منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   قصة الأميرة والوردة والطباخ (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=30384)

عبد الكريم الزين 08-27-2022 05:00 AM

قصة الأميرة والوردة والطباخ
 
يحكى أن الأميرة أطلت من نافذة قصرها الرخامي المهيب، فانسلت من بين أناملها العاجية الرقيقة وردة حمراء، حلقت مضيئة في سماء قاتمة، وهبطت مرفرفة فأطربت بنبضها الدافئ جوانح الساحة المستكينة لعزف رياح الزمن العابث.

استقرت الوردة أمام الطباخ فرفع رأسه، ثم أخفض بصره، كانت الأميرة ما زالت تشرق من شرفتها، مثل زهرة ندية تشذو متدثرة بأنغام الصباح.

الساحة الدائرية خالية، والوردة جذابة، والأميرة تنتظر، والطباخ حائر!
هل يتجاهل بقعة الضوء المشعة أم يصعد بها إلى أعلى القصر!

مر وقت، ولم يظهر أحد لأخذ الوردة، استرق النظر إلى وجه الأميرة، كانت ابتسامة ثغرها تطغى على لمعان ستائر شرفتها الذهبية، توقع أنها لم ولن تبعث أحدًا من أجل استرداد زهرتها، وأنها تنتظره هو ليحملها.

تفجر شعور من الزهو الرجولي الخادع، سرعان ما تبخر، وطرح مجددا سؤالا راوده منذ فترة:
أيحب طباخ مثله الأميرة؟
أدرك أن بسؤاله قدرا من الغباء، من لا يحب الأميرة! الجميع يعشقها.

لا يمكن لتلك الروح المرهفة وذلك الجمال البلوري الخلاب إلا أن يأسرا كل قلب يصادفهما، هل يستأذن نور الشمس حين يقتحم النوافذ والقلوب!

راودته رغبة عارمة أن يضم الوردة بشوق، وهم أن يحملها إلى الأعلى، لولا أن ألفى وعده لزملائه الطباخين ماثلا أمامه.
كان قد عاهدهم على البقاء برفقتهم منذ أن اقترن مصيرهم في المطبخ معا.

الأميرة تنتظر، لكن رجليه عاجزتان عن صعود أدراج القصر العالي، خاف أن يتوه في دهاليزه القرمزية الواسعة، أن يبحر في عالم لم يعتد عليه، أن يهمل مطبخه أو يفارقه فيخون زملاءه.

ماذا يتبقى له لو تمزق قميص إخلاصه!
أي ورق يخصفه عليه أمام مرآة نفسه!
أليست خيانة العهد فقدانا للذات!

اعتاد عالمه البسيط، مطبخه الحجري العتيق أسفل القصر، طريقه الواضحة المستوية إلى مسكنه المتواضع، تأخره عن دفع إيجار بيته، مصاريفه المتزايدة، وكل تلك التفاصيل الصغيرة التي ترهق جسده وأحيانا أيامه، وتؤثت بتقلبها حياته السابحة في فلك ثبات مبادئه وقناعاته.

يعرف أن الأميرة معجبة بطبخه وإخلاصه، قد تغضب منه لكنها لن تحقد عليه أبدًا، وجهها الطفولي يشع دوما بأنسام المحبة، وقلبها الملائكي لا ينبض حتما بأي ذرة من حقد أو ضغينة.

توارت الشمس، وأرخى الليل بظلال حانية، عندما تيقن أن الأميرة قد غربت عن شرفتها للحظة، تناول الوردة برفق بين أصابعه، وأخفاها بين ثيابه، ثم أسرع إلى مسكنه، وغرسها في مزهرية بغرفة نومه.

قد تبحث عنها الأميرة، لكنه لن يخبرها عنها أبدًا.

ياسَمِين الْحُمود 08-27-2022 08:40 AM

رد: قصة الأميرة والوردة والطباخ
 
منحتني شرف الهطول الأول
وقفت في مكانٍ أراني أقل منه حجما وعمقًا
لكن حق على حروفي أن تنحني لجميل ما قرأت
فالشوق عطشى لرحيق حروفكم…
مابين انتظار الأميرة وحيرة الطباخ كانت الأسطورة هنا!
كثيرون أفسحوا للحب وقصصه تلك المساحة في القلب
وأسكنوه النبض!
لكنهم وتحت وقعة سكر الإرادة والكبرياء ورغبة عدم الإفصاح لسببٍ ما
يظنوا أنه مخلوق عاجز لن يتخطى حدود سجنه بين النبضات
مخلوق لن ينمو إذا عزمنا على قتله وشل حركته
وعلى حين غرة ، ستتجلى الأمور واضحة ولو بعد حين …
فالمشاعر عندما تولد لا تضع شروطا بأن يكون أميرا أو طباخا
كثيرة هي القصص في عالمنا الواقعي …

أعجبتني جدا هذه العبارة " ماذا يتبقى له لو تمزّق قميص إخلاصه؟!"
ورد إلى ذهني ( قميص يوسف ) 😊
حقيقةً ما يُعالجه النص عميق جداً..

