منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6821)

ايوب صابر 10-31-2011 12:05 AM

أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
 
افضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها: دراسة بحثية.
سأحاول في هذه الدراسة تبيان سر الورعة الذي جعل هذه الروايات تدخل قائمة افضل مئة رواية عربية.
وسنحاول استكشاف ما يلي :
- هل اليتم عامل مشترك اعظم لدى الكتاب؟
- هل هو الموت وان جاء بشكل آخر؟
- هل هي المآسي والازمات؟
- هل هو يتم الوطن؟
- هل هناك اختلاف بين سر الروعة في الروايات الاجنبية والعربية؟
- ما طبيعة المواضيع المطروقة في هذه الروايات؟
- ما طبيعة الاسلوب المتبع ؟
قائمة أفضل مئة رواية عربية حسب تصنيف اتحاد الكتاب العرب والمدرجه في وكيبيديا

ايوب صابر 10-31-2011 08:44 AM

فيما يلي قائمة اتحاد الكتاب العرب عن أفضل مئة رواية عربية وقد روعي في هذة القائمة تنوع الأجيال والأقطار.

1- الثلاثية نجيب محفوظ ....... مصر.
2- البحث عن وليد مسعود جبرا إبراهيم جبرا فلسطين
3 - شرف صنع الله إبراهيم مصر
4 - الحرب في بر مصر يوسف القعيد مصر.
5- - رجال في الشمس غسان كنفاني فلسطين
6- الوقائع الغريبة في اختفاء أبي سعيد النحس المتشائل إميل حبيبي فلسطين
7- الزمن الموحش حيدر حيدر سوريا
8- رامة والتنين إدوار الخراط مصر
9 - حدث أبو هريرة قال محمود المسعدي تونس
10- كوابيس بيروت غادة السمان سوريا
11- المجوس إبراهيم الكوني ليبيا
12-الوشم عبد الرحمن مجيد الربيعي العراق
13- الرجع البعيد فؤاد التكرلي العراق
14- الشراع والعاصفة حنا مينه سوريا
15- الزيني بركات جمال الغيطاني مصر
16- ثلاثية 'سأهبك مدينة أخرى' أحمد إبراهيم الفقيه ليبيا
17- أنا أحيا ليلي بعلبكي لبنان
18- لا أحد ينام في الإسكندرية إبراهيم عبد المجيد مصر
19- الحب في المنفي بهاء طاهر مصر
20- مدارات الشرق نبيل سليمان سوريا
21- الوباء هاني الراهب سوريا
22- الحرام يوسف ادريس مصر
23- ليلة السنوات العشر محمد صالح الجابري تونس
24 - موسم الهجرة إلى الشمال الطيب صالح السودان
25- ذاكرة الجسد أحلام مستغانمي الجزائر
26- الخبز الحافي محمد شكري المغرب
27- تشريفة آل المر عبد الكريم ناصيف سوريا
28- دار المتعة وليد اخلاصي سوريا
29- طواحين بيروت توفيق يوسف عواد لبنان
30- الأفيال فتحي غانم مصر
31- نجران تحت الصفر يحيي يخلف فلسطين
32- العشاق رشاد أبو شاور فلسطين
33- الاعتراف علي أبو الريش الامارات
34- النخلة والجيران غائب طعمة فرمان العراق
35- عودة الغائب منذر القباني السعودية
36- قنديل أم هاشم يحيي حقي مصر
37- العودة الي المنفي أبوالمعاطي أبو النجا مصر
38- وكالة عطية خيري شلبي مصر
39- تماس عروسية النالوتي تونس
40- سلطانة غالب هلسا الاردن
41- مالك الحزين إبراهيم أصلان مصر
42- باب الشمس إلياس خوري لبنان
43- الحي اللاتيني سهيل ادريس لبنان
44- عودة الروح توفيق الحكيم مصر
45- الرهينة زيد مطيع دماج اليمن
46- لعبة النسيان محمد برادة المغرب
47- الريح الشتوية مبارك الربيع المغرب
48- دار الباشا حسن نصر تونس
49- مدينة الرياح موسي ولد ابنو موريتانيا
50- أيام الإنسان السبعة عبد الحكيم قاسم مصر
51- طائر الحوم حليم بركات سوريا
52- حكاية زهرة حنان الشيخ لبنان
53- ريح الجنوب عبد الحميد بن هدوقة الجزائر
54- فردوس الجنون احمد يوسف داوود سوريا
55- وسمية تخرج من البحر ليلى العثمان الكويت
56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الاردن
57- رباعية بحري محمد جبريل مصر
58- صنعاء مدينة مفتوحة محمد عبد الولي اليمن
59- غرناطة رضوي عاشور مصر
60- دعاء الكروان طه حسين مصر
61- فساد الامكنة صبري موسي مصر
62- السقامات يوسف السباعي مصر
63- تغريبه بني حتحوت مجيد طوبيا مصر
64- بعد الغروب محمد عبد الحليم عبد الله مصر
65- قلوب علي الاسلاك عبد السلام العجيلي سوريا
66- عائشة البشير بن سلامة تونس
67- الظل والصدي يوسف حبشي الأشقر لبنان
68- الدقلة في عراجينها البشير خريف تونس
69- النخاس صلاح الدين بوجاه تونس
70- باب الساحة سحر خليفة فلسطين
71- سابع ايام الخلق عبد الخالق الركابي العراق
72- شيء من الخوف ثروت أباظة مصر
73- اللاز الطاهر وطار الجزائر
74- المرأة الوردة محمد زفزاف المغرب
75- ألف عام وعام من الحنين رشيد بوجدرة الجزائر
76- القبر المجهول احمد ولد عبد القادر موريتانيا
77- الاغتيال والغضب موفق خضر العراق
78- الدوامة قمر كيلاني سوريا
79- الحصار فوزية رشيد البحرين
80- في بيتنا رجل احسان عبد القدوس مصر
81- رموز عصرية خضير عبد الامير العراق
82- ونصيبي من الافق عبد القادر بن الشيخ تونس
83- مجنون الحكم سالم حميش المغرب
84- الخماسية إسماعيل فهد إسماعيل الكويت
85- أجنحة التيه جواد الصيداوي لبنان
86- ايام الرماد محمد عز الدين التازي المغرب
87- رأس بيروت ياسين رفاعية سوريا
88- عين الشمس خليفة حسين مصطفي ليبيا
89- لونجه والغول زهور ونيسي الجزائر
90- صخب البحيرة محمد البساطي مصر
91- السائرون نياما سعد مكاوي مصر
92- 1952 جميل عطية إبراهيم مصر
93- طيور أيلول أميلي نصرالله لبنان
94- المؤامرة فرج الحوار تونس
95- المعلم علي عبد الكريم غلاب المغرب
96- قامات الزبد إلياس فركوح الاردن
97- عصافير الفجر ليلي عسيران لبنان
98- جسر بنات يعقوب حسن حميد فلسطين
99- الوسمية عبد العزيز مشري السعودية
100- البشموري سلوي بكر مصر
101- الفارس القتيل يترجل إلياس الديري لبنان
102- التوت المر محمد العروسي المطوي تونس
103- أغنية الماء والنار عبد الله خليفة البحرين
104- الباب المفتوح لطيفة الزيات مصر
105- مدن الملح (خماسية) عبد الرحمن منيف السعودية


تابعونا ....

عبده فايز الزبيدي 10-31-2011 10:22 AM

سجلني متابعاً
أخي الكريم.

ايوب صابر 11-02-2011 09:08 AM

الاستاذ عبده فايز الزبيدي

اشكرك على حضورك ودعمك....ويسرني مشاركتك بالتوجيه والتعليق والاضافة ...

واملي ان يمر من هنا وربما يشترك معنا في التحليل والدراسة والبحث كل من يهتم بفن الرواية تحديدا... فمثل هذه الدراسات المعمقة تنعكس بالفائدة حتما على كل من يرغب في انتاج رواية رائعة...

فالادب كما يقال تقليد الحياة وتقليد التقليد..


ايوب صابر 11-02-2011 09:11 AM

سر الروعة في رواية :
الثلاثية لنجيب محفوظ

الثلاثية أو ثلاثية القاهرة هي سلسلة مكونة من ثلاث روايات أدبية ألفها الأديب المصري نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للأدب.

تتكون الثلاثية من القصص الآتية بالترتيب:الشخصية الرئيسية بالروايات الثلاث هي شخصية السيد أحمد عبدالجواد. والقصص الثلاث تتبع قصة حياة كمال ابن السيد أحمد عبد الجواد من الطفولة إلى المراهقة والشباب ثم الرشد. وأسماؤها مأخوذة من أسماء شوارع حقيقية بالقاهرة التي شهدت نشأة نجيب محفوظ . الثلاثية تعتبر أفضل رواية عربية في تاريخ الأدب العربي حسب تصنيف جريدة أخبار الأدب (العدد 426 الأحد 9 سبتمبر 2001). التصنيف يضم مئة رواية.
==

ثلاثية نجيب محفوظ
(بين القصرين)
بين القصرين هو الجزء الأول من ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة ، و التي تشكل القاهرة و منطقة الحسين خصيصا المسرح الأساسي و الوحيد لأحداثها .

