليلة عسل
. أعترافات كاتم صوت
يقول الاستاذ حسين جلعاد
تجلى طموحي في أن أموت موتاً طبيعياً مبكراً لا منتحراً ...
لعل هذه المقوله واحدة من أفجع مشاهد الاعترافات التي أنكب الراحل مؤنس الرزاز على كتابتها قبل رحيله , حين كان يؤشر على سيرة جوانبه لم ننتبه الى فداحتها إلا حين فاجأنا برحيله .

المرجع : مجلة افكار الاردنيه لعام 2002

ايوب صابر 04-12-2012 02:02 PM

- تيتم وهو صغير -المصدر جريدة الغد الاردنية تاريخ 8-2-2011 ).

يتيم

ايوب صابر 04-13-2012 11:09 AM


57- رباعية بحري محمد جبريلمصر

يقول الأستاذ صلاح فضل عن هذا الكتاب:
هاهو محمد جبريل يمعن مرة أخرى_علىطريقته التي تزاوج بين عوالم الغيب والشهادة_ في كتابة الحياة البحرية من داخلها،وهي تعبق برائحة البحر حين تفوح منها رائحة الإنسان المطحون المستلب، بكل أشواقهالروحية وانتفاضاته البشرية..
...
على أن ماتمتاز به هذه الرواية لايتمثل فيكمية المعلومات التي تقدمها عن البحر والبشر، وإنما بطريقة انقداحها في أعماقالروح، لتشكل وعي الإنسان ومذاق الحياة في فمه. عندئذ نختبر توهج التجربة وهي تصنعحساسية الإنسان، وتصهر شخصيته، في لحظات الوجود المحتدمة.

ايوب صابر 04-13-2012 04:50 PM

محمد جبريل،

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
محمد جبريل، روائي وقاص مصري ولد "بالاسكندرية" في 17 فبراير1938م, وتجاوزت مؤلفاته الخمسين كتابا.
كان أبوه محاسبا ومترجما في نفس الوقت وله مكتبته الخاصة وقد أفاد محمد جبريل من مكتبة أبيه في قراءاته الأولى ويعتبرها سببا أساسيا في حبه للأدب. بدأ حياته العملية سنة 1959م محررا بجريدة الجمهورية مع الراحل رشدى صالح ثم عمل بعد ذلك بجريدة المساء. عمل في الفترة من يناير 1967 إلى يوليو1968 مديرا لتحرير مجلة "الإصلاح الإجتماعى" الشهرية، وكانت تعنى بالقضايا الثقافية. عمل خبيرا بالمركز العربى للدراسات الإعلامية للسكان والتنمية والتعمير. عمل رئيسا لتحرير جريدة الوطن بسلطنة عمان (تسع سنوات). يعمل الآن رئيسا للقسم الثقافى بجريدة المساء. تبنت الناشرة فدوى البستاني نشر أعماله الأدبية إيمانا منها بعالمية الرجل، حيث بلغت الكتب المنشورة عن محمد جبريل وأدبه (13) كتابا. نشرت بعض قصصه القصيرة في ملحق الجمعة الأدبي بجريدة الأهرام المصرية. كما درست أعماله في جامعات السربون ولبنان والجزائر. متزوج من الكاتبة والناقدة زينب العسال وله ابنان أمل ووليد. رشحه بعض المثقفين المصريين لنيل جائزة نوبل في الأدب.
محمد جبريل، روائي وقاص مصري ولد بالإسكندرية في 17 فبراير 1938م, وتجاوزت مؤلفاته الخمسين كتابا. كان أبوه محاسبا ومترجما في نفس الوقت وله مكتبته الخاصة وقد أفاد محمد جبريل من مكتبة أبيه في قراءاته الأولى ويعتبرها سببا أساسيا في حبه للأدب. بدأ حياته العملية سنة 1959م محررا بجريدة الجمهورية مع الراحل رشدى صالح ثم عمل بعد ذلك بجريدة المساء. عمل في الفترة من يناير 1967 إلى يوليو 1968 مديرا لتحرير مجلة "الإصلاح الإجتماعى" الشهرية، وكانت تعنى بالقضايا الثقافية. عمل خبيرا بالمركز العربى للدراسات الإعلامية للسكان والتنمية والتعمير. عمل رئيسا لتحرير جريدة الوطن بسلطنة عمان (تسع سنوات). يعمل الآن رئيسا للقسم الثقافى بجريدة المساء. تبنت الناشرة فدوى البستاني نشر أعماله الأدبية إيمانا منها بعالمية الرجل، حيث بلغت الكتب المنشورة عن محمد جبريل وأدبه (13) كتابا. نشرت بعض قصصه القصيرة في ملحق الجمعة الأدبي بجريدة الأهرام المصرية. كما درست أعماله في جامعات السربون ولبنان والجزائر. متزوج من الكاتبة والناقدة زينب العسال وله ابنان أمل ووليد. رشحه بعض المثقفين المصريين لنيل جائزة نوبل في الأدب.
  1. REDIRECTاسم الصفحة الهدف
أعماله

- مجموعات قصصية:
  • تلك اللحظة (1970)
  • انعكاسات الأيام العصيبة (1981) ترجمت بعض قصصها إلى الفرنسية.
  • هل (1987)
  • حكايات وهوامش من حياة المبتلي (1996)
  • سوق العيد (1997)
  • انفراجة الباب (1997)
  • حارة اليهود (1999)
  • رسالة السهم الذي لا يخطيء (2000)
  • ما لا نراه (2006)
- روايات:
  • الأسوار (1972)
  • إمام آخر الزمان (1984)
  • من أوراق أبو الطيب المتنبي (1988)
  • قاضي البهار ينزل البحر (1989)
  • الصهبة (1990)
  • قلعة الجبل (1991)
  • النظر إلى أسفل (1992)
  • الخليج (1993)
  • اعترافات سيد القرية (1994)
  • وزهرة الصباح (1995)
  • الشاطيء الآخر (1996)
  • رباعية بحري (1) أبو العباس (1997)
  • رباعية بحري (2) ياقوت العرش (1998)
  • رباعية بحري (3) البوصيري (1998)
  • رباعية بحري (4) علي تمراز (1999)
  • حكايات عن جزيرة فاروس (1998)
  • الحياة ثانية (1999)
  • بوح الأسرار (2000)
  • مد الموج (2000)
  • المينا الشرقية (2000)
  • نجم وحيد في الأفق (2001)
  • زمان الوصل (2002)
  • ما ذكره رواة الأخبار عن سيرة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله (2003)
  • صيد العصاري (2004)
  • حكايات الفصول الأربعة (2004)
  • غواية الإسكندر (2005)
  • رجال الظل (2005)
  • مواسم للحنين (2006)
  • كوب شاي بالحليب (2007)
  • المدينة المحرمة (2007)
  • البحر أمامها (2007)
  • أهل البحر (1) (2007)
  • أهل البحر (2) (2008)
- كتب في أدب المقال:
  • مصر.. من يريدها بسوء (1986)
  • قراءة في شخصيات مصرية (1995)
- كتب دراسات:
  • مصر في قصص كتابها المعاصرين (1973)
  • نجيب محفوظ.. صداقة جيلين (1995)
  • السحار.. رحلة إلى السيرة النبوية (1995)
  • آباء الستينات..جيل لجنة النشر للجامعيين (1995)
  • مصر المكان (1998)
  • البطل في الوجدان الشعبي (2000)
  • سقوط دولة الرجل (2007)
الجوائز التي حصل عليها
  • جائزة الدولة التشجيعية في الأدب عن كتابه "مصر في قصص كتابها المعاصرين".
  • وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.

ايوب صابر 04-13-2012 04:51 PM

حوار مع الروائي محمد جبريل:

أستدعي الإلهام ولا أجلس في انتظاره

حاوره: أ. د. حسين علي محمد
......................................

محمد جبريل (المولود في الإسكندرية عام 1938م) واحد من أبرز الروائيين المصريين في الجيل التالي لنجيب محفوظ، صدرت له اثنتا عشرة رواية: الأسوار (1972م)، وإمام آخر الزمان(1984)، ومن أوراق أبي الطيب المتنبي (1988)، وقاضي البحار ينزل البحر (1989)، والصهبة (1990)، وقلعة الجبل (1991)، والنظر إلى أسفل (1992)، والخليج (1993)، واعترافات سيد القرية (1994)، وزهرة الصباح (1995)، والشاطئ الآخر (1996)، ورباعية بحري (1997).
وله ست مجموعات قصصية، هي:
تلك اللحظة (1970)
انعكاسات الأيام العصيبة (1981)
هل؟ (1987)
حكايات وهوامش من حياة المبتلى (1986)
سوق العيد (1997)
انفراجة الباب (1997).
وقد كتبت عن رواياته وقصصه عشرات المقالات والدراسات لكتاب من مصر في الدوريات الأدبية والثقافية، كما صدر كتابان بعنواني: "محمد جبريل وعالمه القصصي"، و"قراءات في أدب محمد جبريل" في سلسلة "أصوات معاصرة" يضمان نحو ثلاثين مقالة مختارة مما كُتب عنه.
*منذ ما يقرب من أربعين عاما وأنت تعمل بالصحافة حرفةً، فهل ترى أن الصحافة كانت المجال المناسب لعمل الأديب؟ وهل أفدت من أجوائها في تجربتك الأدبية؟
في عام 1960م قدمت من مدينتي الإسكندرية إلى القاهرة بحثا عن الفرصة في إحدى الصحف، باعتبار أن الصحافة هي الأقرب إلى طبيعة الكاتب، حتى لو لم يكن صحفيا متخصصاً. وكان العمل بجريدة "المساء" هو مشوار العمل الأساسي، وإن عملت أثناء ذلك خبيراً بالمركز العربي للسكان والتنمية والتعمير، ورئيساً لتحرير كتاب "الحرية"، ومشرفاً على جريدة "الوطن" العُمانية.
ولعلي أصارحك بأن الفن ـ والقصة والرواية تحديدا ـ عالمي الذي أوثره بكل الود. أتمنى أن أخلص لهما ـ تجربة وقراءة ومحاولات للإبداع ـ دون أن تشغلني اهتمامات مغايرة .. لكن الإبداع الروائي في بلادنا لا يؤكِّل عيشاً، وربما أتاحت رواية وحيدة في الغرب لكاتبها أن يقضي حياته بلا عوز مادي؛ فهو يسافر ويعيش ويتأمل ويخلو إلى قلمه وأوراقه، دون خشية من الغد وما يضمره من احتياجات. لكن المقابل المحدّد والمحدود الذي يتقاضاه الأديب في بلادنا ثمنا لعمله الفني، يجعل التفرغ فنيا أمنية مستحيلة !!
من هنا كان اختياري ـ الأدق: لجوئي ـ إلى الصحافة، فهي الأقرب إلى قدرات الأديب واهتماماته وهمومه أيضا. وكنت أتذكّر المازني العظيم وهو يجد في كل ما يصادفه مادة صحفية، بينما الفن ـ وحده ـ شاغله وهواه.
وكتبت فيما أعرفه، واستعنت بالقراءة فيما لم أكن أعرفه، ووجدت في حياتي الصحفية أحيانا ما يُغري بكتابة عمل أدبي ـ مثلا روايات "الأسوار" و"النظر إلى أسفل" و"الخليج" ـ لكن الأدب ظل على هامش وقت الصحافة، أحاول الكتابة وأكتب إذا وجدت في أسوار الصحافة منفذاً. لذلك كان ترحيبي ـ متحسراً ـ بالسفر إلى سلطنة عمان للإشراف على إصدار جريدة أسبوعية ـ تحولت إلى يومية فيما بعد ـ وكنت أمني النفس بأن أدخر في الغربة ما يعينني على الإخلاص للفن، لكن الأمنية ظلت في إطارها لا تجاوزه. وكان لابد أن أكتب في موضوعات تقترب من الفن، أو تبعد عنه. وحتى لا أفقد ذاتي في سراديب مجهولة النهاية، فقد فضلت أن تكون محاولاتي أقرب إلى ما يشغلني فعلا في الفن، وفي الحياة عموما.
*ما العلاقة بينك وبين الكتابة؟ وهل من الممكن أن تتخلى عنها في يوم ما أو تتركها؟
-أكاد أتصوّر أن الكتابة خُلقت من أجلي، قبل أن أخلق أنا للكتابة. لا أتصوّر نفسي في غير الكتابة، وفي غير القراءة والتأمل وتسجيل الملاحظات والتحصيل المعرفي.
*ما تصورك للعلاقة بين القارئ والكاتب باعتبارك كاتباً لك قراؤك، وبصورة أخرى أنت قارئ لمبدعين آخرين قدامى ومحدثين؟
-العلاقة بين المبدع والمتلقي أشبه بالعلاقة بين جهازي الإرسال والاستقبال، وعلى المبدع أن يطمئن إلى سلامة توصيلاته، بمعنى أن يطمئن إلى صدقه الفني، فلا يتعمد الغموض وإنما يترك العمل يكتب نفسه مستفيداُ من خبرة الفنان وتجاربه على أن يكون الناقد في ذات المبدع هو صاحب النظرة الأخيرة التي تناقش وتحذف وتضيف، وقد يكتب الكاتب قصة في ليلة ويُراجعها في أشهر .. وهذا ما أفعله شخصيا.
*تقول في حواراتك إنك تُفضِّل أن يكتب العمل الفني نفسه .. كيف يحدث ذلك معك، أو في تجربتك الأدبية على وجه خاص؟
-تعوّدت أن أستدعي الإلهام، ولا أجلس في انتظاره. أثق أن العمر أقصر من أن نُقدِّم فيه كل ما نريد. لا أُحب جلسات القهاوي، ولا الثرثرات العقيمة، أشغل معظم وقتي بالقراءة، وأحاول الكتابة ولو بضعة أسطر كل يوم. كما أني أُفضِّل أن أبدأ العمل الفني ولست أملك سوى البداية، أو الفكرة الهلامية، ثم أترك العمل الإبداعي يكتب نفسه ـ سواء أكان قصة قصيرة أم رواية ـ. لا أخطط مسبقا لعدد الصفحات، وإنما أبدأ الكتابة وفي ذهني فكرة ما قد تكون ضبابية، ثم تبدأ الشخصيات والأحداث في التخلُّق على النحو الذي يفرضه العمل نفسه.
بدأت في كتابة روايتي "من أوراق أبي الطيب المتنبي" وفي تصوُّري أنها قصة قصيرة، لكنها طالت ـ لا أدري كيف ـ فأصبحت رواية. وقصتي القصيرة "نبوءة عراف مجنون" بدأت في كتابتها كاستقالة من العمل الذي كنت أشغله خارج مصر، فتحولت إلى قصة قصيرة. وبعد أن كنت قد أنهيت عملي اليومي في جريدة "الوطن" العُمانية التي كنت أُشرف عليها جرى القلم على الورق بخطوط وتكوينات، ثم بدأت في الكتابة ـ كانت الساعة قد جاوزت الثالثة صباحا ـ دون تفكير مُسْبَق ، أثمر قصتي "اعترافات النفس المُتداعية".
*لماذا تميل إلى كتابة الرواية القصيرة التي لا تتعدى غالباُ المائة والخمسين من الصفحات؟
-إذا كنت قد كتبت الروايات القصار "الصهبة" و"قاضي البحار ينزل البحر" و"الأسوار" و"الخليج" .. وغيرها، فإني كتبت الروايات المطولة مثل "زهرة الصباح" و"النظر إلى أسفل" و"قلعة الجبل" و"اعترافات سيد القرية" و"رباعية بحري" التي تتجاوز الألف صفحة.
*لماذا تظل رواياتك ـ بعد الانتهاء من قراءتها ـ مفتوحة للتأويل؟ ولماذا لا تكون نهاياتها حاسمة ومحددة كما يفعل غالبا نجيب محفوظ وبعض أبناء جيلك؟. بمعنى آخر لماذا لا تكون نهايات الروايات حاسمة بالنسبة للشخصيات الروائية على الأقل؟ هل لأن الرواية لها قضية تريد أن تطرحها تظل رواياتك مفتوحة ..؟
-إن إنهاء العمل الإبداعي عند نقطة معينة محددة ينطوي على تعسف مطلق في التعامل مع حيوات كان يجب أن تظل مستمرة، وهي تلك التي كانت لشخصيات الرواية قبل أن تختفي بالنهاية المغلقة. إن القصة قد تنتهي عند نقطة ما تختارها، لكنها ليست النقطة التي تنتهي عندها حياة الشخصية ـ أو الشخصيات ـ في الرواية. وإذا كان تشيكوف يرفض أن يكون الكاتب قاضيا يحكم على شخصيات عمله الإبداعي ويُطالب بأن يكون شاهدا غير متحيز فإني أجد أن انحياز الكاتب لقضية ما ـ أو وجهة نظر معينة لموقف أو مجموع ـ مسألة مهمة ومطلوبة، بل إني أتصورها بالنسبة للمبدع الحقيقي مسألة بديهية.
*كيف تنظر إلى التراث الذي لجأت إليه في بعض أعمالك في الرواية والقصة القصيرة؟
-نحن نخطئ إذا نظرنا إلى التراث باعتباره مجموعة من الأفكار القديمة والكتب الصفراء! التراث يختلف عن ذلك تماماً، إنه جِماع خبرة الشعب في توالي عصوره وأجياله بكل ما تحمله من قيم وعادات وثقافات وسلوكيات. من الصعب أن نُعيد الماضي بكامله، ومن الصعب كذلك أن نبني نهضة حقيقية، أن نضيف ونطور ونثري ما لم يكن ذلك كله مستنداً إلى تراث يأخذ منه، ويتصل به.
*ما دمنا تحدثنا عن رؤيتك للتراث، فدعني أسألك عن السبيل إلى تحقيق ثقافتنا؟
-من الخطأ أن نرتمي في حضن التراث، كما أنه من الخطأ أن نرتمي في حضن الثقافة الغربية. نحن نفيد من التراث في تحقيق التواصل، ونفيد من الثقافة الغربية في تحقيق المعاصرة. الصواب أن نفيد من التراث ومن الثقافة الغربية المعاصرة في تحقيق شخصيتنا المنفردة، في صياغة ملامح متميزة لإبداعنا وفكرنا وثقافتنا الخاصة.
أكرر: من الخطأ أن نكتفي بإحياء تراثنا القديم أو بالنقل عن الغرب، الأصوب أن نقدم معطياتنا نحن، فلا نكتفي بالنقل أو التلخيص أو حتى الاستفهام، وإنما يجب أن نضيف إبداعنا الآني.
*حاولت أن توظف التراث الأدبي في رواية "من أوراق أبي الطيب المتنبي"، وحاولت توظيف التراث التاريخي في "قلعة الجبل" و"اعترافات سيد القرية". فما الذي جذبك إلى التراث القصصي العربي، وبخاصة "ألف ليلة وليلة"؟ وماذا عن آفاقها الروائية المتخيلة في ذاكرة الروائي؟
-روايتي "زهرة الصباح" محاولة لتوظيف تراث "ألف ليلة وليلة" في عمل معاصر، وإن ظلت ليالي ألف ليلة إطاراً له. زهرة الصباح ابنة أحد الوزراء المقربين من شهريار، اختيرت لتكون التالية بعد شهرزاد، تنتظر دورها: إما أن يمل شهريار الحكي، أو تخفق شهرزاد. وتسعى زهرة الصباح خلال ذلك بواسطة أبيها، إلى الإفادة من كل ما يقرأه ويستمع إليه من الحكايات والحواديت والأساطير والسير الشعبية المصرية، تحفظها حتى تبقي على حياتها لو حل عليها الدور. وأثناء ذلك أيضا يخفق قلب زهرة الصباح بحب سعد الداخلي الملواني، الشاب المقيم في البيت المقابل، ويرضخ الأب لإرادة ابنته الزواج من الشاب، ويتم زواجهما في السر، ويحيا الشاب في قصر أبيها باعتباره خادما، وتظل زهرة الصباح تنهل مما ينقله إليها أبوها من قراءات وحكايات شفاهية، في الوقت الذي تنشط فيه حركات التذمر ضد شهريار مقابلا لإصراره على قتل بنات الناس. ويواجه شهريار ـ في النهاية ـ بغضبة الناس المعلنة، كما يُفاجأ بأن شهرزاد قد أنجبت منه ثلاثة أبناء .. وهو ما حدث في "ألف ليلة وليلة" بالفعل. ويعود شهريار عن غيه، ويعفو عن شهرزاد ممثلة لكل النساء، والسؤال يشغل الجميع: هل جرى ما جرى خوفاً من غضبة الناس، أو أن الكلمة قد أثرت في شهريار من خلال حكايات الليالي الألف، فتبدّلت أحواله؟ .. أما زهرة الصباح، فإنها تكون قد عاشت الخوف وتجاوزته، وبينما يعفو شهريار عن شهر زاد، ويعترف بأبنائه الثلاثة، تكون هي حاملا من زوجها سعد الداخلي!
*هل تعد الرواية فنا غربيا وافداً تجاوز البدايات العربية في الخبر والحكاية في أدبنا القديم؟
-الإضافات التي قدمها الإبداع الغربي إلى فن القصة والرواية بما يُجاوز معطيات الإبداع العربي القديم لا يعني اعتبار الفن الروائي والقصصي في الغرب بداية مطلقة لهما، وإلا فإنه بوسعنا أن نعتبر كل إضافة في كل زمان ومكان بداية غير مسبوقة للفن الذي ننتمي إليه، أي أننا معتبر البداية في الإضافة والتطوير، وهو اجتهاد غير مقبول، ومرفوض.
*هل يستطيع الكاتب الروائي أن يكتب عن شخصيات لم يُعايشها؟ بمعنى آخر: هل يستطيع كاتب طيب أن يصور تصويرا صادقا وغير مفتعل شخصية شريرة؟
-لقد أعلنت زوجتي ـ وهي ناقدة معروفة دهشتها من شخصية "زاو مخو" في روايتي "اعترافات سيد القرية"، لأنها شخصية تفكر في الشر وتُجيد صنعه بما يُخالف طبيعتي التي تجيد الطيبة إلى ما يشبه السذاجة أحيانا؛ فأنا أصدِّق أي كلام، وأطمئن إلى أي تصرف، وأُحسن الظن بالآخرين. أسقطت من مخزوني المعرفي ما يُسمى بالدروس المستفادة. أنا ابن اللحظة التي أحياها، وناس هذه اللحظة ربما يختلفون عن هؤلاء الذين ربما ضرني أذاهم.
"زاو مخو" هو الذات الثانية على حد تعبير "كاتلين تيلو سستون"، الذات التي تعوض الفنان، إنها المقابل أو الشخصية الضد، المؤلف الضمني كما يسميها "واين بوث". قالت زوجتي: هل أنت كل ذلك ولا أعرف؟!
والحق أني لم أكن كل ذلك، إنما هي محاولة لتقديم شخصية مستعارة، ربما جاءت تعويضا عما أثق أنه أنا. لعله التعويض الذي أتابع به ـ بنشوة مباريات المصارعة الحرة في التليفزيون. إنه شخصية تقول ما لم يفكر فيه المؤلف، ولا قاله، ولا يستطيع التفكير فيه أو قوله، فضلا عن أنه لا يُحسن العدوانية في كل الأحوال.
*لماذا تتشابك رواياتك وقصصك مع السياسة. هل أزمة أبطال رواياتك مبعثها السياسة؟ ولماذا هذا الإسقاط السياسي ضد فترة حكم معينة، وبخاصة في رواية "من أوراق أبي الطيب المتنبي؟
-مشكلة بعض النقاد مع روايتي "من أوراق أبي الطيب المتنبي" أنهم توقفوا أمام ما تصوّروه من انعكاسات أحداث قريبة، مثل فترة السادات وما صحبها من تطورات. الرواية ـ في تصوُّر كاتبها ـ لا تُناقش قضايا آنية، لكن القضية المحور هي علاقة المثقف بالسلطة من ناحية، وعلاقته بمواطنيه من ناحية ثانية. وهي قضية تلح في الكثير من أعمالي الروائية والقصصية. ثمة قضايا عدة تشملها الرؤية الشاملة، فلسفة الحياة لعالمي الإبداعي، ومن بين هذه القضايا: المُطاردة، غزو الخارج، قهر الداخل، صلة المثقف بالسلطة وبمجتمعه، وما يتصل بذلك كله من قضايا الحرية والعدل والانتماء.
*إن المطاردة وغزو الخارج وقهر الداخل كلها مفردات سياسية تنبهنا إلى أبطالك الباحثين عن الحرية. ماذا حققت روايتك "النظر إلى أسفل" موضوعيا وفنيا وهي تشتبك مع الواقع الانفتاحي الذي نشأ من منتصف السبعينيات؟
-روايتي "النظر إلى أسفل تتناول فترة تاريخية، وقد استخدمت فيها تكنيكا غير مسبوق: اللحظة الدائرية المتصلة التي يُخاطب فيها الراوي شخصية غير محددة. وظني أنها تختلف تماما في فنيتها ـ وحتى في لغتها ـ عن الروايات التي حاولت توظيف التراث.
إن "شاكر المغربي" بطل "النظر إلى أسفل" ساداتي النزعة، أو فلنقل أنه كان تعبيراً عن المرحلة الساداتية. وكان من الطبيعي في تصوري أن ينتهي ـ ولو معنويا ـ بانتهاء المرحلة. ولو أن امتدادات الساداتية ـ كما أرى ـ متعاظمة في حياتنا على نحو لم يكن متصورا، بل لعل شاكر المغربي يبدو الآن سمكة صغيرة بالقياس إلى حيتان الفترة التي نحياها!!
*لاحظتُ ـ كما لاحظ الكثير من النقاد ـ أن الإسكندرية مكاناً هي الفضاء الأثير لرواياتك، وإن كنت خرجت من فضائها في أعمال قليلة، فلماذا هذا الاستغراق الحميم في الإسكندرية وعلى وجه أخص حي بحري أو "الأنفوشي"؟
-لقد وُلدت ونشأت في الإسكندرية، لذلك فمن الطبعي أن تكون مكاناً للعديد من أعمالي، حتى الأعمال التي جرت أحداثها الحقيقية في أماكن أخرى جعلت الإسكندرية فضاء لها؛ فأحداث روايتي "الصهبة" الحقيقية جرت في قرية بالقرب من الجيزة، لكنني فضلت أن أنقلها إلى الإسكندرية ـ إلى حي بحري تحديدا ـ لأنه المكان الذي أعرف ملامحه جيدا، ومن ثم فإنه بوسعي أن أتحرّك فيه بحريتي! .. ومع ذلك فإن المكان في رواياتي لا يقتصر على الإسكندرية. أذكرك برواياتي : قلعة الجبل، واعترافات سيد القرية، والأسوار، ومن أوراق أبي الطيب المتنبي، وبوح الأسرار … إلخ.
*هل قام النقد بدوره المطلوب تجاه تجربتك الأدبية في الرواية والقصة القصيرة على امتداد ثلث قرن؟
-إذا تحدثت عن موقف النقد من حيث الكم الذي تناول أعمالي الأدبية، فلعلي أعترف أنه كثير للغاية إلى حد أن جماعة "أصوات معاصرة" ضمّت بعض المقالات والدراسات والحوارات التي ناقشت أعمالي إلى 1984م في كتابين، وثمة أعمال أخرى سابقة وتالية تفوق ما احتواه كتابا "أصوات معاصرة". ومع ذلك فإني ـ حتى الآن ـ لست مدرجا في قوائم السادة الأيديولوجيين إذا أرادوا أن يتحدثوا عن كتاب القصة والرواية يكتفون بالقائمة التي تضم ممثلي الأيديولوجية ـ أو الشلة ـ في أقل تقدير ..!
ولأني أتصور الكاتب أكبر من أي تنظيم حزبي أو أيديولوجي، ولأني أرفض مبدأ الشللية في إطلاقه، ولأني لا أتردد على القهاوي والندوات، وأُفضل الحياة مع الناس العاديين، وقضاء غالبية الوقت في بيتي أقرأ وأكتب .. لذلك كله فإن قوائم الشلل والأيديولوجيات تخلو من اسمي، وإن وجدت المقابل في حفاوة طيبة بكل ما أكتب من خلال العديد من الرسائل الجامعية. إن الأكاديميين هم الأمل في مستقبل نقدي موضوعي وجاد.
*مع أنك حصلت على جائزة الدولة في النقد الأدبي، فإنك لم تتقدم إلى جائزة الرواية أو القصة القصيرة ـ لماذا؟
-لقد ملأ الناقد الصديق نبيل فرج استمارة التقدم لجائزة الدولة في النقد الأدبي بتحريض من الصديقين: الأديب الكبير يوسف الشاروني، والناقد الراحل الدكتور سيد حامد النساج. ومن ناحيتي فأنا لا أذكر أنني تقدمت يوما بما كتبت لصحيفة أو لمسابقة. لعله الكسل في طبيعتي. وعموما فإن أفضل جائزة عندي هي أن يناقشني واحد من الذين قرأوا أعمالي فيما كتبت.
*ما الذي يشغلك الآن؟ وما الذي تريد أن تكتبه مستقبلا؟
-لدي الكثير الذي أريد أن أقوله، أفكار هلامية ومحددة وواضحة، ما يدخل في إطار الإبداع، وما يقترب من التنظير، وما لا يجاوز حتى القراءة الإيجابية. أنا أكتب ما يلح عليَّ، وما يفرض نفسه، ولا أُخطط لشيء على الإطلاق ..!
*أخيرا: ما نصيحتك للأدباء الشبان؟
-نصيحتي للأدباء الشبان ـ دائما ـ أن يحذفوا كل ما لا يحتاجه العمل الإبداعي، لا يشفقوا على عبارة جميلة، فيبقون عليها، حتى لو كانت نابية عن السياق. أذكرهم بما فعله تولستوي في "الحرب والسلام"، لقد بلغت أصولها ـ عقب الكتابة الأولى ـ أكثر من أربعين ألف صفحة فحذف الفنان تسعة أعشارها



ايوب صابر 04-13-2012 04:52 PM

ماوراء الحكايات
محمد جبريل.. ابداع برائحة البحر

حوار - نعمة عز الدين
...........................

في عام 1938 شهدت مصر انتقال القوات البريطانية من القاهرة والاسكندرية الي القناة، واستعدت مصر لمواجهة الحرب العالمية التي بدت نذرها في الافق، وخرجت الي الشوارع مظاهرات تهتف بحياة زعيم الوفد وتتهم محمد محمود بمحاولة اغتياله، واعلن عن تأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال المملكة المصرية، وارتفع فيضان النيل الي حد الخطر،
واصدر طه حسين كتابه العلامة »مستقبل الثقافة في مصر« واذاع عدد من الفنانين والكتاب الطليعيين المصريين - متأثرين بسريالية أندريه بريتون - مانفنستو »يحيا الفن المنحط« وفي خضم هذا الغليان السياسي والاجتماعي ولد الاديب الكبير »محمد جبريل« في حي بحري بالاسكندرية وبرغم انتقاله للعمل والاقامة في القاهرة فان رائحة الاسكندرية لا تغيب ابدا عن معظم اعماله، والتي نذكر منها »إمام آخر الزمان«، »من اوراق ابن الطيب المتنبي«، »رباعية بحري«، »قلعة الجبل«، »ماذكر من اخبار عن الحاكم بأمر الله«، »مصر المكان«، »مصر في قصص كتابها المعاصرين«، »قراءة في شخصيات مصرية« بالاضافة الي أكثر من 90 قصة قصيرة تجعل الولوج الي عالمه الانساني نوعا من الإبحار الممتع.
يقول »محمد جبريل«: حي بحري الذي ولد وعاش فيه طفولته نشأت في بيئة تحض عن عشق الموروث الشعبي، حي بحري شبه جزيرة في شبه جزيرة الاسكندرية الي اليمين الميناء الشرقي، او المينا الشرقية في تسمية السكندريين والي اليسار الميناء الغربي او المينا الغربية، وفي المواجهة خليج الانفوشي، ما بين انحناءة الطريق من نقطة الانفوش الي سراي رأس التين.
هذه البيئة تتميز بخصوصية مؤكدة فالبنية السكانية تتألف من العاملين في مهنة الصيد وما يتصل بها ومن العاملين في الميناء وصغار الموظفين واعداد من الحرفيين والمترددين علي الجوامع والزوايا والاضرحة، فضلاً عن الآلاف من طلبة المعهد الديني بالمسافرخانة.
واذا كان لبيئة البحر وما يتصل بها، انعكاسها في العديد من اعمالي الابداعية، فان البيئة الروحية لها انعكاسها كذلك في تلك الاعمال، مثل جوامع ابو العباس وياقوت العرش والبوصيري ونصر الدين وعبد الرحمن بن هرمز وعلي تمراز وثمة أضرحة كظمان والسيدة رقية وكشك وعشرات غيرها من جوامع اولياء الله الصالحين ومساجدهم وزواياهم واضرحتهم، وثمة الموالد وليالي الذكر والاهازيج والاسحار والتواشيح، وليالي رمضان وتياترو فوزي منيب وسرادق احمد المسيري وتلاوة القرآن عقب صلاة التراويح في سراي رأس التين، والتواشيح واحتفالات الاعياد: سوق العيد وما يشتمل عليه من المراجيح وصندوق الدنيا والاراجوز والساحر والمرأة الكهربائية، وألعاب النشان والقوة وركوب الحنطور من ميدان المنشية الي مدرسة ابراهيم الاول وتلاقي الأذان من المآذن المتقاربة والبخور والمجاذيب والمساليب، والباحثين عن البرء من العلل والمدد، بالاضافة الي المعتقدات والعادات والتقاليد التي تمثل في مجموعها موروثا يحفل بالخصوصية والتميز حين اراجع اعمالي الابداعية بدءا من قصتي القصيرة الاولي (الي الآن حوالي 90 قصة قصيرة و18 رواية) فان تأثير ذلك كله يبين في العديد من المواقف والشخصيات وفي تنامي الاحداث.
في »رباعية بحري« يشعر الكاتب الكبير محمد جبريل أنه كتب كل ما في مخزونه الروحي ووصف طفولته وصباه متنقلا بين الجوامع الاربعة قائلا: رباعية بحري عملي روائي من اربعة اجزاء: أبو العباس، ياقوت العرش البوصيري، علي تمراز، تعرض للحياة في حي بحري منذ اواخر الحرب العالمية الثانية الي مطالع ثورة يوليو 1952 لوحات منفصلة حيث تكامل اللحظة القصصية، ومتصلة من حيث اتصال الاحداث، وتناغم المواقف وتكرار الشخصيات انسية التي طالعتنا في بداية الجزء الاول من الرباعية، هي انسية التي انتهت بها احداث الجزء الرابع والاخير، وما بين البداية والنهاية نتعرف الي دورة الحياة من ميلاد وطفولة وختان وخطبة وزواج وانجاب وشيخوخة ووفاة، فضلاً عن الحياة في المعهد الديني بالمسافر خانة، وحلقة السمك وحياة الفتوات والعوالم وما يتسم به ذلك كله من اختلاف وتميز، بقدر اختلاف البيئة وتميزها، علي سبيل المثال فإن الحياة في البحر وصلة البحر واليابسة، والمؤمنين بطهارة الماء وقدرة البحر علي اعمال السحر، والحكايات والمعتقدات عن عرائس البحر والعوالم الغريبة وكنوز الاعماق، والخرافة، والاسطورة والزي التقليدي، والمواويل، والاغنيات، والامثال، والحكايات، وخاتم سليمان، والمهن المتصلة بمهنة الصيد كالصيد بالسنارة والطراحة والجرافة، واسرار الغوص في اعماق البحر، وغزل الشباك وصناعة البلانسات والفلايك والدناجل وغيره وركوب البحر، وبيع الجملة في حلقة السمك وبائعي الشروات.. ذلك كله يتضح في الشخصيات التي كانت الحياة في البحر مورد الرزق الاهم - او الوحيد - لها.
وفي قصصي القصار تتناثر لمحات من الموروث الشعبي، متمثلة في العديد من سلوكيات الحياة والمفردات والتعبيرات، وغيرها مما يعبر عن التميز الذي تتسم به منطقة بحري في حدودها الجغرافية المحددة والمحدودة: الزي الوطني، الطب الشعبي، العاب الاطفال وأغنياتهم، نداءات الباعة، الكناية، التكية المعايره، القسم، الطرفة، المثل، الحلم، وغيرها..
والحق انني حين اراجع ابداعاتي التي وظفت - او استلهمت الموروث الشعبي اجد انها وليدة العفوية - ومحاولة التعبير عن الواقع، هذا هو ما افرزته تجربة الحياة والمشاهدة والقراءة والتعرف الي الخبرات، لم أتعمد الافادة من الموروث الشعبي بل هو الذي فرض معطياته في مجموع ماكتبت مثل روايتي القصيرة: »الصهبة« وروايتي: »بوح الاسرار«، و»زهرة الصباح« وغيرها.
علي الرغم من نشأة الكاتب محمد جبريل يتيم الام - لقد ماتت والدته وهو دون العاشرة من عمره - الا انه يتحدث عن اثرها البالغ في تكوينه الابداعي قائلا: وعدت القارئ في سيرتي الذاتية »حكايات عن جزيرة فاروس« بأن يقتصر ما اذكره من الاعوام القليلة التي أمضتها امي في حياتنا علي بعض الصور او الومضات السريعة، رحلت امي قبل ان أبلغ العاشرة فتصورت ان ما اذكره لن يجاوز تلك الفترة الباكرة من حياتي فضلاً عن غياب الوعي بصورة كاملة او جزئية في الاعوام الاولي منها، لكن الذكريات التي كانت مطمورة مالبثت ان استردتها الكتابة وهو ما سجلته في »مد الموج« و»الحياة ثانية« و»اغنيات« في العديد من اعمالي الروائية والقصصية.
ولعل رصيد امي هو اول ما اذكره من أيامها بيننا، أشرت اليه في العديد من لوحات السيرة الذاتية، والقصص القصيرة وفي فصول سيرتي الذاتية، قالت الجدة في شقة الطابق الرابع انها كانت تجلس بجوار امي تعودها لما انتفضت امي - فجأة - واشارت الي مالم تتبينه العجوز وهتفت: ابعدوه من هنا! ثم سكت صوتها وجسدها امرني ابي بالنزول الي الطبيب الارمني في الطابق الاول، صعد الطبيب السلم بخطوات متباطئة وكان يقف في كل طابق، امام النافذة المطلة علي الشارع الخلفي، ربما ليأخذ انفاسه وكنت ادعوه - بيني وبين نفسي - الي الاسراع في الصعود كي ينقذ امي، أطال الطبيب تأمل الجسد الساكن، كانت العينان جاحظتين، والبطن منتفخا بصورة ملحوظة والجسد بكامله متصلبا، كأنه وضع في قالب، مال الرجل علي صدر امي وباعد بأصبعيه بين الجفنين، وضغط بقبضة يده علي البطن المنتفخة ثم هز رأسه في اسي: ماتت!
كانت امي مثلاً للحنان والقسوة في آن تثيب للفعل الطيب وتعاقب للخطأ التافه او الذي اتصوره تافها - كانت كما رويت في »مد الموج« تصر علي ان نذاكر حتي موعد النوم وترفض نزولنا للعب في الشارع الخلفي، لكنها كانت تحرص علي ان نجلس بحوار الراديو لسماع بابا صادق ثم بابا شارو في موعد برنامج الاطفال، ووافقت علي اقتراح اخي الاكبر بأن نشتري قطعة جاتوه بنقود العيدية التي اعطاها لنا خالي ووضعتها امي في درج الكومودينو وقالت امي: هل اذنت لكم قال اخي انها فلوسنا، ألقت علي الارض ماكانت تحمله، وسحبت من فوق الدولاب حبلا كانت تخصصه لعقابنا، لفته حول اقدامنا وتوالت ضرباتها بالشماعة حتي اجهدها التعب.
ماتت امي وكبرت انا وتزوجت وانجبت وكان من الطبيعي ان تعود الذكريات وتنشأ المقارنة وتتوضح معان كانت غائبة، من بينها اشفاق الابوين علي مستقبل ابنائهما والفارق بين التدليل والافساد والتعويد علي الحياة السهلة او تلك التي تحرص علي القيم كان الاشفاق والحنان والخشية من الانحراف هو الباعث وراء الايذاء المتواصل من امي.. ادركت ذلك متأخرا وبعد فوات الاوان.
يقول الكاتب الكبير محمد جبريل محدثا نفسه: قد تهبني هامشية من الخبرات اضعاف ما احصل عليه من شخصية اختزنت المعرفة فظلت ساكنة في داخل الذهن والوجدان دون تأثير حقيقي عليها، وعلي من يخالطونها وتعبير آخر فإن التأثير والتأثير، لا صلة لهما بمعرفة ولا ثقافة ولا مرحلة سنية وازعم انني افدت من رحلة امي القصيرة في حياتي ومن رفعة زوجتي زينب العسال الناصحة المشفقة المتدبرة ومن تمازج الطفولة والوعي في ابنتي امل لما لم تبدله الاعوام، ولعلني اذكر زواج خادمتنا »دهب« واستقلالها بحياتها لكنها ظلت علي صلتها الاسرية بنا، تزورنا وتسأل عن احوالنا - بالذات بعد ان رحلت امي - واضطر ابي - بتأثير المرض - الي لزوم البيت والاعتذار عن غالبية الاعمال التي عرضت عليه وكان مترجما! وعانينا ظروفا بالغة القسوة وصارحنا ابي - ذات يوم - ان »دهب« عرضت عليه مبلعا نجاوز به ظروفنا، وارفق ابي شكره باعتذار مؤدب فقد كان - كما قال لنا - يعرف ظروف دهب جيداً.
اذكر ايضا زوجة عم احمد الفكهاني في الشارع الخلفي الواصل بين بيتنا وجامع سيدي علي تمراز كانت اشد منا حرصا علي »الغديوه« التي نقيمها كل بضعة ايام، ابنها فتحي واخي وانا، نفسح لها اسفل عربة الفاكهة الصندوقية الشكل، تضيف الي ما نأتي به ثمار الفكاهة وطبق سلطة خضراء وخبز ساخن من الفرن القريب، تظل طيلة جلوسنا في ظل العربة توصينا بأنفسنا، وبالمذاكرة، وتدعو الله ان يفتح لنا ابواب المستقبل بشخصية الام المصرية في مثالها المكتمل!
................................
*الوفد ـ في 26/9/2007م



