منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر ديوان العرب (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=48)
-   -   الشاعر محمد الحسن منجد/ حياته / شعره (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=1789)

عبد السلام بركات زريق 10-09-2010 07:32 PM

الشاعر محمد الحسن منجد/ حياته / شعره
 




- الشاعر محمد الحسن منجد من مواليد حماة 27-12-1935
- خريج دار المعلمين بحمص 1968
- عضو إتحاد الكتاب العرب 1975
- من أساتذته الشيخ المرحوم محمد الحامد والأستاذ الباحث
عبد الرزاق الأصفر وهما من علماء حماة الكبار
- قرأ العروض على يد الشاعر المرحوم محمد عالي الحمراء
المعروف ب (علي دُمَّر)
- معروف في الصحافة الأدبية ب ( الشاعر البركاني )
لجهارة صوته وطبيعة شعره القوي الجزل
- آثاره المطبوعة ....
- صراخ الجحيم 1975 ..... (29) قصيدة
- نداء الرميم 1998 ........ ( 23) قصيدة
- رماد الهشيم 1999 ....... (37) قصيدة
- جراح الصميم 2001 ..... (53) قصيدة
- سهر الشوق 2009 ....... (53) قصيدة
- عنده الكثير من القصائد التي لم تطبع بعد
- لبدايته مع الشعر قصة طريفة أحب أن أسردها هنا ..
عام 1948 كان طالباً في المرحلة الإبتدائية
أستاذه في اللغة العربية وأثناء نكبة فلسطين
طلب موضوعاً إنشائياً عن وعد بلفور المشؤوم
فكتب الطالب الذي كان يحفظ أكثر القرآن الكريم


أرض العروبة يستبيح ذمارها
قومٌ تَخَطوا حرمةَ الأديانِ

جاؤوا إلى الأقصى ذئاباً كلهم
لا يعرفون كرامة الإنسان

جعلوا النذالة والجهالة مهنةً
بالقتل والتشريد والعصيان

وتجاهلوا أن العروبة أمةٌ
أودتْ بعرش الفرس والرومان

شدَّتْ ركاب المجد بل سارتْ بها
وتسلَّحتْ بالحقِّ والإحسان

ومشتْ إلى مهد الرسول وأرضه
لتعيد فيه شعائر الإيمانِ

...............
...............

...............
...............

سُحقاً بني صهيون إنَّ لنا هنا
بيتاً أقيمَ بعزة الرحمن



(هذا ما يحفظه الشاعر منها )
صباح اليوم التالي ....
الأستاذ .. من محمد الحسن منجد ؟
الطالب .. بخوف أنا
الأستاذ .. من كتبَ هذا ؟؟
الطالب .. والله أنا
الأستاذ .. أنت كاذب .. أتستطيع أن تضيف
إلى موضوعك شيئاً ؟؟
الطالب .. نعم
كان الموضوع قصيدةً من 7-8 أبيات أضاف له الشاعر
بعدد أبياتها تقريباً لتكتمل القصيدة إلى خمسة عشر بيتاً
وهو في المدرسة ... كانت قصيدةً متكاملةً عروضاً
ولغةً ومعنى واجتمع الأساتذة ليهنئوا أنفسهم بولادة شاعرهم
الصغير ..
- رأي في الشاعر..
الشاعر من طبقة الكبار تربطني به علاقة رائعة ..
يتنفس شعراً ..أرى أن شاعريته ترقى إلى شاعرية
عمالقة شعراء سوريا في القرن العشرين (عمر أبو ريشة -
نزار قباني - بدوي الجبل ) عاش حياةً بائسة وما يزال
ولم يرتقِ إلى درجة معاصريه المذكورين لسببين ..
1 - حالة العوز التي يعيشها والتي جعلته لا يغادر
مجتمع حماة الضيق شأنه شأن معاصريه
2 - إحباطه الذي رافقه من أول أيام عمره فجعله
يزهد بكل شيء حتى بعشقه الأبدي (الشعر)
حتى أنه لم يطبع نتاجه إلا في السنوات
الأخيرة
- أخيراً سأضيف للقراء في هذه الصفحة تباعاً كل
أشعار أستاذي الكبير ولهم أن يحكموا على هذا
الصوت الشعري الفذ

ايوب صابر 10-09-2010 10:30 PM

الاستاذ عبد السلام بركات زريق

تقول عن الشاعر الشاعر محمد الحسن منجد
1 - حالة العوز التي يعيشها والتي جعلته لا يغادر مجتمع حماة الضيق شأنه شأن معاصريه
2 - إحباطه الذي رافقه من أول أيام عمره فجعله يزهد بكل شيء حتى بعشقه الأبدي (الشعر) حتى أنه لم يطبع نتاجه إلا في السنوات الأخيرة


هل لي ان اسأل عن اسباب العوز والاحباط؟ هل عاش الشاعر يتيما ؟ ام ان هناك احداث جسام في حياته وما هي؟

عبد السلام بركات زريق 10-10-2010 11:10 AM

السلام عليك
أهلاً بك أخي أيوب صابر في هذه الصفحة ..
من اسم الشاعر (منجد) كان والده يعمل
في تنجيد المفروشات ... في هذا المجتمع
الذي كان الأب فيه يمارس دور (النصف إله)
ولا أخفيك هو كذلك حتى الآن ....
إذن ورث عن أبيه الفقر ولن أبالغ إن قلت الفقر
الشديد ...
وأذكر لك أنه ما امتلك بيتاً يؤويه إلا عام 2004
قبلها كان مستأجِراً ... وصدرت قوانين الإيجار
التي تخول المالك إخراج المستأجِر ....صادف
ذلك أمسية شعرية في تكريم صديقه الشاعر
(عدنان قيطاز) ... كان شاعرنا مدعواً ليلقي
قصيدته الماتعة (التوأمان) .... بدأ قصيدته
وكان غاية التوتر والانفعال عندما وصل إلى قوله


صديقَ العُمْرِ : حسبُك أنَّ بيني
وبينَكَ ما ينوءُ به بياني

على أنِّي أرى التَّكريمَ باباً
تَزاحمَ فيه هدَّامٌ وباني

فناعقةٌ تُولوِلُ في خرابٍ
تُشيرُ لها الأصابعُ بافتتانِ

وتُغرِقُها الألوفُ بلا حسابٍ
فتنعِقُ بالسَّخيفِ من الأغاني

وشاعرُ أُمَّةٍ يقضي فقيراً
وتطويهِ الدَّقائقُ والثَّواني

ونوْدعُه التُّرابَ وتَعتليهِ
حوافرُ أتقنتْ وأدَ الأماني

فليس له على الأسماعِ ذِكرٌ
وليس له صدىً في مِهرجانِ

يميناً يا أخي عدنانُ إنِّي
أقولُ وفي فؤاديَ حسْرتانِ

فواحدةٌ تَملْمَلُ في ضميري
وواحدةٌ تَغلْغَلُ في كِياني

هنالكَ في العراقِ ينِزُّ جُرحٌ
نُضمَّدُه بإصدارِ البيانِ

وفي الأقصى نُواحٌ مستمرٌّ
جرى الناقوسُ فيه مع الأذانِ

يمزِّقُ أضلعي نوْحُ الثَّكالى
وصمتُ النَّائمينَ على الهوانِ

فكم أَرهفْتَ يا وجعي صقيلاً
أُقاتل فيه مرتعِشَ البَنانِ

أخافُ إذا تزلَّفَ أو تمادى
بتدليسٍ يعاقبُني جَناني

وإنْ أقحمتُه بسدادِ رأيٍ
يطاردُني فحيحُ الأُفعوانِ



وأذكرُ هنا ........
إن ما يتقاضاه الشاعر عن الأمسية من مال لا يكفي
لوجبة عشاء تشبع أسرته ... بينما تتقاضى المغنية
في الحفل الواحد مالاً يشتري بيتاً فتأمل !!!
عندما ردد الشاعر الأبيات السابقة التفت محافظ
حماة حينها إلى مجاوريه وقال : ما له الأستاذ
حسن ؟؟... أجابه الشاعر عدنان قيطاز : ليس
عنده مأوى سيدي المحافظ ....
وهكذا تكفل السيد المحافظ مشكوراً بمنحه بيتاً
سكنياً ...فيما كان شاعرنا يفكر أن ينصب خيمةً
ليقيمَ فيها ....
الأمر الآخر ...لا أذيعُ سراً ... زواجه كان فاشلاً
بكل المقاييس ...
و أعلمك أخي الكريم ... رغم كون حماة مدينة
رائعة لكنها تضيق عن فضاء شاعر ...فبينما طاف
المرحومان (نزار قباني وعمر أبو ريشة) أصقاع
الأرض بحكم المهنة (دبلوماسيان ) فانفتحت أمامهما
آفاقٌ للإبداع ... ظل شاعرنا حبيساً ما غادر مدينته قط
ماقلته من رأيٍ في مداخلتي السابقة ليس كونه صديقي
أنا هكذا أرى بدرايتي المتواضعة ... القارئ هو الذي
سيحكم ...من شعر حسن المنجد

عبد السلام بركات زريق 10-11-2010 06:46 PM

المصدر .....
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (1)

يا شيزر المجد

يا شيزر المجد
ألقيت بمناسبة ذكرى أسامة بن
منقذ في المهرجان الكبير الذي
أقيم في حماة

هُزِّي يراعَ الهوى للعلمِ والأدبِ
وجرِّدي السيفَ للأخطارِ والنُّوبِ

وذوِّبي العطرَ في عاصيك وارتشِفي
من سَلسلِ النورِ مجداً مترَفَ النسبِ

وأرهِفي السمع للتاريـخِ في شَغَفٍ
ينبئْكِ عن خيرِ مرجوٍّ ومرتَقَبِ

في حقبةٍ لم تزلْ تزكو مواسمُها
بالخالدين من الأعلامِ والكتبِ

يا شيزرَ المجدِ كُفِّي العتبَ واتئدي
لا تكثِري اللومَ ما للهجر من سببِ

حملتُ في الصدرِ سرَّاً كدتُ أفضحُهُ
لولا بقيَّةُ إشفاقٍ على العربِ

فقرِّبيني إلى علياك واقتربي
لعلَّني أنتشي بالعطرِ من قرب

تربَّعي فوق عرشِ المجد وابتسمي
لكلِّ نجمٍ بأفقِ الشعر لم يغبِ

أطلَّ من جنةِ العاصي وكوثرِها
يرصِّعُ التاجَ بالياقوت والذهبِ

تربَّعي بل قِفي كالطودِ شامخةً
وقلِّديهم وسامَ الشعر والأدبِ

واستصرِخي النخوةَ العرباءَ في دمِنا
فقد بشِمنا من التكرارِ للخطبِ

لا تُرقصينا على أنغامِ أغنيةٍ
وتُسكرينا بكأسٍ من دم العنبِ

لعلَّ لحظة إنصافٍ بحاضرنا
تعانقُ الغابرَ المدفونَ في الحقب

أيامَ كان بنوك الصيدُ ملحمةً
تزهو بها الشامُ من بُصرى إلى حلبِ

خميسُهم لو سرى في ظُلمةٍ فضحتْ
أسيافُهُ سيرَه بالومضِ كالشهبِ

وغُرةُ الزحف ليثٌ في عزيمته
حتفَ الليوث وقد عزَّت على القُضُبِ

لو لم تكن لبني قحطانَ نسبته
لكان بالسيف يعلو القومَ لا النسبِ

عزَّتْ به القلعةُ الشماءُ رافعةً
بيارقَ الزحف في عجبٍ من العجب

" أبو المظفَّر" من جلَّت مناقبُهُ
عن كلِّ وصفٍ لسِفْرِ المجد منتَسِبِ

فما خطا خطوةً إلا مظَّفرةً
وما رمى رميةً إلا بذي يَلبِ

لم يبلغِ الألفَ جيشٌ قاده بطلاً
في عسقلانَ لقهرِ العارمِ اللجِبِ

يا شاعراً أرقصَ الأطيارَ في دَعةٍ
وفارساً أذهلَ الأعداءَ في الكَرَبِ

جاروا عليكَ بلا ذنبٍ جنيتَ وهل
جنى سِنمَّارُ إلا طاهرَ النسبِ

وأخرجوكَ وكنتَ المشرفِيَّ بهم
وجرَّدوكَ من الأموالِ والنَّشب

غادرتَهُمْ والأسى يفشي الوفاءَ لهم
وعُدتَ تدفعُ عنهم جحفلَ الصُّلُبِ

لم تبغِ مالاً ولا مُلْكاً ولا رُتباً
من يرخِصُ الرُّوحَ لا يفطنْ إلى الرُّتبِ

وما رَعَوا حرمةَ القُربى لذي رَحِمٍ
وكنتَ تحضِنُهم في القلب والهُدُبِ

قابلتَ كيدَهُمُ صفحاً ومغفرةً
وما جزيتَ بغيرِ الصَّدِّ والحَرَبِ

ورُحتَ تندُبُهُمْ تبكي منازلَهُمْ
والحزنُ يفتِك بالشِّريان والعَصبِ

" أبا المظفَّر " هذي مِصرُ شاهدةٌ
على الولاءِ بقلبٍ طيِّبٍ حَدِبِ

فكم سعيتَ لجمعِ الشملِ مُجْتهداً
بين الشآم ووادي النيلِ في النُّوبِ

فاعذُرْ دموعَ يَراعي إن بكى أسَفَاً
وجاءَ شعريَ بُركاناً من الغضبِ

ماذا على العُربِ لو صفُّوا سرائرَهم
وأشعلوها على اسمِ الله والعَربِ

ماذا عليهم لواَنَ الحبَّ رائدُهم
بالحبِّ نَغلِبُ لا بالشكِّ والرِّيَبِ

يا شاعرَ الخيلِ أسرجْ خيلَنا فلقدْ
خابَ الكُماةُ وخيلُ اللهِ لم تَخِبِ

أفقْ .. تقحَّمْ زمانَ الخوفِ مدَّرعاً
بالمُنقِذَينِ ظُبى الإيمانِ والنُّجُبِ

ألمْ تقُلْ قد حلبتُ الدهرَ أشطرَهُ
فكلُّ خَطبٍ دهاني لاذَ بالهربِ

فانهَضْ لخطبٍ دهانا واجلُ ظلمتَهُ
جرِّدْ حسامكَ بدِّدْ حالكَ السُّحُبِ

يا شيزرَ المجدِ مجدُ المنقذِينَ له
فلم ينلْهُ سوى الزِّلزالُ بالعطبِ

تلمَّسي الجرحَ في تاريخِنا ودَعي
فجرَ الجراح يواري الليلَ بالحُجُبِ

" أبا المظفرِ " والتسعون زاخرةٌ
وكلُّ عامٍ زها في ثوبه القَشِبِ

وكلُّ منظومةٍ كالدُّرِّ خالدةٌ
وكلُّ بيتٍ بذوق الفكرِ كالضَّربِ

وافيتَ " كيفا " وألقيتَ العصا فإذا
عصاك تلقَفُ ما خطُّوا من الكُتبِ

" أبا المظفر " يا كنزَ الضِّياءِ أفقْ
فشمسُ مجدِك طولَ الدَّهر لمْ تَغِبِ

أسرجْ جوادَكَ هذي الدَّارُ ماعَقِِمَتْ
تشرينُ ينفُخُ فيها الرُّوحَ كاللهبِ

اليومُ عُدنا إلى التاريخِ نكتبُهُ
يقودُ أمتَنا ليثٌ أغرُّ أبي

مجرَّبٌ ورُبى الجولانِ ناطقةٌ
في كلِّ شِبرٍ شهيدٌ في جِوارِ نبي

يا قُدسُ عفوَكِ لم تُغمدْ صوارمُنا
لقد أطلَّ صلاحُ الدِّينِ فالتهِبي

جاءَ المَخاضُ فهزِّي النَّخلَ وانتظري
يجُدْ عليكِ بمنهلٍّ ومنْسكِبِ

فقطرةٌ من دمِ الأطفالِ شاهدةٌ
أنَّ الدِّماءَ بساحِ النَّصرِ كالرُّطَبِ

هيا اضرِبي واسحقي قُرِّيْ بمن نفروا
عَيناً فهمْ خيرُ أبناءٍ لخيرِ أبِ

يا شيزرَ المجدِ شِعري فيكِ رجعُ صدىً
فأطلقي الصرخةَ العرباءَ يستجِبِ

ماذا أقول وآلامي تكبِّلني
فصرتُ أبكم بين الصِّدق والكذبِ

فمن رآني أصوغُ الشعر مضطرباً
فإنني في ضميري غيرُ مضطربِ

يا حافظَ الشَّام سرْ بالشَّام مدَّرعاً
بالحافظَيْنِ كتابِ اللهِ والعربِ

لا تأمَنَنْ لأفاعي الغدرِ لو جَنحوا
إلى السلامِ وخذْ بالرأسِ والذنَبِ

واحذرْ تقلُّبَ حيَّاتِ السلام دجىً
فأخطرُ السُّمِّ في يأتي حينَ منْقَلِبِ

حبيبتي يا بلادي يا ندىً وهدىً
يا ملعبَ الصِّيد يا حضناً لكلِّ أبي

ما نحن إلا قناديلُ الضياء على
دربِ الخلود ننيرُ الكونَ كالشهبِ

نغزو السماءَ بأقلامٍ إذا خرستْ
عند الحقيقةِ نرمي الكون للشجبِ

تُميدُ كلَّ عُروشِ الظلمِ قاطبةً
من غَمْزِ قافيةٍ مشبوبةِ اللهبِ

أنتِ الفؤادُ الذي عمَّدتُهُ بدمي
فراح ينبضُ بعد الوهنِ والتَّعبِ

سيَّانَ عندي وقد أجريتُ أوردتي
على يراعيَ إن أخطئْ وإن أُصِبِ

حسبي أراكِ على الأيامِ شامخةً
بالواثِبِينَ بعزم الفارس الذهبي

ناريمان الشريف 10-11-2010 07:27 PM


أخي عبد السلام
سلام الله عليك
يسرني أن أتعرف على شعراء من وطننا العربي
ولهذا الشاعر أزكى تحياتي
فقلمه رائع .. وأحاسيسه جميلة
والحقيقة المرة
.. كم من الأسماء التي تستحق الإشادة والتعريف بها ولكن الاعلام لا يعطيها حقها
والأمرّ من ذلك أن يمتلك الشاعر قدرة على كتابة الشعر وخلق الكلمة الجميلة ولكن ضيق ذات اليد يقف حائلاً دون نشر ما يكتب
وغيره من الشعراء المقتدرين تجدهم ينشرون توافه الكلمات وتحقق انتشاراً مهولاً فقط لأنهم نشروها .. وربما هؤلاء يمتلكون دوراً للنشر ..
تحية لك أخي عبد السلام أن عرفتنا بهذا الشاعر
وتحية للشاعر - محمد الحسن منجد -


..... ناريمان

عبد السلام بركات زريق 10-12-2010 02:42 PM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (2)



الساعة الأولى من عام "2000 "



