منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   حذاء (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=14366)

ياسر علي 07-17-2014 10:05 PM

حذاء
 
زوج حذائه الأسود تشع من خلاله خيوط النور ، فهو مصبوغ و مصقول كقطعة رخامية ممردة . عادة يواجه الكثير من المتاعب مع الأحذية ، فلا يقف على التي تنال استحسانه إلا بشق الأنفس ، فمن جهة يحب العثور على الجودة بثمن بخس و هي معادلة لا تستقيم مع حكمة السوق ، و من جهة أخرى ندم ما بعد الشراء فالمتشكك في ذوقه واختياراته تعتريه وسوسة قصور معرفة انتقاء ما يرضيه . كم مرة خذله ذوقه و سقط في شباك المزيفين ، يحب الأحذية اللينة ملمسها و الضيقة ملبسها، تطوق بإحكام قدمه و تعطيه انطباعا رياضيا ، فيحس رشاقة في حركته ، ومرونة في نفسيته . لا يزال يتذكر عندما صاحب أصدقاءه في رحلة ، إذ ذاك اشترى زوجا قرمزي اللون ، كان و بالا عليه ومحل سخرية من رفاقه ، كيف له يتأكد إن كان فعلا كما يصفه أصحابه ، فبين الفينة و الفينة يتساءل واحد منهم عن مصدر هذه الرائحة البشعة ، أحس برودة جبهته فعلم أن مسامه أطلقت مرطباتها و قد اشتعل مصباح الخطورة الأحمر منذرا باحتراق أحشائه ، فور هبوطهم من السيارة تسلل إلى مرحاض المقهى وخلع فردة قرمزية قربها من أنفه لكن رائحة المرحاض أقوى فأفرغ في البالوعة ماء وافرا ، ورش فضاءه بالعطر ، وقبل قارورته الصغيرة ، التي أفرغ بعضا منها داخل حذاءيه . رغم أن أصدقاءه اعتذروا له يوم انتهت الرحلة بأنهم فقط يمازحزنه و يخادعون براءته الساذجة ، إلا أنه منذ ذلك اليوم تقشعر نفسه من الأحذية خاصة القرمزية منها . بالأمس اشترى هذا الزوج الحالك بثمن مجحف على حساب خدمات أخرى من مرتبه . تحمل هذه التكلفة الزائدة ليظهر بمنظر لائق ، فخطواته تتقدمه وحذاؤه يرسل اشارات تنبيه لكل الحاضرين أن هذا الرجل له مكانته ، يسبقه كحاجب يزيح عن طريقه العراقيل ، فجأة دوّت صفارات الإنذار فتتدافع الجميع للخروج من قاعة المؤتمر الصحفي الذي من المقرر أن يحضره ممثل ذاع صيته ، ألقي عليه القبض كدجاجة في الحوش فما استطاع المقاومة ، سئل عن اسمه وحزبه وعشيرته وطائفته و ما ملكت يمينه ، جرد من حذائه و سرواله و فحصوا حاسوبه المحمول ولم تشفع له بطاقة الصحافة و لا قانون سرية المصادر ، لتصفر الصفارات من جديد معلنة نهاية تمرين الاستقبال . مال على سرواله و دفن فيه ما تبقى من كرامته و قرب حذاءه من أنفه فأحس بقشعريرة ما ، قام بقلبه فوجد أسفله عجينا لا تخفى رائحته تماما كما التي تنبعث من الأحذية العتيدة التي يرتديها رجال التدخل السريع ، كان رأسه عند قدمين و وجهه يستقبل الأرض و فكر كثيرا في التمسح بتلك الأحذية الصلبة الغليظة عند تصفيد يديه البرئيتين لعل الرحمة تهبط عليها و لا تقذفه بركلات موجعة أو ترفس عظامه الهشة فيكون من ذوي العاهات المستديمة ، أسرع نحو الحمام ، و سوى كل عيوبه ونفث العطر على هيئته و مسح غبش نظارتيه . سامح نفسه على عجزها و قبولها بالبهدلة لعلها تواصل كدّها ، و عفى عن فريق مكافحة أعمال الشغب و إقدامهم على التمارين في عز الحدث ، فاليوم كان من نصيبه أن يكون فأر تجربة ، اعتذر من حذائه لتقاعس عينيه و ذهابهما نحو مفاتن النساء ، حتى علق به ذلك العجين النتن .
استوى على كرسيه منتظرا خروج الفنان ، كان يرتدي أحذية مخروطية ، كالنعال لكأنه وحيد الأصبع ، قميص فضفاض على جسمه و شعره مشتت على رأسه ، حدق فيه طويلا حتى كاد ينسى التقاط صورة له كما يفعل زملاؤه ، عجيبة انت أيتها الشهرة ، تختارين من شئت و تجافين الأخرين ، تنبه أنه واحد من صانعي الشهرة ، لكن ما العمل ، لقمة الخبز و ما جاورها من فنجان القهوة أضف إلى ذلك الأحذية تضطره إلى مواصلة العمل . تذكر مقالته عن مدير شركة يابانية احتفل مع مستخدميه فور تعيينه على رأس الشركة ، بأن أحضر ممسحة و منديلا و طلاء و لبس وزرته متقرفصا أمام صندوق تعلوه قدم خشبية على بعد خطوات من باب الشركة ، و قام بمسح أحذيتهم جميعا ، إيمانا منه أن الشركة لن تقوم لها قائمة إلا على دعامات سيقانهم و مدى صلابة أقدامهم ونظافة أحذيتهم .
بدأ الفنان يجيب عن الأسئلة ببرودة ومستملحات هزلية و صاحبنا بجده المعهود يسجل تلك الجمل الركيكة لعله يحصل فيها على توطئة يضخم مغزاها و ينفخ فيها روحا آسرة ، لكن الفنان أبى إلا أن يهين ذكاءه مستعرضا وقاحته على مرأى ومسمع رجال وهبوا حياتهم لانقاذ ما يمكن انقاذه من الذوق . فجأة تخلص من فردة و صوبها إلى وجهه حين تراءى له ذئبا ينهش عرض الكلام ، أخذ الفردة الثانية لعلها تلتحق بزميلتها لتحتفلا بترسيخ حدث إعلامي غاية في التشويق والإثارة .