ايوب صابر 04-13-2012 09:21 PM

ظروف نشأة محمد جبريل

في عام 1938 شهدت مصر انتقال القوات البريطانية من القاهرة والاسكندرية الي القناة، واستعدت مصر لمواجهة الحرب العالمية التي بدت نذرها في الافق، وخرجت الي الشوارع مظاهرات تهتف بحياة زعيم الوفد وتتهم محمد محمود بمحاولة اغتياله، واعلن عن تأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال المملكة المصرية، وارتفع فيضان النيل الي حد الخطر، واصدر طه حسين كتابه العلامة »مستقبل الثقافة في مصر« واذاع عدد من الفنانين والكتاب الطليعيين المصريين - متأثرين بسريالية أندريه بريتون - مانفنستو »يحيا الفن المنحط« وفي خضم هذا الغليان السياسي والاجتماعي ولد الاديب الكبير »محمد جبريل« في حي بحري بالاسكندرية وبرغم انتقاله للعمل والاقامة في القاهرة فان رائحة الاسكندرية لا تغيب ابدا عن معظم اعماله.

- واذا كان لبيئة البحر وما يتصل بها، انعكاسها في العديد من اعمالي الابداعية، فان البيئة الروحية لها انعكاسها كذلك في تلك الاعمال، مثل جوامع ابو العباس وياقوت العرش والبوصيري ونصر الدين وعبد الرحمن بن هرمز وعلي تمراز وثمة أضرحة كظمان والسيدة رقية وكشك وعشرات غيرها من جوامع اولياء الله الصالحين ومساجدهم وزواياهم واضرحتهم، وثمة الموالد وليالي الذكر والاهازيج والاسحار والتواشيح، وليالي رمضان وتياترو فوزي منيب وسرادق احمد المسيري وتلاوة القرآن عقب صلاة التراويح في سراي رأس التين، والتواشيح واحتفالات الاعياد: سوق العيد وما يشتمل عليه من المراجيح وصندوق الدنيا والاراجوز والساحر والمرأة الكهربائية، وألعاب النشان والقوة وركوب الحنطور من ميدان المنشية الي مدرسة ابراهيم الاول وتلاقي الأذان من المآذن المتقاربة والبخور والمجاذيب والمساليب، والباحثين عن البرء من العلل والمدد، بالاضافة الي المعتقدات والعادات والتقاليد التي تمثل في مجموعها موروثا يحفل بالخصوصية والتميز .

-في »رباعية بحري« يشعر الكاتب الكبير محمد جبريل أنه كتب كل ما في مخزونه الروحي ووصف طفولته وصباه متنقلا بين الجوامع الاربعة قائلا: رباعية بحري عملي روائي من اربعة اجزاء: أبو العباس، ياقوت العرش البوصيري، علي تمراز، تعرض للحياة في حي بحري منذ اواخر الحرب العالمية الثانية الي مطالع ثورة يوليو 1952 .

- والحق انني حين اراجع ابداعاتي التي وظفت - او استلهمت الموروث الشعبي اجد انها وليدة العفوية - ومحاولة التعبير عن الواقع، هذا هو ما افرزته تجربة الحياة والمشاهدة والقراءة والتعرف الي الخبرات، لم أتعمد الافادة من الموروث الشعبي بل هو الذي فرض معطياته في مجموع ماكتبت مثل روايتي القصيرة: »الصهبة« وروايتي: »بوح الاسرار«، و»زهرة الصباح« وغيرها.

-علي الرغم من نشأة الكاتب محمد جبريل يتيم الام - لقد ماتت والدته وهو دون العاشرة من عمره - الا انه يتحدث عن اثرها البالغ في تكوينه الابداعي قائلا: وعدت القارئ في سيرتي الذاتية »حكايات عن جزيرة فاروس« بأن يقتصر ما اذكره من الاعوام القليلة التي أمضتها امي في حياتنا علي بعض الصور او الومضات السريعة، رحلت امي قبل ان أبلغ العاشرة فتصورت ان ما اذكره لن يجاوز تلك الفترة الباكرة من حياتي فضلاً عن غياب الوعي بصورة كاملة او جزئية في الاعوام الاولي منها، لكن الذكريات التي كانت مطمورة مالبثت ان استردتها الكتابة وهو ما سجلته في »مد الموج« و»الحياة ثانية« و»اغنيات« في العديد من اعمالي الروائية والقصصية.

- ولعل رصيد امي هو اول ما اذكره من أيامها بيننا، أشرت اليه في العديد من لوحات السيرة الذاتية، والقصص القصيرة وفي فصول سيرتي الذاتية، قالت الجدة في شقة الطابق الرابع انها كانت تجلس بجوار امي تعودها لما انتفضت امي - فجأة - واشارت الي ما لم تتبينه العجوز وهتفت: ابعدوه من هنا! ثم سكت صوتها وجسدها امرني ابي بالنزول الي الطبيب الارمني في الطابق الاول، صعد الطبيب السلم بخطوات متباطئة وكان يقف في كل طابق، امام النافذة المطلة علي الشارع الخلفي، ربما ليأخذ انفاسه وكنت ادعوه - بيني وبين نفسي - الي الاسراع في الصعود كي ينقذ امي، أطال الطبيب تأمل الجسد الساكن، كانت العينان جاحظتين، والبطن منتفخا بصورة ملحوظة والجسد بكامله متصلبا، كأنه وضع في قالب، مال الرجل علي صدر امي وباعد بأصبعيه بين الجفنين، وضغط بقبضة يده علي البطن المنتفخة ثم هز رأسه في اسي: ماتت!




- يقول الكاتب الكبير محمد جبريل محدثا نفسه: قد تهبني هامشية من الخبرات اضعاف ما احصل عليه من شخصية اختزنت المعرفة فظلت ساكنة في داخل الذهن والوجدان دون تأثير حقيقي عليها، وعلي من يخالطونها وتعبير آخر فإن التأثير والتأثير، لا صلة لهما بمعرفة ولا ثقافة ولا مرحلة سنية وازعم انني افدت من رحلة امي القصيرة في حياتي ومن رفعة زوجتي زينب العسال الناصحة المشفقة المتدبرة ومن تمازج الطفولة والوعي في ابنتي امل لما لم تبدله الاعوام، ولعلني اذكر زواج خادمتنا »دهب« واستقلالها بحياتها لكنها ظلت علي صلتها الاسرية بنا، تزورنا وتسأل عن احوالنا - بالذات بعد ان رحلت امي - واضطر ابي - بتأثير المرض - الي لزوم البيت والاعتذار عن غالبية الاعمال التي عرضت عليه وكان مترجما! وعانينا ظروفا بالغة القسوة وصارحنا ابي - ذات يوم - ان »دهب« عرضت عليه مبلعا نجاوز به ظروفنا، وارفق ابي شكره باعتذار مؤدب فقد كان - كما قال لنا - يعرف ظروف دهب جيداً.

يتيم الام قبل سن العاشرة.



ايوب صابر 04-14-2012 09:26 AM

58- صنعاء مدينة مفتوحةمحمد عبد الولياليمن





صنعاء مدينة مفتوحة

أشعلتالرواية حرائق كبيرة في فضاء الساحة الثقافية اليمنية لا لتميزها وإبداعها عندالنزر اليسير من المعترضين, وإنما لوجود بعض الفلتات اللفظية على لسان بطل الرواية (نعمان), والذي أدى إلى تلاسنات لفظية ومنازلات فكرية وعراكات مريرة امتدت إلىإشهار سيوف الحسبة والتكفير والدخول إلى دهاليز المحاكم. الرواية لوحة فنية وأدبيةلمجتمع ما قبل الثورة اليمنية, فالظلم هو الظلم في الشمال (الإمامة), والجنوب (الاستعمار). فالرواية تعبير عن الإرهاصات الأولى لقيام الثورة اليمنية (26 سبتمبرفي الشمال, 14 أكتوبر في الجنوب). فالميزة الرئيسية لأبطال الرواية الغربة, تتقاطعأنفاسهم وأرواحهم مع الواقع, وتدخل في تناقضات رهيبة للخلاص من الواقع الكئيب. فشخوص الرواية (أبطالها), (نعمان - محمد مقبل - الصنعاني - البحار (علي الصغير..), قد احترقت أناملهم بالواقع, واكتووا بنيران الظلم والعذاب, ولم يبق أمامهم من مفرسوى مواجهة الواقع بموضوعية وحذر, وإحداث انقلاب حياتي في المجتمع, لأن الظلم واحدفي اليمن وأن تعددت أطيافه, ولابد من لحظة خلاص منه. إن بطل الرواية (نعمان), عاشفي غربة ومكابدات نفسية وروحية وضياع افتقد فيها الهدف لحياته وفي أحايين كثيرة كسرالواقع أجنحة أحلامه, وظل أسيرا لحياة الغربة والانهزام حينا من الزمن حاول نسيانالواقع ومداواة جراح الغربة الروحية والنفسية, ولكن دون جدوى, فالضبابية والضياعصارت عنوانا لحياته السقيمة. وفي نهاية المطاف تستيقظ روح التمرد في نفوس أبطالالرواية, ويقتنعون من أن لا سبيل لإصلاح المجتمع إلا بمواجهة الذات, والابتعاد عنحياة الزيف ومواجهة الفساد والظلم وتغيير الواقع إلى الأفضل.



تحميل رواية ............................. صنعاء مدينة مفتوحـــــــــــة



منهنــــــــــــــــــــا


http://www.mediafire.com/?nvyewi686idfzzv

ايوب صابر 04-14-2012 09:44 AM

صنعاء مدينة مفتوحة

عمل واقعي ، مكتمل النضج ، وقطعة أدبية زاخرة بالمشاعر ، جسدت بعمق ونفاد طابع الصراع الاجتماعي والسياسي في المجتمع اليمني في الحقبة الأولى من حقب النضال السياسي المنظم ضد الامامة ، كما جسدت بامتلاء شخصياتها وتنوع مصائرها ، توق الشعب اليمني عامة إلى كسر سجن الطغاة وبناء عالم أفضل ....

وقد تفنن عبد الولي في تصوير غشم السلطة الامامية وعدائها للمجتمع وعبر عن سخطه لشخص الحاكم من خلال شخصية البحار الذي يدخل قلاع الامامة الظالمة ـ بيت عامل زبيد – وقد كان البحار في السادسة عشرة انذاك ونجح في معاشرة بعض حريم البيت في انتقام اخلاقي.. قصورهم تفضح نفسها بانحلال نسائها ، لقد اخذ البحار في النهاية ما أراد ثم ولي هاربا عبر البحر منتصرا برجولته على تسلط الامامة ..

ونجد أن إحدى شخصيات رواية محمد أحمد عبد الولي "صنعاء مدينة مفتوحة" التي هاجرت في عمر الشباب إلى شرق أفريقيا تقدم تجربتها للأجيال التالية من أبناء وطنها، وتنصحهم من خلال الكلام الموجه إلى نعمان بطل الرواية بأن يواجهوا مصير بلدهم. وتقول الكلمات المعبرة عن تلك التجربة: "كنت مثلك. أحاول أهرب من واقعي. حملت السلاح وقاتلت الناس .. ناس لا أعرفهم .. ولا يعرفوني. وليس بيني وبينهم عداوة.. ولكني قتلتهم. قاتلت مع الإيطاليين. وقاتلت ضدهم. كنت أبيـع نفسي لمن يريد شـراء أداة لإطلاق الرصاص" (صنعاء مدينة مفتوحة، صفحة 38).

وتعبر الرواية عن التطلع إلى حياة المدينة عن طريق وصفها لحياة القرية القاسية واللهفة لترك تلك الحياة والعودة إلى عدن: "آه يا صديقي كم أنا مسرور .. وحزين أيضا .. مسرور لأنني سأغادر "مقبرة الموتى" هذه، وأرى مدينة الأحياء من جديد. وحزين لأنني سأغادر فتاة الجبل" (نفس الرواية، صفحة 12). ولا جدال في أن الحياة في القرى كانت شديدة القسوة. وهي تعاني من اعتماد المعيشة على الزراعة الموسمية بالأمطار في الوقت الذي قد يحدث فيه الجفاف في أي وقت. وحسبما جاء في صفحة 17 بنفس الرواية فإنه كلما تأخر هطول الأمطــار "ازداد خوف الناس عن ذي قبل وبدأ شبح المجاعة يعود إلى أذهانهم .. خاصة وأن مجاعة 1948 ما زالت ماثلة في أذهانهم .. ولم يزل الكبار يذكرون كيف كانوا يأكلون العاص وحده" (وهو خبز جاف من دقيق الدخن وقد يخلط أحيانــا بدقيق الذرة ).

كما أن هطول الأمطار يؤدى في بعض الأحيان إلى زيادة تفاقم المأساة عمقا حيث تفضي غزارتها أحيانا إلى تدمير وتخريب كل شيء: المباني والزراعة والمدرجات. وفضلا عن ذلك فإن السيول المتولدة عن الأمطار قد تجرف الحيوانات والإنسان مع التربة الطينية للأراضي وتقضي على حياة الجميع ..



أما وضع المرأة الريفية "ليست سوى خادمة .. للأرض .. للبيت .. والزوج. إنها مجــرد زهـرة تتفتح قليــلا ثم تموت .. حين ينهكها العمـل. وكذلك هي زوجتي .. كانت ناضرة .. كزهرة .. فأصبحت الآن عودا يابسا. وأصبحت .. رغم أنها لم تتجاوز الخامسة والعشرين .. عجوزا .. كأنها على أبواب قبرها" (محمد أحمد عبد الولي، صنعاء مدينة مفتوحة، صفحة 18).


صنعاء مدينة مفتوحة رواية ..محمد عبد الولي صدرت عام 1977م
صدر له أيضا /
الأرض يا سلمى مجموعة قصصية ..محمد عبد الولي 1966م
شيء اسمه الحنين .. مجموعة قصصية ..لمحمد عبد الولي 1972
يموتون غرباء ..رواية ..محمد عبد الولي عام 1971


علي السقاف جده


ايوب صابر 04-14-2012 09:45 AM

نبذة النيل والفرات:
"اندفعت لأنقذ ما أستطيع من بقايا أحلامي. ونسيت كل شيء حولي، الرصاص، والهمج والنار، وكنت أجري هنا وهناك ألعن كل ما قابلته. وكل من لاعني بالنهب؟ كانت صنعاء حقاً مدينة مفتوحة للغجر... للهمج وشعرت بالتعب. وشعرت أن لي بيتاً. وعائلة. وطفلة جميلة انهار مستقبلها بانهيار ما كنت أملكه من مال. وأحسست ببرودة تسري في داخلي. حين تصورت أنه قد يحدث لمنزلي ما حدث لدكاني. وكنت عندئذ بعيداً عن المنزل. فأطلقت ساقي للريح. دون أن أعبأ بمن أقابلهم".

ايوب صابر 04-14-2012 09:48 AM

صنعاء مدينة مفتوحة – منازلات فكرية واحتساب
المصدر : مجلة نزوى

لقد وقعت في حرج لا أحسد عليه, عندما انقطعت بي السبل في الحصول على رواية القاص اليمني المبدع محمد عبد الولي؛صنعاء مدينة مفتوحة«, ذلك أن هذه الرواية قد أشعلت حرائق كبيرة في فضاء الساحةالثقافية اليمنية لا لتميزها وإبداعها عند النزر اليسير من المعترضين, وإنما لوجودبعض الفلتات اللفظية على لسان بطل الرواية (نعمان), والذي أدى إلى تلاسنات لفظيةومنازلات فكرية وعراكات مريرة امتدت إلى إشهار سيوف الحسبة والتكفير والدخول إلىدهاليز المحاكم. واستخدمت الرواية في مناورات سياسية, ومناكفات وتقاطعات شديدة, وحمل النص وبعض الملافظ, أكثر مما تحتمل التأويلات للنصوص الأدبية والفكرية, وكأنكاتب الرواية الذي مات في حادث درامي عام 1973م, كان يهدف من وراء الرواية الفسادلا الصلاح, واختلط الحابل بالنابل عند ثلة من المثقفين, وعجزوا عن تلمس طريقهمالسوي وسط زحام شديد وتراشقات لا معنى لها, أرهقت المتصارعين, وأبعدت فصيلا منهمعن جادة الصواب.

2- الغربة والتمرد:

لقد عاش القاص اليمني محمد عبدالولي في القسط الأكبر من حياته تعيسا , كان يجد متعته في الكتابة, فالكتابة على حدتعبير كاترين أن بوتر:-

ليست قضاء وقت فراغ جميل, هي ليست شيئا يحدث بلاألم, إنها مهنة مرهقة وجادة(1).

لقد أرهقته الحياة, وأرهقته الكتابة فيحياته, ومن وراء كتاباته تطارده التهم والرذيلة وهو تحت الثرى, يقول أرنستهمنغواي:-

إن الكتابة, هي الرذيلة الكبرى, واللذة الكبرى, لا فكاك منها سوىالموت (2) فالموت لم يرح الروائي اليمني محمد عبد الولي الراحة الأبدية, بسببالتعاجم في التأويل للنص الأدبي, ولقد قال أحد المفكرين:

لا يمكن أن تتذوقالفن, إن لم تمتلك ثقافة فنية.

فالمبدعون: ليسوا ملزمين بالإيضاح المسطح, أوالبساطة, أو العفوية المسكينة, أو بوضع الملعقة في فم القارئ (3).

إنالقراءة الحصيفة للرواية وسعة الإدراك, تجنبان القارئ الوقوع في التسطيحات وتساعدهعلى تكوين ذائقة فنية وجمالية, وعلى الغوص في أعماق الواقع, بعيدا عن البهرجاتاللفظية والفسيفسات الشكلية.

إن القاص محمد عبد الولي قاص وروائي على قدركبير من الموهبة, وصاحب قدرة عالية في عكس الواقع بلغة شعرية شفافة. ولقد تأثركثيرا باللغة والتكنيك القصصي للقاص الروسي تشيكوف, وبحنا مينا, ويوسفادريس.

فلم يكن مترعا بالرومانتيكية, بل كان واقعيا ينتمي إلى المدرسةالواقعية, وهو ليس كمن:- (يمسك ورقة وقلما ويرسم إلها وبرتقالة).

فهويمسك ورقة وقلما ليرسم واقعا حيا بتفاعلاته, وديناميكيته وبتقاطعاته وبألوانهالطيفية الحياتية, إنه كاتب متمرد على الواقع, واقع الفساد والرذيلة, والسكونوالجمود, يمسك القلم لتصوير الواقع بفن وإبداع, ويشير بسبابته إلى موطن الضعف والجبن في المجتمع, يكره العادات الرتيبة والتقوقع, وتمرده ليس موضة, أو عبارة عنعنفوان شباب, وإنما هو التمرد الواقعي والسليم, ليخلق مجتمعا أكثر إنسانيةواستقامة.

لقد أدرك عبد الولي ضرورة تغيير الواقع, والخروج عن الجمودوالرتابة, فبطل الرواية نعمان يقول:-

- أنا.. شاب مندفع لا يحب مطلقا أنتعيش بلا عجل.. بلا حركة.. بلا خفة.. وشعرت بالسأم بعد أيام من وجودي فيها (القرية)...

- الناس يا صديقي هم ناس بلادي.. بدون تفكير بدون أمل فيالمستقبل.. بدون شيء.. يأكلون القات.. مرتاحون ولا حديث لهم إلا عن (فلان).. وعن (فلانة).. أحاديث تصيبني بالغثيان كلما استمع إليها. فأهرب من الناس.. ومننفسي..(4)

فمحمد عبد الولي في رواياته وقصصه, لا يريد من الجمهور أنيتعاطفوا مع أبطاله, ولا يقصد إلى إثارة المشاعر والأحاسيس العاطفية الشكلية, يريدمنهم أن يشاركوا في الحدث, أن يتحولوا إلى عمليين, يدفعهم إلى التغيير والثورة علىالظلم والأوضاع البائسة.

لم يقع كغيره من الناشئين في شبكة التقليدوالمحاكاة. وظل يكتب على سجيته, دون التفات إلى حصيلته الثقافية.. فلقد كانتمرارة التجربة التي عاشها والصبا هي المسيطر الأول على إنتاجه...(5).

شهدتالقصة اليمنية في حياة محمد عبد الولي ازدهارا لم يسبق له مثيل. ويعود في ذلك إلىتنوع تجربته الثقافية وموهبته الفنية التي صقلها بدراسته فن القصة (6).

فشخصية القصة والرواية عند محمد عبد الولي, اتسعت رؤيتها وانتقلت منالحالة الفردية إلى ؛النموذج« أي اليمن وأيا ماكان إزاء ظروف لا تشبه المأساةالكونية التي يتعرض لها البطل القديم, بل هي ظروف إنسانية وفي متناول يدنا, وفيمقدورنا تغييرها, أو ينبغي ذلك, من هنا لم تعد القصة تثير العطف أو الإشفاق أوالإعجاب, بقدر ما تثير روح التغيير للظروف الخارجية وإنقاذ الضحايا, ولم يعدالمجهود الفردي كافيا , فلن يغير من الأمر شيئا (7).

- لا تنسوا أنتم.. أنهذه الأرض. لن تنفصل عنكم مهما هربتم. إنها جزء منكم. تطاردكم. ولا تستطيعونمنها فكاكا . أنتم يمنيون. في كل أرض.. وتحت كل سماء..

- أريد: عملاأشعر فيه بأنني إنسان كبير.. إنسان يتضامن مع الجميع. الحب.. الحب هو ماأريده.. إنني أؤمن أن بلادنا, لا يفرقها استعمار أو استبداد..

إننا لانستطيع عمل شيء لأنفسنا.. ولا أرضنا.. ولا حتى لهؤلاء العساكر.. إذا لم نخلق منجديد.. نخلق كل شيء.. الناس.. الأرض.. الوادي.. حتى أنفسنا. أننا لا نستطيع أننعيش مع الحمير في حظيرة واحدة. لا أن نعامل معاملة الحمير. يجب أن نجد لأنفسنامفهوما .. وأن نعرف حقيقتنا(8).

لقد حبك الكاتب خيوط نصه بمهارة الصانعالملم بأسرار صناعة السرد, وترك للقارئ مناسبة ملاحقة بناء النص وتتبع عوامله, وهودائم التساؤل عن سر الحكي الذي ضبط مساره, ويحدد وجهته, إذ لا يمكن تكوين فكرة عامةعن هذا النص إلا بعد الانتهاء منه.. إن كل ذلك يجعلنا أمام نص متكامل العناصروالبناء, فهو كتلة واحدة, متراصة العناصر والأجزاء, وأي إهمال لأي منها لا يمكن إلاأن يسهم في تشويش الرؤية, كما أن أي إغفال لأبسط علاقة فيه لا يتولد عنه إلا اختزالالنص, عدم النفاذ إلى جوهره, أو الكشف عن باطنه, والوقوف عند أهم ملامحه وخصائصه (9).

3- الرواية والإحتساب:

الرواية لوحة فنية وأدبية لمجتمع ما قبلالثورة اليمنية, فالظلم هو الظلم في الشمال (الإمامة), والجنوب (الاستعمار). فالرواية تعبير عن الإرهاصات الأولى لقيام الثورة اليمنية (26 سبتمبر في الشمال, 14أكتوبر في الجنوب).

فالميزة الرئيسية لأبطال الرواية الغ ربة, تتقاطعأنفاسهم وأرواحهم مع الواقع, وتدخل في تناقضات رهيبة للخلاص من الواقعالكئيب.

فشخوص الرواية (أبطالها), (نعمان - محمد مقبل - الصنعاني - البحار (علي الصغير..), قد احترقت أناملهم بالواقع, واكتووا بنيران الظلم والعذاب, ولم يبقأمامهم من مفر سوى مواجهة الواقع بموضوعية وحذر, وإحداث انقلاب حياتي في المجتمع, لأن الظلم واحد في اليمن وأن تعددت أطيافه, ولابد من لحظة خلاص منه.

إن بطلالرواية (نعمان), عاش في غ ربة ومكابدات نفسية وروحية وضياع افتقد فيها الهدفلحياته وفي أحايين كثيرة كسر الواقع أجنحة أحلامه, وظل أسيرا لحياة الغ ربةوالانهزام حينا من الزمن حاول نسيان الواقع ومداواة جراح الغ ربة الروحيةوالنفسية, ولكن دون جدوى, فالضبابية والضياع صارت عنوانا لحياتهالسقيمة:-

- يا صديقي إني تائه لا أدري ما الذي أعمله.. (10).

وفيلحظة التأمل يأتيه صوت صديقه محمد مقبل, ليحدث هزات في عقله وضميره:-

- عديا نعمان ولا تهرب. سواء كنت في عدن أو في القرية.. فأنت تمارسالمأساة.(11)

وفي نهاية المطاف تستيقظ روح التمرد في نفوس أبطال الرواية, ويقتنعون من أن لا سبيل لإصلاح المجتمع إلا بمواجهة الذات, والابتعاد عن حياة الزيفومواجهة الفساد والظلم وتغيير الواقع إلى الأفضل, وقبل قليل من تكشف الحقيقةومعرفة الهدف, تموت زوجة نعمان (هند) وطفلها لع سر في الولادة:-

- كم كانتصموتة.. لا تتحدث كثيرا ولكنها تبتسم.. ولا تتألم ولا تشكو.. كانت في المنزلوكأنها ليست موجودة.. دون صوت.. دون ضجة.. حتى عندما نخلو.. كانت هادئة دائما .

هل أنت سعيدة.. فتهز رأسها.. كلا.

هل تشكين من شيء.. فتهزرأسها.. كلا.

هل تريدين شيئا .. فتهز رأسها.. كلا (...)

لقد كانت (الدينامو) الذي يسير كل شيء فيه.. إن المنزل يشكو الألم.. وكل ركن فيه يردد.. لمسات يدها.. الحانية.. لقد كانت أما .. حتى للأحجار.(12)

فبموت ؛هند« تتملك بطل الرواية (نعمان), كآبة وهوس وتشنجات لا حدود لها, فيقع فريسة للمرضوالهذيان, ويكاد لا يصدق أنها ماتت, ولماذا ماتت?!! وكيف ماتت?!! لقد شعر بالذنبوالمأساة, لأنه أحبها دون اكتراث وبعبثية. أما في لحظة الصاعقة, الموت أنبجستمشاعر الحب الحقيقية من كل مسامات جسمه, وتحول قلبه إلى كتلة من اللهب والتشوقلهند... وتقوده الكآبة والاضطرابات والتشنجات إلى حالة من الهيستيريا والانفعالاتاللاشعورية, وتتساقط من لسانه بعصبية غير مألوفة كلمات ليست مستساغة, لقد فقدتوازنه وغابت أحاسيسه الحية إلى حالة من الهذيان مخاطبا المولى عزوجل:-

لماذا أخذت يا رب (هند) ما الذي عملته?

لماذا لا يدعنا الله (الله) نتمتع بشبابنا? (13).

لقد وقع بطل الرواية (نعمان) في حالة غيرطبيعية, وتساقطت من لسانه ألفاظ تعبر عن حالة الغيبوبة واللاوعي التي وقع فيها, وهذه فلتات تحدث وقت الشدة والغصب في غير مكان وغير زمان.. فالصوفيون مثلا فيحالة الغيبوبة واللاوعي تصدر عنهم تخيلات وتوهمات وشطحات لا يؤخذون عليها لأنهم لايقصدون التطاول على الذات الإلهية أو التعالي عليها, وإنما يدخلون في حالات منالغيبوبة والحلول والتوحد والزهد والمشاهدة, معها يصعب تكفيرهم ووصمهم بالكفروالزندقة. وقد وضعت الصوفية مبدأ التغير في الثبات باعتباره القوة السارية لتنقيةالقلب في ثلاثية المعرفة والمحبة والمشاهدة أو ثلاثية القلب والروح والسر, وطابقتبينها بالشكل الذي جعل من وحدتها (الثلاثية) أسلوب وحدة السر (أو الحقيقة). فالقلبهو المعرفة والروح هي المحبة, والسر هو المشاهدة. في تقلبه يتدرج إلى الروح, وفيارتقائه يرتقي إلى السر. أو أن تقلب القلب بين أصابع الرحمن يؤدي به إلى معرفةالوجود ومحبة كل ما فيه على أنه تجل للحق. ويكشف بدوره عن مشاهدة السر أو المعنىفي جزئياته اللامتناهية (14).

لقد وقف الإمام محمد الغزالي (1059-1111م), ضدتكفير الصوفية, وهذا هو عبد الرحمن بن خلدون (1332-1406م) في المقدمة يقولعنهم:-

الألفاظ الموهمة التي يعبرون عنها بالشطحات ويؤاخذهم بها أهل الشرع, فأعلم أن الأنصاف في شأن القوم أنهم أهل غيبة عن الحس والواردات تملكهم حتى ينطقواعنها مالا يقصدونه. وصاحب الغيبة غير المخاطب والمجبور معذور.. (15).

إنالإسلاميين مدعوون إلى عدم المسارعة في إشهار سلاح التكفير والتهويل والتفسيق ناهيكعن التحريض على العنف, وليذكروا ما نقل عن الإمام مالك إمام دار الهجرة من كراهيتهالرد على أهل البدع, حتى لا يعين ذلك على إشاعة بدعتهم. وكم من كويتب أو شويعرنكرة متروك جعل منه التشهير رمزا للعبقرية والإبداع تتسابق المطابع وأدوار الترجمةعلى نشره ويتخطفه القراء (16).

فرواية »صنعاء مدينة مفتوحة« صدرت قبل مايربو على عشرين سنة ومن الصعب على القارئ أن يجد اليوم نسخة في المكتبة أو الأسواق, ود رست في الجامعات, وم ثلت في مسلسل إذاعي, وقراء الرواية نزر يسير من المثقفين, لم تلفت انتباههم الفلتات اللفظية, بل كانوا يركزون على مضمون العملالروائي:-

إن الرواية تبدو نقدا اجتماعيا للواقع, من خلال تصوير مأساته, وتبدو محاولة لإعادة ترتيب الماضي, ومحاكمته, وتبدو تبريرا للحاضر معا . إنهاتبدو كل الأشياء, وتبدو ضباب الأشياء من خلال الدموع والمآسي, وتبدو لاشيء غيرغيبوبة واهية تحملنا إلى أول الطريق كي نموت مرتين. أو نزهر من خلال الموت ورداءحمراء هي الحياة. لذا كان الموت ليس دلالة اجتماعية وسياسية فحسب, ولكن قضيةوجودية ونفسية أيضا , هذا ما يختاره المؤلف منذ لحظة الولادة (17).

وقبلسنوات جرى تكفير العدد العديد من المثقفين اليمنيين والعرب في اليمن, ولقد وقفالمفكر الإسلامي أمين هويدي مندهشا للتحشيد والتثوير والمغالاة في التصنيف, ففيصنعاء:-

جرت محاكمة علنية في مساجد صنعاء وشوارعها للشاعر نزار قباني. كانتتهمته أنه (يسخط) الذات الإلهية, ويستخفف في أشعاره بسبحانه وتعالى.. لقد قلت لمنأعرف في (مقايل) صنعاء, أن المساس بالعقائد أو بالغيب مفسدة ما في ذلك شك, لكنانشغال كل الناس بهذه القضية مفسدة أكبر. إذ أزعجني حقا كثرة ما سمعت من تصنيفاتتضع البعض في دائرة الكفار, والبعض الآخر في دائرة الفاسقين, بينما يضم آخرين إلىقائمة المرتدين.

وقلت إذا انشغلت الأمة بمثل هذه الأمور, فمن ذا الذي يبنيويعمر ويصحح, خصوصا في بلد كاليمن هو أحوج ما يكون إلى كل عقل ويد, وكل لحظةوساعة, ليختصر الزمن وينتشل الناس من التخلف الذي يعانون منه? (18).

إن فضاءالحياة الثقافية يحتاج إلى مزيد من الانفتاح الواعي والمثاقفة وإلى روح التسامحوالإخاء, واحترام الرأي والرأي الآخر, ولقد قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي:- رأيي عندي صواب يحتمل الخطأ, ورأي غيري عندي خطأ يحتمل الصواب.

فالحريةضرورية في حياتنا ولا نستطيع أن نتنفس بدونها: فحرية التفكير والكلام والكتابةدعامة لكل حكم صالح. وحرمان المواطنين من هذه الحريات بحجة أنهم قد يسيئوااستعمالها, أمر لا يقل سخافة وحماقة من منعهم من استخدام الشموع تخوفا من الحرائق (19).