من منكم كان يصدِّقُ أني أستجدي الكلمات ؟
من منكم راح يكذِّبُ ذَبحَ الشعر على العتبات ؟
من منكم ينْكِر تسويقَ القُبُلات على أرصفة
العهر بغير أتاوة ؟
من منكم يفتح شباكَ تذاكرِ في أيام العيد ؟
في ليل الأولِ من كانون ..
ويُطِّل العامُ الميلاديُّ من الشرفاتِ المصلوبة ..
وتُباع بطاقات الفرحِ المجنونِ بلا أثمانْ ..
* * *
وهنالك في صالاتِ العرضِ الليليَّة
تتعرَّى حاجاتُ الإنسانِ العصريَّة
خمرٌ وحشيشٌ ودخانْ
يرتدُّ صدى أنفاسِ الصمتِ من الجُدرانْ
أزهارٌ تقبعُ في الظلمة
تستمرِئُ أضواء الأفلام ال...
تذوي ..تتقوقعُ .. ترتعشُ ..
وتُحيلُ الصمت إلى آهاتٍ محمومة
* * *
في أعلى الصالةِ أصباغٌ تحتلُّ وجوهاً حجرية
تَنْسَرِبُ دماءُ وجوهِ الصَّخرِ إلى الأعماقْ
حينَ انكسَرَتْ مِحبرةُ الزيتِ ..
أطلَّ الحبرُ من الأحداقِ معَ الإرهاقْ
وأصابَ " الفستانَ " الخمريَّ
فراح يفتِّشُ عن أوراقْ ...
سمَّوها بالفصحى " ديمة "
لم تَنْبِسْ صاحبةُ " الفستان " بِبِنتِ شَفة
بل راحتْ تمسحُ أوضارَ الحبرِ الزَّيتيِّ بمنديلٍ
قالوا : نسجتْهُ من الأخلاقْ ...
" ألأيدزُ " وأمراضٌ أخرى
يحملُها ليلُ الأولِ من كانونْ
فلنشربْ نخبَ هزيمتِنا
وجنونِ العصرْ
مستقبلُ أجيالٍ يذوي
في عصرِ الذعرْ
فتَعالوا ننهبْ لذاتِ القرنِ المخمورِ
بغيرِ حسابْ
نستجدي ألوانَ الإمتاعِ على الأبوابْ
ونغنِّي لحناً غربيَّاً
هبي بير زديه تو يو ؟؟ !!
* * *
وانفضَّ الجمعُ
وغادرَ كلٌّ مقعدَهُ المترنحَ بالعطر " الكوكتيل "
واشتعلتْ رغبة أصحابِ الأقلامِ على صفحاتِ الزَّيفْ
تنهلُّ حروفاً همجيَّة
* * *
وأطلَّ الوجهُ الغجريُّ الحجريُّ على جُدُر الإسمنتْ
يتفحَّصُ حاويةَ الأوراق المكتَنَزَة ..
يستخلصُ منها أغنيةً
كُتبتْ بحروف زيتيَّة
" هوَّ ده الحب الحقيقي "
وتراءى للوجهِ الحجريِّ تفشِّي الزيت !!
فليُخرجْ علبة كبريتٍ كانتْ
قد سقطتْ في الصالة
من جيبِ فتاةٍ عاشقةٍ
تتكسَّرُ في غُنجٍ ودلالْ
وليشعلْ " عوداً محموماً "
ليُضيءَ دهاليزَ الأنفاقْ
واحترقتْ حاويةُ الأوراقْ ...
* * *
فاجأهُ رجلُ التنظيفاتِ يجرُّ حماراً ونفاياتْ
ويردِّدُ قولاً مأثوراً :
" الموت يعشِّشُ في الفضلات "
" الموت يعشِّشُ في الفضلات "
* * *
هربَ الغجريُّ إلى الخيمة
خلعَ الألبسةَ الغجريَّة
وتعرَّى ..
إلا من وجعِ الإحباطِ المصلوبِ أمام الزيتِ المتفشِّي ..
في كُلِّ مكانْ ...
وأمامَ المرآةِ العفِنة
وقفَ المصلوبُ على الأخلاقْ ...
من ثَمَّ تساقطَ
فاستسلمَ للنومِ الأبديِّ
يطاردُهُ شبحُ الخيبة

3/1/2000

عبد السلام بركات زريق 10-22-2010 03:53 PM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (3)


سهرة بإذن سفر


في زحمةِ أخبارِ الدُّنيا ينسرِبُ الوقتْ
لم يحضرْ حاملُ أوراقِ الإحصاءِ
لتسجيلِ الأزهارْ
الجوُّ ضبابْ
ها قد أقبلْ
في جُعبةِ هذا المغرورِ المتسوِّلِ أوراق
للمسحِ الميدانيِّ ِوإذنِ سفَرْ
في الصمتِ علاماتُ استفهامٍ واستغراب
رفعَ الأوراقَ وعدَّدَها
وانهالَ يسبُّ جموحَ الخط
نوعان فقط
لا ثالثَ يبدو بينهما ..
لا رابعَ ما هذا الإجحافْ ؟
الخطُّ توارى لم يُقْبِلْ
ما هذا الخط ؟ !
اِلعب .. اِربحْ .. اِخسر .. سجِّلْ
* * *
هاتِ الأوراقَ على عَجَلٍ
لا تعبثْ في ترتيبِ الدَّورْ
السائقُ صاحْ .. أكمِِلْ .. أكمِلْ
دَوْري .. دورُكْ
أكمِلْ واحذَرْ .. إيَّاكَ تحاولَ إقناعي
بضمان الرِّبحْ
فأنا من أمهرِ خَلْقِ اللهِ بفنِّ الغِش
اِلعب .. اِربحْ .. اِخسر .. سجِّلْ
* * *
في حيِّ الطَّ ... الشرقيِّ تَربَّعَ عملاقُ السَّاحه
الساعةُ تبدو مسرِعةً
والجوُّ دخانْ
اِفتحْ .. أغلقْ
دخلَ البرذون .. تلاهُ الأرنبُ ثمَّ الفأرْ
لكنَّ الثعلبَ لم يحضُرْ
فلنكملْ ثرثرةَ الأوراقِ بغيرِ قيودْ
اِلعب .. اِربحْ .. اِخسر .. سجِّلْ
أخبارٌ سيِّئةُ الإيقاعِ تُذاع على أسماعِ الحيّْ
غِربانٌ تقصفُ في هلعٍ فرسانَ النَّصرْ
الطَّفلُ يفجِّرُ " دبابة " ويضمُّ الأرضْ ..
خرج " الشيشان " من " كروزني "
غرقوا بالدم
ما اهتزَّت حاملةُ الأختامِ الرسميَّة
تصريحٌ أخرقُ هزَّ الكونَ ولا آذانْ ..
اِسمعْ .. اِخرسْ .. لا فرقَ ومن بَعدي الطوفانْ
فلنكملْ ثرثرة الأوراقِ
بدونِ كلامْ
إعصارٌ يجتاحُ " الـ "
زلزالٌ يضربُ " أ "
يا لطفَ الله ...
دعنا من هذا التلفاز المشحونِ بأخبارِ العالمِ
ولنكمل ثرثرة الأوراقِ
بلا أخبارْ
* * *
في أقصى الشرق يموتُ ملايينُ الأطفالْ
في أقصى الغربِ يموتُ الناسُ من التخمةْ
بركانٌ يقذفُ أحشاءهْ
فتميدُ الأرضْ
اِلعب .. اِربحْ .. اِخسر .. سجِّلْ
* * *
كمْ صارَ رصيديَ في المصرفِ ؟
" بلغَ المليارْ "
حمْداً للهِ على نِعمِهْ
وافاني الخط
أكملْ .. أكملْ
عُدَّ الأوراقَ على عجلٍ
اِلعبْ .. اِربحْ ..
سجِّلْ
وافاني الخط
* * *
دخلَ الطاووسُ على عجلٍ منفوشَ الريشْ
هاتِ الأوراقَ .. لقد أخطأتْ ..
ألمْ تسمعْ ؟
جلس الطاووس وفي يدهِ مطرقةُ الزّيف
وانهالَ يطبِّلُ ويُزمِّرْ
* * *
ثعبانُ الوقتِ يحاصِرُ أبطالَ الحلبة
أسرعْ .. أسرعْ
اِلعب .. اِربحْ .. اِخسر ..
سجِّلْ
جاءَ الثعلبُ .. هربَ الأرنبُ ..
الفأرُ تقوقعَ في جُحرِهْ
برذونُ الحلبةِ راحَ يسُبّْ
ساعاتُ السهرةِ مُسرعةٌ والفجرُ أطلّْ
فلنجمعْ أوراقَ الخيبة
ولنسرعْ حان أذان الفجرْ
ذهبَ الأبطالُ إلى المسجدِ ..
صلَّوا .. وبَكوا .. ثمَّ ابتهلوا
ربَّاهُ انصُرنا .. يا الله
* * *
خرجَ الأبطالُ من المسجد
ومَضوا بخطىً متعثرةٍ
يروون تفاصيلَ اللعبة
وصلوا أبوابَ مضاجِعِهم
لكنَّ اللعبة لم تُحسمْ
الموعدُ أصبحَ معروفاً
وغداً نتأهبُ كي نغلِبْ
والآن دعُونا حان النومْ
فلنحمِ حدودَ مضاجعِنا
بسلاحِ النومْ
ولنحلمُ بالآتي الزاهرْ
وغداً سنوقعُ إذنَ سفرْ


5/2/2000

عبد السلام بركات زريق 10-23-2010 07:30 AM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (4)


المُجسَّدَة




النايُ يسبِّحُ والمِزهرْ
وقوافٍ من وادي عَبْقَرْ
وطُيوفُ الأمسِ تحاصرُني
باللون الأسودِ والأحمرْ
* * *
عتَّقتُ الخمرَ بأوردتي
وشربتُ دمائيَ كي أسكرْ
فكؤوسي قافيةٌ ظمأى
تستنزِفُ شرياني الأبهرْ
مازلتُ أعاقِرُها حتى
أدمنتُ حروفاً لا تُذكرْ
فسموتُ إلى الملأِ الأعلى
بجنانِ الخُلدِ إلى الكوثرْ
أتوضأُ .. أغسلُ أدراني
أتطيَّبُ بالمسكِ الأذفرْ
وأَلُمُّ شتاتي مُؤتزِراً
بشعاعٍ من أملٍ أخضرْ
فيحاصرُني وجعُ الماضي
وهمومُ الحاضرِ في المِئزرْ
أتُراني أحلمُ أم أنِّي
ما زلتُ على وجعي أسهرْ
* * *
يا بنتَ خيالي لا تَدعي
بركانَ جحيميَ للمحشرْ
لا ترمي أوراقَ الماضي
بسلالكِ في جوٍّ أغبرْ
فأنا ما زلتُ نديمُ هوىً
صوفيَّ المورِدِ والمصدَرْ
وأنا ينبوعُ عطاءاتٍ
في ليلكِ أسطعُ كالجوهرْ
أتلوَّى من وجعِ الذكرى
وجراحي تولدُ لا تُقْبرْ
أتناثرُ دُرَّاً ينظِمُني
خيطٌ من نورٍ لا يُكسَرْ
وأصوغُ السحر وأسكبُهُ
وأصونُ السِّرَ ولا أجهرْ
وأُداوي القلبَ وأَصبغُهُ
باللونِ الأسودِ والأحمرْ
فضفافُ جراحي قد كَفرتْ
باللونِ الأسودِ والأصفرْ
* * *
عشرون ربيعاً فاتَتْني
عشرون ربيعاً لا أكثرْ
عشرون ربيعاً أرسِمُها
بالنورِ على الشفَقِ الأشقرْ
عشرون ربيعاً ما كبُرَتْ
حلقاتُ العمرِ ولم أكبَرْ
* * *
يا فجرَ شحوبٍ يطلقهُ
خوفي من آتٍ لا يُقهَرْ
خوفي من ذنبٍ يقلقني
في يومِ حسابٍ لا يُغفَرْ
من وحشٍ يفترِسُ الماضي
من عقربةٍ تُخفي خنجرْ
تمشي لا تهدأُُ لا تُلوي
إن ضاعَ العمرُ ولم أظفر
تمحو دقاتُ ثوانيها
عمري المكتوبَ ولا تفترْ
* * *
يا بنتَ خيالي يا قَدَراً
يَخْفَى عن عيني لا يظهرْ
أهواك أُجدِّدُ أيامي
يا أجملَ حلمٍ يا أنضرْ
أهواكِ وأكتُمُ أشواقي
وأخافُ من الفزعِ الأكبرْ
* * *
عيناكِ وحسبي أنَّهما
كأسان بخمرِهما أسكرْ
عيناكِ وخوفي يتركني
أتوجَّسُ من طرْفٍ يسحر
فتعالَي ذوبي في كَبِدي
يا أحلى من قطعِ السكرْ
* * *
يا بنتَ خيالي لا تَدَعي
ستينَ خريفاً لا تُعصَرْ
بخيالي أنتِ مجسَّدَةٌ
شلالَ ضِياءٍ بل كوثرْ

3/4/1998

عبد السلام بركات زريق 10-23-2010 08:52 PM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (5)


ملحمة الدموع



سكِرَ الحديثُ فجُنَّتِ الكلماتُ
وصَحَتْ على أوتارنا النغماتُ

وزهتْ مواويلٌ بأوردةِ المُنى
وتراقَصتْ في الأعينِ العَبَراتُ

سِحْرٌ وأين السِحْرُ من همساتِنا
جَلَّ الحديثُ وجلَّتِ الهمساتُ

تتواثبُ الكلماتُ تُبدِعُ قصةً
هامتْ بعطرِ مدادِها الصَّفحاتُ

حتى انتهى سيلُ الكلام وعقَّنا
حلوُ الحديثِ وغابتِ الومضاتُ

فسألتُها والخوفُ يصهل في دمي
يحدو الوجيبَ فتسرعُ النبضاتُ

هذي البدايةُ .. ما النهاية يا تُرى ؟
تعبَ المسيرُ وحارتِ الخطواتُ

هوَ ذا السؤالُ فهل لديكِ إجابةٌ ؟
شهَقَتْ وقالت : في دمي حسراتُ

وغرقتُ في صمتي ونبَّهني إلى
سهرِ الحريقِ بثغرِها زَفَراتُ

فأخذتُ كفَّ حبيبتي ولثمتُها
وتوالتِ الزفراتُ والقُبُلاتُ

حتَّى اطمأنَّ فمي ونامتْ كفُها
في راحتَيَّ تُذيبُها اللمساتُ

جمَّعتُ نفسي واستعنتُ بجُرأتي
وضحكتُ حتَّى شاهتِ الضحكاتُ

وصرختُ في صمتٍ يمزِّقُ أضلعي
وتلاحقتْ تغزو دمي الصرخاتُ

قولي بربِّكِ مابدا لكِ ؟ أفصِحي ؟
وتعثَّرتْ بشفاهها الكلمات

نظرتْ وملحمةُ الدموعِ تقولُ لي :
ماذا جنيتَ ؟ وغامتِ النظراتُ

فحملتُ أوراقي وعُدْتُ بخيبتي
صحتِ الذنوبُ ونامتِ الحسناتُ

ورجعتُ ألتهمُ الطريقَ يقودُني
ندمُ السنينِ وماتتِ البسماتُ


17/10/1997

عبد السلام بركات زريق 10-23-2010 09:06 PM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (6)


لعلَّهُ بدعائي يبسمُ القدرُ



ما خُنتُ حبَّكِ لكنْ هكذا القدرُ
وما كفرتُ بهِ لكنَّهمْ كفروا

ما خُنتُ حبَّكِ لا واللهِ يا قمري
الدمعُ يشهدُ والتسهيدُ والسَّهرُ

مرَّتْ ثلاثونَ وازدادتْ ثمانيةً
حَملتُ ما ناءَ فيه الجِّنُّ والبشرُ

حملتُ صمتي وتَحناني وقافيتي
وكِدتُ أُصعقُ لمَّا جاءني الخبرُ

* * *
قالوا: التي كنتَ تهواها غَدَتْ هَمَلاً
مشلولةًً في زوايا البيتِ تنتظرُ

في كلِّ يومٍ يراها الناسُ باسطةً
كفَّاً إلى اللهِ ترجوهُ وتعتذرُ

تبكي زماناً بِهِ أرخَتْ ضفائرَها
تُغازلُ الأفْقَ كيما يبزغَ القمرُ

تلوذُ بالذكرياتِ الخُضْرِ تحضنُها
حتَّى تجذَّرَ في أعماقِها الوطرُ

* * *
مرَّتْ ثلاثونَ وازدادتْ ثمانيةً
لم يبقَ دماءُ الشوقِ تستعِرُ

* * *
واليومُ يا أيُّها الغافي على دعةٍ
ماذا تقولُ ؟ وهل يرضيكَ تنتحرُ

ألمْ تكنْ في حنايا الصدرِ تحضنُها
أيامَ كانت بشالِ الحُسنِ تأتزرُ

ألمْ تكنْ يومَ تنأى تكتوي ألماً ؟
فهلْ نسيتَ ؟ وزاغَ الفكرُ والبصرُ

أمِ انتبذتَ مكاناً تستحمُّ به
بين الغواني وطابَ الأُنسُ والسمَرُ ؟

* * *
فقلتُ : والنارُ تكوي أحرفاً دمعتْ
والقلبُ من نازفاتِ الوجدِ ينفطرُ

هيهاتَ .. هيهاتَ أنساها سأذكُرُها
فلم أزلْ رهنَ نارِ الشوقِ أنصهرُ

أرجو الشفاءَ لها ممَّا تكابده
لعلَّهُ بدعائي يبْسَمُ القدرُ


6/1/2000

عبد السلام بركات زريق 10-24-2010 10:23 AM


المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (7)



موعدٌ يحترق



بلهيبِ الموعدِ أحترقُ
ويُحطِّمُ أعصابي القلقُ

وأُكذِّبُ صادقَ إحساسي
وبباب الموعدِ ألتصقُ

وتمرُّ دقائقُ من عمري
بدُخانِ شعوري أحترقُ

* * *
بلهيبِ الموعدِ أنتظرُ
وتُسمِّرُ أقدامي الفِكَرُ

وأحاولُ أهربُ من ظنِّي
لكنَّ يقيني ينتصرُ

فأَلمُّ شتاتيَ أزرعُهُ
في لحظةِ وعدٍ تُختَصَرُ

* * *
بلهيبِ الموعدِ آمالي
تزْوَرُّ كشمسِ الآصالِ

فأغادرُ مملكةَ اللُقيا
واليأسُ يقطِّعُ أوصالي

وأَعَضُّ بَناني من ندمٍ
وأمارسُ لهوَ الأطفالِ

* * *
بلهيبِ الموعدِ يُشعِلني
يتمطَّى المَطْلُ ويطفئني

وأسيرُ بظُلمةِ إخفاقي
ودروبُ الفرحةِ تلفظُني

فأعاتب نفسي أَزجُرُها
وسيولُ الخيبة تجرِفُني

* * *
بلهيبِ الموعدِ مِصباحي
يهفو لصريرِ المفتاحِ

ويُطلُّ الفجرُ يعاتبُني
فأَهبُّ أحطِّمُ أقداحي

وأُمزِّقُ أوراقي الظمأى
بجنون الشعرِ وإفصاحي

* * *
بلهيبِ الموعدِ أوهامي
تتفجَّرُ مثلَ الألغامِ

تتهاوى خلفي .. قُدَّامي
تتصارعُ توقِظُ آلامي

فأَلُمُّ الجرحَ أُضمِّدُهُ
وأعودُ أُعاتبُ أيامي

* * *
بلهيبِ الموعدِ أبتَرِدُ
فأضمُّ جناحي أرتعدُ

وأعودُ بخيبةِ من يسعى
لسرابٍ يركضُ .. يبتعدُ

وأنامُ يمزِّقُني يأسي
وأَفيقُ وأحلامي بَدَدُ

* * *
بلهيبِ الموعدِ يقتربُ
يرتاحُ القلبُ ويضطربُ

ويمُرُّ الوقتُ ويتركني
ودموعُ الحُرقةِ تنسكِبُ

فأحاولُ أقهرُ أمواجي
لكنَّ شراعي ينقلِبُ



29/1/1999

عبد السلام بركات زريق 10-25-2010 05:32 PM


المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (8)


