منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   المركا (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=24353)

مبارك الحمود 11-17-2017 07:09 PM

المركا
 
https://d2s63a22uzwg40.cloudfront.ne...0_p86835-1.jpg

مبارك الحمود 11-17-2017 07:10 PM

[justify]لقد حدث ذلك, في يوم مغبر اختفت كلها, كل المراكي من جميع أرجاء القبيلة, لم يستطع الشيخ فادي تصديق ذلك, وشعر بسبب ذلك بالعار حينما أتاه ضيوف من قبيلة أخرى.. قرر مؤقتا إحضار كراسٍ بدلا من ذلك, ولكنه شعر بإهانة شديدة حينما زاره شيخ قبيلة أخرى, فلقد أصيب الضيف بموجة ضحك مستمرة حتى ذهابه, وبقيت أصداء ضحكاته تتردد لعدة أيام من خلف الكثبان.
اتفقت الآراء والروايات-تقريبا- على أن ذلك بدأ من طرد شيخهم, لذلك الدخيل الهارب من ملاحقة القبيلة المجاورة, لقتله قريب شيخها. ورغم ذلك لم يستطيعوا معرفة كيف حدث ذلك, وكان آخر خبر وصلهم حينما دخل الراعي عليهم وهو يلهث, وأقسم لهم بطلاق امرأته ثلاثا -رغم أنه غير متزوج- أنه رأى قطيعا من المراكي تركض في الجهة الشرقية من الشعيب..
وغير ذلك لم يحدث أي تغير في تلك الفترة غير التوتر الذي يزيد مع الأيام, وكان لذلك بعض الضحايا مثل القهوجي الجديد, الذي لم تمر سنة على تواجده في بيت شعر الشيخ, حتى تم طرده وإحضار آخر لإزالة الشك الذي حام حوله.. ولكن بالرغم من ذلك استمرت المراكي بالاختفاء.. مما اضطر الشيخ لجعل بعض أعوانه مراكٍ له ولمقربيه ولضيوفه.
مرت الشهور والأوضاع كما هي, المراكي العديدة التي يشتريها الشيخ تختفي في لحظة, بدون سبب وبدون سابق إنذار, تختفي في أوقات تختار بعناية..
أخيرا ظهر بصيص أمل حينما سرت إشاعة أن هناك خربوش يوجد فيه مركا قديم لم يختف.. ذهب الشيخ مع حاشيته.. ووجدوا الخربوش المتهالك يجلس فيه طاعن بالسن.. ركض الشيخ إلى المركا وضمه, وتلوى عليه وتبطح وشمشمه.. أخبرهم المسن أن هذا المركا يعود إلى جده أبوطخة, وأنه لن يتنازل عنه, لكن الشيخ أصر على أخذه, وقال حينما يعود أبو طخة من قبره, أخبره عن أن المركا هرب.. رجع الشيخ لبيته حاملا مركاه بين جوانحه كطفل من أطفاله, وعيون العشيرة تنظر إليه بشغف, وهو يحاول أن يمنعهم من الاقتراب منه.. ربط المركا بقدمه جيدا بسلسلة حديدية, ونام..
في منتصف الليل شعر الشيخ بحركة بجانبه, أقرب للرجفة, رفع رأسه, ولم يشعر سوى بشيء يسحبه بقوة, وينطلق به إلى المساحة الشاسعة من الصحراء, كان المركا ينطلق بسرعة كبيرة, والشيخ ببشته يتخبط خلفه مستسلما, يمر به على الصخور والأشواك, ويكنس به الرمال..
سحبه مسافة طويلة, وقدم الشيخ تنزف دما من طوق الحديد الذي حولها, غير الكدمات والرضوخ بكل جسده من الجر الشديد على الأرض, حتى لاح مع الأفق أنوار لضفة مدينة.. أوصله لمكان تنثال إليه المراكي من أماكن عدة, ينظر لها وهي تدخل إلى مصنع تدوير.. أصابه الرعب وهو يراها تلقي بنفسها إلى حاوية, وتتطاير أشلاؤها ونتفها الأسفنجية, حاول الانفكاك من السلسلة لكن بلاجدوى. ارتفعت يداه فجأة وبقوة إلى فوق ونزع بشته نفسه منه, نظر الشيخ منصدما إليه والبشت يطير بعيدا في الأفق كطائر أسطوري, قبل أن يدخل النشارة لتتفرقع أشلاؤه عاليا, ويعم بعدها صمت الصحراء المهيب.[/justify]

ايوب صابر 11-18-2017 01:53 AM

قصة جديدة للأستاذ مبارك تعتمد الغموض كأسلوب سردي وتجعل من المركا بطل للنص بامتياز . والمركا يبدو انها مقاعد اسفنجية حسب الصورة وبعض التفاصيل التي ذكرها الاستاذ مبارك وهذه اول مرة اسمع بالكلمة ولا بد انه اختيار سليم كعنوان للقصة فقد ساهم هذا العنوان في بث دفقة من الغموض الجاذب للاهتمام من قبل المتلقي الذي يندفع ليتعرف على سر هذه المركا.

لا اعرف ان كان النص واقعيا او يقوم على احداث واقعية حيث يجري الحديث عن قبيلة وشيوخ قبائل وصحراء ولكن السرد مدهش كيف لا وقد جعل الاستاذ مبارك المركيات تختفي بغموض ليكشف لنا في نهاية النص انها وكانها تنتحر في مصنع تدوير ، وهي نهاية تجعل النص من نفس النمط السردي الذي يبدع فيه الاستاذ مبارك وهو الخيال السحري.

ولا نعرف من القراءة الاولى ان كان النص رمزيا او ما المقصود من الفكرة . ولا شك ان الحبكة تتمحور حول المركا التي آنسنهاا الاستاذ مبارك وجعلها الاهم من بين شخوص القصة.

اما مغزى النص وسبر اغواره فربما يتطلب جهدا جماعيا كما هي العادة .
فأهلا وسهلا بمساهماتكم في سبر اغوار هذا النص وفكفكة أسراره.
بانتظارك استاذ ياسر والأستاذة ريم وكل محبي السرد ورواد منابر . *

عبدالعزيز صلاح الظاهري 11-18-2017 10:26 AM

التراث موروث قديم
جزء من الماضي
نتعاطف معه ونحبه
لكن مشكلته صعوبة الحفاظ عليه
مبارك الحمود
سلامي وتحياتي لك استاذي

ايوب صابر 11-18-2017 11:27 AM

مرحباً استاذ عبد العزيز
اشكرك على تفاعلك السريع وقراءتك. سؤالي هل تعتقد ان النص يعالج الشغف بمقتنيات الماضي او ان القاص يريد ان ينوه بالتغير السريع في حياة القبيلة مثلا حيث تحل الكراسي محل المركات ؟
لكن كيف نفسر ان المراكي هي التي تغادر أماكنها راكضة الى مصنع التدوير كما يكشف لنا القاص؟ لتلقي بنفسها وكأنها تنتحر؟ ثم ما مغزى ان يربط الشيخ المركا بقدمه بالحديد ؟ فما سر هذا التعلق بالمركا ؟ وكيف نتصور ان تقوم المركا بجر الشيخ الى مصنع التدوير لتلحق برفيقاتها؟ ثم لماذا لم تهرب المركا التي كان يملكها ابو طخة من بيت حفيده المتهالك قبل ان يصل اليها الشيخ؟ ولماذا هربت بعد ان وصلت الي بيت شيخ القبيلة. ثم ما مغزى ان ينزع بشته نفسه من الشيخ ناجيا بنفسه بينما تجر المركا الشيخ ليتحول الى اشلاء في مصنع التدوير مع المركا التي لحقت برفيقاتها منتحرة؟ وللعلم هذه ليست اول مرة يتحدث فيها القاص عن ثوب ينزع نفسه من صاحبه فقد سبق له ان ضمن ذلك قصة اخرى كما اذكر وذلك عندما كاد بطل تلك القصة يغرق.