ويتراءى لي, إن نشر »الثقافية« لرواية القاص محمد عبد الولي »صنعاءمدينة مفتوحة«, كان بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس عند نزر من الناس, والذينيضيقون ذرعا بآراء الآخرين. فثمة أناس من هذا الفصيل قد ج بلوا على فرض اللونالواحد وعلى الغلبة في أوضاع غير عادية, ويريدون إعادة سابق مجدها, في أوضاع عصيةالرجوع إلى زمن فارط. ونحن نعيش في كنف الحاضر, من الصعوبة بمكان إدعاءالديمقراطية والحرية الفكرية للذات دون الآخرين:-

إن عقلا متنورا ويمارسالاستبداد هي معادلة لا يقبلها المنطق والواقع. والإنسان الذي يقرر اعتقال عقلغيره يكون في الوقت ذاته قد قرر اعتقال عقله ومن يريد الديموقراطية, ويكون منسجمامع ذاته, عليه أن يريدها للآخرين. أما من يريد الديموقراطية لنفسه ومصلحته فقط, وحجبها عن الآخرين ومصالحهم, فهو كمن يتزوج من جثة لا إنسان. والفرق بين ممارسةالديموقراطية وممارسة الاستبداد هو الفرق بين ممارسة الحب وممارسةالعنف(20).

إن أقوم سبيل لتسوية الإعوجاجات والهفوات إن وجدت, هو النقدالهادف ومقارعة الحجة بالحجة والرأي بالرأي, وعدم تسفيه الآخرين, وإثارة النعراتوتحشيد الناس لصب الزيت على النار, وإشعال حرائق لسنا بحاجة إليها. إن ما نحتاجههو أن نغرس في القلوب حب الآخرين واحترام أفكارهم واتجاهاتهم الفكرية والإبداعيةحتى في حالة الاختلاف معهم.

إننا نحتاج إلى تفتيق العقول وتنوير النفوس, وأننجعل هذه القلوب والنفوس عامرة بالحب والإيمان فلا يمكن أن تتطور الأنظمة والعلوموالفنون والبشر دون الحرية, فهي المدماك الذي يشكل قاعدة للتطور والازدهاروالنماء.

ولا يجب استخدام القوة والعنف في كتم أنفاس الآخرين, لإن ذلك يعدتشويها لروح المدنية: فالناس متساوون: في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقلوالوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء (21).

إننا في زمننحتاج فيه إلى مزيد من العلم والثقافة وسعة الصدر وانفتاح العقل, إننا لازلنا نتلمسطريقنا صوب الديموقراطية, وعليه لابد أن نتعلم فن الاختلاف, وفن الاتفاق, لابد أننتعلم النقد الهادف ونتقبل نقد الآخرين وقناعاتهم.

فلقد سقطت كل الأصناموالهياكل التي ادعت امتلاك الحقيقة لوحدها, وألحقت أضرارا فادحة بالثقافة والحريةوالانفتاح.

لقد مضى زمن محاكم التفتيش عندما كان المفكرون والمتنورونيصلبون, وتقطع رؤوسهم وأناملهم وألسنتهم وتفتش قلوبهم وضمائرهم.

إننا معالثقافة المنفتحة والعصرية مع ثقافة النقد ضد ثقافة الكبت والإلغاء والاحتواء: إننامع التنوير: وحرية تبادل الأفكار والآراء هي أثمن حق من حقوق الإنسان لذلك يحق لكلمواطن أن يتكلم ويكتب ويطبع بحرية على أن يكون مسؤولا عن إساءة هذاالحق...(22).

إن كل العقلاء والطيبين يسعون باتجاه توطيد مدماك الديموقراطيةفي المجتمع, وحتى يتوطد هذا المدماك سيحدث هرج ومرج, وقد يتخالط أحيانا الصلاحبالطلاح, إلا أنه لابد من دفع ثمن لنمو شجرة الديموقراطية والحرية: فينبغي ألا نكفربالديموقراطية ذاتها, فالأم التي ترغب في مولود يخرج من رحمها محكوم عليها أن تتحملغثيان الوحم, وضربات الجنين وتقلباته, وأيضا كل ما يلزم من الحيطة والحمية, ثم مايتلو ذلك كله من عسر في الوضع, وأحيانا ولربما هذه حالنا, ما قد يتطلبه ذلك منعملية قيصرية. إذا فالديموقراطية في مجتمعاتنا العربية ليست قضية سهلة, ليستانتقالا من مرحلة إلى مرحلة, بل هي ميلاد جديد, وبالتأكيدعسير.(23)

وأخيرا »أما الزبد فيذهب جفاء, وأما ما ينفع الناس فيمكث فيالأرض«.(24)

سمير عبدالرحمن الشميري كاتب واكاديمي من اليمن

ايوب صابر 04-14-2012 09:48 AM

محمد عبد الولي

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

ولد محمد عبد الولي في 12 نوفمبر 1939م بمدينة دبرهان الأثيوبية عن أب يمني وأم أثيوبية، وكان والده من المهاجرين الذين انضموا إلى حركة الأحرار اليمنيين.
  • أمضى طفولته في أثيوبيا، حيث درس في مدرسة الجالية اليمنية بأديس أبابا من ثم عاد من غربته سنة 1946م.
  • سافر للدراسة في الأزهر يمصر سنة 1955م، وشارك في تأسيس أول رابطة للطلبة اليمنيين التي انعقد مؤتمرها التأسيسي سنة 1956م.
  • طرد مع 24 طالبا من مصر سنة 1959م، بتهمة الانتماء إلى الشيوعية، وسافر بعدها إلى موسكو ودرس في معهد غوركي للآداب الشهير لمدة عامين، من ثم عاد إلى أرض الوطن بعد الثورة في شمال الوطن في سنة 1962م.
  • انضم للسلك الدبلوماسي قائماً بأعمال سفارات الجمهورية العربية اليمنية في موسكو وغيرها من البلدان إلى أن تفرغ لافتتاح داراً للنشر بتعز.
  • سجن بعدها لمدة عام سنة 1968م، وأعيد إلى سجن القلعة مكبلاً بالقيود مرة أخرى سنة 1972م.
  • له عدة أعمال طبعت منها مجموعته الأولى سنة 1966م ومجموعته الثانية سنة 1972م. وترجمت بعض أعماله إلى الفرنسية والروسية والألمانية والإنكليزية.
  • أشهر روايته "يموتون غرباء" مسلسلة في صحيفة "الشرارة" عام 1971م ومن ثم طبعت في بيروت في دار العودة عام 1973م. وله رواية أخرى هي "صنعاء مدينة مفتوحة"، وقد تعرضت الأخيرة لحملة تكفير عام 2000م.
  • مات محترقاً في طائرة عام 1973م.
رغم مأسويتها الفادحة، تبدو الصورة كاريكاتورية بذات الدرجة، وإلا كيف يمكن وصف هذا: محمد عبد الولي يظل صباح 30 إبريل 1973م على مقعده في الطائرة الأنتينوف روسية الصنع التي أعدت لـ "التحليق" به ورفاقه في رحلة خاصة – قيل لهم يومها– أنها "تعريف لهم على معالم البلد". وقبل الإقلاع بلحظات تقتحم الطائرة كلمات، معلومات أو أياً كانت التسمية لتطرق آذاناً معينة طالبة من أصحابها مغادرة الطائرة، وبيمنا كان ذوو الآذان المحظوظة يغادرون بطن الطائرة استمرت آذان 42 ديبلوماسياً ومثقفاً بينها أُذنا أبرز قاص وروائي يمني، على المقاعد المخصصة لها. وباللجوء إلى المخيلة قليلاً: يمر الأشطل وباذيب مثلاً بآذانهما المحظوظات من جوار محمد عبد الولي الذي يلتفت إليهما ناصحاً بأن أعظم لحظات الإنسان هي في التعرف على معالم بلده. هذا مجرد تخيل، وما ليس تخيلاً أن الروائي ذي الأذنين السيئتي الحظ تعرف على معالم بلده، بالمعنى الأعمق. أقلعت الطائرة من مطار عدن في رحلة خاصة جداً أخذت صفتها هذه، لحظتئذ، من خصوصية شخصياتها وهدفها الذي قيل أنه تعريف الأخيرة على معالم البلد، إلا أن الخصوصية أتت بعد ذلك من صوب آخر تماماً، تفجير الطائرة إن لم يكن تحديداً اغتيال أبرز القاصين والروائيين اليمنيين. كان محمد عبد الولي خرج لتوه من سجن تعز الذي دخله بسبب انتماءاته اليسارية ليغادر مطار المدينة التي سجنته إلى عدن بتصريح من القاضي عبد الرحمن الإيرياني رئيس اليمن الشمالي حينذاك، ولقد طار إلى معقل اليسار في الجزيرة العربية ظاناً أن حياة مديدة وآهلة انفرشت أمامه للتو، لكن الطائرة الأنتينوف قالت شيئاً آخر حاسماً و... أليماً. وصل محمد عبد الولي عدن بالتزامن ووصول عديد دبلوماسيين جنوبيين استدعتهم قيادة الحزب الاشتراكي الحاكم وقتذاك من الخارج بدعوى التشاور. ولما كان هؤلاء الدبلوماسيون قد صنفوا منحرفين عن خط الحزب وانتهازيين يمنيين ظلت كلمة للتشاور سبباً عاطل النية ، ففي وقت كان مثل تصنيف يعني الخيانة العظمى ، لم تكن الخطوة التالية له لتحيد عن التصفية الجسدية . ومثلما عاد الانتهازيون اليمنيون إلى عدن معتقدين أن المسألة لن تتعدى كلمة للتشاور التي حملها قرار استدعائهم الرسمي، صعدوا طائرة الانتينوف في رحلة ظنوها فعلاً للتعرف على معالم البلد. أقلعت الطائرة من مطار عدن وهبطت سالمة في مطار شبوة حيث جرى – على الأرجح – تلغيمها ولم يمر طويل وقت على استئنافها الرحلة نحو حضرموت حتى انفجرت في الجو. وسوى أشلاء محمد عبد الولي ورفاقه كانت أِشلاء آخرين ستتساقط محترقة على تراب الجنوب ولم يتم ثنيهم عن الرحلة وإخراجهم من بطن الطائرة، قبل إقلاعها، في مطار عدن، ويقال أن أبرز المسئولين أمن الدولة آنذاك أمروا بإخراج بعض الشخصيات التي لم تصنف، انتهازية يمنية، من الطائرة. وفيما كانت هذه الشخصيات أبرزها عبد الله الأِشطل وعلي باذيب، سفير اليمن الجنوبي حينها في الأمم المتحدة وألمانيا على التوالي، تغادر الأنتينوف قبل إقلاعها، ظل الانتهازي اليمني محمد عبد الولي على مقعده في انتظار معالم البلد التي سيتعرف عليها عن كثب .. ولكن بأشلائه. وإذا ما تعرف صاحب يموتون غرباء على معالم بلده في الشمال سجيناً فإنه تعرف على معالم بلده في الجنوب قتيلاً. ولد محمد عبد الولي في 12 نوفمبر 1939م بمدينة دبرهان الأثيوبية عن أب يمني وأم أثيوبية وربما كان هذا ما حداه تكريس غالب أعماله لهجرات اليمنيين وحياتهم في أثيوبيا جاعلاً من أوضاع المولدين، إن لم تكن معاناتهم في اليمن وأثيوبيا ، ثمة أساسية في كتابته. ولمحمد عبد الولي ثلاث بنات وأبن واحد، أيوب وبلقيس من زوجته الراحلة مشلي، فيما أنجب من زوجته السويدية الراحلة أيضاًَ سارة وفاطمة وهو درس في مدرسة الجالية اليمنية بأديس أبابا، ومن ثم في القاهرة، قبل أن يطرد من مصر في يونيه 1959م بتهمة الانتماء لليسار، وأنهى دراسته في معهد غوركي للآداب بموسكو، ليعود بعد ثورة 26/9/1962م إلى اليمن، حيث شغل عدداً من المناصب الحكومية متبوعة بمناصب دبلوماسية خارج البلد. وإذ رحل عن حياة قصيرة لم تتعد الـ 34 عاماً على مثل نحو لمثل حادث تفجير إرهابي لم يكن غريباً عن مضمار الأحداث اليمنية، فإنما تأكيداً صدفويا على المدى الذي وصله تشابك مصير محمد عبد الولي مع مصائر شخصياته المروية، هنا لم تكن المأساة مستعدة لأقل من أن تترك أشد بصماتها رسوخاً وسفوراً على مصير الفنان ومنحوتاته الروائية. والحال لم يأت تكفير محمد عبد الولي عام 2000، وبعد اغتياله بربع قرن إليه التنكيل المستمر بتراثه الروائي، إلا من ذات الباب الذي أتى منه سجنه، واغتياله تعريفه على معالم البلد، ولئن بدا هذا ديدن اليمن المحارب للإبداع فإنما أيضاً بالموازاة وكونه بلداً ضد الاختلاف والتعدد الذين مثلهما محمد عبد الولي على أشمل ما يكون ذاك ابتداءً من ولادته لأم غير يمنية مروراً برحلاته زيجاته وحكاياته. .......................

ايوب صابر 04-14-2012 01:24 PM



محمد عبد الولي ..سيرة موجعة وكتابة مغلفة بالحنين (القصة الكاملة )

إعداد/ سامي الشاطبي

بين يدي سيرة رجل:

هذه المرة ..عليك ان لا تنتبه ..لأني اكتشفت الطريق الذي مر منه قبلك.. في ذلك الطريق الموحش ثمة مخاطر اجتاحت خط حياته حتى ان بعضها كادت تعصف به لولا مجابهته إياها بقوة وصبر وعزيمة اكبر مما كنت أتصور أو يتصور شخص طيب وقوي مثلك ..في المقابل لم يخلو الطريق من الأفراح والأتراح في خلطة نهائية مخرجاتها شخص انتج الكثير على المستوى الادبي ما يجدر بنا تتبعه وعلى ارض الواقع وبالمشاهدة والمعايشة .
انه القاص والروائي الأديب الأستاذ محمد عبد الولي الذي شغلت كتاباته السردية الساحة اليمنية في حياته ومماته ومازالت صداها حتى اللحظة تتسع وتتمدد محليا وعربيا وعالميا في رسالة واضحة لم تكتف حمامة واحدة بارسالها كما في حياته بل كن حمامات حفظن محتوى الرسالة ورحن يطوين السماء ينشرنها من جيل حمامي إلى اخر من دون تعب او كلل وكأنه واجب وطني مقدس.
لقد كتب الكثير عن نتاج الأستاذ عبد الولي كاتب يموتون غرباء وشيء اسمه الحنين وصنعاء مدينة مفتوحة وعدة اعمال أخرى لكن قراءتي لنتاج هذا الأديب والتي قابلتها زيارتي للحي الذي ولد فيه في ارض المهجر اثيوبيا والمدرسة التي درس فيها في أديس أبابا والحي الذي تلقى في مدرسته تعليمه الثانوي في القاهرة والأماكن التي ارتادها وزارها هنا في اليمن فتحت لي الباب لانهل من هذه المعايشات والمشاهدات والقراءات ما شكل صورة أوضح عن سيرة هذا المبدع الموجعة وكتاباته المغلفة بالالم في خلاصة لا يسعني امامها سوى استئذانكم للبدء:-

في البدء كانت اثيوبيا:

(اليمن لقد نسيتها انني انتظر الموت فقط ..لن يعرفني احد هناك اذا عدت..لا احد بقي معي هناك ..لن أعود ..قد يعود ابنائي يوما ما اذا ما عرفوا ان اباهم كان غريبا..وقد لا يعودون ..قد يظلون مثلي غرباء )
مقتطف من رواية كتبها لعبد الولي كتبها قبيل اغتياله عام 1987م فمن هو عبد الولي ولماذا تلك الجملة المريرة بالذات عن وطن المهجر وعن وطنه ولماذا لم يوثق لقصه حياته في المهجر ..كثيرا ما قذفت بي هذه التسأولات في دوامة من من الحيرة الكبيرة ..كلما نهضت صباحا على صوت المطر في اديس ابابا
لم يلاحظ الزملاء لهفي ذلك إلى ان حملتني اقدامي إلى منطقة سدس كيلو والتي عاش فيها عبد الولي زهرة شبابه قبل ان يعود إلى ارض الوطن.
ففي زيارة خاطفة لي لأثيوبيا قبل عدة أشهر كان موعدي الأول مع محمد عبد الولي بالتحديد في حي سدس كيلو ويعني حي ستة كيلو والذي ولد فيه عام 1940م
اختلست ساعات من الزملاء وذهبت اليه وحيدا في موعد سري اذ لا يجب ان يعرف احد بهذا اللقاء التاريخي
كنت سعيدا ..غنيت للكون والمدن التي هاجر اليها اليمانيون وبكيت لوطن لا يملك متسعا من الحلم ليستوعب ابناءه
امام السفارة اليمنية ثمة طريق فرعي واسع نسبيا .. حي سدس كيلو يبدأ من هذا الطريق ..خطوت ..لا احمل ما يوثق اسطري غير صدقي ..هناك في الطرف الاخر للحي وجدته صبي يدرس في مدرسة الجالية اليمنية الإثيوبية الواقعة في حي ماركاتو القريب من سدس كيلو جالسا امام مجموعة أشجار تزيين منزل اسرته في بلد عبارة عن غابة رائعة مسترخيا يذاكر
عدت بذاكرتي الى الوراء قليلا في مراجعة سريعة لحياة اسرته ..محمد عبد الولي احد اعمده الابداع السردي في بلادنا وهو من مواليد اديس ابابا العاصمة الاثيوبية من اب يمني وام اثيوبية فقد تغرب والده من اليمن وهو من قرية تسمى حارات في ( حيفان) مدينة تعز وذلك هربا من جور الامام في الشطر الشمالي سابقا واستبداد الاستعمار الانجليزي في الشطر الجنوبي سابقا ..
لقد ظن احمد عبد الولي العبسي بان فراره الى عدن سيكون الملاذ الامن له من مطاردة الامامة له لكونه ممن ينتمي الى حركة الاحرار الداعية الى الانقلاب على الحكم الامامي لم يجد امام احمد عبد الولي خيارا سوى الهجرة من الوطن وعن طريقة هجرته المؤلمة والموجعة في ان معا قال الاستاذ خليل الاصبحي :- بواسطة بعض التجار اليمنيين الذي كان لهم علاقة ببعض البحارة وأصحاب السفن الشراعية ومن على دكة الشيخ سعيد وعلى متن زعيمه شراعية كما كانت تسمى هاجر الى بلد مجهول ومن ميناء عصب انتقل الى العاصمة الأثيوبية اديس ابابا
عدت الى لحظتي ..تأملت محمد عبد الولي مليا ..اخ لكم هي اثار الهجرة كارثية ..تعرفت عليه ..ومن قصة ابو ريبة وجهت له عددا من الاسئلة فكانت الإجابات كالتالي:-
سـ:- شخصية أبو ريبة ذلك الرسام المقيم في ارض المهجر أثيوبيا كان قد دعاك في قصة أبو ريبة إلى العودة إلى اليمن ..ما الحوار الذي دار بينكما؟
- تعرف ان بلادك.. هناك.. جميلة ..كلها جبال وأشجار وشمس ووديان ...ايش عرفك ...ما كنت في اليمن
- لا
- ايش عرفك ..اسمع لازم تروح اليمن ..ايش تسوي هنا ..ايش معك هنا في بلاد الناس ؟
- لم اجبه.. انني اعرف ان بلاد والدي بعيدة..
سـ: برأيك لماذا يهاجر اليمنيين بهذه الارقام الماهولة ؟
- كل اليمنيين ليش يهاجروا ..هم خوافين ..ما قدروا يجلسوا في بلادهم وهربوا منها خلوها للملاعين ..آه أنت ما تعرف بدأو بالهجرة من ألف سنة يمكن أكثر ..قالوا سد مأرب تهدم ومن هدمه فأر صغير ..شوف كذابين ..هم هدموا السد بفسادهم ..ما قدروا يبنوا سدود ثانية ..هربوا
سـ:- خوف وهرب ..لكن المهاجر كالغريب وما يعانيه المهاجر من غربة وما يواجهه من محن كبير ولا يقاس بما يعانيه في وطنه ..اليس الوطن ارحم من ارض المهجر؟
- في اليمن الواحد في بلاده اما هنا نحن في بلاد الناس تعرف الواحد غريب عيب يتفرجوا علينا ويقولوا شوف هذا اليمني يمشي حافي ولا ثيابه مقطعة.. لكن ايش نسوي؟
سـ: أبو ريبة ..ذلك المهاجر اليمني أين انتهى مصيره ؟
- بعد خمس سنوات غادرت اديس ابابا إلى عدن وفي ضجيج مقهى من مقاهي الشيخ عثمان وانا جالس احتسي قدحا من الشاي لمحته مقبلا ..صرخت ..ابوريبة ابوريبة ..التفت ألي وقبل ان اتمكن من القيام لمعانقته كان قد ترك المقهى وولى خارجا ..جريت وراءه الا انه غاب في الزحام ..كان في ملابس ممزقة وقدمين حافيتين وفي وجهه اثار بؤس .

العودة الاولى:
عاد محمد عبد الولي في العام 1946م حينها كان عمره ست سنوات عاد إلى الوطن الام لكن هذه العودة لم تنتهي باستقراره في الوطن الام بصورة وشكل نهائيين اذ بدت وكأنها زيارة أولى لأخرى ستدوم ..اذ بعد عام عاد إلى أثيوبيا ومع عودته عدت الى زملائي في الفندق المطل على العاصمة اديس ابابا في عودة بدت وكأنها زيارة عابرة سأعود بعيدها الى عبد الولي .. لا ادري ما الذي جعلني اعتقد بان الخوف من ان يلقى كل مهاجر مصير ابو ريبة هو السبب الرئيس لما قلبني رأسا على عقب ..

في مدرسة الجالية اليمنية:
أنشئت مدرسة الجالية اليمنية الاثيوبية في العام 1948م على ايدي التجار اليمنيين وتخرج منها الالاف من الطلبة اليمنيين وغير اليمنيين ..وقد بلغت طاقة المدرسة الاستيعابية حوالي الف ومائتين طالبة وطالبة منهم ثلاث مئة في الصفوف الثانوية وتخضع المدرسة لأشراف وزارة التربية والتعليم اليمنية
والجالية تعتبر اهم مؤسسة يمنية في المهجر اذ استطاعت ترسيخ جذور تاريخية في عمق الشارع الاثيوبي فهذه الجالية التي تأسست خلال فترة التواجد الكبير للمغتربين اليمنيين والذي قدر عددهم آنذاك بنصف مليون انشئت بهدف ربط المواطن اليمني بوطنه وضمان حصول ابناءه على التعليم وحمايته من أي اخطار قد تعترضه ولها عدد من التكوينات القاعدية والقيادية ..امانة الجالية ..وهي امانة منتخبة .يقوم اعضاء الجالية ويتكونون من المهاجرين اليمنيين كل أربعة سنوات بانتخابها ومن فروعها مدرسة الجالية اليمنية الاثيوبية التي التحق عبد الولي للدراسة فيها في العام 1949..م ..خطوت باتجاه المدرسة ..تجاوزت حارس المدرسة بهدوء ..لم يلتقت نحوي كأنه كان على علم باني على موعد مع رائد القصة اليمنية ..كان الوقت في راحته والطلبة منشغلين اما بالاكل او اللعب ..هناك في احدى زوايا ساحة المدرسة وجدته ..جالسا ..مستغرقا في الكتابة اذ كان من ابرز واوائل طلاب المدرسة ومصدر فخر للمدرسة حتى انه لم يكن يمر عام الا وكرمته المدرسة
قالت والدته عنه :-
كان ..ذكي في دراسته وكان من اوائل الطلبة في المدرسة على مستوى الجالية العربية كلها وكانت الجالية اليمنية تفاخر به وتقوم بتكريمه سنويا كما كان سريع البديهه واسع الخيال نشيط في القراءة والكتابة وتدوين الاحداث في اوقاتها

إلى القاهرة:
عندما انتهى من المرجلة الاعدادية في المدرسة اليمنية سافر إلى القاهرة في رحلة بدأت دراسية بدرجة اولى والتحق بمدرسة المعادي النموذجية الثانوية في حي المعادي اتذكر باني وبعد (50) عاما من التحاق عبد الولي بالمعادي زرت القاهرة ومررت بحي المعادي وهو احد الاحياء المفصلية في العاصمة واني تذكرت ان هذه الارض التي قال الله عنها (وادخلوا مصر امنيين ) احتضنت واحدا من اهم رجالات السرد في بلادنا بل واثرت مخيلته ورفعت من درجة ذائقته الادبية اذ مكنته من أم معظم المحافل الأدبية وحضور العديد من الندوات وتكوين صداقات عديدة مع اغلب الادباء والفنانين المصريين
لكن ،،،
لكن ضرورات العلم كانت فوق كل قرار فقد حسمت ضرورة مواصلته العلم واكمال دراسته في موسكو مسألة انقطاع تواصله الأدبي بالقاهرة

البيت الاحمر:

أمام شخصية متنقلة ورثت التنقل عن أباها كعبد الولي ..من اليمن إلى أثيوبيا ومرة أخرى إلى اليمن ومن ثم إلى القاهرة ومن ثم إلى موسكو خلال (23) عاما فقط سيبدو العالم صغيرا حتما ففي موسكو والتي انتهى عبد الولي من إكمال دراسته التي بدأها في أثيوبيا وتدرجت في القاهرة وانتهت في روسيا وتحديدا في معهد جوركي للاداب يلاحظ وبقوة ان روسيا التي أنجبت كبار الأدباء في العالم لم تترك أثرا حقيقيا في إثراء نتاج عبد الولي بل على العكس بدا تأثره بالكاتب الروسي جوركي بارزا وهائلا لدرجة ان قصته وكانت جميلة لم تختلف في شكلها وإطارها عن قصة العمال لجوركي

ايوب صابر 04-14-2012 01:25 PM

عبد الولي متأثرا ام مقتبسا ام:

وفي محاولة رهيبة لنفي تهمة الاقتباس لدى عبد الولي تدخل الأستاذ محمد عبد الله في كتابه (الشعر القصة المسرح) مدافعا عنه بقوله
(أوضح ..ان محمد عبد الولي يصل في اختياره لهذه القصة إلى مرتبة جوركي فكلاهما يعالج نفس القصة وان كنت اعتقد ان قصة وكانت جميلة لا يمكن ان يكتبها الا من كان قد عاش حياة عبد الولي ومعروف ان جوركي اديب عالمي والربط بينهما لا يدعونا لاغفال الفوارق الموضوعية بين فنيهما واحب ان انوه ان قصة جوركي في واقعها وقضاياها تختلف كل الاختلاف عن قصة وكانت جميلة والتي تصور واقعا يعرفه كل الناس في اليمن ..كل ما هنالك ان محمد عبد الولي بفكره الثاقب استطاع ان ينقل الينا اكبر قضية شغلت اليمن في تاريخه الحديث مع الاختلاف الواضح بين اسلوب وطابع ومضمون القصتين)
افتقاد المستقبل:

الاستاذ محمد صالح حيدرة علل هذه النقطة من زاوية اخرى :- بدا محمد عبد الولي متأثراً بأدب جوركي وتشيخوف اللذان يمثلان المذهب الواقعي فقد كرَّس أدبه على أساس هذا المبدأ الإنساني عبر النظرة الواقعية للحياة ، وللواقع للضرورة.. غير أن منهج محمد عبد الولي اقتصر على تصوير الأشياء بما يعني التحريض ضدها.. وهو نقده للواقع ، وتعريته وافتقاده للميزة الأخرى وهي التبشير بالمستقبل لا يعني أنه لا يفقه ما يريده ، لأنَّ نقد شيء تعني ضمناً أن هذا الرفض ينطلق من رؤيا للبديل)



العودة الى الوطن:

في العام 1954م عاد الى ارض الوطن حيث عمل في البداية في مديرا عاما للطيران اليمني في تلك الفترة تزوج من قريته الاعبوس حيفان وانجب منها بكرته بلقيس وايوب ..فيما بعد تقلد منصب مدير عام مكتب رئاسة الجمهورية ومن ثم قائما باعمال السفارة في موسكو وبرلين ومقديشو وخلال تلك الفترة تزوج من امرأة سويدية وانجب منها ابنتيه سارة وفاطمة
وقد كتب عددا من الاعمال الروائية والقصصية وطيلة هذه المدة لم يسلم عبد الولي من المؤامرات والمطارة والسجن والتي فصلها بكل بشاعتها في قصص مثل عمنا صالح وريحانه وذئب محلة
وفي العام 1968..م تعرض للسجن للقعلة في سجن انطلقت اليه في زيارة منفردة ..لم يكن معي احد سوى قلبي الدامي لما وصل اليه حال هذا المبدع ..كان جالسا ينظر باتجاه فتحة خلفها مسمار ..كان قد انتهى لتوه من كتابة قصة ريحانه والتي اجابت على الكثير من اسئلتي

حب خلف القضبان:

سـ:- تعرضت للسجن عام 1968م ..كيف تصف السجن؟
- الزنزانة صغيرة اثنا عشر قدما في ثمانية اقدام التراب تجمع كبحيرات صغيرة في انحاء الغرفة وكل يوم ترسل صنعاء إلى الزنزانة المزيد من هذا الحبات الناعمة من ترابها.. لو كان يوجد ماء معي في الغرفة لحولتها إلى حديقة زهور ..زهور هنا في القلعة زهور يا رب ما ابعد الصورة.
الزنزانة فارغة سوى من مسمار مغروس في الجدار استطعت استخراجه بعد جهد الباب موصد طوال الوقت لا يفتح الا عندما يرد الرسم الازعاج .
سـ:- وماذا ايضا؟
على جدران الزنزانة اسماء لمساجين سبقوني اليها صالح علي الشيخ الذاري مطهر اسماء غريبة وعجيبة تحت كل اسم عبارة لا تتغير ..أنا مظلوم يارب خارجني واظلم من ظلمني..لم اكتب اسمي هناك.. تذكرت بيتا من الشعر كتبته تحت الأسماء وبعد ان حورت في البيت :
دخلنا إلى السجن صغر الوجوه كما تدخل الطير أقفاصها
سـ:- كيف بدت لك صنعاء من خلف القضبان ..؟
- يا الهي كم تبدو صنعاء جميلة من هنا ..المسمار يعمل جهده والفتحة بين اللوحين تكبر وصنعاء تبدو من خلالها اكبر فاكبر ..المستشفى..المدرسة وخلفهما العرضي ومقبرة خزيمة وجزء من السور الجنوبي ..منازل صنعاء تبدو من هنا وكأنها منظر غواصة ..البيوت بيضاء وسوداء ..على مدى امتار من سور القلعة ..سقف بيت كبير ..السقف كبير وواسع.
..مع التاسعة ماتت الشوارع ..عيبان يبدو مسودا بغضب ولكن الانوار لاتزال تخفق فوق صنعاء ..مع العاشرة كان الحي المجاور للقلعة قد نام ولكن بعض الانوار في وسط المدينة لا تزال تقاوم صلاة ..صلاة
الفجر يرسل تباشيره من خلف جبل نقم هادئا ولطيفا ..السماء صافية تماما والشعاع القادم من بعيد يطارد الظلام بخفة والظلام يهرب من على عيبان ..السماء تبدو واضحة وبيضاء مع لو ن خفيف وازرق ولكن اللون القادم من وراء نقم بدأ يتحول إلى لون برتقالي فاتح سينتقل الان من هناك إلى عيبان ..الظلام يبتعد عن عيبان بعيدا نحو الرحبة والسماء تزرق قليلا ولون برتقالي فاتح يتراقص فوق الجبل والهضاب النائمة في احضان عيبان واضحة ..بيوت بيضاء ورمادية وتبدو قرية حدة اكثر جمالا الان حتى لون الاشجار تبدو الان خضراء بوضوح..الضوء يتراقص الان من فوق نقم قويا وفتيا وأشعته تنعكس بسرعة على قمم عيبان وفوق منازل القرى هناك ولكن الظل لا يزال يخيم على المدينة وتحت اقدام عيبان ..لا تزال سحابة صغيرة من الندى ترتبط بالارض بقوة وكذلك بعض الحقول بجوار المطار اما الرحبة فلا زال الظلام يقاوم بيأس المدينة تكبر وتكبر تحت اضواء الصباح ..سيارات قليلة تمرق هنا وهناك ولكن الناس لايزالون في البيوت ..
سـ:- ولياليك خلف القضبان ؟
- المساء حزين هنا ..
- سـ:- اليوم الاول في السجن كيف تصفه ؟
مر اليوم الاول وأنا أحملق بفرح صبياني إلى العالم الذي اكتشفته من خلال الفتحة السرية جبل عيبان يشمخ هناك أمامي ..متحديا الزمن والغبار والناس ..طائرة صغيرة تهبط وترتفع من المطار الجنوبي ..أحملق فيها وهي تذهب بعيدا خلف عيبان
سـ:- ما بك غصت في صمت عميق ؟
- تعبت عيناي
سـ:- من ماذا ؟
- شعرت بتعب
سـ:- لا بأس عليك ..اشرت إلى بيت كبير وواسع يقع على بعد امتار من القلعة في قصة ريحانة..خضت تجربة مكانا سقف هذا البيت لا يمكنني سوى وصفها بالحب من طرف واين لحبيب يقبع خلف الزنزانه وحبيبه خارج الزنزانة كلاهما لا يعرف عن الاخر ما يرقى الى علاقة الحب ؟
- هناك فوق سقف دار قريب انها تتفتح مع شعورها بالحرارة واستقبال رائع للضوء وهناك على مقربة من اصص الريحان كانت تقف عدد كبير من الريحان لكنه ريحان بشري حملقت بقوة ..سروالها يغطي الجزء الاسفل وفوقها ثوب قصير اسود.. على رأسها غطاء صغير يضم شعرها الذي تمرد على الغطاء واصبح يرقص مع النسمات الندية برشاقة وكأنها تدربت على ريجيم معين تسير بخفة من أصيص إلى اخر وتفرغ من وعاء معها قطرات من الماء ..اذا تأتي هي ايضا مع الفجر ..لم اراها طوال النهار ولكنها تأتي.. دقائق بالنسبة لي كانت دهرا ..التفت نحو أصص الريحان ..بدت لي عينان سوداوان ..هكذا خلتها من بعيد واسعتان لولا الخنة لرأيت وجهها ..حتى مع الفجر لا تبعد ذلك الشيء الكريه الذي يغطي أجمل ما فيها ..نصف وجهها أنامل يديها رقيقان وهي تتجول من مكان إلى اخر تسقي ريحانها ..أسميتها رأسا ريحانه ..انهت عملها وقفت تنظر إلى الريحان بفرح فيما كانت هناك ابتسامة ما تحت الخنة سارت فوق السقف ورقص قلبي مع خطواتها الناعمة مع الفجر ..كانت قريبة جدا مني حتى كدت المسها ولكنها غابت من باب السقف إلى اعماق المنزل
سـ:- تجربة مريرة ان يحب انسان انسانة وهو نزيل سجن ..هل يمكنني الحصول على مزيد من التفاصيل ؟
- بدت كفجر جديد ..ثوب ملون وسروال اخضر بشعرها الأسود الطويل لا يزال متمردا على المصر ..يداها هذه المرة كانت عاريتين حتى المرفق بيضاوتين كزبدة الفجر ..عيناها شعاع الفجر كله ..كان ضوء الصباح يملا ء وكانت هي مصدر ذلك الضوء الهادئ ..تنقلت من اصيص إلى اخر نجفة ملاك ..نظرت مرتين إلى الوراء سقفها ..اشارت باناملها تحية لانسان لم اره ..ربما لامرأة اخرى مثلها فوق سقف اخر هناك ..عادت إلى اصص الريحان وانا اكاد اطير من فوق جدار السقف نحوها ..قطفت ريحانا واستنشقته بفرحه الصباح ..كادت اخشاب النافذة ان ترمي وجهي وأنا أحملق وكنت أتنفس مع ندى الصباح ونسماته رائحة الريحان القادمة من جارتي التي لا تعرفني
سـ:- ما زلت مدهوشا لهذه العلاقة ..انت خلف القضبان وهي خارجه لا تربطكما سوى نافذة صغيرة ووقت محدد للضوء قبل صلاة الفجر ..كيف تصف هذه العلاقة الغرائبية ؟
- علاقة قديمة استمرت تربطني بها مع الصباح بل وقبل الفجر.. كنت انظر إلى الفجر وانتظرها ..كلاهما اصبح لي غذاء
لم يعد الرسم يطرقون الباب أو ينادون للصلاة فقد كنت اقوم صباحا دون أي طلب منهم بل بدأت أزعجهم طالبا الوضوء قبل الوقت المحدد حتى اتفرغ للقاء حبيبتي ريحانه وكل يوم كانت تبدو بثوب جديد ..مرة سقط غطاء الرأس فتطاير الشعر فوق وجهها فرحا بحرية ولم تعد إلى اسره ظل يتراقص حول وجهها وهي فرحة وكل صباح تقطف قليلا من الريحان وتقبل وترسل يديها نحو السماء في صلاة غامضة
سـ:- ما بك صمت ..ملامح الحزن تبدت على سحنتك ..هل تسببت في مضايقتك ؟
- كنت مستمرا في احترام مواعيد الفجر ..ولكنها اخلفت كل المواعيد ولم تعد. .
يارب .. لماذا ذهبت ؟ ماذا حدث لها هل ماتت؟ لا يمكن ان يموت من كان مثلها ربما تزوجت ..فكرت كثيرا ..ولكني استبعدت ذلك لان الزواج مثل الجنازة هنا في صنعاء ينشدون لها طوال الليل باغاني دينية حزينة ولم اكن سمعت ذلك من ذلك المنزل ..لا بد انها سافرت ..اذا لماذا لم تترك من يعتني بريحانها ؟
سـ:- .............................؟
- لقد ذهبت فجاءه ..هذا هو السبب الوحيد
سـ:- ما الذي يحزنك ؟
- النغم الحزين لاصوات الاطفال
سـ:- حقيقة انا مرتبك امام أديب بحجم عبد الولي .. لدي اسئلة كثيرة لكنني سأترك لك الورقة لوضع السؤال الذي تريده والاجابة عليه؟
- لماذا يدفن الناس هنا مع الفجر ؟
- لم اجد جوابا ..