و تحكي الرواية قصة أسرة من الطبقة الوسطى ، تعيش في حي شعبي من أحياء القاهرة في فترة ما قبل و اثناء ثورة 1919 . يحكمها أب متزمت ذو شخصية قوية هو السيد احمد عبد الجواد . و يعيش في كنف الاب كل من : زوجته أمينة و إبنه البكر ياسين أنجبه من طليقته هنية و إبنه فهمي و كمال اضافة إلى ابنتيه خديجة و عائشة.

وهذا الفيلم هو الفيلم الذي كرس لنظرية (سي سيد) التي أصبحت واسعة الإنتشار في العالم العربي .


ثلاثية نجيب محفوظ
(قصر الشوق)

الجزء الثاني من ثلاثية نجيب محفوظ تعرض حياة اسرة السيد احمد عبد الجواد في منطقة الحسين بعد وفاة نجله فهمي في احداث ثورة 1919 و ينمو الابن الاصغر كمال و يرفض ان يدخل كلية الحقوق مفضلا المعلمين لشغفه بالاداب و العلوم و الفلسفة و حبه و اصدقاءئه و كذلك يتعرض لحياة نجلتي السيد احمد و ازواجهم و علاقتهم ببعض و زواج ياسين و انتقاله إلى بيته الذي ورثه من امه في قصر الشوق و تنتهي احداث القصة بوفاة سعد زغلول
ثلاثية نجيب محفوظ
السكرية
الجزء الثالث من الراوية وتحكي عن جيل ما بعد الثورة وعن حارة تدعي بالسكرية والأوضاع وتقبات الأحوال .
==
ثلاثية نجيب محفوظ الروائية:بين القصرين قصر الشوق ، السُكرية .. إعادة قراءة من خلال شخصية زنوبة:
صحيفة 26سبتمبر
عبدالله الدحملي
رغم ان هذه الثلاثية الروائية لنجيب محفوظ، والتي حازت على جائزة نوبل، قد نالت الكثير من حقها النقدي الا ان هذه السطور تحاول ان تلقي بعض الضوء على بعض جنباتها، كون الثلاثية لما تحمل من سمة فنية روائية عظيمة وجليلة ستظل محطة وقفة وتأمل لكل كاتب يجد فيها الكثير مما يستأهل اهتمام الاقلام للكتابة عنها، لذا سنتخذ من شخصية زنوبة أنموذجاً لإعادة قراءة هذا المعين الخصب في الحقل الروائي العربي.
إن ثمة مفارقة على ان يستقطبها بوعي يكاد ينقطع نظيره مع روائيي هذا العصر في الوطن العربي الممتد من الماء الى الماء. منذ المستهل، وبعد ان اقتحم الكاتب عتبات الرواية بما يربو على الستين صفحة في (بين القصرين)، وتحديداً عندما توجه ياسين الى قهوة سي علي بالصنادقية لشرب الشاي (1) تطالعنا شخصية زنوبة وقد استأثرت باهتمام ياسين، ابن بطل الثلاثية السيد احمد عبدالجواد، وذلك لما تمتع به من حسن هوسه، حيث غدا يراقبها من مكان القهوة علها تطل من نافذة بيت العالمة التي تعمل فيه زنوبة، والذي يقترب من القهوة ، حيث جلس ياسين ينتظر متى تطل زنوبة من نافذة بيت العالمة، إذ خرجت من البيت متجهة الى عربة تجرها ونسوة الى مكان آخر، في حارة المتولي لحضور عرس «بدت زنوبة وقد انحسر طرف ملأتها عند أعلى الرأس عن منديل قرمزي ذي اهداب منمنمة ، لمعت تحته عينان سوداوان ضاحكتان تنفث نظرتهما لعباً وشيطنة، اقتربت من العربة.. ثم رفعت قدماً الى أعلى العربة، فاشرأب ياسين بعنقه وهو يزدرد ريقه فلمح ثنية الجورب معقودة فوق الركبة على أديم بدا منه صفاء عذب خلال فستان برتقالي.. »(2). من خلال هذا المشهد ندرك الكاتب وهو يصف بعض التفاصيل والحركات التي انتظمتها شخصية زنوبة، حيث اتخذتها زنوبة كي تلفت الانظار اليها، وهذا مايجعلنا نعذر ياسين فيما اتخذه من قرار - كما سنرى لاحقاً - يشي بالزواج منها، وبعد ان فشل في زواجين سابقين..
من منطلق الكاتب ذاك تتحدد وظيفة شخصية زنوبة، إذ هي تعيش في دار العالمة، تلك الدار التي يأتي اليها الكثيرون ليلاً للسمر والطرب واحتساء الخمر على إيقاع العود، وكانت تقوم بخدمة كل من يرد هذه الدار التي كانت زنوبة تتنكر لها في نفسها تمتمة دونما افصاح منها، وقد سأمت الدار والعالمة معاً، ترجو في قرارة نفسها ان يهبها الله رجلاً تعيش معه حياة مقدسة، لكن أنى لها ذلك وهي تعيش في هذه الدار التي يترامى الشر بين اركانها، ثم حين يطالعنا الكاتب، وهو المراقب او الشاهد هنا، بملامح الشخصية الجسدية (عينان سوداوان ضاحكتان تنفث لعباً وشيطنة)، يأتي هذا من كون الملامح الجسدية ذات أهمية في دراسة الشخصية، إذ يأتي بها الروائي ليعكس سلوكها داخل النص وحركتها فضلاً عن علاقتها ببقية الشخصيات(3)، العالمة، السيد، ياسين،.. الخ.، وكذا وظيفتها ، على ان في ملامح هذه الشخصية الجسدية ما يبرر موقف ياسين من اختياره زنوبة زوجاً له بعد ان فشل في تجربتين سابقتين من هذا النوع، وقبله توق البعض، ليس على اساس الشرعية، وإنما خارج جغرافية هذا الممكن، كما هو الحال مع بطل الرواية، وفي فترة غياب العالمة عن البيت على وجه الدقة، حيث تبوء المحاولة بالفشل باعتبار ان زنوبة ليس لها اصدقاء، وترى نفسها بعيدة تماماً عن العالمة وعالمها، مما يبدي الروائي حبه واعجابه بها من خلال إعجاب ياسين بها «تنقضي السنون ولا يفتر حبه لهذا الطريق، جمال مريم لا يقاس بجمالك.. إني أرغب فيك.. بينه وبين صاحبته رسائل متبادلة تفصح عن المكنون في جو مشحون بالاضواء المنظورة وغير المنظورة يبهر الفؤاد يزغلل العين» (4) و سينقلب هذا الاعجاب الى حب حقيقي يفعله او يتوجه اقترانهما.
وهكذا تتبدى شخصية زنوبة في بين القصرين - و قد أبرز الكاتب وظيفتها - وهي خادم للعالمة في دارها ، راغمة غير راضية بوضعها، تتوق في كل لحظة الى ان تمارس حياتها كسائر النساء، وكأي امرأة تحب ان تبني بيتاً ، وان تُكوِّن أسرة.
أما في قصر الشوق، الجزء الثاني من الرواية ، فإن شخصية زنوبة كان لها حظاً وفيراً، ولاسيما وانها في هذا الجزء زفت الى ياسين، وودعت كابوس الحيرة وشبح الوحدة الذي طالما هددها كثيراً. يقوم بطل الرواية السيد احمد عبدالجواد بزيادرة بيت العالمة، خالة زنوبة بعد انقطاع دام فترة الخمس سنوات، تلك الفترة التي هجر فيها السيد كل ملذاته ونزواته نتيجة استشهاد ابنه فهمي طالب الحقوق، الذي كان ضحية رصاصة في مظاهرة سلمية نظمها الطلاب المصريون احتجاجاً على بقاء الانجليز بمصر، وخلال هذه الفترة وانسياماً مع مجريات احداث الرواية نلاحظ ان الكاتب قد استخدم اسلوب الحذف، إذ نجد انه لا يذكر احداثاً يفترض وجودها في تلك الفترة تدور حول شخصية زنوبة وعلاقاتها بآخرين (5)، وقد عمد الروائي الى حذفها دونما اشارة اليها، كون ثمة الكثير من الاحداث السياسية الكبرى هي ما تشغله ويريد ابرازها قصد معالجتها عبر الأدب، باعتباره ثورة على الواقع وليس تصويراً له (6)، ولما قصد سي سيد دار العالمة، وكان متشوقاً لمسامرتها ومجالستها كعادته القديمة التي كانت جميلة في نظره حد الافراط من رجل شرقي متحفظ، يدخل دار السلطانة، والكاتب ينعتها بهذا لكي يبرز التناقض الحاد بين وظيفة هذه الشخصية - أي العالمة التي لم يفصح عن اسمها - الرذيلة،و بين اسمها المنعوت بالسلطانة، هذا الاسم الذي يعد المثل الاعلى للشرف والإباء، ولم يعلم سي سيد بأن العالمة ليست موجودة في تلك الليلة، فجلس على عادته، بعد ان استقبلته زنوبة ثم سأل عنها فكان الرد: «السلطانة ليست في البيت»، ويدور حوار بينهما مفاده عدم العلم أي وجهة قصدتها السلطانة لأن السلطانة لا تطلع احداً على خط سيرها (7)، ويمتد الحوار بين زنوبة وبطل الرواية السيد احمد عبدالجواد عبر عشر صفحات تجلت فيه شخصية زنوبة إمرأة محافظة أمينة على نفسها رغم موقعها «وظيفتها»، السلبية، بل ورغم كيد الآخر بها ومحاولة الزج بها في مستنقع الخطيئة: «هل يطلع أصدقاؤك القدماء على خط سيرك؟ ليس لي أصدقاء ، لا قدماء ولا حديثون.. كيف يمكن ان تكوني بين قوم يبصرون ولا يتوقون الى صداقتك.. إن هي الا تصورات الكرماء أمثالك، ولكنها لا تعدو التصورات الخيالية، الدليل أنك صديق قديم لهذا البيت، فهل راق لك يوماً ان تهبني قسطاً من صداقتك؟..كانت ثمة ظروف.. لعلها نفس الظروف التي حالت بيني وبين الآخرين.. أنتِ عقدة .. المهم أنك قلت أنك جئت لمقابلة خالتي، فهل من رسالة أبلغها إياها عند عودتها؟ قولي لها ان سي سيد جاء ليشكوني إليك فلم يجدك»(8) ينم هذا الحوار عن أن زنوبة شخصية عسيرة جداً على الآخر، ومترفعة تماماً عن الخطيئة؟ وهذا ما جعل السي سيد ينعتها بـ(عقدة) مما كان ردها له الطرد بطريقة مهذبة جداً «أبلغها رسالة..) وهل تستعمل هذا الاسلوب ويقال في وجه شخصية مثل شخصية أحمد عبدالجواد؟
إذا ما انسقنا وراء احداث الرواية التي تتجلى فيها شخصية زنوبة، نجد ان الروائي حرص على ألا يخرج عن هذا، وحرص على ان يبرز الجانب المشرق لشخصية زنوبة، أمانتها على نفسها رغم ما واجهته من مغريات سي سيد وسواه، هذا من جانب، و من جانب آخر، يصور او يعرض الروائي من خلال شخصية زنوبة الفئة الغارقة في السلب واللامبالاة كالعالمة وسي سيد، وانه بهذا يقدم رأي نجيب محفوظ - للسلبية فكراً وسلوكاً و استكمالاً للصورة العامة الجميلة التي تتجسد في اعمال شخصياته الروائية الايجابية (9) لهذا يحاول سي سيد استدرار عطف زنوبة فيذكرها بما وقع بينها وبين الصائغ يعقوب حول اسورة ابتاعتها منه، فتسديه كلمة واحدة (تشكر) فيما يمتد غضبه «مثلي لا يقنع بالشكر، ماذا يفيد الجائع.. الجائع يريد الطعام الشهي اللذيذ» (10)،إذن فاستمتاع السيد بمراقبة زنوبة مراقبة من نوع خاص هو تدوين روائي صادق لما يبقى في الشيخوخة من نزوع عزيزي محكوم (11)، وحين يمضي سي سيد يتقرب من زنوبة زلفى