اظن والله اعلم ان النص رمزي بامتياز ويلفه الغموض، وقد يكون يعالج بعد نفسي لشيخ القبيلة ، وهو حتما محبوك بعبقرية مبارك الحمود التي اعتدنا عليها بعد كل هذه القصص السحرية التي قرانها له. وبقي ان نحاول فكفكة النص وسبر اغواره والتعرف على مقاصده. لان احداث النص تشي بعمق الفكرة وعبقريتها ورمزيتها.

ايوب صابر 11-20-2017 06:32 PM

بانتظار مزيد من المشاركات في قراءة هذا النص.

ياسر علي 11-20-2017 09:52 PM

اعتمد الكاتب مبارك الحمود في هذا النص على كسر المألوف وجعل الثابت متحركا جعل المراكي تفر من مواقعها باحثة عن التجديد والظهور في حلة جديدة.
هنا الكاتب يشير إلى حركية الكون، وتقادم الأشياء التي نتسبث بها و نريدها مخلدة، لكن يلحقها العدم و تساهم في ظهور شكل وجودي مستجد.

أظن أن المشهد الأخير أكثر غموضا وهو دخول الشيخ إلى الحاوية وهروب عباءته منه.
أظن أنها إشارة إلى القيادة التي تخضع هي الأخرى لقانون التغيير من جيل إلى جيل و ذلك بعد زوال وانتحار الأسس التفاعلية التي بنيت عليها.

تقديدري

ايوب صابر 11-21-2017 07:27 AM

اشكرك استاذ ياسر على تجاوبك مع دعوتي لتقديم قراءة للنص. اتفق معك على غموض المشهد الاخير والذي ذكرت. فما رمزية ان ينزع الثوب نفسه من الشيخ ؟ هل تدور الفكرة حول الهروب من الموت ؟ كما ان ملاحظتك حول جعل الثابت متحرك ملفتة لكن لاحظ أيضاً ان شيخ القبيلة يموت في نهاية النص فما غاية القاص من جعل بطل النص يموت؟ هذا اذا افترضنا ان شيخ القبيلة هو البطل وليس المركا التي تقود الحدث؟

ايوب صابر 11-22-2017 01:34 AM

قراءة معمقة للنص " المركا "

يكمن تلخيص حبكة النص بما يلي:
المراكي وهي جمع مركا أخذت تختفي من بيت شيخ القبيلة. لم يعرف احد كيف ولماذا تختفي. كان إختفاءها مصدر عار لشيخ القبيلة خاصة انه استبدلها بالكراسي مؤقتا. اتهم الشيخ بعض ممن حوله باختفاها بمن فيهم عامل القهوة. صار الشيخ يبحث عن المراكي في القبيلة فسمع عن وجود مركا في بيت متهالك. ذهب الى هناك وأخذها رغما عن احتجاج صاحب البيت قائلا انه ورثها من جده ابو طخه. ما ان وصل الشيح بيته في القبيلة حتى ربط المركا بقدمه بجنزير كي لا تختفي. ما لبثت المركا ان جرته الى حيث هربت كل المراكي. الى مصنع تدوير. وقبل ان تلقي المركا بنفسها في المصنع لتتفتت اشلاء ومعها شيخ القبيلة المربوط فيها، نزع ثوب الشيخ نفسه وهرب بينما تقطع الشيخ والمركا. تحولا الى اشلاء. *

صفاء الأحمد 11-25-2017 03:40 PM

شكرا على الدعوة استاذ أيوب ..
لي عودة قريبة بإذن الله

ايوب صابر 11-26-2017 11:29 AM

قراءة معمقة في نص المركا:

العنوان : اختار الاستاذ مبارك كلمة واحدة كعنوان للنص وهي " المركا " وعلى الرغم انه وضع صورة للمركا بهدف تعريف المتلقي بها كونها من مصطلحات القبيلة او ألبيئة المحلية التي اختار الاستاذ مبارك ان تدور فيها احداث القصة لكن الكلمة ظل فيها من الغموض ما يثير و يحفز المتلقي على متابعة القراءة وفي ذهنه معرفة قصة هذه المركا. وعليه اتصور ان اختيار العنوان مناسب وناجح في إثارة فضول المتلقي ودفعه للمتابعة على امل ان يتعرف على قصة هذه المركا . *

صفاء الأحمد 12-01-2017 09:22 PM

الأستاذ مبارك الحمود،
تحية طيبة ،

بعد قراءة متفحصة لهذا النص العميق عدة مرات،
أظنني نظرت إليه من زاوية مختلفة قد تكون مغزاك من النص و ربما لا !
نص رمزي يقوم على اختفاء المراكي من القبيلة وخاصة الجديدة منها،
ثمّ اختفاء القهوجي ( و مهنة القهوجي لم تعد موجودة بصورتها التي ذُكرت في القصة)
وهذا إشارة إلى الحداثة التي لم يواكبها الشيخ و إصراره
على التمسك بعادات القبيلة التي انقرضت منذ زمن.
أما عن المركا العتيق و الذي وجِد في منزل أحد شيوخ القرية،
فهو دليل على أنّ هذا المركا آتٍ من زمن هو زمنه، لذلك لم يهرب مع بقية أبناء جنسه.
ثم جاءت خاتمة القصة على هيئة المركا هاربا و آخذا معه الشيخ ،
الذي بات أيضا بحاجة لإعادة تدوير كي يواكب العصر هو الآخر.

شكرا لك أستاذ مبارك.

ايوب صابر 12-07-2017 04:28 PM

قراءة معمقة في قصة " المركا " :

" لقد حدث ذلك, في يوم مغبر اختفت كلها, كل المراكي من جميع أرجاء القبيلة, لم يستطع الشيخ فادي تصديق ذلك, وشعر بسبب ذلك بالعار حينما أتاه ضيوف من قبيلة أخرى.. قرر مؤقتا إحضار كراسٍ بدلا من ذلك, ولكنه شعر بإهانة شديدة حينما زاره شيخ قبيلة أخرى, فلقد أصيب الضيف بموجة ضحك مستمرة حتى ذهابه, وبقيت أصداء ضحكاته تتردد لعدة أيام من خلف الكثبان. ".

- لا شك ان القاص مبارك الحمود اختار على ما يبدو في كتابة هذا النص اسلوب تقليدي يعالج حدث واقعي ولو بادوات سحرية. فلا نجد هنا عملاق للنسمات ولا بوابة سماوية ولا سكة قطار، ولا احداث من ذلك القبيل الخيالي الواسع التي ضمنها قصته " التهويدة" مثلا.
وانما نجده يتحدث عن شيخ قبيله اسمه فادي، يتعرض لموقف جلب له ولقبيلته العار ، خاصة حينما زاره شيخ قبيلة اخرى.
وهذا الموقف يتمثل في فقدان احد طقوس الضيافة التقليدية لدى القبيلة، وحلول طقس حداثي محله، رغما عن إرادة شيخ القبيلة.
وذلك يتمثل في اختفاء "المراكي" دون معرفة كيف ولماذا والي اين ؟ مما اضطر شيخ القبيلة الى استخدام الكراسي بدل المراكي مما جلب له العار عند شيوخ القبائل الاخرى. وكان ذلك مصدر تندر عند الاخرين ؟

وعلى الرغم ان القاص قد اختار بيئة مألوفة للأحداث وهي مضارب قبيلة مألوفة أيضاً، عرفنا ان شيخها اسمه فادي، نجده قد ضمن عتبة النص جرعة هائلة من التشويق والإثارة والغموض وكأننا بصدد مسلسل بوليسي.

