منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   ما زلت أنتظر ! (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=27480)

خديجة قاسـم 12-14-2020 02:28 PM

ما زلت أنتظر !
 
اعتدت أن أراه عند الإشارة المرورية، تلك الإشارة البغيضة التي يمرّ الوقت معها كزحف السّلحفاة
بقامته الصغيرة التي تنبئ عن أعوام قليلة ربما لا تتخطّى التاسعة، وقبعته التي تقيه حرّ الشّمس اللاهبة، ونظرته الطفوليّة البريئة التي تجعلني أتساءل عمّا إن كان من أولئك الذين اتخذوا التسوّل حرفة، أم هي الحاجة التي قيّدته بأغلالها ودفعته لترك فراش أحلامه منذ الصباح الباكر حاملا بضعة أكياس من المناديل الورقية منتظرا بلهفة إغلاق الإشارة ليعرض بضاعته المتواضعة على المنتظرين المتذمّرين من الوقوف طويلا مقابل الضوء الأحمر بكل ما يحمل من قوة المنع والزجر
يقبل عليّ حين يراني، يتوسّل ويلحّ ويمعن في إصراره .. وأنا ما بين صوت ندائه وحديث نفسي ما زلت وبإصرار أتساءل إن كانت الحاجة أم العادة.
ألفت نظره إلى الكرسي الخلفي حيث ما اشتريته منه سابقا -أو من غيره لست أذكر- ما زال يقبع ساكنا وبلا حراك دون أي تغيير في تفاصيله ..
يلحّ قليلا ثم تحت إصراري ونصحي له بأن لا يضيع وقته معي يتركني إلى غيري ..
لا أنسى في إحدى المرّات حين لمحني جاء بكل همّة ونشاط وكأنه يقفز ليصل إلي وهو يقول: هيّا منذ مدة لم تشتري منّي، جعلني أتبسّم وغصّة تمازج ابتسامتي في زخم حيرتي: ما حكايته ؟ ماذا وراءه؟ أهي الحاجة أم التسوّل؟ أين العدالة وأين المتشدّقون بحقوق الإنسان وحقوق الطفولة؟ وأي انتهاك أكبر من أن تستباح البراءة وتذبح بسكاكين الفاقة والعوز؟
تتلاشى ابتسامتي و تبقى الغصّة عالقة في قلبي وأنا أواصل سيري وأمضي في طريقي.
آخر مرّة رأيته فيها، جاءني كعادته لكن هذه المرّة لم يعرض بضاعته بل سألني:
- أنت من سكان ....
- أجل
- هل تعرفين أم "فلان"
- كلا
انتابني فضول لمعرفة من تكون أم "فلان" لكن ما رغبت أن أعطّله وهو يبحث عن رزقه بين أكوام السّيارات تائها بينها بحجمه الضئيل وأحلامه المؤودة.
لا أدري لمَ خطر ببالي ذات مساء، فوجدتني أخبر أمّي عن ذلك الطفل الذي كثيرا ما أثار انتباهي دونًا عن غيره من زملاء مهنته سائلة إيّاها عن أم فلان إن كانت تعرفها ..
- أجل هذه السيّدة من أولئك الهاربين من جحيم الحرب فقدت ابنها وتقوم بتربية أبنائه من بعده
يا إلهي كم جاءني الردّ صاعقا.. لا سيّما حين أخبرني أخي أن هذا الصغير حفيدها!
ليتني سألته من تكون أم "فلان " ولماذا يسألني عنها
ليت الوساوس ما دارت في رأسي إن كان محتاجا أم متسوّلا
ليتني في كل مرّة أقبل عليّ طالبا مني شراء ما لديه لبّيت طلبه
ليت وليت وليت .. ويا ليتها تنفع ساعة ندم!
انتظرني يا صديقي، هذه المرّّة أنا التي أتلهف للقائك وحينها، لن أضطرك للكلام، سأشتري منك بسرعة كي أفسح المجال لتذهب إلى غيري تطلب رزقك في زحمة هذه الحياة الظالمة.
ما عادت أمنيتي الاعتيادية أن أجد تلك الإشارة البغيضة خضراء، بل وبكل رجاء أريدها حمراء ليتسنّى للرجل الصّغير أن يراني ويقبل كعادته.
مرّة تلو الأخرى، نظراتي تبحث عنه هنا وهناك لكنّها ترتدّ خائبة متسائلة: كم من مثيل لهذا الصغير وراءه حكاية موجعة تختبئ خلف جدران الخيبة والانكسار ..
ما زلت أبحث عنه في كلّ مرّة أكون هناك .. وما زلت أتساءل بحسرة وندم :
أين أنت؟!

