منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   حول المدرسة الرمزية في الشعر العربي المعاصر (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=10542)

عبدالله باسودان 01-19-2013 06:32 PM

حول المدرسة الرمزية في الشعر العربي المعاصر
 
حول المدرسة الرمزية في الشعر المعاصر – 1-

من المدارس البارزة والمثيرة للجدل والخصام بين النقاد المدرسة التي سميت بـ( الرمزية ) .

ويرى منظرو النقد أن هذه المدرسة الأدبية والنقدية قد خرجت من رحم المدرسة الرومانسية ، بل نظر إليها بعضهم بوصفها مرحلة متطورة منها ، ولاسيما في جانبين اثنين ، هما:
- عمق النظرة إلى ماهية الصورة الشعرية ووظيفتها.
- والأخرى الاعتراف بالفرد وعالمه الداخلي ، وقبول هروبه من عالم الواقع إلى عالم الحلم كنوع من الرفض أو التمرد على ذلك الواقع.

كما إن تطور مجال الدراسات النفسية ولاسيما آراء فرويد عن اللاشعور الفردي ثم آراء يونغ عن اللاشعور الجماعي كل ذلك ساهم في إنضاج فكر هذه المدرسة .

وا لرمزية التي نشير إليها هنا هي في أبسط مفاهيمها " طريقة في الأداء الأدبي تعتمد على الإيحاء بالأفكار والمشاعر وإثارتها بدلاً من تقريرها أو تسميتها أو وصفها " ، وقد اصطنع الرمزيون وسائل عديدة للإيحاء بدلالات أعمالهم الشعرية ، وهم لم يبتكروا كل تلك الوسائل لكنهم جمعوا ما تفرق منها عند غيرهم فأكثروا من استعمالها وزادوا فيها وفلسفوها على حسب آرائهم .

والطريف أن أكابر منتقدي المدرسة الرمزية ، في البلاد العربية ، كانوا من المخضرمين الذين عاشوا فترة المد الرومانسي ونهلوا منه وبشروا به ، ثم إذا بهم قد عشا أبصارهم وهج هذه المدرسة الجديدة التي أرادت شدهم معها من الوقوف على حافة الذات الإنسانية ، التي اكتفوا بالدوران حولها ، إلى الهبوط في أغوارها والغوص في أعماقها إلى درك ينعدم فيه الوعي وينقطع فيه الشعور ، ثم التوغل في ظلمات اللاوعي ومجاهل اللاشعور إلى عالم شبيه بعالم الأحلام ، أو هو عالم الأحلام بعينه ، لكن هؤلاء هابوا هذه الرحلة غير المأمونة ، وعدوها نوعًا من العبث ، بل ضربًا من أحوال الحواة وصناع الدجل .

لكن رغم هذا التهيب من قبل الآباء ، لم يحجم الأبناء من تكرار الدعوة إلى سبر أغوار النفس الإنسانية في الأدب والنقد ، ولم يرعهم قسوة أولئك الآباء وتشددهم في نقدهم ونقد صنيعهم ، بل مضوا في هذا السبيل ، سواء في البلاد الأوروبية أو نظراؤهم في البلاد العربية ، ينظّرون لتيارهم هذا الذي ه ألصق بطبيعة الأدب ووظيفة الشعر في استلهام النفس الإنسانية.

ايوب صابر 01-19-2013 10:39 PM

شكرا استاذ بحثك في المردسة الرمزية.

ساكون متابع لحلقات هذه الدارسة ثم ربما نفتح المجال للنقاش حولها وحول المدراس الاخرى.

عبدالله باسودان 01-21-2013 05:24 PM

حول المدرسة الرمزية
 
حول المدرسة الرمزية في الشعر المعاصر - 2 -

لقد كانت البلاد الشامية هي الحاضنة الأولى في الوطن العربي لهذا التيار ، ومنها انتقل إلى مصر ، ومنها إلى البلاد العربية. يقول خليل حاوي وهو من الشعراء الرمزيين " إن الشاعر الرمزي يحاول أن يعبر عن أسرار الحياة النفسية السحيقة عن أعماقها اللاشعورية ، فإذا تمكن من إنتاج ذلك التعبير استطاع أن ينتج قصيدة رمزية حديثة".