وياتي كل ذلك من تسلسل الاحداث وغموضها وما تسببت به من تبعات . فهو يتحدث عن حدث درامي حاد القوة ، يوحي بصراع غامض، لكنه مهول في طبيعته ، أدى الى اختفاء جميع المراكي من كل أنحاء القبيلة، فجأة ودون مقدمات وفي يوم مغبر، ودون توضيح من وكيف ولماذا والي اين اختفت تلك المراكي؟

حتى ان شيخ القبيلة فادي نفسه لم يصدق كيف حدث ذلك واشعره بالعار والدهشة. لكن ذلك لم يكن اخر المطاف ، فقد تسبب ذلك الحدث له بإهانة شديدة حينما زاره شيخ قبيلة اخرى، فكان حدث اختفاء المراكي من تلك القبيلة سببا لتندر الشيخ الضيف على شيخ القبيلة فادي ، لانه استبدل المراكي، بالكراسي، فكانت ضحكته مزلزلة ظل لها صدى لمدة زمنية طويلة من خلف الكثبان الرملية .

وواضح ان القاص لم يختر ان يكون اليوم مغبرا، الا لرفع درجة التشويق الى اقصى حد ، وحتى يضفي على الحدث مزيدا من الغموض والإثارة، حيث ان مثل ذلك المشهد الذي أجاد القاص في رسمة يوحي باحتمالات كثيرة لم يصرح بها القاص لكن المتلقي يستشفها من ذلك الجو المغبر. وهذه تحسب للقاص حيث انه يورط المتلقي في النص بقوة ويجعل له دورا خفيا في استنباط مجريات الاحداث، ويؤشر انه يختار كلماته بعناية فائقة كالرسام الذي يتحكم في درجة اللون.

ولا شك ان استخدام مفردات مثل ( مغبر ، اختفت، كل المراكي، من جميع أرجاء، حدث صعب التصديق، الشعور بالعار، الشعور بإهانة شديدة ، موجة ضحك مستمرة، أصداء ضحكاته، تتردد، الكثبان ) كل هذه المعاني اعطت عتبة النص اعلى حد ممكن من الإثارة والتشويق والدرامية ، وبالتالي الشد والجذب عند المتلقي، الذي يجد نفسه وقد تورط في الحدث بقوة، ويريد ان يعرف بنفسه الاجابة على كل تلك الأسئلة حول ما جرى للمراكي وكيف وأين الخ ؟!

ويلاحظ ان القاص قد ضمن هذه الفقرة بعض عناصر التأثير البلاغي. فالحدث يعني الحركة ، والاختفاء يوحي ايضاء بالحركة. والمعروف ان الحركة هي احد العناصر التي تجعل النص حيا وبالغ التأثير.

واستخدام كلمة (يوم ) يعني تضمين النص رقم والأرقام لغة الكون ولها اثر كبير على المتلقي.
كما ان كلمة ( أتاه ) تعني مزيد من الحركة.
أيضاً شعور شيخ القبيلة ( بالعار، والإهانة ) يحرك مشاعر المتلقي تجاه الحدث.
اماا كلمات ( زاره ، وذهابه ) فتوحي بمزيد من الحركة. وهنا يسخر القاص أيضاً احد اهم عناصر التأثير على الدماغ وهو التضاد، خاصة انه يضيف كلمة بقيت والبقاء ضد الذهاب أيضاً.
وفي كلمتي ( الضحك ، والصدى ) تسخير اخر للتضاد.
وكلمات ( عدة ايام ) يعني ذكر مزيد من الأرقام التي هي لغة الكون.
وذكر من ( خلف الكثبان ) مشهد تصويري لمقطع من مكان وقوع الحدث وهو الصحراء، يفتح الباب لخيال المتلقي الواسع.
وفي استخدام كلمة ( الضحك ) استثارة لحاسة الذوق عند المتلقي.

وكل هذه العناصر تجعل لعتبة النص وقع شديد على المتلقي. وحتما نجح القاص في جعل عتبة النص نقطة جذب هائلة للمتلقي لكي يكمل قراءته وهو يأمل ان يتعرف على سر اختفاء المراكي.
يتبع ..

ايوب صابر 12-08-2017 03:04 PM

يمكنك الاطلاع على القراءة المعمقة لقصة " التهويدة " هنا :

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=24196


ايضا للاطلاع على القراءة المعمقة لبعض قصص الاستاذ مبارك الحمود الرابط أدناه :

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=4825

ايوب صابر 12-08-2017 05:47 PM

تابع ... قراءة معمقة لقصة " المركا" :
اقتباس" اتفقت الآراء والروايات-تقريبا- على أن ذلك بدأ من طرد شيخهم, لذلك الدخيل الهارب من ملاحقة القبيلة المجاورة, لقتله قريب شيخها. ورغم ذلك لم يستطيعوا معرفة كيف حدث ذلك, وكان آخر خبر وصلهم حينما دخل الراعي عليهم وهو يلهث, وأقسم لهم بطلاق امرأته ثلاثا -رغم أنه غير متزوج- أنه رأى قطيعا من المراكي تركض في الجهة الشرقية من الشعيب.. "

- في مطلع الفقرة الثانية من النص يعطي القاص انطباعا وكانه يقدم حل للعقدة التي تمكن من عقدها في عتبة النص والمتمثلة في السر في اختفاء المراكي، وذلك من خلال حديثه عن اتفاق الآراء والروايات جميعها تقريبا حول ذلك الذي جرى.

لكنه ما يلبث ان يعود لتعقيد المشهد وتعميق الإثارة والغموض وبالتالي التشويق، وذلك من خلال ربط اختفاء المراكي مع دخيل وصل الى مضارب القبيلة . وهو دخيل فوق العادة، فهو هارب من ملاحقة قبيلته المجاوره، ليس ذلك فقط وانما هروبه نتيجة لقتله قريب شيخ القبيلة الاخرى.

وهنا يوهم القاص المتلقي بان العقدة على وشك ان تحل نظرا لطبيعة هذا الشخص الدخيل، القاتل ،الهارب، حيث يتعزز الأمل لدى المتلقي بان يكون اختفاء المراكي مرتبط بذلك الدخيل ، لكن القاص ما يلبث ان يعود لتعقيد المشهد، لان كل تلك الخصال والصفات في شخصية الدخيل لم تسعفهم ولم تقودهم لمعرفة كيف حدث اختفاء المراكي وما دور الدخيل في ذلك الاختفاء.

وحتى ان الخبر الذي جاء به الراعي وهو يلهث ويقسم بالطلاق رغم انه غير متزوج وفي ذلك مؤشر على حالة الانفعال التي كان عليها ذلك الراعي، والذي ادعى انه رأى قطيعا من المراكي تركض من الجهة الشرقية من الشعيب، نجده قد زاد في تعقيد المشهد، وكثف من غموض ما جرى، وفتح الباب على احتمالات اخرى غير الدخيل القاتل الهارب.

لترتفع بذلك وتيرة التشويق والإثارة التي يبدو ان القاص يركز عليها في هذا النص كوسيلة جذب للمتلقي لمتابعة القراءة، عله يتعرف الى سر اختفاء تلك المراكي.

ونجد ان الراعي لم يقدم اي معلومات حول كيف حدث ذلك وانما اقتصر الخبر الذي حمله على انه شاهد تلك المراكي وهي تركض من الجهة الشرقية من ارض القبيلة.

ومثل هذا المشهد يثير فضول المتلقي حتما، فكيف لمثل تلك المراكي ان تركض لوحدها ثم تختفي.

ولا شك ان القاص هدف من ذلك الى تمتين العقدة، من خلال فتح المجال لتوقعات اخرى حول سر اختفاء المراكي.

يتبع ..

ايوب صابر 12-08-2017 07:06 PM

تابع ... قراءة معمقة لقصة " المركا" :
اقتباس" اتفقت الآراء والروايات-تقريبا- على أن ذلك بدأ من طرد شيخهم, لذلك الدخيل الهارب من ملاحقة القبيلة المجاورة, لقتله قريب شيخها. ورغم ذلك لم يستطيعوا معرفة كيف حدث ذلك, وكان آخر خبر وصلهم حينما دخل الراعي عليهم وهو يلهث, وأقسم لهم بطلاق امرأته ثلاثا -رغم أنه غير متزوج- أنه رأى قطيعا من المراكي تركض في الجهة الشرقية من الشعيب.. "

- اما من حيث عناصر الجمال في هذه الفقرة فنجد انها تعج بالحركة التي تعطي النص الحياة ، فقد حشد القاص فيها مجموعة كبيرة من الكلمات (13) مقارنة مع حجمها( 59) التي توحي بالحركة وهي ( طرد، الدخيل، الهارب، ملاحقة ، لقتله، حدث، وصلهم، دخل ، دخل، يلهث، تركض) .