ويدعي الحب مجازاً بلا حقيقة تراوغه زنوبة، وإزاء تلك المراوغة يتبين انها شخصية حادة الذكاء كونها تقرأ مافي دواخل الآخرين أما تذكيرها للسيد بالماضي يوم ان دعيت وهي السلطانة الى العوامة وعرفت ان وراء تلك الدعوة سي سيد ما كان منها الا ان تراجعت ولم تذهب الى العوامة، فذلك ينم عن كرهها له، وعدم الذهاب يعني تدارك الخطأ قبل وقوعه، ثم يبرز الكاتب دور هذه الشخصية الايجابي من خلال : «حقاً سأغادر هذا البيت الذي عشت عمري فيه الى غير رجعة..»(12) توقها الى ان تصبح سيدة ملاء الافواه وقيد الواقع، ينتهي المشهد بهذا الاصرار العتيق من قبل زنوبة «انتظر حتى يجمعنا المسكن عند ذاك أكون لك الى الأبد»، ان الكاتب في بين القصرين قد برر - مسبقاً - زواج ياسين من زنوبة ، وذلك من خلال ما دار بينهما وبين والده السيد من محاولات باءت بالفشل، ولم تستطع الظروف القهرية التي مرت بها زنوبة أن توقع بها في شباك الخطيئة، بل لم تتغلب تلك الظروف على إرادتها، وبذلك فالكاتب يقدم في هذا نقداً للمجتمع العربي من خلال المقارنة بين شخصيتين عكسيتين تماماً، تمثل الأولى شخصية السيد في نظر المجتمع من السطح الشخصية الايجابية، وهي في الأصل شخصية سلبية، فيما تمثل الثانية في نظره، الشخصية السلبية، وهي الايجابية تماماً من حيث أن الأولى تبتغي مالا تبتغيه الثانية.
يعود الكاتب مرة أخرى لاستخدام الحذف، حيث يعمد الى حذف أحداث يفترض وجودها قبل أن يلتقي ياسين بزنوبة وقد مرت عليهما فترة انقطاع السبع سنوات بعد أن انشغل ياسين بمهام شخصية، إذ لم يذكر الروائي ما جرى في تلك الفترة، وماصنعه- أي نجيب محفوظ- هو الاسترسال في وضع الارهاصات للقاء ياسين بزنوبة، وغالباً مايقدم الروائي أو الراوي الشخصيات ويحدثنا بالكثير عنها، وهذا مايعرف في النقد الحديث «بالراوي العليم بكل شيء 13.
ولكي تتضح رؤيتنا هذه بشكل أوفر حول الشخصيات التي تدور في مدار سطورنا هذه، نقول: بأن ياسين هو ابن بطل ثلاثية محفوظ، الأكبر من أم ليس له أشقاء، فيما بطل الرواية أحمد عبدالجواد هو السي سيد، والعالمة هي السلطانة، خالة زنوبة، واذا ما انسقنا مع أحداث الرواية في جزء الثلاثية الثاني (قصر الشوق) نجد ياسين يلمح زنوبة وهي مارة في الشارع، فيدور بينهما حوار يمتد الى قرابة العشر صفحات، وفيه يعقد الكاتب مقارنة بين مكانين يتصلان بشخصية زنوبة، وعند أن سألها ياسين عن بيت السلطانة هجرت ذلك البيت منذ أشهر ، الآن لي بيتي الخاص وأنا سيدته 14، لقد كانت زنوبة تقطن ببيت السلطانة ذلك المكان الخبيث، فيما هي الآن صار لها بيتها الخاص، والذي يختلف تماماً عن السابق، وهنا تبرز المفارقة بين المكان الجديد لشخصية زنوبة، والمكان القديم، ولقد حرص الكاتب على استقطاب هذه المفارفة بين المكانين بدرجاتها المختلفة وشروطها المتعددة، وربما كانت هذه من أبرز مظاهر شعرية السرد، تعادل في أهميتها وخطورتها الوظيفية نفس الدور الذي يقوم به المجاز في شعرية القصيدة، فهي كما يقول د. صلاح فضل « تنفيس فني عن ذكاء الإنسان وتعبير عن قدرته على رفض مايقال له ونقده وتأويله حتى يتسق مع مالديه من وعي ومعلومات 15، مما يعمل على إثارة انتباه المتلقي، لاسيما اذا كان في معرض السخرية «ماذا يفيد الجائع.. لدينا ملوخية وأرانب».وتتابع أحداث الرواية، إزاء شخصية زنوبة، بشكل تسلسلي، ويدور بينها وياسين حوار يشترك فيه الحوذي صاحب العربة، يتبين من خلاله أنها شخصية باتت تتمتع بشيء من الثراء، يأتي ذلك عند أن عزما على الخلود في فندق مع خوفها أثناء قطع الطريق الى الفندق من أن تسرق حليها التي تلبسها « أذناي وعنقي وساعداي محملة بالذهب»16، مما يعني أن هذه الشخصية أصبحت تمتلك مايعفيها من مهنة العمل بدار السلطانة، وهذه هي نقطة التحول الأساسية لهذه الشخصية، حيث تبدأ البحث عن كيف تقيم أسرة سوية قائمة على الشرعية المتاحة رسمياً, يمكننا أن نجد في هذا أي قطع الطريق وسط القاهرة - طرحاً للمشاكل الاجتماعية والسياسية التي طرحها القرن العشرين على الناس، والتي مافتأت تتضخم فيه مشاكل روحية ونفسية ازاء الاحتلال الفكري الاستعماري البريطاني لمصر 17، فقد خلف القلق والخوف بأوساط الناس، ونشر أوبئة سامة فكرية ونفسية تفوق حرب السيف والمدفع آنذاك. على أية حال يتجه ياسين وزنوبة الى بيته الأول الذي ورثه عن أمه بقصر الشوق، ويدخلا خلسة، فينشب بينه وبين زوجته مريم صراع ينتهي بطلاق مريم، وهنا يسجل الروائي حقائق ملموسة في الواقع العربي، وتأتي على لسان شخصية مريم : «تزوج من هذه، إنها من النوع الذي يوافق مزاجك»، وهكذا يتماشى الكاتب مع مايوافق شخصياته الروائية، إذ ان حياة ياسين تتوافق مع حياة زنوبة تماماً، ليس على صعيد الواقع، وإنما يرى الروائي ذلك من خلال الصورة التي تقبع وراء شخصياته (مريم), وعندما يكتشف السيد بيات زنوبة خارج العوامة، إزاء ذلك، نلاحظ الروائي يؤثر القيام بعمليات استبطان لدخائل شخوصه، لاسيما شخصية زنوبة، والإغراق في وصف خواطرها النفسية عبر صفحات طويلة 18، لكي يفتح مجال التأويل أمام المتلقي، وتقبع أمامه اللوحة المشهدية بشكل تام، لكن يعود السيد ويسأل زنوبة عن سبب غيابها عن العوامة ليلة أمس، فتتمرد عليه في الاجابة، فينفطر الموقف شجاراً بينهما، حيث لم تعد زنوبة تطيق حياة الجحيم التي مابرحت تهجرها منذ تخليها عن بيت السلطانة، وهي ترنو الى مستقبل أفضل، بيد أن السيد يعارض هذه الفكرة، حيث لايروق له ان يرى من زنوبة أبعد من قدميه، بينما دائرة الحياة ليست ثابتة، وهذ ما تعبر عنه شخصية زنوبة وهي «تعكسف على أسورة ذهبية تديرها حول ساعدها الأيسر»، فالأسورة تشير الى الأيام الجميلة التي ستشهدها حياة هذه الشخصية بالعبور الى عش الزوجية، فيما تدويرها للأسورة، يعني عدم الاستقرار أو استقرار الحياة على وتيرة واحدة، إذ هي متقلبة، فمن يعيش اليوم خادماً قد يصبح غداً سيداً، وكذلك العكس، لكن سي سيد يأبى أن يكون هذا، وأن يتحقق، حيث تعرض عليه الزواج منها فيتخلص منها الى الأبد.
تتحقق أمنية زنوبة وتتزوج بياسين 18، فتقوم المعارضة من قبل أسرته كلها إزاء هذا الزواج الذي يعد في نظرهم إساءة لهم جميعاً، ويتدخل الروائي ليصف ذلك، والراوي لايعادي- بذلك- زنوبة أو ياسين أو السيد أو سواهم، بل ينتقد المجتمع الشرقي المتحفظ حد الإفراط، والذي يرى في المرأة سلباً تماماً مع أن في جوانبها من الايجاب ما يمكن التسليم به، من ذلك سعة صدر زنوبة وأمام نزوات ياسين زوجها «قبلت أن تسكر في الحانات كما تحب على شرط أن تعود الى بيتك في وقت مبكر» 19، فضلاً عن إهتمامها كزوجة بأمور الزوج وتنظيم وقته، وهذا يعكس لنا جزءاً من الصورة الايجابية لشخصية زنوبة، والتي حرص الكاتب على إبرازها، وستكتمل عند أن تصبح أماً.
على أية حال: فإن حركة تنقل شخصية زنوبة بين بيت العالمة والعوامة وزواجها من ياسين تدوين روائي حقيقي لعجلة الزمن، وسيرورة الحياة التي لاتقف أمامها الأحداث، مهما كانت هذه الأحداث، وإن كانت أي الأحداث كبيرة ودامية كاحتلال الانجليز لمصر، فضلاً عن أن الكاتب يقدم لنا الملامح الفكرية و النفسية لهذه الشخصية التي هي نموذج لفرد يعيش قلبه في ثورة وعذابات، وعقله في حيرة لم تنته بعد .. واليك هذه الجدولة التي تبين حركة هذه الشخصية وعلاقتها بالأشخاص والأماكن داخل العمل الروائي:
الشخصية علاقتها بشخصيات أخرى المكان
زنوبة ياسين وأفراد بدون أسماء دار العالمة +القهوة
زنوبة ياسين ، العالمة العربة، حارة المتولي
زنوبة السيد (بطل الرواية) بيت العالمة
زنوبة ياسين، الحوذي الشارع، العربة
زنوبة ياسين، مريم، الجيران بيت ياسين
زنوبة السيد العوامه
زنوبة ياسين بيت ياسين
زنوبة ياسين مرة أخرى بيت ياسين
الـهوامش:
1- ينظر، ثلاثية نجيب محفوظ الروائية، جزء: بين القصرين، صــــ68.
2- نفسه، صــــــ70.
3- البنية الروائية في يموتون غرباء، لمحمد عبد الوالي، وهبية صبرة، مركز الدراسات والبحوث، صنعاء، طـــ11، 2002م ، صــــ100
4- ثلاثية محفوظ، جزء بين القصرين ، صـــــــ273- 281.
5- ينظر، أساليب السرد في الرواية العربية، د. صلاح فضل، الهيئة العامة للكتاب، مصر، طــــــ(1) 2002م ، صـــــ21.
6- ينظر، شخصية المثقف في الرواية العربية، د. عبدالسلام الشاذلي ، دار الشروق، مصر، د.ت،ط صــــــ436.
7- ينظر، جزء: قصر الشوق لمحفوظ، صـــ105.
8- نفسه، صـــ105.
9- شخصية المثقف في الرواية العربية، المرجع السابق، صــــ339.
10- قصر الشوق لمحفوظ، صــــــ106.
11- أساليب السرد في الرواية العربية، المرجع السابق، صـــــــ27.
12- قصر الشوق لمحفوظ، صــــــ111.
13- البنية الروائية في يموتون غرباء، المرجع السابق، صــــــ116.
14- قصر الشوق لمحفوظ ، صـــــــ281.
15- أساليب السرد في الرواية العربية، مرجع سبق ذكره، صــــــ34.
16- قصر الشوق لمحفوظ، صــــــــــ283.
17- شخصية المثقف في الرواية العربية، مرجع سبق ذكره،صـــــ84.
18- ينظر، قصر الشوق لمحفوظ، صــــــ388.
19 نفسه، صــــــ38
=