فيض الهدى



مهداة للشاعر الفحل
أحمد معروف

أَلوتْ عِنانَ الهدى تمشي على مَهَلٍ
تستبطئُ الخطوَ حتى ضاقتِ السُبُلُ

تلفتَتْ حولَها والخوفُ يمنعُها
من المسيرِ إلى أن أينعَ الأملُ

وازورَّ عنها جوادُ الليلِ فانتبهتْ
إلى الضياءِ تشدُّ الجفنَ تبتهلُ

في كُلِّ رَفَّةِ هُدبٍ أبصرتْ صوراً
من الجمال بنورِ اللهِ تغتسلُ

تشهَّدتْ فتجلَّى اللهُ بارئها
فكلُّ ما حولَها من دونهِ هَمَلُ

تبارك اللهُ هذا الفيضُ فيْضُ هوىً
تبارك اللهُ نورُ الحسْنِ يكتمِلُ

* * *
يا شاعري يا سميرَ الرُّوحِ تُسكرُني
آياتُ شِعرِكَ إمَّا رُحتَ ترتجلُ

تدُقُ نبضَ قلوبِ المبدعينَ هدىً
وأنتَ بين المعاني البِكْرِ تنتقلُ

تنسابُ فيها انسيابَ النورِ في غَسَقٍ
فتستبينُ مساءَ الأنجمِ المقَلُ

هَبْني يراعَكَ أَقبسْ كلَّ بارقةٍ
تحتَ الظَّلامِ بنورِ اللهِ تكتحلُ

فأنتَ أدرى بصمتِ الجُرحِ إن نطقتْ
خرْسُ الهمومِ ولا حوْلٌ ولا قِبَلُ

وأنتَ أدرى بمنْ شابتْ مواسمُهُ
وخانَهُ السعدُ واستشرى به المللُ

وأنتَ أدرى بمنْ شاخَ العطاء بهِ
فراحَ من مزجياتِ الوهم ينتحلُ

ومدَّ كفَّاً تخلَّتْ عن أصابعِها
يرجو الأماني فأوهى كفَّهُ الخجلُ

وارتدَّ يشحَذُ حدَّ الكِبرياء به
فارتدَّ عنه ظلامُ الفكر والزَّللُ

* * *
يا شاعري يا " أبا الحزمِ " الذي شهِدَتْ
له المنابرُ واختالتْ به المُثُلُ

ألبستَني ثوبَ فخرٍ حاكَهُ قلمٌ
كأنَّ آياتِهِ جاءت بها الرُّسُلُ

منَزَّهٌ عن حديثٍ شاءه نَفَرٌ
سودُ الوجوهِ وفي أنظارِهمْ حَوَلُ

مالوا إلى الهدمِ والتَّشويهِ يدفعُهُمْ
زيف الحضارة والإرهاقُ والفشلُ

يستكبرون كإبليسَ اللعين وفي
" حديثهم " يتساوى الزَّهرُ والجُعَلُ

ونحنُ نسجُدُ في مِحرابنا وهُمُ
بما أَضلَّهُمُ شيطانُهم فَعلوا

* * *
يا شاعري صُبَّ لي كأساً معتَّقَةً
مما عصَرتَ ففكري مُقْفِرٌ خَجِلُ

أجوسُ فيهِ بفأسِ الشِّعرِ مُحتَطِباً
لعلَّهُ ببريقِ الحرفِ يشتعلُ

واعذُرْ فديتكَ تقصيري لقد هَرَبَتْ
منِّي الحروف فشِعري خائفٌ وجِلُ



3/1/2000

عبد السلام بركات زريق 10-25-2010 09:11 PM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (9)



غول التقاعد



اليومُ أكملتُ في التعليمِ أعمالي
وصِرتُ كالماءِ في أحضانِ غِربالِ

مهما نخلت به لم يبقَ لي أثر
تغلغُلَ الماء في صحراء آمالي

جاروا عليَّ أحالوني إلى هَمَلٍ
كأنَّني لم أكن أهلاً لإجلالِ

سَلوا الذين مضوا قبلي لمأتمِهم
كم من أبيٍّ قضى في ثوبِهِ البالي

* * *
غولُ التقاعُدِ شلَّ اللهُ قبضتَهُ
شقَّتْ براثنُهُ بالخوفِ سِربالي

ألوذُ بالنَّومِ خوفاً منْ حبائلِهِ
فيدخُلُ الحلمُ يغريني بأغلال

ويشتري النومَ من عيني ببارقةٍ
تلوحَ لي بينَ وسواسٍ وبلبالِ

ولستُ أملِكُ شيئاً أستطيعُ به
دفعاً لهذا سوى صمتي وإعوالي

فأرقبُ الفجرَ والآلامُ تطحنُني
طحنَ الرَّحى بينَ إدبارٍ وإقبالِ

ومن رآني أُغني اليأسَ محترِقاً
لاكَ الكلامَ ولم يعجبْهُ موَّالي

وازورَّ عنِّي كمنْ يزورُّ عن دَنَسٍ
أو عن وباءٍ سرى في كلِّ أوصالي

كذا بدا الناسُ مذْ لملمتُ أمتعتي
فجلُّهم بين غدَّارٍ ومحتالِ

* * *
ستُّونَ مرَّتْ وما هلَّتْ سحائبُها
غيرَ الدُّموعِ وقيل الناس والقالِ

ستُّونَ ما كحَّلتْ عينيَّ بارقةٌ
وما أطلَّتْ سوى الأوهامُ في بالي

حتَّى وصلتُ لحالٍ في مجاهلِها
أستعذبُ الصَّمتَ في حِلِّي وتَرْحالي

ألوكُ خبزَ شقائي في مُجابهةٍ
معَ النفاقِ فساءتْ كلُّ أحوالي

حتى الذينَ غدا دمعي لهم شُعلاً
نَسَوْا ودادي أحالوهُ لإهمالِ

وما تعودتُ إغضاءً وتَرضيةً
وما مددتُ يديْ سلْبَاً لأموالِ

وما خفضتُ جناحيْ عند مُنْتَفِجٍ
وما انحنيتُ سوى للخالقِ العالي

أمضي إلى سُدَّةِ السبعين مرتقِياً
سلالمَ الطّهُرِ مزهواً بأفعالي

وسوف أمضي إلى التسعين لو سَمَحتْ
كفُّ المنونِ ولم أعبأْ بأثقالي

تشدّني أمنياتٌ أينعتْ صُوراً
من الجمالِ تحدَّتْ كلَّ جوَّالِ

* * *
سأمتطي القهرَ بالإيمانِ أسرجُهُ
أحاصرُ الزيف في أوكارِ أنذالِ

حتَّى إذا لم أدعْ للغدرِ مُتَكأً
أهوي عليه وألقيه لأوحالِ

وأضرِمُ النَّارَ في أوكارِ معقِلِهِ
ليرقصَ الحقُّ تيَّاهاً بخَلخالِ

هناكَ أَبراُ من يأسٍ يمزِّقني
فأستريحُ .. لقد ألقيتُ أحمالي

عبد السلام بركات زريق 10-25-2010 09:20 PM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (10)



أفديكِ يا أمَّ الفداء

ألقيت في مهرجان
الربيع الثالث في حماة

غَفَلَ الرَّقيبُ فهاجتِ الأشواقُ
وصحا بقلبِ العاذلِ الإشفاقُ

وتلفَّتَتْ ظمأى العيونِ حبيبةٌ
سمراءُ تملأُ وجهَها الأحداقُ

كَشَفتْ حِجاباً من نسيجٍ قاتمٍ
فسرى بها نحو الضِّياءِ بُراقُ

دَرَجَ الرَّبيعُ فأزهرتْ أحلامُها
وحَنتْ على أزهارها الأوراقُ

وتبسَّمتْ سُمْرُ الضفافِ وأسفرتْ
فتلألأتْ بمروجِها الأعلاقُ

وتواضعَ الحَوْرُ المكابِرُ وانحنى
للبَيلسانِ تشدُّه الأشواقُ

وطوى بها العاصي السقيمُ فِراشَهُ
ذهبَ السَّقامُ وأدبرَ الإرهاقُ

وشدَتْ نواعيرٌ ورقَّقَ شدوَها
همسُ الغصونِ هادِرٌ دفَّاقُ

فتمايلتْ سكرى البيانِ قصائدٌ
فالشِّعرُ يُسكَبُ والضياءُ يراقُ

وحبيبةُ العاصي تعبُّ وتنتشي
والعُشبُ في حللِ النَّدى برَّاقُ

* * *
أفديكِ يا أمَّ الفداء مواسِِماً
لا الضَّنكُ يسكنُها ولا الإملاقُ

ها همْ ألوفُ الزَّائرين توافدوا
تسعى بهم قدَمٌ إليكِ وساقُ

أهلاً بهم حلَّوا كِراماً بيننا
فازدانتِ الحاراتُ والأسواقُ

* * *
هذي حماةُ عشيقتي وخطيبتي
ودمي لها يومَ الزفاف صُداقُ

كم من عَذولٍ رامَ خدْشَ حيائها
فارتدَّ يصفعُ وجهَهُ الإخفاقُ

فنسيمُها برْدٌ لمن حملَ الهوى
ورياحُها لعذولِها إحراقُ

شَمَخَ الإباء بها فطأطأَ شامتٌ
وهوى برأسِ الحاسدِ الإطراقُ

في كُلِّ منعَطَفٍ وكلِّ ثَنيَّةٍ
علمٌ إلى قِممِ العلى سبَّاقُ

فيها تعانقَ مسجدٌ وكنيسةٌ
وبها تخاصرَ مِنبرٌ ورواقُ

سَطَعتْ شموسُ الهديِ من شرفاتِها
وتواصلَ المخلوقُ والخلَّاقُ

أنَّى التفتْتَ بدتْ شمائلُ أهلها
صِيدٌ أماجيدٌ بها ورفاقُ

ومحبةٌ في كلِّ وارِفةٍ نَمَتْ
ومودةٌ وتراحُمٌ ووِفاقُ

صُورٌ من الإبداعِ جلَّ جلالُها
في ظِلِّها يتفيأُ العشاقُ

ملكَتْ قلوبَ الملهَمينَ وعطَّرتْ
حللَ النَّدى فتضوَّعَ الإشراقُ

أشهى الحديثِ إليَّ وصفُ جمالِها
وكأنَّ وصفَ جمالِها تِرياقُ

طبع المحبِّ إذا الحبيبةُ ألمحتْ
حملَ الصَّبابةَ قلبُه الخفَّاقُ

* * *
أنا يا حبيبةُ في هواكِ مطوَّقٌ
عشِقتْ رقيقَ مشاعري الأطواقُ

قلبي على شَفتيْ يطارِحُكِ الهوى
وأنا المحبُّ الهائم المشتاقُ

غنَّيْتُ للوطنِ الحبيبِ قصائداً
نَفَثَتْ لهيبَ حروفِها الأعماقُ

تتراقصُ الآمالُ خلْفَ لهيبِها
ويسيلُ منها جدولٌ رقراقُ

واليوم يحملُني النَّسيمُ سحابةً
لا الرعدُ يسبِقُها ولا الإبراقُ

لكنَّها هَمَلتْ دموعَ صبابةٍ
وخيولُ هامِلةِ الدُّموعِ عِِتاقُ

* * *
أنا في هوى العاصي أصوغُ قصائداً
بين الطِّلا ودبيبها ميثاقُ

صلَّيْتُ في محرابِ حبِّ حبيبتي
فتأرَّجتْ بصلاتيَ الأخلاقُ

أهوى أزقَّتَها وقلعةَ مجدِها
ويشدُّني بالدَّيدبانِ* وثاقُ

فالعينُ تعشقُ والدُّموعُ شواهدٌ
والقلبُ رُغمَ جراحِهِ يشتاقُ

بيني وبينَ تُرابِها وسمائها
عَقْدٌ وعَهْدٌ لا يحلُّ طلاقُ

فإذا دنا يومي ضممتُ ترابَها
وأنا للثْمِ سمائها توَّاقُ

وأغيبُ في حضنِ الحبيبةِ واثقاً
أنْ لن يكونَ إلى النُّشورِ فراقُ


* الديدبان .. منطقة فيها بساتين خلَّابة قرب قرية الضاهرية



15/4/2000

عبد السلام بركات زريق 10-26-2010 02:23 PM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (11)


الحضارة وإنسان العصر



أغذُّ السيرَ يخذِلُني الطريقُ
وترعبُني الرواعدُ والبروقُ

أغذُّ السَّيرَ أبحثُ عن مكانٍ
ألوذُ به وتخدعُني الشُّقوقُ

وأدخلُ حاملاً فكراً مُضيئاً
فيطفئني ويطفئهُ النقيقُ

هناكَ ضفادعٌ تلهو بماءٍ
تخافُ الفجرَ يقتلُها الشروقُ

تعبُّ فلا يراها النَّاسُ حتَّى
إذا ما أُتخِمتْ برزتْ عروقُ

وتنقسِمُ الضَّفادعُ في احتفالٍ
فريقُ النومِ يوقظُهُ فريقُ

* * *
أنا إنسانُ هذا العصرِ أهفو
إلى كونٍ تسودُ به الحقوقُ

وينعمُ بالعدالةِ كلُّ شعبٍ
فكلُّ مواطِنٍ حرٌّ طليقُ

ألسنا من بني الإنسانِ طُرَّاً
فكيف أتى التَّملكُ والرَّقيقُ ؟

أرى سربَ الضفادعِ لا يُبالي
وبومَ العصرِ جدَّ به النَّعيقُ

* * *
وحوشُ الغابِ شِرعتُها افتراسٌ
وشُرعتُنا التآلفُ والوثوقُ

يجوعُ الطِّفلُ في الدُّنيا ويَعرى
ويُحجَبُ عن موائده الدَّقيقُ

حلوقٌ للتقيِّء فاغراتٌ
وكم من جوعِها فُتحتْ حلوقُ

فكيف أصابَ عالمَنا التردِّي
وسادَ به التَّنكُّرُ والعقوقُ

فتشريدٌ هنا وهناكَ قتْلٌ
وقصفٌ فيه يتَّصلُ الحريقُ

أرى ركْبَ الحضارةِ كلَّ يومٍ
يواكبُهُ التَّهتكُ والمُروقُ

" حواسيبٌ " يبرمجُها احتيالٌ
وعولمةٌ بها يطغى الفُسوقُ

فأيَّةُ بِدعةٍ سكبتْ صَبوحاً
وسمُّ الفتكِ تكنزه الغَبوقُ

وشمسُ الحقِّ تسبَحُ في ضُحانا
ونورُ الفجرِ عندَهُمُ غريقُ

لقد عَميَتْ بصائرُهمْ وزاغتْ
قلوبُهُمُ وغادرها البريقُ

ومن لم يلتمسْ نوراً فأولى
به نومٌ يطول ولا يفيقُ

* * *
بني الإنسانِ كوكبُكمْ صغيرٌ
وعالمكُمْ على سَعَةٍ يضيقُ

تعالَوْا نَبْنِ للإنسانِ صَرْحاً
حضاريَّاً بعالمِنا يليقُ

لنتركْ للورى إرثاً شهيَّاً
يُسيِّجُهُ من الزَّهرِ الرحيقُ


21/4/2000

عبد السلام بركات زريق 10-26-2010 02:32 PM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (12)


موقد الجرح




صمتَ الجُّرحُ أرعبتْهُ الدِّماءُ
وطغى الخوفُ فاشهدي يا سماءُ

شبَّتِ النَّارُ فاستحالتْ رماداً
كلُّ أحلامِنا وضاعَ الرَّجاءُ

أحرقَ الدَّمعُ مُقلتَيَّ وثنَّى
بفؤادي فمات فيه الإباءُ

* * *
أيُّها الدَّمعُ يا حليفَ جفوني
واحتراقي إذا تهاوى المساءُ

يا صَبوحي في وحدتي وغَبوقي
لا تعاتبْ عينيَّ هذا افتراءُ

أرضعتني الأيامُ ثديَ الليالي
حين شحَّتْ عند الصَّباحِ ذُكاءُ

فاستبدَّ الظَّلامُ يحكمُ عُمْري
منذُ أغفى خلفَ الدُّخانِ الضِّياءُ

* * *
قلِّبيني يا أذرعَ النَّارِ رُوحاً
طهِّريني حتى يعودَ الحُداءُ

عشَّشَ الصَّمتُ في عروقي وباضتْ
حاملاتُ الرَّدى ودبَّ الفناءُ

ضعتُ في زحمةِ الحروفِ الحيارى
لُغتي صودِرتْ وضاعَ الغناءُ

كلُّ معنىً لفقتُهُ .. كلُّ حرْفٍ
كلُّ ما قلتُ في حياتي هُراءُ

أنا وهمٌ على حدودِ مُحالٍ
أينَ منِّي الشَّوامخُ الشمَّاءُ

أينَ منِّي سليقةٌ ويَراعٌ
أينَ منِّي القصيدةُ العصماءُ

أينَ منِّي النُّسورُ تحدو جناحيْ
للأعالي وأينَ ذاكَ المُضاءُ

فامنحيني يا ألسنَ النَّارِ حرفاً
واضحَ الحبرِ ليس فيه عَماءُ

كلُّ حبرٍ أهرقتُهُ ضاعَ هدْراً
كلُّ ما جاءَ في قصيديْ رِياءُ

أنجديني بمُديةٍ تتلظَّى
من عظامٍ تغمَّدتها الدِّماءُ

واكتبيني بأحرفٍ من حريرٍ
فوقَ جَفنٍ أهدابُهُ الكبرياءُ

* * *
أنا وهْجُ الحنينِ في موْقِدِ الجُّر
ح وناري لا يعتريها انطفاءُ

كلَّما جدَّ مطفئٌ باغتيالي
جدَّ في كومةٍ النُّدوبِ الهواءُ

فمتى تنهضُ الجِّراحُ وتحكي
قصةَ الدَّمعِ يومَ عمَّ البكاءُ


8/7/2000

عبد السلام بركات زريق 10-26-2010 02:42 PM


المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (13)