كما ان القاص يسخر التضاد في هذه الفقرة فهو يتحدث عن الدخيل وطرده من قبل شيخ القبيلة. وايضا بينما يطرد الدخيل يدخل عليهم الراعي وهذا أيضاً تسخير للتضاد.

وفي الفقرة ذكر للأرقام ( ثلاثا) ، والحواس ( رأى ) وهي عناصر ذات تأثير بالغ على المتلقي.

وربما ان ابلغ عنصر تأثير هنا هو انسنة المراكي التي رآها الراعي تركض في الجهة الشرقية من ارض القبيلة. وهذا الركض غير المتوقع لجمادات يرفع من حدة الدراما في الحدث. ويدفع المتلقي لمتابعة القراءة عله يكتشف سر تلك المراكي. وقد اعتبر الاستاذ ياسر على ان انسنة المراكي امر بالغ الأهمية لان الكاتب بذلك جعل الجماد متحرك وسنجد لاحقا انه جعل الانسان وهو في هذه الحالة شيخ القبيلة جامد لان المركا قامت على جره لمصنع التدوير.


.
*

ايوب صابر 12-10-2017 02:14 AM

قراءة معمقة في قصة " المركا " :

"وغير ذلك لم يحدث أي تغير في تلك الفترة غير التوتر الذي يزيد مع الأيام, وكان لذلك بعض الضحايا مثل القهوجي الجديد, الذي لم تمر سنة على تواجده في بيت شعر الشيخ, حتى تم طرده وإحضار آخر لإزالة الشك الذي حام حوله.. ولكن بالرغم من ذلك استمرت المراكي بالاختفاء.. مما اضطر الشيخ لجعل بعض أعوانه مراكٍ له ولمقربيه ولضيوفه."

-بعد ان رفع القاص من حدة التشويق في الفقرة الثانية من خلال ادخال شخصية شخص مجرم وهارب من قبيلته مما يدفع المتلقي الى الاعتقاد ان اختفاء المراكي قد يكون مرتبط بهذا الشخص المجرم ، نجده يتوقف عن اتهام ذلك الدخيل باختفاء المراكي، ولكنه لا يتوقف عن تقديم جرعة اخرى من الإثارة والتشويق وهذه المرة من خلال ادخال شخصية الراعي الذي يقسم بالطلاق رغم انه غير متزوج انه رأى المراكي وهي تركض في الجهة الشرقية من ارض القبيلة. ولا بد ان تصرف الراعي ينم عن حالة انفعال حادة كنتيجة لمشاهدة المراكي وهي تركض.

نجده ايضا في هذه الفقرة الثالثة يكرر ما فعله في الفقرات الاولى والثانية وهو تقديم جرعة اخرى هائلة من الإثارة والتشويق. ورغم انه يقول بان شيئا لم يحدث ، بمعنى انه لم يتم التوصل الى حل العقدة ومعرفة سر اختفاء المراكي لكن التوتر كان يزيد مع الايام، ولا بد ان ذلك التوتر مرتبط باختفاء المراكي، ومع زيادة التوتر صار القهوجي هذه المرة ضحية بعد ان ظن او شك شيخ القبيلة ان اختفاء المراكي قد يكون بسببه.

ولكن وعلى الرغم من طرد القهوجي الذي لم يمر على عمله سوى عام واحد وإحضار اخر بدلا عنه الا ان مسالة اختفاء المراكي استمرت. ومع استمرار اختفاء المراكي وحتى لا تتكرر مشكلة تندر شيوخ القبائل المجاورة عليه باستخدام الكراسي اضطر الشيخ فادي لجعل بعض أعوانه مراك له ولمقربيه ولضيوفه. ولا بد ان هذا التصرف يعكس حالة الإضراب الى اصابت شيخ القبيلة بعد ان تعقدت الامور أمامه وعجز عن التوصل الى فهم سر تلك المراكي. فصار يشك في اقرب الناس له ويتصرف بجنون.

وكأن القاص يتلاعب بمشاعر المتلقي. فنجده يقول ما يوحي بحل العقدة لكنه ما يلبث ان يغلق باب التفاؤل بحل العقدة ويقدم صفحة اخرى من صفحات الإثارة المرتبطة باختفاء المراكي. وتستمر العقدة بل تتشابك حبالها وتتعمق كما تستمر الإثارة والتشويق وتستمر متابعة المتلقي لمعرفة كيف ستتطور الامور والى ماذا ستقود وكيف ستحل عقدة هذه الحبكة بمعرفة السر وراء اختفاء المراكي...
*

ايوب صابر 12-10-2017 06:48 PM

تابع .. قراءة معمقة في قصة " المركا " :

- وفي الفقرة الثالثة أيضاً مجموعة من عناصر التأثير البلاغي .

فالقاص يسخر بداية التضاد في حديثه عن (عدم حدوث تغير ) اتبعه بالحديث عن حدوث ( زيادة في حدة التوتر مع الايام ).

اما عنصر التأثير الثاني فهو ذكر الأرقام لغة الكون ( الايام، سنه). ومرة اخرى يسخر الكاتب التضاد بحديثه عن ( طرد القهوجي، إحضار غيره) .

وفي الفقرة أيضاً كلمات توحي بالحركة التي تمنح النص الحياة وهي ( يحدث، تغير، التوتر، طرده، إحضار، استمرت ، الاختفاء ) .

أيضاً يعود القاص في هذه الفقرة لانسنة المراكي التي تستمر في الاختفاء، حسب قوله، وهي جماد بينما يحول الشيخ بعض أعوانه وهم من البشر الاحياء الى جماد حينما يحولهم الى مراكي، وفي هذا لعب على التضاد أيضاً اضافة الى انه امر ملفت للانتباه كونه غير مألوف. كما نوه بذلك الاستاذ ياسر علي في قراءته للنص.

واتصور ان اهم ما يميز هذه الفقرة هو التصوير الدرامي المشوق لتطور الحدث وهو تصوير يعج بالحركة مما جعل النص ينبض بالحياة فيقع اثره على المتلقي ويستمر في القراءة باحثا عن جواب لتلك التساؤلات المتعلقة باختفاء المراكي.

يتبع...

مبارك الحمود 12-10-2017 07:36 PM

رائع رائع رائع أستاذ أيوب. ناقد مثلك يجب أن يصل اسمه للآفاق
ولا أنس القراءة الذكية للأستاذ ياسر.
أنا مستمتع هنا كثيرا.

ايوب صابر 12-12-2017 11:41 AM

اشكرك جدا استاذ مبارك الحمود

ان كنت ترى ذلك فعلا فربما يجدر بنا ان نتعاون في تنفيذ فكرة نشر كل هذه القراءات في مجموعة واحدة، وهذا يتطلب موافتكم ويتطلب ايضا ان نتعرف عليكم اكثر ونتعرف على سيرتكم الذاتية وخاصة ظروف الطفولة والدافع المحتمل وراء قدراتكم الابداعية لتشكل هذه السيرة الفصل الاول من الكتاب المقترح.

وقد نجري معكم لقاءا مفتوحا في المنبر المخصص لذلك (اذا وجدتم ذلك مناسبا) وبحيث نطرح عليكم بضعة اسئلة تخص العملية الابداعية والظروف التي صنعت منكم قاصا مبدعا مبهرا.

ايوب صابر 12-12-2017 11:42 AM

تابع ..قراءة معمقة في قصة " المركا " للقاص مبارك الحمود :

"مرت الشهور والأوضاع كما هي, المراكي العديدة التي يشتريها الشيخ تختفي في لحظة, بدون سبب وبدون سابق إنذار, تختفي في أوقات تختار بعناية.."

