منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   على شفير الموت (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=27743)

عبد الرزاق مربح 01-10-2021 01:09 PM

على شفير الموت
 
قصة: على شفير الموت

في ذلك المساء، أخذت الغيوم تتلاحق تباعا لتكسو سماء المدينة، و شرعت شيئا فشيئا في ابتلاع ذلك القرص الأصفر المتوهج، و سميرة سائقة التاكسي. لا تزال تنتظر أن يأتي أحد الزبائن لتوصله الى وجهته، لكن ها قد طال بها الحال دون أي جديد يذكر، قررت في الأخير التوجه الى البيت.

كان رذاذ الماء الخفيف المتساقط من السماء كافيا لطردها من ذلك المكان، فهي لا تحب القيادة تحت المطر، تشعر أن هناك خطرا يهدد حياتها، تطلق أحصنة سيارتها الصغيرة برفق، و تنطلق الى خارج المدينة قاصدة بلدتها الصغيرة.
دخلت نسمات باردة من نافذة السيارة، فسارعت الى اغلاقها بعدما تملكتها القشعريرة، و سالت دموعها من تأثير تلك الريح الباردة.

و فجأة، سمعت صافرة، و شاب يهرول باتجاهها، كان زبونا في عجلة من أمره، صعد في المقعد الخلفي، بعدما ألقى حقيبته السوداء الكبيرة داخل السيارة، القى بجسمه أيضا هناك، و اتخذ حقيبته كوسادة...و قال لسميرة
:أنا متعب يا سيدتي. سأنام قليلا و عندما نصل الى مدينة بودواو قومي بإيقاظي.

في تلك اللحظة، فزعت سميرة، و لم تستطع الانطلاق بسيارتها كما أنها لم تستطع ايقاظ ذلك الرجل من مكانه أو رفض توصيله، تملكها الخوف الشديد، فهي لم تعتد أن يقوم زبائنها بالنوم في السيارة.و أحست أن شيئا سيئا سوف يحدث لها من قبل هذا الشخص الغريب، ربما سيخنقها ليستولي على سيارتها، أو ربما سيحولها الى وجهة أخرى بالقوة.انه كابوس مرعب سقطت فيه تلك السائقة المسكينة.

كانت سميرة فتاة ذكية جدا، و كانت تعرف بأنها ستجد حلا لهذه الورطة، و بعد تفكير سريع ألهمت الفكرة التي ستخلصها من ذلك المأزق و طرد تلك الهواجس اللعينة.

قررت أن تقوم بحمل شخص اخر معهم في الطريق، فلا يمكن أن يقوم شخصان لا يعرفان بعضهما بإيذائها، و عندما صادفت أول شخص في الطريق، فتحت باب السيارة الامامي، و دعته الى الصعود معها، شعرت بعدها بارتياح عميق...

أرادت سميرة ان تتجاذب اطراف الحديث مع الزبون الجديد، حتى تشعر ببعض الطمأنينة ، و توصل رسالة قوية الى ذلك الشخص الذي يرقد في المقعد الخلفي، بأن هناك من يحميها، و سيتدخل فورا عند ابداءه لأي نية سيئة اتجاهها.
قالت له:
-الطقس اليوم سيء، يا لحظك! جاءتك توصيلة في الوقت المناسب!

في تلك اللحظة، نظر اليها الزبون الجديد باستغراب...
-ماذا قلتي يا....
ثم صمت.

هنا، شعرت سميرة بقشعريرة تسري في كامل جسمها، و ايقنت أن هذا الشخص كابوس اخر لا يقل خطرا عن سابقه، أرسلته رياح القدر اليها، و سيرافقها في رحلتها، و هو أكثر غرابة من الزبون الاخر الذي يرقد في الخلف.

-هل عندك قليل من دم السبع؟
-لا يا سيدي...لا أملك أي دم سبع في سيارتي؟!
-هاهاها...هل حقا لا تملكين دم السبع؟ أم أنك لا تعرفين ماذا يعني دم السبع أيتها الحمقاء؟

و قبل أن تتلفظ سميرة بأي كلمة، اردف قائلا كأنه يكلم نفسه:
-أنا لا أعرف كيف لامرأة خرقاء مثلك، أن تملك هذه السيارة الجميلة!

زادت كلمات الرجل المحيرة، شكوك سميرة في أن مكروها سوف يحصل لها، و لم تجد سبيلا اخر للنجاة من قبضة قدرها المحتوم، و مصيرها المشؤوم، سوى أن تزيد من سرعة السيارة، غير ابهة لحال الطريق الزلق، جراء تهاطل الامطار.

