منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   ارجوكم انتقدوني لان اوراقي ما زالت حبيسة في خزائني (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=7674)

ديمة زيدان 12-29-2011 05:58 PM

ارجوكم انتقدوني لان اوراقي ما زالت حبيسة في خزائني
 
* تحت البتلات تختبئ قصيدة *

:)
تتراقص قدماها على إيقاع الموسيقى الشرقية، تخطو خطواتٍ أشبه ما تكون بحروفٍ مترددةٍ خجولة، اصطفت معاً لتنسج كلمات الهمس في قصيدة شاعرٍ مبتدئ ، يخط حروفاً لا يلبث أن يقوم بشطبها مراراً وتكراراً، فلم ترقَ بنظره بعد لمستوى الشعور.

تتأود على الأرض بحركات عشوائية رعناء، تجاريها في ذلك الاهتزاز العبثي رزم ٌ من سنابل القمح التي حصدت وجمعت في صوامع قريتها النائية، قد هالها ما آل إليه أمرها ،رغم عتمة المكان وجنوح الظلام ، مازال يعتريها فيض من ذكريات، لصور مداعبة النسيم لأوراقها، فلا يعوزها إلا الانحناء خجلاً وحياءً لرقته ، فما أن ترى الشمس هذا المشهد تبتسم ابتسامتها الصفراوية، فلن يغيب عنها إدراك بطائن الأمور، كيف لا وهي سيدة الإغواء، حقا لقد أجادت تعليم تلك السنابل كل حيلها السحرية.

لكن لا يسعنا الآن سوى انتظار عملية مخاض الحاضر، كي نستطيع رسم صور ملامح المستقبل لتلك السنابل، فهي في الحقيقة لا تختلف قصتها عن قصة تلك الفتاة، لأن كلتيهما ببساطة مزجتا في نفس البوتقة، فالنتيجة إذن واحدة " لن نشهد أبدا ولادة الماضي" ، نتيجة منطقية حتمية، لن نرتمي في أحضــان الهواء بعد اليوم، ولن يقوم هو بدوره بمسح قطرات الندى المنساب على الوجنتين في الصبـــاح الباكر ،فقد استيقظنا توا إثر كابوس ٍ يراودنا منذ شهور، بل قل منذ سنين، نرى أنفسنا فيه نثراً طُحن في رحى الزمان.

ترتفع أصوات قرع الطبول، تتباطأ الخطوات ، لم يسدل الستار بعد عن المسرحية الهزلية المقامة في العقل الباطن، ما زلنا نرى الممثلين يعتلون المسرح انتشروا على خشبته ، يراودنا شعور مريع باندساس الأشباح بيننا، ننصت بحذر هل هي تقهقه؟!.

لا .........
تبكي ؟!
لا .........
تهمس ؟!
نعم . تهمس.


تومئ لنا بتوجيه أحداقنا شطر مصدر الصوت المفجع، فينقشع الدخان ، ما هي إلا هنيهات، ها نحن نرى بوضوح سمات طفلة بريئة تقف وسط المسرح، يا إلهي ما هذه الأجواء؟!، يا لها من أجواء!!!!!.

نكاد نختنق، لكن سرعان ما نتنفس الصعداء، حين تعيد أناملها الصغيرة عقارب الساعة إلى الوراء، نصيخ السمع جيداً لشجارهما ، يتصايحان، يتبادلان التهم والشتائم ، نحدق بالصغيرة، ازدادت شحوباً ،وازددنا خوفاً، قالت مخاطبة لنا :
لا تهلعوا، لا تجزعوا، سيهدآن، نعم هما دوما يهدآن، لا شأن لنا بهما، دعوني أهرع إلى غرفتي، سأحشد حشداً من الدمى ، سألقي خطبتي المعتادة في مثل هذه الظروف العصيبة ، لا داعــــــي للثورة ، سننشد الأغاني ونمارس طقوس اليوغا، سنهدأ جميعاً، وسيعود كل شيء لسابق عهده ،ستهدأ الشواطئ، وستعود قطعان الغزلان الظمأى لتروي عطشها من ينبوع السكون، ذلك فقط عندما تنقشع الغيوم التي حملها لنا معه فصل الشتاء.

