منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   سوط ..... (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=21456)

ياسر علي 07-26-2016 12:33 AM

سوط .....
 
كانت بدرا متلألئا ، جالسة قبالة القبر و الباقة لا تزال في يدها ، يبدو أنها فقدت عزيزا ، فثوب الحداد يغشى ملامحها ، كادت الغيرة تدقّ أبواب نفسه منذ الوهلة الأولى لرؤيتها ، أتسبق الغيرة الحبّ ؟ لا يعتقد أن العشق تسلّل إلى قلبه مع نظرة من عينيها الباردتين ، أيبدأ الحبّ باردا هكذا فيحتاج إلى الغيرة لتنفخ فيه حرارة لهيبها ؟
ـ متأسف جدّا لما حدث .
ـ لا عليك و شكرا لجميل نبلك .
نطقت تلك الجملة خاطفة نظرة عابرة تجاهه ، رجعت ببصرها البارد نحو القبر و يدها ترسي الباقة برفق عند صدره ، لا يعرف سرّ ما جعل وجيب قلبه ينتفض ، أهي النظرة الباردة أم نغمة لسانها الرقيقة كلحن حزين ، ربما الغيرة ما يكبّله ، كان يتمنى أن تكون هذه الباقة رمزا للحياة ، فتتسلمها يده من يدها ، كانت يدها الماسكة بالباقة لوحة غاية في النضارة ، لوحة أسرت فؤاده ، يرتجي بقاء الورود في يدها ، لا يعرف ما الّذي أثار إعجابه ، هل بريق الزهر أو انسجام أصابعها ، و ربما بعض الأشياء يمنحها التزاوج نكهة أخّاذة . تنبه أنّه تجمّد دون حراك لبرهة ، عيناه مخطوفتان بين الكف و الباقة ، يرتق فتقهما بخيط نظراته .
عشقه للزهور يضاهي حب الفراشات لها ، لو علمت بما يختلج في نفسه النّحلات لأشبعته لسعا ، كان الوقت أصيلا و الشمس يميل اصفرارها إلى إلى حمرة البرتقال و هي منحنية لطبع قبلة على الأفق الممتد الذي تظهر منه على استحياء نوارس تغزل ثوب الشفق في حركة وئيدة . حين همّ بالمغادرة نحو البحر يحكي له عن الحمّى التي تعتري بدنه ، لعلّه يتفضل عليه بنسمات منعشة لمّا تسكن الشمس هودجها متخلية عن ثوبها و خجلها الحمراوين سابحة في رحاب زرقته الآسرة ، سمع نحيبا خافتا جعله يعود ببصره لذات الخمار البرتقالي و اللّحاف الأزرق . وجدها منتصبة دامعة العينين ، قدّم لها المنديل الورقيّ بيده المرتعشة ، ردّت بالنغمة الحزينة ذاتها : " ما استطعت نسيانه ، و لا أدّعي أنّني أستطيع نسيانه ، كان رجلا حقّا ، كان إنسانا حقّا ، كان لي أمنا و سلاما ، كان حضنا دافئا ، كان ينبوع محبّة عذبة الملامح ، رشيقة البنيان ، ناعمة الملمس ، كان يزن الدنيا و ما فيها من متع مغرية . يا صاحبي لست أدري لم أنا أعيش بعده ، يوما بعد يوم أنتظر أن أهب هذا الجسد للتراب لتعانق روحي روحه ، و أهنأ من بلوى الفقد والحرمان . أتعرف أيها الغريب ، كم مرّة حاولت أن أملأ عليه خلوته ، كم مرة أجدني معه في عالمه ، لولا أن فرقوا بيننا و شتّتوا شملنا ، حتى هؤلاء الأطباء يحسبون أنفسهم يستطيعون ، يحكون حكايات غريبة ، من يصدّقهم يا صاحبي ؟ هؤلاء آلات لا يعرفون في الإحساس شيئا ، قال لي أحدهم مرة ، حاولي أن تكتبي شعرا ، أن ترسمي لوحة ، أن ترقصي رقصة ، أتعرف لماذا ، لأنه ما أحسّ يوما بطعم الحبّ ، حياته جرداء ، فيظن أن الكذب على النّفس يماثل رشفة واحدة من إكسير الغرام ."
حين كانت تتكلم كانت الشمس ماضية في طقوس العروس ، و الأشجار ساكنة مرتخية تكاد تحسبها غافية ، تسترق السّمع و الشحوب باد على ملامحها ، نفسه متأرجحة بين رغبة متّقدة كلّما أبرقت عيناها بوميض الحياة ، و تنتابه نوبة الغيرة حين تسرف في ذكر محاسنه ، و تجتاحه شفقة مقيتة عندما يراها سابحة في بحار الضّياع . استرسلت في قولها : " لست أدري كيف سأعود إلى بيتي و قلبي سيبقى هنا ، يؤلمني أن رضيعي ينتظرني بأحرّ من الجمر ، أرأيت مصابي أيها الغريب ، ابني هناك و أنا هنا ، حتّى وأنا أداعبه أرى صورة حبيبي ، قلبي لا يستطيع أن ينشطر جزأين . آه لا يعلم مصابي إلا أنا ."
قطع بوحها بسيف لسانه بينما الطيور تحوم حول الأشجار في ضجيج الرّواح : " منذ متى وأنت على هذه الحال ، ألا ترين أنك تستحقّين الحياة ، فأنت ....؟ ردت و شرارة الغضب تنفجر من عينيها : " ألا تخجل من نفسك ؟ تريد أن تتغزّل بي ، لولا أنّني في حضرته لاسمعتك من ثقيل القول ما لم يسمعه رجل من أنثى على مرّ العصور . انصرف فلا أراك إلا حقيرا . فحتى زوجي الذي تزوجني وأنا بين الحياة والموت ما استطاع فك هذا الخاتم من إصبعي ، ولا ابنه قادر على محو حبيبي . "

