منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   قصة قصيرة: متى تشرق الشمس؟ (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=27853)

هشام اجران 01-21-2021 01:30 AM

قصة قصيرة: متى تشرق الشمس؟
 
متى تشرق الشمس؟
صرخ بغضب :
- "ارحلي أيتها الشمس ! "
ضم قبضته في قوة، ورمق الشمس المتربعة في كبد السماء بنظرة شرزاء كأنما يتوعدها بالضرب، لكن سرعان ما تراخت القبضة في ضعف واضح بعدما بدت له سخافة الفكرة.
أطلق تنهيدة من الأعماق علها تبعد مشاعر الضيق واليأس والغضب والحزن التي اجتاحته ،ثم رنا للفضاء أمامه بنظرة ميتة، وعاد ليزفر من جديد بعد أن زاد المنظر من الغصة داخله، وهذه المرة لم يتمالك نفسه، فأطلق العنان لعبرات ساخنة بللت الوجنة السمراء، والأرض الصفراء.
لم تعد السماء تجود بعطاياها، جفت الينابيع، وفقدت الأرض نسمة الحياة، حكم الجفاف على هذه الأرض بالموت وعلى أهلها بالضياع. طال انتظار تلك الهبة الإلاهية، لكن لا شيء، فسكن اليأس القلوب، وفترت همة الرجال وماتت بداخلهم الإرادة والقوة والصبر وحتى الإيمان أحيانا. ليبدأ النزوح الجماعي نحو الجانب الآخر، هجروا أرضهم وبيوتهم الطينية وجيرانهم وتوجهوا نحو المدينة الكبيرة عل الحياة تفتح حضنها من جديد، قليلون فقط تشبثوا بالأمل فبقوا صامدين ينتظرون، وهو واحد منهم، لكن إلى متى؟
أغمض عينيه في ألم كأنما يحاول أن ينسى كل شيء و ألا يرى شيئا ، لكنها الشمس مرة أخرى، حتى وإن أغلق عينيه ، فانعكاس ضوئها يبقى ساطعا وسط الظلمة .
دخل بيته بخطى متثاقلة وهو يدعو الله أن يجد الأبناء نائمين، استقبلته زوجته بنظراتها التائهة، وسألته بلوعة : - ماذا قررت؟
رد بصوت خافت وهو يتحاشى النظر إليها:
_ "غذا سنرحل." ولم يزد.
الطريق طويل، منذ زمن بعيد لم يسافر، تسابق الأبناء للظفر بمقعد قرب النافذة للتملي بالمناظر، بدوا مندهشين هم الذين لا يعرفون من الأمكنة سوى بلدتهم البئيسة، وارتمى هو على المقعد في تهالك واضح، وقد شرد ببصره نحو اللامكان. بعد لحظات أيقظه صوت خشن يخبر الراكبين بالوصول.
وضعوا أولى الخطوات على الأرض الإسفلتية، هرج كبير يسود المكان وزحام أكبر، تمسكوا ببعضهم البعض، وبدت ملامحهم مثيرة للشفقة بكل ما تحمله من مظاهر الدهشة والخوف والترقب والانبهار. وكأنما تذكر شيئا، رفع عينيه للسماء ففاجأته غيوم كثيفة تملأها، وحاول أن يتذكر آخر مرة رأى السماء بهذا اللون والمظهر.
أيقظته من تأملاته قطرة ماء ضربت وجهه في رفق وصرخة طفولية بريئة من أحد أطفاله وهو يصيح:
_" مطر ...مطر!!"
أحس بالمطر يغسل وجهه وجسده ويحيي القوة والشباب والأمل فيه من جديد، ضم قبضته في قوة، واستنشق الهواء من حوله فكأن رائحة التراب تناديه، النداء يكبر في أعماقه ويزداد.
_"ماذا أنتظر؟" تساءل بدهشة.
شعر بأن الأرض تحت أقدامه أشد صلابة، فتذكر أنه بعيد عن أرضه. نظر حوله، فواجهته عيون قاسية وسحنات غريبة ترمقه بنظرات أغرب. تذكر قريته، حيث الوجوه السمحة والقلوب الطيبة، وعاد ليستنشق الهواء في محاولة لتجاهل النظرات المخيفة، كان للهواء طعم مختلف هذه المرة، طعم سيء يخنقه ولا ينعشه كهواء بلدته.
توقف المطر، خرج الناس من مخابئهم وانتشروا في الفضاء الواسع، خطوات مسرعة ونظرات قاسية ووجوه غابت عنها الابتسامة، تذكر أنه لا يعرف أحدا هنا، أين سيمضي؟ أين سيعمل؟ وأين سيسكن؟؟
الأرض تحته زادت صلابتها والهواء الملوث أصبح وقعه عليه أشد، التصق به أطفاله في خوف، ومدت الزوجة يدا نحيلة لتمسك بيده الباردة.
نظر للسماء نظرة أخيرة، كانت الغيوم تتحرك مخلفة وراءها غيوما أخرى أشد سوادا.
ارتخت قبضته في ضعف، وخرجت الكلمات من شفاه ميتة:
_ " متى تشرق الشمس؟"