سرعان ما تنقطع أوصال الأفكار في خطبتها الغناء، لتقوم بتدنيسها تلك الظلال المتلاحقة على الجدران المتنقلة بين الغرف ، لا تعترف بقدسية الناسك المعتكف في محراب معبده الصغير، لتجثو على صدور أوراق الطفولة المتبعثرة في الفراغ ، تغلفه بصمتها، تكمم أفواه الدمى حتى لا تجرأ أبدا على العصيان .

بقوة تجتذبها إحدى تلك الظلال، تسحبها نحو المجهول.

- أمي ............أمي.
سيعود النورس إلى الشاطئ، سيرسو القارب، سيهدأ أبي كالمعتاد.

- تعالي...... هيا..... تعالي ، لا تحشري أنفك بما لا يعنيكِ.

- إلى أين؟ أنا أحب بابا .


- وأنا كذلك ،لكن أنت لا تفهمي.

- حاولي ان تشرحي .
أرجوك سأقطع عهدا أمامك وأمام شعبي، لن أتمتم بكلمات غير مفهومة بعد اليوم، ولن أجلب بلبلة في الحفلة وسط صديقاتك كما كنت أفعل فيما مضى، صدقيني هذا وعد، دعيني أعود، لأفي بنذوري، فلم أتمم مراسم زواج دميتي ، ولم أعالج ساق حصاني الخشبية، وتلك الزهور على حافة الشباك، لم يتسنَّ لي بعد أن اشهد عملية ولادتها، لقد بذرت أجنتها قبل يومين، وعدتها أني سأكون يوم تكون.
أرجوك بل أتوسل إليك دعيني أعود.

للأسف لم تشفع لها عبراتها، ولا صوت اصطكاك أسنانها، ولم تجدِ توسلاتها. بل باءت جميع محاولاتها بالفشل. عبثاً حاولت استجماع القوى التي تحول دون أن تطويها بين جناحيها جنية المساء، لتحلق بها في كنف الغموض والفوضى، عبثاً انتظرت الفصل تلو الفصل، علها تعود إلى بيت سكنته الأرواح، فتودع أول كل شهر عصافير الحزن الأسيرة في قفصها الصدري، تُحملها رسالة لبتلات الزهر المنسية على حافة الشباك، تُبلغها سلاماً ووعوداً، بأنها ستعود لتشهد الميلاد.

تدور مع الأرض دورتها الطبيعية حول الشمس، لكنها تدور حول نفسها أضعاف دورة الارض، في أحد شهورالشتاء القارصة، تنكمش داخل معطفها، تسابق الوقت قبل أن يزدحم الطابور أمام المخبز، لابد أن تسرع لتحجز دوراً لها، قبيل الباب تتسمر في مكانها ،لا من البرد بل من هول المفاجأة.
بائعة زهور وحوض ورد!!!!!!!!!!!!!!!!!!.

- بكم الحوض؟.
- بأربعة دنانير.
- ليس معي سوى دينارين.
- قبلت.

تضم الحوض ،تحتضنه بين ذراعيها، تدثره بمعطفها، وتهرول على الطريق، كأم ثكلى انتزع حسام الموت زوجها وأبنائها وترك لها أصغرهم ، تعدو به تسابق الريح ، كي لا يلحق بها الردى وينتزعه هو أيضاً.

تتحدث مع ذاتها: الحمد لله ، اليوم سوف أفي بنذري، لقد وعدت شعبي أنه عندما يحين يوم الميلاد ستقرع أجراس العيد، احتفالاً بألوان الزهر المزدانة بها غرف الطفولة.

لم تعد طفلة لكن لا بأس من العودة، من قبيل أن شيئا لم يحدث، ولا بأس أن تعيد كتابة التاريخ منذ لحظة الميلاد.


تفتح الباب دون أن تحدث أي صرير .


- بتول أخيراً، لماذا هذا التأخير؟؟ هلمي........ أحضري الخبز وقارورة الماء، فعمك يتضور جوعاً ، ولقد خلت أني سمعت عصافير بطنه تزقزق ، أسرعي يا ابنتي.
- إني حقا آسفة ولكن ما وجدت خبزاً، كان المحل مغلقاً .

لم تنبس بكلمة أخرى ، حتى سمعت خوار ثور هائج، يعفر الأرض عفراً .