إن ا لقصيدة الحديثة تتصادم فيها التجارب النفسية معبرة عن الرؤية التي تتغلغل في أعماق الشاعر ، لكن كيف يستطيع هذا الشاعر أن ينتج هذا التعبير عن تلك الأعماق النفسية واللاشعورية ، إنه إذا أراد ذلك فلا بد أن تكون له أولاً ( رؤية ) أو ( رؤيا ) وكأنه يرى أن الأولى تستمد نفسها من العقل والأخيرة من الباطن ، كما أن للفظة ( الرؤيا ) مفهومًا دينيًا وصوفيًا ومن ثم فإن لها دلالة ميتافيزيقية غيبية ، وأول من تبناها في مجال النقد هم جماعة ( شعر ) ، وتحت تأثير هذه الجماعة يقول الرمزيون في تفسيرهم لتلك الرؤيا ، الرؤيا هي بمثابة اكتشاف وخلق جديد للأشياء أو بتعبير أوضح كسر جدران سجون الوعي الذي يلفنا قاسيًا بمنطقيته المحدودة .

إذن فالشاعر كي يكون حديثًا ، أو رمزيًا بالتحديد ، يجب عليه أن يتخلص من محدودية التفكير المنطقي ويتحرر من سجن الوعي ويقفز من أعلى جدرانه حتى يتسنى له أن يقبض على اللحظة الحضارية النفسية فيما هي تبرق وتخطف قبل أن يدركها الإدراك ويعيها الوعي ويجزئها إلى معانٍ وأفكار .

إن الشاعر في سباق لاهث مع ( خصمه اللدود ) الوعي والمنطق على الإشارات التي تنبعث من أعماقه النفسية ليصورها في إبداعه كما هي حالمة قبل أن يدركها الوعي ويحيلها إلى العقل فيضع لها تفسيرًا قد لا يكون صحيحًا أو دقيقًا، إنه يفضل أن يلوذ بحالة اللاوعي تلك الحالة التي تكون موجودة في النفس وهي الأشد تأثيرًا على مصيرها ومواقفها وعواطفها من الأفكار والأحوال التي تطرأ على الوعي فيعيها ويتمثلها وينتبه لها ، وتلك النظرة إلى دور اللاوعي يبدو فيها الشعراء الرمزيون متأثرون بمقولات علماء التحليل النفسي وعلى رأسهم فرويد ، ومن ثم نراهم يقولون بوضوح بأن الشاعر الرمزي " يجب أن يكون ذلك المثقف الحالم على حد تعبير سيجموند فرويد "، إنها ثقافة غير عادية ، بل هي ثقافة ينبغي أن تتسم بالاتساع والعمق حتى تكون وسيلة مثلى للشاعر تمكنه من تشكيل تلك الرؤيا وإنضاجها وتعميقها وتكثيفها لتترك في نفس المتلقي شعورًا ، كما تساعده على إنجاز عملية تعطيل الوعي ، وهذا التعطيل يعد في حد ذاته عملاً إراديًا يحتاج إلى كثير من الرياضة و الدربة والمكابدة .

ثم إن الشاعر الرمزي يفترض فيه أن يكون ذا نظرة متميزة لمجريات واقعه ، ولتحقيق ذلك عليه أن يصاب بصورة مستمرة بالاندهاش من كل ما يمكن أن يدخل في حدود إبصاره ، ذلك لأن ( الدهشة ) هي كما يراها الشعراء الرمزيون " أعظم فلذة في الشعر الحديث ، فالشاعر الحقيقي لا ينظر إلى الأشياء إلا بدهشة " ، ولا شك أن الدهشة لا تعتري الإنسان إلا إذا رأى ما لم يألفه ، وهذا الأمر يجعل الشاعر مطالبًا بأن ينظر حتى إلى الأشياء المألوفة كأنها غير مألوفة ، أو بعبارة أخرى أن ينظر هو إليها نظرًا غير مألوف ، أو ينظر إليها نظرًا حالمًا كما ينظر الوسنان إلى الأشياء أو الوقائع التي تتراءى له في أحلامه وتمتلئ بها نفسه ارتياحًا أو انقباضًا لكنه في كلا الحالتين لا يدري لها تأويلاً ولا يدرك لها تعبيرًا .
يتبع ….