توبةُ عاشقة



بلساني النَّديِّ يسكبُ شهدا
رُحتُ أجني مواسماً منه أندى

همتُ في لذةِ العناقِ وهامتْ
بشفاهي دفئاً وحرَّاً وبردا

أسفَرتْ عن أُنوثةٍ وجَمالٍ
فتساءلتُ : كيف من أينَ أبدا ؟

كيفَ تبدا ؟ ! تضاحكتْ وتهاوتْ
تنهلُ الوصلَ من شفاهيَ شهدا

* * *
أرضعتني كالطِّفلِ برعمَ وردٍ
أودعَ العطرَ في فمي واستردَّا

فطمتني بقولها : " دعكَ منِّي "
ثمَّ راحتْ تزْوَرُّ جيداً ونهدا

أبعدتْني برقةٍ ثمَّ قالتْ :
أنا أصبحتُ حاكماً مستبدَّا

كنتُ أُغريكَ بالوصالِ وإنِّي
أَشعرُ الآنَ أننِّي صرتُ نِدَّا

كنتَ بالأمسِ مالكاً كلَّ أمري
يا حبيبي واليومَ أمسيتَ عبْدا

كنتُ بالقربِ لا أُطيقُ سكوناً
فلعلِّي بالبعدِ أغفو وأهدا

ضِقتُ بالقربِ مرةً تِلوَ أُخرى
فتجلَّدتُ في اللقا كي أَصدَّا

هكذا نحنُ حينَ نأسِرُ نقسو
فتخيَّرْ في أسركَ اليومَ قيدا

لا تقُلْ خانتِ الحبيبةُ عهدي
أُشهِدُ اللهَ لم أخُنْ لكَ عهدا

كنتُ كالطِّفلةٍ الصغيرةِ أعدو
كنتَ وِردي واليومَ أصبحتُ وِرْدا

لمْ يعُدْ فيكَ ما يثيرُ اهتمامي
فكنِ اليومَ للجَفا مستعِدَّا

ما قصدتُ البُعادَ عنكَ ولكن
كلُّ قصديْ أن لا أُوفِّيكَ وعدا

فإذا ما رغِبتَ يوماً لقائي
فاجتنِبْ في اللقاءِ أخذاً وردَّا

وتعلَّمْ منِّي التَّنكرَ واحذَرْ
إنْ تعلَّمتُ أن تضيِّعَ وُدَّا

لا تلُمني فيما أقولُ فإنِّي
تُبْتُ للهِ لم أعُدْ أتردَّى

* * *
كفكفِ الدَّمعَ يا فطيمُ وبادِرْ
لاتصالٍ باللهِ إنْ شئتَ رُشْدا

أتبِعِ السيئاتِ بالعَوْدِ تغنمْ
يا حبيبي عند امتثالكَ خُلدا

لم أعُدْ للوصالِ أهلاً فإنِّي
صرت أخشى في الحبِّ قرباً وبُعدا

وتولَّتْ وغادرتْني حزيناً
في خِضمِّ البُعادِ أَلطِمُ خدَّا

واعتراني الحياءُ واخترتُ ربِّي
وقتلتُ الأشواقَ قصْداً وعمْدا


10/9/2000

عبد السلام بركات زريق 10-26-2010 09:13 PM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (14)


قصيدة من الشعرِ السَّجين


لحستْ حروفَ قصائدي الفئرانُ
ومشتْ على أوراقِها الدِّيدانُ

وبنى عليها العنكبوتُ شباكهُ
وبكلِّ خيطٍ ناعمٍ شيطانُ

صرخَ الرَّميمُ من الجحيم منادياً *
وذَرتْ رمادَ هشيمهِ النِّيران

ومشتْ جراحاتُ الصميمِ على اللَّظى
حتى اكتوتْ بجمارهِ الأوزانُ

* * *
ماذا أقولُ ؟ وكيف تنفذُ صيحتي ؟
وببابِ كلِّ قصيدةٍ سجَّانُ

حملَ السِّلاحَ مهدِداً مُتوعداً
وعلى البروجِ تعاونِ الذُّؤبانُ

صورٌ على جُدرانِ وجهٍ يابسٍ
لا الجِّنُّ ترسمها ولا الإنسانُ

وأنا أُحدِّقُ في زوايا صمتِها
وبكلِّ زاويةٍ بها آذانُ

تترقبُ الأسماعُ كلَّ صبيحةٍ
صوتَ الأذانِ فللقريضِ أذانُ

لكنَّه الثُّعبان يقبعُ في فمي
تحتَ اللِّسانِ وجوفه حرَّانُ

أخشى إذا حدَّثتُ نفسي سمعَه
وأخافُ دوماً أن يزِلَّ لسانُ

نَهَرُ الدِّماءِ يسيلُ ضمنَ أصابعي
وأنا على شُطآنِهِ ظمآنُ

والأمنياتُ البِكرُ ملءُ أصابعي
تهوى الدَّلالَ حلا لها العِصيانُ

تصحو ثواني النَّومِ في عصيانها
لا الفكر يكبحها ولا الوجدانُ

هي خمرُ أيامي وكم سكِرتْ بها
روحي وكم قَلَبَ الدِّنانَ بيانُ

وكم استعنتُ بعنفوانِ مُكابِرٍ
لا العزمُ يسعفُهُ ولا الإيمانُ

حتَّى تمكنتِ الهواجسُ من دميْ
ونما بنفسي الخوفُ والإذعانُ

أطلقتُ زَفرةَ يائسٍ من سعيِهِ
وبَكيْتُ عمراً كله غثيانُ

تتقيأُ الأقلامُ فوقَ طُروسهِ
من جَوفِ ماضٍ كلُّه هذيانُ

ورجعتُ أقتنصُ الرجاءَ وأبتني
كوخاً فضاقَ بخيبتي البنيانُ

وهوتْ عليَّ قواعدٌ أسَّستُها
وانهارتِ الجُّدرانُ والأركانُ

لمَّا رأيتُ ركامَها متوجِّساً
من كلِّ حرفٍ في ذراهُ دُخانُ

آثرتُ أسبابَ السَّلامةِ وليكنْ
من بعديَ الزِّلزالُ والطُّوفانُ

* * *
ضحكَ الذي حملَ السِّلاحَ مهدِّداً
ممَّا فعلتُ وقهقهتْ غِيلانُ

وصحا الضَّميرُ على رُفاتِ قصائدي
يبكي وتشربُ دمعَه الأكفانُ

والنَّازعاتُ لرُوحِ كلِّ قصيدةٍ
مني يباركُ نزعَها الثُّعبانُ

حتَّى إذا غدتِ القصائدُ جُثَّةً
ومشتْ على أوراقِها الدِّيدانُ

مزَّقتُها وحملتُ مِعولَ خيبتي
ودفنتُ ما رَجَحتْ بهِ الأوزانُ


15/1/2001

* يذكر الشاعر هنا دواوينه الأربعة
الأولى صراخ الجحيم ونداء الرميم
ورماد الهشيم وجراح الصميم

عبد السلام بركات زريق 10-26-2010 09:18 PM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (15)



آيةُ الخلق




قالتْ أحبُّكَ غير أنِّي لم أَزلْ
رُغمَ احتراقيَ في النَّوى أهواهُ

لكنَّ نُصحك لي بقولِ تشاغَلي
عن حبِّه وتعلَّقي بسواهُ

لم أَلقَ غيرَكَ منقِذاً لعواطفي
فحملتُ قلباً أرهقتْهُ مناهُ

وجعلتُ حبَّكَ لي شفاءَ مواجعي
فاقبَلْ هوايَ لعلَّني أنساهُ

فأجبتُها والشوقُ يصهر أحرفي
والقلبُ يخنقُ في الضُّلوعِ هواهُ

أنا يا حبيبةُ مذْ رأيتُكِ هائمٌ
أوَّاهُ من حرقِ الهوى أوَّاهُ

أوَما قرأتِ بمقلتيَّ قصائداً
في العشقِ لا قيسٌ لا ليلاهُ

لكنَّني وصباكِ كانَ يصدُّني
وصراخُ شيبي لا يعودُ صداهُ

آليتُ أن يبقى الصُّراخُ بأضلُعي
حتَّى رأيتُ بمقلتيكِ مداهُ

* * *
يا حلوةَ العينينِ حسبُكِ في الهوى
قلبٌ تسيلُ على يديكِ دماهُ

إنِّي أخافُ عليكِ غدرَ مُخادعٍ
يجفو هواكِ وتَتبَعينَ خُطاهُ

أَغليتُ دمعَكِ أنْ يسيلَ لكاذبٍ
يوري اللهيبَ وتصطَلينَ لظاهُ

فالحبُّ آيةُ خَلقِنا نحيا به
لولاهُ ما كان الورى لولاهُ

والحبُّ في السِّتينَ حبٌّ جامحٌ
روحي تحِنُ وخافقي يخشاهُ

وأنا مع السِّتينَ يُرجِعُني الهوى
طفلاً يحبُّ على يديكِ هداهُ

فتقدَّمي وتعهَّدي قلبي ولا
تثِقي بقلبٍ عاشقٍ إلاهُ



20/11/2000

عبد السلام بركات زريق 10-26-2010 10:45 PM


المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (16)



لعيني بُناةُ المجد



أُلقيتْ في مهرجان
ربيع حماة الرابع



على صَهواتِ الشِّعرِ والشِّعرُ مولَعٌ
بملحمةِ الإبداعِ أغزو القوافيا

وأقطِفُ من زهرِ النُّجوم سنى الهدى
وأًثقُبُ بالنُّورِ المبين لآليا

وأَنظِمُ أطواقاً لجِيدِ حبيبةٍ
تبادلُني أنخابَ حبِّي أغانيا

على ضِفتيْ عاصٍ على الدَّهرِ طائعٍ
لدى الأهلِ لم يتركْ عليه طواميا

تدورُ عليه الدَّائراتُ فينتشي
ليغدقَ نشواناً وينعِمَ راضيا

وتحت جناحيْ شاطئيهِ ترَّنمتْ
عصافيرُ حبٍّ ترسلُ اللَّحنَ صافيا

فبينَ الرِّياضِ الحانياتِ قصائدٌ
من العشقِ تستهوي الحبيبَ المُداريا

تغازلني الآمالُ في رَبواتِها
ويجذُبُني العاصي فأهبطُ واديا

* * *
دَرجتُ بها طفلاً تعلَّقّ قلبُهُ
بمرضِعةٍ هيفاءَ عزَّتْ تساميا

رضعتُ لبانَ الحِّب منها فأينعتْ
هياماً بقلبي خالداً متناميا

تسلَّقتُ أشجارَ البساتينِ يافعاً
وهامَ بألوانِ الجَّمالِ شبابيا

وغازلتُ أوتارَ النَّواعيرِ شاعراً
وأرقصتُ أسرابَ البلابلِ شاديا

تحدَّيتُ أوكارَ النُّسورِ ولم أَزلْ
أحثُّ لآفاقِ الخلودِ جناحيا

رضيتُ بها الإملاقَ أفدي ترابَها
وعزَّةَ أهليها ونبلَ رفاقيا

وعشتُ على جمرٍ أُبرِّدُ غلَّتي
بومضةِ برْقٍ لم تفارقْ خياليا

فما عابني إلا حسودٌ بغيبةٍ
وما شانني إلا وذلَّ أماميا

* * *
هي الجَّنةُ العذراءُ ما مسَّ طهرَها
غويٌّ يُبينُ الخيرَ يخفي المساويا

أخافُ عليها من عَذولٍ وشامتٍ
وأخشى غريباً حاقداً ومُعاديا

ولمْ أَجفُها يوماً لكسبٍ ولمْ تكنْ
خزائنُ أهلِ الأرضِ ضِمنَ حسابيا

يحجُّ لها العشَّاقُ في كلِّ موسمٍ
ويُحيونَ للشِّعرِ الأصيلِ أماسيا

تنزَّلَ فيها الوحيُ بالشِّعرِ مُعجزاً
توشِّيه أثواباً ويسمو معانيا

بها شامخاتُ المجدِ تزهو أوابداً
على الدَّهرِ فاسألْ شَيزراً وأفاميا*

أقدِّسُ فيها كلَّ ديرٍ ومسجدٍ
وألثُمُ أحجاراً وأبكي غواليا

وألهو مع الأطفالِ أجني براءةً
لأنفِضَ عن روحي الضَّنى والمآسيا

أرى بهُمُ نفسي فأسرفُ لاهياً
لعلِّي أداوي بالبراءةِ دائيا

ويُخجِلُني شيبي وقحطٌ بهامتي
فأمضغُ آلامي وأكتمُ مابيا

وأستعطفُ الأيامَ تمضي ولا أرى
حبيباً يساقينيْ الضِّياءَ مَجانيا

فأغفو على نارٍ أُحِسُّ لهيبَها
بأوردتي الظَّمأى يقضُّ مناميا

وأصحو على برْقٍ يقودُ سحابَةً
تُدمدِمُ في أُفْقيْ فتَهمي سمائيا

وتسكِبُ في شعري الطِّلا وأعبُّه
فيُقبلُ مخموراً ويُدبِرُ صاحيا

وأرسُمُ لوحاتي بظلِّ وريفةٍ
وتصطخِبُ الألوانُ تحت ظلاليا

فيزهو ربيعٌ بالجَّلاءِ مضمَّخٌ
وتخطِر أيامُ الجِّهادِ بباليا

غداةَ طلعْنا صِبيةً وكواعِباً
نهلِّلُ للثُّوارِ تصْلي الأعاديا

طَلعنا عليهم نقرعُ السَّيفَ بالعصا
كما يقْرَعُ الأطفالُ بالقدْسِ غازيا

هنا فوقَ ساحِ النَّصرِ غنَّتْ دماؤنا
فعادتْ سرايا الغدْرِ حُمْراً دواميا

تُجرِّرُ أذيالَ الهزيمةِ والخنا
وتندبُ مجداً هالكاً متهاويا

ولمَّتْ فِرنسا خِزيَها وتقهقرتْ
ورفَّ لواءُ النَّصرِ في الشَّامِ عاليا

* * *
حنانيكِ يا مهْدَ البطولةِ والنَّدى
حنانيكِ عادَ العيدُ حرَّانُ صاديا

يعاتبُنا الأقصى فنغلقُ دونَهُ
مسامعَنا خوفاً فيصرخُ باكيا

أفيقوا دُعاةَ السِّلمِ لا سِلمَ يُرتجى
إذا كان من يدعو إليه مُرائيا

ففي كلِّ يومٍ للسَّلامِ حكايةٌ
وفي كلِّ يومٍ ينزِفُ الشَّعبُ غاليا

أفيقوا .. أفيقوا سلمُ " شارونَ " كاذبٌ
أفيقوا فوَكرُ السِّلمِ يُخفي أفاعيا

أفيقوا وسيروا وحدةً عربيَّةً
تدُكُّ بصدقِ السَّائرينَ رواسيا

* * *
أرى هَمَزاتٍ للشَّياطينِ أينعتْ
تُطبِّعُ أفكاراً وترجو تلاقيا

وهل يرجِعُ التَّطبيعُ شعباً مشرَّداً
ليشربَ من سُمِّ العقاربِ هانيا

* * *
تفرَّستُ أقطابَ السِّياسةِ جُلَّهمْ
فلم ألقَ إلا واهماً ومُداجيا

تفرَّستُ فيهم فالوجوهُ غريبةٌ
ولستُ أرى فيهم طبيباً مداويا

فرحتُ أُداوي الجُّرحَ بالدَّمعِ واجماً
وأستنفرُ الأطفالَ جيشاً محاميا

وأَصفعُ " أمريكا " ومن لفَّ لفَّها
بطفلٍ يرى بالموتِ للدَّاءِ شافيا

* * *
لعينيْ بُناةُ المجدِ والمجدُ شامخٌ
بمقلاعِ طفلٍ يَزْحَمُ الهولََ حافيا

بثوبِ فتاةٍ مزَّقته بلهفةٍ
تضمِّدُ جرحاً نازفاً بفؤاديا

لعينيكَ بشَّارُ العروبةِ صغتُها
قصيدةَ حبٍّ تصفعُ اليوم باغيا

تنكَّبْ سلاحَ الحقِّ واقحمْ بنا اللَّظى
فليس لها إلاَّكَ رُمحاً وماضيا

فأنتَ لها يا حيدراً بزئيرهِ
يدكُّ عروشَ البغيِ كالرَّعدِ داويا

تقدَّمْ .. تقدَّمْ خُضْ بنا البحرَ إنَّنا
بفكرِك نستهدي عرَفناكَ هاديا

ودعْ كلَّ نكسٍ خائفٍ مُتخاذلٍ
يلوذُ بأوكارِ السَّلامِ تفاديا

سنُعلي أذانَ الفجرِ فالفجرُ قادمٌ
وينطقُ صخرُ القدْسِ صِلٌّ ورائيا


15/4/2001


* شيزر وأفاميا من بلدات حماة الأثرية

عبد السلام بركات زريق 10-30-2010 10:21 AM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (17)



صواريخ



مهداةٌ لروح الشهيد البطل
سعيد حسن حسين حوتيري
منفذ عملية نهاريا البطولية

فجِّرْ حزامَكَ في دوَّامةِ النَّارِ
وانثُرْ شظاياكَ في قُدسي وأغواري

فجِّرْ فؤادَكَ فجِّرْ كلَّ جارحةٍ
وانشرْ كتابَكَ لا تعباْ بإنذارِ

فجِّرْ عيونَكَ فجِّرْ كلَّ داميةٍ
من دمعِ أُمٍّ على الأطفالِ مِدرارِ

فجِّرْ ضلوعَكَ بركاناً وقلْ لهُمُ
هذي صواريخُ تصميمي وإصراري

هيَّا اقصفوا فالغدُ الموعودُ يجذبُكم
إلى النِّهايةِ في عصفي وإعصاري

لن تقتلوا غيرَ عجلَ السَّامريِّ فقد
آنَ الأوانُ وهذي شُرعةُ الباري

ترقَّبوا يا شرايينَ الفساد على
أرضِ النُّبوَّاتِ ما أعددتُ للثَّارِ

أعددتُ جيشاً حياضَ الموتِ موردُهُ
بفتيةٍ من هواةِ الموتِ أبرارِ

صُنَّاعُ نصرٍ بأجسادٍ ممزَّقةٍ
أكفانُهم من نسيجِ النُّورِ والنَّارِ

لا يَسألون إذا نودوا مناديَهمْ
ماذا وراءكَ من أمرٍ وأخطارِ

بل ينفِرون بأكفانٍ وأحزمةٍ
ويضفرون أكاليلاً من الغارِ

والحاملونَ لواءَ السِّلمِ ما فتئوا
يقدِّمونَ تعاويذاً لسمسارِ

يستقبلون وفودَ السَّائرين على
أجسادِ من سقطوا في هدْمِ أسواري

والعائمون على موجِ الحصارِ غداً
تهوي مراكبُهم في عصْفِ تيَّاري

باعوا السَّلامَ بأسواقٍ مهيَّأةٍ
لكلِّ نكسٍ مضى يحبو لدولارِ

حتَّى إذا ارتفعَ الميزانُ وانخفَضَتْ
كلُّ العروشِ تواروا خلفَ أستارِ

* * *
فليمضِ " شارونُ " في إعدادِ خطَّتِه
إنِّي أُعدُّ له قبراً بأحجاري

لو يدركُ الوغدُ ما معنى انتفاضتِنا
لغادرَ القدسَ ملفوفاً بأطمار

أو طأطأَ الهامَ في ذلٍّ وغاصَ إلى
أذْنيْهِ في حومةٍ غصَّتْ بأقذارِ

لكنه وحشُ هذا العصرِ يدفعُه
شربُ الدِّماءِ لآثامٍ وأوزارِ

والقائمون تغاضَوا عن جرائِمهِ
في مجلسِ الأمنِ وانحازوا لجزَّارِ

ليعلمَ الكونُ أنَّا ثورةٌ بدأَتْ
من كفِّ طفلٍ بساحِ الموتِ مِغوارِ

يمشي على النَّارِ ثَبْتَ الخطوِ مدَّرعاً
بالقِبلتين ومنقضَّاً كإعصارِ

عيناهُ أُغنيتا عِشقٍ لمقدسِهِ
يرنو من المسجدِ الأقصى لبشَّارِ

حتَّى يعودَ أَذانُ الفجرِ منطلِقاً
وتكتسي صخرةُ الأقصى بأزهاري



10/6/2001

عبد السلام بركات زريق 10-30-2010 11:03 AM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (18)