يعود القاص في هذه الفقرة الرابعة والتي هي قصيرة نسبيا من حيث الطول، الى اللعب على التضاد من جديد، فمن ناحية هو يتحدث عن ثبات في الموقف (مرت الشهور والأوضاع كما هي)، أي انه لم يتطور الحدث ولم يحدث أي جديد بخصوص كيف تختفي المراكي ومن يقف وراء اختفاءها؟! وان الأوضاع ظلت على ذلك الحال منذ شهور.

لكنه من ناحية أخرى يعود الى اثارة قضية اختفاء المراكي، بل ويوضح هنا ان اختفاء المراكي لا يقتصر على تلك التي كانت موجودة في بيت الشيخ، وانما كل تلك المراكي التي ظل يشتريها الشيخ أيضا عبر تلك الشهور، كما وان هذا الاختفاء لا يحدث بصورة عشوائية، وهذا مهم، وانما يجري في لحظة معينة، وفي أوقات تختار بعناية، دون سبب او دون سابق انذار.

وهذا الحديث عن ان الوقت يختار بعناية يفتح المجال للتأويل والتوقع والاستنباط، وهو يزيد الموقف تعقيدا وغموضا واثارة، ويفتح الأبواب لتوقعات جديدة، وكأننا بصدد قوة ذكية وراء اختفاء المراكي، فالأمر لا يحدث بصورة عشوائية.

وقد تبدو هذه الفقرة غير ذات أهمية لقصرها لكنها في الواقع تفتح الأبواب على مصارعها للتاويل، ففي الفقرات السابقة كان هناك تلميح وتصريح بأن الدخيل ربما يكون هو من يقف وراء اختفاء المراكي، وفي مكان اخر القهوجي ...لكن هنا يزداد الموقف غموضا ذلك ان القاص لا يؤشر بالشبهة الى أحد بعينه، وانما ترك الباب مفتوحا امام المتلقي ليخمن...لكنه في نفس الوقت يقدم إضافة مهمة وهي ان المراكي تختفي في أوقات تختار بعناية، وهذا التلميح ما يوحي بأن قوة ذكية وراء اختفاءها، وليس أي قوة عادية.

ومن خلال هذا التلميح يمكن استنباط فكرة القصة او ما أراد القاص ان يقوله لنا...فاذا كانت المراكي تركض لوحدها كما شاهدها الراعي في المنطقة الشرقية من ارض القبيلة، وهي تختفي من دون سبب ظاهر على الأقل، لكنها تختفي في أوقات تختار بعناية فهل يريد القاص ان يقول لنا بأن تلك المراكي انما هي صاحبة ذكاء صناعي؟! وهل فكرة القصة تدور حول الصراع القادم بين الانسان وبين الريبوتات ذات الذكاء الصناعي الذي اصبح العلماء يحذرون منه؟

على كل حال واضح ان القاص تمكن من إبقاء العقدة مستمرة لا بل لقد عمل على تعقيدها اكثر فاكثر فهو لم يقدم شخصية جديدة هنا يمكن ان نلصق بها تهمة اختفاء المراكي وأضاف انها تختفي لوحدها وفي أوقات تختار بعناية مما يعتبر جرعة تشويق إضافية أخرى هائلة.

ولا بد ان المتلقي سيتابع القراءة ليعرف المزيد خاصة بعد ان فتح القاص أبواب توقع جديدة واحتمالات اكثر غموضا ولو بكلمات قليلة جدا.

ايوب صابر 12-15-2017 12:08 PM

تابع قراءة معمقة في قصة " المركا" :
"أخيرا ظهر بصيص أمل حينما سرت إشاعة أن هناك خربوش يوجد فيه مركا قديم لم يختف.. ذهب الشيخ مع حاشيته.. ووجدوا الخربوش المتهالك يجلس فيه طاعن بالسن.. ركض الشيخ إلى المركا وضمه, وتلوى عليه وتبطح وشمشمه.. أخبرهم المسن أن هذا المركا يعود إلى جده أبوطخة, وأنه لن يتنازل عنه, لكن الشيخ أصر على أخذه, وقال حينما يعود أبو طخة من قبره, أخبره عن أن المركا هرب.. رجع الشيخ لبيته حاملا مركاه بين جوانحه كطفل من أطفاله, وعيون العشيرة تنظر إليه بشغف, وهو يحاول أن يمنعهم من الاقتراب منه.. ربط المركا بقدمه جيدا بسلسلة حديدية, ونام.."


- بعد ان فتح القاص الأبواب على مصارعها حول الاحتمالات لمن يقف وراء اختفاء المراكي ورفع من درجة الاثارة والغموض، نجده يبدأ هذه الفقرة الخامسة بالحديث عن بصيص امل؟! ولا بد ان المتلقي يظن لوهلة ان ذلك الأمل مرتبط بمعرفة من الذي يقف وراء اختفاء المراكي او كيف حصل ذلك ، وهو ما يعني حل عقدة النص، لكنه ما يلبث ان يكتشف، اي المتلقي ، ان بصيص الأمل ليس له علاقة بكشف سر اختفاء المراكي وانما يرتبط بظهور إشاعة ان هناك واحد من المراكي ما يزال موجودا ولم يختف. وهنا يقحم القاص المتلقي من جديد في متابعة قصة ذلك المركا الوحيد الذي لم يختف... ليتابع الحدث باهتمام ، بل ان وصف تعلق الشيخ بالمركا الوحيد الذي سمع عن وجوده والطريقة التي تصرف بها تجاه ذلك المركا يزيد من تعقيد الحبكة ويثير فضول المتلقي الذي يحاول جاهدا معرفة سر تعلق شيخ القبيلة بالمركا.

ونجد ان هذه الفقرة تمثل حد اعلى من الدراما والحركة والإثارة والتشويق التي لا تتأتى من طبيعة الحدث هنا فحسب، ولكن من اللغة التي استخدمها القاص بذكاء وقصد واختياره للكلمات التي ترفع من مستوى الإثارة الى حدها الاعلى، ومن ذلك استخدامه كلمات مثل ( خربوش، ، متهالك ، طاعن في السن ، ركض الشيخ الى المركا وضمه ، و تلوى عليه ، وتبطح ، وشمشمه ، المسن، ابو طخه، حينما يعود ابو طخة من قبره ، هرب، بشغف، ربط المركا جيدا بقدمه بسلسله حديدية ) ففي كل كلمة بركان إثارة، ومعنى عميق هادف لجعل التشويق في اعلى حالاته.

وتوضح هذه الفقرة ايضا ان القاص يختار كلماته بعناية فائقة كيف لا وقد اختار اسم ( ابو طخه ) مثلا لصاحب المركا الميت من بين ملايين الاسماء المحتملة ؟! وذلك لما تحمله كلمة ابو طخه من معنى يوحي بالعنف والجريمة والغموض والإثارة . كما اختار جعل المبنى الذي وجد فيه المركا ( متهالك وخربوش ) وذلك لجعل المشهد يعج بالإثارة والتشويق والدراما التي يكون لها تأثير سحري على المتلقي.

ثم نجد ان القاص ابدع في وصف المشهد والطريقة التي تصرف فيها شيخ القبيلة حينما شاهد المركا الذي لم يختف ( ركض الشيخ الى المركا-وكانه يركض للقاء حبيب له- وضمه، وتلوى عليه، وتبطح، وشمشمه ) فاي دراما يحتويها هذا المشهد ؟؟!! انه وصف عجيب حقا...

ولمزيد من الاثار والتشويق جعل القاص صاحب المركا مسنا، وان المركا يعود الى جده ابو طخه، وانه لن يتنازل عنه، لكن في المقابل أصر الشيخ على أخذه قائلا حينما يعود ابو طخه من قبره، اخبره ان المركا هرب...فاين نجد مشهد فيه من الإثارة والتشويق والدراما التصويرية في مثل هذا المشهد؟! مسن وابو طخه وقبر وهروب !!!