إبراهيم ياسين 01-21-2021 04:31 PM

رد: قصة قصيرة: متى تشرق الشمس؟
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هشام اجران (المشاركة 280955)
متى تشرق الشمس؟
صرخ بغضب :
- "أارحلي يتها الشمس ! "
ضم قبضته في قوة، ورمق الشمس المتربعة في كبد السماء بنظرة شرزاء كأنما يتوعدها بالضرب، لكن سرعان ما تراخت القبضة في ضعف واضح بعدما بدت له سخافة الفكرة.
أطلق تنهيدة من الأعماق علها تبعد مشاعر الضيق واليأس والغضب والحزن التي اجتاحته ،ثم رنا للفضاء أمامه بنظرة ميتة، وعاد ليزفر من جديد بعد أن زاد المنظر من الغصة داخله، وهذه المرة لم يتمالك نفسه، فأطلق العنان لعبرات ساخنة بللت الوجنة السمراء، والأرض الصفراء.
لم تعد السماء تجود بعطاياها، جفت الينابيع، وفقدت الأرض نسمة الحياة، حكم الجفاف على هذه الأرض بالموت وعلى أهلها بالضياع. طال انتظار تلك الهبة الإلاهية، لكن لا شيء، فسكن اليأس القلوب، وفترت همة الرجال وماتت بداخلهم الإرادة والقوة والصبر وحتى الإيمان أحيانا. ليبدأ النزوح الجماعي نحو الجانب الآخر، هجروا أرضهم وبيوتهم الطينية وجيرانهم وتوجهوا نحو المدينة الكبيرة عل الحياة تفتح حضنها من جديد، قليلون فقط تشبثوا بالأمل فبقوا صامدين ينتظرون، وهو واحد منهم، لكن إلى متى؟
أغمض عينيه في ألم كأنما يحاول أن ينسى كل شيء و ألا يرى شيئا ، لكنها الشمس مرة أخرى، حتى وإن أغلق عينيه ، فانعكاس ضوئها يبقى ساطعا وسط الظلمة .
دخل بيته بخطى متثاقلة وهو يدعو الله أن يجد الأبناء نائمين، استقبلته زوجته بنظراتها التائهة، وسألته بلوعة : - ماذا قررت؟
رد بصوت خافت وهو يتحاشى النظر إليها:
_ "غذا سنرحل." ولم يزد.
الطريق طويل، منذ زمن بعيد لم يسافر، تسابق الأبناء للظفر بمقعد قرب النافذة للتملي بالمناظر، بدوا مندهشين هم الذين لا يعرفون من الأمكنة سوى بلدتهم البئيسة، وارتمى هو على المقعد في تهالك واضح، وقد شرد ببصره نحو اللامكان. بعد لحظات أيقظه صوت خشن يخبر الراكبين بالوصول.
وضعوا أولى الخطوات على الأرض الإسفلتية، هرج كبير يسود المكان وزحام أكبر، تمسكوا ببعضهم البعض، وبدت ملامحهم مثيرة للشفقة بكل ما تحمله من مظاهر الدهشة والخوف والترقب والانبهار. وكأنما تذكر شيئا، رفع عينيه للسماء ففاجأته غيوم كثيفة تملأها، وحاول أن يتذكر آخر مرة رأى السماء بهذا اللون والمظهر.
أيقظته من تأملاته قطرة ماء ضربت وجهه في رفق وصرخة طفولية بريئة من أحد أطفاله وهو يصيح:
_" مطر ...مطر!!"
أحس بالمطر يغسل وجهه وجسده ويحيي القوة والشباب والأمل فيه من جديد، ضم قبضته في قوة، واستنشق الهواء من حوله فكأن رائحة التراب تناديه، النداء يكبر في أعماقه ويزداد.
_"ماذا أنتظر؟" تساءل بدهشة.
شعر بأن الأرض تحت أقدامه أشد صلابة، فتذكر أنه بعيد عن أرضه. نظر حوله، فواجهته عيون قاسية وسحنات غريبة ترمقه بنظرات أغرب. تذكر قريته، حيث الوجوه السمحة والقلوب الطيبة، وعاد ليستنشق الهواء في محاولة لتجاهل النظرات المخيفة، كان للهواء طعم مختلف هذه المرة، طعم سيء يخنقه ولا ينعشه كهواء بلدته.
توقف المطر، خرج الناس من مخابئهم وانتشروا في الفضاء الواسع، خطوات مسرعة ونظرات قاسية ووجوه غابت عنها الابتسامة، تذكر أنه لا يعرف أحدا هنا، أين سيمضي؟ أين سيعمل؟ وأين سيسكن؟؟
الأرض تحته زادت صلابتها والهواء الملوث أصبح وقعه عليه أشد، التصق به أطفاله في خوف، ومدت الزوجة يدا نحيلة لتمسك بيده الباردة.
نظر للسماء نظرة أخيرة، كانت الغيوم تتحرك مخلفة وراءها غيوما أخرى أشد سوادا.
ارتخت قبضته في ضعف، وخرجت الكلمات من شفاه ميتة:
_ " متى تشرق الشمس؟"