بسمةُ الجرح



من بسمةِ الجرحِ يهمي النورُ والعبَقُ
حتَّى يسيلَ على آفاقِنا الشَّفّقُ

من بسمةِ الجرحِ تزهو كلُّ باسقةٍ
ويضحكُ الغصنُ والأزهارُ والورقُ

فعانِقي يا روابي القدسِ بسمتَه
ودلِّليها فمنها الصبحُ ينفلقُ

لا تُغلقي شَفَتيْ جرحِ الضِّياءِ على
سُمِّ السَّلامِ فهذا السلم مختَلقُ

والخانعون تباروا في صِياغتِه
كلٌّ إلى وكرِه للغدرِ يستَبقُ

ناموا مع الفجر لم يكحلْ بصائرَهم
نورُ الصَّباح فجفْنُ الفجر منغلِقُ

أعياهمُ البحثُ تحت الليل عن نَفَقٍ
للمارقين فلم يُفتحْ لهم نفقُ

فأَجمعوا أمرهم للكيد وانطلقوا
يهرولون وباب الذلِّ منطلَقُ

تملَّقوا كلَّ وغدٍ آثمٍ وقحٍ
يحمي الغزاةَ فما أجداهمُ الملَقُ

فآثروا العومَ في بحرِ الدِّماءِ إلى
شطِّ الخنوعِ وفي أمواجه الغرقُ

وأولموا للسَّلام المرِّ واجتمعوا
على الطَّعام فسادَ الخوفُ و القلقُ

صفُّوا موائدَهم فوق الرَّمادِ على
وعْدٍ كذوبٍ فلم يُسكَبْ لهم طبقُ

واستنفروا مالئَ الأقداحِ يسكرهم
بالأمنياتِ فغصَّ القومُ واختنقوا

مالوا إلى الرَّقص والأحجارُ تلعنُهم
والطِّفل والبيدرُ المحروقُ والطُّرقُ

والأمهاتُ وأرحامٌ ممزَّقةٌ
وكلُّ حبةِ زيتونٍ بها رمقُ

وقبةُ المسجد الأقصى وصخرتُه
ومهدُ عيسى ومن إسراؤُه عَبِقُ

* * *
يا صخرةَ القدسِ يا معراجَ سيِّدِنا
إلى السَّماءِ غصونُ الغار تصطفِقُ

جذورُها تُنبِتُ الأطفالَ تشحذُهم
على الإباء وهم في زحفِهم صُدُقُ

يرمون والثَّأرُ في أحجارٍهم غرِدٌ
" يسُ " تُتلى و" نصرُ اللهِ " و " الفلقُ "

يقبِّلُ الحجرُ الصوانُ أَنملَهم
إذْ يحملُ الموتَ مِقلاعٌ وينطلقُ

فقبِّلوا كلَّ كفٍّ تنتضي حجراً
وبادروا لاختراقِ الخوفِ واتَّفقوا

كفاكمُ اليوم تهريجٌ وفلسفةٌ
كفاكمُ في ميادينِ الردى نَزَقُ

الخصمُ وحَّدَ رُغمَ الزيف دولتَه
وأنتمُ رُغمَ أنوارِ الهدى مِزَقُ

إنِّي لأقسمُ بعدَ اللهِ في ثقةٍ
بالطِّفلِ إنِّي أرى " كوليزا "* تحترقُ

البوم ينعقُ في أركانِ دولتِها
والخائفون على أركانِها نعقوا

والمجرِمُ الوغدُ يوري النارَ محتضِناً
قِدْرَ السَّلامِ ولا لحمٌ ولا مَرَقُ

لمْ يدْرِ أنَّا نحبُّ الموتَ نطلبُه
كما يحبُّونَ عيشاً كلَّه فَرَقُ

رسالةٌ سُطِّرتْ بالسَّيفِ خالدةٌ
وخالدٌ لم يزَلْ للسيفِ يمتشقُ

* * *
قولوا لهم يا لُيوثَ القدسِ إنَّ لنا
يوماً به ينجلي عن شمسِنا الغسقُ

أعلامنُا من دمِ الأطفالِ ننسِجها
أعلامُكم في ذُرا أوهامِكم خِرقُ

سنرفعُ الرَّايةَ الحمراءَ يعقدها
ضياءُ فجرٍ من الجولانِ ينبثقُ

جبينُ بشَّارَ وضَّاءٌ بغُرَّته
وملءُ عينيهِ نورُ اللهِ والألقُ



17/6/2001


* كوليزا ... كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية

عبد السلام بركات زريق 10-30-2010 11:30 AM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (19)



سهر الشوق



يسهرُ الشَّوقُ مسرِفاً بالتهابِ
ويغنِّي الحنينُ لحنَ التَّصابي

ويطولُ السهادُ والليلُ يحبو
والخلايا المواتُ تبكي شبابي

أرقبُ الفجرَ والضِّياء كسولٌ
يسحبُ الخطوَ لا يرِقُ لما بي

يتمطَّى على الطَّريقِ ويغفو
ثمَّ يصحو في أضلعي كالحرابِ

وأنا بين صحوِه ومنامي
أتشظَّى على دموعِ انتحابي

* * *
هذه الحالُ أيقظتْ في عُروقي
نبضَ همٍّ يحبُّ ليلَ عذابي

أتشهَّى الرُّقادَ لو لثوانٍ
والثَّواني تُثيرُ فيَّ ارتيابي

أحرقُ العمرَ بين شوقٍ وسُهْدٍ
في الليالي على حدود السرابِ

أزجرُ النفسَ حين تهفو لإثمٍ
خشيةَ اللهِ طامعاً بالثوابِ

وأُغنِّي يا ليلُ .. يا عَيْنُ جودي
بدموعي وأمعني بانسكابِ

قدَري أنْ أعيشَ عُمري شقيَّاً
في جحيمي مطارَداً من ذئابِ

يجهلُ اللائمون كيف أُعاني
من براكينِ هدأتي واضطرابي

ويقولون يا غبيُّ تقدَّمْ
لارتشافِ اللَمى وعَبِّ الشَّرابِ

وتمتَّعْ كما تحبُّ وتهوى
بكؤوسِ الطِّلا ووصلِ الكِعابِ

أنتَ من ضيَّعَ الشَّبابَ غباءً
بين فرطِ الهوى وخوفِ العقابِ

سوف نمضي ونستحيلُ تراباً
فاغنمِ العيشَ من بقايا التُّرابِ

أرهقتْكَ الأيامُ تمضي سِراعاً
بين لومٍ وحُرقةٍ وعِتابِ

* * *
وتصوَّرتُ ما مضى من حياتي
وابتعادي عن خيبتي واقترابي

أَرجفَ المرجفون منِّي كثيراً
يومَ كان الشَّبابُ ملءَ إهابي

يومَ آثرتُ أن أَعيشَ كريماً
رافِعَ الرأسِ هازئاً بالصِعابِ

واستجارَتْ بيَ الدموعُ وضجَّتْ
ذكرياتٌ تواثَبتْ من كِتابي

أنتَ أَسرفتَ في الحياءِ طويلاً
تتوارى من الضُّحى في الضبابِ

وانقضى العمْرُ والأمانيْ تناءتْ
وطموحي هوى وقامَ حسابي

وتمطَّى السُّؤالُ صعباً عسيراً
أين نورُ الهدى ؟ وحارَ جوابي



14/7/2001

عبد السلام بركات زريق 10-30-2010 08:15 PM


المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (20)

قمْ يا وليدُ شفاكَ الله


مهداةٌ إلى الشاعر وليد قنباز
وقد أقعده المرض




حطَّمتُ من حُرقتي دَنِّي وأقداحي
ورحتُ أشربُ آلامي وأتراحي

أنوسُ كالظلِّ في أضواءِ راعشةٍ
كطائرٍ جِدِّ غدَّاءٍ وروَّاحِ

وهناً تؤرجحُني الأضواءُ مختلِجاً
مالي يدٌ في اختلاجاتي كلَّواحِ

أهيمُ في " صالة الإبداعِ "* أسألُها
عمَّنْ غزاها بأقلامٍ وألواحِ

أديرُ عينيَّ في أرجائها وجِلاً
أُقلِّبُ الطَّرفَ بحثاً عنك يا صاحِ

وأحبِسُ الدَّمعةَ الحرَّى وأُطلقُها
إذْ لمْ أَجدْكَ مع الفرسانِ في السَّاحِ

* * *
" وليدُ " يا بسمةَ الشِّعرِ الذي انبثقتْ
أنوارُه في شراييني ومصباحي

" وليدُ " يا مبدِعَ السِّحرِ الذي شهدتْ
له المنابرُ في شرحٍ وإيضاحِ

" وليدُ " يا فاتحاً لي كلَّ مُغلقةٍ
إنِّي كسرتُ بقُفلِ الغيبِ مفتاحي

* * *
ماذا أقولُ ؟ ومنْ يُزجي ندى قلمي
وكيف أُوجِزُ أفكاري لشُرَّاح ؟

وكيف أشدو ولا ألقاكَ مبتسماً
بين الحُضورِ ولم أُبصِر سوى اللاحي

قفْ يا وليدُ على ساقيكَ منتصباً
بإذنِ ربِّكَ واهجُرْ كلَّ جرَّاحِ

قفْ يا وليدُ وبادرْ بالمسيرِ إلى
دارِ الثَّقافةِ لا تسمعْ لنُصَّاحِ

أُتلُ المثانيَ واستنجدْ بمن نزَلتْ
آياتُهُ هديَ أفكارٍ وأرواحِ

عُدْ للحديقةِ صدَّاحاً على فَننٍ
وانْسَ السَّقامَ وغازلْ كلَّ صدَّاحِ

أين الهديلُ وأين الرَّاحُ هلْ نفدتْ ؟
أين العنادلُ هل نامتْ بأدواحِ ؟

* * *
أشرِقْ " وليدُ " علينا في مجالسِنا
فخَمرةُ الشِّعرِ قد حنَّتْ لأقداحِ

والمصبِياتُ على شَدْوٍ وهدهدةٍ
تشتاقُ عِطرَ الهوى من كلِّ فوَّاحِ

ذوِّبْ يراعَكَ توِّجها بمُرقصةٍ
من فنِّكَ البكرِ واسكُبْها مع الرَّاحِ

إنَّا عهِدناكَ وضاحَ السَّنا عبِقاً
كالزَّهرِ في كلِّ إمساءٍ وإصباحِ

* * *
قُمْ يا " وليدُ " شفاكَ اللهُ صلِّ بنا
وادعُ الإلهَ بتجويدٍ وإفصاحِ

لُذْ بالذي قدَّرَ البلوى وأنزلَها
واجأرْ إليهِ بإصرارٍ وإلحاحِ

إنِّي أُصلِّي وأدعو اللهَ مُبتهِلاً
كيما تعودَ لإنشادٍ وتَصداحِ

فاللهُ يُصغي لعبدٍ شاكرٍ ورِعٍ
في النَّازلاتِ عليه جدِّ مِلحاحِ

فارفَعْ يديك إلى ربِّ العبادِ ولا
تقنَطْ فديتُكَ أنت الأزهرُ الضاحي

وأنتَ من أنتَ في تقوى الإلهِ فقُمْ
وخلِّصِ النَّفسَ من تهويمِ أشباحِ

ثبِّتْ فؤادَكَ لا تعباْ بنازلةٍ
إنَّ الذي سطَّرَ البلوى هو الماحي

واسفحْ دموعَ الرِّضى فالبرْدُ في يدِه
ومَنْ سواهُ لمهمومٍ ومُلتاحِ

أقبلْ عليه وقلْ يا ربِّ خُذْ بيدي
وافتح طريقَ الشِّفا يا خيرَ فتَّاحِ



21/8/2001

*صالة الإبداع : صالة المركز الثقافي في حماة

عبد السلام بركات زريق 10-30-2010 08:19 PM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (21)



أستغفِرُ الشَّيْب



على شفا جُرُفٍ هارٍ أداعبُهُ
حلْمٌ شهيٌّ تقيٌّ طاهرُ الأرَبِ

على شفا جُرُفٍ ما زلتُ ألثمُه
بين الجفونِ كطيفٍ هامَ بالهدبِ

خمسينَ عاماً على أسوارِ مملكةٍ
من الهيامِ يعاديني بلا سببِ

* * *
أواهُ .. أواهُ يا حُلماً ألوذُ به
في النومِ والصَّحوِ بين الشكِ والرِّيَبِ

أما تعبتَ على أسوارِ مملكتي
ألا اقتحمتَ عليَّ الليلَ بالشُّهُبِ

ألا دحَرْتَ ظلامي في ضِياءِ غدٍ
حتَّى يلوذَ ظلامُ العيشِ بالهربِ

* * *
تعالَ وابحثْ عن التَّفسيرِ في كُتُبٍ
حروفُها أشرقتْ من دمعِ منتحِبِ

لعلَّ نورَك يسعى بين أسطرِها
يضيءُ فيَّ ليالي الهمِّ والنَّصبِ

يُمِدُّ كوثرَ إلهامي يفجِّرُه
بين الضلوعِ فيأتي الشِّعرُ بالعجبِ

* * *
أواهُ .. أواهُ يا حلماً بذلتُ له
عمْراً تأرجحَ بين الجدِّ واللعبِ

هاتِ اسقني خمرةَ الإبداعِ تُسكرني
روحاً فأنأى بها عن خمرةِ العِنَبِ

واعطفْ على كبِدٍ حرّى يمزِّقُها
شوقٌ قديمٌ إلى مشبوبةِ اللهبِ

أدمنتُ فيها صباباتي وقافيتي
خمسين عاماً أُناديها ولم تُجِبِ

كأنها تختفي كي لا يطاردها
شوقي إليها على صافٍ من العَتَبِ

فأُجفلتْ أُمنياتي بعدما انقطعتْ
آمالُ وصليْ على بوابةِ السغَبِ

* * *
أواهُ .. أواهُ يا حُلْماً أهدهده
بين الجُّفونِ فيرميني إلى العطبِِ

أصبحتَ عنِّي بعيداً لا سبيلَ إلى
لقياكَ حتَّى ولو أمطرتَ كالسحُبِ

لكنَّني هائمٌ خلفَ السَّرابِ ولا
أستغفرُ الشَّيبِ عفوَ العمْرِ لم أشِبِ



8/1/2002

عبد السلام بركات زريق 10-30-2010 08:24 PM


المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (22)


مجنونة الشوق



أنامُ على قربٍ وتغفو على بُعدِ
وأصحو على وصلٍ وتصحو على صدِّ

وأحيا على عهدٍ قطعناه بيننا
وتحيا على الإمعانِ في نقضِها عهدي

وفي مَهْمهِ الأيامِ أمضي مكبَّلاً
تُهدهدني الذكرى فأحنو على قَيْدي

ولولا ثواني القربِ في الشهرِ مرَّةً
لأحرقَني دمعي وأطفأني سُهدي

وجاريتُها بالغدرِ في الهجرِ والجفا
فلا همُّها همِّي ولا سعدُها سعدي

* * *
لأجلِكِ يا مجنونةَ الشَّوقِ أنتضي
قصائدَ حبٍّ ضاعَ في الجزرِ والمدِّ

لأجلِكِ يا مشبوبةَ النَّارِ أنتقي
لآلئَ أصدافٍ تنضَّدُ في عِقْدِ

لأجلِكِ يا فتَّانةَ الرَّوضِ أجتني
مواسمَ أزهارٍ تنامُ على زندي

وأنتِ ولا أخشى العقابَ غبيَّةٌ
تصدُّ على قصدٍ وترضى على عمْدِ

تغارين ممَّن لا أُبالي بحبِّها
وتدرينَ أنِّي لا أزالُ على ودِّي

تنامينَ والأوهامُ تغتالُ مضجعي
فأغفو على نارٍ وأصحو على برْدِ

وأستعذِبُ الآلامَ يشربُها دمي
وتتركُني شلواً يمزِّقُني وجدي

وأستنفٍرُ الآمالَ في حومةِ الأسى
فيخذِلُني عزمي ويفتِكُ بي جهدي

فأرفعُ كفِّي للسماءِ تضرُّعاً
أخاطبُ ربِّي كي أعودَ إلى رُشدي

وما بيَ مسٌّ ..لا .. وما بيَ جِنَّةٌ
ولكنَّ بي شوقٌ لسيَّالةِ الشَّهدِ

أهيمُ بها كالنَّحلِ أجني رحيقَها
وأسكبُه شِعراً فأبني به مجدي

لقد كنتِ يا محمومةَ العطرِ وردةً
وكنتُ أصوغُ الشِّعرَ للعطرِ والوردِ

فإنْ عُدتِ يا مسمومةَ الشَّهدِ شوكةً
فخلِّي سؤالي عنكِ يَشقى بلا ردِّ



27/1/2002

عبد السلام بركات زريق 10-30-2010 10:24 PM


المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (23)