اقترب منها

- هذا المخبز تحديداً لم يغلق أبوابه ليلاً اأو نهاراً، يا لكِ من كاذبة !!!!! ما تخفين تحت المعطف.
- لا شيء يذكر.
- ما هذا؟!!!!............. تعالي.............. وانظري ما احضرت فلذة كبدك المدللة،
ورد .........حوض ورد.

- بتول ما هذا الورد؟!!!!!!!!!!.

-أقسم أني أحضرته بنصف ثمنه.
- أين الدنانير؟.

اطبق الصمت قليلا طقطقت رأسها إلا أن براكين غضب زوج أمها لم ترحم نعومة ملامح وجهها ، وأنوثة جسدها الضعيف، فانهالت عليها اللكمات والركلات من كل صوب ، في ليلة مُقمرة مغمورة بضياء خفيف ، صرخ الألم عندما إنتزع الثور ضلعاً من أضلعها ليصنع طبشورة كي يكتب على جدران الغرفة

لقد هدرت مالي. .............. لقد هدرت المال العام.

لم يهن على الام ان ترى الصغيرة تغيب بين ثنايا الجور الواضح صرخت:

- لكنها تعمل.
- جميعنا نعمل من أجل لقيمات لا بتلات ، هيا اذهبي واصنعي حساء زهور، لكي تطفحي السم أنت وابنتك المدللة.

- دعها . . منذ سنين هجرت الألعاب، لا بأس فالخبز أيضا نتاج السنابل .

يسدل الستار، ونحن نعلم انها ما زالت هناك ، لقد رأيناها ترقص فوق بتلات الأزهار المتناثرة لتكتب بقدميها قصيدة يحملها ساعي البريد إلى ذاك الشائب.


يا أبتِ
أرهقتني تلك اللعبة التي نلعبها.
نحن فيها لا نفعل شيئا سوى أن نغير معاني وأسماء الأشياء.
يا أبتِ أنت تقلب حرف الحاء بالباء.
لتستوي المعاني ليصبح معنى الود مرادفاً لمعنى الفناء.
يا أبتِ أنت تدفعني بيديك لمتاهةٍ نعتت بالشقاء.
يلهث فيها عقلي، يعلو فيها صوت أنفاسه، عندما يشتد عليه العناء.
يضيقُ النَفَسُ ويقلُ الهواء.
فتعدو روحي إلى الجرم البعيد لتضيع في سراديب السماء.
فدعني أحبسها داخل أنفاسي .
فهل تعلم أني قد فهرست المآسي.
فأدرجت توا في دفتر منحته لي .
رقماً آخر، لجرح آخر، صدر عن أهلي وناسي.
أدرجته ضمن سجل عنونته بالوضع القاسي.
لو أنك فقط أجدت الإصغاء.
لجنبتني جرحاً بالكبرياء.
فها أنا ألملم الأجزاء
لأجاريك بلعبة تدعى لعبة الأسماء
يا أبتِ
هل حقا أصلح للبقاء؟
اجبني هل حقا أصلح للبقاء؟:(

ايوب صابر 12-29-2011 09:56 PM

واو... نص جميل للغاية مكتوب باسلوب التداعي الحر وفيه ملامح من النص القصصي والروائي والمسرحي والخاطرة والقصيدة.

"تتأود على الأرض بحركات عشوائية رعناء، تجاريها في ذلك الاهتزاز العبثي رزم ٌ من سنابل القمح التي حصدت وجمعت في صوامع قريتها النائية، قد هالها ما آل إليه أمرها ، رغم عتمة المكان وجنوح الظلام ، مازال يعتريها فيض من ذكريات، لصور مداعبة النسيم لأوراقها، فلا يعوزها إلا الانحناء خجلا وحياءً لرقته ، فما أن ترى الشمس هذا المشهد تبتسم ابتسامتها الصفراوية، فلن يغيب عنها إدراك بطائن الأمور، كيف لا وهي سيدة الإغواء، حقا لقد أجادت تعليم تلك السنابل كل حيلها السحرية."

هذه لغة غاية في الجمال، وفيه قدرة هائلة على الوصف الجميل..حد السحر.

نص يستحق ان يدرس بعمق.

