منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   عبد الحفيظ بن جلولي: سراج لمدينة اللغة (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=7265)

غزلان هاشمي 11-25-2011 10:29 PM

عبد الحفيظ بن جلولي: سراج لمدينة اللغة
 
بين الوطن واللغة مسافة بوح يشوبها التعثر مرة والتكيف مع مسارات الكشف مرة أخرى....ولأن النص هو تعبير عن ذلك الوطن المغيب الذي يبحث عن إمكاناته المتجددة فقد التبس بلبوس الحنين ...وكل ما قلته وجدته منعكسا في نص الشاعر الجزائري الأستاذ عبد الحفيظ جلولي .فما يقوله نصه؟
العنوان:"سراج لمدينة صلاة" يتشكل العنوان من أربع ملفوظات،حيث لفظة"سراج" تحمل معنى الضياء والوضوح والهداية والأمل والكشف والألفة...كما تعبر الاستنارة المصطنعة غير الطبيعية والتي تستمد خصائصها الضوئية من عناصر تركيبية أخرى،أما مدينة فتحمل معنى التعقيد والوحشة والغربة كما التطور والازدهار والحركة والقلق و الفوضى والتعمير....وأما لفظة"صلاة" فتحمل معنى التعبد والخضوع والسكينة والهدوء والراحة والوصال والخشوع...إذن يمنح النص نوا مصطنعا لمدينة الصلاة حيث يحوله إلى مكون هامشي ،إذ هذه المدينة تحاول استرجاع ضيائها لتعيد الاعتبار لصورة القداسة التي ارتسمت بها قبلا ،لكنها لا تعثر عن حقيقتها إلا في ضوء نور مستعار مصطنع غير حقيقي ،وكأن الأمر يعبر عن زمن شعري يتعثر في إيجاد هويته الأصيلة وهو يعاني ظلمة قاتلة ،وبدل أن يستمده من خصائصه النوعية والاستسلام لعناصره الروحية يبحث عنها في الممكنات المختلقة والخارجة عن حدوده المعروفة...حيث التوتر والفقدان يضفي إلى حالة من التعويض.
هذا زيتي لقنديلك يا قدس
في صبيحة الكلام
الملئ بالدخان
والرماد
وفتات الأجساد...
عبروا بالراح
كي يسلموا الروح
فيض الخاطر الجريح،
يبدأ الشاعر نصه الشعري باسم إشارة "هذا" ،حيث تنتفي الحركة الفعلية وكأن بالنص يحاول التعبير عن السكون المطلق الذي ينتظر الإجهاز عليه عن طريق النور المستعار والنابع من المعنى المحايث"قنديل" للمعنى الحقيقي القدس/اللغة،ومن هنا فالنص يمنح معطياته الذاتية وإمكاناته لعناصر اللغة التي تعتمد على إضاءة مستعارة غير نابعة من الذات،وكأن بها ـ أي اللغة/القدس ـ صارت تعبر عن موقع مهمش أو صورة تنتظر استرجاع رونقها من خلال تلك التشكيلات الخطابية الخارجة عن حدود المركز.ويمنح النص إمداداته إلى اللغة في صبيحة الكلام تعبيرا عن الزمن المفارق حينما تنتفي الحاجة إلى الإضاءة وتعبر اللغة عن اكتفائها بخصائصها النوعية حتى وإن اختلطت بما يعكر هويتها أو يضفي عليها صفة التداخل "الدخان ـ الرماد ـ فتات الأجساد..."تعبيرا عن زمن شعري غير ثابت أو مسلم صيرورته إلى الحروب اللغوية بحثا عن الوجود النصي الأصيل ،حيث أن هذه الحروب والصراعات تتجسد في الزمن المغيب "عبروا" لتسترد انعطافاتها وتشكلاتها في الزمن المستقبل"يسلموا" المعبر عن اللغة المتعالية التي تبحث عن اكتمالها في ثنايا الوجع.
أطفال مروا
عبر بساتين
الزيتون والبرتقال
يطلبون درسا
يكمل جغرافيا أحلامهم،
كانت الأرض تتشبث
بآخر خيوط للفجر
يكبر عبر سطور
كراسة الذاكرة الصغيرة،
والموت
يتأخر الفعل الماضي رغبة في موضعة الذاكرة في إطار من الهامشية ،إذ يتقدم الفاعل"أطفال" تعبيرا عن حالة الاسعجال لوصف هذا المتشكل اللغوي الحامل لمعنى البراءة والوعد بالانجاز والاستمرار ،حيث"البساتين ـ الزيتون ـ البرتقال" تأكيدا لهذا التشكيل النامي والمعتمد على إمدادات خارجية للاستمرار كما الأطفال ،ويسلم النص لحظته لزمن المستقبل "يطلبون ـ يكمل ـ تتشبث ـ يكبر" ليعكس تأزمه من خلال بحثه أو استرجاعه للزمن المغيب أو ذاكرة اللغة في الراهن أو في اللحظة الآنية التي يتم فيها البحث عن الاكتمال،ومن هنا تتلبس الهوية اللغوية الباحثة عن جزئها المفقود بلبوس الارتداد والتبعثر ،إذ تحيا ضمن اعتبارات قبلية ما يعلن عن تأزمها وسقوطها في متاهة الضياع بين الارتحال أو التأرجح آنيا وقبليا ،حيث بين الذاكرة والموت مسافة دهشة وتعثر واحتضار...
يحنو على عيون الصبية
حين علقوا محافظهم
فوق شمس الباحة
ومنحوا أجسادهم
ترابا للمدينة
القادمة....
ويبقى النص محافظا على الحركة الفعلية في زمن المستقبل"يحنو" ،حيث يقدم بوحه في صرة آنية ،ويجعل من اللغة/القدس تتمظهر بهذا الوعد بالتحقق والانجاز والاكتمال يوما ما"الصبية"،لكنه سرعان ما يستفيق على حقيقة التغييب"علقوا ـ منحوا" ،حيث يمنح الأطفال وجودهم لتراب المدينة/القدس القادمة ...أو لهذه اللغة التي تعتمد على إمداداتها الخاصة لتنمو من جديد وتظهر اعتباراتها المتجددة.


الساعة الآن 10:03 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team