ايوب صابر 01-22-2013 09:40 AM

اشكرك مرة اخرى ..انا متابع لهذه الحلقات. كنت اظن بأن سبب ولادة المدرسة الرمزية هو الانظمة السياسية الشمولية والقهرية، ربما ان افكار فرويد وعلم النفس بشكل عام اثرت في مجالات عدة من بينها المدرسة الحديثة لكنن لا اعرف مدى ارتباط المدرسة الرمزية بأفكار فرويد.

هل لك ان تشرح لنا معنى الرمزية في الشعر بصورة اكثر تفصيلا وتقدم نماذج على ذلك. يعني لو اخذنا شعر الشاعر ادونيس مثلا على الرمزية هل يمكننا الربطب بين شعره وعلم النفس؟

عبدالله باسودان 01-24-2013 05:26 PM

حول الدرسة الرمزية
 
تابع - 2 - حول المدرسة الرمزية في الشعر المعاصر

آسف هذا البحث مكرر

.....لقد كانت البلاد الشامية هي الحاضنة الأولى في الوطن العربي لهذا التيار ، ومنها انتقل إلى مصر ، ومنها إلى البلاد العربية. إن الشاعر الرمزي يحاول أن يعبر عن أسرار الحياة النفسية السحيقة عن أعماقها اللاشعورية ، فإذا تمكن من إنتاج ذلك التعبير استطاع أن ينتج قصيدة رمزية حديثة ،: يقول الرمزيون أن القصيدة الحديثة تتصادم فيها التجارب النفسية معبرة عن الرؤية التي تتغلغل في أعماق الشاعر ، لكن كيف يستطيع هذا الشاعر أن ينتج هذا التعبير عن تلك الأعماق النفسية واللاشعورية ، إنه إذا أراد ذلك فلا بد أن تكون له أولاً ( رؤية ) أو ( رؤيا ) وكأنه يرى أن الأولى تستمد نفسها من العقل والأخيرة من الباطن ، كما أن للفظة ( الرؤيا ) مفهومًا دينيًا وصوفيًا ومن ثم فإن لها دلالة ميتافيزيقية غيبية ، وأول من تبناها في مجال النقد هم جماعة ( شعر ) ، وتحت تأثير هذه الجماعة يقول الرمزيون في تفسيرهم لتلك الرؤيا : " الرؤيا هي بمثابة اكتشاف وخلق جديد للأشياء أو بتعبير أوضح كسر جدران سجون الوعي الذي يلفنا قاسيًا بمنطقيته المحدودة ، إذن فالشاعر كي يكون حديثًا ، أو رمزيًا بالتحديد ، يجب عليه أن يتخلص من محدودية التفكير المنطقي ويتحرر من سجن الوعي ويقفز من أعلى جدرانه حتى يتسنى له أن يقبض على اللحظة الحضارية النفسية فيما هي تبرق وتخطف قبل أن يدركها الإدراك ويعيها الوعي ويجزئها إلى معانٍ وأفكار."

إن الشاعر الر مزي في سباق لاهث مع ( خصمه اللدود ) الوعي والمنطق على الإشارات التي تنبعث من أعماقه النفسية ليصورها في إبداعه كما هي حالمة قبل أن يدركها الوعي ويحيلها إلى العقل فيضع لها تفسيرًا قد لا يكون صحيحًا أو دقيقًا، إنه يفضل أن يلوذ الشاعر بحالة اللاوعي تلك الحالة التي تكون موجودة في النفس وهي الأشد تأثيرًا على مصيرها ومواقفها وعواطفها من الأفكار والأحوال التي تطرأ على الوعي فيعيها ويتمثلها وينتبه لها ، وتلك النظرة إلى دور اللاوعي يبدو فيها الشعراء الرمزيون متأثرون بمقولات علماء التحليل النفسي وعلى رأسهم فرويد ، ومن ثم نراهم يقولون بوضوح بأن الشاعر الرمزي " يجب أن يكون ذلك المثقف الحالم على حد تعبير سيجموند فرويد "، إنها ثقافة غير عادية ، بل هي ثقافة ينبغي أن تتسم بالاتساع والعمق حتى تكون وسيلة مثلى للشاعر تمكنه من تشكيل تلك الرؤيا وإنضاجها وتعميقها وتكثيفها لتترك في نفس المتلقي شعورًا بعدم الاكتفاء ، كما تساعده على إنجاز عملية تعطيل الوعي ، وهذا التعطيل يعد في حد ذاته عملاً إراديًا يحتاج إلى كثير من الرياضة و الدربة والمكابدة .

