منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   البيت المهجور (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=7381)

الشيخ احمد محمد 12-03-2011 09:53 PM

البيت المهجور
 
صمم على المبيت في الدار المهجورة وحده هذه الليلة ، أجل فلقد تخطى الحلم وهذا هو عامه الثاني بعد البلوغ ، لابد أن يثبت أنه أصبح رجلا ، وأنه لم يعد يخاف مثلما كان في السابق ، خاصة أن دار أهله لم تجد من يبيت فيها الليلة بسبب غياب الرجلين الذين كانا يبيتان فيها ، فقد سافر أحدهما في إجازة إلى أهله ، بينما ذهب الثاني إلى مدينة أخرى لجلب بعض البضاعة من هناك ، وكانت الدار مخصصة للكراء لكن منذ مدة لم تجد من يؤجرها ، ونظرا إلى أنه يوجد فيها بعض الأمتعة والأثاث القيم مخزنا في أحدى الغرف ، كان لابد لها ممن يبيت فيها كل ليلة خوفا من اللصوص ، وقد سمح والده بسبب ذلك لاثنين من معارفه التجار بالسكنى فيها دون أجر ، مقابل حمايتها من السرقة ، لكن الوالد لم يجد الليلة من يسند له هذه المهمة ، فاحتار في أمره قبل أن يعلن الفتى عن استعداده للقيام بالمهمة.
تعشى أحمد عند أهله ، وأخذ بطانية ووسادة، وغادر بعد منتصف الليل منزل أهله متوجها إلى الدار المهجورة ، فوصلها بسرعة إذ لم تكن بعيدة ، ففتح الباب وولج داخل الدار ، لم يسمع أي حركة ومع تركيزه على التصنت ، وحذره الناتج عن كونه يقضي لأول مرة الليل وحده ، إلا أن أي صوت لم يترام إلى سمعه ، الكل قد نام فيما يبدو ، فتح غرفة الصالون ، وأنار مصباح الكهرباء وأعد فراشه ، ثم حدثته نفسه بأن يطفئ النور حتى لا يراه اللصوص فيعلمون أنه وحده في الدار ، فيأتون للسرقة ، عندها قام وأطفأ المصباح ، لكن تضاعف خوفه بسبب الظلام الدامس الذي خيل إليه معه أن أي لص يمكن له أن يمسك به دون أن يراه يقترب أو يعلم به حتى ، فقام ثانية وأنار المصباح من جديد ، على الأقل سوف أتمكن من رؤية القادم من مسافة قريبة ، إلا أنه لم يطمئن ولم يعرف هل من الأفضل إطفاء النور أم تركه مضاءا ، وفجأة تناهى إلى سمعه صوت بعض القطط تموء في الظلام ، فأوجس خيفة ، وبدت له تلك الأصوات غريبة بعض الشيء ، وخيل إليه أنها أصوات آدمية تتعذب ، فاشتد به الخوف ، وقرر إغلاق باب الغرفة عليه ، بعد إقناع نفسه بأنه سوف لن تفوته أي حركة مشبوهة في الغرف الأخرى ، لأنه لن ينام تلك الليلة على مايبدو ، وسيقوم بالصياح إن لاحظ وجود أي لصوص في البيت ، من أجل أن ينتبه الجيران القريبون ويأتونه في الوقت المناسب لصد الجناة ، أغلق الباب لكنه لم يطمئن أيضا فاللصوص يمكنهم الآن الإقتراب أكثر والوقوف عند باب غرفته دون أن ينتبه لهم وعندها يمكنهم نزع الباب بوسائلهم السحرية في طرفة عين ، كما أنهم قد يأتون من الأعلى إذ أن سقف البيت من الزنك الرقيق ، ولن يصعب عليهم نزع بعضه بخفة والتسلل داخل الغرفة ، واحتار هل يراقب السقف أم يراقب الباب ؟ ، وفي غمرة من السكون والصمت المطبق من حوله ، اهتز فجأة سقف الدار فوقه بقوة محدثا ضجة هائلة ، فخيل إليه أن اللصوص قفزوا بقوة فوق السقف ، وانتزعوه من مكانه ، فهب من موضعه بقفزة عنيفة تسمر بعدها واقفا قرب الباب ، فهو لايستطيع فتح الباب أيضا خوفا من أن يكون عنده أحدهم ، وبعد لحظات سمع مواء القطط من جديد فوقه ، فأدرك أن تلك الضجة ناتجة عن تعارك بعض القطط فوق المنزل ، عاد إلى فراشه من جديد ، واضجع ، ثم سمع صوت مشادة كلامية في الشارع ، فتشجع قليلا بسماع تلك الأصوات ، وهم بفتح الباب ، إلا أنه خاف أن يكون المتخاصمون قادمون نحوه للإعتداء على المنزل وعليه ، لكن الأصوات تلاشت بسرعة في سكون الليل ، كان متيقظا يلاحظ ابسط حركة أو صوت ، فكر مرات عدة في الهرب من المنزل والعودة إلى دار أهله ، وإعلان استسلامه ، لكنه لم يأمن على نفسه الخروج في الشارع في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل ، وشعر بأنه أصبح محبوسا في الدار لا يستطيع مغادرتها حتى لو أراد ذلك ، كما أنه لايطيق الإنتظار والمكوث فيها من شدة الخوف ، تناهى إلى سمعه صوت حفر في الحائط ، فقعد يصغي بانتباه ظانا أن هناك من يحاول شق الحائط من أجل الدخول عليه ، فكر فيما يفعل لكن الصوت كان ضعيفا بعض الشيء ، وقف حاملا معه البطانية التي كان يلبسها ، ووضع أذنه قرب الحائط يتصنت ، وجه رأسه إلى الأسفل قليلا فرأى خنفساء انقطعت بها السبل في كيس ورق ، كلما صعدت نحو حافته تسقط في قعره ، عاودته السكينة بعض الشيء ، فأخذها ورماها من تحت شق الباب بعيدا ، وعاد إلى الفراش ، خيل إليه طوال الليل أنه يسمع بعض الكلام الخفي والهمهمة والدمدمة التي لم يعرف من أين تأتي ، ولم يتبين كلمة واحدة منها ، فبات يقرأ كل ما يعرف من السور القرآنية.
سمع أصوات الكلاب تنبح في أرجاء الحي مدة طويلة من الوقت ، ثم تناهى إلى سمعه نهيق بعض الحمير ، وأخيرا سمع صوت الديوك تؤذن معلنة البداية الطويلة لنهاية الليلة الليلاء ، انتظر بفارغ صبر أن ينشر الصباح نوره ليتمكن من النهوض دون خوف ، ومغادرة ذلك المنزل ، وضع رأسه على الوسادة لأول مرة وقد اطمئن قليلا إلى انقضاء الليل دون مشكلة ، لكن الكرى تسلل إلى أجفانه فنام أخيرا ، واستيقظ مذعورا على أصوات قرب باب الغرفة ، كلام عال وطرق مستمر للباب ، وسمع اسمه يتردد على السنة الواقفين ، إفتح الباب ، كان الوقت زوالا والضوء قد غمر الغرفة متسللا عبر الباب والنوافذ ، إقشعر جسمه قليلا ، لكنه سرعان ماعرف أصوات المتكلمين ، إنها أمه وبعض النسوة معها ، ففتح الباب وهو يحاول الإبتعاد بوجهه قدر الإمكان عن نور الشمس الوهاج.