يُحسب لك إنتقاء الأسماء { الأميرة - الطباخ}
الذي أنا على يقين أنه جاء عن عمدٍ و قصد
أيضاً أعجبتني النهاية المفتوحة
و هي دعوة لكل منّا ليمسك قلمه
و ليفتح ورقة و ليكتب بها ما تخيل
من ردة فعل الأميرة بعد أن ظنت أن الطباخ تجاهلها
في حين أنه احتفظ بالوردة في مزهريته الخاصة !
أخي الكريم عبدالكريم
كل ما بي يشكرك على ذاك الصخب الشعوريّ
الذي تُرجم بكلمات بسيطة….:30:

موسى المحمود 08-28-2022 10:45 AM

رد: قصة الأميرة والوردة والطباخ
 
لم يزره النّوم تلك الليلة، ظلّ يتقلّب في فراشه، تارةً يستدير ليحدّق في الوردة المغروسة داخل مزهريّته وكأنّها في غرفة إنعاشٍ تنتظر رحمة الله، وتارةً أخرى يدير لها ظهره ليعود إلى واقعه الأليم، وهو على هذا الحال منذ أن خطف الوردة.

وكلّما باغتته غفوةٌ أيقظه الشّوق المجنون للأميرة، فتراهُ يقفز من فراشه ليسحب لفافة تبغ فيشعلها، أنفاسه التي تستهلك عمر اللفافة المسكينة لا تهدأ، وبين لفافةٍ تتلاشى بين إصبعيه ولفافةٍ ترقى من صندوق التّبغ لحظاتٌ تتجلّى فيها صورة الأميرة،

والوردة المغروسة في المزهريّة ما تزال تحدّق في رفيقاتها المتيبّسات، وتسأل نفسها ما الذي حدث لهؤلاء قبل مجيئي ؟ هل كنّ مثلي ضحايا لملل الأميرة .. الحائرة .. فجاء هذا الطبّاخ الطّيب السّاذج ليحاول إنعاشهنّ كما حاول إنعاشي .. ؟ أم أنّ قدري يختلف عن أقدارهنّ ..



الأستاذ الكريم عبد الكريم الزين،
نصّ بديع، قصّة مُلهمة فائقة الجمال.

تحياتي واحترامي وتقديري

عبد الكريم الزين 08-31-2022 03:40 PM

رد: قصة الأميرة والوردة والطباخ
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسَمِين الْحُمود (المشاركة 347962)
منحتني شرف الهطول الأول
وقفت في مكانٍ أراني أقل منه حجما وعمقًا
لكن حق على حروفي أن تنحني لجميل ما قرأت
فالشوق عطشى لرحيق حروفكم…
مابين انتظار الأميرة وحيرة الطباخ كانت الأسطورة هنا!
كثيرون أفسحوا للحب وقصصه تلك المساحة في القلب
وأسكنوه النبض!
لكنهم وتحت وقعة سكر الإرادة والكبرياء ورغبة عدم الإفصاح لسببٍ ما
يظنوا أنه مخلوق عاجز لن يتخطى حدود سجنه بين النبضات
مخلوق لن ينمو إذا عزمنا على قتله وشل حركته
وعلى حين غرة ، ستتجلى الأمور واضحة ولو بعد حين …
فالمشاعر عندما تولد لا تضع شروطا بأن يكون أميرا أو طباخا
كثيرة هي القصص في عالمنا الواقعي …

أعجبتني جدا هذه العبارة " ماذا يتبقى له لو تمزّق قميص إخلاصه؟!"
ورد إلى ذهني ( قميص يوسف ) 😊
حقيقةً ما يُعالجه النص عميق جداً..