ولم يكتف القاص بذلك الحد من الوصف التشويقي وانما استكمل المشهد بالحديث عن قيام الشيخ بحمل المركا بين جوانحه كطفل من اطفاله ، وعيون العشيرة تنظر اليه بشغف، وهو يحاول منعهم من الاقتراب منه ، ثم يربط الشيخ المركا بقدمه بسلسلة حديدية... فاي وصف هذا الذي جاء به القاص في وصف هذا المشهد ؟؟!! فاي حميمية هذه التي يصفها القاص هنا ؟! وهل هناك اشد من حميمية العلاقة بين الاب وطفله ؟!

ان الدراما في هذه الفقرة هي اشبه ما تكون بالدراما في احد حلقات مسلسل تويلات زون ، لهتشكوك، اما فكرة القصة ككل والتي تتمحور حول اختفاء المركا وعدم معرفة من يقف وراء ذلك وتعدد الاحتمالات فهي اقرب الى فصل من فصول روايات الجريمة الغامضة لاغاثا كريستي ، ولا شك انها شديدة الأثر في ذهن ونفس المتلقي.

يتبع

ايوب صابر 12-16-2017 02:27 PM

تابع ..قراءة معمقة في قصة " المركاه " للقاص مبارك الحمود :

"أخيرا ظهر بصيص أمل حينما سرت إشاعة أن هناك خربوش يوجد فيه مركا قديم لم يختف.. ذهب الشيخ مع حاشيته.. ووجدوا الخربوش المتهالك يجلس فيه طاعن بالسن.. ركض الشيخ إلى المركا وضمه, وتلوى عليه وتبطح وشمشمه.. أخبرهم المسن أن هذا المركا يعود إلى جده أبوطخة, وأنه لن يتنازل عنه, لكن الشيخ أصر على أخذه, وقال حينما يعود أبو طخة من قبره, أخبره عن أن المركا هرب.. رجع الشيخ لبيته حاملا مركاه بين جوانحه كطفل من أطفاله, وعيون العشيرة تنظر إليه بشغف, وهو يحاول أن يمنعهم من الاقتراب منه.. ربط المركا بقدمه جيدا بسلسلة حديدية, ونام.."

-اما من ناحية المحسنات البدعية وأدوات التأثير في هذه الفقرة، فنجد ان القاص أكثر في هذه الفقرة من استخدام حروف الهمس (السين ومشتقاته) وهو ما يترك اثرا عظيما على اذن المتلقي وكأنه يصرخ بالكلمات اذ همس بها.

وادراكا من القاص بأهمية التضاد في التأثير على عقل المتلقي نجده يسخر التضاد في مطلع هذه الفقرة، فهو يتحدث عن (ظهور بصيص امل) من ناحية، ومن ناحية أخرى يتحدث عن (خربوش يوجد فيه مركا قديم لم يختف ).

كما يتحدث عن ذهاب الشيخ الى الخربوش وفي نفس الفقرة يتحدث عن عودة ابو طخه من القبر، ففي استخدام كلمتي (ذهب ويعود ) تسخير للتضاد.

كما اننا نجد تسخير للتضاد في كلمتي ( يجلس فيه طاعن في السن و ركض الشيخ). وفي كلمات ( ذهب الشيخ مع حاشيته و رجع الشيخ الى بيته) تسخير اخر للتضاد.

والفقرة تعج بالحركة طبعا، وقد سخر القاص هنا مجموعة من الكلمات التي توحي بالحركة والنشاط الباعثة للحياة في النص ومنها ( ظهر، سرت، ذهب، ركض، تلوى، تبطح، شمشمه، يعود، هرب، رجع، الاقتراب، ربط، قدمه ).

ونجد في الفقرة تسخير للحواس وهو ما يوقظ حواس المتلقي فيقع التأثير ومن ذلك استخدام كلمات مرتبطة بحاستي الشم والبصر ( وشمشمه وعيون العشيرة ، تنظر اليه).

ولكن ربما ان ما يميز هذه الفقرة هو الوصف الحميمي للمشهد الذي سخر له القاص كلمات جعلته بالغ التأثير، وقد بلغ ذلك التأثير أوجه كنتيجة لتسخير حروف الهمس هنا أيضا.

فالحديث عن خروبش يوجد فيه مركا قديم مثير للاهتمام وكذلك ذهاب الشيخ مع حاشيته الى ذلك الخربوش، ولكن الاثارة لا تقف عند هذا الحد لان القاص جعل الخربوش متهالك ويجلس فيه طاعن في السن. كما جعل القاص الشيخ يركض نحو المركاه مجرد ان شاهده ليضمه ويتلوى عليه ويتبطح ويشمشمه. أيضا لا تقف الاثارة عند هذا الحد انما يجعل القاص المركاه ورثة جد المسن أبو طخه الميت، فيصر الشيخ على اخذه قائلا له عندما رفض التنازل عنه انه سيعيده عندما يعود أبو طخه من قبره. ولا تنتهي الاثار عند هذا الحد انما نجد وصف الطريق التي تعامل فيها الشيخ مع المركاه تشتمل على حد اقصى من الاثارة والحميمية حينما قارن حمل الشيخ للمركاه بين جوانحه، وكأنه طفل من اطفاله، ليس ذلك فقط بل نجده يقول بان عيون العشيرة قد تعلقت بالمركاه القديم الوحيد المتبقي، وجعلهم القاص ينظرون اليه بشغف، بينما يحاول الشيح منعهم الاقتراب من المركاه، وينهي القاص المشهد بان جعل الشيخ يربط المركاه بقدمه بسلسلة حديدية، وينام على تلك الحالة.

وهذا حتما وصف تصويري متفوق وبالغ التأثير. ويجد المتلقي ان هذا المشهد لم يساهم في حل العقدة بل جعلها أكثر تعقيدا كنتيجة لإصرار الشيخ على مصادرة المركاه من ذلك المسن ثم شغف العشيرة بالنظر اليه ثم الطريقة التي حاول الشيخ فيها الاحتفاظ بالمركاه.

وتنتهي هذه الفقرة وقد ارتفعت حدة التشويق الى مستويات عليا ليندفع المتلقي لمتابعة القراءة عل التالي يلقي بصيص امل إضافي على الذي جرى.
يتبع ...

ايوب صابر 12-23-2017 05:50 PM

يظل لطفا الباب مفتوح لتقديم قراءات مغايرة فالنص غني وغامض ويحتمل اكثر من تفسير.

فاهلا وسهلا بهواة النقد الادبي ومتذوقي الأدب وقراء النصوص الجميلة .