قصة رائعة تخطف الأبصار و الألباب من الحرف الأوّل حتى الأخير. سّلِمَت يمناك أستاذ هشام.

ناريمان الشريف 01-21-2021 06:27 PM

رد: قصة قصيرة: متى تشرق الشمس؟
 
الحقيقة أنها قصة قيمة لكن فكرتها ليست جديدة ..
وكان بالإمكان اختصارها أكثر ..
لكنني أشهد بأنك بارع في الوصف ،
أثارت هذه القصة بداخلي ، شيئاً مفزعاً ، كيف أن الانسان لا يرضى بالشمس وهي مصدر الطاقة والحرارة والحياة في بلده الصغير ليجد نفسه ( بعد هجرته ) فاقداً لها في مدينة كبيرة تعج بأناس لا يعرفهم ويفتقر للشمس التي بات يتساءل في النهاية : متى ستشرق الشمس .؟
كنت هنا مع التحية
مع ملاحظة أنني قمت بتصحيح العنوان
( أارحلي يتها ) ارحلي أيتها
بنظرة شرزاء ، لم أفهم ما معنى ( شرزاء ) ؟
ناريمان

هشام اجران 01-21-2021 07:30 PM

رد: قصة قصيرة: متى تشرق الشمس؟
 
الشرز هو الشر والغلضة.
تحياتي ومودتي سيدتي وشكرا على اهتمامك وتصحيحك للخطأ الاملائي غير المقصود.

هشام اجران 01-21-2021 07:30 PM

رد: قصة قصيرة: متى تشرق الشمس؟
 
مودتي الغالية أستاذ إبراهيم.
شكرا على تقديرك

عبد الكريم الزين 01-21-2021 10:03 PM

رد: قصة قصيرة: متى تشرق الشمس؟
 
قصة جميلة ومغزاها عميق
لا نحس بقيمة النعمة إلا عند فقدانها
تحياتي لقلمك المبدع

هشام اجران 01-21-2021 11:24 PM

رد: قصة قصيرة: متى تشرق الشمس؟
 
شكرا على مرورك الجميل.
وتحية متبادلة أخي الكريم


الساعة الآن 10:44 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team