يُحسب لك إنتقاء الأسماء { الأميرة - الطباخ}
الذي أنا على يقين أنه جاء عن عمدٍ و قصد
أيضاً أعجبتني النهاية المفتوحة
و هي دعوة لكل منّا ليمسك قلمه
و ليفتح ورقة و ليكتب بها ما تخيل
من ردة فعل الأميرة بعد أن ظنت أن الطباخ تجاهلها
في حين أنه احتفظ بالوردة في مزهريته الخاصة !
أخي الكريم عبدالكريم
كل ما بي يشكرك على ذاك الصخب الشعوريّ
الذي تُرجم بكلمات بسيطة….:30:


يسعدني أن تكون سيدة سحر الكلمات والحروف في منابر
أول الحاضرين بحسها الأدبي المرهف
وقدرتها الفنية على الغوص في أعماق المعاني والمشاعر

ماذهبت إليه في قراءتك النقدية صحيح
فالحب لا يعترف بالحدود التي أقامها الناس
ولا يستأذن قبل الدخول إلى بواطن القلوب
ومن ثم ينشأ الصراع بين الواقع بكل تجلياته وتناقضاته
والحب بجوهره المتسامي على الظروف والحواجز

وما من شك أن الحب والكراهية يحكمان جميع تصرفات البشر
مهما تسترا بمسميات أخرى
أو تقنعا بتبريرات دينية أو علمية أو مصلحية…

وفي كل قصص الحب قد تتعدد النهايات بتعدد الرواة
لكن سحر الحكاية لا يزول مهما كانت النهاية سعيدة أو حزينة
ودعوتك الموفقة لكتابة نهايات أخرى
لموضوع شغل الإنسان منذ القدم وسيظل شغله الشاغل
فكرة رائعة

وقد أصبت أستاذتنا الأديبة الفاضلة ياسمين وصدق يقينك
فاختيار أسماء الشخصيات وفضاء الحدث لم يأت اعتباطيا

ممتن لقراءتك النقدية المتميزة التي زادت النص عمقا وجمالا
ولنظرتك الثاقبة التي أضفت عليه تألقا وإشراقا

تعجز الكلمات عن شكرك
وتقدير ما تبذلينه من جهد في منتديات منابر :31::31::31:

عبد الكريم الزين 09-04-2022 08:36 PM

رد: قصة الأميرة والوردة والطباخ
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة موسى المحمود (المشاركة 348012)
لم يزره النّوم تلك الليلة، ظلّ يتقلّب في فراشه، تارةً يستدير ليحدّق في الوردة المغروسة داخل مزهريّته وكأنّها في غرفة إنعاشٍ تنتظر رحمة الله، وتارةً أخرى يدير لها ظهره ليعود إلى واقعه الأليم، وهو على هذا الحال منذ أن خطف الوردة.

وكلّما باغتته غفوةٌ أيقظه الشّوق المجنون للأميرة، فتراهُ يقفز من فراشه ليسحب لفافة تبغ فيشعلها، أنفاسه التي تستهلك عمر اللفافة المسكينة لا تهدأ، وبين لفافةٍ تتلاشى بين إصبعيه ولفافةٍ ترقى من صندوق التّبغ لحظاتٌ تتجلّى فيها صورة الأميرة،

والوردة المغروسة في المزهريّة ما تزال تحدّق في رفيقاتها المتيبّسات، وتسأل نفسها ما الذي حدث لهؤلاء قبل مجيئي ؟ هل كنّ مثلي ضحايا لملل الأميرة .. الحائرة .. فجاء هذا الطبّاخ الطّيب السّاذج ليحاول إنعاشهنّ كما حاول إنعاشي .. ؟ أم أنّ قدري يختلف عن أقدارهنّ ..



الأستاذ الكريم عبد الكريم الزين،
نصّ بديع، قصّة مُلهمة فائقة الجمال.

تحياتي واحترامي وتقديري

الأستاذ الأديب المميز موسى المحمود

ما أجمل ما رسمت
لوحتك الأدبية المكللة بالوصف المتقن، أخذت الحكاية لمنحى آخر وأعطتها بعدا جديدا ينبض بالحياة الواقعية
ممتن لقلمك المبدع

تحياتي وتقديري

عبد الحميد سحبان 09-07-2022 09:27 PM

رد: قصة الأميرة والوردة والطباخ
 
نص محبوك بعناية كبيرة تنم عن إمكانيات كبيرة في السرد، دمت متألقا اخوكم عبد الحميد.

عبد الكريم الزين 09-09-2022 06:03 PM

رد: قصة الأميرة والوردة والطباخ
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الحميد سحبان (المشاركة 348546)
نص محبوك بعناية كبيرة تنم عن إمكانيات كبيرة في السرد، دمت متألقا اخوكم عبد الحميد.

أسعدني حضورك أخي الأديب الناقد المتميز عبد الحميد

تحياتي واحترامي


الساعة الآن 07:18 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team