ثم إن الشاعر الرمزي يفترض فيه أن يكون ذا نظرة متميزة لمجريات واقعه ، ولتحقيق ذلك عليه أن يصاب بصورة مستمرة بالاندهاش من كل ما يمكن أن يدخل في حدود إبصاره ، ذلك لأن ( الدهشة ) هي كما يراها الشعراء الرمزيون " أعظم فلذة في الشعر الحديث "، فالشاعر الحقيقي لا ينظر إلى الأشياء إلا بدهشة " ، ولا شك أن الدهشة لا تعتري الإنسان إلا إذا رأى ما لم يألفه ، وهذا الأمر يجعل الشاعر مطالبًا بأن ينظر حتى إلى الأشياء المألوفة كأنها غير مألوفة ، أو بعبارة أخرى أن ينظر هو إليها نظرًا غير مألوف ، أو ينظر إليها نظرًا حالمًا كما ينظر الوسنان إلى الأشياء أو الوقائع التي تتراءى له في أحلامه وتمتلئ بها نفسه ارتياحًا أو انقباضًا لكنه في كلا الحالتين لا يدري لها تأويلاً ولا يدرك لها تعبيرًا .


يتبع

عبدالله باسودان 01-24-2013 05:46 PM

حول المدرسة الرمزية
 
حول المدرسة الرمزية - 3 -

لكن الشاعر الرمزي لديه وسائله التي يستطيع بها التعبير عن تلك الحالة الحالمة ، حيث يرى أنها تتمثل في الرمز والأسطورة والموسيقى ، أما الرمز أنه بمثابة عملية لاصطياد الرؤيا العميقة التي تكمن في أعماق النفس الإنسانية ، والشاعر يصطاد تلك الرؤية غفلاً خالية من أي شائبة وعي يفسرها أو منطق يحددها ، ومن ثم يسجلها في شعره على شكل رموز ، والرمز يبدأ من واقع ما رآه الشاعر أو عايشه ، لكنه لا يلتصق بجزئيات ذلك الواقع ولا يحلله وإنما يرده إلى أعماق ذاته ، ثم يسلمه إلى التجريد والتكثيف حتى يصبح أسلوب العمل الأدبي غامضًا أشبه بالأحلام التي تندمج فيها الصور على تناثر موادها وسعة دلالاتها ، وهو الأمر الذي يهيئ لربط هذا الأسلوب بالغموض ، ومن ثم نرى ذلك الارتباط الغموض والرمز في الشعر ناتجان لا عن سبب خارجي بل بسبب داخلي يعود إلى " طبيعة الرؤيا عند الشاعر " .تلك الطبيعة ينتج عنها تعدد القراءات وتدرجها للقصيدة القائمة على الرمز على ذلك النحو ، قراءات استكشافية تتقدم إلى ذهن القارئ بخطوات قد لا تنتهي لتجدد الدلالات واكتشاف المزيد منها لدى كل قراءة جديدة إنها قراءات تتعدد فيها مستويات التأويل لكن لا تتمانع، فكل يتصورها حسب حالته الوجدانية وحسب ما يستطيع أن يستنبط منها وحسب ما تثيره أصداؤها في نفسه وحسب ما تبعثه من عواطف ومشاعر ، وكأنها نافذة يطل منها الشاعر على أفق واسع من عالمه الداخلي) ، وفي ذلك يقول الشعراء الرمزيون : " القصيدة الحديثة هي تلك التي لا تنتهي أبدًا ، إنما تترك صورها وإيقاعاتها لتكمل أصداءً و أطيافًا لا متناهية ، ذات أبعاد موحشة سحيقة حسب قدرة كل قارئ على التعاطف المرنان معها ، إنها تلك التي تتسرب تدريجيًا إلى أعماق الذات ومكوثها فيها أخلد من مكوث تلك القصيدة القديمة ، ولأن الرمز سمة أسلوبية فإن جزئياته " ليست لها قيمة ذاتية ، بل تنبع قيمتها من وظيفتها الإيحائية في البناء العام للرمز ، لهذا نرى الشاعر الرمزي ينصح قارئه إذا أراد أن يستوعب قصيدة رمزية أن لا يجزئها أو يطلب معنى مستقلاً قائمًا بنفسه في حيز من كلماتها ، حيث أن القصيدة الرمزية لا تفسر إلا ككل لأن كل أبياتها بمثابة عوالم موحشة كل بيت مرتبط بالبيت الأخير ، وهو ارتباط نفسي وليس ارتباطًا منطقيًا حيث إن وحدة القصيدة الرمزية نفسية مليئة بالمفاجآت الإيحائية ، وليست نفسية على أساس التداعي ، كما إن الرمز ليس من طبيعته ووظيفته " أن ينقل إليك أبعاد الأشياء وهيئاتها كاملة ولكن وظيفته أن يوقع في نفسك ما وقع في نفس الشاعر من إحساسات ".
ويلحق بالرمز الأسطورة ، وهي في الأصل حكاية مجهولة المؤلف غالبًا تفسر ظاهرة كونية ، ثم اتخذت أداة فنية بوصفها أحد منابع اللاشعور الجمعي التي يمتح منها الأديب الرمزي ، وقيمتها عند الرمزيين تكمن ، كما يقول إزراباوند، في أنها " بمثابة اتحاد الماضي بالحاضر ، تصادم زماني يشمل كل المؤثرات والعوامل الإنسانية منذ فجر البداءة " ، ونجد هنا الشعراء الرمزيون متأثرًون بكارل يونغ في فهمه لمفهوم الأسطورة ووظيفتها الرمزية فينقل عنه أن الأسطورة " رواسب نفسية لتجارب لا شعورية ، يشارك فيها الأسلاف في عصور بدائية تؤدي إلى طمس المعالم والحدود بين الأجيال والمجتمعات الإنسانية المختلفة ، وإلى تجاهل كل التطور الإنساني في صعوده عبر الزمن من الحالات المتوحشة إلى المجتمع المتقدم الذي نحن عليه " ، وبهذا يصبح العودة إلى الماضي وسيلة لا غاية ، وسيلة لفهم الحاضر بخيال أكثر غنى وحيوية وخصبًا يتشكل من الربط الوثيق بين مضمون الأسطورة وما يشاكله في العصر الحاضر ، ويظهر ذلك الاتحاد أو التصادم في شخصيات الأسطورة وأحداثها ومواقفها التي يمكن ردها أو رد بعض منها إلى شخصيات وأحداث ومواقف عصرية حاضرة ، ومن ثم فهي تشكل وسيلة استعارية أو إيحائية جنح كثير من الشعراء إلى استخدامها في القصيدة المعاصرة.