ايوب صابر 11-02-2011 09:13 AM

معالم الإبداع في القص عند



نجيب محفوظ



د . فاروق مواسي

تناول النقاد والدارسون أدب محفوظ بغزارة( 1 ) لا تكاد تصل إليها أية دراسات أخرى عن أديب عربي، وقد بقيت رواياته وقصصه مرمى لكل مستعيد ومستزيد.
وإزاء ذلك لا تبغي هذه الدراسة أن تستعرض هذه الأبحاث، ولا أن تنتقي منها مدعية من ورائها توليد معنى أو تحليل مبنى لم يعمد إليهما أحد. ولكنها تطمح أن تقدم للقارئ خلاصة رأي وزبدة مخَضتها من قراءات في أدب محفوظ وعنه.
وهذه الدراسة لا تزعم –بعد ذلك- أنها أول من أشارت إلى كَيْت وذَيت، فقد تكون ثمة تصورات هي أصداء لطروحات سبقت ، ولعل ما يشفع لها أنها تركيز لمعالم أكثر من كونها تعمقًا في عينّة ما.
فماذا قدم محفوظ للأدب العربي حتى حظي بهذه المكانة وهذه الهالة التي أسْطَعتها –بشكل أو بأخر- جائزة (نوبل)؟ (2)
وقراءتي لروايات محفوظ –أو بداية مَخْض الزبدة- بدأت في مرحلة دراستي الثانوية ( 3 ) حتى إذا نشر البروفيسور سوميخ كتاب "الإيقاع المتغير في أدب نجيب محفوظ" - بالإنجليزية - تناولت الكتاب في دراسة قصيرة(4 )، وركزت على كون محفوظ أديبًا عالميًا، ويجب أن نوجد الوسائل لتقريبه للأذهان الغريبة التي تستمرئ –غالبًا- أدبنا.
وها هو أملي يتحقق وأجد كاتبنا ضمن أسماء عالية خالدة حصلت على الجائزة من قبل، نذكر من بين الروائيين: سنكلير لويس ،وبيرانديللو ،وتوماس مان ،وبيرلز بك، وأندريه جيد ،ووليم فوكنر، والبير كامي ،وجون شتاينبك، وإرنست همنغواي، وميخائيل شولوخوف، وجبرائيل ماركيز ....(بالإضافة إلى بوريس باسترناك، وجان بول سارتر- اللذين رفضا الجائزة) (5 ) .
وما دامت هذه الدراسة تطمح إلى عرض إبداع محفوظ بصورة عامة وجوهرية فسأتوقف على بعض معالم هذا الإبداع الأدبي مدللاً على ما سأذهب إليه.

"إن التلوين" الأدبي هو إبراز ما في أداء محفوظ، وأقصد بذلك القدرة على التعبير في أكثر من لون (Genre)، وبالأخص الرواية والقصة القصيرة، حيث تتباين صور الفن الأدبي الواحد طرحًا ومنهجًا وأسلوبًا.
ففي الرواية نطالع أولاً رواياته التاريخية (عبث الأقدار، رادوبيس، كفاح طيبة) ، فنستشف منها معانقة التاريخ/ الأسطورة للواقع السياسي المعيش في مصر، وتصل بنا رواياته الاجتماعية (القاهرة الجديدة، زقاق المدق، خان الخليلي وغيرها) إلى اكتشاف تناقضات الحياة اليومية والصراعات السياسية عبر تصرفات الشخصيات الروائية وسلوكاتها.
أما الثلاثية (قصر الشوق، بين القصرين، السكرية) ففيها وجهة نظر مؤكدة، يرى محفوظ أنها "خيط سير معين للأحداث يمكن تلخيصه في كلمتين - بأنه الصراع بين تقاليد ضخمة ثقيلة وبين الحرية في مختلف أشكالها السياسية والفكرية (6 ) .
وتحمل بعض رواياته صورًا للتشويه الاجتماعي، فتأتي الشخصيات المهزوزة اجتماعيًا، وكأنها إفراز طبيعي لظروف البيئة، مما يمكن اعتباره اتجاهًا "طبيعيًا" في التقسيم "المدرسي".
ونجيب محفوظ يتوقف عند بعض مسائل محرّمة ( محظورات ) في العرف الاجتماعي (taboo)، ويطلعنا على نماذج لعاهرات وفتوات ومتعاطي مخدرات، وكان مجتمعنا ينظر إلى هذا الشذوذ جزءًا من مقومات وواقع واحتمال.