ريح النُّهوض


لا للعراقِ ل " إسرائيلَ" ألف نَعمْ
فاستسلموا أو فذوقوا عصفَ إعصاري

السِّلمُ غايتُنا والعدلُ رائدُنا
ناموا على الذلِّ وانصاعوا لإنذاري

إنَّا نقيمُ لكم حفلاً يمتِّعُكم
بعرضِ أزيائنا الحُبلى بأقذارِ

رِفقاً بشارونَ لا تُؤذوا عواطفَه
وعاملوه بإحسانٍ وإيثارِ

ماذا : لو اقتلعَ الأشجارَ حوَّلها
زيتاً لدبَّابةٍ غصَّتْ بأشرارِ

ماذا : لو احترقتْ بغدادُ وانسحقتْ
كلُّ الشعوبِ وبادتْ في لَظى النارِ

ماذا : لو انهدَمَ الأقصى وعاثَ به
كلُّ الزُّناةِ بأبكارٍ وأطهارِ

ماذا وماذا : وماذا لا سبيلَ إلى
إعرابِ ماذا وقد أتقنتُ أدواري

إنِّي أحذِّرُ من تثبيتِ قاعدةٍ
تَنفي وتُثبتُ ما تبديه أخباري

فما عليكم سوى أن تعربوا ولنا
حقٌّ بتوزيعِ أصفارٍ لأصفارِ

* * *
أشعلتُ محرقتي في ظِلِّ داليةٍ
حمراء تشربُ من سُمِّي وأوزاري

تنمو المنونُ بها عُنقودُها غَضَبٌ
وخمرُها من لَظى اليَحمومِ والقارِ

سيسكرُ الكونُ منها حين أسكبُها
لكلِّ شعبٍ على وعدٍ بمقدارِ

هذا نظامٌ جديدٌ سوف أفرضُه
على الشُّعوبِ بإعلانٍ وإسرارِ

من يومِ حطينَ أظفاري مقلَّمةٌ
واليومَ أشحذُ أنيابي وأظفاري

لم يبقَ فيكم صلاحُ الدينِ إذْ لجأتْ
كلُّ الزعاماتِ في صمتٍ لأوكارِ

وأوغلتْ في جُحورِ الخوفِ تاركةً
كلَّ المبيعاتِ تشكو غِبْنَ سمسارِ

حتَّى إذا بيعَ تاريخٌ برُمَّتِهِ
راحتْ تُعربدُ في رفضٍ وإقرارِ

* * *
يا حاملينَ لواءِ السلمِ في دِعةٍ
والريحُ تمعنُ في تحطيمِ أشجاري

أتفرحون إذا ما ساءكمْ خبَرٌ
وتغضبون إذا ما انقضَّ ثوَّاري

أتشربون كؤوسَ الذلِ في شُرَفٍ
وتأكلون ضحايا النارِ في غارِ

والطفلُ في المهدِ والأقصى يناشدُكم
يا أمةَ العُربِ يا أهلي وأنصاري

أعددتُ للثأرِ مقلاعاً ومحبرةً
ورُحتُ أطلقُ أحجاري وأشعاري

فليقطعوا الماءَ بعدَ الكهرباءِ فلن
يستقبلوا غير إيماني وإصراري

* * *
يا نائمون أما ملَّتْ مضاجعُكم
من التقلبِ واشتاقتْ لسُمَّارِ

أما ترهلتِ الأجفانُ واحترقتْ
أحلامُكم في فضاءاتٍ وأقمارِ

" بيروتُ " ملحمةٌ ضافتْ بفارسِها
فوسِّعوها بطبَّالٍ وزَمَّارِ

غنُّوا على وعدِ أمريكا بمؤتمرٍ
وشاركوها بأبواقٍ وأوتارِ

واستقبلوا كلَّ من يسعى لفُرقتكم
بالهمزِ واللمزِ في عَرْضٍ وتَكرارِ

وعرِّفوا ما هو الإرهابُ والتمسوا
عُذراً لمستهترٍ بالسلمِ كفَّارِ

* * *
" شارونُ " ينذِرُ والأحداثُ شاهدةٌ
يقول: لا تكسِروا بالضربِ مِسماري

لا تقتلوا الصمتَ لا تُبدوا مقاومةً
لا تطلقوا طلقةً في حقديَ العاري

وهيئوا لافتاتِ الشجبِ إنْ ضُربتْ
بغدادُ أو سُلِّمَ الأقصى لأحبارِ

تربَّصوا سوف يأتي دورُكم فعلى
جداولِ القصفِ أسماءٌ لأمصارِ

فبادروا لاقتحامِ السوقِ واغتنموا
عرضاً لكلِّ تصاميمي وأسعاري

ولنبدأَ العرضَ في الأقصى وننقلَه
لكلِّ عاصمةٍ ضاقتْ بأفكاري

حتى إذا جئتُ من صاموا على أملٍ
في دولةٍ حرَّةٍ من غيرِ أسوارِ

قدَّمتُ مائدةً بالسُّمِ عامرةً
فغادروها وباتوا دون إفطارِ

وأولِموا للسلامِ المرِّ وانتظروا
بعضَ الفُتاتِ ولكن خلفَ أستارِ

* * *
يا ساجدين على أبوابِ سادتِكم
ماذا فعلتم لمحوِ الإثمِ والعارِ

أتصدِرون بياناتٍ منمَّقةٍ
وتُجمِعون على إطفاءِ أنواري

أتطمعون بعفوِ الشعبِ إنْ عصفتْ
ريحُ النُّهوضِ بكفَّارٍ وفُجَّارِ

أم تلجؤون إلى أوكارِكم هَلَعاً
وتغرقون بأورادٍ وأذكارِ

لا بقبلُ اللهُ منكم أيَّ مبتهِلٍ
وأنتمُ بين مستَجْدٍ وخوَّارِ

تبَّتْ أياديكُمُ .. تبَّتْ مناصبُكم
وتبَّ من يشتري عرشاً بدينارِ

* * *
يا لابسينَ دروعاً غيرَ واقيةٍ
من الشُّعوب إذا هبَّتْ كإعصارِ

لا تحسبوا أنكم تخفون أنفسَكم
تحت البراقعِ عن سمعي وأنظاري

أغصانُنا الخُضرُ ما انفكتْ أناملُها
تبرعِمُ النَّصرَ من دارٍ إلى دارِ

تفِرُّ منهم حشودُ البغيِ هاربةً
وتحتمي من صدى المقلاعِ بالنارِ

تجري البطولةُ في شريانهم سُوراً
" آياتُها "* ملءَ أسماعٍ وأبصارِ

ليمونةٌ عُمْرها عمرُ الضِّياءِ ضُحىً
تجرَّعتْ غُصَّةَ الزَّيتونِ والغارِ

تناثرتْ مِزَقاً أشلاؤها كتبتْ
أحلى القصائدِ في تفجيرِ زُنَّارِ

إنِّي لأسجُدُ إجلالاً لمن خلَعتْ
ثوبَ الزَّفافِ ولم تركعْ لكفَّارِ

فأجمِعوا أمرَكم واستنفِروا دمَكم
وشرُّكم من توارى خافَ أعذارِ

شعوبُكم أُتخِمتْ بالزَّيفِ فاحترَفتْ
فنَّ الوجومِ بلا سمعٍ وإبصارِ

يزمجرُ الصَّمتُ في الآذانِ يثقبُها
والصوتُ يحفِرُ أغواراً بأغوارِ

* * *
يا أمَّتي يا بقايا نخوةٍ جُمِعتْ
من كلِّ عاصمةٍ في صحنِ آذارِ

لا تعقِدوا قمةً في ظِلِّ فرقتِكم
وجرِّبوا مرةً في العزفِ قيثاري

صَفُّوا سرائرَكم في كلِّ مُعتَرَكٍ
وراقبوا اللهَ في جهرٍ وإضمارِ

فالوغدُ " شارونُ " يغزوكم بمعتَقَدٍ
فلا تبيعوه إيماناً بدولارِ

يشدُّه " بوشُ " بالحقدِ الدَّفينِ كما
تُشدُّ فيه خنازيرٌ لأبقارِ

أحداثُ أيلول لم تبرَحْ مخاوفُها
رأساً تحدَّرَ من أصلابِ أحبارِ

فليأتِ مبعوثُ أمريكا على جُثَثٍ
يلفُّها القادمُ العاري بأطمارِ

* * *
يا مؤمنون وحزبُ اللهِ رائدُكم
تيقَّظوا لا تُصلُّوا قربَ غدَّارِ

ولا تصوموا على وعدٍ بمائدةٍ
في بيتِ نذلٍ على الأضيافِ مُنهارِ

" شَبْعا " كيافا " كرامِ اللهِ " فانتصروا
للأمهاتِ لأطفالٍ وأبكارِ

* * *
يا من عقدْتُم على التطبيعِ قمَّتَكم
ماذا تركتم لثوَّارٍ وأحرارِ

لُمُّوا بياناتِِكم من صحنِ مؤتمرٍ
وارموا بها خُلسةٍ في عُنفِ تيَّارِ

لا ترهقوا النفسَ في كشفٍ وتعريةٍ
لِما تُكنُّونَ من حقدٍ وأوغارِ

لا تصلبوني على وعدٍ تُطيحُ به
ريحُ النزاعِ ولا تصغوا لتجَّارِ

لا تحرقوا الغارَ في الأرضِ التي شربتْ
طُهرَ الدِّماءِ وغذَّتْ كلَّ أزهاري

لا تحملوني على أنقاضِ عزَّتِكم
إلى المشافي فما أنتم بزوَّاري

لا تُبرموا صفقةً للسلمِ خاسرةً
لا تهتكوا في حِياضِ القدسِ أستاري

لا تَشربوا السمَّ في كأسٍ مزخرفةٍ
لا تبلعوا الطعمَ محشوَّاً بأثمارِ

لا تأمنوا لذئابٍ في مُساومةٍ
ولا تناموا على سكِّين جزَّارِ

ومزِّقوا كلَّ راياتِ السَّلامِ ضُحىً
وسلِّموا رايةَ الجلَّى لبشَّارِ

فبايعوه على الجلَّى لقد سقطتْ
كلُّ الزعاماتِ في مستنقعِ العارِ



31/3/2002

* آياتها ... آيات سورة الأحزاب

عبد السلام بركات زريق 10-31-2010 09:44 AM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (24)



جائزة نوبل للسَّلام



لا تسمعوا .. أغلقوا آذانَكم فأنا
أغلقتُ خوفَ دويِّ القصف آذاني

لا تنطِقوا .. أطبِقوا أفواهكم فأنا
أطبفتُ فوقَ حروفِ الرَّفضِ أسناني

لا تؤمنوا .. جمِّدوا إيمانكم فأنا
جمَّدتُ فوق لهيبِ النَّارِ إيماني

ناموا طويلاً ولا تستيقظوا فأنا
أنامُ بين الأفاعي ملءَ أجفاني

* * *
شعوبُكم في زوايا الخوفِ قابعةٌ
وأنتُمُ بين رِعديدٍ وخوَّانِ

تستنجدون بمن يحمي مضاجعَكم
تخشون فَتكةَ أشباحٍ وغِيلانِ

لا تعقِدوا قمةً في ظِلِّ خيبتِكم
لا تُبرِموا صفقةً تمضي لخُسرانِ

لا تخرجوا في مسيراتٍ منظَّمةٍ
أهدافُها ووْرِيتْ في صُلْبِ أحزاني

قولوا بكلِّ فضائياتِ عالمِكم
قتلُ الملايينِ فعلٌ غيرُ إنساني

قولوا " لشارون " أهلاً واسألوه رضىً
وصافحوه على ذُلٍّ وإذعانِ

ودجِّنوا كلَّ جُرحٍ نازفٍ فأنا
دجَّنتُ كلَّ جراحاتي وأشجاني

غنُّوا لأجلِ حصارِ القدسِ واحتفلوا
وقدِّموا عُلبةَ الحلوى لقرصانِ

وامضوا إلى الشَّرقِ واستجدوا مُناصرةً
وفاوِضوا الغربَ في أوكارِ فئرانِ

إنَّا نُعِدُّ لكم سوراً يُمنِّعكم
من الخليلِ إلى الأقصى لعمَّانِ

قفوا جميعاً على أعجازِكم ودعوا
أقدامَكم تنحني من غيرِ سيقانِ

سيروا إلى حتفِكم حبْواً ولا تدعوا
صوتاً يعبِّرُ عن رأيٍ ووجدانِ

بالأمسِ سرتُم على أعجازِكم دولاً
تباركُ الوحشَ لاستعمارِ أفغانِ

فأمعنَ القصفَ مشحوناً بهمَّتِكم
وحوَّلَ الأرضَ من روضٍ لبركان

* * *
قلنا لكم : قاوِموا الإرهابَ واغتنموا
أحداثَ أيلول واستعلوا بسُلطاني

أنتمْ صنائعُنا نغري الشُّعوبَ بكم
أنتم عبيدٌ لنا في ظِلِّ تيجانِ

لا تتركوها بلا ريشٍ يزيِّنُها
ورصِّعوها بياقوتٍ ومُرجانِ

لا ترفعوا رأسَكم إلا لمشنقةٍ
لا تُخفضوه لغيرِ القاتلِ الجاني

لا توقظوا النخوةَ العرباءَ في دمِكم
كونوا حمائمَ سِلمٍ تحت غرباني

صوموا وصلُّوا على أعتابِ سادتِكم
ووقِّعوا السِّلمَ في صمتٍ وكِتمانِ

غداً نُقيمُ لكمْ في القدسِ عاصمةً
لدولةٍ حرَّةٍ من خلفِ قضبانِ

وسوف نقضي على الإرهابِ في بلَدٍ
يليهِ آخَرُ فاختاروا من الثَّاني

أفي العراقِ ؟ أمِ الصُّومالِ ؟ أمْ بلَدٍ
تُذكي الطفولةُ فيه كلَّ مَيدانِ

بأنمُلٍ تقذفُ الأحجارَ لاهبةً
من مسلمٍ يفتدي الأقصى ونَصراني

في مهْدِ عيسى وفي مسرى الرَّسولِ وفي
حيِّ الخليلِ تحدُّوا عصْفَ نيراني

يرمون والثأرُ في أحداقِهمْ غَرِدٌ
لا يعبئونَ بتنينٍ وثُعبانِ

أم ننثني نحوَ حزْبِ اللهِ نقصِفُه ؟
هذا الذي في ذرا لبنانَ أعياني

أم للشآمِ التي من أفقِها سطعَتْ
شمسُ الصباحِ على قدسي وجولاني

تزهو بهمَّةِ حاديها وفارسِها
وفي مرابِضِها يخْتلُّ ميزاني

وربَّما .. ربَّما تمضي عدالتُنا
لتُكملَ القصفَ من أجواءِ سودانِ

تخيَّروا موتَكم في أيِّ مجزَرةٍ
ترضونه وانعموا في ظِلِّ عُدواني

وعرِّفوا ما هو الإرهابُ وانتظروا
تعريفَنا سوف يأتيكم ببُرهانِ

الحقُّ للقوةِ العمياءِ فاحترموا
مواقفي واخبطوا خلفي كعُميانِ

* * *
إنِّي لأقسمِ بالتدميرِ منتشِياً
بالإنتقامِ ولمْ أَحنَثْ بأيماني

لأقضِينَّ على الإرهابِ معتمِداً
صمتاً يعمِّقُ إصراري وإمعاني

وأهدِمنَّ محاريباً وأديِرةً
وأرفعنَّ على الأنقاضِ جُدراني

كلُّ الشعوبِ التي تسعى لعزَّتها
لسوفَ يجرِفُها سيلي وطوفاني

شريعةُ الغابِ عندي سوف أفرضُها
على الملايينِ من إنسٍ ومن جانِ

فرشِحوني ل " نوبلْ " سوف ألصقُها
على القبور وأَحميها بشيطاني

ولتعقِدوا قمَّةً أوراقُها نُشِرتْ
في بهوِ أمركةٍ تزهو بطغيانِ

أنتم على صفحةِ الإرهابِ من زمنٍ
من يومِ حطينَ ذُلُّ القهرِ أعماني

من يومِ حطينَ نارُ الحقدِ تدفعُني
لكي أُعدَّ لهذا العصرِ صُلباني

أنتم جميعاً لدى تقييمنا عربٌ
وتؤمنون بإنجيلٍ وقرآنِ

ونحن نبني لتهويدٍ وعولمةٍ
وسعيُكم ممعنٌ في هدمِ بنياني

لا فرقَ بين مسيحيٍّ يعارضُني
ومسلمٍ يرهبُ الدنيا بأكفانِ

لا فرقَ بين مليكٍ راح يغبِطُني
وبين راعٍ يلاقيني بقطعانِ

لا فرقَ بين مُغالٍ في عواطفهِ
وبين مسترشِدٍ بالعقلِ ينهاني

* * *
بترولكم دمُنا يجري بكم خطأً
ردُّوا لنا دمَنا تحظوا برضوانِ

وكبِّلوا كلَّ حرٍّ ينتضي قلماً
وعلِّقوه على أعوادِ نسيانِ

سُدُّوا مسامعَه واعموا نواظرَه
وأغلقوا فمَه إمَّا تحدَّاني

وعلِّموه احترافَ الخوفِ إنْ جمحتْ
أفكارُه وجرى من غيرِ أرسان

غداً يرى العالمُ النامي سياستَنا
لَمَّا أدعِّمُ تحت القصفِ أركاني

ألستُمُ من رعى الإرهابَ منطلِقاً
من أَرْزِ لبنانَ للأقصى لإيرانِ

إلى " الفلبين " نمضي قبلَكم فإذا
تمَّتْ مهمتُنا سرنا لبغدانِ

فباركِوا سعيَنا حتى نخلِّصَكم
ممَّا تُعانون من جوعٍ وحِرمانِ

لا تنظروا في اتجاهاتٍ معاكسةٍ
عبرَ الفضاءِ ولا تُصغوا لإنسانِ

لا تركبوا موجةَ التحريرِ في زمنٍ
أطلقتُ فيه على الشُّطآنِ حيتاني

لا تُرهِفوا سمعَكم للصدقِ واستمِعوا
لِما نؤكِّدُ من زورٍ وبُهتانِ

كنَّا نخافُ من " السوفييتِ " يدعمُكم
واليومَ نسخرُ من "روسٍ " وألمانِ

* * *
ناموا على الذلِّ أنتم أمةٌ نعمتْ
بالعزِّ ثمَّ توارتْ طيَّ خِذلانِ

عادتْ إلى القهرِ فالتاريخُ يمقتُها
لمَّا تُسائلُه عن مجدِها الفاني

تغفو على خُضْرِ أحلامٍ يدغدغُها
ذئبٌ يراودُها في جِلدِ حملانِ

وأوغلتْ في جُحورِ الجبنِ ساستُها
يغتالُها الخوفُ من سجنٍ وسجَّانِ

* * *
ودمدمَتْ في سماءِ القدسِ راعدةٌ
" اللهُ أكبرُ " يا أهلي وجيراني

قولوا لشانئنا الغرورِ حسبُك لا
تُسرفْ بظنِّكَ صوتُ الحقِّ ناداني

قد أذَّنَ الفجرَ طفلٌ ينتضي حجَراً
وراحَ يضِربُ في سرٍّ وإعلانِ

فأمةٌ شرعُها عدلٌ ومَرحمةٌ
للعالمينِ بإنعامٍ وإحسانِ

وطفلُها في سبيلِ اللهِ منجرِدٌ
لن تستكينَ لأوغادٍ وعِبدانِ

ينقضُّ والثأرُ في جنبَيْهِ محتدِمٌ
والموتُ والعيشُ إذْ ينقضُّ سيَّانِ

يقولُ للعُربِ والأجيالُ شاهدةٌ
لا تشتروا بدمي سُمَّاً لأوطاني

لا تصلِبوني على أعوادِ مؤتمرٍ
لا تقطعوا بمُدى الزيتونِ شرياني

لا تبحثوا عن عناوينِ الفِدا فأنا
نقشتُ في صخرةِ المعراجِ عنواني

وليذبحوني على الإيمانِ إنَّ دمي
يضيءُ دربَ أشقَّائي وإخواني

إنِّي كتبتُ ل " بوشٍ " بالدِّما صُحُفاً
فليقرأ الوغدُ ما يُمليه إيماني

فكفِّنوني إذا استُشهِدتُ في علمي
وكحِّلوا بترابِ القدسِ أجفاني

حتَّى أنامَ قريرَ العين في وطنٍ
يضمُّني تربُهُ الغالي بتَحنانِ

ولتكتبوا فوقَ قبري آيةٌ نزلتْ
باسمِ الشهادةِ من آياتِ قُرآني



3/2/2002

عبد السلام بركات زريق 10-31-2010 09:34 PM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (25)



ملعب النسر



ألقيت في أربعين المرحوم الشاعر
الفلسطيني " حسن أبو أحمد "