طارق الأحمدي 12-03-2011 10:58 PM

عالم الصمت ينبهنا إلى ما كنا نتغاضى عنه .. يحيلنا إلى الأجزاء الكامنة فينا والمحيطة بنا نعيد اكتشافها , بل والتعلق بها لتحفظ اتصالنا بالعالم ..
عالم الصمت يدفعنا مباشرة إلى بواطن النفس لنكتشف عجزنا أمام الوحدة فنبحث لنا عن قشة تبقينا باتصال بالعالم الخارجي حتى لو وصل الأمر بنا إلى اختلاق شخصيات للتواصل معها ..
والوحدة المكللة بالصمت تحيلنا مباشرة إلى المجهول .. والمجهول الذي لا نفقه كنهه لا نستبعد منه أي شيء .. وإذا اجتمعت الوحدة والصمت والخوف من المجهول استثيرت الذات لتختلق المعاذير والمخاطر والعوائق ..
وحالة صديقنا المراهق خير دليل حين خاض تجربة الخوف والتحسب من اللصوص ..

الكاتب الفاضل :
الشيخ احمد محمد
نقل لنا نصك لحظات ممتعة ومهيبة من عمق هذه الذات التي أنهكتها تجربة الوحدة ..
لقد استطاع قلمك أن ينقل الوقائع بكل أمانة .. بل إني شعرت فعلا بخوف الشاب ووصلتني مشاعره صادقة .. وهو ما يدل على نجاحك في سرد وقائع القصة ..
سلم مدادك أخي ..
ودمت بود .


ريم بدر الدين 12-03-2011 11:24 PM

استطاع النص بكل حرفية إيصال حالة الخوف و الترقب و الذعر و الانتباه التي عايشها بطل القصة لكل نأمة تصدر عن الصمت في هذا البيت المهجور
نص تميز بلغته التصويرية القوية و إدارة المشهد باقتدار
الشيخ أحمد محمد
تحيتي لك

ريم بدر الدين 12-03-2011 11:35 PM

استطاع النص بكل حرفية إيصال حالة الخوف و الترقب و الذعر و الانتباه التي عايشها بطل القصة لكل نأمة تصدر عن الصمت في هذا البيت المهجور
نص تميز بلغته التصويرية القوية و إدارة المشهد باقتدار
الشيخ أحمد محمد
تحيتي لك

الشيخ احمد محمد 12-06-2011 07:40 PM

الأخ العزيز طارق الأحمدي تحيتي لك وشكرا على الإطلالة البهية على نصي المتواضع كل التقدير لك مني

الشيخ احمد محمد 12-06-2011 07:42 PM

الأخت الكريمة ريم بدر الدين أسعدني مرورك الجميل تحيتي لك مع وافر التقدير

أحمد فؤاد صوفي 12-14-2011 01:42 AM

الأديب الكريم الشيخ أحمد محمد المحترم

فكر راق ومنظم . . هو ما أوصل لنا هذه القصة (النفسية) المتقنة . .
والحقيقة هي أن الإنسان هو عدو ما يجهله . .
فكيف إذا كان هذا العدو هو الظلمة والوهم والترقب في بيت مهجور . . ! !

لقدكنت سعيداً وأنا أقرأ هذه القصة . .
تعليقي سأصبه على النهاية فقط . . ففكرتها صحيحة ومناسبة . .
أما أسلوبها فيحتاج إلى اختيار كلمات أكثر قوة لتكون مناسبة أكثر كقفلة نهاية . .

عزيزي . .
تقبل تحيتي وتقديري . .
دمت بصحة وخير . .

** أحمد فؤاد صوفي **

الشيخ احمد محمد 12-24-2011 08:57 PM

الأديب القدير أحمد فؤاد صوفي شكرا لك على التعليق الطيب ، وعلى الملاحظة القيمة ، كل التقدير والود


الساعة الآن 06:50 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team