وينتقل محفوظ عبر رواياته المتعددة من الوصف السردي إلى البناء الدرامي (ثرثرة فوق النيل مثلاً) إلى أسلوب جديد قد لا يعتبر رواية في المفاهيم الكلاسيكية للرواية (أمام العرش) إلى جو الأحلام والأساطير (رحلة ابن فطومة، ليالي ألف ليلة وليلة).
تتميز "أولاد حارتنا" بأنها حاملة شحنات فلسفية عبر (أليغوريا) تتلخص – لدى كثير من الدارسين - بأن (جبلاوي) هو الله ، وأن (عرفة) هو العلم الذي يكمل مسيرة الحياة.
وهذا التراوح والتباين نجده كذلك في قصصه القصيرة، فمن قصة سردية مباشرة إلى قصة مفعمة بالميتافيزيقية أو السريالية. (وخاصة بعد نكسة حزيران- انظر مثلاً "تحت المظلة") وهذا التركيز أو التكثيف من شأنه أن يبهر القارئ المثقف خاصة وهو يعلم أن محفوظًا ليس لاعبًا في "سيرك" للعبارات، وإنما هو يعمد إليها مشغوفًا بخلفية ثقافية واجتماعية، وبالمقابل فإن في بعض قصصه المتأخرة – كما أرى _ حشوًا وثرثرة ( 7 ) .
وهذه المباشرة التي تطفو بين الفينة والأخرى من شأنها كذلك أن تثير النقاش حولها رغم ما فيها من قصور فني.
وفي ظني إن هذا الصعود والهبوط في الرسم البياني من شأنه أن يستقطب القراء على اختلاف مشاربهم، فيجد كل منهم نقطة ارتكازه. وليس من المعقول أن ترضي القصة الواحدة جميع الأذواق في جميع المستويات وبكل الأزمنة والأمكنة.
إذن ، فهذا الصعود والهبوط بحد ذاته إشارة صحة وإثارة للنظر المتواصل.
خلق محفوظ رواياته وكأنها منتزعة من صميم التاريخ، فجعلها حيّة في وجدان المجتمع وضميره، وليس أدل على ذلك من شخصية (أحمد عبد الجواد) في الثلاثية ذات الملامح والسمات التي قد توازي بتصويرها شخصية تاريخية أو أسطورية.ثم إن (حميدة) و (نفيسة كامل) و (سعيد مهران) و (صابر الرحيمي) و (محجوب عبد الدايم) وغيرهم شخصيات تتحرك في نبض المجتمع المصري، فيتعرف القارئ على سلوكها وانفعالها، وينفعل إزاءها مما يجعله بالتالي في فعالية تقويم الذات وتوجيهها في سلوكه وممارسته.
إذن ، فنحن أمام محاولة غير مباشرة من المؤلف/ الراوي لبناء كشاف سلوكي واجتماعي وقيمي عبر تصرفات الشخصيات وأمزجتها.
إن القارئ يألف تصرفات الشخصيات رغم أنه يتقزز من بعضها، فهو يتابع النمطية والشذوذ متفرجًا أو مسايرًا وأحيانًا متسائلاً عن موقفه إزاء الحدث، ولا بدع إن كان التطهير بالمفهوم الأرسطي فعالاً في النثر كذلك.
وهذه القدرة على نقل الشخصية بالتفصيل وبأدق الجزئيات فيها الكثير من التجسيم على الشخصيات، بل بصف الأمكنة بدقة متناهية يبنيها وفق رؤية خيالية "وفانتازيا" لا تبتعد عن الواقع بكثير (8 ) ، يقول محفوظ:
"أغلب رواياتي كانت تدور في عقلي كخواطر حية أثناء جلوسي في هذه المنطقة... ..يخيل لي أنه لا بد من الارتباط بمكان معين أو شيء معين يكون نقطة انطلاق للمشاعر والأحاسيس.." ( 9 ) ، وحتى المكان يصبح في بعض العمال بطلاً (كالزقاق في "زقاق المدق" والعوامة في "ثرثرة فوق النيل" والفندق في "ميرامار").
إن هذا التكوين المعماري المجسّم في الناس والمقاهي والأزقة وعلاقة الناس بالمكان فيها قدرة خاصة على النفاذ والتحديد والانضباط للمعطيات والممكنات.
ويرى محمود بقشيش الفنان التشكيلي أن نجيب محفوظ يرجح "الكتلة" على "اللون" ويقول:
"إن ميل محفوظ إلى التركيب والبناء المجسم يخفض بطليعته من البوح الخطابي ويهذب التعبير المنطوق، وحتى عندما يتجه بريشته إلى مناطق الإبهام والحلم فإنه يهمل التجسيم، بل يؤكده للدرجة التي توهم بواقعية المشهد".. (10 ) ويسبر محفوظ أغوار الواقع الشعبي، ويساير حركة المجتمع المصري في رؤية مدركة لتطور الحياة المصرية، عبر قرن كامل – هذا القرن بالذات شهد نقلة إن لم تكن طفرة، فاصطرع الناس بين القبول والرفض وبين المادية والروحانية، وبين الانقياد للجماعة والحرية الفردية، فعكس محفوظ مفاهيم ورؤى مستجدة، وكان لـ (موتيف) التغير أصداء في كتاباته، حيث وَصفت أعماله تحول المجتمع المصري من التقليد إلى التجديد ، فظهر أكثر من تضاد ، وأكثر من مفارقة ، وأكثر من صراع على أصعدة مختلفة ، سواء كانت بين الرجل والمرأة ، أو بين الدين والدنيا ، أو بين جشع الإقطاع ومسكنة "الغلابا"....
لم تكن شخصيات محفوظ تتجاوز القاهرة أو الإسكندرية، وحتى "الحارة" التي تقف أقدامه عليها ، يعرفها في وجدانه عالمًا حيًا يتجاوز المكانية الضيقة إلى العالم الكبير والمعرفة، هي جواز المرور للتوصيف، لذا عدمنا في رواياته شخصيات وأماكن مستمدة من سائر الأقطار العربية، وذلك لأنه يعرف بصدق الفنان أن الشخصية التي يكتب عنها يجب أن يقرأها ويتقرّاها مرارًا وتكرارًا، وأن المكان يجب أن يكون مرسومًا في ذهنه بكل ما يحمله من طرافة ودهشة.
وأختتم الحديث عن الوصف الواقعي بهذه المقتطفات من قصة بعنوان "قاتل"، وفيها وصف حي لعالم الإجرام الذي كانت ملامحه أيضًا تتبدى في وصفه للفتوات ، وخاصة في روايته "أولاد حارتنا" فلعل هذا الوصف ما يشي ببعض ما أشرت إليه:
" وكان يسكن في حجرة بدرب دعبس بالحسينية حجرة في حوش ربع قديم، حيث ترقد أمه الضريرة نصف مشلولة، وهي عجوز تعيش على صدقات الفقراء من الجيران هناك يأوي أخر الليل... وتمضي الأيام وهو لا يلتفت إليها، أما هي فلا تشعر له بوجود، ولعلها لم تذكره على الإطلاق، ولكنه لا يكف عن مغازلة الأحلام، الأميرة والبحر والجبل وبحبوحة عيش لا يحسن تصورها ولو في الخيال. وتساءل كثيرًا عن وكسته، أين يذهب وماذا يفعل. وهو ذو الماضي الحافل بالأعمال. اشتغل شيالاً وموزع مخدرات ولصًا...
- ولد يا بيومي
انتبه بعنف نحو الصوت كأنما يستجيب للسعة سوط. ثم وثب نحو صاحبه باستماتة وهو يبتسم ابتسامة عريضة توددًا وتذللاً. ها هو إنسان يناديه أخيرًا. وهوى على يده ليلتها وهو يقول:
- أهلاً وسهلاً بالحبيب أهلاً بالمعلم علي ركن سيد حيّنا كله... فسحب المعلم على يده بخشونة وقال وهو يحبك جبّته... .
ووردت على ذهنه فكرة غريبة وهي أن يعمل ترابيًا. وهي مهنة رابحة فيما يظن، ولن يُسأل –فيما يظن أيضًا- إذا تقدم لها عن ماضيه، ولن يجد صعوبة في زيادة دخله بتجارة الكيف وما أروجه بين القبور! ومضى يحلم من جديد مستعينًا بذلك على قتل الوقت حتى رأى الحاج عبد الصمد راجعًا، ثم تبعه حتى رآه يدخل الوكالة بالمبيضة ، فمال إلى قهوة عند رأس الطريق وجلس. احتسى الشاي ودخن أكثر من جوزة ، وأكل عددًا من قطع اللحم، وهو يراقب مدخل الوكالة دون انقطاع تقريبًا. ورأى شخصًا يغادرها فلم يصدق عينيه. المعلم الدهل محمود نفسه! الرجل الرهيب الذي لحسابه سيقتل عبد الصمد. بل رأى الحاج عبد الصمد وهو يودعه خارج الوكالة، رآهما يتبادلان الضحكات، وتواصل ذلك حتى استقر المعلم الرهيب في عربته وانطلقت به." (11 )