إضفروا الغارَ أيُّها الأدباءُ
واسكبوا العطرَ أيُّها الشعراءُ

رصِّعوا سُدَّةَ الخلودِ بنجمٍ
آثرَ العتمَ كي يشِّعَ الضياءُ

توِّجوا النَّسرَ بالقريضِ وفاءً
ملعبُ النسرِ شِعرهُ والفضاءُ

واحبسوا الدمعَ فالمُصابُ عظيمٌ
ليس يجدي في النازلاتِ بكاءُ

* * *
يا صديقي وصاحبي وخليلي
يا شذا الزهرِ إنْ تهادى المساءُ

يا نديَّ الحديثِ في أُمسياتٍ
طابَ فيها اللِقا وطابَ الغناءُ

يا رضيَّاً بما تعاني وتشقى
يا وفيَّاً يبكي عليه الوفاءُ

لِمْ تعجَّلتَ يا أخي ولماذا ؟
ألِصمتِ القبورِ هذا الولاءُ ؟

أمْ على الشاشةِ الصَّغيرةِ أدمتْ
قلبكَ الحرَّ فِعلةٌ شنعاءُ

فرضيتَ الحِمامَ يأسو جراحاً
حينَ عزَّ الأساةُ والرُّحماءُ

أنتَ في شُرعةِ النضالِ شهيدٌ
تغبِطُ الأرضُ روحَه والسَّماءُ

* * *
يا سخيَّاً بكلِّ ما هو غالٍ
يا أميناً يزهو بها الأمناءُ

كيف تمضي ولا تقولُ وداعاً
أيُّها الصحبُ لن يكونَ لقاءُ

لا تُجبني على ندائي فإنِّي
قد أُوافي الثرى ويخبو النداءُ

* * *
يا سعيداً بالموتِ إنِّي شقيٌّ
في حياتي يغتالُني الأغبياءُ

كلُّ حرفٍ نضَّدتُه صار طوقاً
في خِناقي يشدُّه الأدعياءُ

سوف آتي إليكَ فاحفظْ مكاني
وانتظرني فما لحيٍّ بقاءُ

وتضَّرعْ للهِ واسألْهُ نصراً
نحن بالصمتِ والعمى فصحاءُ

نعشقُ السلمَ نكره الحربَ نسعى
لسلامٍ يأتي به الغرباءُ

نرفعُ اللافتاتِ من كلِّ لونٍ
ويغنِّي حشودَنا الخطباءُ

كلُّ جدرانِنا تنوءُ بحِمْلٍ
من شِعاراتنا ويزهو الطلاءُ

من صميمِ الشريانِ نسحبُ خيطاً
من دماءٍ كي لا يجفَّ الهواءُ

ونغنِّي للقدسِ لحناً حزيناً
وقَّعتْه المدافعُ الخرساءُ

تتبارى فيهِ العواصمُ عزْفاً
مُخمليَّاً يزهو به الجهلاءُ

هذه عُدَّة الصمودِ لدينا
فليُباركْ صمودَنا الأقوياءُ

* * *
يا أخا الشعرِ والجراحُ دليلٌ
شاخَ فيه الصدى وماتَ الرجاءُ

صُبَّ لي من علاكَ كأساً دُهاقاً
يا نديمي لقد قضى الندماءُ

مزِّقِ الصمتَ والحجابَ وغرِّدْ
في جنانِ الخلودِ كيفَ تشاءُ

كبَّلونا بالصمتِ ثمَّ استباحوا
عِرضَ أقلامِنا فعمَّ البِغاءُ

أنتَ حرٌّ فيما تقولُ وتعني
والمراؤون كلُّهمْ جبناءُ

النبِيُّونُ وحدُهم أبرياءٌ
من رِياءٍ يليهِمُ الشُّعراءُ

بعضُهم هائمون في كلِّ وادٍ
والصفيُّونَ فهمُ استثناءُ

صدقَ اللهُ .. كم يهيمُ بوادٍ
شاعرٌ ماتَ حسُّهُ والحياءُ

* * *
يا أخا السهدِ والفؤادِ المُدَّمى
غاضَ نبعُ الهُدى وماتَ الظِّماءُ

كيف أَرثيكَ يا أخي وفؤادي
قد أصابتْهُ طعنةٌ نجلاءُ ؟

كيف أَبكيكَ والقوافي تشظَّتْ ؟
كلُّ سطرٍ من جسمِها أشلاءُ

في فلسطين يسقُطُ الناسُ صَرعى
والسياساتُ كلُّها خرقاءُ

يتبارَونَ في كلامٍ وعرضٍ
والأحاديثُ بينَهم جوفاءُ

كم تنادَوا من كلِّ فجٍّ وعادوا
والبياناتُ صفحةٌ سوداءُ

كم أعدُّوا للرفضِ ثمَّ استجابوا
لعروضِ السلامِ وهيَ بلاءُ

أنتنَ الحِبرُ في يراعي فأضحى
من صديدِ اليَراعِ هذا الهُراءُ

غاضَ نبعُ الحروفِ جفَّتْ غصوني
وادلهمَّتْ سمائيَ الزَّرقاءُ

أتلظَّى على الجليدِ احتراقاً
ولَظى النارِ والجليدُ سواءُ

عقَّني الصمتُ يومَ هبَّتْ وعاثَتْ
في فلسطينَ زَعزَعٌ نكباءُ

* * *
يا أخي في الحنينِ للثأرِ هذا
عصرُ ذُلٍّ حكَّامُه أُجراءُ

كم تصدَّوا للشعبِ وهو ينادي
يا فلسطينُ داؤنا الأمراءُ

رفعوا في النضالِ راياتِ سِلمٍ
رايةُ الذلِ يا أخي بيضاءُ

زيَّفوا شُرعةَ الفداءِ فقالوا
من صميمِ الإرهابِ هذا الفداءُ

وتمادوا بالصمتِ خلفَ حُدودٍ
غيرَ شِبلٍ تزهو به الفيحاءُ

هبَّ يحدو الشآمَ والعُربَ طُرَّاً
بزئيرٍ فأُجبِلَ البُلغاءُ

وتحدَّى " شارونَ " وهو ينادي
نحن في الشامِ للفداءِ حُداءُ

هو شِبلُ العرينِ من غابةِ الأسـ
ــدِ ونَسرٌ تزهو به العلياءُ

* * *
يا فقيراً بالعيشِ صِرتَ غنيَّاً
باحتفالٍ يسعى له الشعراءُ

أرهِفِ الروحَ واستمِعْ لبيانٍ
لم تُعكِّره ريشةٌ حمقاءُ

أُمَّتي تنخرُ السياساتُ فيها
يتبارى في هدمِها العملاءُ

يتلوَّى تحت السياطِ النَّشامى
ويغنِّي عبيدُها والإماءُ

بين جُدرانِ صمتِها يتنامى
في الدهاليزِ بيعُها والشراءُ

خلف قُضبانِ سجنِها يتهاوى
مِشعلُ الفكرِ فالضحى ظَلماءُ

أمَّةٌ شعبُها يجوعُ ويَعرى
يدُها في صراعِها شلَّاءُ

أُمَّتي أمةُ الخرابِ ويبقى
عزْمُ أطفالِها هو البنَّاءُ

* * *
يا أخي في الدماءِ جُرحي بليغٌ
كيف يأسو جراحَنا الغرباءُ

كلُّ يومٍ يأتي فلسطينَ وفدٌ
في تلوِّيه حيَّةٌ رقطاءُ

همُّنا القدسُ والخليلُ ويافا
وجِنينٌ والمَهدُ والإسراءُ

همُّنا همُّ كلِّ حرٍّ أبيٍّ
في حناياهُ ذِمةٌ ووفاءُ

يحملُ الجرحَ راعفاً لا يُبالي
أُذْنُه عن سلامِهم صمَّاءُ

* * *
يا أخا الصرخةِ الأبيَّةِ إنِّي
أرفضُ العرضَ فالرضى استجداءُ

قُمْ وحدِّقْ تَرَ " النَّعانةَ "* تبكي
طفلَها البَرُّ والدموعُ دماءُ

كلُّ طِفلٍ فيه يمدُّ إلى الشـمـ
ــسِ ذراعاً بها الظلامُ يُضاءُ

كلُّ أمٍّ تزهو بموتِ بنيها
هي في البذلِ والرضى خنساءُ

تغرسُ الأرضَ والسماءَ ويسقي
غرسَها البِكرَ فتيةٌ شهداءُ

كلَّما فجَّرَ الحِزامَ شهيدٌ
زَغردَ الحمدُ واستجابَ الثناءُ

لن ينامَ الترابُ ما دامَ فيه
جَفْنُ طِفلٍ ما زارَه الإغفاءُ

* * *
يا أخا العشقِ للفداءِ بصدقٍ
لستُ أبكيكَ فالبُكاءُ هجاءُ

قُمْ وشاهدْ في مهرجانِ الضحايا
ألفَ طفلٍ وما انتخى الزعماءُ

واستمِعْ للكلامِ يُلقى جُزافاً
بَبَّغاءٌ يُصغي له بَبَّغاءُ

* * *
يا حبيباً مضى ليَلقى حبيباً
في بروجٍ حُكَّامُها الأنبياءُ

أنتَ في جنَّةِ النعيمِ مُقيمٌ
نحن مَوتى وأنتُمُ الأحياءُ

حين يصحو الإيمانُ ينتصرُ الحقْـ
ــقُ وتمضي الهمومُ والأرزاءُ

نحن في صمتِنا الكريهِ غُثاءٌ
وعلى السطحِ لن يدومَ الغثاءُ

نتمنى الرحيلَ في كلِّ يومٍ
حسبُنا الآنَ أنَّنا شُرفاءُ

* * *
يا أخا الحرفِ والقريضُ شُجونٌ
نحن في الموتِ والحياةِ عطاءُ

نحفرُ الصخرَ بالأظافرِ بحثاً
عن رُفاتٍ تنمو بها الكِبرياءُ

غيرَ أنَّا نعودُ نرقَبُ شوقاً
ساعةَ الموتِ فالرحيلُ شِفاءُ

فانتظِرنا فقد حزمْنا الأماني
لانعتاقٍ يهفو له الشعراءُ



11-4-2002
*النَّعانة : قرية المرحوم حسن أبو أحمد

عبد السلام بركات زريق 10-31-2010 11:27 PM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (26)


مهرجان ربيع حماة الخامس






في مهرجانِ الحِمى يا قومُ أنتحِبُ
دمعي دمٌ من جراحِ القلبِ ينسكِبُ

أبكي على القدسِ مِحراباً ومئذنةً
أبكي على المهدِ والناقوسُ يضطربُ

أبكي على العُربِ حكَّاماً وأنظمةً
والدمعُ يصرخُ رغمَ الصمتِ يا عربُ

* * *
يا مهرجاناً أتى يستلُّ بسمتَنا
من الجراحِ شفاهُ الجرحِ تلتهبُ

في كلِّ عامٍ مواويلي تُهدهدُني
واليومَ يصفعُني الموَّالُ والطربُ

لا تلبِسنَّ ثيابَ العيدِ مبتهِجاً
لا تَبسِِمنَّ فوجه الشمسِ مكتئبُ

فجِّرْ أغانيكَ صاروخاً وقُنبلةً
لا ترقصنَّ إذا ما أينعَ الغضبُ

* * *
إنِّي لأرفعُ دعوى ضدَّ من صمتوا
أمامَ محكمةٍ للعُربِ تُنتَخَبُ

وأسألُ الطائعَ العاصي أعاتبُه
لعلَّه رغمَ يأسي ينفعُ العتبُ

تُجيبني الدائراتُ السمْرُ نائحةً
نوحَ الثكالى ويبكي الماءُ والخشبُ

يا شاعرَ العيدِ بوحُ الزهرِ غادرَني
إلى ضريحِ شهيدٍ تربُه رطبُ

والناسُ لاهونَ لم يهزُزْ مشاعرَهم
سيلُ الدماءِ ولا قتْلٌ ولا سَلَبُ

ويسألون على علمٍ ومعرفةٍ
لِمَ البكاءُ ؟ وفيهم يكمُنُ السببُ

أجبتُهم بالقوافي البِكرِ داميةً
أتسألونَ ؟ وعِرضُ الأرضِ يُغتَصَبُ

أبكي لِطفلٍ من الأقصى يناشِدُنا
في كرمِه يصرخُ الزيتونُ والعِنَبُ

أين الذين إذا مُسَّتْ محارمُهمْ
طاروا إليها ولم يَهدأْ بهم عصَبُ

أين المذاويدُ هل ماتتْ كرامتُهم ؟ "
وهل طمى الذلُّ حتَّى غاصتِ الرُّتبُ"؟

ويحكمون على حمَّالِ أسلحةٍ
للثائرينَ ويحمي التاجَ معتصِبُ

* * *
يا نائمونَ أما ملَّتْ مضاجعُكم
من الرقادِ ألمْ ينبُتْ لكم ذَنَبُ ؟

ويا مقيماً على العاصي ودهشتِه
في مسجدٍ لبني أيوبَ ينتسبُ

أفقْ وبادِرْ إلى المحرابِ صلِّ بنا
ورتِّلِ الآيَ واهتُكْ سترَ منْ نَعبوا

لا تيأسنَّ فلمْ تُغمَدْ صوارمُنا
ولن تنامَ على أجفانِنا الهدُبُ

قُمْ جدِّدِ العهدَ للتاريخِ وامضِ بنا
لعلَّها تنجلي عن عهدِكَ الحِقبُ

وافتحْ لنا صفحةً بيضاءَ نكتِبُها
قصيدةً نضَّدتْ آياتِها الشُّهبُ

قد أذَّنَ الفجرُ طفلٌ شابَ مذْ نبتتْ
أسنانُه وجفاه اللهوُ واللعبُ

فانقضَّ يحملُ مقلاعاً يُغيرُ به
وجعبةً ملؤها الأقلامُ والكتُبُ

يستعذبُ الموتَ لم تُرهبْه دارعةٌ
في جَوفِها يحتمي الطاعون والجربُ

في جانحيه هوىً للثأرِ يدفعُه
والخائفون على تيجانِهمْ لُعَبُ

* * *
يا أمَّتي يا بقايا نخوةِ ودَمٍ
لا تستعدِّي ولا تُصغي لمن نُكٍبوا

لا تُشهري مُديةً في وجه مغتصِبٍ
وباركي زحفَه فالليلُ يقتربُ

غنِّي وسيري على أجسادِ من سقطوا
وهلِّلي إن سرى في جسمكِ العطبُ

* * *
يا هابطينَ إلى الجُّلَّى بأغنيةٍ
أهلاً وسهلاً بكم أخلاقكُم عجبُ

" آياتُ " تنضو ثيابَ العُرسِ راودَها
حبُّ الشهادة لا عِقْدٌ ولا ذهبُ

فزَغردتْ في حِياضِ الموتِ وانتثرتْ
أشلاؤها وهوى في الساحِ مغتصِبُ

* * *
يا عارياً من ضميرٍ رُحتَ تخلعُه
أصبحتَ سيِّد من هانوا ومن كذَبوا

إلبسْ رياءكَ لا تظهرْ بعاريةٍ
حيكتْ من الذلِّ في أوكارِ من هربوا

والضربة البِكرُ لا تُغني شفاعتُها
عن صمتِك المُرِّ في آذانِ من ضربوا

* * *
القاذفاتُ حيارى أين فارسُها
هل حوصِرَ الرأسُ فاستشرى بها الذنبُ

والوعدُ بالسلمِ والتسويفُ محرقةٌ
والسَّاجدون على أعتابه حطبُ

* * *
يا مهرجانَ الحِمى عفواً ومعذِرةً
لقد تنازَعَني الإقدامُ والهربُ

وعقَّني الصمتُ حتى كاد يصعقُني
برقُ الرعودِ وقد ضجَّتْ به السُّحبُ

وبرَّني الشعر وانهلَّتْ سحائبُه
سخيَّةً بالقوافي الحُمرِ تنسكِبُ

فما حملتُ يَراعي في هوىً وهدىً
إلا وكان كما العملاقُ ينتصبُ

أذودُ عن قُبةِ الأقصى وصخرتِه
عن الكنيسةِ والصُّلبانُ تنتحبُ

كمْ من نبيٍّ على مِحرابِه قتلوا
كم من مسيحٍ على صُلبانِها صلبوا

* * *
يا عاقدين على التطبيعِ صفقتَكم
هذي تجارةُ من للموتِ يرتقِبُ

فبادِروا لدهاليزِ السلامِ على
أنقاضِ صرحيَ إرضاءً لمن رغبوا

العادياتُ تخلَّتْ عن شكائِمِها
هل بينَكم لصلاحِ الدِّينِ منتسِبُ ؟

أم ماتتِ النخوةُ العرباءُ يومَ أتى
" شارونُ " يمنحُنا شاةً ويحتلِبُ

ونحن لاهونَ عن شاةٍ ومحتلَبٍ
فلم يعُدْ عندنا شاةٌ ولا حَلَبُ

* * *
يا مهرجاناً على العاصي تَرِفُّ به
أرواحُ من أذهلوا الدُّنيا بما وهبوا

هُمُ الغيارى وبابُ النهرِ يعرفُهم
وساحةُ النصرِ يومَ الروعِ إذ وثبوا

حتى بدا الفجرُ في نيسانَ غرَّتُه
عيدُ الجلاءِ وعمَّ الفَخرُ والطَّربُ*

فهل تحرِكُ ذكرى العيدِ ساكنةً
من الجوارحِ أم ساختْ بنا الرُّكبُ

وهل أُغنِّي على العاصي وفي كبِدي
نارٌ وفي رئتي يستوطِنُ اللَّهبُ

لكنَّني رغمَ من خانوا ومن غدروا
أرى البشائرَ بالتحريرِ تقتربُ

فطاوعيني قوافي الشعرِ إنَّ دمي
مُزمجِرٌ في شراييني وملتهِبُ

لا تسفحيني على الأوراقِ أخضبُها
لا تتركيني بحقلِ الموتِ أحتطِبُ

لا تُغرقيني ببحرِ الصمتِ في زمنٍ
أمواجُه الحُمْرُ فوق السلمِ تصطخِبُ

لا تحمليني على أنغامِ أغنيةٍ
إلى ربيعٍ تُواري حسنَه الحُجُبُ

وجرِّديني بلا خوفٍ ولا وَهَنٍ
فقد هُزِمنا ولم تشفعْ لنا الخُطَبُ

لولا هَصورٌ بأرضِ الشامِ يحرسُها
لقلتُ لا غُمةٌ تُجلى ولا كُرَبُ

هذا ابنُ من لاذتِ الدنيا بحكمتِه
لمَّا تشابكَ فيها الصدقُ والكذِبُ

فلتَمضِ " بشَّارُ " للتحريرِ يا أسداً
أنصارُكَ اللهُ والإيمانُ والعربُ



27/4/2002

* نيسان .. ذكرى جلاء المستعمر الفرنسي عن سوريا

عبد السلام بركات زريق 11-01-2010 03:45 PM


المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (27)


مصابيحُ الذكرى



شهقات الليلْ
تحاصرُ أحلامَ الماضي
تتساقطُ أوراقُ خريفٍ
من شجرِ العمرْ
تتربَّعُ عاشقةٌ غَضْبى
فوق الأوراقْ
تشكو لجموحِ عواطِفها
عَطَشَ الأشواقْ
ثعبانُ العودةِ يتلوَّى
بين الأنقاضْ
يترقَّبُ حاملةَ الموتى
لا شيءَ
سوى وجعِ الذكرى يتخطى الموتْ
ولولةُ يتامى وثُكالى
ودعاءٌ للهِ تعالى

* * *
ينفضُّ الجمعُ على عجَلٍ
ويعودُ اللَّيلْ
ويرتِّبُ أوراقاً سقطتْ
من شجرِ العُمْرْ
تشتعِلُ مصابيحُ الذكرى
تلتهِمُ الزَّيتْ
وتُخبِّئُ شهْقاتٍ عطشى
لبُزوغِ الفجرْ


2/8/2002

عبد السلام بركات زريق 11-01-2010 03:51 PM


المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (28)



حاويةُ الذكرى



الليلُ وحاويةُ الذِّكرى
أكلا آلافَ الأحلامِ
شرِبا آلافَ الأرقامِ
تعبا من ثورةِ أقلامي
فتمادى الخوفْ
جُدراني تركضُ حافيةٌ
والأرضُ تميدْ
فئرانٌ تهربُ مسرعةً
نحو الأعماقْ
وأفاعٍ تطبِقُ فكيّها
تبتلعُ الوقتْ

* * *
يا كلَّ دهاليزِ الرغبة
يا بعضَ فضاءاتِ النُّخبة
يا جُزءاً يحترفُ الغُربة
لُمُّوا أطرافَ مشاعرِكم
قد حانَ النومْ
ناموا في جَوفِ مخادعِكم
فالليلُ طويلٌ لم يرحلْ
والفجرُ طريدٌ في المنفى
ينتظرُ مغادرةَ الأشباحِ الناريَّة


3/8/2002

عبد السلام بركات زريق 11-01-2010 03:58 PM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (29)



مسافرة




لم تكنْ تحلُمُ إلَّا بالرحيلْ
تركبُ المجهول
في جوِّ الخدَرْ
لم تسافرْ
فاتها وقتُ السَّفرْ
ثم عادتْ من جديدْ
" بجوازٍ " مُبتَكَرْ
غلَّفتُه بالضجرْ
يحملُ العِطرَ وأختامَ الدوائرْ
كي تسافرْ
لم تسافرْ
خانها عطرُ الزهَرْ

* * *
ثمَّ عادتْ من جديدْ
تحملُ اليومَ هُويَّة
في زواياها ثقوبٌ راعفاتْ
تشتكي كلَّ الجهاتْ
تحملُ الرسمَ وآلافَ المشاعرْ
سقطتْ كلُّ البشائرْ
ومضى الوقتُ ولكنْ
لم تسافرْ ...