يموتون غرباء:
تحكي رواية يموتون غرباء وهي اول رواية كتبها عبد الولي قصة مشوقة ومحزنة في ان معا عن حياة المهاجرين اليمنيين في اثيوبيا
..بطل الرواية عبده سعيد الذي يطمح بالعودة الى منطقته في اليمن بعد عقود من الهجرة وجمع المال في اثيوبيا من اجل ان يقال عنه انه اغنى احد..
تعتري النشوة عبده عندما يتخيل منظر اهل منطقته وهم يروونه يرفل في النعيم ..يتصاعد طموح عبده سعيد وفي اثناء ذلك تحترق الأوراق في دكانه ويموت عبده سعيد غريبا في اثيوبيا ..
ان الرواية ادانت بشيء من الحزن المغلف عبده سعيد الذي يمثل الانسان اليمني المهاجر بانه أي عبده هذا المهاجر لم يترك شيئا طيبا في حياته ولم يقدم لوطنه شيء على الاطلاق سوى امرأة ملقى وحيدة ولعدة سنوات في منطقته حتى ان مماته كان مفزعا وكارثيا الى هذا الحد

قال فارس الاخ من الام لعبد الولي :

لقد كان صاحب حس مرهف وكان عاطفيا كثيرا ولكنه قوي الارادة ولاننا من المهاجرين اليمنيين وامنا اثيوبية فقد عانينا الامرين سوى في المهجر او الوطن.

صنعاء مدينة مفتوحة:
في روايته صنعاء مدينة مفتوحة تفنن عبد الولي في تصوير غشم السلطة الامامية وعدائها للمجتمع وعبر عن سخطه لشخص الحاكم من خلال شخصية البحار الذي يدخل قلاع الامامة الظالمة ـ بيت عامل زبيد – وقد كان البحار في السادسة عشرة انذاك ونجح في معاشرة بعض حريم البيت في انتقام اخلاقي.. قصورهم تفضح نفسها بانحلال نسائها ، لقد اخذ البحار في النهاية ما اراد ثم ولي هاربا عبر البحر منتصرا برجولته على تسلط الامامة

تجسيد طابع الصراع:

كتب احد النقاد :-
حسبنا أن نقول ان صنعاء مدينة مفتوحة عمل واقعي ، مكتمل النضج ، وقطعة أدبية زاخرة بالمشاعر ، جسدت بعمق ونفاد طابع الصراع الاجتماعي والسياسي في المجتمع اليمني في الحقبة الأولى من حقب النضال السياسي المنظم ضد الامامة ، كما جسدت بامتلاء شخصياتها وتنوع مصائرها ، توق الشعب اليمني عامة إلى كسر سجن الطغاة وبناء عالم أفضل
ببلوجرافيا بإصدارات محمد عبد الولي:
صنعاء مدينة مفتوحة رواية ..محمد عبد الولي صدرت عام 1977م
ة الأرض يا سلمى مجموعة قصصية ..محمد عبد الولي 1966م
شيء اسمه الحنين .. مجموعة قصصية ..لمحمد عبد الولي 1972
يموتون غرباء ..رواية ..محمد عبد الولي عام 1971ط1 و1971ط 2

شهــــــــــــــــــادات:

وضع الاسس الحديثة لفن القصة


عبد العزيز المقالح
محمد عبد الولي هو رائد القصة الحديثة في اليمن ولم تكن صفة الرائد التي تلحق باسمه دائما اعتباطية أو من باب إضفاء الألقاب على من لا يستحقها وانما كانت تقريرا عن حقيقة يعترف بها الجميع فقد كان محمد عبد الولي القاص الأول ورائد هذا الفن دون منازع فهو الذي وضع الأسس الحديثة في هذه البلاد لكتابة قصة ذات افق جديد في اسلوب القص وفي التقاط معطيات الواقع من خلال رؤية فنية ولغوية توحي أكثر مما تخبر وتتعامل مع الرمز من أرقى مستوياته.

أدخل تقنيات جديدة

هشام سعيد شمسان

تحولات تقنية ، وفنية بدأت تأخذ طريقها فيما بعد إلى هذه الكتابات ، وكأنها تبشر بالحداثة الجديدة ، بدخول تقنيات سردية حديثة إليها نحو : الاستفادة من البصريات السينمائية كما في قصة طفي لصي لمحمد عبد الولي .
بريق القصة

سلام عبود

وكانت الرواية اليمنية ، التي بدأت برواية سعيد لمحمد على لقمان عام 1939 ، قد استقرت في رحلتها البطيئة والعسيرة عند محطة هامة اسمها محمد احمد عبد الولي ، في روايتيه القصيرتين : يموتون غرباء 1970 و صنعاء مدينة مفتوحة 1977 ، ولم يزد عدد الروايات اليمنية ، وهي في الغالب قصص طويلة ، على عشر ، حتى عام صدور الرهينة .
ورغم اهمية روايتي محمد عبد الوالي تاريخيا ، إلا أنهما لم تتهيأ لهما من الأسباب ما يمكننا أن نسمّيهما فنا روائيا مكتمل النضج ، فقد ظل بريق القصة القصيرة أشد سطوعا في ابداع عبد الولي وأكثر اكتمالا .
دراسات في القصة

شكل الناقد والاديب الألماني جونتر اورت واحدة من حلقات وصل القصة اليمنية الى القارئ الالماني وقد لعب دورا بارزا في مجال الترجمة ودراسة العديد من النصوص السردية وفي كتابه
دراسات في القصة اليمنية والصادر عن اتحاد الادباء يلاحظ القارئ مدى عظم تركيزه على أدب عبد الولي باعتباره ...
لقد كشف جونتر الكثير من الرموز الغائبة في نتاج عبد الولي السردي ما اكسب كتابه حضورا لجمهور اكتشف من خلال سطور الكتاب نصوصا ابداعية كتبها معلم في فترة تعتبر من اشد وافقر واجهل فترات اليمن
جونتر اورت

يعتبر الناقد والاديب الالماني اورت ابرز من تناول نتاج محمد عبد الولي على المستوى وهو اديب وناقد ومترجم ومشتغل نشط في المجال الثقافي ولد عام 1963 في أنسباخ/ ألمانيا ودرس الماجستير في جامعة إرلانغن وتلقى دراسات إضافية في دمشق والقاهرة ولايبزيغ وفي اليمن وقد حصل على الدكتوراه 1996 من جامعة برلين بموجبها تولى تدريس العلوم الترجمة واللغة الألمانية في جامعة صنعاء عام 2000 وقد صدر كتابه الخامس بالعربية دراسات في القصة القصيرة اليمنية عن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين عام 2004

قرار الوداع :
تعرض للكثير من الدسائس وحيكت حوله الكثير من المؤامرات ودخل السجن مرتين الأولى في القلعة والثانية في سجن رداع الرهيب وعذابات أخرى اضطرت عبد الولي إلى اتخاذ قراره بالهجرة ..بوداع الوطن في هجرة سابعة بدأها مع اسرته المهاجرة وكأن الوطن الذي عشقه حد الثمالة كافئه بالقيود والزنازين ولم يعد بحاجة الى امثاله من الوطنيين
واقتربت ساعة وداع الوطن تسبقها زيارة اخيرة يقوم بها للمناطق الجنوبية قبل الوداع
وما ان انتهى من زيارة المناطق الجنوبية دنت ساعة وداعه لوطن اهداه الورد فردها شوكا ..اهداه علمه وكل ما تعلمه في اثيوبيا والقاهرة وموسكو فرد له بالنكران والطرد
وشرعت نفاثة الطائرة تدور بانتظار صعود شخصيات دبلوماسية مشهورة على متنها
لكن ،،،

هل ودع عبد الولي وطنه ؟
هل غادر ومات غريبا ..؟ كما مات ابطال روايته يموتون غرباء
نعم ..لقد ودع وطنه ..ولكن ليس من خارجه ..ليس من خارجه

بدايات ..موت..غريبة

ومن بعد عبد الولي بدأت اسرته التي عانت المرار من الهجرة تنتقل الى رحمة الله في مشهد لم يكشف سوى عن اسرة ماتت غريبة بكل معنى الكلمة
لقد دهم الفشل الكلوي الابنه البكر لعبد الولي الدكتورة بلقيس محمد عبد الولي لتموت غريبة في أحدى مستشفيات القاهرة ، وكان من نتائج هذه النهاية المحزنة ان تموت غريبة كما ابطال رواية يموتون غرباء
يقول الاستاذ علي سالم المعقبي في شهادته:

لقد كانت صيدلية بلقيس أول صيدلية في تعز تفتتحها وتديرها امرأة .
ولقد أتيح لي بفضل تولي الصديق عبد القوي أحمد حسن ، الإدارة المباشرة للصيدلية ، التعرف عن كثب على شخصية بلقيس المناضلة الإنسانية ...والسلوك فقد شهدت حالات عديدة لمعالجة فقراء وصرف علاج لهم بالمجان قام به الظرافي وزوجته بلقيس ، وهو أمر مشهود ومعروف عنهما في تعز ، فكثيرا ما كان يأتي إلى عيادة الظرافي معوزون من غير منطقة في تعز ، فيقوم بمعاينتهم مجانا ثم تتولى بلقيس صرف العلاج مجانا لهم في وقت تحول فيه الأطباء إلى جزارين للجيوب وتحولت العيادات إلى مقاصل .
كانت د . بلقيس السميعة الذواقة ، الشغفة بأغاني ماجدة الرومي ، روزا لوكسمبورج ، الإنسانية الوعي ، العبسية المولد ، امتيازا أنثويا للمرأة اليمنية المناضلة بصمت ، المهمومة بأوجاع الناس الغلابا ومشاكلهم ، ثمة مناضلات لا ينظرن سوى إلى المنصب وكرسي الوزارة أو البرلمان ولا يسمعن سوى أخبار دعم المنظمات المانحة .. وثمة مناضلات مستغرقات في مشاهدة وملامسة أوجاع أهل الكدح ، وتسمع أناتهم لمداواتها ، وليس لأجل المزاودة بها .
النهاية
في صبيحة يوم 30/4/ من العام 1973م بالتحديد عندما بدأت نفاثة الطائرة تدور ..تقدم بخطوات هادئة باتجاه المطار حاملا حقيبته التي ذكر انها كانت تحتوي على مسودات لقصص ورواية كان قد أخذها معه لمراجعتها وتصحيحها لكن ،،،لكن الأقدار لم تسعف كاتبنا لأكثر من ساعات اذ ما ان سمع دوي انفجار الطائرة في الجو انتهت الطائرة وبها ركابها إلى مصير مجهول ساعات وانكشف مصير الطائرة في مشهد محزن لم يسع اديب بحجم الدكتور عبد العزيز المقالح في شهادته عن القول
(ذلك هو محمد عبد الولي الفنان الانسان الذي رحل عن اربعة وثلاثين عاما أي في قمة العطاء وفي حادث طائرة ما يزال ملف سقوطها الغامض مفتوحا ولم يقفل بعد ).

ايوب صابر 04-14-2012 02:46 PM

ظروف نشأة محمد عبد الولي

- تحكي رواية يموتون غرباء وهي اول رواية كتبها عبد الولي قصة مشوقة ومحزنة في ان معا عن حياة المهاجرين اليمنيين في اثيوبيا
..بطل الرواية عبده سعيد الذي يطمح بالعودة الى منطقته في اليمن بعد عقود من الهجرة وجمع المال في اثيوبيا من اجل ان يقال عنه انه اغنى احد..
تعتري النشوة عبده عندما يتخيل منظر اهل منطقته وهم يروونه يرفل في النعيم ..يتصاعد طموح عبده سعيد وفي اثناء ذلك تحترق الأوراق في دكانه ويموت عبده سعيد غريبا في اثيوبيا ..

- يقول " لاننا من المهاجرين اليمنيين وامنا اثيوبية فقد عانينا الامرين سوى في المهجر او الوطن. ".

- عرض للكثير من الدسائس وحيكت حوله الكثير من المؤامرات ودخل السجن مرتين الأولى في القلعة والثانية في سجن رداع الرهيب وعذابات أخرى اضطرت عبد الولي إلى اتخاذ قراره بالهجرة ..بوداع الوطن في هجرة سابعة بدأها مع اسرته المهاجرة وكأن الوطن الذي عشقه حد الثمالة كافئه بالقيود والزنازين ولم يعد بحاجة الى امثاله من الوطنيين

- ولا يخفى على المهتمين تأثر الأديب بالاتجاه الواقعي ونلمس ذلك من خلال نتاجه الأدبي، يكشف لنا الكثير وذلك بفضحه للواقع البائس للشعب اليمني سواءً في المدينة أو القرية الأكثر بؤساً.كما انه قدم أيضاً في الكثير من أعماله الأدبية صورة المرأة اليمنية والتركيز على معاناتها في المجتمع اليمني والتي يعتبرها بمختلف منازلها (امرأة فاضلة)
- عاش قصة حياة كبيرة رغم عمره القصير.. المهاجر في طفولته، الغريب داخل الوطن..

- عانى الكثير من سجن وتعذيب ومات شهيداً للمؤامرة ومات أيضاً شهيداُ للنسيان.
- من مقدمة للراحل الأستاذ عمر الجاوي لرواية يموتون غرباء:"حياة عبد الولي مجموعة كبيرة من القصص..".



ايوب صابر 04-14-2012 11:41 PM

يبدو ان هناك اجماع بأن "مرارة التجربة التي عاشها في الطفولة والصبا هي المسيطر الأول على كل إنتاجه". و وهو حتما عاش حياة ازمة وهو يتيم اجتماعي وهناك احتمالية ان يكون يتيم الاب اذا كان قد اعتمد في روايته " يموتون غرباء" على شيء من سيرته الشخصية وهو الامر المحتمل حيث يموت البطل في دكانه التي تتعرض للحرق فيموت حلمه بالعودة الى وطنه اليمن.

يتيم اجتماعي.

ايوب صابر 04-15-2012 02:22 PM

59- غرناطة رضوي عاشور مصر

كتاب ثلاثية غرناطة
رضوى عاشور

هذا الكتاب يتحدث عنمعاناة هذا الشعب الأندلسي المسلم "الموريسكيين" إبتداء من سقوط غرناطة عام 1492موحتى طرد بقايا هذا الشعب المنكوب من إسبانيا عام 1608م
الكتاب بمجملة يتحدث عنفترة ما بعد سقوط غرناطه ..وهويجعلك تتعايش بسلاسة مع أحداث مابعد السقوط .. لأن سقوط غرناطه عادة كان يكتب عن حياة الملوك والأمراءهناك حين سقطت ..
لكن هذا الكتابيتحدث عن الناس كيف أستقبلوا الخبر وعاشوه ..وكيف عاشوا السنين وهم يقاسون الظلم والترهيب .. وكيف أن ملوك الإفرنجه منعوااللغة العربيه ومنعوا الأسماء العربيه
ومنعوا جميع العبادات والتقاليد الإسلاميه .. وكيف أنهم في رمضان وقت المغرب يمنع عليهم إغلاق أبوابهمبل تبقى مفتوحه حتى يتأكدوا الحرسأن الشعب العربي لا يصوم رمضان ..
كتاب رائع وقليل فيه كلمة رائع .. أتحفظ على بعض ما تم ذكره .. لكن في مجمله رائع ويحرك المشاعربعنف نحو تلك البلاد ..بل وأيضاًيجعلنا نتأمل حالنا الآن .. فمثلاً .. في بدايه السقوط .. وكيف أنهم يكرهون الإفرنجه .. لكنهم يأخذون ابناءهم لحفلاتالإفرنجه في مواسمهم .. حتى يتسلى الأطفال .. فهم يحاولون أن يتقربوا منهم ويدخلوا بهم والحفلات إحداها ..حيث أن حفلات الإفرنجه حفلاتمتكلفهوبها حركات يقوم بهاالجنود والفرسان وبعض الفرق .. فتشد الانتباه ..
هذا جعلني أتأمل وضعنا كيف أن الأعداء يشغلوننا بمثل هذهالأمور .. حتى نحبهم أو نعتادهم .. !
الرواية تتحدث عن اتجاهاتعدة .. وحديث النفس المؤلم في الشخصيات ..وإنقلاب المفاهيم عند البعض .. واليأس عند البعض الآخر من من ضعف إيمانهم وإقترافهم الذنوب ..الحب والحرب واليأس والهجروالحرق .. تجدونها في الروايه .... بشكل لا يتكرر

فريدة النقاش قالت عن الرواية:
حين ينتهى المرء منقراءة ثلاثية غرناطةلابد أنتعتريه قشعريرة في الروح

==
ثلاثية غرناطة

ثلاثية غرناطة هي ثلاثية روائية تتكون من ثلاث روايات للكاتبة المصرية رضوى عاشور و هم على التوالي :
غرناطة
مريمة
الرحيل
و تدور الأحداث في مملكة غرناطة بعد سقوط جميع الممالك الإسلامية في الأندلس، و تبدأ أحداث الثلاثية في عام 1491 و هو العام الذي سقطت فيه غرناطة بإعلان المعاهدة التي تنازل بمقتضاها أبو عبد الله محمد الصغير آخر ملوك غرناطة عن ملكه لملكي قشتالة و أراجون و تنتهى بم ثلاثية غرناطة هي ثلاثية روائية تتكون من ثلاث روايات للكاتبة المصرية رضوى عاشور و هم على التوالي :
غرناطة
مريمة
الرحيل
و تدور الأحداث في مملكة غرناطة بعد سقوط جميع الممالك الإسلامية في الأندلس، و تبدأ أحداث الثلاثية في عام 1491 و هو العام الذي سقطت فيه غرناطة بإعلان المعاهدة التي تنازل بمقتضاها أبو عبد الله محمد الصغير آخر ملوك غرناطة عن ملكه لملكي قشتالة و أراجون و تنتهى بمخالفة آخر أبطالها الأحياء على لقرار ترحيل المسلمين حينما يكتشف أن الموت في الرحيل عن الأندلس و ليس في البقاء

==
نبذة النيل والفرات:
على غرار ثلاثية نجيب محفوظ التى إنفردت وتفردت في تاريخ الرواية العربية جاءت هذه الثلاثية للكاتبة (رضوى عاشور) التى صاغت كلماتها كسلاسل من الذهب، وامتدت أحداثها على صفحات الكتاب دون ظهور نغم نشاز او موطن ضعف ينحدر بالرواية من مكانها الرفيع إلى ما هو أدنى منه، ولكنها ثلاثية لم تدر أحداثها فى أزقة وحوارى القاهرة القديمة ولم يعش أبطالها فى عصرنا الحديث، وإنما تدور أحداثها فى دروب ودهاليز التاريخ الإسلامى وبالأخص فى فترة وحقبة زمنية كالجرح الغائر فى جسد الدولية الإسلامية.. فترة سقوط المسلمين ودولتهم الأندلسية تحت نير وسياط ملوك و أمراء الغرب المسيحى وإنها رواية تقص علينا أنباء هؤلاء البشر الذين طحنتهم عجلات الحروب والحياة والسر. هؤلاء الذين كانوا أعزاء وذلوا وأسياد إستعبدتهم محن الدهر.. هؤلاء الذين سكنوا غرناطة وثلاثيتها.


نبذة الناشر:
ثلاثية غرناطة ......جائزة أحسن كتاب في مجال الرواية لعام 1994 من معرض القاهرة الدولي للكتاب .. الجائزة الأولي للمعرض الأول لكتاب المرأة العربية في نوفمبر عام 1995.


ايوب صابر 04-15-2012 02:25 PM

رضوى عاشور
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
أستاذة بقسم اللغة الإنجليزية كلية الآداب، جامعة عين شمس والرئيسة الأسبق للقسم. ولدت في القاهرة في 26 مايو1946م. زوجة الأستاذ مريد البرغوثي ووالدة الشاعر تميم البرغوثي.
  • حصلت في 1967 على ليسانس آداب قسم اللغة الإنجليزية كلية الآداب، جامعة القاهرة
  • في عام 1972 حصلت على ماجستير في الأدب المقارن من كلية الآداب، جامعة القاهرة
  • في عام 1975 حصلت على دكتوراه في الأدب الأفريقي-الأمريكي من جامعة ماساشوستس بأمهرست في الولايات المتحدة الأمريكية
أعمالها ومناصبها
  • فيّمت وناقشت وأشرفت على عشرات الرسائل الأكاديمية المقدمة للحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه.
  • عضوة مؤسسة في لجنة الدفاع عن الثقافة القومية ورئيسة تحرير كتاب المواجهة لسان حال اللجنة.
  • عضوة لعدة دورات في لجنة جائزة الدولة التشجيعية، ولجنة التفرغ، ولجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة.
كتابات إبداعية
  1. الرحلة: أيام طالبة مصرية في أمريكا، دار الآداب، بيروت، 1983
  2. حَجَر دافئ (رواية)، دار المستقبل، القاهرة، 1985
  3. خديجة وسوسن (رواية)، دار الهلال، القاهرة، 1987
  4. رأيت النخل (مجموعة قصصية)، مختارات فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1987
  5. سراج (رواية)، دار الهلال، القاهرة، 1992
  6. غرناطة (الجزء الأول من ثلاثية روائية) دار الهلال، 1994. (حصلت على جائزة معرض القاهرة للكتاب لأحسن رواية لعام 1994)
  7. مريمة والرحيل (الجزءان الثاني والثالث من الثلاثية) دار الهلال، 1995.(حصلتا مع غرناطة على الجائزة الأولى للمعرض الأول لكتاب المرأة العربية، القاهرة نوفمبر 1995). نشرت الطبعة الثانية بعنوان ثلاثية غرناطة، المؤسسة العربية للنشر، بيروت، 1998. صدرت الطبعة الثالثة عن دار الشروق، القاهرة، 2001. وصدرت طبعة خاصة في سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة، 2003
  8. أطياف (رواية)، دار الهلال، القاهرة، 1999والمؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1999
(كرّمت الكاتبة على أطياف وثلاثية غرناطة ضمن ستة مكرمين من مصر وستة من العالم العربي في معرض القاهرة الدولي للكتاب يناير 2003)
  1. تقارير السيدة راء (نصوص قصصية)، دار الشروق، القاهرة، 2001
  2. قطعة من أوروبا (رواية)، المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء ودار الشروق، القاهرة، 2003
  3. الطنطورية (رواية)، دار الشروق، القاهرة، 2010
الدراسات النقدية
  1. البحث عن نظرية للأدب: دراسة للكتابات النقدية الأفرو-أمريكية (بالإنجليزية):
The Search for a Black Poetics: A Study of Afro-American Critical Writings رسالة دكتوراه قدّمت لجامعة ماساشوستس بأمهرست في الولايات المتحدة، 1975
  1. الطريق إلى الخيمة الأخرى: دراسة في أعمال غسان كنفانى، دار الآداب، بيروت، 1977
  1. جبران وبليك Gibran and Blake (باللغة الإنجليزية)، الشعبة القومية لليونسكو، القاهرة، 1978 (أصلا رسالة ماجستير قدمت إلى جامعة القاهرة عام 1972)
  1. التابع ينهض: الرواية في غرب إفريقيا، دار ابن رشد، بيروت، 1980
  2. في النقد التطبيقي: صيادو الذاكرة، المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء، 2001
مقالات
  1. إحسان عباس، ابن عين غزال.
  2. عن الجامعة.
  3. رد على رسالة إلى رضوى.
  4. شهادة كاتبة.
  5. قانا 2.
  6. لكل المقهورين أجنحة.
  7. لكلٍ غرناطه.
  8. صبرا وشاتيلا: تاريخ المذبحة.
  9. رسالة إلى أوروبا.
المحاضرات والمؤتمرات

شاركت في العديد من المؤتمرات، وألقت محاضرات في مختلف المدن العربية (منها بيروت وصيدا ودمشق وعمان والدوحة والبحرين ووتونس والقيروان والدار البيضاء،)، والأجنبية (منها جامعات غرناطة وبرشلونة وسرقسطة في أسبانيا، وهارفرد وكولومبيا في الولايات المتحدة، وكمبريدج وإسكس في إنجلترا، ومعهد العالم العربي في باريس، والمكتبة المركزية في لاهاي، ومعرض فراكفورت الدولي للكتاب وغيرها).
مصادر

تم الاسترجاع من "http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D8%B1%D8%B6%D9%88%D9%89_%D8%B9%D8 %A7%D8%B4%D9%88%D8%B1&oldid=7789481"

ايوب صابر 04-15-2012 02:26 PM

رضوى عاشور

سيرة ذاتية


رضوى عاشور كاتبة وأستاذة جامعية، يتوزع إنتاجها بين الرواية والقصة القصيرة والنقد الأدبي والثقافي.
ولدت رضوى عاشور في القاهرة عام 1946، وتخرجت من قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1967. حصلت على الماجستير في الأدب المقارن عام 1972 من الجامعة نفسها، ثم حصلت على الدكتوراة في الأدب الإفريقي الأمريكي من جامعة ماساشوستس بالولايات المتحدة عام 1975
تشغل رضوى عاشور حاليا وظيفة أستاذ بكلية الآداب جامعة عين شمس، وهي الرئيس الأسبق لقسم اللغة الإنجليزية وآدابها (1990-1993)
انتخبت من زملائها مقررة اللجنة العلمية الدائمة لترقية أساتذة اللغة الإنجليزية وآدابها في أقسام اللغة الإنجليزية وآدابها في الجامعات المصرية (2001-2008)
أشرفت على عشرات الرسائل الجامعية المقدمة لنيل الماجستير والدكتوراه، وقيّمت عشرات الأبحاث المقدمة للحصول على درجتي أستاذ وأستاذ مساعد، وعلى الدكتوراه والماجستير
ترجمت بعض رواياتها وقصصها القصيرة إلى الإنجليزية والأسبانية والإيطالية والأندونيسية.
شاركت رضوى عاشور في الحياة الثقافية العربية عبر كتبها ومقالاتها ومحاضراتها في مصر وفي مختلف العواصم العربية، وعبر انتمائها إلى لجنة الدفاع عن الثقافة القومية، واللجنة الوطنية لمقاومة الصهيونية في الجامعات المصرية، ومجموعة 9 مارس لاستقلال الجامعات وغيرها من التشكيلات الأهلية. كما شاركت لعدة سنوات في تحكيم جائزة الدولة التشجيعية في مصر، وفي عضوية لجنة القصة ولجنة التفرغ بالمجلس الأعلى للثقافة في مصر
حاضرت وشاركت في مؤتمرات في عدد من الجامعات والمحافل الثقافية في العديد من المدن العربية في المشرق والمغرب، وفي جامعة هارفرد ومركز كينيدي للفنون في الولايات المتحدة، وجامعة كمبريدج ومعرض لندن للكتاب في بريطانيا، و في معهد العالم العربي في باريس، والمكتبة المركزية في لاهاي ومعرض فراكفورت للكتاب في ألمانيا. وفي إيطاليا وأسبانيا وسويسرا والهند وغيرها
أهم الجوائز
يناير 1995: جائزة "أفضل كتاب" لعام 1994 عن الجزء الأول من "ثلاثية غرناطة"، من معرض القاهرة الدولي للكتاب
نوفمبر1995: الجائزة الأولى من المعرض الأول لكتاب المرأة العربية عن "ثلاثية غرناطة" يناير 2003: كرّمت ضمن ستة كتاب مكرمين من مصر وستة من العالم العربي في معرض القاهرة الدولي للكتاب على روايتي "ثلاثية غرناطة" و"أطياف"
أكتوبر2007: جائزة قسطنطين كفافي الدولية للأدب (من اليونان)
ديسمبر 2009: جائزة تركوينيا كارداريللي في النقد الأدبي (من إيطاليا)
أكتوبر 2011: جائزة بسكارا بروزو على الترجمة الإيطالية لروية "أطياف" (من إيطاليا)
ديسمبر 20011 جائزة سلطان العويس للرواية والقصة
الكتب المنشورة:
I- كتابات إبداعية:
1-الرحلة: أيام طالبة مصرية في أمريكا، دار الآداب، بيروت، 1983
2- حَجَر دافئ (رواية)، دار المستقبل، القاهرة، 1985
3- خديجة وسوسن (رواية)، دار الهلال، القاهرة، 1989
4- رأيت النخل (مجموعة قصصية)، مختارات فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1989. (ترجمت بعض قصص المجموعة إلى الإنجليزية والإيطالية والألمانية).
5- سراج (رواية)، دار الهلال، القاهرة، 1992. الطبعة الثانية دار الشروق 2008. (ترجمت إلى الإنجليزية).
6- غرناطة (الجزء الأول من ثلاثية روائية) دار الهلال، 1994 .
مريمة والرحيل (الجزءان الثاني والثالث من الثلاثية) دار الهلال، 1995
نشرت الطبعة الثانية بعنوان ثلاثية غرناطة، المؤسسة العربية للنشر، بيروت، 1998. صدرت الطبعة السابعة عن دار الشروق، القاهرة،2010. (ترجم الجزء الأول إلى الإنجليزية، وترجمت "الثلاثية" إلى الأسبانية والأندونيسية).
7- أطياف (رواية)، دار الهلال، القاهرة، 1999 والمؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1999. الطبعة الثالثة، دار الشروق 2008. (ترجمت إلى الإيطالية والإنجليزية).
8- تقارير السيدة راء (نصوص قصصية)، دار الشروق، القاهرة، 2001، الطبعة الثانية دار الشروق، 2006. (ترجمت بعض نصوصها إلى الإنجليزية والألمانية والأسبانية).
9- قطعة من أوروبا (رواية)، المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء ودار الشروق، القاهرة، 2003. الطبعة الثانية دار الشروق، القاهرة، 2006.
10- فرج (رواية) دار الشروق، القاهرة، 2008 (الطبعة الثانية، دار الشروق، 2010).
11- الطنطورية (رواية)، دار الشروق، القاهرة، 2010 (ا.لطبعة الثانية 2011، الطبعة الثالثة 2012)
II- الدراسات النقدية:
1- البحث عن نظرية للأدب: دراسة للكتابات النقدية الأفرو-أمريكية (بالإنجليزية):
The Search for a BlackPoetics: A Study of Afro-American Critical Writings
رسالة دكتوراه قدّمت لجامعة ماساشوستس بأمهرست في الولايات المتحدة، 1975
2- الطريق إلى الخيمة الأخرى: دراسة فى أعمال غسان كنفانى، دار الآداب، بيروت، 1977.
3- جبران وبليك Gibran and Blake (باللغة الإنجليزية)، الشعبة القومية لليونسكو، القاهرة، 1978 (وهي رسالة ماجستير قدمت إلى جامعة القاهرة عام 1972).
4- التابع ينهض: الرواية فى غرب إفريقيا، دار ابن رشد، بيروت، 1980.
5- في النقد التطبيقي: صيادو الذاكرة، المركز الثقافي العربي، بيروت والدار البيضاء، 2001
6- تحرير بالاشتراك مع آخرين، ذاكرة للمستقبل: موسوعة الكاتبة العربية، (4 أجزاء)، مؤسسة نور للدراسات وأبحاث المرأة العربية والمجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2004.
7- الإشراف على ترجمة الجزء التاسع من موسوعة كمبريدج في النقد الأدبي: القرن العشرون: المداخل التاريخية والفلسفية والنفسية، المجلس الأعلى للثقافة، 2005.
8- الحداثة الممكنة: الشدياق والساق على الساق: الرواية الأولى في الأدب العربي الحديث، دار الشروق، القاهرة، 2009.
9- مقالات ودراسات متفرقة بالعربية والإنجليزية منشورة في دوريات عربية وأجنبية
10- ترجمة "منتصف الليل وقصائد أخرى" لمريد البرغوثي من العربية إلى الإنجليزية: Mourid Barghouti, Midnight and Other Poems, trans. RadwaAshour, Arc Publications, Lanc., 2008
عن رضوى عاشور
o سيرة ذاتية
o الجوائز
o مقابلات
o المدونة
o صور للنشر