ديمة زيدان 12-29-2011 10:19 PM

شكرا لك استاذي ايوب لدي مجموعة من قصص وليدة لحظات الالم والفرح التي تعتريني بين فينة واخري وقلت في داخلي قد لا اصلح ان اكون كاتبة هذه اول مره اعرض فيها للعلن ما اكتب جميعهم يعترفون بمقدرة فرشاتي لقد اجدت الرسم والهندسة كوني مهندسة معمارية لكن كنت اطرح على نفسي هل قلمي يجيد رسم نصوص كما تجيد فرشاتي رسم اللوحات احمد الله ان تشهد لي وهذه شهادة اعتز بها

ريم بدر الدين 12-30-2011 02:52 PM

إذا كان ما احتوته أدراج مكتبك من هذه النوعية العالية فأنا أنتظر أن ترينا تميزا و روعة
اللغة الشعرية التي استخدمتها و تكنيك السرد تنبئني بقاصة تمتلك أدوات القص و الشعر معا
نرحب بك في منابر ثقافية و سأنتظر منك الكثير يا ديمة
محبتي دوما

ريما ريماوي 01-02-2012 02:54 PM

الرائعة ديمة .. كدت ادعوك بتول من واقعية ما قرأت من مشاعر
بمفردات لغوية ثرية واستعارات بلاغية جميلة..
أدهشتني وسرتني تعابيرك الرائعة وشاعريتك ..
وكنت قلبا وقالبا مع بتول المسكينة,
التي لم تزل ترى الورود الجميلة,
حتى مع زوج أمها القاسي,
وما زالت تحمل والدها وبلدها في قلبها.
استمتعت معك هاهنا, بوركت, ودام لك الألق.
بانتظار جديدك, لك شكري وتقديري.

ديمة زيدان 01-02-2012 03:48 PM

سيدتي ريما سيدتي ريم حقا لقد غالبت الدموع فغلبتني شكرا على هذا الدعم الرائع وهذه الشهادات التي ستدفعني لعرض المزيد ان شاء الله وشكرا لهذا الموقع الرائع التي وجدت به ضالتي ومنفذي في البوح عن مكنونات ما في صدري من عشقي للكلمة واللغة

أحمد فؤاد صوفي 01-02-2012 09:25 PM

الأديبة الكريمة ديمة زيدان المحترمة

في البداية . .
أرحب بك بيننا أديبة عزيزة نفخر بوجودك . . فأنت على الرحب والسعة . .
وأتمنى أن تجدي بيننا كل ما تتوقين إليه من استمتاع وفائدة . .

أما عن قصتك هنا . .
فلو أشدنا بالمستوى الأدبي الاحترافي لهذه المشاركة . . فإن ذلك لن يكون كافياً . .
وقد يتساءل أحد ما . . ولم ذلك !!
فأقول وبالله التوفيق . .
نبدأ بموضوع القصة فهو موضوع حساس وجيد ويستحق البحث . .
ثم ننتقل إلى لغة السرد . . فنراها وقد اكتملت لتحقق المرغوب منها تماماً . .
وننتقل إلى رسم الشخصيات . . فنجد كل واحدة قد أخذت من الرسم ما تستحق ووضعت أمام القارىء ليفهمها ويتمكن لو شاء أن يتقمصها . .
ثم نأتي إلى الجمال الأدبي للكلمات والعبارات المستخدمة والمنتقاة بعناية ورقي . .
ونأتي كذلك إلى التطويل فهو لا يوجد بتاتاً هنا . . بل كل ما كتب رأيته لازماً لايمكن إلغاؤه أو إنقاصه . .
ونأتي بعد ذلك للنهاية كبناء ولغة وقفلة . . كل شيء كان موفقاً . .
ونصل في النهاية إلى أهم شيئين في القصة كلها . .
جماليتها من زاوية دفع القارىء إلى قراءتها ثم استكمالها برغبة صادقة فيها إصرار . .
وأخيراً تأثيرها في القارىء . . هذا التأثير الذي يعتبر قمة أهداف أي كاتب أديب . .

عزيزتي . .
البيت بيتك . .
تقبلي تحيتي وتقديري . .
دمت بصحة وخير . .

** أحمد فؤاد صوفي **


** عذراً أن قمت ببعض التضبيط .


الساعة الآن 09:53 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team