من ذا يخبره أنني ما زلت على ناصية الندم أنتظره ..!

ناريمان الشريف 12-15-2020 09:39 PM

رد: ما زلت أنتظر !
 
تبّت أقلامهم ، وشُلتْ أياديهم
أولئك الذين صاغوا حقوق الإنسان وأكلوها شهية على موائدهم البغيضة
وتباً للحروب التي تشرد الآمنين ـ تأتي على كل شيء لا تبقي ولا تذر ..

قصة موجعة ، لا تختلف عن قصص الكثيرين من الباعة الأطفال المتجولين على أرصفة الشوارع وبالقرب من إشارات المرور .. الذين يجعلون القلوب تنزف ألماً عليهم ولا نملك لهم إلّا الدعاء وبعض القروش نضعها في أيديهم لا تغير حالاً ولا تبدّل وضعاً
كتبت قصة بذات المعنى ذات يوم ، تشبهها ، ولا أدري على أية إشارة مرور تقف
تعبت وأنا أقرأ ، وكأني أنت ..
مازلت أسأل أين هو ؟
أشكرك يا خديجة ، أشكر حسك العالي ومشاعرك الانسانية النبيلة
تحية ... ناريمان

خديجة قاسـم 12-17-2020 08:01 AM

رد: ما زلت أنتظر !
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناريمان الشريف (المشاركة 272662)
تبّت أقلامهم ، وشُلتْ أياديهم
أولئك الذين صاغوا حقوق الإنسان وأكلوها شهية على موائدهم البغيضة
وتباً للحروب التي تشرد الآمنين ـ تأتي على كل شيء لا تبقي ولا تذر ..

قصة موجعة ، لا تختلف عن قصص الكثيرين من الباعة الأطفال المتجولين على أرصفة الشوارع وبالقرب من إشارات المرور .. الذين يجعلون القلوب تنزف ألماً عليهم ولا نملك لهم إلّا الدعاء وبعض القروش نضعها في أيديهم لا تغير حالاً ولا تبدّل وضعاً
كتبت قصة بذات المعنى ذات يوم ، تشبهها ، ولا أدري على أية إشارة مرور تقف
تعبت وأنا أقرأ ، وكأني أنت ..
مازلت أسأل أين هو ؟
أشكرك يا خديجة ، أشكر حسك العالي ومشاعرك الانسانية النبيلة
تحية ... ناريمان

بل الشكر لك ولحضورك الأنيق غاليتي ناريمان
سلمت ودمت بفرح وراحة بال
محبّتي
:44:

ماجد عبدالله العلي 12-20-2020 11:51 PM

رد: ما زلت أنتظر !
 
يااااااه ،،، سردك فتان واخاذ وموجع ايضا!

تقبلي تحياتي

خديجة قاسـم 12-21-2020 09:19 AM

رد: ما زلت أنتظر !
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماجد عبدالله العلي (المشاركة 274149)
يااااااه ،،، سردك فتان واخاذ وموجع ايضا!

