منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   الظــــــل (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=497)

طارق الأحمدي 08-13-2010 03:36 AM

الظــــــل
 
أفاق كعادته سعيدا, نشيطا بعد أن أخذ وطره من النوم. وبقطرات قليلة من الماء مسح على أطرافه ووجهه ليطرد آثار النعاس, ثم قفز كهرّ إلى المطبخ وأعدّ لنفسه طعاما تلوّنت أصنافه وتعددت أغذيته, وطفق يأكل بكلتا يديه ورأسه مكبوب على الطاولة, ولم يتوقّف حتى انطلقت من معدته صفارات الإنذار تحذّره فتجشّأ ثم مال إلى الوراء يحمد الله على نعمه.
بعد نصف ساعة من الأكل رمى ببعض الملابس عليه كما اتفق فبدا كمهرّج ركيك, ثم خرج قاصدا عمله.
في الطريق حدّق فيه أحدهم مليّا ثم مطّ شفتيه وابتسم ثم تجاوزه, فلم يبال. وبعد ساعة لمح فتاة تهمس لأمها وتشير إليه فزمّت الأخيرة شفتيها وسحبت صغيرتها من يدها وعرّجت إلى طريق آخر وهي تحوقل وتطلب الستر من الله, فالتفت وراءه فلم يشاهد غيره فلم يهتم, وانزلق إلى الدكان المجاور ليشتري عصيرا يهضم به ما اعتمل في معدته فاستوقفه طفل صغير بعد أن فلتت منه ضحكة مقتضبة.
- كيف تسير دون ظل يا عم؟
انتبه لحاله, أخفض من رأسه الكبير يبحث عن ظله فلم يجده.
- عجبا! أأكون نسيته في البيت؟
ثم تراجع عن فكرته.
- لا.. هذا مستحيل.
وبعد تفكير:
- كيف أشكّ في نفسي وأنا لم أشاهد أحدا بظلّه مذ خرجت.
ثم ابتسم معلنا عن انتصاره ودخل الدكان وطلب من صاحبه أن يناوله علبة عصير, واستغلّ فرصة انشغاله فمدّ عنقه المترهلة إلى قدمي الرجل فلم يلحظ خياله مرتسما على القاعة, فصاح :
- حتى أنت تمشي دون ظل؟
استدار إليه متعجبا, ودون أن ينبس بكلمة, وفي تحسب واضح ناوله حاجته وأخذ منه المال. فخرج غير مبال بالحماقة التي ارتكبها.
سار مسافة غير قصيرة فبدأ يلحظ ارتسام ظلال المارة على الأرض وعلى الجدران, وتنعكس على برك الماء التي خلفها مطر الليل. حتى الأشجار وقطط الحي, وكلب الجزار امتدت ظلالها واستطالت بعد أن تسلقت الشمس جبال السحب الكثيفة وأطلت من شرفة السماء الزرقاء.
وقف. نظر إلى نفسه, دار حول المكان لكن لا أثر لظله.
ارتعب لأمره, دخلته الشكوك, أكلته الوساوس والأسئلة. وفي الأخير قرر أن يعود إلى بيته علّه يجده مختبئا تحت السرير أو فوق طاولة الطعام أو داخل خزانة ملابسه.
حثّ الخطى وعرّج على نهج خال حتى لا يصطدم بالمستهزئين, أسرع ثم هرول فاهتزت عضلات بطنه المترهلة استهلك رأسه الكبير جميع الهواء الذي اختزنته رئتاه فتوقف ليسترد أنفاسه وهو يلهث.
فجأة لمح حمارا يخرج من الجانب الآخر مزهوّا مختالا.
راقبه والدهشة تملأه.
- عجبا!! حمار بظل إنسان؟

أحمد فؤاد صوفي 08-13-2010 10:10 AM


أديبنا الكبير طارق الأحمدي المحترم

نهاية قاصمة جاءت في مكانها وفي وقتها . .

لتجيب على غموض القصة . .

وكيف أن نوعاً من الناس يكون بدون ظل . .

تحية من القلب لقلمك النابض . .

تقبل مودتي واحترامي . .

دمت بخير وصحة . .

** أحمد فؤاد صوفي **

ناريمان الشريف 08-13-2010 10:45 AM

أخي طارق
سلام الله عليك

لمفهوم الظل أكثر من معنى ..
فقد أثارت فضولي قصتك ..وشحنت بداخلي تساؤلات عدة ؟
ماذا يعني ظل الانسان ؟

حقيقة أنا بحاجة إلى الاجابة وليس مجرد سؤال


أما القصة ففي غاية الروعة .. حقيقة قرأتها مرتين واستمتعت بها أيما استمتاع

سلمت يداك



تحية ... ناريمان

طارق الأحمدي 11-10-2011 08:17 PM


الأستاذ الكريم : أحمد فؤاد صوفي

ممتن لحضورك ولرأيك الحصيف ...

فعلا هناك الكثير من الهائمين في هذه الحياة ..

سلم مدادك أخي .

ودمت بود .

طارق الأحمدي 11-10-2011 08:20 PM


الأخت الفاضلة : ناريمان

وسيبقى السؤال معلقا إلى حين ..

وستبقى ظلالنا تتبعنا مادمنا لم نكمل بعد بقية المسير ..

سلم قلمك الرائع أختاه.

ودمت بود .

هوازن البدر 11-11-2011 09:57 PM

عجبا!! حمار بظل إنسان؟



رهيبة هذه النهاية المدهشة حقاً ...
قصة جميلة طارق ..
شكراً لك ..
الهوازن

طارق الأحمدي 11-11-2011 10:20 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هوازن البدر (المشاركة 93331)
عجبا!! حمار بظل إنسان؟



رهيبة هذه النهاية المدهشة حقاً ...
قصة جميلة طارق ..
شكراً لك ..
الهوازن


لا تعجبي يا هوزان فقد اكتشف علماء الانثروبولوجيا حديثا أن الكثير من الشعوب تقودها أحمرة :cool:..

سلمت أناملك سيدتي ...

من القلب شكرا لمرورك من هنا ..

ودمت بود .



الساعة الآن 10:55 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team