ناريمان الشريف 12-28-2017 07:24 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مبارك الحمود (المشاركة 227526)
[justify]لقد حدث ذلك, في يوم مغبر اختفت كلها, كل المراكي من جميع أرجاء القبيلة, لم يستطع الشيخ فادي تصديق ذلك, وشعر بسبب ذلك بالعار حينما أتاه ضيوف من قبيلة أخرى.. قرر مؤقتا إحضار كراسٍ بدلا من ذلك, ولكنه شعر بإهانة شديدة حينما زاره شيخ قبيلة أخرى, فلقد أصيب الضيف بموجة ضحك مستمرة حتى ذهابه, وبقيت أصداء ضحكاته تتردد لعدة أيام من خلف الكثبان.
اتفقت الآراء والروايات-تقريبا- على أن ذلك بدأ من طرد شيخهم, لذلك الدخيل الهارب من ملاحقة القبيلة المجاورة, لقتله قريب شيخها. ورغم ذلك لم يستطيعوا معرفة كيف حدث ذلك, وكان آخر خبر وصلهم حينما دخل الراعي عليهم وهو يلهث, وأقسم لهم بطلاق امرأته ثلاثا -رغم أنه غير متزوج- أنه رأى قطيعا من المراكي تركض في الجهة الشرقية من الشعيب..
وغير ذلك لم يحدث أي تغير في تلك الفترة غير التوتر الذي يزيد مع الأيام, وكان لذلك بعض الضحايا مثل القهوجي الجديد, الذي لم تمر سنة على تواجده في بيت شعر الشيخ, حتى تم طرده وإحضار آخر لإزالة الشك الذي حام حوله.. ولكن بالرغم من ذلك استمرت المراكي بالاختفاء.. مما اضطر الشيخ لجعل بعض أعوانه مراكٍ له ولمقربيه ولضيوفه.
مرت الشهور والأوضاع كما هي, المراكي العديدة التي يشتريها الشيخ تختفي في لحظة, بدون سبب وبدون سابق إنذار, تختفي في أوقات تختار بعناية..
أخيرا ظهر بصيص أمل حينما سرت إشاعة أن هناك خربوش يوجد فيه مركا قديم لم يختف.. ذهب الشيخ مع حاشيته.. ووجدوا الخربوش المتهالك يجلس فيه طاعن بالسن.. ركض الشيخ إلى المركا وضمه, وتلوى عليه وتبطح وشمشمه.. أخبرهم المسن أن هذا المركا يعود إلى جده أبوطخة, وأنه لن يتنازل عنه, لكن الشيخ أصر على أخذه, وقال حينما يعود أبو طخة من قبره, أخبره عن أن المركا هرب.. رجع الشيخ لبيته حاملا مركاه بين جوانحه كطفل من أطفاله, وعيون العشيرة تنظر إليه بشغف, وهو يحاول أن يمنعهم من الاقتراب منه.. ربط المركا بقدمه جيدا بسلسلة حديدية, ونام..
في منتصف الليل شعر الشيخ بحركة بجانبه, أقرب للرجفة, رفع رأسه, ولم يشعر سوى بشيء يسحبه بقوة, وينطلق به إلى المساحة الشاسعة من الصحراء, كان المركا ينطلق بسرعة كبيرة, والشيخ ببشته يتخبط خلفه مستسلما, يمر به على الصخور والأشواك, ويكنس به الرمال..
سحبه مسافة طويلة, وقدم الشيخ تنزف دما من طوق الحديد الذي حولها, غير الكدمات والرضوخ بكل جسده من الجر الشديد على الأرض, حتى لاح مع الأفق أنوار لضفة مدينة.. أوصله لمكان تنثال إليه المراكي من أماكن عدة, ينظر لها وهي تدخل إلى مصنع تدوير.. أصابه الرعب وهو يراها تلقي بنفسها إلى حاوية, وتتطاير أشلاؤها ونتفها الأسفنجية, حاول الانفكاك من السلسلة لكن بلاجدوى. ارتفعت يداه فجأة وبقوة إلى فوق ونزع بشته نفسه منه, نظر الشيخ منصدما إليه والبشت يطير بعيدا في الأفق كطائر أسطوري, قبل أن يدخل النشارة لتتفرقع أشلاؤه عاليا, ويعم بعدها صمت الصحراء المهيب.[/justify]

السلام عليكم جميعاً
وتحية خاصة للأخ مبارك
أشكرك أخي أيوب في البداية على دعوتك والتي تتيح الفرصة لي لمطالعة هذه القصة
ثم إني آثرت أن أقتبس النص بالكامل ليتسنى لي أن أطلع عليه وأعيد قراءته كلما دعتني الحاجة لذلك
فنص القصة يحتاج إلى أكثر من قراءة ...
علماً بأنني لا أحب هذا النوع من النصوص الغامضة والتي يفسرها القارئ بطريقة ربما لم يقصدها الكاتب أصلاً .. وعلى أية حال
يتضح أن القصة تقسم إلى ثلاثة أقسام :
= جزء واقعي مئة بالمئة يريد القاص من خلال هذا الجزء توضيح اهتمام العرب - حيث استخدم مصطلح القبيلة وشيخها وهذا غير مستخدم في غير العرب - بالموروث والقديم والتمسك به إلى أبعد الحدود لدرجة كبيرة.
= جزء ثان غير واقعي وهو التفاني اللامحدود بتلك الموروثات واستمرارية البحث عن المراكي وكان آخرها التمسك المجنون والذي جعل الشيخ يربط نفسه بالمركا ..
= الجزء الخيالي وهذا الجزء حقيقة جعلني أضحك وأنا أتخيل المشهد والشيخ يتقلب على الرمال والشوك وهو مربوط به

هنا أستطيع أن أقول أن القاص ربما أراد من خلال ذلك عدة أشياء :
لما عدت إلى المركا ( بطل القصة بامتياز ) في الصورة خيل إلي أنه رجل له عيون يربض بالأرض
ثقيل الظل من الصعب تحريكه ... والمراكي التي سرقت تلك الشعوب التي تغيب وتغيب عن وعيها ..
أما المركا الأخير فيرمز إلى عرش شيخ القبيلة الذي يتمسك به حد الموت الهازم
كما أنه يمثل كل موروث قديم يرفض شيوخ القبائل أي تجديد أو تغيير فيها

أخيراً أرى أن النص حافل بالرمزية ... وكل مصطلح فيها له دلالة على شيء ....
احترامي

تحية ... ناريمان الشريف

ايوب صابر 01-02-2018 10:43 AM

تباع قراءة معمقة في قصة " المركا" لمبارك الحمود :


اقتباس "في منتصف الليل شعر الشيخ بحركة بجانبه, أقرب للرجفة, رفع رأسه, ولم يشعر سوى بشيء يسحبه بقوة, وينطلق به إلى المساحة الشاسعة من الصحراء, كان المركا ينطلق بسرعة كبيرة, والشيخ ببشته يتخبط خلفه مستسلما, يمر به على الصخور والأشواك, ويكنس به الرمال..".

وفي هذه الفقرة السابعة يكرس القاص الحركة بشكل ملف. فبينما انهى الفقرة السابقة بحديثه عن نوم الشيخ، نجده يبدأ الفقرة هذه بالحديث عن شعوره بحركة بجانبه، وفي هذا ايضا استثمار للتضاد.

لكنه يركز على الحركة الباعثة على الحياة في النص، فبدلا من الحديث عن مجرد حركة عادية جعلها اقرب الى الرجفة، ثم يرفع الشيخ رأسه، ولم يشعر الا وبشيء يسحبه، اي مزيد من الحركة العنيفة هذه المرة، وكأنها سمفونية من الحركات، اولا حركة عادية ثم رجفة ثم يسحبه بقوة وينطلق اي كلمة تعني مزيد من الحركة، والمساحة الشاسعة في الصحراء تضخم حركة المركا التي تنطلق بسرعة كبيرة وهي تجر الشيخ ، وهو يتخبط وبشته يتخبط خلفه، والشيخ مستسلم لما حل به، وكلمات تجر ، ويمر ويكنس تكرس الحركة في الفقرة ايضا.

فهي اذا فقرة مفعمة بالحركة من اولها لاخرها، وهذا ما يجعلها مفعمة بالحياة.

وهنا يقدم لنا القاص حل جزئي للعقدة. فهو يخبرنا بأن تلك المراكي انما كانت تختفي بنفسها، ولم يكن احد وراء اختفاءها، فلا جريمة اذا وراء اختفاء المراكي، وقد جاء هذا التوضيح بعد ان المح لنا في فقرة سابقة ان المراكي تختفي في اوقات تختار بعناية مما جعلنا نعتقد ان كائنا ذكيا يقف وراء اختفاءها، وهنا يتأكد لنا بأنها المراكي نفسها، لكنه هنا يدخلنا في عقدة جديدة حيث يبدأ المتلقي يحاول فهم كيف يمكن لمثل ذلك الحدث ان يحصل؟ وما السبب الذي جعل المراكي تختفي؟ ولماذا تختفي من بيت الشيخ؟ لكنها لم تختف من بت ذلك المسن؟ ولم تختف هذه المركا لوحدها بل جرت الشيخ معها الى الصحراء الواسعة؟ فهل السبب الشيخ في اختفاء المراكي؟

ولا شك ان هذا وصف تصويري جميل للغاية وهو درامي الى حد بعيد خاصة ان القاص هنا يكرس جعل الجامد متحرك والمتحرك جامد او مجرور لا حول له ولا قوة ف حالة الشيخ.