واللغة وعاء الأدب ومعرض الفكر يستخدمها محفوظ غالبًا – بعين الخبير أو الشاعر الذي تأتيه كلماته طواعية. ورغم أن الحديث عن تلاحم الشكل والمضمون واتجاهات المدارس البنيوية في بعض المغالاة في الدور الوظيفي للألفاظ وصيغ الاستفهام والتكرار والجمل الفعلية وقصر الجمل واستعمال العامية والتركيز على السخرية أولاً وقبلاً، إلا أن محفوظًا في نتاجه كان يعمد إلى لغة ملائمة للحدث. وهذه الملاءمة تبدت لنا في استخدامه التعابير الصوفية في سرده الروائي ، خاصة في رواية اللص والكلاب "وقصة" (زعبلاوي) .
وقد بين العناني في دراسة له لرواية "حضرة المحترم" أن محفوظًا يستعمل في موضوع الطموح لغة دينية المصطلح لسرد تجربة ذات طبيعة تسلطية، وهذا الاستخدام له أثر ساخر يشبه المفارقة الدرامية. (12)
وأسلوب السخرية عنصر فعال في نتاج محفوظ وذلك على طريقة (القفشات)، وسأسوق بعض الأمثلة من (زقاق المدق):
يقول زيطة لمن جاء يطلب عاهة وهو سليم معافى: "أنت بغل بلا زيادة ولا نقصان، فلماذا
تروم احتراف الشحادة؟."
ثم يرد زيطة عليه بعد أن قال إنه لم يكن يصلح لشيء:
إذن كان يجب أن تكون غنيًا. ( 13 )

وقد ركز سوميخ على استعمال فعل المضارع في "حكايات حارتنا" –في دراسة له- وأن غرضه هو خلق التلاحم التام بين الماضي والحاضر، فمثل هذا الأسلوب يثير انتباه القارئ إلى المفهوم الخاص للزمن في الأثر الأدبي عن طريق الإظهار أو الإبراز (foregrounding) ( 14 ) .
وتيار الشعور أو المونولوج الداخلي من وسائل كشف الشخصية، وعبر التداخل اللغوي في الحوار والسرد نجد المؤلف/ الراوي ، ونجد الصوت الثنائي الموحد، وقد سمى شارل بلي الفرنسي هذا الأسلوب "الحديث المنقول بتصرف"- style indirecte libre، ذلك لأن تيار الشعور كما عرف عند جيمس جويس أو فرجينيا وولف يجعل الشخصية في هيمان أو متاهة مظلمة شاسعة، وفي تفكك خواطر لا منطقي، وفي ترحال بلا عائق عبد حدود الزمان والمكان، وأحيانًا بتركيز على الخبرات الحسية وانطباعها على الذهن(15) .
وهذا الأسلوب يكثر عند محفوظ، فيأتي الحديث وكأنه سرد على لسان الروائي لما يدور في ذهن البطل ، فيخرج من كونه في الواقع سردًا، حتى يصبح واقعًا للبطل نفسه . وسأسوق لقطة من "زقاق المدق" حيث تقف حميدة تستعرض الزقاق:
" مرحبًا بك يا زقاق الهنا والسعادة... دمت ودام أهلك الأجلاء... يا لحسن هذا المنظر، ويا لجمال هؤلاء الناس ! ماذا أرى؟! هذه حسنية الفرانة جالسة على عتبة الفرن كالزكيبة عينًا على الأرغفة وعينًا على جعدة زوجها، والرجل يشتغل مخافة أن تنهال عليه كلماتها وركلاتها. وهذا المعلم كرشة القهوجي متطامن الرأس كالنائم وما هو بالنائم. وعم كامل... وهذا عباس الحلو يسترق النظر إلى النافذة في جمال دلال ، ولعله لا يشك في أن هذه النظرة سترميني عند قدميه أسيرة لهواه، أدركوني يا هوه قبل التلف ! أما هذا فالسيد سليم علوان صاحب الوكالة، رفع عينيه، يا أماه وغضهما، ثم رفعهما ثانية، قلنا الأولى مصادفة، والثانية يا سليم بك؟! رباه هذه نظرة ثالثة! ماذا تريد يا رجل يا عجوز يا قليل الحياء؟!"(16).

وقد حاول بعض النقاد التركيز على وظيفة عبارة عامية هنا وهناك بشيء من الإقحام ضاربين صفحًا أو متجاهلين منطلق محفوظ ورؤيته اللغوية.
يسأل فؤاد دوارة في حوار له مع نجيب محفوظ: "يقول الأديب الإنجليزي دزموند ستيورات في مقال نشر له بعدد ديسمبر (1964) من مجلة المجلة:
" إن التزام نجيب محفوظ للفصحى في كتابة الحوار مخل بمطلب الواقعية الذي يطمع فيه القراء الأجانب، ويصفه بأنه عناد طارئ - أي أنه لا يؤدي وظيفة فنية في الرواية" وقرأت على لسانك مرة " أن اللغة العامية من جملة الأمراض التي يعاني منها الشعب والتي سيتخلص منها حتمًا حينما يرتقى، وأنا أعتبر العامية من عيوب مجتمعنا مثل الجهل والفقر والمرض تمامًا" . ألا ترى أن هذا الموقف المتزمت من العامية يدفعك إلى رفض معظم كتابات أدبائنا الشبان الذي يصرون –مثل إصرارك- على استعمال العامية في الحوار...

يجيب نجيب:...
أما أني اعتبر العامية مرضًا فهذا صحيح، وهو مرض أساسه عدم الدراسة، والذي وسع الهوة بين الفصحى والعامية عندنا هو عدم انتشار التعليم في البلاد العربية... ويوم ينشر سيزول هذا الفارق أو سيقل كثيرًا...."( 17 )
ومع أن بعض النقاد يرون أن لا ضرورة لاستشارة الكاتب في موقفه للبت في عمله الأدبي إلا أنني أرى في التزامه للفصحى بصورة بارزة إثراء لأدبنا وإحياء للغتنا، وهو موقف يدعو للإعجاب.
ويبقى في لغته الأسلوب الشعري المكثف، ولا تكاد تخلو صفحة من نتاجه من هذا الأسلوب الذي هو مفعم بالصور ، وسأختار لكم وصفًا –ما زال أثره في ذاكرتي رغم بعد الشقة بيني وبينه- وهذا الوصف من (بداية ونهاية) قبيل انتحار نفيسة، وكانت برفقة حسنين متجهين إلى النيل:
"وكانت المصابيح، المقامة على جانبي الجسر تشع نورًا قويًا أحال ظلمته نورًا، بينما أطبق على ضفاف النيل بطول امتداده شمالاً وجنوبًا –رغم المصابيح المتباعدة الخافتة- فبدت الأشجار المتراصة على جانبيه كأشباح عمالقة، وكان المكان مقفرًا إلا من مارّ مسرع هنا أو هناك، وقد تناوحت الغصون بأنين ريح باردة كلما كف هبوبها تعالى هسيس النبات كالهمس. لازما موقفهما في جمود كالذهول ، ثم استرق إليها نظرة فرآها..."(18) .

وثقافة نجيب محفوظ شمولية، فهو يذكر لنا عشرات الأسماء الغربية ممن قرأ لهم روائعهم وتأثر بمجموعها. (19) وقد اعترف أنه قد قرأ بالإنجليزية لديستويفسكي وتشيكوف وبروست وتوماس مان وكافكا وغيرهم، كما قرأ بالفرنسية لأناتول فرانس. وثقافته المصرية –الفرعونية- استمدها أولا من ترجمته لكتاب "مصر القديمة" لجيمس بيكي (الصادر سنة 1932)، فانعكست في رواياته التاريخية الثلاث.(20)
ولا شك أن التكنيك الروائي قد تأثر بكثير من أساليبه بالأدب الأوروبي، وقد عرضت سيزا قاسم إلى مقارنة الرواية (الثلاثية) بالمدرسة الواقعية الفرنسية، فاختارت سيزا (مدام بوفاري) لفلوبير و (المطرقة) و(الفريسة) لزولا - كنماذج تمثل المدرسة الطبيعية، واستغلت الكاتبة اعتراف محفوظ بأنه أفاد من Glasworthy في ثلاثيته Forestyle saga فأضافتها إلى الموازنة ، مذكّرة القارئ أن فكرة (الثلاثية) في الأدب العربي إنما هي فكرة مستحدثة، وقد استخدمت المقارنات في بحثها حتى تستعين بفهم العمل الذي تناوله بالتحليل، فالمقارنات –في رأيها- تمثل حجر الزاوية للتحليل النصي، حيث أن العناصر تظهر بجلاء عندما توضع سلسلة من العناصر المشابهة خاصة من حيث وظيفتها في العمل الأدبي، ذلك لأن النص الأدبي ينتمي إلى مجموعة هائلة من النصوص المشابهة تربطه بها خيوط متشابكة واكتشاف هذه الخيوط يساعد في الوصول إلى طبيعته الخاصة. ( 21 )