كتابات
o روايات
o الدراسات النقدية
o مقالات
o مرجعات نقدية
o دار النشر

اتصال
o اتصال
o دار النشر

تسجيل الدخول
o تسجيل الدخول


الموقع الالكتروني الرسمي:

http://www.radwaashour.net/ar/?page_id=675

ايوب صابر 04-15-2012 02:27 PM

الكتابة والذاكرة
رضوى عاشور

لا أذكر المرة الأولى التي زرت فيها أهرام الجيزة. أرجّح أنني كنت صغيرة جدا، ولكني أذكر زيارتي الأولى لمعابد الكرنك والأقصر ووادي الملوك والملكات، في صعيد مصر. كنت في الخامسة عشرة من عمري. تأملت الجدران والنقش والكتابة، وانتبهت إلى ذلك التداخل المدهش بين تدوين التاريخ وإبداع الجمال، أظنني انتبهت أيضا إلى غياب الحدود الفاصلة بين مفردات الواقع والمتخيَّل الأسطوري.
لاحقا وأنا طالبة في جامعة القاهرة أتردد على دار الكتب المصرية في موقعها القديم بباب الخلق، كنت أتوقف أمام مخطوطات المصاحف النادرة المعروضة في الممرات المؤدية إلى قاعات الإطلاع، أتأملها، وأتأمل تلك الحرفة المزدوجة في تراث النسخ الإسلامي التي تجمع بين النقل وإبداع الجديد، بين التزامٍ بحرفية نص (هو في هذه الحالة نص مقدس) وحرية الفنان في التعبير عن ذاته، بين الإيفاء بالشرط العملي والشرط الفني كأنهما شرط واحد.
هي لحظات في الطفولة والصبا احتضنت البذور الأولى لرغبة تلّح في التدوين والتسجيل. دغل جغرافي له رنين، مزيج مركب من زمان ومكان، ماض وحاضر، حيِّز مادي وروحي تختبر فيه الذات نفسها لتتعرف على موقعها، وشروط وجودها، وطاقاتها النفسية والأخلاقية.
أعتقد أن الانتباه الحاد للزمان والمكان، وإلحاح الحاجة للتسجيل عناصر مميِّزة للروائيين العرب لأبناء جيلي من الكتاب.
ولدت عام 1946، أي بعد عام واحد من نهاية الحرب العالمية الثانية، وقبل عامين من هزيمة العرب في حرب فلسطين. لا أؤرخ الآن لحياتي ولكنني أشير إلى أن السنوات الممتدة من احتلال الساحل الفلسطيني عامي 1947-1948 إلى احتلال بغداد عام 2003 والمجازر اليومية في الحالتين تشكّل كل سنوات عمري. أنتبه الآن إلى أن كافة نصوصي الروائية هي محاولة للتعامل مع الهزيمة. كنت في العاشرة من عمري حين هاجم الإنجليز والفرنسيون والإسرائيليون مصر عام1956 . وكنت في الحادية والعشرين حين اندلعت الحرب من جديد. أعي أن أبناء جيلي من طلاب الكلية الحربية والفنية العسكرية الذين انتقلوا ذات صباح من مقاعد الدرس إلى ساحات القتال، استقر أكثرهم هناك تحت رمال الصحراء في سيناء. إن حرب 1967 وما تلاها من ملمّات جعلتنا نعي بحدة أن التاريخ لا يقتصر على سجلات الماضي ومدوَّناته بل يمتد ليشمل واقعنا المعيش ويلازمنا بشكل يومي: حروب متتالية، مجازر، هزائم، قمع وقهر، ودائما، أمان مفتقد وإرادة منفية في ظل واقع قابض نجاهد لفهمه، ونحلم بتملكه.
"هذه العاصفة في عقلي تعطِّل حواسي من كل ما عداها من مشاعر سوى ما ينبض فيها". يقول الملك لير، وأنا أقول مع الناظر الذي أشاركه النظر، في روايتي "قطعة من أوروبا":
"لم أعو عواء الملك في العاصفة. كنت مجرد ناظر ينتهي من عمله ويعود إلى منزله ليتابع العاصفة. يشاهد كرات اللهب والدخان على شاشة، يسمع دمدمة القذائف لا الريح، وسقوط القنابل الذكية والأقل ذكاء على شط العرب. يلتف بعباءته الصوفية كأنها كفن…(ولكنني) عشت، أقصد استيقظت في الصباح وقلت صباح خير…، وارتديت ملابسي…، اليوم وغدا والغد الذي تلاه، يوما بعد يوم بعد يوم، كل يوم، حتى تلقفتني عاصفة تالية وعاصفة أخرى بعدها. شاهدت التوابيت مصفوفة صفا طويلا لا تحيط به عدسة المصور إلا عن بعد، وآلاف الرجال المحتشدين في الملعب البلدي يقيمون صلاة الجنازة، يتحرك الموكب في قيظ غريب على يوم ربيعي. الأكفان محمولة على أكف الرجال، يقطعون الطريق من الملعب الكبير إلى المقبرة: مستطيلات محفورة في عمق الأرض، متلاصقة، متطابقة، متساندة، وتنتظر.(…) قلت: لن أرى مشهدا أكثر حزنا وجنونا. ولكني كثيرا ما أخطئ التقدير، عشت لأرى جثثا في أدراج ثلاجة، في كل درج جثتين، ومسيرات من أعلام وبشر يحملون جثامين جديدة كل يوم، وسيارات نقل كبيرة كتلك التي يكتظ على ظهرها عمال التراحيل أو الأطفال الذاهبين لجني القطن، أو حتى جنود الأمن بعد تلقيهم الأمر بالتوجه لقمع مظاهرة، تصطف في كل سيارة نقل منها الأكفان، كفن لصق كفن، أبيض لصق أبيض.
أين لير من تلك العواصف؟ هل تبادلني أيها الملك المسرحي حياة بحياة؟
اعطني جحود ابنتيك، وخذ بحر البقر وشاتيلا والعامرية وقانا وجنين.
لا لن أعطيها لك، هذه حكايتي! اذهب بعيدا يا ملك المسرح، لم تعرف من الألم شيئا، والمعلّق على الصليب حكاية من إنتاجنا المحلي."
"ترخ" دائما"، العبارة لبرتولد بريخت. وأنا أفعل ليس لأسباب إيديولوجية بل ضرورةً واحتياجاَ فلا سبيل أمامي لإدراك تجربتي وتصنيف مفرداتها بشكل مفهوم سوى هذا السبيل. أتوقف أمام عبارة "مفهوم"، وأتساءل عن دقتها لأن المسعى في مجمله ليس سوى محاولة للوصول إلى معنى متسق، يراوغني غالبا ويظل ناقصا، فأواصل فعل الكتابة لعل التفكيك والتركيب ينفعني في الوصول إلى معنى ما، في تجاوز جنون ما، لعل الكلمات تمكنني من التعامل مع جغرافيا مهدَّدة وتاريخ مهدِّد.
أعتقد أن إلحاح الحاجة للتسجيل يرجع أيضا إلى وعي حاد بما تعرضت له ذاكرتنا الجماعية، وما زالت تتعرض له، من قصف يومي عنيف- ذاكرتنا القريبة لا البعيدة- ذاكرة ما عشناه قبل سنوات معدودة، أو قبل ساعة واحدة، قصف يومي بلغة وصفها جورج أورويل ذات يوم بأنها مصمّمة لإلباس الأكاذيب ثوب الحقائق، والقتل ثوب الاحترام، وتقديم الهواء بصفته مادة صلبة.
هل أردنا أن يكون نصنا حافظة للذاكرة؟ أعتقد أن ذلك كان جزءا من مشروعنا. أستدرك فأشير إلى أننا في ذلك تحديدا كنا نتواصل مع الأجيال السابقة علينا. وهنا أفتح قوسا وأقول إن الرواية العربية بدءا من حديث عيسى بن هشام لمحمد المويلحي قامت بدور مباشر أو غير مباشر بهذا الدور، فكان الروائي حكّاءاً ومؤرخاً يدوِّن ملامح الواقع التاريخي ويطرح أسئلته. ويصعب في تقديري تناول نشأة الرواية العربية غافلين عن علاقتها بأسئلة التحرر الوطني ومشروع النهضة. إن الرواية العربية التي نشأت في إطار مسعى الجماعة لاستنقاذ إرادتها من وجود استعماري- هو بتعريفه الأوّلي كسر وإعاقة للنمو الطبيعي للجماعة وتطورها- بقيت وفية لمنشئها وقد تجدد النفي القديم بأشكال مستجدة. وإذ تتالت الانكسارات والهزائم وخاب المسعى، تكاثرت الأسئلة: لماذا وكيف وإلى أين؟ أسئلة تثقل الوجدان العربي وتسري في النصوص وتسعى لفهم الحكاية وتؤرخ لوجدان الأمة بقدر ما تلتقط من أبعاد السؤال.
ولكن ما الذي أضافه جيلنا؟ في تصوري، يمكن تلخيص هذه الإضافة في نقطتين: أولهما، إعادة تقسيم الحيِّز الاجتماعي؛ وهنا أستأنس بما قاله إدوارد سعيد في كتابه الثقافة والامبريالية حيث يقول: " إن الاستحواذ على التاريخ، والقبض على الماضي بوصفه تاريخا، وتحويل المجتمع إلى رواية تُحكى، وكلها عناصر تعطي الرواية قوتها، يتضمن أيضا السيطرة على الحيِّز الاجتماعي وتقسيمه وتصنيفه، بما يجعل هذا الحيِّز يخدم أغراضا اجتماعية". وما دمنا لا نقدم دراسة نقدية بل نطرح فكرة من أفكار هذه الشهادة يمكننا الإشارة سريعا إلى أن تقسيم توفيق الحكيم مثلا للحيِّز الاجتماعي في عودة الروح حيث "الكل في واحد"، وتقسيم نجيب محفوظ لنفس هذا الحيِّز في ثلاثيته التي تؤرخ لمسيرة الطبقة الوسطى في النصف الأول من القرن العشرين وتمجد الوحدة الوطنية متمثلة في ثورة 1919، يختلف اختلافا بينا عن تناول عبد الرحمن منيف وصنع الله ابراهيم وبهاء طاهر وإلياس خوري وهدى بركات على سبيل المثال وليس الحصر. في نصوص هذا الجيل الذي عاش الهامش بأشكال مختلفة إعادة تصنيف للحيِّز الاجتماعي، وإفساح لمساحات القهر والمنفى والصمت لتدخل إلى متن الرواية العربية. ولم يكن ذلك، في تقديري، مجرد خيار إيديولوجي بل كان انعكاسا لعلاقة إشكالية مركبة بالواقع الاجتماعي عبرت عن نفسها في المشروع الإجمالي للكتابة وفي تفاصيله التقنية: هوية الراوي، نبرة الصوت الذي يحكي، رسم الشخصيات، بنية الرواية وتعاملها مع الزمن، ولغتها التي تتحدى الخطاب السائد بالجملة المقتصدة والدقة الحذرة. لا مجال هنا للنشيد، والصوت المجلجل. إنه عالم "مالك الحزين" (ولا أشير هنا إلى رواية إبراهيم أصلان وحدها التي تحمل هذا العنوان، بل إلى إنتاج جيل بأكمله، وإن كنت أقتبس العبارة التي صدَّر أصلان بها روايته فأوردها تحت العنوان مباشرة: "لأنهم زعموا أنك تقعد بالقرب من مياه الجداول والغدران فإذا جفّت أو غاضت استولى عليك الأسى، وبقيت صامتا هكذا وحزينا". إنه صوت الهامش المقموع يلتقطه كتاب الجيل كل بأسلوبه.
ii
تشغلني فكرة العلاقة بين الهامش والمتن، ويستهويني تأمل كتب التراث حيث النص الأصلي مدوّن في الجوانب في سطور معدودة غالبا، في حين تحتل الشروحات جُلّ الصفحة. أتساءل عن إمكانية توظيف هذا الشكل في كتابة ما، أتساءل إن كان مصدر انشغالي مجرد حلم بمغامرة إنجاز كتابة جديدة مؤسسة على شكل موروث، أم هو انشغال بأشكال العلاقة بين الهامش والمتن يعكس تجربة جيل تربى في الهامش واكتهل فيه، أو استدرج إلى المتن فدفع أثمانا باهظة. هل يبدو كلامي غامضا؟ أوضح: تربينا كمثقفين وكتاب في الهامش، والآن صار الهامش اختيارا. لماذا؟ أجيب على السؤال بصيغة المفرد رغم اعتقادي بأن ما أقول يشمل آخرين غيري: في اختلاط الحابل بالنابل، والقاتل بالقتيل، والعدل بالظلم- وهو اختلاط يميز لحظتنا بشكل مدهش- تبدو لي الطريق محفوفة بالشراك، ويستحضر خيالي مشهدا من مشاهد فيلم كارتون للأطفال تدور أحداثه في غابة، وتظهر فيه حية آسرة تتلوى وتغني وتبرع في فعل غوايتها. هكذا يبدو لي المشهد الآن فالدعوة إلى الدخول إلى المتن تبدو دعوة لا غبار عليها إلى المشاركة. ولكن بأي ثمن؟ بأي قدر من التواطؤ؟ وبكم مرة صمت حين يتعين رفع الصوت بالكلام؟ وفي المقابل- وهنا المأزق- يبدو التشبث بمطلق الهامش ضربا من ضروب التكفير والهجرة. ما العمل إذن، وأين تقع الحدود بين ثقافة عناد أصيل ينتج القيمة من موقع الهامش، ما دام المتن فاسدا، واختيار عزلة مانعة قاطعة للاتصال والتواصل؟ سؤال صعب لا أعتقد أننا وجدنا له حلا نتفق عليه في مجتمع يفتقد أحزابَ معارضة قويةً ومؤسساتِ مجتمع مدنيٍ عفيةً ومستقلة. على المستوى الشخصي أعترف أنني محظوظة حظا مزدوجا ففي قاعة الدرس مخرج وفي الكتابة مخرج. في قاعة الدرس تتحقق متعة التواصل والمعرفة وقلب النظام السائد، ولأنني أدرِّس أدبا لا كيمياء أو رياضيات، فإن قراءة النصوص الأدبية، تفكيكها وإعادة فحصها يضمن لنا مجتمعين أستاذة وطلابا، في رحاب الدرس، لحظة نادرة نتسيّد فيها واقعنا. وفي الكتابة أيضا يتسيد المرء واقعه، يقلب الهامش إلى متن، ويدفع بالمتن المتسلط إلى كناسة مهملة في الزاوية. أكتب أمتلك الحيِّز، أهلل من قال أنني لا أمتلك حكايتي ولست فاعلة في التاريخ؟
لأنطونيو جرامشي مفهوم آسر عن دور المثقف، لا أقصد هنا ما قاله عن المثقف التقليدي والمثقف العضوي، بل أشير لمفهومه عن "المنطق السائد" و"المنطق الراجح"، الأول أشبه بكرة شعثاء من خيوط معقدة، تشتبك فيه وتختلط حصيلة التجربة المعيشة بالأفكار الجاهزة الموروثة، والعلم بالخرافة ، والحكمة بما عفا عليه الدهر من قناعات جامدة، والمصلحة بوهم المصلحة، أما المنطق الراجح فينتج رؤية متسقة متجانسة للوجود، يدرك موقعه الفعلي في الواقع الاجتماعي، ويسلك بما يمليه هذا الموقع وخلاصة تجاربه؛ والعمل الثقافي الأصيل يأتي دائما من موقع نقدي ويقوم بدأب بتسليك تلك الخيوط المعقدة وصولا إلى تجاوز المنطق السائد إلى منطق سليم متسق يعي ضروراته. هناك دائما مثقفون يرتضون لأنفسهم مهمة خلط الحابل بالنابل، والأصيل بالزائف، وهناك مثقفون يختارون الموقف النقدي مهما كلفهم ذلك من مشاق. وهنا أركز على عبارة "نقدي"، وأذكِّرُكم أن معنى كلمة نقد في اللغة العربية هو تمييز الدراهم وإخراج الزيف منها، أي الفصل بين العملة الأصيلة والزائفة. ونقد في اللغة العربية عكس النسيئة عكس المماطلة والتأجيل. فيرتبط النقد بالقيام بالشيء في وقته، وهذه على ما أظن ، هي مهمتنا كمثقفين.
iii
وماذا عن اللغة؟ أعترف أنني أتشبث باللغة تشبث الغريق. وأية لغة؟ لغة قوم معجزتهم كتاب، ومن بعد الكتاب خمسة عشر قرنا شهدت المدهش من التجارب. إن استمراريةَ هذه اللغةِ العربيةِ وصلابتَها ومرونتَها وتنوعَها وثراءَها وعامياتِها المتفرعةَ منها بما قدمته للعالم من نصوص مكتوبة وشفهية، لها رسوخ المعابد المصرية القديمة وعنفوان فاعل لم يعد لهذه المعابد. هل يبدو غريبا لو قلت الآن إن هذه اللغة تمنحني قدرا لا يستهان به من الأمان؟ أكتب بالعربية وأنتمي إلى تراثها الحي فينتفي اليتم، تتبدد الوحشة، وأيضا يهدأ بعض الاضطراب.
قبل سنوات كتبت أنني أرى في العربية "وطنا يمتد من قرآن العرب إلى نداء البائع المتجول، ومن النشيد الوطني على لسان الأطفال في صباح المدرسة إلى حديث السياسي الأفّاق. أرى في العربية وطنا متراميا، واضحا وغامضا، أليفا ومدهشا، وفي بعض الأحيان مربكا. أعرفه ولا أحيط به. أسكنه وأعرف أنه يسكنني، وأنني في كل فعل وقول أحمل خاتمه وعلامته. العربية أداتي ولكن الصحيح أيضا أنني أداة من أدواتها، هي كتابي الذي تضم صفحاته إرثي وحكايتي مع الزمن، وطموحي أن أضيف سطرا جديدا إلى سطوره".
أقتبس هذا الكلام من حديث سابق لي رغم تكراره بعض ما أوردت في حديثي الراهن، ربما لرغبة في توضيح أن ثراء العربية، في يقيني، لا يقتصر على إنتاج كبار كتابها القدماء والمحدثين، ولا على ما أنتجته المخيلة الشعبية من ملاحم وحكايات بل يتسع لذلك التنوع الهائل في حياة البشر يتشكلون بها وتتشكل بهم. هي موروث ومعيش، قديم جليل مكنون في بطون الكتب وتلافيف الذاكرة، ويومي متجدد يتفاعل مع شعر الواقع ونثره ويعيد إنتاجه. باختصار هي لغة حياة وتحيا، رغم استلاب الإرادة والقهر، تحيا لأننا نحييها ونحيا بها. تملأنا وجلا بسلطتها الأبوية الصارمة وتحيط بنا بردائها الأمومي الضافي ثم تنقلب الآية في غمضة عين فنجد أنفسنا أهلها نلاعبها وهي طفلة تفاجئنا، على طريقة الأطفال، بالجديد المدهش من تراكيب الكلام.
الكتابة فيما أعتقد إطلاق للإرادة في مواجهة نفي الإرادة. اشتباك مع الحياة يحاكمها أو يغنيها، يفضحها أو يتواطأ معها، يصطدم بها أو يلاعبها، أو يرفعها كالمرآة يسألها أملا أن تمنحه بعض إجابة؛ اشتباك-مداخلة بالصوت الواضح أو الشجي أو الخشن أو الصارخ في البرية كأنبياء العهد القديم أو المترنم كتهنينة أم لصغيرها قبل أن ينام. في الكتابة سحر البيان عن حكايات بلا حصر، عن بشر يتوزعون على الخرائط والتواريخ والمصالح والمواقع والأعمار والأقدار في كرة صغيرة سابحة في الفضاء، ويجتمعون على صلح مستحيل مع موت ينهي الحكاية التي لا تنتهي.
وختاما، في لسان العرب يقول ابن منظور: الذِّكر: الحفظ للشيء تذكُرُه أي لم تنسه، والذكرُ أيضا الشيء يجري على اللسان فهو ما ذكرتَه بلسانك وأظهرتَه. ذكرتُ الشيءَ بعد النسيان، وذكرتُهُ بلساني وقلبي وتذكّرتُهُ وأذكَرُتُه غيري، ومنه التذكّر، والاستذكار: درس الشيء للذكر ودراسته للحفظ.
وأخيرا الذكر الشرف والصِّيت.
أجرؤ أن أنهي محاضرتي بالعبارة التالية: لا كتابة تستحق الذكر بالمعاني جميعا التي أسلفتها إلا وتعتمد على الذاكرة.
رضوى عاشور

ايوب صابر 04-15-2012 10:11 PM

تقول الدكتوره رضوى عاشور عن الكتابة والذاكرة :

- ولدت عام 1946، أي بعد عام واحد من نهاية الحرب العالمية الثانية، وقبل عامين من هزيمة العرب في حرب فلسطين. لا أؤرخ الآن لحياتي ولكنني أشير إلى أن السنوات الممتدة من احتلال الساحل الفلسطيني عامي 1947-1948 إلى احتلال بغداد عام 2003 والمجازر اليومية في الحالتين تشكّل كل سنوات عمري.
- أنتبه الآن إلى أن كافة نصوصي الروائية هي محاولة للتعامل مع الهزيمة.
- كنت في العاشرة من عمري حين هاجم الإنجليز والفرنسيون والإسرائيليون مصر عام1956 . وكنت في الحادية والعشرين حين اندلعت الحرب من جديد. أعي أن أبناء جيلي من طلاب الكلية الحربية والفنية العسكرية الذين انتقلوا ذات صباح من مقاعد الدرس إلى ساحات القتال، استقر أكثرهم هناك تحت رمال الصحراء في سيناء.
- إن حرب 1967 وما تلاها من ملمّات جعلتنا نعي بحدة أن التاريخ لا يقتصر على سجلات الماضي ومدوَّناته بل يمتد ليشمل واقعنا المعيش ويلازمنا بشكل يومي: حروب متتالية، مجازر، هزائم، قمع وقهر، ودائما، أمان مفتقد وإرادة منفية في ظل واقع قابض نجاهد لفهمه، ونحلم بتملكه.
- "هذه العاصفة في عقلي تعطِّل حواسي من كل ما عداها من مشاعر سوى ما ينبض فيها". يقول الملك لير، وأنا أقول مع الناظر الذي أشاركه النظر، في روايتي "قطعة من أوروبا":
"لم أعو عواء الملك في العاصفة. كنت مجرد ناظر ينتهي من عمله ويعود إلى منزله ليتابع العاصفة. يشاهد كرات اللهب والدخان على شاشة، يسمع دمدمة القذائف لا الريح، وسقوط القنابل الذكية والأقل ذكاء على شط العرب. يلتف بعباءته الصوفية كأنها كفن…(ولكنني) عشت، أقصد استيقظت في الصباح وقلت صباح خير…، وارتديت ملابسي…، اليوم وغدا والغد الذي تلاه، يوما بعد يوم بعد يوم، كل يوم، حتى تلقفتني عاصفة تالية وعاصفة أخرى بعدها. شاهدت التوابيت مصفوفة صفا طويلا لا تحيط به عدسة المصور إلا عن بعد، وآلاف الرجال المحتشدين في الملعب البلدي يقيمون صلاة الجنازة، يتحرك الموكب في قيظ غريب على يوم ربيعي. الأكفان محمولة على أكف الرجال، يقطعون الطريق من الملعب الكبير إلى المقبرة: مستطيلات محفورة في عمق الأرض، متلاصقة، متطابقة، متساندة، وتنتظر.(…) قلت: لن أرى مشهدا أكثر حزنا وجنونا.
- ولكني كثيرا ما أخطئ التقدير، عشت لأرى جثثا في أدراج ثلاجة، في كل درج جثتين، ومسيرات من أعلام وبشر يحملون جثامين جديدة كل يوم، وسيارات نقل كبيرة كتلك التي يكتظ على ظهرها عمال التراحيل أو الأطفال الذاهبين لجني القطن، أو حتى جنود الأمن بعد تلقيهم الأمر بالتوجه لقمع مظاهرة، تصطف في كل سيارة نقل منها الأكفان، كفن لصق كفن، أبيض لصق أبيض. أين لير من تلك العواصف؟ هل تبادلني أيها الملك المسرحي حياة بحياة؟ اعطني جحود ابنتيك، وخذ بحر البقر وشاتيلا والعامرية وقانا وجنين. لا لن أعطيها لك، هذه حكايتي!


- وتقول " هل يبدو غريبا لو قلت الآن إن هذه اللغة ( العربية ) تمنحني قدرا لا يستهان به من الأمان؟ أكتب بالعربية وأنتمي إلى تراثها الحي فينتفي اليتم، تتبدد الوحشة، وأيضا يهدأ بعض الاضطراب.


- هناك ما يشير الى ان الدكتورة رضوى نهلت عبقريتها وابداعها من تجربة اليتم ولكن حتى لو لم يكن هناك يتم فان حكايتها الملخصة اعلاه تشير الى الم لا حدود له الم بها منذ نشأتها وحتى تاريخه.


على الاغلب هي يتيمة لكنا سنعتبرها مأزومة بدليل حكايتها ولغياب ما يؤكد يتمها في سيرتها والتي تقفز للاسف من ذكر سنة الولادة الى دراستها الجامعية في تجاهل واضح للفترة التي تصنع ما تكون عليه الشخصية في وقت لاحق.

مأزومة.

ايوب صابر 04-16-2012 09:07 AM

60- دعاء الكروان طه حسين مصر

لمح عن الروايه:
تحكى الروايه عن "آمنة" الفتاة الريفية التي تتمرد على العادات والتقاليد في صعيد مصر ، حيث تقع أختها "هنادي" في حب ذلك المهندس العازب الذي تعمل عنده خادمة ، ولكنه يعتدي عليها ويحطم حياتها ، وبالتالي تُقتل أمام أختها "آمنة" على يد خالها .. فتقرر "آمنة" ، بعد أن عاهدت نفسها مع دعاء الكروان في القرية ، الإنتقام لأختها من ذلك المهندس .. وهناك ، في منزل المهندس ، تحاول أن تنفذ العهد بالإنتقام ولكنها لاتقوى ، فقد تحرك قلبها وبدأ يميل نحو هذا المهندس ، إلا أنها تدوس على مشاعرها وترفض البقاء معه وتقرر الرحيل عنه ، حيث أنها تعرف بأن طيف أختها "هنادي" سيبقى حاجزاً بينها وبينه .



النقد الروائى :

وعند التعرض لنقد أيٍ من الرويات القديمة ، لابد لنا بالطبع من مراعات الفترة الزمنية. فأختلاف الزمن هنا يؤثر على النقد نظرا لأختلاف الثقفات بين الازمنه. لكن هذا لا يمنع من قول رائى و سبب إختيارى لهذه الروايه تحيدا . السبب الاول هو الاديب العظيم الذى كتب الروايه وهو الأعمى الذي تحدى المبصرين, عميد الأدب العربي طه حسين الذى قد لنا العديد من الرويات التى امتعنا السبب الثانى هو الروايه تحديدا و هى توضح لنا العادات و التقالديه المصريه القديه و كيف كانت الحياه آن ذاك .


==

نبذة النيل والفرات:
"ولكن صوتك أيها الطائر العزيز يبلغني فتنتزعني انتزاعاً من هذا الصمت العميق، فأثب وجلة مذعورة، ويثب هو وجلاً مذعوراً، ثم لا نلبث أن يثوب إلينا الأمن ويرد إلينا الهدوء، فأما أنا فتنحدر على خدي دمعتان حارتان، وأما هو فيقول وقد اعتمد بيديه على المائدة، دعاء الكروان! أترينه كان يرجع صوته هذا الترجيع حين صرعت هنادي في في ذلك الفضاء العريض!!".
ما زالت أصداء صوت الكروان تتردد على صفحات طه حسين رغم بعد الزمن، فكروانه الذي سطر من خلاله هذه القصة الإنسانية المعبرة عن حال المجتمع المصري في تلك الآونة، كروانه ذاك، كان رمزاً لأنثى تصدح بأحزانها عبر المدى، لا من مجيب سوى الصمت وترجيع الصدى والصمت.

ايوب صابر 04-17-2012 11:51 AM

دعاء الكروان بين …الرواية والفيلم

١٢ نيسان (أبريل) ٢٠٠٦بقلم سعداء الدعاس

حين تكون خادمة ريفية بطلة لرواية أدبية عربية ذيلت نهايتها بسبتمبر من عام 1934 ،عندها لن يتكلف المتلقي جهداً في استشفاف ماهية هذه الرواية أو نهج سيرها الدرامي ، خاصة في ظل تلك السنوات البدائية من زمن التشكيل الأدبي الروائي العربي. فمتلقي تلك الفترة ومهما تميز بالثقافة والاطلاع لن يذهب في تصوره لطبيعة الرواية أبعد من كونها تسجيل لكفاح شابة ريفية عانت من أجل الوصول إلى مستوى اقتصادي واجتماعي ما ..أو كونها من تلك الروايات التي تحاكي مأساة الخادمات الريفيات تحديدا في التعامل مع واقعهن المر ...ورغم أن روايتنا هذه حاكت بشكل أو بآخر أسلوب السيرة الذاتية إلا أنها لم تسجل تلك التطلعات البدائية في التعاطي مع شخصية نسائية عاملة ، بل تعاطت الرواية مع سيرة مجتمع كامل بشخوصه المقموعة والقامعة ...كل يغزل الآخر بطابع واقعي تخللت الرومانسية كثير من مساماته .
خصوصية روائية

من خلال تلك التشكيلة الزمنية - البعيدة بعض الشيء- جاءت رواية (دعاء الكروان ) للأديب (طه حسين) كإحدى إفرازات ذلك الزمن الخاص جدا والذي تمثلت خصوصيته بشخوصه وأمكنته ، فباتت مادة جيدة للتناول السينمائي بعد ذلك على يد المخرج (بركات) والكاتب (يوسف جوهر) حين قدما للسينما عملا يحمل العنوان نفسه، طارحين تساؤلاً جال في خاطر كل من لم يقرأ الرواية : هل قدم الفيلم رواية طه حسين ؟ أم أنه خلق روحا جديدة بواسطة أبطاله ؟ بتحفيز من هذا التساؤل جاءت الرغبة في معرفة الفروقات بين العملين الأدبي والفني .. الأصل والإعداد ، للوقوف على جدوى التفاعل بين الفنون والآداب من خلال دراسة مقارنة لدعاء الكروان – الرواية والفيلم .
طه حسين ينصـّب آمنه بطلة لروايته

تطرح الرواية بجرأة قضية الظلم الواقع على المرأة العربية والريفية خاصة ، في ظل مجتمع جاهل لا يرى في المرأة سوى أنها عورة لا بد من حجبها عن العالم ، وقد تفوق الكاتب على ذاته الواعية والمثقفة حين استغنى عن نظرته الراقية للمرأة واستعارعين من ترى المرأة بصورة مخجلة ، ساعده في ذلك أنه عاش في يوم من الأيام ضمن هذه المنظومة الريفية ، فتداعت له الصور وهو يكتب عن نسوة ظلمن في زمن الرجل ، فالمرأة هنا هي (زهرة ) الأم المتفانية في تربية بناتها اللاتي تخلى عنهن والدهن سعيا وراء ملذاته الجنسية – وقد ذكرت هذه المعلومة بشكل موارب بعض الشيء - ورغم أنها أم لا تنشد أكثر من العيش بسلام ضمن مجتمع تعرفه إلا أن حياتها انقلبت رأساً على عقب ، بسبب حادثة قتل الزوج نتيجة فساده الأخلاقي على يد طالبي الثأر لشرفهم ، فطردت الزوجة وبناتها من المكان الذي لا يعرفن سواه ، بسبب العار الذي لحق بالعائلة كلها بعد فضيحة قتل الزاني كما لقبته القرية .
أما الشخصية النسائية الثانية فهي (هنادي) الإبنة البكر لأمينة ، وهي فتاة قتلتها سذاجتها بعد أن غرر بها شاب مدني ومتعلم أوهمها - أو أنها من أوهمت نفسها- بمصداقية مشاعره تجاهها... وقد شكلت شخصيتها وما ارتبط بها من أحداث ، فرعا مهما من فروع الرواية التي تصب جميعها في مجرى المرأة المضطهدة ، التي وإن ساهمت بجهلها في ذلك الاضطهاد شكلياً إلا أنها وقعت في بؤرة القمع منذ ولادتها القسرية ضمن ذلك المجتمع الذي يراها جانياً لا مجني عليه . رغم أن حدث قتل هنادي يعد من أهم أحداث الرواية ، خاصة فيما يتعلق بفاعليته وأثره على الشخوص الأخرى والأحداث التي توالت بعد ذلك ، إلا أن (طه حسين) ولمنطقيته في التعامل مع حكاية لم يرد لها الإنتهاء بجريمة قتل فقد اتخذ شخصية أخرى ( آمنة ) لتكون بطلة لروايته ... تقود المركب بكيفية واحدة ونسق متجانس منذ بداية الرواية إلى نهايتها مع إعتمادها على تغيير وجهة السير أحيانا متكأة ضمنياً على حدث القتل كمفترق طرق يحدد وجهة سير المركب الروائي قبل وبعد ، باستخدام السرد كحل أدبي لهذا التنقل الذي أثر شكلاً وموضوعاً على طبيعة الشخصيات من جانب وطبيعة المكان – كعنصر مؤثر – من جانب آخر ، فعلى سبيل المثال بعد أن كانت شخصية (آمنة ) ساكنة أصبحت فاعلة بعد مقتل أختها ، وبعد أن غلفتنا أجواء الصحراء ( قرية بني وركان ) الممزوجة بالانكسار، إنتقلنا إلى أجواء المدينة المشبعة بمشاعر الحب والإنتقام والتي لم يرد اسمها في الرواية ، وبهذا يكون قد قدم لنا الكاتب الشخصية النسائية الثالثة ( آمنة ) والمرتبطة بالشخصيتين السابقتين ارتباطا وثيقا فعهدت مأساة أمها ( زهرة ) وكارثة أختها( هنادى ) لتتعاطف مع الأولى وتحزن على الثانية ، بل وتتجاوز ذلك الحزن فتصر على الإنتقام ممن شوه ملامح تلك الفتاة البريئة وأسقطها في هوة الخطيئة لتترك جثتها وجبة دسمة لحشرات القاع .
الخطأ ذكوري ...والعقاب أنثوي

جميع هؤلاء النسوة دفع بهن (طه حسين) في مواجهة مجتمع ذكوري ، فالرجل هو الأب الذي لم يكتف بالتخلى عن مسؤولية عائلته بل أنه ألحق العار بها ، والرجل الأخر هو الخال الذي أصر على طرد نسوة ضعاف إلى أن ينسى أهل القرية مأساة زوج أخته الزاني - وإن كنا هنا نلاحظ لا منطقية هذا التصرف الذي لا يقوم به البدو أو أهل الريف ، خاصة مع نساء لا رجل معهن- ، أما الشخصية الرجالية الفعالة الثالثة فتتمثل في ذلك الوحش الوسيم الذي تسبب في ضياع شرف (هنادي) ، وقتلها من قبل خالها الذي عاقبها على ذنب هو مشارك فيه .
في ظل هذه المواجهة الطاحنة بين جنسين آدميين لا ثالث لهما (المرأة / الرجل ) ، نلاحظ أن الروائي لم يغفل أركان المعادلة الأخرى حيث عمل على موازنة الطرفين بالعديد من الشخصيات النسائية والرجالية كشخصيات مساعدة في سير الأحداث من جانب كما هو الحال بالنسبة لكل من :- 1- شخصية شيخ العزبة الذي وفر العمل بالنسبة لزهرة وبناتها ، الأمر
الذي تسبب بعد ذلك في تطور أحداث الرواية . 2-شخصية (زنوبة) التي ألحقت آمنه للعمل لدى المهندس بناء على طلبها.
بالإضافة إلى دور بعض الشخصيات في التأثير على ملامح الشخصيات الرئيسية ( كما أثرت شخصية خديجة في تغييرالصفات العامة لآمنه التي تحولت من فتاة ريفية جاهلة إلى فتاة واعية ومطلعة ) ، مع الأخذ بعين الإعتبار أن وجود الشخصيات المساعدة عمل على بيان طبيعة الشخصيات الرئيسية من خلال الإفصاح عن مكنونها من منطلق الصداقة ، (ونجد ذلك واضحا في شخصية زنوبة التي ارتبطت بها آمنه لفترة معينة ) .
كما أن تنوع الشخصيات أمر مهم جدا بالنسبة للقارئ الذي يجد متعة في تعاطيه مع مجتمع كامل بكل معطياته ، ورغم أن هذا التنوع لم يتحقق بشكل ثري في هذه الرواية إلا أنه ترك لمسة غنية خاصة حين نتنقل من منزل المأمور بطبيعته الراقية للبيت الذي اتخذته آمنه بديلا ً عن منزل المأمور، حيث نجد التباين في المستويين الاجتماعي والاقتصادي وبذلك تكون الحياة الواقعية – حينها – قد تحققت بجوانبها السيئة والجيدة .
الوعي السردي بلسان فتاة ريفية

اتخذ (طه حسين) من اسلوب الاسترجاع السردي وسيلة تعارف بين المتلقي وأبطال الرواية ، حيث بدأت الشخصية الرئيسية ( آمنه ) بالحديث عن ماضيها الذي أدى بها لهذا الحاضر المحير الواقع بين كفتي رحى رغبة الحب والإنتقام .
نبدأ في التعرف على بطلة روايتنا (آمنه) كفتاة ريفية تنتمي لاحدى القبائل البدوية ، تعمل في خدمة مهندس الري في إحدى مدن الأقاليم الصغيرة الواقعة على أطراف مدينة القاهرة ، لكنها وإن كانت ظاهرياً تنتمي لتلك الفئة العاملة البسيطة إلا أنها - وكما أراد طه حسين - تمتلك شخصية مختلفة أهلتها للتكفل بمهمة الراوي الواعي الذي صاحبنا طوال صفحات الرواية بالسرد المحايد أحياناً ...والمبرر أحيانا كثيرة.
ورغم أن الكاتب لم يستغن ِ عن لغته الغنية المنمقة ، إلا أنه استطاع بشكل أو بآخر التغلب على صوته الذي تلاشى بين كلمات بدت كأنها نتاج مأساة حقيقة كتبتها (آمنه) لا غيرها ...عزز من ذلك الملامح التي أسبغها( طه حسين ) على الشخصية مما ساهم في اضفاء هذا الإحساس على المتلقي في معظم صفحات الرواية ، فآمنة قارئة مثقفة تلقت كم من المعارف والخبرات نتيجة عملها في منزل المأمور لصيقة لابنته المتعلمة والتي كانت تلح في اشراكها في تلك الدائرة التى سرعان ما استهوتها ، فأصبحت (آمنه) تبحث عن الكتاب بل تتشمم رائحته التي قد تقودها إليه بكل سهولة رغبتها الملحة في الاطلاع ، فتستمتع بتصفح أوراقة بسرية تامة ( خاصة في فترة عملها لدى عائلة أخرى لها من الأبناء الدارسين في القاهرة ، الذين لا يستغنون عن كتبهم حين يقضون إجازتهم الدراسية ، وبفضلهم قد اطلعت آمنه لأول مرة على كتاب ألف ليلة وليلة ) .
هذا الملمح الذي جعلنا نقتنع باسلوبها وهي تروي مأساتها أو سيرة حياتها بلغة راقية ، وإن توقفنا لحظات أمام بعض الجمل البليغة جداً " أي حياة يموت فيها العقل أو يأخذه شيء كالموت "ص121 ، وفي وصفها لزواج المهندس بأنه خيانة منظمة " هو الآن ينظم الخيانة تنظيمًا " ص104 ، وفي موقع آخر وهي تصف تعامله معها " هذا الفتى يعرف حقاً كيف يكون شراء الرقيق "ص139 ، تلك الجمل وغيرها تحمل بين طياتها معان لا تصدر إلا عن وعي لا تمتلكه بالتأكيد فتاة بسيطة كآمنة ، وإن عانت في حياتها الكثير ، أو اطلعت وقرأت العديد من الروايات والكتب ، أو كما يحلو للبعض أن يحاجج في امكانية صدور مثل هذه الجمل عن آمنة ، كنتيجة طبيعية للغة المستخدمة آنذاك والتي تتميز بالبلاغة الشديدة ، إلا أن ذلك لا ينفي بشكل أو بآخر منطقية بقاء آمنه أسيرة ثقافة محدودة لا تقوى على الخوض في غمار الخبرة والفلسفة الحياتية بلغة لم يستطع طه حسين اخفاء صوته الجلي فيها ، والذي اخترق كل حرف من حروف تلك الجمل العميقة ، وقد تكون إحدى مآخذ الرواية وإن كانت لا تشكل خللا واضحاً فيها .
هنات دعاء الكروان الروائية

إضافة لوضوح صوت المؤلف والمعروف ( بالصوت الثالث) في بعض صفحات ( دعاء الكروان ) ، فإنه من أبرز الهنات التي وقعت بها الرواية ، هي عملية التهميش المتعمد من قبل المؤلف ، والذي طال به بعض الشخصيات والأمكنة .. مما ينفي التقارب الواقعي الذي لمسناه في التنوع في شخصيات الرواية .
لقد أصر الكاتب على تهميش بعض الأشياء من خلال التعميم في التعامل معها ، فمثلا بالنسبة للمدينة التي تجري فيها الأحداث ، مدينة مجهولة لا نملك عنها سوى معلومة بسيطة مفادها أنها احدى مدن الأقاليم ، وهكذا هو الحال بالنسبة للمدن أو القرى التي يأتي ذكرها على سبيل المرور بها أو الإقامة المؤقته خاصة في رحلة الأم وبناتها من قريتهن منبوذات أو العكس في عودتهن إلى المدينة بصحبة الخال .
أما بالنسبة لأسماء الشخصيات فعملية التعميم طالت بعضها ولعل أهمها هي شخصية المهندس الذي يلقب على لسان آمنه ( سيدي ) أو ( الباشمهندس )
هذا إضافة لشخصيات أخرى مثل ( البيه المأمور ) ، ( شيخ البلد ) وصاحب المنزل الذي عملت فيه آمنه بعد هجرها لمنزل المأمور ، حيث أن الرواية ركزت في الملامح العامة للشخصية فقط على لسان ( زنوبه ) : " من أصحاب الثراء واليسر (....) وستجدين عنده سعة ويسراً ، ودماثة في الخلق ، وتبسطا في المعاملة "ص118 . ولم يكتف الكاتب بذلك بل أنه عمد إلى تمييزه بأعم الألقاب ( فلان ) ، ولم يكن حال أولاده المتعلمين أوالجهلة أوفر حظـًا من والدهم ، فلم نتعرف على إسما واحداً لأي منهم .
ندرك بالتأكيد أن كاتبـًا عريقـًا كعميد الأدب العربي ( د.طه حسين ) على وعي تام بهذه الملاحظات خاصة فيما يتعلق بشق التعميم ،لكنه- وكما أرجح - قد اتخذ بعض المحظورات الذاتية التي فرضها على قلمه للوصول إلى صيغة روائية لا مجال لإحالتها على أمكنة بعينها لتصل بعد ذلك لأشخاص بعينهم ... فقد يكون لهذه الرواية أصل حقيقي لا يرغب من خلاله الكاتب التعرض ولو بالتلميح لمشاعر الناس وأحاسيسهم ، خاصة وأن الموضوع يتعلق بقضية الشرف والكرامة !
دعاء الكروان .. الرواية = الفيلم

تحت وطأة الضرورة السينمائية قدم فيلم ( دعاء الكروان ) بعض الاختصارات التي بدت غير منطقية ، لكن هذه التعديلات الجزئية لم تـُخـِل بالرؤية السينمائية ومن قبلها الروائية ، حيث اتفق العملان على تقديم رؤية واحدة نتاج لايديولوجية واحدة مع بعض الملاحظات البسيطة التي انقذتها رومانسية الفيلم والاتقان التكنيكي الى حد ما ، الأمر الذي يجعلنا نتحسر بعض الشيء حين نشاهد عملا سينمائيا في القرن الواحد والعشرين ملئ بالأخطاء البدائية كما هو الحال مع بعض الأعمال السينمائية الجديدة .
أهم الفروقات ....