-هل تعلمين كم بقي بينك و بين الموت يا امرأة؟

و من يجيب عن هكذا سؤال؟ لم تصدق سميرة أنها المعنية بذلك السؤال...و أي سؤال؟

لم تستطع الاجابة و بدأ العرق في التصبب من جبينها، مواصلة قيادتها المجنونة للمركبة، حتى أنها لم تعد تعرف في أي مكان هي بالضبط.

ينهرها بشدة...

-هيا أجيبي أيتها المغفلة...كم بقي بينك و بين الموت؟!

شرعت بالبكاء و انهمرت من عيونها دموع غزيرة دافئة...لا أعرف...لا أعرف أرجوك يا سيدي ...لا تؤذيني...لا تؤذيني...

-الان سأقول لك كم بقي بينك و بين الموت!

خمسة سنتيمترات! نعم....هي مجرد خمسة سنتيميترات بين هذا السكين الحاد و بطنك يا عزيزتي...ما رأيك بأن تركني سيارتك جانبا ل حتى نتحدث قليلا!

رأت سميرة شريط حياتها يمر سريعا بين عينيها، تذكرت عائلتها التي تنتظر عودتها بفارغ الصبر، أولادها الصغار و زوجها المريض المقعد، كيف سيكون مصيرهم من دونها، و هي معيلهم الوحيد و أملهم الكبير في هذه الحياة، انه لأمر مريع أن تتركهم هكذا فريسة للأيام القاسية و الوحدة القاتلة.

ركنت سميرة السيارة بجانب الطريق، و كلها امل بأن يكتفي ذلك الرجل بسرقة سيارتها دون أن يقتلها.

هنا، شعر ذلك الرجل بجسم معدني خشن قد لامس رأسه من الخلف، التفت وراءه، انها فوهة مسدس مصوب نحوه...يمسك به ذلك الشخص الذي كان نائما و لم يشعر بوجوده معهم، ثم قال له: و أنت؟....هل يمكنك حساب المسافة التي تفصلك عن الموت؟!

منى الحريزي 01-15-2021 02:26 AM

رد: على شفير الموت
 
أنها لتحفة من التحف القصصية السيكولوجية ...
وإنها لتستهويني هذه النوعية من القصص ...
شعرت كأني معها في التاكسي وإني لأكتم ضحكة الآن ...
القصة كانت تحمل جانبا من التشويق و التلاعب النفسي ...
وهي مميزة جداً واستمتعت بقراءتها حقيقة ...

شكراً لكـ على إبراز هذا النوع من أنواع الفن الأدبي العميق
ويسعدني دوماً القراءة لك ...

دمت مبدعاً بحق ...

عبد الرزاق مربح 01-17-2021 01:27 PM

رد: على شفير الموت
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منى الحريزي (المشاركة 279609)
أنها لتحفة من التحف القصصية السيكولوجية ...
وإنها لتستهويني هذه النوعية من القصص ...
شعرت كأني معها في التاكسي وإني لأكتم ضحكة الآن ...
القصة كانت تحمل جانبا من التشويق و التلاعب النفسي ...
وهي مميزة جداً واستمتعت بقراءتها حقيقة ...

شكراً لكـ على إبراز هذا النوع من أنواع الفن الأدبي العميق
ويسعدني دوماً القراءة لك ...

دمت مبدعاً بحق ...

يسعدني جدا اعجابك بالقصة، الخير قد نظنه شرا، و الشر قد نظنه خيرا...لذلك لا يجب ان نبني احكامنا على مجرد الظن...

عبد الكريم الزين 01-17-2021 02:15 PM

رد: على شفير الموت
 
أبدعت وأجدت في هذه القصة كعادتك
النتيجة الغير متوقعة، والحالة النفسية للسائقة، والأسلوب السردي المتسلسل بدون تعقيد أو تكلف، الذي يديم التشويق إلى آخر لحظة.
هذا هو النوع الذي يستهويني في فن القصة، والذي له جمهور واسع من القراء خصوصا في الأدب الغربي.
تحية طيبة وتقديراتي لقلمك المبدع.

عبد الرزاق مربح 01-17-2021 03:18 PM

رد: على شفير الموت
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة متابع أول (المشاركة 280168)
أبدعت وأجدت في هذه القصة كعادتك
النتيجة الغير متوقعة، والحالة النفسية للسائقة، والأسلوب السردي المتسلسل بدون تعقيد أو تكلف، الذي يديم التشويق إلى آخر لحظة.
هذا هو النوع الذي يستهويني في فن القصة، والذي له جمهور واسع من القراء خصوصا في الأدب الغربي.
تحية طيبة وتقديراتي لقلمك المبدع.

شكرا لك على عباراتك المشجعة...لنا عودة في هذا الباب، و فعلا أخي، تستهويني قصص تشيخوف(أنطوشا) و بعض القصص اليابانية و ربما لها أثر فيما أكتبه.


الساعة الآن 11:39 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team