آية أحمد 01-28-2013 02:10 PM

شكرا الاستاذ عبد الله باسودان على هذه المعلومات القيمة التي أتحفتنا بها، و سأكون إن شاء الله متابعة لكل جديد تروي به ظمأ المعرفة عندنا ، و أنا هنا أضم صوتي إلى صوت الأستاذ المحترم أيوب صابر في المطالبة بنماذج مدروسة تضعنا على منصة التطبيق لنستفيد أكثر.
جزاك الله خيرا لما تبذله من مجهود في تنويرنا.

عبدالله باسودان 01-28-2013 07:38 PM

حول المدرسة الرمزية
 
حسب طلب الأخوة الكرام أيوب صابر و آية أحمد نتناول على سبيل المثال قصيدة "ذاك المساء" للشاعرة فدوى طوقان. والقصيدة، كما يتراءى للقارئ المثقف نتاج ثقافات مختلفة اكتسبتها الشاعرة في مختلف أطوار حياتها فإنك قلما تجد مقطعا ليس مفعما بالتدفق النفسي الثقافي والاشارات والرموز العميقة المحيطه بجميع أبعاد القصيدة. أنها حصيلة تفاعل واحتكاك مستمرين لثقافات عميقة فالرموز المحيطه بعالم القصيدة هي التي جعلتها مكتنفة بالغموض وذلك لأنها بمثابة عملية لاصطياد الرؤيا العميقة التي تكمن في أعماقها فالشاعر الحديث ليصبح ذا رؤية عميقة يجب أن يتشبع بالثقافات وذلك طبعا لتكتمل الرؤية لديه وليدرك واقعه الحضاري من جميع الأبعاد أنه يجب أن يكون (ذلك المثقف الحالم) على حد تعبير سيجموند فرويد.
تقول فدوى :
ذاك المساء
والشارع الممدود تسحب فوقه شمس الخريف
هزما بقايا من ضياء
والصمت يحتضن المكان
سوى رفيف أشجاره .. وخطى لبعض العابرين ..
ساروا هناك على الرصيف
ساروا بلا قصد بلا هدف ..
حيارى تائهين
فذاك المساء المخيم على الشارع الممدود الذي يكتنفه الصمت وبعض خطى العابرين، الذين ساروا على الرصيف بلا هدف بلا قصد حيارى تائهين، هذه المناظر الحزينة عاشتها الشاعرة في لحظة من لحظات حياتها بعد حكاية الحب الذي قد دفنته – كما سيتضح لنا أخيرًا – إنها هنا بهذه الرؤيا النقية والموسيقى الداخلية ، ترمز إلى اللحظة المؤلمة التي عاشتها في هذا الوجود ، لحظة مفعمة بالقلق والتمزق ، إنه ذلك التفجر المأساوي الداخلي الذي يكشف لنا عن عمق التجربة في حالة فقدان الحب كل ذلك بأسلوب هادئ متواصل النبرات متصل الأعصاب بدون أدنى صخب أو أنين صوتي ، إنه عملية تسرب داخلي لا نشعر به إلا بعد انتهائنا من القصيدة :
لم أدر فيم وقفت فيم تسمرت
قدمي على ذاك الرصيف
لم أدر ماذا شدني عند الجدار
هل كنت أبحث في ضياعي عن وجودي
هل كنت في قلق الحياة
ذاك المساء أسعى بأعماقي إلى شيء بعيد أسعى إليه
أود لو ألقاه لكن لا أراه.
كان الفراغ يحط في عيني ثقله
وتفاهة الأشياء تلقى ظلها الخاوي بنفسي
وتلف أيامي البطيئات المملة
فحكاية الحب التي أنهيتها
شيعتها ودفنتها من أمس أمس
ها نحن قد مرت علينا عشرون يومًا فارغًا
مرت علينا عشرون يومًا ما التقينا
ووقفت ماذا لو يمر الآن بى ؟
أنا كيف ألقاه لو التقت العيون
أنا لن أمد يدي إليه
لن يحركني فرح ذاك الجنون
ما عاد مثل الأمس يبدع لي الفرح
سارد عن عينيه وجهي