من خلال اللغة المستخدمة يحلو لنا الولوج إلى أهم الفروقات التي ميزت الرواية عن الفيلم السينمائي ، فكون الفيلم لا يمتلك المساحة الزمنية لقول كل ما يريد ، فقد عمل على تقليص بعض الجوانب الروائية كما ذكرنا فنجح في إعداد بعضها ، ولم يصل لصورة صحيحة لبعضها الآخر .
البلاغة سرًا .. والبساطة جهرًا
لم يشأ الفيلم التعامل مع (آمنه) كفتاة مثقفة بنفس المدى الذي تعامل فيه (طه حسين) معها ، حيث قام كاتب الحوار ( يوسف جوهر ) بتناول (آمنه) لغوياً بصورة توحي بثقافتها دون المجاهرة بها ...رغبة في تحقيق القبول المنطقي الأقرب للمتلقي العادي الذي لن يتقبل تلك البلاغة التي صيغت بها الرواية على لسان خادمة لم تعرف طريق المدارس ، خاصة وأن المساحة الزمنية للفيلم كما ذكرنا سابقا لن تسمح بتتبع الظروف المحيطة بآمنة والقراءات التي ألمت بها لتصل لهذه الدرجة من الوعي والمعرفة كما في رواية طه حسين- مما جعل الرواية أقرب لقبول هذه الفكرة أكثر من الفيلم السينمائي - ، الأمر الذي حدا بكاتب الحوار إلى التعامل مع قيمة المعرفة والعلم بالنسبة للبطلة كقيمة جانبية غير أساسية ، بل أن (جوهر) ذهب إلى أبعد من ذلك في تصوره للغة هذه الفتاة ، حيث صاغ حوارها بلهجة عامية أقرب للريف منها إلى البدو ( موطن آمنه الأصلي ) .
المسافة ..... خانت بركات
استغرق تنقل (آمنه) ووالدتها واختها من القرية إلى المدينة فترة ليست بقصيرة مررن خلالها بالعديد من القرى " والخطوب تنتقل بهن من قرية إلى قرية ، ومن ضيعة إلى ضيعة ، يلقين بعض اللين هنا ، ويلقين بعض الشدة هناك "ص16 . وهكذا بالنسبة لرحلة العودة إلى القرية برفقة الخال ، أو رحلة هروب آمنه إلى المدينة مرة أخرى ، لكن بركات على ما يبدو قرر اختصار المدة الزمنية ، فلم تسعفه نباهته في وجوب الاختصار بالنسبة لجميع الرحلات السابقة لتبدو المسافة واحدة ، بدلا ً من أن نفاجأ بآمنه تقطع المسافة إلى بيت (المأمور) بنصف يوم وهي مجهدة ، في حين عجزت أن تقطع المسافة ذاتها بصحبة والدتها وأختها دون المرور بعدة قرى واللجوء إلى الراحة في أكثر من مكان. من خلال ما سبق تصبح رحلة الذهاب والإياب غير متجانسة في المسافة الزمنية للوصول إلى قرية تعيش في أطراف الريف كما هو مذكور في وصف ملامح قبيلة بني وركان " بدوية ريفية ، تقيم في قرية من هذه القرى المعلقة بهذه الهضاب لا يستقر أهلها فيها " وفي موقع آخر " ليتعلموا الاستقرار في الأرض والحياة في أطراف الريف (....) وهم يتقدمون نحو الأرض المتحضرة دائمــًا حتى يبلغوا حدود البادية أو حدود هذا الريف المتبدى " ص14. نهاية فاعلة لفيلم مؤثر...
كما تتمثل الفروقات بالعديد من الجوانب الإخراجية الأخرى بدء باختصار شخصيات أو التركيز على شخصيات أخرى ، فعلى سبيل المثال لم يأت الفيلم على ذكر انتقال (آمنه) للعمل لدى العائلة الميسورة قبل العمل لدى المهندس ، وقد يعود هذا التغيير لقناعة الفيلم كما ذكرنا بعدم التركيز على الجانب الثقافي لآمنه والذي بدا جليـّا في هذا المنزل . تطرقت الرواية على عجالة لذكر معلومة تخص المأمور على لسان آمنه :" كلفتُ أن أصحب صبية من بنات المأمور " غير أن الفيلم عمل على اختصار بدا مجديـًا لشخصيات أخرى قد تكون مُرهقة انتاجيـًا من خلال الاستعانة بعدد من الكومبارس لمجرد إثبات هذه المعلومة . عمد الفيلم أيضًا إلى نهاية أكثر فاعلية من نهاية الرواية التي قد تناسب القارئ ولا تناسب المشاهد ، الذي أهـّـل نفسه لأحداث متوالية ونهاية مرسومه لن يتكفل مشقة رسم خطوطها ...فالروائي يعلم تماما أنه يكتب لمجموعة مطلـّعة على أقل تقدير إن لم تكن مثقفة ، وعلى وعي تام بأن الحياة لا تقف عن حد معين يرسمه كاتب أو مخرج ...لذا نجد أن أغلب الروايات تترك نهاياتها مفتوحة لمنح مساحة من الخيال لمتلقيها من أجل الوصول إلى صيغة تتوافق مع عقلياتهم وأمزجتهم الخاصة ، وهذا ما تحقق في نهاية الرواية التي عبرت عن توحد الشخصيتين ( آمنه والمهندس ) بآلام واحدة وعاطفة متأججة جعلتهما يعيشان مأساة التشتت بين العاطفة والواجب دون اتخاذ قرار حاسم ، ليرسم القارئ نهايتهما بيديه . أما بالنسبة لمتلقي الشاشة ( الفضية أو الذهبية ) فإن غالبيتهم من البسطاء الذين يدمنون على المشاهدة من أجل تعويض ما يعانونه في حياتهم اليومية ..فرجل الشارع ذو عقلية مقننة بنهايات معينة عادة ما تكون مفرحة تجعله ينام مطمئنا وسعيدًا ، قادرًا على تقبل الأيام القادمة برحابة صدر أكثر ...أو نهايات مأساوية تساعده على تطهير ذاته بالبكاء والألم ، ولكن بما أن بركات كمخرج يختلف عن سواه ، إضافة إلى أنه يقدم رواية لكاتب قهر العجز في زمن المسحيل ، فإنه وبمساهمات (يوسف جوهر) قرر المخرج أن يترك المشاهد يفكر في شخصية ( المهندس ) القاتل والمقتول ، وشخصية آمنه العاشقة والمنتـقمة ، طارحًا العديد من التساؤلات التي قد تشكل جدلا لدى المشاهد العادي من خلال علاقات عاطفية تشابكت فانتجت مأساة عمقتها الموسيقى التصويرية لمصممها ( أندريه رايدر ) حيث اخترقت موسيقاه حواسنا منذ بداية الفيلم .
البناء لحسين ... والإقامة لجوهر وبركات

أما بالنسبة للسيناريو العام للفيلم الذي كتبه كل من المخرج ( بركات ) ، والكاتب ( يوسف جوهر ) فقد ساعدهما ( طه حسين ) في تحديد الخط الدرامي له ، فحين تعامل مع حكاية (آمنه) باسلوب الإسترجاع ..كان كمن يضع اللبنة الأولى لخطوات العملية السينمائية ، القائمة على التشويق والترقب ، وكما يبدو لنا عند مشاهدة الفيلم السينمائي ، فإننا أمام مخرج وسيناريست يتحليان بسمة الالتزام ، وما أعنيه هنا هو الإلتزام النابع من الاحساس بخطورة التغيير في النص الأصلي - وإن كنت شخصيًا أميل للتعامل بجدية فقط مع الرؤية العامة التي لابد ألا تحيد عن فكر النص الأصلي ، واللعب على وتر الإعداد بحرية أكثر مع معطيات النص – إلا أن ما قام به بركات وجوهر يستحق الثناء والتقدير من قبل مؤيدي فكرة الالتزام بالعمل الأساسي وغالبيتهم من الكتاب طبعا ، خاصة وأن الفيلم لم يأخذ الرواية كعمل مسلم به يقدم بعلاته أو بروحه التي قد لا يقبلها المشاهد العادي ، وهذا بالفعل ما حدث بالنسبة للتعامل مع لغة (آمنه) كما وضحنا سابقـًا .
كما شكل التزام المخرج والكاتب بالنص الرئيسي - على صعيد آخر- ملاحظة مهمة جدا لكل من شاهد العمل السينمائي بعد قراءته للرواية ، حيث جعلنا الفيلم نلتقي بشخصيات حية ( بأسماءها ) ولا تختلف عن تلك التي رسمناها في مخيلتنا قبل مشاهدة الفيلم ، ورغم أهمية التميز المتوقع من مخرج كبركات في وضع خطوط تتقاطع مع المصدر الروائي ولا تتوازى معه ..إلا أن ذلك التوازي الذي سار عليه بركات شكل بصورة أو بأخرى إحدى علامات الفيلم البارزة ، حين حافظ على الروح العامة والخاصة للنص ... دون المساس بخصوصية الفيلم .

ايوب صابر 04-17-2012 11:52 AM


دعاء الكروان

كاد أن يرتبط اسم الكروان ودعاؤه باسم عميد الأدبالعربي الدكتور طه حسين ارتباطا أبديا،
وهي رواية تتكون من خمسة وعشرين فصلاتظهر فصولها مرقمة بدون عناوين وهو ما كان سائدا
في تلك المرحلة حيث لم تكنكتابة الرواية تعتمد على ((العتبات النصية )) أو ((عناوين الفصول))

_ يعتمدالدكتور طه حسين على المكان أكثر من الزمان في تحريك شخصياته..وهي دلالة رمزية

على الشلل في الحراك الزمني في تلك الحقبة الزمنية وهو مما يعطي شيئا منالنقد المبطن
للأوضاع السياسية في تلك المرحلة من التاريخ المصري....فيالثلاثينات على الأقل كما يشير
إلى ذلك التاريخ الذي ذيلت به الرواية في الفصلالأخير.......... حيث لم تظهر الخلفية السياسية
واضحة في الرواية ولكن الكاتباعتمد على إشارة عكسية في الرواية وهو الاشارة الى التفكك

الاجتماعي فيالطبقات الفقيرة والأقل حظا من التعليم والحياة الرغيدة.... ونقدا مبطناأيضا
لطبقة كبار القوم في مرحلة الثلاثينات حيث كان المجتمع المصري يمر بمرحلةأفول نجم الباشوية

وازدياد النقمة على الضغط النفسي والاقتصادي عموم الناسبسبب ازدياد الطموح السياسي والاقتصادي
لأفراد تلك الطبقةالبرجوازية........

_ تتحرك الشخصيات في نطاق جغرافي ضيق.. وهي محاولةللاشارة الى تشابه المأساة وان بأساليب

أخرى في انحاء مصر بل والعالمالعربي....فورد قرى ومدن بدون اسماء...وايضا لم يكن يعتمد الدكتور طه

فيروايته على الوصف الدقيق للمكان ولا حتى للايحاء بكثرة بتفاصيل المكان...بل كانمعظم طوافه
هو في نفسيات الشخصيات في الرواية ووصف علائق بعضها ببعض ...وكأنهكان يوفر على القارىء

جهد البحث في العلاقات الداخلية..وبطبيعة الحال فهذامن سمة الروايات ذات الطابع الكلاسيكي .

_ تبدو الرواية مبتعدة عن التركيبوالايحاء اللغوي المكثف والترميز ..وان كان فيها شيء غير قليل منالتأمل

لذلك تكون الرواية بداية جيدة لكل من يريد ولولج عالمالرواية..


كان هذا مجرد قراءة للرواية وانطباعا شخصيا عنها وليست دراسةنقدية بقدر ما هي محاولة للفهم.....

ايوب صابر 04-17-2012 11:54 AM


د. طه حسين عميد الأدب العربي الاعمى احدث انفجار ثقافيا في العالم العربي..د.توما شماني

شخبطة على الحائط
د. طه حسين وجه ضربانت على مشايخ الأزهر المتقوقعين
سوزان الفرنسية زوجته بدلت حياة د. طه حسين


عشقت كتابات (د طه حسين) الاديب والناقد الضرير اي الاعمى من بين كتبه العديدة (في الشعر الجاهلي) قراته مرات ومرات رغم اعتباره الشعر الجاهلي منحولا الا اني ارتويت بما فيه من نقد ومعلومات. الواقع كان العصر الجاهلي عصرا مليئا بحيوية عصر المناذرة والغساسنة نتيجة رحلات الصيف الى الشمال حيت الغساسنة في تفاعلهم من الحضارة البيزنطية العالية في معطيات الحياة ورحلة الشتاء الى اليمن الغنية بالمصادر الزراعية ذات اتصال بالحضارة الحبشية الذين عرف عنهم انهم غزوا مكة في (عام الفيل). قرات كتاب (في الشعر الجاهلي) مرارا وارويت مما فيه من تحليلات وحفظت منه الكثير من الشعر كشعر (امرئ القيس) شاعر دولة المناذرة المسيحية في عاصمتها (الحيرة) لعلو مكانتها الثقافية (الحيرة) كانت تتكلم العربية كلغة الدولة والسريانية والفارسية. عرفت عن (الحيرة) مدينة بناء القصور منهما قصران شهيران في التاريخ (الخورنق) و (السدير) فيهما الشاعر (المنخل اليشكري) يقول (اذا شربت فاني رب الخورنق والسدير) و (اذا صحوت فاني الشويهت والبعير) ثم يضيف (احبها وتحبني ويحب ناقنها بعيري) في (الحيرة) بنيت (اديرة الرهبان) احدها (دير الراهبة هند) للاسف عندما نشات الدولة العباسية قبل بناء بغداد هدموا (الخورق) و (السدير) اخذوا طابوقه لبناء عاصمهم الاولي (الهاشمية). ربما خرجت موضوع كتابات (د طه حسين) الروائي المصري الكبير الذي لقّب بـ (عميد الأدب العربي) الذي شعت شهرته الآفاق (د طه حسين) فقد البصر في الثالثة من عمره إلا أنه واصل تعليمه فحصل على الدكتوراه عيّن عميداً لكلّية الآداب، جامعة القاهرة، ورئيسا مؤقّتا (لجامعة فاروق الأول) ثم أول مدير لـ (جامعة رية)، قرّر مجانية التعليم الثانوي في مصر مجانا ثم أنشأ (جامعة عين شمس) ثم غدى عضواً في (المجمع اللغوي) ورئيسه منذ 1963م حتى وفاته، ومديرا لـ (دار الكاتب المصري) ثم عضواً في المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية ومقرّر للجنة الترجمة به منذ انشائها. كان (د طه حسين) داعياً قوياً إلى التجديد ذو إحساس يكتب في النقد والوصف والتراجم والأدب والمقالة والقصة لذا فهو مؤسس مدرسة ومنهج في النقد خاصة، في أدبه نوافذ على الآداب العالمية خاصة اليوناني والفرنسي. نال (د طه حسين) الدكتوراه الفخرية من اقطار عديدة منها فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وأوسمة من لبنان وتونس والمغرب. من مصر منح قلادة النيل التي لا تمنح إلاّ لرؤساء الدول، كان قد حصل على أول جائزة تقديرية في الأدب ومنح جائزة الدولة عن كتابه (على هامش السيرة)، وجائزة الآداب، كان أول من منح جائزة الدولة التقديرية في الآداب، كما منح أيضاً وسام (وسام الشرف) من فرنسا ومنح من هيئة الأمم المتحدة جائزة حقوق الإنسان تلقاها قبل وفاته بيوم واحد. جمع المخطوطات المصرية من مختلف نواحي العالم وفي إدارة خاصة في الجامعة نشر عددا من هذه المخطوطات نشراً علمياً كما مهّد لقيام المنظّمة العربية للتربية والعلوم والثقافة، عند قيام هذه المنظّمة أنهى عمله بالجامعة العربية. ولد (د طه حسين) فى الرابع عشر من شهر نوفمبر عام 1889 عاش طفولته المبكرة في قرية صغيرة تقع على بعد كيلومتر واحد من (مغاغة) بمحافظة (المني) وسط صعيد مصر في (عزبة الكيلو). (د طه حسين) قد فقد بصره في الثالثة من عمره كان فقدان البصر فى الكشف مبكرا عن ملكات (د طه حسين) استطاع تكوين صورة حية فى مخيلته عن كل فرد من افراد عائلته اعتمادا على حركة وصوت كل منهم. يذكرني بتلميذ اعمى عندما كنت في الصف السادس في (مدرسة المربد) الابتدائية في البصرة كان يدرس في مدرسة ايرانية اغلقت عندما كان معلم الحساب يضع على السبورة مسئالة حسابية كان الاعمى يعطي الجواب قبل ان يقول يساوي.

(حسين علي) والد (د طه حسين) عمل موظفاً في شركة السكر انجب ثلاثة عشر ولداً كان سابعهم في الترتيب (طه) الذي اصابه رمد فعالجه الحلاق – يذكرني عندما كانت امي العزيزة المرحومة (نجيبة) تاخذني معها من البصرة الى الموصل لزيالرة اهلها كنت في الابتدائية كنت امر في الشارع قاصدا جسر الموصل اشاهد حلاقا يداوي الجروح بموسه الطويل المعهود لتطهير الاولاد دون تعقيم. مرة في صعدت الى (الخغأبي) حافيا الكائنة في السطح عندما تزلت احترقت رجلي عندما وصلت قبل ان اصل الارض سفطت على الارض اصابني الالم من كتفي الايمن كانت الرحومة (نجيبة) امي تبكي اخذتني الى الحلاق المجبر الماهر فعدل الكتف لا ازال استخدمة بكفائة - الحلاق عالج الطفل (طه) ذهب بعينيه (كما يقول هو عن نفسه في كتاب "الايام") كان الطفل (طه) فقد بصره بسبب (الجهل والتخلف) كانت كلمات صديق والده بعد ذلك بأن (طه) لا يصلح إلاّ ان يكون مقرئا للقرآن عند المقابر فيتصدق عليه الناس، هذا الاقتراح \صاب (د طه حسين) بصدمة عنيفة، شعر بألم دفين داخله، اصابه بالاكتئاب. اذ كان طفلاً انطوائياً، لا يتكلم مع أحد ولا يشاطر أحداً اللعب. كان دائماً جاداً، في حفظ القرآن وهو ابن سبع سنوات، اصر على ان يحضر الدروس التي تلقى في القرية، حتى برز بين أقرانه المبصرين بحفظه وادراكه لما يلقى عليهم من دروس. انصرف في طفولته المبكرة الاستماع للقصص والأحاديث انضم إلى رفاق أبيه في ندوة العصر في فناء البيت يستمع إلى آيات من القرآن وقصص الغزوات والفتوح وأخبار عنتر والظاهر بيبرس وأخبار الأنبياء والنسّاك الصالحين. حفظ القرآن في كتّاب القرية ثم أتقن التجويد فنشأ على خلفية واضحة وجلية وثقافة كبيرة ومتميزة في التاريخ العربي الإسلامي. بدأت رحلته الكبرى عندما غادر القاهرة متوجها الى (الازهر) طلباً للعلم وهو في الرابعة عشر من عمره، في عام 1908 بدأت ملامح شخصية (د طه حسين) المتمردة في الظهور حيث بدأ يشعر بالاشمئزاز من محاضرات معظم شيوخ (الازهر) المتتوقعين .اقتصر حضور بعضها كدروس (الشيخ بخيت) ودروس الادب لذلك لم يقتصر اهتمامه على تعاليم (الازهر). اظهر (د طه حسين) حبه للنقد. (د طه حسين) صاحب جماعة ناقدي ا(الازهر) فضّلوا دواوين الشعر والتمرد على مشايخ (الازهر). المتتوقعون طردوا (د طه حسين) بسبب كثرة انتقاداته لم يعد إليها إلاّ بجهود من أحد كبار الشيوخ !

في العام ذاته التحق (د طه حسين) بالجامعة المصرية ترك (الازهر) التحق بها وسمع دروس احمد زكي (باشا) في الحضارة الاسلامية واحمد كمال (باشا) في الحضارة المصرية القديمة ودروس الجغرافيا والتاريخ واللغات السامية والفلك والادب والفلسفة على من أساتذة مصريين وأجانب كان دخوله للجامعة المصرية بداية مرحلة جديدة في تلقي العلوم وتثقيف النفس وتوضيح الرؤية وتحديد الهدف. انتهى (د طه حسين) فى هذه الفترة من اعداد رسالته للحصول على درجة الدكتوراه كانت عن (أبي العلاء ) الضرير، نوقشت الرسالة فى عام 1914 ليحصل بها على أول درجة دكتوراه تمنحها الجامعة المصرية لأحد طلابها التى احدثت عند طبعها فى كتاب ضجة هائلة ومواقف متعارضة وصلت إلى حد مطالبة أحد النواب فى البرلمان بحرمان (طه حسين) من درجته الجامعية لأنه ألف كتابا فيه الكثير من علامات التنوير قالوا أن ما فيه كان (الإلحاد والكفر) علماً بأنه كان أول كتاب قدم الى الجامعة المصرية واول رسالة دكتوراه منحتها الجامعة المصرية لأحد طلابها .لم يكتف (طه حسين) حينذاك بتدخل (سعد زغلول) رئيس الجمعية التشريعية في البرلمان آنذاك لاقناع هذا النائب بالعدول عن مطالبه بل رد على خصومه وقتها بقوة وبشجاعة في أن كل ما كتبوه عنــه لم يجد فيه شيئا يستحق الرد عليه كما وصفهم حينها بانهم يلجأون إلى طرق معوجة فى الفهم ومناهج قديمــة فى التفكير. دفعه طموحه واجتهاده لاتمام دراساته العليا في باريس، بالرغم من اعتراضات مجلس البعثات الكثيرة، الا انه اعاد تقديم طلبه ثلاث مرات، نجح في النهاية في الحصول على الموافقة ليرحل نحو تحقيق حلم جديد هو الحصول على الدكتوراه من فرنسا (بلاد الخواجات) اذ كانوا يطلقون (خواجات) على الاوربيين كانت الرحلة الاولى الى باريس ذات اثر عميق في حياة (طه حسين) فكرا اما الرحلة الثانية الى فرنسا كانت الاكثر تأثيراً في عام 1914 اذ التحق بجامعة (مونبلييه) لكي يبتعد عن باريس أحدى ميادين الحرب العالمية الاولى في ذلك الزمن في (مونبلييه) درس اللغة الفرنسية وعلم النفس والادب والتاريخ. لأسباب مالية أعادت الجامعة المصرية مبعوثيها في العام التالي 1915 في نهاية العام عاد (مونبلييه) الى بعثته الى باريس هذه المرة التحق بكلية الاداب بجامعة باريس تلقى دروسه في التاريخ ثم في الاجتماع أعد رسالة اخرى تحت رعاية عالم الاجتماع الشهير (اميل دوركايم) كانت في (الفلسفة الاجتماعية لابن خلدون) ثم اكملها برعاية (بوجليه) بعد وفات (اميل دوركايم) ناقشها فحصل بها على الدكتوراه في عام 1919 حصل في العام ذاته على دبلوم الدراسات العليا في اللغة اللاتينية.



عندما كان (د طه حسين) فى مقعده فى قاعة المحاضرات فى جامعة السوربون سمع صوتا جميلا يرن فى اذنيه صوت صبيه حنون تقول له بعذوبة (إنا أستطيع أن أساعدك فى استذكار الدروس) كان الصوت صوت (سوزان) الطالبة الفرنسية المنحدرة من عائلة كاثوليكية متعصبة ظلت مترددة فترة طويلة قبل ان توافق على الزواج من (د طه حسين) الرجل المسلم، أحد أعمامها قسا قال لها (مع هذا الرجل يمكن ان تثقى بانه سيظل معك إلى الأبد سوف تسعدى ابدا) تزوجته فى عام 1917 عاشت (سوزان) مع أعمى أحبها بقلبه قبل أن يراها بعينيه أجمل واسعد أيامها بدلاً من أن تتزوج رجلا ذوعينين يرى النساء قد تتعلق روحه بأخرى. كانت لـ (سوزان) ذات اثر عظيم فى حياته بعد ذلك، قال (د طه حسين) عن يوم لقائه بها ( كأنها الشمس التى شعت فى يوم من ايام الربيع) كان (د طه حسين) عندما ياكل يتناثر الأكل على ملابسه، كان هندامه مبعثرا جاءت (سوزان) فغيرت حياته كاملة، عندما كانت نائمة أشار إليها قائلا لابنته (هذه المرأة جعلت من أبيك إنسانا آخرا). في عام 1919 عاد (د طه حسين) الى مصر عين استاذاً للتاريخ اليوناني والروماني استمر حتى عام 1925 حيث تحولت الجامعة المصرية في ذلك العام الى جامعة حكومية. عين (د طه حسين) استاذا لتاريخ الأدب العربى بكلية الآداب. رغم تمرده على الكثير من آراء أساتذته الا ان معركة (د طه حسين) الاولى والكبرى من اجل التنوير في واحترام العقل تفجرت في عام 1926 عندما اصدر كتابه (في الشعر الجاهلي) الذي احدث ضجة هائلة بدأت سياسية قبل ان تكون ادبية، كما رفعت دعوى قضائية ضد (د طه حسين) فأمرت النيابة سحب الكتاب من مكتبات البيع واوقفت توزيعه. نشبت معارك حامية في الصحف بين مؤيدين ومعارضين لهذا الكتاب. في عام 1928 قبل ان تهدأ ضجة كتاب الشعر الجاهلي بشكل نهائي تفجرت الضجة الثانية بتعيينه عميداً لكلية الآداب الامر الذي اثار ازمة سياسية اخرى انتهت بالاتفاق مع (د طه حسين) على الاستقالة فاشترط ان يعين اولاً من ثم عين ليوم واحد ثم قدم الاستقالة في المساء وأعيد (ميشو الفرنسي) عميداً لكلية الآداب، مع انتهاء عمادة (ميشو) عام 1930 اختارت الكلية (د طه حسين) عميداً لها وافق على ذلك وزير المعارف الذي لم يستمر في منصبه سوى يومين بعد هذه الموافقة طلب منه الاستقالة. في عام 1932 حدثت الازمة الكبرى في حياة (د طه حسين) في عام 1932 كانت الحكومة ترغب في منح الدكتوراه الفخرية من كلية الآداب لبعض السياسيين. رفض طه حسين حفاظاً على مكانة الدرجة العلمية، مما دفع الحكومة الى اللجوء لكلية الحقوق. رداً على ذلك قرر وزير المعارف نقل (د طه حسين) الى ديوان الوزارة رفض العمل تابع الحملة في الصحف والجامعة كما رفض تسوية الازمة الا بعد اعادته الى عمله تدخل رئيس الوزراء فأحاله على التقاعد في 29 آذار 1932 لزم بيته بادئا الكتابة في بعض الصحف اذ اشترى امتياز جريدة (الوادي) تولى تحريرها، ثم عاد الى الجامعة في نهاية عام 1934 وبعدها بعامين عاد عميداً لكلية الاداب استمر حتى عام 1939 عندما انتدب مراقباً للثقافة في وزارة المعارف حتى عام 1942 انتدبه (نجيب الهلالي) وزير المعارف آنذاك مستشاراً فنياً له ثم مديراً لجامعة الاسكندرية حتى احيل على التقاعد في عام 1944 استمر كذلك حتى عام 1950 عندما عين(د طه حسين) لاول مرة وزيراً للمعارف في الحكومة الوفدية التي استمرت حتى عام 1952 وهو يوم احراق القاهرة حيث سفطت الحكومة. كانت تلك آخر المهام الحكومية التي تولاها (د طه حسين) حيث انصرف بعد ذلك وحتى وفاته الى الانتاج الفكري والنشاط في العديد من المجامع العلمية التي كان عضواً فيها داخل مصر وخارجها. ظل (د طه حسين) فعالا في الإنتاج الفكري, يكتب في عهد الثورة المصرية, إلى أن مات (عبد الناصر), الذي مات في 28 أكتوبر عام 1973 تحفة (الأيام) التي صاغ فصولها كتابة وحقيقة (د طه حسين) لها أثر إبداعي من آثار العواصف التي أثارها كتابه (في الشعر الجاهلي), بدأ كتابتها بعد ما يقرب من عام من بداية العاصفة, كان يستعين على الحاضر بالماضي الذي يدفع إلى المستقبل، يبدو أن حدة الهجوم عليه دفعته الى مقاومة العمى والجهل في الماضي القدرة على مواجهة عواصف الحاضر. نشر عميد الأدب العربي (د طه حسين) الجزء الاول من الايام في مقالات متتالية في اعداد الهلال عام 1926، وهو يُعد من نتاج المرحلة التي كتب خلالها (في الشعر الجاهلي) تميزت هذه الفترة من حياة الاديب بسخطه الواضح على تقاليد مجتمعه وعادات أبناء وطنه كان نشر (الايام) سيرة ذاتية تعبر عن سخط كاتبها بواقعه الاجتماعي بعد ان عرف الحياة في مجتمع غربي متطور حيث عاش في الماضي حياة قاسية في وسط تسوده الخرافة والأساطير والتقاليد التي كانت سببا في فقداه بصره، بالإضافة إلى سلطة المؤسسات التقليدية خاصة (الأزهر)، كانت كل هذه العوامل ولدت في نفسه شعورا بالمرارة وإحساسا عميقا بالتخلف وإصراراً أكبر على الدعوة إلى التجديد والتطوير وعدم التقليد والاتباع الخاطىء الذي لا يوجد إلا في عقول وقلوب الضعفاء والجهلة من الناس؟

ايوب صابر 04-17-2012 11:54 AM

تابع،،

يعلق أحد الكتاب في وصف (الأيام) كانت (نوعا فريدًا من السيرة التي تستجلي بها الأنا حياتها في الماضي لتستقطر منها ما تقاوم به تحديات الحاضر, حالمة بالمستقبل الواعد الذي يخلو من عقبات الماضي وتحديات الحاضر على السواء. والعلاقة بين الماضي المستعاد في هذه السيرة الذاتية والحاضر الذي يحدد اتجاه فعل الاستعادة أشبه بالعلاقة بين الأصل والمرآة, الأصل الذي هو حاضر متوتر يبحث عن توازنه بتذكر ماضيه, فيستدعيه إلى وعي الكتابة كي يتطلع فيه كما تتطلع الذات إلى نفسها في مرآة, باحثة عن لحظة من لحظات اكتمال المعرفية الذاتية التي تستعيد بها توازنها في الحاضر الذي أضرّ بها) ثم (مثال حي لقدرة الإنسان على صنع المعجزة التي تحرره من قيود الضرورة والتخلف والجهل والظلم, بحثًا عن أفق واعد من الحرية والتقدم والعلم والعدل. وهي القيم التي تجسّدها – الأيام - إبداعًا خالصًا في لغة تتميز بثرائها الأسلوبي النادر الذي جعل منها علامة فريدة من علامات الأدب العربي الحديث). ترك (د طه حسين) حين غادر هذه الحياة أكثر من ثلاثمائة وثمانين كتاباً من الكتب منها - الأيام - الوعد الحق - المعذبون في الأرض - في الشعر الجاهلي - كلمات نقد وإصلاح - من الادب التمثيلي اليوناني - طه حسين والمغرب العربي - دعاء الكروان - حديث الأربعاء - صوت أبي العلاء - من بعيد - على هامش السيرة - في الصيف - ذكرى أبي العلاء - فلسفة ابن خلدون الاجتماعية وغيرها من كتب.


اود ان اقول لكم ان الاربعة قرون التي سيطر فيها العثمانيون على العراق وسوريا ومصر كانت عصورا سوداء لا مدرسة لامستشفى لاطبيب لا بنك الاسوأ بناء قلعات عالية في بغداد والبصرة يعيش فيها الوالي وحكومته نهارا تما ليلا كان يحتمي والحكومة وراء ابواب ضخمة حيث ترتع وتمرح العصابات في البصرة برئيسها (سيد طالب النقيب) الذي كان يفرض الاتاوات على اليهود لحمايتهم. كان اليهود والمسيحييون يدفعون الرشوات في الباب العالي ليفتحوا المدارس لليهود مدرسة (الاليانس) والمسيحيون (اللاتين) اما البنات (مدرسة بنات الماسيرات اي الراهبات) عندما كنت صفيرا وضعتني امي (نجيبة) في (الازيل – اي روضة) في مدرسة الراهبات للبنات الروضة الوحيدة في العراق آنذاك. المثيل لها مدرسة الراهبات للبنات بغداد حيث كانت تضم ملجا للبنات اليتيمات آوت ابنة عمتي (ايغلين)عندما ماتت تركتها عند احدى الراهباات العراقيات كان والدها سكيرا فاواتها حتى كبرت. ربما يمثيل الماوي الوحيد في العراق كان في البصرة (مدرسة الامريكان) كان يديرها (القس فانيس) المستشرق التي خرجت اعضاء يتقنون الانكليزية فاصبح واحدا منهم (مديرا عاما للمواني) (اتذكر جدتي المرحومة (امينة) كانت تذهب بعباتها الى (الصحية) هي (بنكلة) تركها الانكليز كمستوصف في ذاك العهد تاخذ مها (بطلا) لملئها بـ (القنقينة) هذه صورة للوالي العثماتي الذي كان يدفع الرشوة في الباب العالي واليا. رغم كل هذا كانت في لبنان (الجامعة الامريكية) و (جامعة اليسوعيين) وفي مصر (الجامعة الامريكية) في الاسكندرية في لبنان قامت حركة انتعاش فكري منها صدور اول موسوعة في العالم العربي وحتى الآن (موسوعة البستاني) والقواميس منها (الساق على الاساق لاحمد بن فارس الشدياق).