ايوب صابر 07-26-2016 07:46 AM

وصف عجيب لا أظن ان سبق لي ان قرات اجمل منه ونهاية مزلزلة :

"حين كانت تتكلم كانت الشمس ماضية في طقوس العروس ، و الأشجار ساكنة مرتخية تكاد تحسبها غافية ، تسترق السّمع و الشحوب باد على ملامحها ، نفسه متأرجحة بين رغبة متّقدة كلّما أبرقت عيناها بوميض الحياة ، و تنتابه نوبة الغيرة حين تسرف في ذكر محاسنه ، و تجتاحه شفقة مقيتة عندما يراها سابحة في بحار الضّياع . استرسلت في قولها : " لست أدري كيف سأعود إلى بيتي و قلبي سيبقى هنا ، يؤلمني أن رضيعي ينتظرني بأحرّ من الجمر ، أرأيت مصابي أيها الغريب ، ابني هناك و أنا هنا ، حتّى وأنا أداعبه أرى صورة حبيبي ، قلبي لا يستطيع أن ينشطر جزأين . آه لا يعلم مصابي إلا أنا ."
قطع بوحها بسيف لسانه بينما الطيور تحوم حول الأشجار في ضجيج الرّواح : " منذ متى وأنت على هذه الحال ، ألا ترين أنك تستحقّين الحياة ، فأنت ....؟ ردت و شرارة الغضب تنفجر من عينيها : " ألا تخجل من نفسك ؟ تريد أن تتغزّل بي ، لولا أنّني في حضرته لاسمعتك من ثقيل القول ما لم يسمعه رجل من أنثى على مرّ العصور . انصرف فلا أراك إلا حقيرا . فحتى زوجي الذي تزوجني وأنا بين الحياة والموت ما استطاع فك هذا الخاتم من إصبعي ، ولا ابنه قادر على محو حبيبي . "

