منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   لبوة وثور (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=15435)

عبدالحكيم ياسين 12-23-2014 04:38 PM

لبوة وثور
 
كبرت اللبوة الآن ..وصار لها مخالب وأسنان..
وجسمها الذي برزت فيه عضلات..اعتمد دائماً على صيد الأخوات..
ولطالما شبع من غير تعب..ولم يستمع في ذلك لعتب..
حتّى جاء اليوم الذي وجدت فيه نفسها وحيدة..
وأدركت عواقب طباعها العنيدة..
فوقت التعلّم قد فات..والفرائس لاتنال بالأمنيات..
والمهارة..والجسارة.. ماينقصها اليوم..وعليها
وحدها يقع اللوم..ولكن مانفع الندم والحسرات..
في مواجهة جوع ذي عضّات ..
إلّاأنّ رحمة الله واسعة..تنزل على النفوس الضائعة..
لعلها تتذكّر فضله فتشكره على ماأنعم..
أو تكون عبرة لغيرها فيتعلّم..
وذلك أنّ اللبوة التي تضرب خبط عشواء..
وجدت نفسها في مواجهة ثور عجوز يشتهي الفناء..
فقد نخرت جسده الأسقام..وأصبحت حياته سلسلة آلام..
ولمّا رآها تزمجر وتكشّر ..ابتسم ابتسامة مستبشر..
وأسلم لأنيابها جلده القاسي مغمضاً عينيه..
وأسنانها تحاول النفاذ إليه..ولكنّها عجزت عن اختراقه..
واضطرها التعب لفراقه..
فراحت تدفع جسده الهائل ليسقط فوق الأحطاب..
البارزة فوق الأرض كالحراب..
ولم تستطع..
فهمست تقول للثور وهو يستمع:
لماذا لاتدافع عن نفسك أيّها البائس..كغيرك من الفرائس..
فقال يا مليكة الغابات :
لقد سبق أن نهشتني السباع عشرات المرّات..
وتذوّقت ألم الجراح ..وأعرف الجدّ من المزاح..
وماأراك جادّة في قتلي..وكأنّك ضعيفة مثلي..
ولست بحاجة للدفاع عن نفس أتمنّى لها الهلاك..
ومن يدري فقد تكونين ذلك المنقذ الملاك..
الذي سينهي آلامي..ويحقّق أحلامي..
إلّا إن كنت أنت أيضاً محتاجة للإنقاذ..وباحثة فيّ عن ملاذ..
فإذا كنت تريدين هلاكي كما أريده فمري بما شئت تطاعي..
وأسرعي في إخماد أوجاعي..وانتزاع روحي من بين أضلاعي..
فانشرح صدر اللبوة المتعبة لمّا قاله الثور..
وزال قلقها على الفور..
وقالت: أنا متعبة من جولة صيد في (الحرش)..
صرعت خلالها أربعة من حمر الوحش..
وتركتها لملك البقعة السابعة..وحرمت نفسي الجائعة..
ولو لم تثبّط بيأسك من نفسك عزيمتي..لكنت أريتك قوّة شكيمتي..
وعلى كلّ حال..وما دمت لاتعتزم القتال..فاسقط من فضلك
فوق هذه الجذوع بعنف..ريثما استعيد قواي وأتخلّص من الضعف..
وظنّها الثور صادقة فأهوى بجسده الثقيل ..
على خشبة بارزة كإزميل..
فانكسرت وانغرزت كنصل قاتل ..في جسد اللبوة الغافل..
فزمجرت وكزّت على أسنانها..وهوت فوقه ببنيانها..
متظاهرة بالسلامة ..وقائلة في ملامة:
أيّها الجثّة العفنة..لقد زكمت أنفي برائحتك النتنة..
قال:آسف أشدّ الأسف على عجزي..ومستعدّ للتعويض المجزي..
قالت:أحسّ بالظمأ والحرّ ياجاحد..وأحتاج لعقة من دمك البارد..
ولاأعرف حقّاً إن كان فيك دمّ..وأخشى أن تكون قد تجرّعت السمّ..
فضرب الثور رأسه بالجذع المقطوع..ولعق جراعه التي تفجّرت كينبوع..
ليبرهن لها عن نقاء دمه المهدور..فراحت تلعقه في حبور..
وقد أملت في أن ينزف فيموت..فتحصل بذلك على ماتنتظر من القوت..
وفجأة ظهر ضبع جائع.. وضحك بفجور..وكأنّه كشف المستور..
فقالت تواسي نفسها:
أظنّها ضحكته المعتادة..التي لاتعرف الزيادة..وماأظنّه يقصد الاستهزاء..
من ملكة تتناول طعام الغداء..
فقال الثور بعتب:لاأظنّه يملك للهزء أيّ سبب..فهاأنت يامولاتي تجثمين
فوق صدري..ودمي من عروقي بين شدقيك يجري..
وعلى كلّ حال :يأكلني سبع ..ولايأكلني ضبع..
فتظاهري يامليكتي المرهقة من الصيد طوال النهار..
بسحبي من رقبتي صوب الديار..وسأعينك على ذلك مااستطعت أن أعين..
لعلّ ذلك يخيف الضبع اللعين..فينصرف قبل أن يستبدّ بك الغضب..
وماكنت تتركينه يقترب لولا التعب..وشرعت اللبوة تتظاهر بسحب الثور..
وهو يجرّ نفسه ويخور أشدّ الخور..إنجازاً لمسرحيّةّ الفريسة والصيّاد..
التي لم تكن بحاجة لإعداد..فعناصر النجاح متوفّرة ..
وفرص التحرّي لدى الضبع متعذّرة..ولكنّ اللبوة الخرقاء تعثّرت
وصدمت عينها بقرن الثور الحادّة كخنجر..فانتفضت متألّمةوراحت تزأر..
واستغرب الضبع غضبتها الهائلة..وظنّه مقدّمة لوثبة قاتلة..
وأذهلته مقدرتها على الجرّ..فقرّر البعد عن الشرّ ..
والتغنّي بالسلامة..بينما بقيت اللبوة القمّامة..
تحتال على الثور ليعينها على نفسه..
وبقي هو في مزيد من يأسه..
يساند للفوز بالممات..
من لم يتعلّم فنّون الحياة.
--------------------------------
مع تحيّات:عبدالحكيم ياسين