مرت مصر في انفتاح ثقافي عنيف حين اصدر لبناني (جريدة الاهرام) اليومية وحيدة زمانها في العالم العربي ومجلات اخري مدعومة بالصور كـ (الهلال) بحجم الكتاب و (مجلة المقتطف) العلمية كنت اتابع قرائة (الهلال) و (المقتطف) في (مكتبة العشار العامة) في البصرة. (المقتطف) مجلة علمية تعتبر اول مجلة علمية صدرت في العالم المغلق آنذاك. في الاسكندرية قامت (جامعة الاسكندرية الامريكية) علما شامخا في عصر مظلم تخرج منها الكثير من سياسيي مصر وخلقت طبقة عالية الثقافة في مصر في هذه الفترة ظهر عهد الثورة الثقافية اتل اطلقها (د طه حسين) كشعله ثقافية حطمت كافة الثقافات المغلقة الجامدة الماضية خاصة (الازهر). بحلول عهد (جمال عبد الناصر) حل عصر الجفاف الفكري لم تعد مصر كمصدرة لعصر (د طه حسين). ثم غدت بيروت مركزا للاشعاع الفكري بيروت الحرية والاخاء والسلام قبل ان تجتاحها طواعين الخلافات الدينية. في بيروت في العصر العربي العثماني المظلم تاسست (جامعة اليسوعيين) و (الجامعة الامريكية) في بيروت خرجت طبقة عالية العدد عالية الثقافة من المثقفين بعد تتوقع جرائد ومجلات مصر. في العراق صدرت جرائد هزيلة بصدرها افراد نصف مثقففين عدى جريدة (البلاد) التي اصدرها (روفائل بطي) الصحفي الحقيقي الذي ارتقي الى منصب وزير بعد موته اصبحت الجريدة هزيلة. عند مجيء صدام الارعن اصبحت كافة الصحف حكومية يديرها رؤساء تحرير عضاريط عدى جريدة (الزمان) الي اصدرها من لندن (سعد البزاز) الدمث الخق عالي الثقافة العالي الفعالية عرفته وجها لوجه حين كنت اكتب لاذاعة بغداد برنامج (آفاق العلم) الذي كان مسؤولا عن القسم الثقافي في الاذاعة بعد رحيله حل (احمد خلف) احد العضاريط من جملة العضاريط اللذين في دنيانا ازاحني لاني اكتب في التلوث حل محللي فلسطيني لم يستطع القيام ماقمت به فتوقف البرنامج الذي كان برنامجا علميا لم يقم قبلة ولا بعده برنامج يلخص ما يحدث من علوم وطب في الفترة كانت مرحلة انطلاقات علمية وطبية لا حد لها, اثرها اراد رئيس تحرير جريدة (الجمهورية) الحكومية اصدار ملحق (طب وعلوم) كنت اكتب مقالات في آخر ما يحدث في العلوم والطب مستلا من احدى الجرائد الامريكية كانت تصل جريدة (الجمهورية) ولا احد يقراها فيرمونها في الازبال ولا عراقي يستطع شرائها كتبت في الثمانيات مقالا في ان السيارة اكبر ملوثة للبيئة مستل من الجريدة الامريكية اثار الضحك منها (يابة هاي السيارة اللي اجيبك وترجعك صارت ملوثة؟). جريدة (الزمان) التي يصدرها من لندن (سعد البزاز) عالية المكانة يساهم فيها اكثر من خمسين كاتب واديب وعلوم لها طبعات متعددة منها الخاصة بالعراق المحطم الآن. جريدة (الزمان) فخر للصحافة العراقية وان كانت تصدر في لندن.

بيروت قبل انقسامانها شمالا وجنويا ووسطا كانت سويسرا الشرق صدرت فيها صحف ومجلات منها (النهار) العالية المقام كان مؤسسها (غسان تويني) الذي اغتيل اثرها تولى مهمة انقاذ الجريدة ابنه (جبران تويني) يساهم في تحرير يومياتها 30 كاتب وكاتبات بحرية من مختلف الثقافات خاصة يوميات (المطران جورج حضر) العارف العالي في المسيحية والاسلام واليهودية يكتب بحيادية مطلقة. ثم ا(الحياة) اسسها الصحفي (كامل مروة) منذ عام 1947 القائمة شامخة مدير تحريرها في لندن لها 17 مكتب في البلاد العربية واوربا. الجرائد القائمة في بيروت (الاخبار) و (السفير) و (الانوار) كل هذا الجرائد في لبنان الوسط اتذكر مجلة (الاديب) ومجلة اخري في العلوم كتبت مرة في احداها مقالا عن اكتشاف دواء السل بعد اعوام شاهدني صديق كان مدير بنك الرافدي في الحلة الذي كان مصابا بالسل في الحلة قال لي مقالك احدث ضجة اللحو على مدير المستشفى ان يستورد الدواء. مجلة (الاديب) والاخرى في العلوم اختفيا لانهما لم يعتمدا على الاعلانات. في مصر صدر قاموس (الياس انطون الياس) بقي نصف قرن لم يتتجد مما يبس عقول العرب على اختلاف ديارهم. بيروت مركز الشعلة صدر فيها معجم (العلايلي) المضحك فقد اسمى (ماكنة الديزل) بـ (اجاجة) اي تاجج و (ألموتورسايكل) بـ (الاساجة) اي الابل االسريعة العدو. المعجم الحقيقي الي صدر عن بيروت (المورد – قاموس انكليزي عربي) مسطره (منير البعلبكي) امتلك طبعته 1980 من (دار العلم للملايين) في الف صفحة رغم انه لا يحتوي المصطلحات في اعدادها الخارقة الا ان هذا القاموس مفيد في الاساسيات في (المورد) ملحق (معجم اعلام) يورد بالابجدية اعلام في التاريخ والعلوم مدعومة بصورهم. الجا اليه في كافة كتاباتي (شخبطة على الحائط) بينا كنت سابقا الجأ الى مكتبة جامعة تورونثو فيها معاناة كبيرة لي. اود ان اقول لكم اننا نعيش عصر انفجار المعلومات حتى الانسكولوبيديات كانت تتجد كل عشر سنوات اما الآن في حلول انفجار المعلومات التي تتضاعف في كل عامين تلجأ الى (شبكة عنتر) لتجديد المعلومات التي قد تكون قد اندثرت. هنا في تورونتو دبجت (القاموس الطبي المبسط) و (كلوا ما تعرفون واعرفوا ما تاكلون) لكنهما قائمان في فايلات القبياطور. قبل (شبكة عنتر) نشرت (خيمة عكاظ) بوريقة طويله فيها نقد لدنيا العرب هنا الملوثة بالطائفية يديرها عفاريت. اشتغلت في (راديو كندا الدولي) في بداية التسعينات زرت اكثر من مئة معرض ومؤتمرات علمية وطبية. كنت اكتب التقرير ويذاع بصوتي قابلت منحة كندا الطبية للعالم (الانسولين) الذي اكتشفه (بانتنك) هنا في تورونتو كندا تحدثت مرة مع رائدة الفضاء الكندية الا انني لم اكتب عنها كتبت مرة عن اجتماع (حملة جائزة نوبل) في العلوم والطب لم يحدث في اي قطر في العالم كان صوتي يسمع في العراق لا ان (راديو كندا الدولي) فقد دوره الآن بعد اكتشاف الدشات.

في النهاية قرات انا لـ (د طه حسين) كتاب (في الشعر الجاهلي) اعدت قرائته ولم افرا اي كتاب آخر له لان هذا الكتاب (في الشعر الجاهلي) خلق ثورة في العقل العربي خلصته من القوقعية الفكرية السائدة الى ديناميكية فكرية في النقد خاصة في العالم العربي. تسمية (العصر الجاهلي) تسمية اعتباطية لا ادري كيف نساها (د طه حسين) الضليع في ذكر الشاعر (امريء القيس) من نتاح (الحيرة) عاصمة (المناذرة) التي كانت العريقة في التاريخ ورحلات الشتاء الى اليمن الغنية في الزراعة والاحجار الكريمة ورحلات الصيف الى بلاد دولة الغساسنة العريقة في التبادل التجاري والثقافي مع بيزنطة الغنية في كل مناحي الحياة خاصة الطب. كانت (الكعبة) مركزا لكافة اديان ذاك الزمان منها صورة لـ (العذراء) مهداة من ملك الحبشة و (سوق عكاظ) في (مكة) كان الشعراء يعلقون معلقاتهم على استار (الكعبة) لذا سميت بـ (المعلقات). لا ادري كيف نسي (د طه حسين) هذا وهو الضليع في التاريخ.

اخيرا ادبج كتاب يحمل عنوان (ما التاريخ الا شوربة عدس وبطيخ) لاؤلك الذي يركبون حصان طروادة او يحملون قنبلة نووية بايديهم ويجعلون الكون طوبة كرة قدم او يعيشون الاوهام او الذين يركبون الحصان بالمقلوب ضهورهم تحو راس الحصان ووجوههم في مؤخرة الحصان او الذين في قلوبهم كداء النقرص او الذين يبست عقولهم

توما شماني
عضو اتحاد المؤرخين العرب
عضو اتحاد الصحفيين العرب
مرشح جائزة كالنكا لليونسكو للامم المتحدة
تورونتو كندا


ايوب صابر 04-17-2012 11:56 AM

طه حسين
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

طه حسين (1306 هـ / 15 نوفمبر1889 - 1393 هـ / 28 أكتوبر1973م) أديب وناقد مصري، لُقّب بعميد الأدب العربي. غيّر الرواية العربية، مبدع السيرة الذاتية في كتابه "الأيام" الذي نشر عام 1929. يعتبر من أبرز الشخصيات في الحركة العربية الأدبية الحديثة. يراه البعض من أبرز دعاة التنوير في العالم العربي [1]، في حين يراه آخرون رائدا من رواد التغريب في العالم العربي[2][3]. كما يعتقد الإسلاميون أن الغرب هو من خلع عليه لقب عميد الأدب العربي.[4]
سيرة حياته

مولده ونشأته

ولد طه يوم الجمعة 15 نوفمبر1889، سابع أولاد أبيه حسين الثلاثة عشر، في قرية الكيلو قريبة من مغاغة إحدى مدن محافظة المنيا في الصعيد الأوسط المصري وما مر على عيني الطفل أربعة من الأعوام حتى أصيبتا بالرمد ما أطفا النور فيهما إلى الأبد، لكن عوضه الله ببصيرة نافذة، وذهن صاف، وفؤاد ذكي، وعقل متفتح صغر بإزائه فقد البصر، والحرمان بنعمة التلذذ بجمال ما في الوجود وكان والده حسين عليّ موظفًا صغيرًا رقيق الحال في شركة السكر،
أدخله أبوه كتاب القرية للشيخ محمد جاد الرب، لتعلم العربيةوالحساب وتلاوة القرآن الكريم وحفظه في مدة قصيرة أذهلت أستاذه وأترابه ووالده الذي كان يصحبه أحيانا لحضور حلقات الذكر, والاستماع عشاء إلى سيرة عنترة، وأبو زيد الهلالي.
تعليمه

سنة 1902 دخل طه الأزهر للدراسة الدينية, الاستزادة من علوم العربية, فحصل فيه ما تيسر من الثقافة، ونال شهادته. التي تخوله التخصص في الجامعة, لكنه ضاق ذرعا فيه, فكانت الأعوام الأربعة التي قضاها فيه, وهذا ما ذكره هو نفسه، وكأنها أربعون عاما وذلك بالنظر إلى رتابة الدراسة, وعقم المنهج, وعدم تطور الأساتذة والشيوخ وطرق وأساليب التدريس.
ولما فتحت الجامعة المصرية أبوابها سنة 1908 كان طه حسين أول المنتسبين إليها، فدرس العلوم العصرية, والحضارة الإسلامية, والتاريخ والجغرافيا, وعدداً من اللغات الشرقية كالحبشيةوالعبريةوالسريانية, وإن ظل يتردد خلال تلك الحقبة على حضور دروس الأزهر والمشاركة في ندواته اللغوية والدينية والإسلامية.دأب على هذا العمل حتى سنة 1914, وهي السنة التي نال فيها شهادة الدكتوراة وموضوع الأطروحة هو:"ذكرى أبي العلاء" ما أثار ضجة في الأوساط الدينية المتزمتة, وفي ندوة البرلمان المصري إذ اتهمه أحد أعضاء البرلمان بالمروق والزندقة والخروج على مبادئ الدين الحنيف.
وفي العام نفسه, اي في عام 1914 أوفدته الجامعة المصرية إلى مونبيليةبفرنسا، لمتابعة التخصص والاستزادة من فروع المعرفة والعلوم العصرية، فدرس في جامعتها الفرنسية وآدابها, وعلم النفس والتاريخ الحديث.بقي هناك حتى سنة 1915, سنة عودته إلى مصر, فأقام فيها حوالي ثلاثة أشهر أثار خلالها معارك وخصومات متعددة, محورها الكبير بين تدريس الأزهر وتدريس الجامعات الغربية ما حدا بالمسؤولين إلى اتخاذ قرار بحرمانه من المنحة المعطاة له لتغطية نفقات دراسته في الخارج, لكن تدخل السلطان حسين كامل حال دون تطبيق هذا القرار، فعاد إلى فرنسا من جديد, لمتابعة التحصيل العلمي، ولكن في العاصمة باريس, فدرس في جامعتها مختلف الاتجاهات العلمية في علم الاجتماع والتاريخ اليوناني والروماني والتاريخ الحديث وأعد خلالها أطروحة الدكتوراة الثانية وعنوانها: ((الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون)).
كان ذلك سنة 1918 إضافة إلى إنجازه دبلوم الدراسات العليا في القانون الروماني, والنجاح فيه بدرجة اللإمتياز، وفي غضون تلك الأعوام كان تزوج من سوزان بريسو الفرنسية السويسرية التي ساعدته على الاضطلاع أكثر فأكثر بالفرنسية واللاتينية, فتمكن من الثقافة الغربية إلى حد بعيد.
كان لهذه السيدة عظيم الأثر في حياته فقامت له بدور القارئ فقرأت عليه الكثير من المراجع، وأمدته بالكتب التي تم كتابتها بطريقة بريل حتى تساعده على القراءة بنفسه، كما كانت الزوجة والصديق الذي دفعه للتقدم دائماً وقد أحبها طه حسين حباً جماً، ومما قاله فيها أنه "منذ أن سمع صوتها لم يعرف قلبه الألم"، وكان لطه حسين اثنان من الأبناء هما أمينة ومؤنس.
عودته لمصر

لما عاد إلى مصر سنة 1919 عين طه حسين أستاذا للتاريخ اليوناني والروماني في الجامعة المصرية، وكانت جامعة أهلية، فلما ألحقت بالدولة سنة 1925 عينته وزارة المعارف أستاذاً فيها للأدب العربي، فعميداً لكلية الآداب في الجامعة نفسها، وذلك سنة 1928، لكنه لم يلبث في العمادة سوى يوم واحد؛ إذ قدم استقالته من هذا المنصب تحت تأثير الضغط المعنوي والأدبي الذي مارسه عليه الوفديون، خصوم الأحرار الدستوريين الذي كان منهم طه حسين.
وفي سنة 1930 أعيد طه حسين إلى عمادة الآداب, لكن, وبسبب منح الجامعة الدكتوراة الفخرية لعدد من الشخصيات السياسية المرموقة مثل عبد العزيز فهمي, وتوفيق رفعت, وعلي ماهر باشا, ورفض طه حسين لهذا العمل, أصدر وزير المعارف مرسوما يقضي بنقله إلى وزارة المعارف، لكن رفض العميد تسلم منصبه الجديد اضطر الحكومة إلى إحالته إلى التقاعد سنة 1932.
على أثر تحويل طه حسين إلى التقاعد انصرف إلى العمل الصحفي فأشرف على تحرير ((كوكب الشرق)) التي كان يصدرها حافظ عوض، وما لبث أن استقال من عمله بسبب خلاف بينه وبين صاحب الصحيفة، فاشترى امتياز ((جريدة الوادي)) وراح يشرف على تحريرها, لكن هذا العمل لم يعجبه فترك العمل الصحفي إلى حين, كان هذا عام 1934.
وفي العام نفسه أي عام 1934 أعيد طه حسين إلى الجامعة المصرية بصفة أستاذا للأدب، ثم بصفة عميد لكلية الآداب ابتداء من سنة 1936. وبسبب خلافه مع حكومة محمد محمود, استقال من العمادة لينصرف إلى التدريس في الكلية نفسها حتى سنة 1942، سنة تعيينه مديراً لجامعة الإسكندرية، إضافة إلى عمله الآخر كمستشار فني لوزارة المعارف, ومراقب للثقافة في الوزارة عينها, وفي عام 1944 ترك الجامعة بعد أن احيل إلى التقاعد.
وفي سنة 1950، وكان الحكم بيد حزب الوفد, صدر مرسوم تعيينه وزيراً للمعارف, وبقي في هذا المنصب حتى سنة 1952، تاريخ إقامة الحكومة الوفدية، بعد أن منح لقب الباشوية سنة 1951، وبعد أن وجه كل عنايته لجامعة الإسكندرية، وعمل رئيساً لمجمع اللغة العربية بالقاهرة, وعضواً في العديد من المجامع الدولية, وعضواً في المجلس العلى للفنون والآداب.
وفي سنة 1959 عاد طه حسين إلى الجامعة بصفة أستاذ غير متفرغ, كما عاد إلى الصحافة, فتسلم رئاسة تحرير الجمهورية إلى حين.
مناصب وجوائز

اضطلع طه حسين خلال تلك الحقبة, وفي السنوات التي أعقبتها بمسؤوليات مختلفة, وحاز مناصب وجوائز شتى, منها تمثيلة مصر في مؤتمر الحضارة المسيحية الإسلامية في مدينة فلورنسا بأيطاليا, سنة 1960، وانتخابه عضوا في المجلس الهندي المصري الثقافي, والأشراف على معهد الدراسات العربية العليا، واختياره عضوا محكما في الهيئة الأدبية الطليانية والسويسرية, وهي هيئة عالمية على غرار الهيئة السويدية التي تمنح جائزة بوزان. ولقد رشحته الحكومة المصرية لنيل جائزة نوبل، وفي سنة 1964 منحته جامعة الجزائر الدكتوراة الفخرية, ومثلها فعلت جامعة بالرمو بصقلية الإيطالية, سنة 1965. وفي السنة نفسها ظفر طه حسين بقلادة النيل, إضافة إلى رئاسة مجمع اللغة العربية, وفي عام 1968 منحته جامعة مدريد شهادة الدكتوراة الفخرية، وفي سنة 1971 رأس مجلس اتحاد المجامع اللغوية في العالم العربي, ورشح من جديد لنيل جائزة نوبل، وأقامت منظمة الأونسكو الدولية في اورغواي حفلاً تكريمياً أدبياً قل نظيره.و أيضا كان وزيرا للتربية والتعليم في مصر.
أساتذته

أول أستاذ لطه حسين, كان الشيخ محمد جاد الرب, الذي علمه مبادئ القراءة والكتابة والحساب، وتلاوة القرآن الكريم في الكتاب الذي كان يديره بمغاغة في عزبة الكليو.
في الأزهر تلقى العلم على يد عدد من الأساتذة والمشايخ أبرزهم حسين المرصفي, والشيخ مصطفى المراغي, والشيخ محمد بخيت, والشيخ عطا, والشيخ محمد عبده, وقد أعجب بادئ الأمر كثيراً بآراء هذا الأخير واتخذه مثالاً في الثورة على القديم والتحرر من التقاليد.
في الجامعة المصرية تتلمذ على يد كل من أحمد زكي في دروس الحضارة الإسلامية, أحمد كمال باشا, في الحضارة المصرية القديمة, والمستشرق جويدي في التاريخ والجغرافيا. اما في الفلك فتتلمذ على كرنك نللينو, وفي اللغات السامية القديمة على المستشرق ليتمان، وفي الفلسفة الإسلامية على سانتلانا, وفي تاريخ الحضارة المشرقية القديمة على ميلوني، والفلسفة على ماسينيون, والأدب الفرنسي على كليمانت.
أما في جامعة باريس فدرس التاريخ اليوناني على غلوتسس, والتاريخ الروماني على بلوك, والتاريخ الحديث على سيغنوبوس, وعلم الاجتماع على اميل دوركهايم، وقد أشرف هذا ومعه بوغليه على اطروحته عن فلسفة ابن خلدون الاجتماعية, بمشاركة من بلوك وكازانوفا.
في الشعر الجاهلي

في عام 1926 ألف طه حسين كتابه المثير للجدل "في الشعر الجاهلي" وعمل فيه بمبدأ ديكارت وخلص في استنتاجاته وتحليلاته أن الشعر الجاهلي منحول، وأنه كتب بعد الإسلام ونسب للشعراء الجاهليين وزاد طه حسين فنال من الإسلام والقرآن. فتصدى له العديد من علماء الفلسفة واللغة ومنهم: مصطفى صادق الرافعي والخضر حسين ومحمد لطفي جمعة والشيخ محمد الخضري وغيرهم. كما قاضى عدد من علماء الأزهر طه حسين إلا أن المحكمة برأته لعدم ثبوت أن رأيه قصد به الإساءة المتعمدة للدين أو للقرآن. فعدل اسم كتابه إلى "في الأدب الجاهلي" وحذف منه المقاطع الأربعة التي اخذت عليه.

ايوب صابر 04-17-2012 11:58 AM

تابع،،

أفكاره

دعا طه حسين إلى نهضة أدبية، وعمل على الكتابة بأسلوب سهل واضح مع المحافظة على مفردات اللغة وقواعدها، ولقد أثارت آراءه الكثيرين كما وجهت له العديد من الاتهامات، ولم يبالي طه بهذه الثورة ولا بهذه المعارضات القوية التي تعرض لها ولكن أستمر في دعوته للتجديد والتحديث، فقام بتقديم العديد من الآراء التي تميزت بالجرأة الشديدة والصراحة فقد أخذ على المحيطين به ومن الأسلاف من المفكرين والأدباء طرقهم التقليدية في تدريس الأدب العربي، وضعف مستوى التدريس في المدارس الحكومية، ومدرسة القضاء وغيرها، كما دعا إلى أهمية توضيح النصوص العربية الأدبية للطلاب، هذا بالإضافة لأهمية إعداد المعلمين الذين يقومون بتدريس اللغة العربية، والأدب ليكونا على قدر كبير من التمكن، والثقافة بالإضافة لاتباع المنهج التجديدي، وعدم التمسك بالشكل التقليدي في التدريس.
من المعارضات الهامة التي واجهها طه حسين في حياته تلك التي كانت عندما قام بنشر كتابه "الشعر الجاهلي" فقد أثار هذا الكتاب ضجة كبيرة، والكثير من الآراء المعارضة، وهو الأمر الذي توقعه طه حسين، وكان يعلم جيداً ما سوف يحدثه فمما قاله في بداية كتابه:
" هذا نحو من البحث عن تاريخ الشعر العربي جديد لم يألفة الناس عندنا من قبل، وأكاد أثق بأن فريقا منهم سيلقونه ساخطين عليه، وبأن فريقا آخر سيزورون عنه ازورار ولكني على سخط أولئك وازورار هؤلاء أريد أن أذيع هذا البحث أو بعبارة أصح أريد أن أقيده فقد أذعته قبل اليوم حين تحدثت به إلى طلابي في الجامعة.
وليس سرا ما تتحدث به إلى أكثر من مائتين، ولقد اقتنعت بنتائج هذا البحث اقتناعا ما أعرف أني شعرت بمثله في تلك المواقف المختلفة التي وقفتها من تاريخ الأدب العربي، وهذا الاقتناع القوي هو الذي يحملني على تقييد هذا البحث ونشره في هذه الفصول غير حافل بسخط الساخط ولا مكترث بازورار المزور.
وأنا مطمئن إلى أن هذا البحث وإن أسخط قوما وشق على آخرين فسيرضي هذه الطائفة القليلة من المستنيرين الذين هم في حقيقة الأمر عدة المستقبل وقوام النهضة الحديثة، وزخر الأدب الجديد".
نقده

أخذ على طه حسين دعوته إلى الأَوْرَبة[5]. كما أخذ عليه قوله بانعدام وجود دليل على وجود النبيين إبراهيم وإسماعيل فضلا عن زيارتهما الحجاز ورفعهم الكعبة سالكا بذلك المنهج الديكارتي في التشكيك[6],ويقول في هذا الصدد.


للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم واسماعيل وللقرآن أن يحدثناعنهما ولكن هذا لا يكفي لصحة وجودهما التاريخي[6]


كما أنتقد لمساندته عبد الحميد بخيت أمام الأزهر في فتوى جواز الإفطار في نهار رمضان لمن يجد أدنى مشقة[7]. واتهم بالكفر والإلحاد[8][9].
الرد عليه

قام مصطفى صادق الرافعي بتأليف كتاب سماه تحت راية القرآن للرد على كتاب في الشعر الجاهلي وألف كذلك بين القديم والجديد للرد على كتاب ألفه طه حسين وهو مستقبل الثقافة في مصر وعلى كتاب سلامة موسى المدعو اليوم والغد. وقد صنف إبراهيم عوض مؤلفا جمع فيه أقوال النقاد والمؤرخين سماه "معركة الشعر الجاهلي بين الرافعي وطه حسين".
قام سيد قطب بتأليف كتاب أسماه "نقد كتاب مستقبل الثقافة في مصر لطه حسين"[10].وممن رد عليه أنور الجندي في كتابه "محاكمة فكر طه حسين"[11].
كما رد عليه وائل حافظ خلف في كتابه الذي أسماه "مجمع البحرين في المحاكمة بين الرافعي وطه حسين ". وألمح في آخر بحثه إلى أن طه حسين قد رجع بعدُ عن رأيه في الشعر الجاهلي بمقالة كتبها، مستدلاً بقول العلامة محمود محمد شاكر في "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا" (حاشية ص163) ط/ مكتبة الخانجي - الطبعة الثانية : ((قد بينت في بعض مقالاتي أن الدكتور طه قد رجع عن أقواله التي قالها في الشعر الجاهلي، بهذا الذي كتبه، وببعض ما صارحني به بعد ذلك، وصارح به آخرين، من رجوعه عن هذه الأقوال. ولكنه لم يكتب شيءًا صريحًا يتبرأ به مما قال أو كتب. وهكذا كانت عادة ((الأساتذة الكبار))! يخطئون في العلن، ويتبرأون من خطئهم في السر !!)) انتهى.
كما عارضه خالد العصيمي في بحثه "مواقف طه حسين من التراث الإسلامي"[12].وأفرد محمود مهدي الاستانبولي في كتابه طه حسين في ميزان العلماء والأدباء فصلا عن نقد طه حسين وكذلك صابر عبد الدايم في بحثه "بين الرافعي وطه حسين تحت راية القرآن".[13].ويروي محمود محمد شاكر أنه كان أحد طلبته وحصل له مايلي
«بعد المحاضرة طلبتُ من الدكتور طه أن يأذن لى في الحديث، فأذن لى مبتهجا، أو هكذا ظننت. وبدأت حديثى عن هذا الأسلوب الذى سماه: "منهجا" وعن تطبيقه لهذا المنهج في محاضراته، وعن هذا "الشك" الذى اصطنعه: ما هو؟ وكيف هو؟ وبدأت أدلل على أن الذى يقوله عن "المنهج" وعن "الشك" غامض، وأنه مخالف لما قاله ديكارت، وأن تطبيق منهجه هذا قائم على التسليم تسليمًا لم يداخله الشك بروايات في الكتب هى في ذاتها محفوفة بالشك! وفوجئ طلبة قسم اللغة العربية، وفوجئ الخضيرى خاصة. ولما كدت أفرغ من كلامى انتهرنى الدكتور طه وأسكتنى، وقام فخرج»
أقواله

"أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم، لنكون لهم أنداداً، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يُكره، وما يُحمد منها وما يُعاب" (مستقبل الثقافة في مصر، ص 41).
وفاته

توفى طه حسين يوم الأحد 28 أكتوبر1973م.
قال عنه عبَّاس محمود العقاد إنه رجل جريء العقل مفطور على المناجزة، والتحدي فاستطاع بذلك نقل الحراك الثقافي بين القديم، والحديث من دائرته الضيقة التي كان عليها إلى مستوى أوسع وأرحب بكثير.
وقال عنه الدكتور إبراهيم مدكور "اعتدّ تجربة الرأي وتحكيم العقل، استنكر التسليم المطلق، ودعا إلى البحث، والتحري، بل إلى الشك والمعارضة، وأدخل المنهج النقدي في ميادين لم يكن مسلَّمًا من قبل أن يطبق فيها. أدخل في الكتابة والتعبير لونًا عذبًا من الأداء الفني حاكاه فيه كثير من الكُتَّاب وأضحى عميدَ الأدب العربي بغير منازع في العالم العربي جميعه". أنتج له عملا باسم مسلسل الايام قام بدور البطولة أحمد زكي.
مؤلفاته
في مرآة الصحفي

ايوب صابر 04-17-2012 12:00 PM

طه حسين – عميد الأدب العربي –

الأعمى الذي تحدى المبصرين

الكاتب :


ولد طه حسين عام 1889 ، وعاش طفولته الباكرة في احدى قرى الريف المصري . ثم انتقل الى الازهر للدراسة ، بعد ذلك انتقل الى الجامعة المصرية ، وحصل منها على الشهادة الجامعية ، ثم دفعه طموحه لاتمام دراساته العليا في باريس ، وبالرغم من اعتراضات مجلس البعثات الكثيرة ، الا انه اعاد تقديم طلبه ثلاث مرات ، ونجح في نهاية المطاف في الحصول على شهادة الدكتوره في باريس. بعد عودته لمصر ، انتج اعمالاً كثيرة قيمة منها على هامش السيرة ، والايام ، ومستقبل الثقافة في مصر ، دعاء الكروان الذى اصبح فيلم بعد ذلك وغيرها. وهو يعتبر بحق "عميد الادب العربي" نظراً لتاثيره الواضح على الثقافة المصرية والعربية, و قد توفى اديبا عظيما فى 1973


ايوب صابر 04-18-2012 09:01 AM

طه حسين
وُلد في الرابع عشر من شهر نوفمبر سنة 1889، في "عزبة الكيلو" قرب مغاغة، بالصّعيد المصري الأوسط، ونشأ في الريف ضعيف البنية كأنّه "الثُّمامة"، لا يستطيع ما يستطيعه النّاس، ولا ينهض من الأمر لما ينهض له النّاس، ترأف به أمّه دائما وتهمله أحيانا، ويلين له أبوه تارة ويزور عنه طورا، ويشفق عليه إخوته إشفاقا يشوبه احتياط في معاملتهم إيّاه، وشيء من الازدراء.
توفّي في الثّامن والعشرين من شهر أكتوبر سنة 1973 بالقاهرة، وقد استطاع ما لم يستطعه كثير من المبصرين، فتناقلت خبر وفاته العواصم وحزن لفقدانه الأدباء والباحثون والعلماء.
"أخذ العلم بأُذُنَيْه لا بأصابعه" فقهر عاهته قهرا، محروما يكره أن يشعر بالحرمان وأن يُرَى شاكيا متبرّما، جادّا متجلّدا مبتسما للحياة والدّرس والبحث، حتّى انتهى غلى حال العلماء المبَرَّزِينَ ومراتب الأدباء المفكّرين، فشغل النّاس ولن يزال.
فقد بصره طفلا : "اصابه الرّمد فأُهمل أيّاما، ثمّ دُعي الحلاّق فعالجه علاجا ذهب بعينيه". وحفظ القرآن في كُتّاب القرية وهو في التّاسعة، فأصبح "شيخا"، كذا كان أبوه يدعوه، وأمّه، "وسيّدنا" مؤدّب الصّبيان.
وقدم القاهرة سنة 1902 للتعلم في الأزهر، فدخله والقلبُ ممتلئ خشوعا والنّفس ممتلئة إجلالا. وأنفق فيه ثماني سنين لم يظفر في نهايتها بشهادة "العالميّة"، لأن "القوم كانوا مؤتمرين به ليسقطوه" ! نبأ عجيب حمله غليه شيخه سيّد المرصفي ليلة الامتحان، بعد أن صُلِّيَتِ العِشَاءُ... وفارق الأزهر وقد ارابه منه أمر، شديد الضّيق به وبأهله. وخاب أمل أبيه، فلن يرى ابنه من بين علماء الأزهر ولا "صاحب عمود في الأزهر ومن حوله حلقة واسعة بعيدة المدى" وأُتيحتْ للفتى حياة أخرى...
فما إن أُنشئت الجامعة المصريّة (الأهلية) سنة 1908 حتّى انتسب إليها الطّالب الأزهري، ولكنّه ظلّ مقيّدا في سجلاّت الأزهر : وقضى سنتين (1908-1910) يحيا حياة مشتركة، يختلف إلى دروس الازهر مصبحا وإلى دروس الجامعة مُمْسِيًا. وما لبث أن وجد في الجامعة روحا للعلم والبحث جديدة و"طعما للحياة جديدا" فشغف بالدّرس والتّحصيل حتّى نال درجة "العالميّة" (الدكتوراه) سنة 1914 برسالة موضوعها "ذكرى أبي العلاء"، فكانت "أوّل كتاب قُدّم إلى الجامعة، وأوّل كتاب امتُحِنَ بين يدي الجمهور، وأول كتاب نال صاحبه إجازة علميّة منها".
ثمّ سافر الفتى إلى فرنسا لمواصلة التّعلّم، فانتسب إلى جامعة مونبيليى حيث قضّى سنة دراسيّة (1914-1915) ذهب بعدها إلى باريس، وانتسب إلى جامعة السّوربون حيث قضى أربع سنوات (1915-1919). وما كاد يختلف إلى دروس التاريخ والأدب فيها "حتّى أحسّ أنّه لم يكن قد هيّئ لها... وأنّ درسه الطويل في الأزهر وفي الجامعة (المصريّة) لم يهيّئه للانتفاع بهذه الدّروس". فأقبل على قراءة الكتب المقرّرة في المدارس الثانويّة، ولم يجد بدّا من أن يكون "تلميذا ثانويا في بيته وطالبا في السّوربون".
أرسل ليدرس التّاريخ في السّوربون، فما لبث أن أيقن بأنّ الدرجات العلميّة لا تعني شيئا إن هي لم تقم على أساس متين من الثقافة. وليس غلى ذلك من سبيل سوى إعداد "الليسانس". وقد صرّح بذلك في الجزء الثالث من كتاب الأيّام، قال : "كان (الفتى" قد أزمع أن يظفر قبل كل شيء بدرجة "الليسانس" ثم يتقدّم لدرجة الدكتوراه بعد ذلك. ولم يكن الطلاّب المصريون - إلى ذلك الوقت - يحاولون الظفر بدرجة الليسانس هذه، لأنّها كانت تكلّف الذين يطلبونها عناء ثقيلا".
وأحرز طه حسين درجة "الليسانس في التّاريخ" سنة 1917، فكان أوّل طالب مصرين ظفر بهذه الشهادة من كليّة الآداب بالجامعة الفرنسيّة.
إنّ أمر هذا الفتى عَجَبٌ ! فهو قد كان يتهيّأ لامتحان الليسانس ويعدّ في المدّة نفسها رسالة "دكتورا جامعة" باللّغة الفرنسيّة موضوعها : "دراسة تحليليّة نقديّة لفلسفة ابن خلدون الاجتماعيّة" (Etudeanalytique et critique de la philosophie sociale d'Ibn Khaldoun).
إنّ أمر هذا الفتى عجب ! فهو لم يكد يفرغ من امتحان الدكتورا حتّى نشط لإعداد رسالة أخرى، فقد صحّ منه العزم على الظفر "بدبلوم الدّراسات العليا" (Diplôme d'Etudes Superieures) وهو شهادة يتهيّأ بها أصحابها للانتساب إلى دروس "التبريز في الآداب". وما هي إلاّ أن أشار عليه أُستاذه بموضوع عسير مُمْتع مرير، وهو : "القضايا التي أقيمت في روما على حكّام الأقاليم الذين أهانوا جلال الشّعب الرّوماني، في عهد تباريوس، كما صوّرها المؤرّخ تاسيت" (La loi de lèse-majesté, sous Tibère, d'après Tacite) فقبله الطالب "طائعا قلقا مستخذيا"، ومارسه بالصّبر على مشقّة البحث وبالمثابرة على الفهم حتّى ناقشه ونجح فيه نُجْحًا حسنا سنة 1919.
واضح أنّ هذا الطّالب لم يعمد إلى السّهولة في الفوز بالألقاب الجامعيّة، ولكنّه احرز درجاته العلميّة بالجدّ والمطاولة، والدّربة والمدارسة ! ولعلذ أخطر شهادة ظفر بها من الجامعة الباريسيّة هي - في نظرنا - شهادة "الليسانس" لأنّ فيها من متانة التّمرّس بالمنهجيّة ومن الدّربة على حسن التصرّف في المعلومات ما يعرفه الدّارسون والمدرّسون، وفيها من العناء والبلاء ما لا يغيب عن أؤلئك وهؤلاء وكان الفتى يودّ لو أذنت له الجامعة المصريّة بإعداد رسالة لنيل درجة "دكتورا الدّولة" في التّاريخ، فكرهت، فعاد إلى مصر في أكتوبر سنة 1919، ومعه "المرأة التي أبصر بعينيها"، وهو صاحب شهادات، وله في التّاريخ والأدب وعلم الاجتماع نظريات، وله فوق ذلك كلّه، ولع بالمنهجيّة الديكارتيه أيّ وَلَعٍ.
عاد طه حسين إلى وطنه، فلم تُمهله الجامعة المصريّة وعيّنته مباشرة أستاذا للتاريخ القديم (اليوناني والرّوماني)، فظلّ يُدرّسه طيلة ستّ سنوات كاملات (1919-1925).
وفي سنة 1925 أصبحت الجامعة المصريّة حكوميّة، فعيّن طه حسين أستاذا لتاريخ الأدب العربي في كليّة الآداب، وسيتقلب - منذ ذلك الوقت حتّى سنة 1952 - في مناصب علميّة وإداريّة وسياسيّة، وسَتُلِمُّ به في حياته مِحَنٌ وخطوب : يرضى عنه القومُ حينا ويسخطون عليه أحيانا. وإذا هو عميد لكليّة الآداب مرّة وأخرى وثالثة، وفي كلّ مرة يفارق هذه الخطّة مُسْتَقِيلاً منها لاسباب سياسيّة، فَيَلْزَمُ بيته متفرّغا للإنتاج الفكري والأدبي، ومتابعا النّضال في سبيل حريّة الفكر بحمْلة جريئة في الصحف والمجلات. وإذا هو مدير لجامعة الاسكندرية سنة 1942، ولكنّه يحال إلى التقاعد سنة 1944، وله من العمر 55 سنة ! وإذا هو وزير المعارف (التربية القوميّة) سنة 1950 - في الوزارة الوفديّة - واستمرّ في هذا المنصب حتّى أقيلت الوزارة في جانفي 1952، وقد شغل تلك الخطّة جادّا رائدا، حازما لا يخشى لوما، جازما بأنّ التّعلّم ضروري للنّاس ضرورة الماء والهواء. فبقيت أعماله - إلى اليوم - شواهد موسومة بآثاره.