ياسر علي 07-27-2016 12:09 PM

أهلا بكم أستاذي أيوب صابر

أشرق النص بحضورك

تقديري

جليلة ماجد 07-27-2016 12:27 PM

كل غارق بملحه ...
متى وجد الإنسان الحب الحقيقي ..
كفاه عما سواه ...
أ. ياسر ..
لك قدرة فريدة على الوصف ...
ملكة فطرية لا تعكس التصنع أبدا ...
و مد من الحروف توصل القصة مرئية للمتلقي ..
المزيد .. فضلا !
احترامي .. تقديري

زياد وحيد 07-27-2016 02:21 PM

فضاء ٌمن ألوان خلابة حد الإدهاش يحتوي القلوب المفعمة بالاشتياق ..بالجمال ، برقة الادب و تجليات الشعراء
إنه لون مبثوث في حقائب الحياة الملحفة بدواء الصمت على ضفاف الاحزان
لغة آسرة تفتح اوراق الرسم
تتناول الأقلام
لترسم خلجات الأسوب وافنان الحروف المنتظمة كعقد فريد
لتقول لك
رائع انت صديقي الاديب ياسر بكل ما تحمله الكلمات من معنى
قطرات الندى هي ام بتلات ورد

لك تقديري المحمل بعطر شقائق النعمان

و عرائش البنفسج

مها الألمعي 07-28-2016 03:32 AM

مرحبا أستاذ ياسر

سأحتفظ بهذا النص كجمال متوهج
شكرا لك على عظيم ما صنعت

ياسر علي 08-01-2016 12:45 PM

الأستاذة جليلة ماجد

ممتن لحضورك الشّفّاف

و شكرا على كلامتك المشّجعة

ياسر علي 08-01-2016 12:50 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زياد وحيد (المشاركة 212516)
فضاء ٌمن ألوان خلابة حد الإدهاش يحتوي القلوب المفعمة بالاشتياق ..بالجمال ، برقة الادب و تجليات الشعراء
إنه لون مبثوث في حقائب الحياة الملحفة بدواء الصمت على ضفاف الاحزان
لغة آسرة تفتح اوراق الرسم
تتناول الأقلام
لترسم خلجات الأسوب وافنان الحروف المنتظمة كعقد فريد
لتقول لك
رائع انت صديقي الاديب ياسر بكل ما تحمله الكلمات من معنى
قطرات الندى هي ام بتلات ورد

لك تقديري المحمل بعطر شقائق النعمان

و عرائش البنفسج

الأستاذ زياد وحيد

لك جمال خلاّب في التعبير

لك تفاعل رقيق مع الطّبيعة

مؤكد سينضج هذا الزّخم يوما و يبرق في نصوص عملاقة


تقديري لجمال هطولك الممتع .

ياسر علي 08-01-2016 12:55 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مها الألمعي (المشاركة 212554)
مرحبا أستاذ ياسر

سأحتفظ بهذا النص كجمال متوهج
شكرا لك على عظيم ما صنعت

الاستاذة مها الألمعي


حفظك المولى من كل سوء

و أدام عليك نعمة الصّفاء و القبول

ممتن لإطلالتك الراقية

الفرحان بوعزة 08-01-2016 08:28 PM

قرأت هنا مقطعا جميلا من رواية كبيرة ،بلغ الوصف ذروته الجمالية ،وكانت اللغة الجميلة وعاءً له ،
إذ تم تطويعها وانتقاؤها بعناية لتتساوق مع الحالات والوضعيات .. وصف متنوع لا يسير على وتيرة واحدة ،
بل يخلق مفاجآت للقارئ مما يغريه على متابعة القراءة للوصول إلى ما تكشف عنه النهاية من تقلبات نفسية وتحولات حسية وشعورية نحو الذات الأخرى ....
نص جميل منسوج ومحبوك كأن الطبيعة تتحدث عن نفسها وبلغتها الخاصة ..
بفنية أدبية متميزة اختار المبدع المتألق الخيوط والألوان بعدما أخضعها للتشكيل الفني والأدبي ..
جميل ما كتبت وأبدعت أخي المبدع المتالق ياسر ..
مودتي وتقديري ..


الساعة الآن 02:12 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team