منتديات منابر ثقافية - كتابات الرمل..

هناك نوعية من البشر تدّعي معرفة كل شيء، وهذه ليست المشكلة ولكن المشكلة تتمثل بعدم فهم أو قدرة هذه النوعية على أدا أي شي ، فهي فعلا لا تجيد سوى اجترار الكلام..
ولو أنها واجهت تلك الحقيقة وحاولت أن تركز جهدها وطاقتها على شيء محدد لكان من الممكن مع مرور الوقت أن تتفوق في ذلك الشيء المحدد وقد تصل به ومعه إلى درجة من درجات التفوق والإتقان..
ولكن الادعاء المرضي ومحاولة الظهور بمظهر العالم ببواطن الأمور يحرمان صاحبها من مواجهة حقيقة الذات لتضيع بذلك فرصة الاستثمار الفعلي لقدرات فطرية وهبها الخالق لتلك النوعية من البشر، التي رمت بتلك القدرات بعيدًا وانطلقت تسابق الريح على ظهر أحصنة هذرة اللسان…
هناك مقولة حكيمة معاصرة نطق بها أحد أعضاء الكونغرس الأميركي بعد أن أعياه أحدهم ولم يستطع طوال ساعات عديدة أن يصل معه إلىًنتيجة رغم منطقية ووضوح القضية التي يتجادلان حولها..
تلك المقولة ملخصها : "إنك لن تستطيع هزيمة جاهل في مناقشة"..
وهذه حقيقة أصبحنا نتلمسها في العديد من الوجوه في حياتنا اليومية فالاقتناع يتطلب أرضية من المعرفة الصلبة وعندما نقول المعرفة فنحن نعي بها المعرفة الحفة والتي تمثل الرافد الأساسي للثقافة، لا معرفة القشور! أو معرفة الأدعياء والتي سأوضح أحد نماذجها في مقالي هذا …
هناك مجلس أخرص على إقامته مساء كل اثنين من أيام الأسبوع ، أوقفت عذا المجلس لظروف و استأنفته مساء الاثنين الماضي ، وهذا المساء بإذن الله تعالى…
أحب إقامة هذا المجلس لجودة ونضج ما يدور فيه..
إلا أنه في إحدى الأمسيات جاءت ضيفة مع إحدى الزميلات وكانت من أحد بلداننا العربية ، وسعدنا في البداية بضيفتنا التي انطلقت للأسف في الحديث يمينا وشمالا دون أي تحفظ وفي الغالب دون أي مناسبة، أورمعنى، فكل موضوع يطرح كان لها رأيا قاطعًا ، وكل مسألة تناقش كانتزهي لها مع أنها حسب ما عرفنا لاحقا لا حظ لها من الهبرة الحقة ولا نصيب لها من العلم أو الثقافة الكثير مقارنة بغالبية الحضور !
تقبلناها في المرة الأولى ، وابتلعناها في الأسبوع الثاني ، وتملكلنا متها في الأسبوع الثالث، وفي الأسبوع الرابع استأذنتني إحدى الأخوات واستأذنت صديقة تلك الدعية المجادلة حول كل شيء، دون علم أورمعرغة ببواطن الأمور،قال لها :
" أستاذتنا العزيزة ، هناك أمر حير الأخوات وعجز بعضنا عن الإجالة عنه، وانقسمت الآراء حوله فنريد رأيكِ السديد..
ياترى ماذا يجب على المسلم أن يفعل إذا جاء موسم الحج في شهر رمضان المبارك؟!
أيهما يقدم المسلم الحج أم الصيام ؟! ..
هنا لا أبالغ إذا قلت أنني أنا التي أخذ عرق الحياء يتصبب من جبينها لوضوح وتفاهة السؤال وسخرية السائلة!
ولكن الأغرب من ذلك أن صاخبتنا المدعبة اعردلت في جلستها وتلقت الأمر بجدية تمثيلية ثم جالت بنظرها حول الكل لتضمن شدة انتباههن ثم قالت:
" والله لقد انقسم الفقهاء حول هذا الموضوع وتنوعت آراؤهم لكن النرحنبل ومالك كانارمتقاربين في الرأي وإن اختلف معهما لاحقا ابن تيميه ، لكن المهم أنا شخصيا أرى أن الأولوية للحج على الصيام ، لأن هناك آية في القرآن الكريم تجيز تأجيل الصيام أما الحج فهو ملزم، لذلك أتصور وأعتقد أن هذا هو الرأي السليم، فإنه يجب على المسلم أداء فريضة الحج في رمضان على أن يعوض الأيام التي أفطرها بعد عيد الفطر مباشرة!…
هنا لم تتحمل إحدى الأخوات الحاصرات الأمر ، فصرخت بعا قائلة:
ما أغلط وجهكِ يا هذه ويا لشدة افترائك ويا لعطم جهلكِ ، أدخلتِ ابن تيميه وابن حنبل ومالك بكل جرأة في موضوع سخيف لتمرير شهوة ادعائك بالمعرفة؟!
يا أختي حتى الطفل الصغير يعرف أنه لا يمكن أن يجتمع موسما الحج والصيام لأن رمضان شهر وذا الحجة شعر آخر..
من لحظتها إلى يومنا هذا لم نعد نرى أو نسمع شيئًا عن تلك الدعية التي ارتاحت من تنظيرها أسماعنا..
يقول الأستاذ خليل الفزيع:
هناك فرق بين المعرفة والتطاهر بها ، فهو كالفرق بين النقش على الحجر الأصيل أو الكتابة على الرمل!
وما أكثر الكتاب بالرمل وعلى الرمل في عالمنا العربي ..
وما أكثر جدالات الرمل في مجالسنا…