ايوب صابر 04-18-2012 09:02 AM

طه حسين

لم يكف عن حلمه بمستقبل الثقافة أو انحيازه إلى المعذبين في الأرض في الأربعينات التي انتهت بتعيينه وزيرًا للمعارف في الوزارة الوفدية سنة 1950 فوجد الفرصة سانحة لتطبيق شعاره الأثير "التعليم كالماء والهواء حق لكل مواطن".

وظل طه حسين على جذريته بعد أن انصرف إلى الإنتاج الفكري، وظل يكتب في عهد الثورة المصرية، إلى أن توفي عبد الناصر وقامت حرب أكتوبر التي توفي بعد قيامها في الشهر نفسه سنة 1973.

وتحفته "الأيام" أثر إبداعي من آثار العواصف التي أثارها كتابه "في الشعر الجاهلي" فقد بدأ في كتابتها بعد حوالي عام من بداية العاصفة، كما لو كان يستعين على الحاضر بالماضي الذي يدفع إلى المستقبل. ويبدو أن حدة الهجوم عليه دفعته إلى استبطان حياة الصبا القاسية، ووضعها موضع المسائلة، ليستمد من معجزته الخاصة التي قاوم بها العمى والجهل في الماضي القدرة على مواجهة عواصف الحاضر.

ولذلك كانت "الأيام" طرازًا فريدًا من السيرة التي تستجلي بها الأنا حياتها في الماضي لتستقطر منها ماتقاوم به تحديات الحاضر، حالمة بالمستقبل الواعد الذي يخلو من عقبات الماضي وتحديات الحاضر على السواء، والعلاقة بين الماضي المستعاد في هذه السيرة الذاتية والحاضر الذي يحدد اتجاه فعل الاستعادة أشبه بالعلاقة بين الأصل والمرآة، الأصل الذي هو حاضر متوتر يبحث عن توازنه بتذكر ماضيه، فيستدعيه إلى وعي الكتابة كي يتطلع فيه كما تتطلع الذات إلى نفسها في مرآة، باحثة عن لحظة من لحظات اكتمال المعرفية الذاتية التي تستعيد بها توازنها في الحاضر الذي أضرّ بها.

ونتيجة ذلك الغوص عميقًا في ماضي الذات بمايجعل الخاص سبيلا إلى العام، والذاتي طريقًا إلى الإنساني، والمحلي وجهًا آخر من العالمي، فالإبداع الأصيل في "الأيام" ينطوي على معنى الأمثولة الذاتية التي تتحول إلى مثال حي لقدرة الإنسان على صنع المعجزة التي تحرره من قيود الضرورة والتخلف والجهل والظلم، بحثًا عن أفق واعد من الحرية والتقدم والعلم والعدل. وهي القيم التي تجسّدها "الأيام" إبداعًا خالصًا في لغة تتميز بثرائها الأسلوبي النادر الذي جعل منها علامة فريدة من علامات الأدب العربي الحديث. ولعل هذه السمة هي التي ستجعل من طه حسين رمزاً مؤثراً فيما بعد على مسيرة الفكر العربي الحديث، بالرغم من أنه لم يتركاً أثراً فكرياً أو فلسفياً محضاً، إلا إذا استثنينا بالطبع قراءاته الإشكالية للتراث الأدبي، وهو ما يمكن تصنيفه دائماً تحت باب النقد.

تجدر الإشارة إلى أنه نشر معظم كتبه لدى تلميذه في كلية الاداب بهيج عثمان اللبناني صاحب دار العلم للملايين في بيروت.


ايوب صابر 04-18-2012 09:21 AM

طه حسين
- وُلد في الرابع عشر من شهر نوفمبر سنة 1889، في "عزبة الكيلو" قرب مغاغة، بالصّعيد المصري الأوسط، ونشأ في الريف ضعيف البنية كأنّه "الثُّمامة"، لا يستطيع ما يستطيعه النّاس، ولا ينهض من الأمر لما ينهض له النّاس، ترأف به أمّه دائما وتهمله أحيانا، ويلين له أبوه تارة ويزور عنه طورا، ويشفق عليه إخوته إشفاقا يشوبه احتياط في معاملتهم إيّاه، وشيء من الازدراء.
- "أخذ العلم بأُذُنَيْه لا بأصابعه" فقهر عاهته قهرا، محروما يكره أن يشعر بالحرمان وأن يُرَى شاكيا متبرّما، جادّا متجلّدا مبتسما للحياة والدّرس والبحث، حتّى انتهى غلى حال العلماء المبَرَّزِينَ ومراتب الأدباء المفكّرين، فشغل النّاس ولن يزال.
- فقد بصره طفلا : "اصابه الرّمد فأُهمل أيّاما، ثمّ دُعي الحلاّق فعالجه علاجا ذهب بعينيه". وحفظ القرآن في كُتّاب القرية وهو في التّاسعة، فأصبح "شيخا"، كذا كان أبوه يدعوه، وأمّه، "وسيّدنا" مؤدّب الصّبيان.
- قدم القاهرة سنة 1902 للتعلم في الأزهر ( وعمره 13 سنة ) .
مأزوم بسبب العمى الذي اصباه وهو في سن الرابعة ويتيم اجتماعي بسبب انتقاله الى القاهرة بعيدا عن العائلة في سن الثالثة عشرة وذلك للدراسة في الازهر.
يتيم اجتماعي

ايوب صابر 04-18-2012 04:28 PM

ابرزحدث في حياة كل واحد من الروائييناصحاب افضل الروايات من رقم 51- 60

51- طاائر الحوم حليم بركات سوريا............. يتيم في سن الـ 10
52- حكاية زهرة حنان الشيخ لبنان................... يتيمة اجتماعيا
53- ريح الجنوب عبد الحميد بن هدوقة الجزائر.......... يتيم اجتماعي
54- فردوس الجنون احمد يوسف داوود سوريا............... مأزوم.
55- وسمية تخرج من البحر ليلى العثمان الكويت.........يتيمة اجتماعيا
56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الاردن................. يتيم
57- رباعية بحري محمد جبريل مصر......... .......يتيم الام قبل سن العاشرة.
58- صنعاء مدينة مفتوحة محمد عبد الولي اليمن... .....يتيم اجتماعي.
59- غرناطة رضوي عاشور مصر....................... مأزومة.
60- دعاء الكروان طه حسين مصر........................ يتيم اجتماعي .

- عددايتـام فعليين3
- عدد ايتام اجتماعيا 5
- عدد المأزوم2
- عدد مجهولين الطفولة0 .
====

- أي ان نسبة الايتام الفعليين في هذهالمجموعة (30%).
- بينما جاءت نسبة الايتام الاجتماعيين 50%.
- وجاءت نسبة المأزومين 20%.
- اما مجهولي الطفولة فجاءت نسبتهم ( لا يوجد).

ايوب صابر 04-19-2012 04:54 PM

61- فساد الامكنة صبري موسي مصر

«فساد الأمكنة» رواية مصرية تنفرد في أجوائها الغريبة
عن الشرق الاوسط - سمير اليوسف



ينطبق على رواية «فساد الأمكنة» القول تماماً بأنها علامة فارقة في الرواية العربية. فهي لا تُحيلنا الى عمل سابق او لاحق من أعمال مؤلفها صبري موسى، ولا الى الرواية العربية عموماً.
ومقارنة هذه الرواية، التي صير الى نقلها الى الانجليزية حديثاً (وصدرت عن دار إنترلنك في نيويورك بترجمة من منى ميخائيل) مع «حادث النصف متر»، الرواية الأولى والسابقة للمؤلف، تشي بأن موسى شاء ان يسلك سبيلاً في القصة مختلفاً عما اختطه في عمله الأول. اما مقارنتها بما سبقها من أعمال روائية مصرية وعربية عموماً، فأنه ليدل على سعي الى إنشاء سرد جديد ومناطق خيال غير مطروقة من قبل. بيد ان ما أتى به الكاتب وغيره من كتّاب القصة والرواية يدل على ان «فساد الأمكنة»، وعلى رغم أثرها في نفس القارئ، لم تُرس نمطاً من الرواية مختلفاً- وهي كانت قد كُتبت عام 1970 متسلسلة اولاً في مجلة «صباح الخير»، ثم أعيد إصدارها في كتاب بعد اربعة اعوام على ذلك.
وما هذا في الحقيقة الاّ لأن الرواية تبدو ثمرة لقاء نادر او اجتماع عناصر لا يمكن لها ان تجتمع أكثر من مرة واحدة. بل ان هذه الفكرة بالتحديد، اي اللقاء النادر او اجتماع ما لا يمكن اجتماعه غير مرة واحدة، تكاد تلازم كل بُعد من أبعاد هذه الرواية.
وعلى ما يخبرنا الكاتب في المقدمة فإن فكرة الرواية تعود الى ليلة قضاها في «جبل الدرهيب» بالصحراء الشرقية قرب حدود السودان، اي انها ثمرة لقاء غير مدبر بالجبل الذي سيكون مسرح حوادث القصة بل وأحد شخوصها الأساسيين. فإذا ما جئنا الى بطل الرواية نفسه، اي نيكولا، ألفيناه مزدوج الندرة من حيث حضوره في مثل هذا المكان وفي السرد العربي عموماً. فهو المهاجر من مدينة روسية صغيرة، مقيماً في تركيا تارة وفي إيطاليا تارة أخرى، لا يُقرّ بوطن أصلي وبما يجعله أبعد ما يكون عن الشخصية الاوروبية (الخواجة) في القصص العربي.
وحضور نيكولا شأن حضور ماريو المهندس الايطالي والباشا المصري والخواجة انطون وإيليا، ابنة نيكولا، ولاحقاً حضور صاحب العرش وحاشيته الباحثون عن ضرب من اللهو واللذة مختلف يستجيب الى شهواتهم الجامحة، لهو حضور إنساني دخيل، غير محتمل، ولا يؤدي في النهاية الى ولادة ما هو جديد، وانما الى صراع قدري ومأساة. لعل في مثل هذه النهاية دلالة غنية ليس على طبيعة هذا الاجتماع الدخيل ولكن ايضاً على طبيعة السرد الروائي الذي بقي يتيماً في القصة العربية.
والصراع الذي يقع ليس ذلك الصراع الأزلي ما بين الطبيعة والانسان، وإنما بين الأهواء والنوازع والمعاني المنسوبة الى كل من يلعب دوراً في هذه الحكاية ـ ما بين الاتحاد والانفصال والتفكك، ما بين البراءة والفساد، وما بين العطاء المنظم والجشع. بيد ان تضارب هذه المعاني والقيم لا يتولد عن حكاية رمزية او أمثولة ساذجة، حيث يكون هناك من الشخصيات ما يمثل البراءة من جهة وما يمثل الفساد، من جهة ثانية. فالصراع المعني قدرياً ومأسوي النهاية على وجه ما يكون في المأساة الإغريقية، ليس بين قوى الخير والشر وإنما بين قوى متكافئة، إن في الصلاح او الإثم، وهو ما يجعله مأسوياً اصلاً.
فنيكولا وإيليا وكيرشاب وإيسا ضحايا المأساة، يظهرون من جانب البراءة والاتحاد والعطاء، وفي الوقت نفسه هم ليسوا ابرياء تماماً من المشاركة في الفساد والجشع، من الشهوات المحرمة والكبرياء المسرفة والادعاء. نيكولا، مثلاً، يحاول الاخلاص لتلك الوحدة الطبيعية التي يمثلها الجبل والمقيمون بجواره منذ البدء. وهو يحاول الذوبان فيها واتخاذها موطناً وأصلاً، غير ان وجوده هناك انما هو تواطؤ في عملية انتهاك هذه الوحدة وافشاء اسرارها واستنزاف ثرواتها. وتواطؤ نيكولا هذا لا يقتصر على قيادة حفر أنفاق في الجبل واستخراج ما في جوفه من معادن، في اطار عملية لا غرض لها سوى الكسب الخالص، ولكن ايضاً في الشهوة المحرمة التي تراوده تجاه ايليا. فهو وان لم يثر او يُشبع شهوته، فإنه لا يختلف كثيراً عن الخواجة انطون او حاشية السلطان ممن يتخذون الطبيعة وسيلة للثراء المجرد من اية قيمة او معنى، او موضوع اشباع رغباتهم المحرمة والشاذة. ولئن وقع فريسة إحساس مطبق بالخطيئة، وهو ما يدفعه في النهاية الى الفتك بإبنته ووليدها، بإعتبارهما مظهريّ الخطيئة، فليس نتيجة الالتباس العقلي الذي يُلمّ به. على العكس من ذلك، فإن الالتباس العقلي لهو نتيجة إحساس دفين بالخطيئة يتعاظم ويظهر على سطح وعيه بما يؤدي الى الالتباس المذكور. ففي دخيلة نفسه يدرك انه قد أخل بالعلاقة الطبيعية التي تربطه بإبنته وبالمكان نفسه. فالشهوة التي تراوده تجاه ايليا لهي خيانة للعلاقة الطبيعية التي تربط الأب بالابنة. وهو من خلال تواطئه مع أمثال الخواجة انطون قد انتهك العلاقة الطبيعية القائمة ما بين الجبل واولئك الذين يأتون طالبين ما يحتاجونه من خيرات، ومن ثم فإنه يخون المكان الذي شاء ان يتخذه موطناً.
وإذا ما كان هذا الاجتماع غير المألوف لشخصيات وعوامل مختلفة الأصل والطبيعة قد كشف عن منطقة خيال جديدة في القصة العربية، فلقد أملى لغة سرد مفارقة للغات السردية السابقة، سواء تلك التي أرسى كاتب شأن نجيب محفوظ أسسها، ام تلك التي اشتغل عليها وابتكرها كتّاب شأن يوسف ادريس، ومن بعده يحيى الطاهر عبد الله ومحمد البساطي وابراهيم أصلان وجمال الغيطاني وغيرهم من كتّاب جيل الستينات الذي ينتمي صبري موسى اليهم أصلاً. فليست مرجعية المخيلة القائمة خلف «فساد الأمكنة» مألوفة او مشتركة مع أعمال سابقة بما يجعل الإحالة واضحة والدلالات والمعاني الواردة محددة. ومن هنا كان لا بد من سرد ذي طاقة مجازية عالية يفي غرض وصف وجود غير مألوف واخبار حوادث تاريخية وراهنة نادراً ما ترد الاحالة اليها في اللغات السردية والمتداولة، فضلاً عن غرض الإحاطة بمعانٍ شأن البدء والبراءة والاتحاد والفساد والخطيئة والجشع بوصفها معانٍ كبرى ومطلقة.
يحاول المؤلف الاستعانة بأساطير ادبية عريقة وخرافات شعبية ومحلية، شأن حكاية عروس البحر، بيد ان الجهد الأكبر في استيفاء اغراض السرد انما يقع على عاتق اللغة المجازية نفسها. فعلى هذا النحو يسوق لنا الراوي صورة المكان: «لو أتيح للملمح ان يكون مرئياً لطائر يحلق عالياً، محاذراً في دورانه المغرور ان تصطدم رأسه المريشة بقمم الصخور ونتوءاتها، لرأى جبل الدرهيب هلالاً عظيم الحجم، لا بد انه هوى من مكانه بالسماء في زمن ما، وجثم على الارض منهاراً متحجراً، يحتضن بذراعيه الضخمتين الهلاليتين شبه وادٍ غير ذي زرع، أشجاره نتوءات صخرية وتجاويف، احدثتها الرياح وعوامل التعرية خلال آلاف السنين».

فالرائي المفترض (الطائر) ومنطلق الرؤية (من أعلى) واللغة المجازية المستخدمة في وصف ما يمكن رؤيته، تتضافر جميعاً لتضعنا ازاء عالم ناء، بل أسطوري الطبيعة بحيث يستحيل عقلنة ما يجري فيه من خلال الاستناد الى معاني حياة الاجتماع الانساني المتداولة. ولا غرابة اذا ما بدا السرد في بعض الأحيان «توراتي» الصدى وتجريدي الطابع. فحيال صورة البدء الاسطورية وما تنطوي عليه من بُعد وفراغ، يواجه المخيلة، لا مناص في النهاية من لغة استعارية تنبري لملئ المسافة الفاصلة ما بين المتلقي والصورة: «أيليا شهوة جامحة.. كما ان الجبل شهوة جامحة، كما ان تلك الصحراء من حوله، بسكونها الصوفي، شهوة كبرى جامحة».
مثل هذا التعويل على المجاز يدل على ان لغات السرد السابقة على ظهور هذه الرواية ما كانت لتستوفي شروط ولادة القصة. بيد ان هذا التعويل بالذات يدل على ان هذه اللغة ما كانت لتصلح لأي عمل آخر ما عدا هذه الرواية الفريدة اليتيمة

ايوب صابر 04-19-2012 09:25 PM

فساد الامكنه

النيل والفورات
نبذة المؤلف:
ويبصق نيكولا من فمه ترابا صحروايا حملته الريح, ويلعق حلقه الجاف بلسانه الجاف ويبرطم بلكنة ركيكة سباباً عربيا وهو يتأمل الفناء المخرب والمهجور أمام البيوت حيث كانوا يروحون ويجيئون, يعملون ويأكلون ويلعبون الورق ويشربون صاخبين أو شاكين همومهم.. لقد أخرجوا جميعا محاسنهم ومباذلهم وقدموها على تراب هذا الجبل وصخوره, قرابين فطنه وخلاعة.. فما أغباهم حين يهجرون أرواحهم الحقيقة ويرحلون لكن تلك طبيعة الاشياء. فهم قد جاءوا.. كثيرا.. ودائما كانوا قادرين على أن يأخذوا أرواحهم الحقيقة معهم. ودائما كان يبقي نيكولا مع الدرهيب وحده.
لقد هربوا.. جميعهم هربوا.. يقولها نيكولا محتداً, ثم يلين صوته, وترق نبراته, وكأنه يحنو على جنبهم وفرارهم.. وكأنه موقن ان طاقته على الاحتمال فوق طاقتهم, وانهم فى النهاية أحرار مستقلون عن المكان لا يشدهم اليه ذنب او تربطهم به خطية.. فليس منهم من ضاجع ابنته فى باحة هذا الجبل, على وسادة من صخور, وأولدها طفلا, ثم سرقه منها وهي نائمة ليطعم منه الذئب والضبع! وليس منهم من قاد تلك الابنة في سراديب الجبل المظلمة ودهاليزه الحارة والباردة, ومضي يدفعها أمامه فى مسيرة جنائزية حتي تنتهي السراديب المطروقة وتبدأ السراديب المهجورة, تلك التى لم تطرقها قدم من مئات السنين, فيتركها هناك بعد أن يغلق عليها كهفا بانهيار صخري غادر. لقد صرخت ايليا وهي تري الصخر ينطق على باب الكهف ويحبسها بداخله.. وأخذت تهبش الصخور فى محبسها المظلم بأظافرها الجذابة الملونة, بينما صرختها تتسرب عبر السراديب وتترد فيها حتى بعد ان امتلأ حلقها بتراب الانهيار, وكفت عن هبش الصخور وبدأت تهبش فى عنقها الجميل بأظافرها الجميلة, قبل ان تسكن حركتها, كانت الصرخة ما تزال تتردد فيسمعها نيكولا خلال هرولته المذعورة فى السراديب, كأنها تطارده لتمسك به وتعيده الى ايليا.. وكأن الالم المنغم و اليأس والدهشة في تلك الصرخة المفجوعة تعاتبه وتدعوه للبقاء معها.. كأنها تلوح له بعالم مسحور هما كفيلان بخلقه فى تلك الصخور الصماء ليعيشهاه معا, جنبا الى جنب كما كانا دائما.. رجل وابنته.. أو رجل وأمه.. أو رجل وامرأته المعشوقة والمفضلة! فأين لهؤلاء الهاربين جميعا رباط دموى كهذا يمنعهم من الفرار؟

ايوب صابر 04-19-2012 10:17 PM

الرواية الجدية والحداثه: فساد الامكنة والمشرط
المصدر موقع : كتاب من اجل الحرية
صلاح الدين بوجاه*


إننا إزاء مشاهد خارقة ترى فيها المسموعات وتسمع المحسوسات والملموسات. فقد ولدت اللقيا بين البحر والجبل والمدينة والصحراء والسماء والأرض وأعماق المناجم فضاء جديدا خارج الحدود والأطوار، هو فضاء الرواية، الذي تقام فيه الطقوس والشعائر البدائية وتنذر القرابين. ويبدو أن رحلة الصيد التي يصحب فيها الملك الصغيرة «إيليا»، يلوثها وينتهك براءتها ويدفع بوالدها نحو الجنون، تمثل أوج هذا النص الفاجع.


د. صلاح الدين بوجاه*


أغوتني الروايتان بنصيهما اللطيفين، «فساد الأمكنة» لصبري موسى و«المشرط» لكمال الرياحي، فسرت أسعى إلى تعليل اندفاعي نحوهما بالمزيد من الرجوع إليهما والغوص فيهما. وهما رغم تباعدهما في المكان والزمان سرعان ما تكشفان عن الكثير من التماثل، خاصة في مستوى كسر عمود المكان والزمان، وكثرة الشخصيات وتداخل أفعالها. فنتأمل كلا منهما عسى أن نخرج باستنتاجات مشتركة.


إننا، مع «فساد الأمكنة»، إزاء نص نادر، رغم سهولة البحث له عن أصول ووشائج تصله بمرحلة الستينات، في الرواية المصرية. ويبدو أن إيقاع «الموال» هو الأنسب للتعامل مع رواية تجمع بين الأغراض الإنسانية الكبرى، وبناء «النشيد» الذي يبقى حكرا على كتابات الشرق القديم، وما تناسل منها من مدونات تحاورها أو تتعامل معها، لهذا، ولسواه، من السهل جدا أن نقع في هوى هذه الشخصيات التي تتحرك وسط ديكور بدائي، يحيل على العالم قبل ظهور الخليقة، وصور شخصيات مستعارة من الواقع والأسطورة في آن واحد، ويتناول أحداثا يعسر تخيلها خارج هذا الإطار.


والرواية تبطن أشتاتا من العجائبية السحرية النابعة من تراث عشائر الجنوب. فالبناء الداخلي ينسجم مع المرجع الخارجي واللغة، ليصهرهما ضمن رؤية واحدة تولد واقعا جديدا مختلفا: إنه عالم الرواية، حيث يعيد المبدع تنظيم الكائنات وتصنيفها، حيث يشوش الوجود ليبتدعه من جديد!


«اسمعوا مني بتأمل يا أحبائي، فإني مضيفكم اليوم في وليمة ملوكية، سأطعمكم فيها غذاء جبليا لم يعهده سكان المدن بينما أحرك أرغن لساني الضعيف وأحكي لكم سيرة ذلك المأساوي نيكولا..». «اسمعوا مني يا أحبائي..» بهذا النداء يأسر صبري موسى قراءه قصد الإيقاع بهم، بهذا النداء الذي يحدد هذا البناء الفني كيانه الآسر والذي يلتهم كل ما عداه.


لهذا يبدو أن الصحراء تستحضر البداية والنهاية، تستدعى المدينة والبيداء، يقول صبري موسى: في الصحراء حياة كاملة تجمع بين البدو والمناجم ومشروعات التعدين. لأنها منطقة ثرية للغاية. كان يخيل إليّ أنني أول من يضع قدمه على ترابها..!


والمكان يتخطى المفرد نحو الجمع لاستعادة مواطن شتى ومناخات كثيرة: نظير جبال القوقاز، وجنوب إيطاليا، والقاهرة، وتخوم السودان، فضلا على أغوار جبل الدرهيب حيث تستخرج خامة «التلك» داخل سراديب الأعماق.


هذه هي السمة الغالبة، القائمة على معنى الإطلاق، رغم إيحاء النص بأنه لا يعدو أن يصور المرحلة الأخيرة من نفوذ الأسرة المالكة في مصر، قبيل الثورة الناصرية، حيث كان من السهل أن ينقض الخواجات الأجانب على أحد المناجم المتناثرة في الجنوب المصري، يشتغلون ويساومون ويداورون ويبتزون!


ومن الواضح أن منطق السرد في هذه الرواية يعتمد الحذف والاستبدال والتكثيف والإشارة والتضمين، لكنه يستعمل فنيات «الإرجاء» بلا منازع، لذلك يبدو مبدأ التصريح والإعلان ضامرا إذا ما قورن بمبدأ الإهمال والتغاضي!


تستهل الرواية بفصل افتتاحي موسوم بعنوان «الدرهيب، ملمح شبه نهائي» يوحي بالبداية والنهاية، بالفتح والإغلاق، في وقت واحد. في هذا الفراغ المطلق يبدو «نيكولا» شبه عار عند قمة الجبل «مؤرجحا على حصى دقيق من مكعبات الرخام ذات الأسنة والقواقع المهشمة من مليون عام، ثم يبرطم بلكنة ركيكة سبابا عربيا وهو يتأمل الفناء المخرب المهجور أمام البيوت حيث كانوا يروحون ويجيئون ويعملون ويأكلون ويلعبون». مرتكز الثقل في كل هذا يحوم حول فاجعة العبث بالمحارم التي لم تحدث أو قل «الفاجعة» التي خشي نيكولا حدوثها.. فعلا هذا الخوف يملأ جوارحه هلعا وترددا وارتقابا.


وتتوالى المقاطع في شكل تبرير تدريجي للمشهد الافتتاحي، حتى ندرك الفصل الأخير الموسوم بـ«فصل ختامي» فنجد أنفسنا، عودا على بدء، إزاء الملمح نفسه: ثلج وخراب.. و«نيكولا يتأمل البيوت الخشبية حيث كانوا يروحون ويجيئون، يعملون ويأكلون ويلعبون». ونحن لا نشك في أن الأسطورة والحلم يدعمان هذه البنية القائمة على التفكك والعود الأبدي.


والملاحظ أن «فساد الأمكنة» رواية توغل في اعتماد لغة شعرية صافية. ولنا أن نشير إلى شذرات قليلة يمكن أن تكون من قبيل الجزء الدال على الكل:


- «لم لا تخوض مباشرة في اللحم المبلور للمأساة؟»


- «مكان من الأرض تعتبر فيه المرأة علفا لأسماك الشهوة»


- مضمخ برائحة الجبال المزهوة بعريها تحت الشمس»


- السبيكة.. كأنها درع يحتمي به من الشرور المجهولة»


- الفجر لا يزال جنينا في الأفق»


ومما يسمح بمثل هذا التكثيف الشعري ذي السمات الأسطورية استخدام الكاتب عدة فنيات وصياغتها ضمن قوالب تجعل من الجبال والصحارى، والإنسان والمعادن، عناصر تتفاعل في فضاء غير نهائي، في أرض «لا يحكمها أهلها.. وينزح إليها كل راغب فينقب ويستخرج ترخيصا بالحفر، فيصبح مالكا لواحد من هذه الجبال التي لا يملكها أحد حتى الآن..!» إننا إزاء مشاهد خارقة ترى فيها المسموعات وتسمع المحسوسات والملموسات. فقد ولدت اللقيا بين البحر والجبل والمدينة والصحراء والسماء والأرض وأعماق المناجم فضاء جديدا خارج الحدود والأطوار، هو فضاء الرواية، الذي تقام فيه الطقوس والشعائر البدائية وتنذر القرابين. ويبدو أن رحلة الصيد التي يصحب فيها الملك الصغيرة «إيليا»، يلوثها وينتهك براءتها ويدفع بوالدها نحو الجنون، تمثل أوج هذا النص الفاجع.


فالدرهيب تملأه كائنات تهيمن على الجبال والوهاد والبحر، وعبد الله كريشاب يضاجع عروس البحر تحت أنظار ملك مصر وحاشيته، وجسم الملك نفسه يمسخ في نظر إيليا ليكون كائنا بدائيا مثل السمكة المتوحشة! أما إيسا فيصبح شبيها بإبراهيم يدخل النار دون أن يمسه سوء! لقد كان إيسا- سارق السبيكة- يدرك أنه قد أخذ حقه، وأنه لم يغتصب شيئا من أحد! «بل لعله وقتها كان ينظر بغريزته الصافية في أغوار الزمن القديم، فيرى النمرود يدفع إبراهيم إلى اللهب فيخرج منه سليما معافى، أو يرى معجزة بابل القديم، حين ألقى «نبوخذ نصر» بثلاثة من رعاياه في النار موثقين فخرجوا منها محلولي الوثاق، ثم لم تمس النار حتى ثيابهم».


إنها تركيبة تبتعد عن المعتاد لتجعلنا إزاء «غذاء جبلي لا يعرفه حقا سكان المدينة!» إزاء رواية تقول في لغتها الراقية ما يعسر أن تقوله رواية أخرى! هنا يتحول الإنسان إلى كائن ملحمي، وتصبو الحياة إلى منطق الفن، فنتجاوز قوانين العقل والوضوح لمجابهة الحضارة الحديثة بكامل عدتها وعتادها!


ينبغي أن نقر بأننا إزاء نص تحدث فيه الأفعال وتوجد الأشياء لحظة تسميتها، فتتحد حقيقة المبدع المرجع للإقرار بأن الرواية تتوسل بالشعر لتقول اختلافها، واختلاف صاحبها.. وبحثه عن نص مغاير نابع من رؤية مغايرة!


أما مع «المشرط» فينبغي أن نشهد أننا إزاء نص آسر، قوامه شذرات مستعارة من قديم المصنفات ومحدثها، لحمته تنويعات شتى.. وسداه نصوص للكاتب- كمال الرياحي- ولغيره، وبنيته هدهدة بين الأزمنة والأمكنة، وشخوصه متعددة كثيرة متشابهة حينا متباعدة أحيانا! أما رموزه فتحيل على إمكانات بعيدة تكاد لا تحصى!


صادمة هي رواية «المشرط» في مشرطها الذي تعمله في ظهور النساء، وفي لغتها التي توظف المعاجم غير المهذبة. والمتمعن في نصها ينفذ بسرعة إلى التعالق بين بنيتين تتبادلان الظهور، فتطفو الأولى حينا وتطفو الثانية حينا آخر، لكن أثرهما الواضح قوي حاضر.. إحداهما بنية بسيطة والأخرى معقدة ينبع هذا وذلك من الذات الساردة حينا ومن تداخل المتون حينا.. ومن صلة النص بالمرجع في أحايين متعددة أخرى!


والحق أننا إزاء أثر لا يني يحيل على المصنفات القديمة، لا بما يقول إنما بما يوحي به ويفضي إليه، وبالأحوال التي ينشئ.. فتحدث منها استيهامات كثيرة تطوح بالقارئ بعيدا، وتقتضي منه أن يبدل ذائقته في كل آن وحين! حتى لكأن مستقبل هذه الرواية ينبغي له أن يعدد أدواته ويغير صيغ تعامله مع نصوص آيبة من كل صوب محيلة على مناخات متباعدة ومدارات متعددة.. دون انقطاع عن واقع الناس في حلهم اليومي وترحالهم في أسواق حاضرة البلاد على هذا الوقت وفي غيرها من المدن والقرى والمداشر!


مرتكز الثقل في هذه الرواية المتمردة ما شاع يوما في بعض الحارات من إقبال أحدهم على إعمال المشرط في مؤخرات الصبايا.. مبالغة في الفتنة والإعجاب، أو وقوعا تحت طائلة الاستقباح الشنيع!


«من سيرة خديجة وأحزانها» عمل يعالج الكثير من الهراء والفوضى، حتى كأنه– محاكاة للتعبير الأثير عندي- مثل سوق شعبية في واحدة من قرانا الكثيرة.. على سفوح جبال مكثر أو ريف القيروان أو... غير بعيد عن دارات برقو وضواحي كسرى في الوسط التونسي الفسيح! من تلك الفوضى المدروسة جدا، أو قل من «اقتصاد الفوضى وتدبرها» ينشأ عمل رائق واضح الأرجاء. لهذا نقول إنه من السهل مع هذه الرواية أن نصرح أننا إزاء نص قد عمل على تجنب النقائص المفترضة التي يقع فيها من يقبل على تدبر هذا الفن الصعب!


عبر أدوات.. من قبيل الفقرات ذات الحروف الغليظة، أو الفراغات المحدثة قصدا، أو الرسوم المستعارة من الفن العالمي، أو السطور المستقيمة الكاملة، أو النجوم الفاصلة، أو العناوين الصريحة.. يمضي النص معلنا عن توتراته، كاشفا خباياه وتدافع أجزائه وقلقها وعدم ركونها إلى الدعة والسلم والاطمئنان!


هذا هو الانطباع الأول الذي يظفر به الخائض في أحداث هذه الرواية: نصوص متنافرة، وفقرات متدافعة، ووحدات قائمة فوق خواء من التتالي الخاضع لمبدأ «الضم» و«التداعي».. وعفو الخاطر والصدفة!


ولا نشك في أن النظر في هذه الفصول سرعان ما يوقفنا على السمة الغالبة على البنية، فالوحدات «تتالى» بقدر ما تخضع لمنطق آخر عكسي يمكن أن نلقبه مبدئيا «بمنطق التعاكس»! فالفصل لا يدعو الفصل إنما يفضي إلى فصول أخرى بعيدة!


إذا سلمنا بنجاح الكاتب في هذا، أو في إيهام قارئه بهذا، سلمنا بنجاح هذا البناء في إحداث حال من الفوضى المرغوب فيها.. التي لا تعدو أن تكون فوضى حياتنا، وحياة أمثالنا من أهل هذا الزمان.. في بلادنا وغيرها من أرض الله الواسعة!


واقعية تصدم الذائقة، وتناول فج لأحداث الحياة اليومية يرنو إلى إحداث صدمة قاسية، وتخييب الانتظار.


نلتقط هذه السمة، ونلح عليها، لأنها هنا تمثل القانون الكبير الذي تسير على هديه رواية «المشرط»، أو إنها تسير على «لا هداية!» إذ صح النحت! فهو من قبيل الضرب في صحراء التيه والفوضى حتى منتهاها! والرواية تريد إقناعنا بهذا في لفظها، ومعناها، ضمن هذا السياق نضع كلامها النابي، ورغبتها في التعامل مع المستقبح من الأفعال والألفاظ..!


هذا الشطط النابع من الرؤية المتحكمة في الرواية هو ذاته الذي نلاحظه في الشخصيات، كل الشخصيات، وإنها لكثيرة ذات أنواع وأقسام شتى ووظائف مختلفة، بل لعلها متناقضة أيضا! ذلك أن الوقوف على مبدأ التناقض والتنابذ لملمة لكل المستويات في هذه الرواية.


ينبع ذلك من شخوص الرواية.. فمنها التاريخي، ومنها النصي الذي يعيدنا إلى عالم الرسم، ومنها الأدبي، ومنها الواقعي الذي لا شاهد على وجوده إلا الكاتب.. فضلا على قرائن بعينها من واقع عاصمتنا ومقاهيها وحاناتها، وبعض الأماكن المخصوصة فيها.


من الشخصيات.. المخاخ، والعرافة، والرجل المحموم والضرس، والزوجة، والنيقر وبولحية، والسلطان شورب، وهندة، وسليم النادل. وسيدة الروتاند، والروتاند، وشارع بورقيبة، وابن الحجاج، والشهلاء الحمراء.. بيد أن أبرزها- سردا ودلالات- شخصية «النسناس» الذي كان كائنا أسطوريا/واقعيا مشطورا- مثل جسده- بين النص والمرجع.. أو قل بين النصوص والمراجع.. على تعددها واختلافها!


ويبدو أن ذكر «النسناس» هذا قد ورد في مصنفات كثيرة قديمة منها رحلة الغرناطي، وأخبار الزمان ومن أبادته الحدثان وعجائب البلدان والغامر بالماء والعمران للمسعودي، ومعجم البلدان لياقوت الحموي والحيوان للجاحظ.. فضلا على لسان العرب لابن منظور الإفريقي (جذر نسس). هذا الكائن المجزوء منشطر بين الواقع الوهم والحيوان والإنسان والنص والواقع.. يختزل رموزا مهمة تأخذ بجماع السرد والدلالة في هذا العمل الآسر الراغب في تنبيه القارئ من غفلته!


يحدث ذلك بالكلام النابي حينا، والمسترذل من الأفعال حينا آخر.. يقرب الشخصيات من بعضها البعض ويثير الأزمات بين شخصيات أخرى..


وحري بنا، بعيدا عن الناظرين بعين واحدة، أن نقف على تقاطعات شتى بين مدونات متباعدة في الظاهرة لكنها في جوهرها تنهل من المعين ذاته.. غزيرا كان أو ضنينا شحيحا. لهذا نلاحظ هنا أن هذه الرواية ضرورية اليوم، لدى مفتتح الألف الثالثة للميلاد، لإعادة تمثل روايات كثيرة ظهرت تباعا منذ ثلاثينات القرن العشرين حتى طور التسعينات، وألقت السؤال الحارق ذاته: من ترى يصدق هذا الهراء!؟ .. لكن أهو هراء!؟..



*كاتب وناقد تونسي.


الساعة الآن 08:36 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team