لو يمر الآن بي سأظل أرنو للفراغ
كأنه ما مر بي
لا .. لن أبالي لو يمر
وبقيت في ظل الجدار
لم أدر فيم بقيت في ظل الجدار
قدمي مصفدة وطرفي تائه لا يستقر
لاحظوا ذلك التيار القصيدي غير المتقطع ، كل بيت مرتبط بالبيت الآخر إلى نهاية القصيدة :
هو !! وانتفضت
وحاصرت عيناى منعطف الطريق
وقطعت مفترق الدروب
ورحت تدنو من مكاني هي خطوة أو خطوتان
ووقفت في ظل الجدار معي هناك على الرصيف
لم أدر ماذا قلت
كيف تعانقت منا اليدان..
وتسمرت عيناى في الوجه الذي أدمنته في واقعي المحتوم
في قدري الذي قاومته عشرون يومًا فارغًا
قاومته ورفضته .
نرى الشاعرة لم تدر فيم تسمرت قدماها على ذلك الرصيف ، إنها قوة خفية تلك التي دفعتها بأن تقوم بهذا العمل الإجباري، لتقف على ذلك الرصيف ؛ لكن لماذا هو !! وانتفضت وحاصرت عيناي منعطف الطريق ، هنا نقبض على أعظم فلذة في الشعر الحديث إنها الدهشة ، فالشاعر الحقيقي لا ينظر إلى الأشياء إلا بدهشة يقول سان جون بيرس " يتكشف الشعر على أنه ابن الدهشة الحقيقي " ، وهكذا كان القدر المحتوم هو الذي دفعها إلى أن تقف في ذاك الرصيف لكي ترى رفيقها الذي هو في نظرها قد دفنت حبها له ، إنها عشرون يومًا مذ أن شيعته ودفنته ، إنها هنا تصف بكل دهشة حالة الفراغ التي تحسها بعد أن أنهت حكاية الحب إذ ليس من الممكن في نظرها أن يبعث المدفون من جديد ، لكنها بالرغم من رفضها لهذا الحب عشرين يومًا فارغًا قاومته ورفضته ، ترى نفسها رغمًا عن كل أساليب الرفض والمقاومة تندفع إليه عند رؤيته بصورة لا شعورية وبلهفة شوق جارف ، ترى نفسها أيضًا تقبله كل ذلك كان رغمًا عن امتناعها المتكرر وتحديها العنيد لقدرها المحتوم ، إنها سلفًا كانت تظن أنه محال .. محال بعث ذلك الحب الذي قد توارى عن عوالمها منذ عشرين يومًا أما الآن فيا للدهشة ، يا لخيبة الظن واليقين ها هي اللحظة الحتمية تشرئب أمامها لتصفع كل ما كان ممكنًا لديها ذلك المستحيل ذلك الجدار الذي كانت تخاله من قبل قد تراءى لها ممكنًا الآن ولكن ذلك – يا لسخرية القدر – تكسر عن جدار آخر عن مستحيل آخر عن مشكلة كونية أخرى هي في حد ذاتها كيفية إمكانية ذلك المستحيل ، إننا هنا بصورة لا شعورية وكأننا في حلم نرى الشاعر بهذه الأعصاب الفنية الميتافيزيقية الشعورية تغوص في أعماق الميتافيزيقا . إنها بحق مشكلة الإنسان في البحث وراء مجهول المجهول مشكلة التصادم الكوني كما يقول كامو في عبثيته ، إنها تلهف الإنسان للمعرفة وصمت الطبيعة .
يقول سارتر في هذا المجال أن نقص المعارف الضرورية لتوجيه السلوك الإنساني والقيام بعمليات اختيار معقول أشد خطرًا وأعمق مأساة ومن المستحيل في هذا المنحى الإجابة عن الأسئلة النهائية الكبرى وعديد دوافع اختيارنا .
ثم إذا قارناها بقصيدة تقليدية للشاعر العراقي ( معروف الرصافي ) ، كي يتضح الفرق بين طبيعة النصين الشعريين ، يقول الرصافي :
من أين يرجى للعراق تقـدم
وسبيل ممتلكيه غير سبيله