وبالمقابل فإن التراث العربي له وجوده ووجوهه في أعمال محفوظ. ففي "ليالي ألف ليلة" تطوير لحكايات شهرزاد والسندباد وعلاء الدين وطاقية الإخفاء والعفاريت والأرواح والجو السحري بما فيه من سحر ودهشة وطرفة وغرابة، فينقل الكاتب هذه الصور إلى الواقع المعيش، وكأن الشخصيات عاشت قديمًا.. بأسطوريتها ورائحتها ، ولنقرأ نموذجًا:
"رفعت القضية بحذافيرها إلى السلطان شهريار، فأمر بعزل يوسف الطاهر لفقدان الأهلية وعزل حسام الفقي لتستره على رئيسه.. وجلد حسن العطار وجليل البزاز وفاضل صنعان للسكر والعربدة، ومصادرة أموال عجر الحلاق وإطلاق سراحه.. وخلا دندان إلى ابنته شهرزاد فقال لها:
- لقد تغير السلطان وتخلق منه شخص جديد مليء بالتقوى والعدل.. ولكن شهرزاد قالت: -ما زال جانب منه غير مأمون، وما زالت يداه ملوثتين بدماء الأبرياء.. أما عجر فقد تناسى خسارته في فرحة النجاة.. وسرعان ما فسخ العقد بينه وبين قمر، ومضى إلى النخلة غير بعيد من اللسان الأخضر، فانحنى أمام المجنون المتربع تحتها وقال بامتنان:
- إني مدين لله بحياتي أيها الولي الطيب.."‑(22)
وفي رواية "رحلة ابن فطومة" –وزان (ابن بطوطة)- يتأمل البطل عذابات الإنسان في هذه الحياة، فيخرج من "دار الإسلام" حاملاً همومه، ويتنقل من مكان إلى آخر ليحدثنا عن طبائع المجتمعات البشرية، حتى يصل بالتالي إلى ضرورة تبني العلم على المنهج الغربي.

أجمل القول إن معالم الإبداع عند محفوظ تمثلت لنا في أكثر من لون أدبي ، وفي أكثر من مستوى، فكان قادرًا على رسم الشخصية المصرية بشكل تفصيلي معبّر وموح، وكانت الشخصية في كثير من إنتاجه محفورة في الوجدان المعايش (23). كما كان يجسم المكان، وينتقل في الزمان على مسرح أحداث يقتضيه مفيدًا من تكنيك الرواية الغربية ومن تراث عربي زاخر.
وبالتالي –ولعل هذا لا يقل أهمية - فقد كانت لغته تؤدي المضمون الذي يرمي إليه، وكأن المعنى شعلة النار التي يتحدد شكلها تلقائيًا، [1] فيصير الشكل والمضمون كلاً واحدًا لا انفصام فيه.

==
بقلم أ.د مصطـفى جــوده
البشرية كلها عطشى لكل كلمات العظماء في جميع مراحلهم ومحفوظ أحد هؤلاء لأنه ليس كاتبا مصرياً أو عربياً ولكنه عالمي. وعليه فلابد من بحث وتنقيب واستخراج واستخلاص لكل كتاباته وإتاحتها للباحثين والقراء في مصر والخارج.

الكتابات التي نحن بصددها في هذا الجزء الأول من الكتابات الأولية لمحفوظ هي انفعالات الشباب وأفكاره البكر. ومن خلال قراءتها ندرك أن محفوظ دخل حديقة الأدب من باب الحكمة مسلحاً بأساسيات الفلسفة التي درسها وتفوق في دراستها، ومتأثراً بأفكار الفلاسفة العظماء وطريقة حياتهم ملتزماً بالمنطق ودقة التعبير وآخذاً بالمنهج العلمي فيما يكتب بفاعلية شديدة. القارئ لمحفوظ يحس بفنان مسئول تجاه وطنه وثقافته وإحداثيات مكانه وزمانه.


عن الموقع الرسمي لنجيب محفوظ:

http://naguibmahfouz.shorouk.com//


ايوب صابر 11-02-2011 09:26 AM

نجيب محفوظ

روائي مصري حائز على جائزة نوبل في الأدب. وُلد في 11 ديسمبر1911، وتوفي في 30 أغسطس2006. كتب نجيب محفوظ منذ بداية الأربعينيات واستمر حتى 2004. تدور أحداث جميع رواياته في مصر، وتظهر فيها ثيمة متكررة هي الحارة التي تعادل العالم.

من أشهر أعماله الثلاثيةوأولاد حارتنا التي مُنعت من النشر في مصر منذ صدورها وحتى وقتٍ قريب. بينما يُصنف أدب محفوظ باعتباره أدباً واقعياً، فإن مواضيع وجودية تظهر فيه. محفوظ أكثر أديبٍ عربي حولت أعماله إلى السينما والتلفزيون.
سُمي نجيب محفوظ باسمٍ مركب تقديراً من والده عبد العزيز إبراهيم للطبيب أبوعوف نجيب باشا محفوظ الذي أشرف على ولادته التي كانت متعسرة.
حياته

وُلد نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا في القاهرة. والده الذي كان موظفاً لم يقرأ كتاباً في حياته بعد القرآن غير حديث عيسى بن هشام لأن كاتبه المويلحي كان صديقاً له، وفاطمة مصطفى قشيشة، ابنة الشيخ مصطفى قشيشة من علماء الأزهر. هو أصغر إخوته، ولأن الفرق بينه وبين أقرب إخوته سناً إليه كان عشر سنواتٍ فقد عومل كأنه طفلٌ وحيد وميثولوجيآ (أي متأثر بما يحكية القدماء).

كان عمره 7 أعوامٍ حين قامت ثورة 1919 التي أثرت فيه وتذكرها فيما بعد في بين القصرين أول أجزاء ثلاثيته.

التحق بجامعة القاهرة في 1930 وحصل على ليسانس الفلسفة، شرع بعدها في إعداد رسالة الماجستير عن الجمال في الفلسفة الإسلامية ثم غير رأيه وقرر التركيز على الأدب. انضم إلى السلك الحكومي ليعمل سكرتيراً برلمانياً بـ وزارة الأوقاف (1938 - 1945)، ثم مديراً لمؤسسة القرض الحسن في الوزارة حتى 1954. وعمل بعدها مديراً لمكتب وزير الإرشاد، ثم انتقل إلى وزارة الثقافة مديراً للرقابة على المصنفات الفنية. وفي 1960 عمل مديراً عاماً لمؤسسة دعم السينما، ثم مستشاراً للمؤسسة العامة للسينما والإذاعة والتلفزيون. آخر منصبٍ حكومي شغله كان رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما (1966 - 1971)، وتقاعد بعده ليصبح أحد كتاب مؤسسة الأهرام. تزوج نجيب محفوظ في فترة توقفه عن الكتابة بعد ثورة 1952 من السيدة عطية الله إبراهيم، وأخفى خبر زواجه عمن حوله لعشر سنوات متعللاً عن عدم زواجه بانشغاله برعاية أمه وأخته الأرملة وأطفالها.

في تلك الفترة كان دخله قد ازداد من عمله في كتابة سيناريوهات الأفلام وأصبح لديه من المال ما يكفي لتأسيس عائلة. ولم يُعرف عن زواجه إلا بعد عشر سنواتٍ من حدوثه عندما تشاجرت إحدى ابنتيه أم كلثوم وفاطمة مع زميلة لها في المدرسة، فعرف الشاعر صلاح جاهين بالأمر من والد الطالبة، وانتشر الخبر بين المعارف.[

محاولة اغتياله
في 21 سبتمبر1950 بدأ نشر رواية أولاد حارتنا مسلسلةً في جريدة الأهرام، ثم توقف النشر في 25 ديسمبر من العام نفسه بسبب اعتراضات هيئات دينية على "تطاوله على الذات الإلهية". لم تُنشر الرواية كاملة في مصر في تلك الفترة، واقتضى الأمر ثمان سنين أخرى حتى تظهر كاملة في طبعة دار الآداب اللبنانية التي طبعتها في بيروت عام 1967. ثم اعيد نشر أولاد حارتنا في مصر في عام 2006 عن طريق دار الشروق

في أكتوبر1995 طُعن نجيب محفوظ في عنقه على يد شابٍ قد قرر اغتياله لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته المثيرة للجدل. الجدير بالذكر هنا أن طبيعة نجيب محفوظ الهادئه كان لها أثر كبير في عدم نشر الروايه في طبعة مصرية لسنوات عديدة، حيث كان قد ارتبط بوعد مع حسن صبري الخولي "الممثل الشخصي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر" بعدم نشر الرواية في مصر إلا بعد أخذ موافقة الأزهر. فطُبعت الرواية في لبنان من اصدار دار الاداب عام 1962 ومنع دخولها إلى مصر رغم أن نسخا مهربة منها وجدت طريقها إلى الاسواق المصرية. لم يمت نجيب محفوظ كنتيجة للمحاولة، وفيما بعد أُعدم الشابان المشتركان في محاولة الاغتيال رغم تعليقه بأنه غير حاقدٍ على من حاول قتله، وأنه يتمنى لو أنه لم يُعدم.. وخلال إقامته الطويلة في المستشفى زاره محمد الغزالي الذي كان ممن طالبوا بمنع نشر أولاد حارتنا وعبد المنعم أبو الفتوح القيادي في حركة الإخوان المسلمين وهي زيارة تسببت في هجوم شديد من جانب بعض المتشددين على أبو الفتوح .
وفاته

تُوفي نجيب محفوظ في بدايه 30 أغسطس2006 إثر قرحة نازفة بعد عشرين يوماً من دخوله مستشفى الشرطة في حي العجوزة في محافظة الجيزة لإصابته بمشاكل في الرئةوالكليتين. وكان قبلها قد دخل المستشفى في يوليو من العام ذاته لإصابته بجرح غائر في الرأس إثر سقوطه في الشارع.[

مسيرته الأدبية
بدأ نجيب محفوظ الكتابة في منتصف الثلاثينيات، وكان ينشر قصصه القصيرة في مجلة الرسالة. في 1939، نشر روايته الأولى عبث الأقدار التي تقدم مفهومه عن الواقعية التاريخية. ثم نشر كفاح طيبةورادوبيس منهياً ثلاثية تاريخية في زمن الفراعنة. وبدءاً من 1945 بدأ نجيب محفوظ خطه الروائي الواقعي الذي حافظ عليه في معظم مسيرته الأدبية برواية القاهرة الجديدة، ثم خان الخليليوزقاق المدق.