تقبلي تحياتي

أهلا ومرحبا بك أ.ماجد وبكريم حضورك
كل التقدير والاحترام

ثريا نبوي 12-29-2020 11:32 PM

رد: ما زلت أنتظر !
 
ما أروعكِ قاصةً محاورةَ القمرِ شعرًا
أوجعني مرتين، حدّ سريانِ الكهرباء في الخلايا ما قرأتُ :
مرةً مع هذا الصغير الذي ألبستِهِ ثوب الرجولةِ في القَصّ وكم ألبسَته الحياةُ من هموم
ومرةً مع قلبِكِ الكبيرِ المرهف الرَّاجي عودتَه على رصيفِ الندمِ والانتظار
تبًّا للحرب التي تُثقِلُ القلب كما قال أمل دُنقُل في: "لا تُصالِح"
تحياتي لكِ وللغالية زهرة الماغنوليا البيضاء ناريمان

خديجة قاسـم 12-31-2020 07:48 AM

رد: ما زلت أنتظر !
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ثريا نبوي (المشاركة 276554)
ما أروعكِ قاصةً محاورةَ القمرِ شعرًا
أوجعني مرتين، حدّ سريانِ الكهرباء في الخلايا ما قرأتُ :
مرةً مع هذا الصغير الذي ألبستِهِ ثوب الرجولةِ في القَصّ وكم ألبسَته الحياةُ من هموم
ومرةً مع قلبِكِ الكبيرِ المرهف الرَّاجي عودتَه على رصيفِ الندمِ والانتظار
تبًّا للحرب التي تُثقِلُ القلب كما قال أمل دُنقُل في: "لا تُصالِح"
تحياتي لكِ وللغالية زهرة الماغنوليا البيضاء ناريمان

وما أجملك نورا يحيل الفضاء قوسا مطريا مكتمل البهاء
سعدت بحضورك وقراءتك الرائعة غاليتي ثريا
كل الحب لك ولقلبك الدافئ
:30::30:

حيال محمد الأسدي 12-31-2020 11:56 AM

رد: ما زلت أنتظر !
 
مُوْجِعٌ حَرْفُكِ
يَا خَدِيْجَة
بِحِسٍّ دِرَامِيٍّ
أَتْخَمَ الإحْسَاسَ
بِكُلِّ التَفَاصِيْل

مَوَدَّتِي وَ تَقْدِيْرِي

خديجة قاسـم 01-02-2021 12:54 PM

رد: ما زلت أنتظر !
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حيال محمد الأسدي (المشاركة 276885)
مُوْجِعٌ حَرْفُكِ
يَا خَدِيْجَة
بِحِسٍّ دِرَامِيٍّ
أَتْخَمَ الإحْسَاسَ
بِكُلِّ التَفَاصِيْل

مَوَدَّتِي وَ تَقْدِيْرِي

أهلا بك وبحضورك الكريم أ.حيال
بوركت ودمت بخير وعافية
كل التقدير والاحترام

ناريمان الشريف 01-02-2021 05:26 PM

رد: ما زلت أنتظر !
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ثريا نبوي (المشاركة 276554)
ما أروعكِ قاصةً محاورةَ القمرِ شعرًا
أوجعني مرتين، حدّ سريانِ الكهرباء في الخلايا ما قرأتُ :
مرةً مع هذا الصغير الذي ألبستِهِ ثوب الرجولةِ في القَصّ وكم ألبسَته الحياةُ من هموم
ومرةً مع قلبِكِ الكبيرِ المرهف الرَّاجي عودتَه على رصيفِ الندمِ والانتظار
تبًّا للحرب التي تُثقِلُ القلب كما قال أمل دُنقُل في: "لا تُصالِح"
تحياتي لكِ وللغالية زهرة الماغنوليا البيضاء ناريمان

حبيبتي معلمتي ثريا
لك حق علي أن أرد التحية بأحسن منها
لك المحبة حتى أحظى بقلبك
تحية و:20:


الساعة الآن 02:30 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team