لا خير في وطن يكون السيف
عنــد جبانه والمال عند بخيله

والرأي عند طريده والعلم عنــد
غريبه والحكم عند دخيله

وقد اسـتبد قلـيله بكثـيره
ظلمًا ، وذل كثيره لقليله

نر ى البيت الأول منعدماً كليًا من أي قرب أو بعد نفسي ، إنه تساؤل شعري مشلول الحركة سرعان ما تتلاشى أطيافه عند القراءة الأولى ، ذلك لأنه بمنطقيته يخاطب العقل أكثر مما يخاطب النفس، ومثله سائر الأبيات التي هي ليست إلا حكم جوفاء ممجوجة ، وخطابة منبرية ، ومن ثم فليس فيها غير الإثارة الوقتية. حيث أن للعقل وظيفة أخرى غير الشعر وهو النثر ، وهي فكرة لطالما رددها رواد الرمزية ، تأثرًا بتقسيم ( إدجار الن بو ) لقوى الطبيعة الإنسانية إلى عقل و ضمير ونفس ، وأن الأخيرة هي وحدها " المسئولة عن الشعر ، فهو يصدر عن النفس ، وإذا كان الشاعر مفكرًا منطقيًا وحكيمًا ألمعيًا فماذا يبقى للناثر ، لا شيء إذ لا فرق بين عمل الناثر وعمل الشاعر إلا الوزن العروضي.

آية أحمد 01-29-2013 05:04 PM

شكرا جزيلا أستاذي الفاضل لتلبية طلبنا، و لما تبذله من جهد في سبيل إفادتنا.
أرجو أن نحظى بمواضيع و دراسات أخرى ،و بخاصة ما يتعلق بالأدب المعاصر، ولا يكون ذلك حكرا على الشعر فحسب.
تحياتي و تقديري.

احمد ماضي 02-10-2013 11:07 PM


استاذي باسوادن
تحياتي

انحني لك على هذه القراءة الرائعة والمهمة لتيار الرمزية

في الادب العربي عموما

لكني لا أظنك تختلف معي

كون هنالك أقلام اليوم أنتشر وبدات تكتب ما تشتهي دون ما وعي

تحت مظلة الرمزية

فالكثير لليوم لا يعي ادوات حقيقة لهذه المدرسة

ورؤية تامة يسير عليها المتلقي والباحث او الناقد

تقبل جل أحترامي


الساعة الآن 01:51 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team