روان عبد الكريم 07-18-2014 07:13 PM

هو ذات الحذاء الذى ضرب به صحفى جرئ السفاح بوش..هو من حللت نفسية من يرتديه وهو من قهره يوماً وجعله اضحوكة..مشاعر شتى فى هذه القصة اللمحة لحياة صحفى ليس مجرد يوم بل حياته باكملها ..رضى بالمهانة وان يقبع اسفل احذية الالم الاخرين ..لكن لا افهم لماذا ثار فجأة على ممثل تافه لا يستحق ثمن الحذاء الذى ضرب به مرتين؟؟

جليلة ماجد 07-18-2014 09:05 PM

أحيانا يستطيع الحذاء أن ينطق بما نعجز عنه نحن !

قرمزي كان أم حالك فهو يستطيع الثورة متى شاء !

هذا نص من العيار الثقيل ذا السبعين ألف وجه !

بوركت أ•ياسر

صافي الود

حسام الدين بهي الدين ريشو 07-20-2014 04:08 AM

تروق لي فلسفتك
واشاراتك
ونصوصك التى تحتمل اكثر من تأويل
ياسر
ياعزيزي
كل عام وانت بخير

ياسر علي 07-21-2014 08:33 PM

الكاتبة روان عبد الكريم .
شكرا لمرورك البهي .
ثار انقاذا للذوق .
والزيدي ثار انقاذا للكرامة .

ياسر علي 07-21-2014 08:37 PM

الأديبة جليلة ماجد
يسعدني حضورك و أتمنى أن تكوني استمتعت بالنص

شكرا جزيلا

ياسر علي 07-21-2014 08:41 PM

الأستاذ حسام بهي الدين ريشو

لا حرمنا من دعمك و من كلماتك التي تبهج القلب .

لكم كل التقدير سيدي

ابو ساعده الهيومي 08-04-2014 11:02 AM

الاستاذ ياسر علي
لقد قال الاستاذ حسام الدين ان نصوصك تحمل اكثر من تأويل وحسب متابعتي لردوده وتعليقاته رغم قصر مدة تواجدي في هذا المنتدى هي تعليقات خبير واكتفي بذلك
وهذا دليل ان مواردك كثيره كما هي اوجاعك
لقد حاولت ارسال رساله فاحتوى نصك اكثر من رساله
رسالات تسللت جسدتها في حالة اللاوعي وقدمتها بأبداع
وهذه هي الموهبة التي لا تصنع

ياسر علي 08-09-2014 06:55 PM

مرحبا أخي الكريم أبو ساعده

حضورك زاد النص قيمة و دلالة .

كل التقدير


الساعة الآن 02:43 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team