محمد الشرادي 12-23-2014 05:09 PM

أهلا أخي عبد الحكيم
على لسان الحيوان نطق قلمك بالحكمة.
أعدتنا إلى زمن المقامات و سيدها بديع الزمان. لم اجد فيها تكلفا في السجع سبكتها رشيقة سلسة عذبة.
تحياتي

ريمه الخاني 12-23-2014 05:10 PM

فكرة القصة لافتة لكن معالجها اتت مربكة للقارئ ربما وهي مناسبة للناشئة لانها تحمل عبرة,ربما لو كانت على حلقات.
وفقك الله.

هشام علي 12-23-2014 11:58 PM

نص جميل و راق و فلسفي
لكن لا يوجد من يتمنى ان يقتل و لو كان يتمنى الموت
الى الامام بمزيد من الابداع

عبدالحكيم ياسين 12-28-2014 11:56 AM

أخي محمد
أشكرك جزيل الشكر على تكرّمك بالتعقيب على نصّي..
وأشكرك على الثناء ..
وأسأل الله لك ولي كل توفيق..
مع التحية

عبدالحكيم ياسين 12-28-2014 12:03 PM

فكرة النصّ أهبها لمن يحبّ تطويرها ممّن عقّب على النصّ هنا
أمّا المعالجة فتحتاج لاقتراح البدائل ..والقاريء في النهاية سيّد الموقف
وصاحب الرأي المحترم فالكاتب يكتب له ..
شكراً للدعاء وأسأله لك التوفيق

عبدالحكيم ياسين 12-28-2014 12:08 PM

شكراً للتعقيب وللتمنيّات بمزيد من التقدّم
وللرأي الذي نقدّره..
وأرجو أن تقبل هذه الإضاءة السريعة على النصّ:


سنن الخالق لاتتبدّل..قد يرى بعضها من يتأمّل..
فيرى في عالم الحيوان..الثيران تسير في قطعان..
والمفترسات..في جماعات..وعندما تكون الثيران متّحدة وقويّة..
تهابها ضواري البريّة..ويتاح لها وسط القطيع..
أن تظفر برعاية الجميع..
امّا السباع فتأكل لتستمرّ بالحياة..
وتخفّف من مخاطر انقراض النبات..
وعندما ينفرد ثور لعلّة..يلاقي الهوان والذلّة..
خصوصاً إذا واجه مفترسة خرقاء..
تتظاهر بالقوّة وهي من الضعفاء..
---------------
والنص يحاول أن يقول:
أيّها الفرد لاتنفرد
واحذر الخصم مهما يعد
قد يغرّ العيون فكّ عريض
ليس يقوى على طحن مايزدرد
والتزام القطيع أقوى وأبقى
لايضيع القطيع لو يتّحد
والحياة..الحياة سرّ خفيّ
قطفها غير دان لمجتهد
فالزم الصبر يامن تعاني
واسأل الله ماتفتقد
--------------
أمّا إسقاطات النصّ على عالم البشر فتحتمل الآتي:
الثور يرمز لعجوز مريض فعلاً وحياته سلسلة من الآلام
التي لاتحتمل..والتي تجعله يشتهي معها الموت بأحاسيسه..
وهو على تماس مع شخص يقف إلى جانبه ويتظاهر بما لايملك..
كأن يكون طبيباً ..وهذا الطبيب ضعيف في مهنته ..
يستنزف مريضه ماديّاً ولايستطيع تحقيق أمانيه ..
ويؤذيه علمه بعجزه ..ولايصارح المريض بضعفه ..
وثمّة مستفيدون من موت المريض ..هم أسوأ ن طبيبه..
والباقي واضح..
هذا بافتراض أن الثور رمز لفرد واحد..
وعندما يكون رمزاّ لمنظومة اجتماعية ك(الأسرة)مثلاً
فإن الأسرة التي تنخرها المشاحنات وتفرّقها الخلافات
تجعل من السهل اختراقها من قبل من يتعاطفون مع طرف
من أطرافها ضدّ طرف آخر تسهيلاً لهدمها بالكامل
وهم مستفيدون من دمارها ولكنّ هؤلاء الدخلاء
لايقدرون على تنفيذ مآربهم لضعفهم والنفع الوحيد
الذي يحصل من تدخّلهم هو إبعاد من هو شرّمنهم ..
وتستمرّ المعاناة إلى مالانهاية في ظلّ معادلة من هذا النوع ..
-----------------



الساعة الآن 08:04 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team