19/2/2002

عبد السلام بركات زريق 11-01-2010 06:24 PM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (30)



فجرُ الزاحفين





حملتْ مخاوفَها وغابتْ ..
أغلقتْ كلَّ النوافذْ
أغلقتْ بابَ الضياءْ
واختفتْ

* * *
في سراديبِ الضياعْ
يطحنُ الضِّليلُ ماءَ الذكرياتْ
ويغنِّي
يا خيوطَ العنكبوتْ
في كهوفِ الأمنياتْ
يا شِراكَ القنصِ
في جَوفِ المناورْ
مزِّقي كلَّ الدفاترْ
أكتبي سطراً بريئاً
من رياءْ
فوقَ آثارِ الحوافرْ
أكتبي أحلى عبارة
اِقدحي أغلى شرارة
عندها ينهضُ فجرُ الزاحفينْ
يملأُ الدنيا حناجرْ
وخناجرْ
وأظافرْ
ويغنِّي البلبلُ الصدَّاحُ
والأفعى تغادرْ



20/8/2002

عبد السلام بركات زريق 11-01-2010 06:36 PM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (31)



آهِ يا شِعر



في خِضَمِّ الحياةِ عشتُ أبيَّا
رافعَ الرأسِ شامخاً أريحيَّا

أتحدَّى الشقاءَ أُوري زِنادي
بالأماني مذْ كنتُ غضَّاً فتيَّا

وتمرَُ الستونُ والعمرُ يمضي
ويغيبُ الضياءُ شيئاً فشيَّا

عَسعسَ الليل والصباحُ توارى
واستقرَّ الظلامُ في مُقلتيَّا

وتقدَّمتُ والجراحُ نشاوى
وعيون الظلامِ ترنو إليَّا

يستحمُّ الرجاءُ بين ضلوعي
لم تفارِقْ أشلاؤه جانحيَّا

* * *
وتُطلُّ السبعون مثلَ ذئابٍ
تتعاوى والوَقرُ في أُذُنيَّا

لم أُصخْ للعِواءِ سمعي ولكنْ
رُحتُ في ظلِّ مطمحي أتفيَّا

تعبر الحاملاتُ نعشي سِراعاً
ويُطلُّ الرحيلُ عذباً شهيَّا

ويغنِّي الإيمانُ لحنَ وداعي
ويضمُّ الترابُ قلباً تقيَّا

ويراعاً ما ذلَّ يوماً لطاغٍ
وضميراً مدى الحياةِ نقيَّا

سوفَ أمضي مكفَّناً بدموعي
وأُوافي من كان خِلَّاً وفيَّا

وسأبقى لو متُّ حيَّاً بشِعري
آهِ يا شعرُ سوف تبكي عليَّا

فاذكروني على الدوامِ وقولوا
كان في الصوتِ والصدى عبقريَّا

واعذُروني فيما أقولُ وأُبدي
واعذُروني عمَّا تركتُ خفيَّا

فسلامٌ عليَّ يوم وفاتي
وسلامٌ عليَّ ما دُمتُ حيَّا



21/8/2002

ناريمان الشريف 11-01-2010 07:10 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد السلام بركات زريق (المشاركة 39284)
المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (30)



فجرُ الزاحفين





حملتْ مخاوفَها وغابتْ ..
أغلقتْ كلَّ النوافذْ
أغلقتْ بابَ الضياءْ
واختفتْ

* * *
في سراديبِ الضياعْ
يطحنُ الضِّليلُ ماءَ الذكرياتْ
ويغنِّي
يا خيوطَ العنكبوتْ
في كهوفِ الأمنياتْ
يا شِراكَ القنصِ
في جَوفِ المناورْ
مزِّقي كلَّ الدفاترْ
أكتبي سطراً بريئاً
من رياءْ
فوقَ آثارِ الحوافرْ
أكتبي أحلى عبارة
اِقدحي أغلى شرارة
عندها ينهضُ فجرُ الزاحفينْ
يملأُ الدنيا حناجرْ
وخناجرْ
وأظافرْ
ويغنِّي البلبلُ الصدَّاحُ
والأفعى تغادرْ



20/8/2002

أعجبتني جداً هذه القصيدة
أكمل أخي عبد السلام
أتابعك باهتمام


تحية ... ناريمان

ناريمان الشريف 11-01-2010 07:14 PM

والقائمون تغاضَوا عن جرائِمهِ
في مجلسِ الأمنِ وانحازوا لجزَّارِ

ليعلمَ الكونُ أنَّا ثورةٌ بدأَتْ
من كفِّ طفلٍ بساحِ الموتِ مِغوارِ


وما أروعه هنا !!

تحية للشاعر محمد الحسن منجد
وتحية أخرى لك أخي عبد السلام
أشكرك جزيلاً


.... ناريمان

عبد السلام بركات زريق 11-01-2010 07:20 PM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (32)




قصيدةٌ غافية





شدَّتْ إلى الشمسِ حبلَ الوصلِ وافتتحتْ
برجَ الضياءِ فمات الليلُ واندثرا

قصيدةٌ في ضُحى الوجدانِ غافيةٌ
طاف الخيالُ بها فاسَّاقطتْ دُررا

نضَّدتُ أحرفَها في صحوةٍ ملكتْ
ساحَ الشعورِ بأنوارِ الهدى سحرا

ورُحتُ في ملكوتِ النفسِ أُودِعُها
سرَّاً فأوغلَ في الأعماقِ واستترا

حتى إذا لاحَ لي روضُ السنا انطلقتْ
تقدَّس اللهُ تتلو في الرضى سورا

مزهوَّةً بانطلاقاتٍ معبِّرةٍ
عمَّا تفجَّرَ في أعماقِها وجرى

سيلاً يُحطِّمُ أركانَ الضلالِ ولم
يتركْ لعابثةٍ تمحو الهدى أثرا

فهلَّلَ القلبُ فيَّاضاً بنبعِ هدىً
وراح يرسمُ في تهليلهِ صُورا

تتابعتْ في خلايا الفِكرِ وانتظمتْ
عِقداً تلألأَ بالأنوارِ وازدهرا

وغِبتُ في صحوةِ الوجدانِ مبتهلاً
أُقدِّسُ النُّورَ في القلبِ الذي اعتمرا




25/6/2002

عبد السلام بركات زريق 11-01-2010 07:31 PM


المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (33)



للقدس نحن مهاجرون




حلُمٌ على الشُّرفاتِ أُغلقَ دونَه
بابُ الضياءِ وأُسدِلتْ أستارُ

وصحتْ شياطينٌ توسوسُ في الدجى
فبكى على فَقْدِ الضياءِ نهارُ

ما بين تهويدٍ ورفعِ تظلُّمٍ
يقضي السلامُ ويولدُ الأشرارُ

ويُهرولونَ إلى جدارِ بكائهمْ
يتناطحونَ كأنَّهم أبقارُ

حتَّى إذا اكتملَ النصابُ تحلَّقوا
حول الجدارِ وأُطفِئتْ أنوارُ

وتلمَّسَ الضعفاءُ دربَ خلاصِهم
فإذا الطَّريقُ طويلةٌ وعَثارُ

حملوا المعاولَ والفؤوسَ وأوغلوا
رُغمَ الظلامِ يشدُّهم إصرارُ

يتسابقونَ وما وهتْ أقدامُهم
ومنَ الجراحِ تدفَّقَ التيار

لبسوا عباءاتٍ تشدُّ خيوطَها
نُهُرُ الضياءِ فينهضُ الإعصارُ

وتلوحُ بارقةٌ ويولدُ مأملٌ
ويصولُ في كبدِ اللظى أحرارُ

ويثورُ بركان وتسقطُ قمَّةٌ
ويهيجُ بحرٌ موجُه زخَّارُ

تتبعثرُ الأوراقُ وهي وثائقٌ
لا الرفضُ يمسكُها ولا الإقرارُ

سقطتْ على بُركِ الدماءِ وورِيتْ
وطغى عليها العاصفُ الهدَّارُ

لغة الحجارة أعجَزَتْ آياتُها
توراتَهم فتساقطَ الفُجَّارُ

قلبتْ موازينَ اللغاتِ حروفُها
فعلامَ يرغبُ طمسَها التُّجارُ ؟

بورِكتََ يا سجِّيلُ تختصرُ المَدى
خَرِسَ الرصاصُ ودمدمتْ أحجارُ

* * *
يا قدسُ عفوَ الأنبياءِ إذا بكى
مُضرٌ وأردفَ بالدموعِ نزارُ

ما بين مِعراجِ النبيِّ ومكةٍ
تغفو النعاجُ وينهضُ الجزَّارُ

وبنو قريظةَ والنضيرِ مجالسٌ
للأمنِ " بالفيتو" البغيضِ تُدارُ

يتفيَّاُ الإرهابُ تحت ذقونِهم
وكنيسُهم رغمَ الرِّياءِ يُزارُ

يتقوَّلون على الإلهِ سفاهةً
" نحن الهُداةُ وشعبُه المختارُ "

شحَذوا على الحقدِ القديمِ قلوبَهم
وتدرَّعوا بالغدرِ ثمَّ أغاروا

وأتوا بعِجلِ السامرِيِّ ضلالةً
جسداً له باسمِ السلامِ خُوارُ

والخائفونَ على العروشِ تجرَّعوا
غُصَصَ الهزيمةِ فانتشى الغدَّارُ

صبغوا لِحاهم بالدماءِ ومشَّطوا
شَعْرَ الخنوعِ وأوعزوا وأشاروا

هذي مشاريعُ السلامِ فوقِّعوا
إنَّ السلامَ لشرقنا استقرارُ

* * *
واليومَ يُختَرَقُ السلامُ وتنطفي
شُعلُ الرِّياءِ وتنجلي أسرارُ

تتساقطُ الأبراجُ وهي شوامخٌ
وتنامُ تحت رُكامِها أوضارُ

حاخامُ أمْريكا يثورُ مُعربِداً
وبمقلتيْهِ حرائقٌ ودمارُ

يخشى الحجارةَ والدماءَ وطفلةً
نقلتْ مشاهدَ قتلِها أقمارُ

والكونُ كلُّ الكونِ يخطِبُ ودَّهُ
إلَّا الشآمُ وصِبيةٌ أبرارُ

* * *
يا قدسُ يا جُرحَ السماءِ بأرضِنا
لا تقنطي مهما عدلتِ وجاروا

أبتِ الحجارةُ والطفولةُ والدِّما
أنْ لا يبلسِمَ جرحكَ الأحرارُ

ها هم براعمُكِ الذين تشبَّثوا
بالموتِ في سِفْرِ الخلودِ كبارُ

إنِّي لأقسمُ بالدماءِ زكيَّةً
تروي الجُّذورَ ليورقَ الصبَّارُ

لن يستحيلَ دمُ الشهيدِ وثائقاً
تُطوى وتنشَرُ والردى دوَّارُ

* * *
يا قدسُ ملحمةُ الدماءِ قديمةٌ
ودمُ المسيحِ لمنْ وعى إنذارُ

صلبوا المسيحَ ضُحىً لعاشِرِ مرةٍ
وشيوخُ أمْريكا لهم أسوارُ

لم يشجبوا الإرهابَ لا .. بل باركوا
إرهابَهم وتكلَّمَ الدُّولارُ

في كلِّ يومٍ للصليبِ حكايةٌ
تُروى يُديرُ فصولَها الأحبارُ

والصِّلُّ ينفثُ في العروقِ سمومَه
والكونُ لا سمْعٌ ولا إبصارُ

ومُقامرون يفتِّشون جيوبَهم
أوراقُهم نَفِدتْ فشبَّ شِجارُ

فعلى الموائدِ كلُّ يومٍ زُمرةٌ
أرقامُهم بحسابِنا أصفارُ

* * *
يا قدسُ ملحمةُ الكفاحِ طويلةٌ
لا الطبلُ يكتبِها ولا المِزمارُ

السلمُ تخترقُ النُّفوسَ نصالُه
وبكلِّ نصلٍ ذِلةٌ وصَغارُ

والقائمونَ القاعدونَ تزلُّفاً
وقيامُهم وقعودُهم أوزارُ

سجدوا لربِّ الغاصبين وسبَّحوا
والذلُّ تاجُ رؤوسِهم والعارُ

واستسلموا باسمِ السلامِ وأعلنوا
أنَّ السلامَ تميمةٌ وشِعارُ

* * *
يا صاحبَ المعراجِ ما عقِمَ الهدى
أقِمِ الصلاةَ فكلُّنا أطهارُ

للقدسِ نحن مهاجرون يشدُّنا
أطفالُ ملحمةٍ هُمُ الأنصارُ

رفعَ الأذانَ دمُ الشهيدِ فهلَّلتْ
بِركُ الدماءِ وكبَّرَ الثوَّارُ

وبضفَّةِ اليرموكِ زمجرَ خالدٌ
وأطلَّ من بينِ الصفوفِ ضِرارُ

وزهتْ بلوحاتِ الجهادِ شقائقٌ
وقَرنفلٌ وتمايلتْ أزهارُ

ونَضَتْ ثيابَ العُرسِ باسمكَ خولةٌ
ولها بعُرسِ المَكرُماتِ فخارُ

ومشتْ سرايا النصرِ تغرسُ غارَها
ودمُ الطفولةِ والجراحُ قرارُ

ما جفَّ ثديُ القدسِ أو عقِمَ الضحى
فهيَ الولود وثديُها درَّارُ

فيها مدارسُ للشهادةِ أُنشِئتْ
الوردُ ملءُ فصولِها والغارُ

يتسابقُ الأطفالُ في أحضانِها
والنُّورُ سَكْبُ جراحِهم والنارُ

حزموا حقائبَهم بشريانِ اللظى
وَمَضَوا وحبلُ دمائهم جرَّارُ

فترسَّموا دربَ الطفولةِ إنَّها
شرفُ العروبةِ والغدُ المِعطارُ

حتَّى تخطَّ الشمسُ آياتِ الضحى
ويشقَّ ليلَ سمائنا " بشَّارُ "



8/3/2002

عبد السلام بركات زريق 11-01-2010 08:58 PM

المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (34)




بسمةٌ مسافرة



أحوكُ ثيابَ البؤسِ للبؤساءِ
وأعجنُ خبزَ الجوعِ للفقراءِ

وأمشي على جمْرِ المواسمِ حافياً
لقدْ مزَّقَ الشوكُ الغريبُ حذائي

وأُضرمُ نارَ اليأسِ في الصدرِ حاملاً
دموعَ ثكالى الجودِ للبخلاءِ

* * *
أنا الشاعرُ الغِرِّيدُ في دوحةِ الأسى
أجرُّ ذيولَ الشعرِ في خُيلاءِ

ترفَّعتُ عن لُبسِ المُسوحِ لأنَّني
وجدتُ لباساً غيرَها لرِياءِ

كتبتُ على نفسي القتالَ بأحرفٍ
من الجُبنِ أملاها عليَّ غبائي

وقلتُ لكلِّ الناسِ إنِّي مقاتلٌ
فهلْ بينَكم مصغٍ لزَيفِ ندائي

* * *
حملتُ فؤوسَ القطعِ أبني بحدِّها
قواعدَ هدْمٍ صُمِّمتْ بدهاءِ

وشاركتُ في بيعِ الكلامِ مؤكِداً
طريقةَ بيعي أحرفي وشرائي

* * *
أنا الشاعرُ الغِرِّيدُ في بؤرِ اللظى
أجودُ بدفءِ الحرفِ للندماءِ

أجوبُ قِفارَ الشعرِ أبحثُ جاهداً
عن الحبرِ والأقلامِ والشعراءِ

فلمْ أَلقَ غير الحقدِ والزَّيفِ مرتعاً
لكلِّ دعيٍّ كافرٍ بحُدائي

أضعتُ ملايينَ الحروفِ ولم تزلْ
تفتِّشُ عن خيطٍ جيوبُ ردائي

أُصارعُ أمواجَ الشقاءِ مقيَّداً
ويحملُني بحرُ الأسى لبلاءِ

ويغرقُ في النُّعمى لئيمٌ وسافلٌ
وأغرقُ في دفعِ الأسى بشقائي

وأكتمُ آلامي ببسمةِ ساخرٍ
أُرمِّدُ فيها جمرةً بدمائي

ويحسدُني قومٌ سمَوْا بتَزلُّفٍ
ويغبِطُني من قاتلوا بإباءِ

وتجري شرايينُ النفاقِ بتُربةٍ
تضمُّ بذورَ الهمِّ والبُرحاءِ

ويُثني على أهلِ النذالةِ جاهلٌ
غريبٌ يقومُ الليلُ للغرباءِ

فتزهرُ أغصانُ الرياءِ وتشتكي
جذورُ حداةِ الحقِّ للشرفاءِ

ويُعطى سفيهُ الرأيِ مالاً وحُظوةً
ويُعطى فتاتُ العيشِ للحكماءِ

سئمتُ حياتي بين نذْلٍ وجاهلٍ
فهدهدْتُ آلامي بفَيضِ دعائي




25/6/2002


الساعة الآن 02:09 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team