ونجد ان السرد يظل في هذه الفقرة مشوق في اعلى درجات التشويق. فالقاص يفاجئ المتلقي بان جعل المركا هي التي تجر الشيخ وتنطلق به الى الصحراء الواسعة. ويجعل الشيخ يتخبط فوق الاشواك والصخور في مشهد درامي عنيف ودامي ومؤلم وغير متوقع.

كما انه هنا يضيف وبكلمة واحدة عقدة جديدة، وهي كلمة ( البشت ) ولا بد انها اضافه عن قصد ، لاننا نكتشف ذلك في الفقرة اللاحقة حيث يجعل القاص البشت يخلع نفسه من الشيخ قبل ان يلقى الشيخ مصيره المرعب؟؟!!.

يتبع،،

ايوب صابر 01-02-2018 11:08 AM

تابع قراءة معمقة لقصة المركا للقاص مبارك الحمود :

اقتباس " سحبه مسافة طويلة, وقدم الشيخ تنزف دما من طوق الحديد الذي حولها, غير الكدمات والرضوخ بكل جسده من الجر الشديد على الأرض, حتى لاح مع الأفق أنوار لضفة مدينة.. أوصله لمكان تنثال إليه المراكي من أماكن عدة, ينظر لها وهي تدخل إلى مصنع تدوير.. أصابه الرعب وهو يراها تلقي بنفسها إلى حاوية, وتتطاير أشلاؤها ونتفها الأسفنجية, حاول الانفكاك من السلسلة لكن بلاجدوى. ارتفعت يداه فجأة وبقوة إلى فوق ونزع بشته نفسه منه, نظر الشيخ منصدما إليه والبشت يطير بعيدا في الأفق كطائر أسطوري, قبل أن يدخل النشارة لتتفرقع أشلاؤه عاليا, ويعم بعدها صمت الصحراء المهيب".

-بدأ القاص هذه الفقرة الأخيرة بالحركة أيضا التي تعطي النص الحياة، وذلك بحديثه عن سحب المركا للشيخ مسافة طويلة، والحديث عن الدم يعني الإيحاء باللون الأحمر وهذه من المحسنات المهمة حيث يظهر النص وكأنه لوحة ملونة. لكن طبعة الحدث الدرامية ( شيخ تجره المركا مسافة طويلة وقدمه تنزف بسبب طوق الحديد وليس ذلك فقط بل تظهر عله كدمات ورضوض في كل جسده، كونه يجر بشدة على الارض) هو العنصر الاكثر تأثيرا هنا.

-يعود القاص لتحدث عن انوار لضفة مدينة وهذا يعني تسخير الألوان وفي نفس الوقت تسخير التضاد حيث ان ذلك الحدث جرى في الليل فكل ما أصاب الشيخ من تحطيم كان يجري في الظلمة.

-وفي حديث القاص عن إيصال المركا للشيخ الى مكان تلتقي فيه المراكي استثمار للتضاد حيث ان الوصول عكس الحركة والسحب. لكن استخدام كلمة تنثال توح بمزيد من الحركة فه تأتي مسرعة الى حتفها وليس ببطء.

-وفي حديثه عن (النظر) الى المراكي وهي تدخل المصنع ...هو ايقاظ لحاسة البصر لدى المتلقي حيث. وفي الحديث عن مصنع تدوير يعني مزيد من الحركة.

-وفي حديثه عن رعب الشيخ مما ينتظره في ظل ذلك الموقف استثارة لمخاوف المتلقي فيتفاعل مع النص في ظل ذلك الجو المرعب.

-وفي حديث القاص عن القاء المراكي لنفسها الى حاوية مزيد من الحركة. وكذلك في حديثه عن تطاير أشلاء ونتف المراكي الى أشلاء. وفي ذكره لكملة ( يراها ) استثارة لحاسة البصر وهو ما يجعل هذا المشهد الأشد درامية من بين مشاهد القصة كلها.
- وفي حديث القاص عن محاول الشيخ الفكاك من السلسلة تسخير للتضاد فهو مقيد ويحاول الفكاك، ونلاحظ ان القاص يحشد عن قصد كلمات عديدة ف هذه الفقرة تحتوي على احرف الهمس ( سحبه، مسافة، الشيخ، تنزف، جسده، الشديد، اوصله، بنفسها، اشلاؤها ، الاسفنجية، مصنع، السلسلة ).

- وفي ارتفاع يدي الشيخ فجأة وبقوة مزيد من الحركةـ وكذلك في نزع البشت لنفسه من الشيخ حركة.

-وفي نظرة الشيخ الى البشت وهو ينزع نفسه ايقاظ لحاسة البصر لدى المتلقي.

-وفي جعل البشت يطير كطائر اسطوري تسخير لمزيد من الحركة. وفي الحديث عن طائر اسطوري تسخير للاسطورة هذه المرة ولا شك ان غاية القاص هنا إكساب النص هالة اسطورية، مما يكثف من سحرية السرد وأثره وبلاغته.

-وفي حديث القاص عن يدا الشيخ وهي ترتفع تسخر لحاسة اللمس عند المتلقي.

-وفي دخول الشيخ الى المصنع لتتفرقع اشلاؤه مزيد من الحركة والاثارة والدرامية. وبعد حديث القاص عن الفرقة يعم الصمت واي صمت انه صمت الصحراء المهيب وبذلك هو يسخر التضاد في اعلى حالاته. وهو ما يترك ابلغ الأثر ف المتلقي.
يتبع..

ايوب صابر 01-03-2018 06:21 PM

تابع

لا ننسى ان القاص قد انسن في هذه الفقرة البشت وجعله حيا قادرا على القيام باتخاذ القرار او بالفعل حينما خلع نفسه من الشيخ ليهرب من ذلك الموقف الرهيب الذي وضعته فيه المركا.

وهو بذلك يكرر ما فعله في عتبة النص حينما جعل الجامد متحرك بان جعل المركا هي صاحبة القرار في موضوع اختفاءها. وهنا بينما كان الشيخ عاجزا عن تحريك نفسه وظل عاجزا عن الانفكاك نجده يجعل البشت ينزع نفسه وفي نفس الوقت يؤكد على ان المركا هي التي دفعت بنفسها في مصنع التدوير ، ليفك العقدة لكن الغموض يظل سيد الموقف.

ويظل هذا المشهد الاكثر غموضا حتما في النص ولا نعرف تحديدا مغزاه ؟! وهناك احتمال ان يكون القاص قد ساقه كجزء من البناء الفني السحري الاسطوري للنص ، وبذلك يكون الغرض منه الإثارة والادهاش، وهناك احتمال ان يكون المشهد وصف لحالة الرعب التي تصيب الكائن الحي في مواجهة مصيره ولحظة الموت. ذلك بانه صور حتى الاشياء غير الحية تحاول الفكاك من ذلك الموقف الرهيب. وهذا يعني بان القاص ضمن نصه بعدا فلسفيا يتمثل في ردة فعل الاحياة تجاه الموت .

لكن الباب يظل مفتوحا لاحتمالات اخرى . والمهم ان النص ينتهي لكن اثره يظل لا ينتهي.

مع خالص تحياتي لكاتب أتقن فن السرد وجعله سحريا مشوقا مدهشا يحتمل التاويل ويمكن قراءة نصوصه على اكثر من وجه ومع ذلك تظل الاحتمالات مفتوحة لقراءات اخرى عديدة . وما هذه الا احدى المحاولات التي لا ادري ان كانت قد اصابت ام ظلت بعيدة عن مغزى النص ومعانيه.

*

مبارك الحمود 04-27-2018 04:19 PM

رائع كعادتك أستاذ أيوب في سبر أغوار النصوص.
أشكرك, وأشكر الجميع على قراءاتهم الجميلة
, وأعتذر عن انقطاعاتي, فأحيانا الظروف تحكم.


الساعة الآن 09:55 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team