جرب محفوظ الواقعية النفسية في رواية السراب، ثم عاد إلى الواقعية الاجتماعية مع بداية ونهايةوثلاثية القاهرة. فيما بعد اتجه محفوظ إلى الرمزية في رواياته الشحاذ، وأولاد حارتنا التي سببت ردود فعلٍ قوية وكانت سبباً في التحريض على محاولة اغتياله. كما اتجه في مرحلة متقدمة من مشواره الأدبي إلى مفاهيم جديدة كالكتابة على حدود الفنتازيا كما في روايته (الحرافيش، ليالي ألف ليلة) وكتابة البوح الصوفي والأحلام كما في عمليه (أصداء السيرة الذاتية، أحلام فترة النقاهة) واللذان اتسما بالتكثيف الشعري وتفجير اللغة والعالم، وتعتبر مؤلّفات محفوظ من ناحية بمثابة مرآة للحياة الاجتماعية والسياسية في مصر، ومن ناحية أخرى يمكن اعتبارها تدويناً معاصراً لهم الوجود الإنساني ووضعية الإنسان في عالم يبدو وكأنه هجر الله أو هجره الله، كما أنها تعكس رؤية المثقّفين على اختلاف ميولهم إلى السلطة.

يتبع،،

ايوب صابر 11-02-2011 09:42 AM

ابرز معالم حياة نجيب محفوظ :

- روائي مصري حائز على جائزة نوبل في الأدب. وُلد في11 ديسمبر1911،
- وتوفي في30 أغسطس2006.
- تدور أحداث جميع رواياته في مصر.
- تظهر فيها ثيمة متكررة هي الحارة التي تعادل العالم.
- يُصنف أدب محفوظ باعتباره أدباً واقعياً،
- مواضيع وجودية تظهر فيه.
- الذي أشرف على ولادته التي كانت متعسرة.
- والده الذي كان موظفاً لم يقرأ كتاباً في حياتهبعد القرآن غيرحديث عيسى بن هشام لأن كاتبه المويلحي كان صديقاً له،وفاطمة مصطفى قشيشة، ابنة الشيخ مصطفى قشيشة من علماء الأزهر.
- هو أصغر إخوته، ولأن الفرق بينه وبين أقرب إخوتهسناً إليه كان عشر سنواتٍ فقد عومل كأنه طفلٌ وحيد وميثولوجيآ (أي متأثر بما يحكيةالقدماء).
- كان عمره 7أعوامٍ حين قامت ثورة 1919 التي أثرت فيه وتذكرها فيما بعد في بين القصرين أولأجزاء ثلاثيته.
- كان مصاب بالصرع ( بحاجة لمصدر موثق... حيث وردت هذه المعلومة في تعليق للأستاذ الشاعر عبد اللطيف غسري ).
- التحق بجامعةالقاهرة في1930 وحصل على ليسانس الفلسفة،
- تزوج نجيب محفوظ في فترة توقفه عن الكتابة بعد ثورة 1952 من السيدة عطية الله إبراهيم، وأخفى خبر زواجه عمن حوله لعشر سنوات متعللاً عن عدم زواجه بانشغاله برعاية أمه وأخته الأرملة وأطفالها.
- في أكتوبر1995 طُعن نجيب محفوظ في عنقه على يد شابٍ قد قرراغتياله لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته المثيرة للجدل.
- طبيعة نجيب محفوظ هادئه
- تُوفي نجيب محفوظفي بدايه30 أغسطس2006 إثر قرحة نازفة بعد عشرين يوماً من دخوله مستشفى الشرطة في حي العجوزة في محافظة الجيزة لإصابته بمشاكل في الرئة والكليتين. وكان قبلها قد دخل المستشفى في يوليو من العام ذاته لإصابته بجرح غائر في الرأس إثر سقوطه في الشارع.
- جرب محفوظ الواقعية النفسية في رواية السراب،
- ثمعاد إلى الواقعية الاجتماعية معبداية ونهاية وثلاثية القاهرة
- فيما بعد اتجه محفوظ إلى الرمزية في رواياته الشحاذ، وأولاد حارتنا التيسببت ردود فعلٍ قوية وكانت سبباً في التحريض على محاولة اغتياله.
- كما اتجه في مرحلة متقدمة من مشواره الأدبي إلى مفاهيم جديدة كالكتابة على حدود الفنتازيا كما فيروايته (الحرافيش، ليالي ألف ليلة) وكتابة البوح الصوفي والأحلام كما في عمليه (أصداء السيرة الذاتية، أحلام فترة النقاهة) واللذان اتسما بالتكثيف الشعري وتفجيراللغة والعالم،
- تعتبر مؤلّفات محفوظ من ناحية بمثابة مرآةللحياة الاجتماعية والسياسية في مصر.
- يمكن اعتبارها ايضا تدويناً معاصراً لهم الوجود الإنساني ووضعية الإنسان في عالم يبدو وكأنه هجر الله أو هجره الله.
- كما أنها تعكس رؤية المثقّفين على اختلاف ميولهم إلى السلطة.

يلاحظ عدة عوامل مهمه قد تكون هي التي صنعت عبقرية نجيب محفوظ منها ولادة متعسرة ، وانه كان طفل مدللا الى حد اعتباره وحيد بسبب الفرق في السن بينه وبين من سبقه من الاخوة حيث كان الاخير في الترتيب. ثم تلك الثورة التي وقعت وهو في السابعة. ثم حياة الفقر التي يبدو انها كانت السائدة في حياته. ومرضه بالصرع وهو مرض له علاق بالدماغ وعمله والمعروف ان كثير من العظماء كانوا مصابين بهذا الداء مثل نابليون. ثم وقوع ثورة اخرى وهو في سن 41 . وتأخره في الزواج والذي تم بعد سن 41 وذلك لاخفاؤه زواجة لمدة عشر سنوات متعللاً عن عدم زواجه بانشغاله برعاية أمه وأخته الأرملة وأطفالها وهو ما يشير الى يتمه المبكر (ولكن لا يعرف متى تيتيم تحديدا).

- هناك ما يشير الى انه عاش يتيما ( غير مؤكد ).
- وهو يتيم افتراضي بسبب موقعه في العائلة من حيث الترتيب والزمن كما هو مشروح.
- مر المجتمع بحالة تحول ثوري وهو في سن السابعة.
- وهو مأزوم بسبب مرض الصرع.

ايوب صابر 11-02-2011 08:00 PM

قصة حياة نجيب محفوظ:
تنوعت الكتابة عن كبار الأدباء للأطفال ما بين تبسيط بعض أعمالهم، أو الانتقاء منهاما يناسب عقلية الطفل ومداركه وسنه، وبين تقديم الشخصية نفسها للطفل ليحتذي بهاوتكون مثله الأعلى في الحياة والإبداع.
وهذا النوع الأخير يتوقف على مدى توافرالمعلومات والأحداث عن الشخصية ومدى دراميتها أو صراعها في، أو مع، الحياة لتكونشخصية مشوقة للطفل يتابعها عن كثب ويتعرف على أهم محطاتها والصعوبات والأزمات التيعاشتها تلك الشخصية وتغلبها على تلك الصعوبات واجتيازها للأزمات والعقبات، فتكونبذلك نبراسا ومثلا أعلى للطفل، يتخذ منها القدوة ويستمد منها الشجاعة والإقداموالقدرة على العمل والإنتاج في أحلك لحظات الحياة
ونستطيع أن نقول إن حياة الكاتب الكبير نجيب محفوظ توافرت فيها تلك الخصائصالدرامية التي تصلح لأن تقدم للأطفال على أنها شخصية حية تفاعلت مع الحياة وانتصرتوحققت إنجازات عالمية في مجال الأدب، فضلا عن المحطات الكثيرة والمتعددة التي مرتبها منذ لحظة الولادة في الاثنين 11 ديسمبر/كانون الأول عام 1911 وحتى لحظة الوفاةفي 30 أغسطس/آب عام 2006، بعد أن عاش 95 سنة عامرة بالقراءة والكتابة والتفاعل معالحياة بعامة، والحياة الثقافية والأدبية في العالم العربي والعالم.
وتنجح هديلغنيم في استثمار قصة حياة نجيب محفوظ لتقدمها للأطفال تحت عنوان "نجيب محفوظ منالبداية" جاءت في أربعين صفحة من القطع الكبير، زودت بلوحات ورسوم الفنان وليدطاهر، وصدرت مؤخرا عن دار الشروق في طبعة خاصة بمكتبة الأسرة.
ولعلنا نجد في هذاالإصدار مظهرا من مظاهر احتفال مكتبة الأسرة بمرور ثلاث سنوات على رحيل الكاتبالعالمي.
لم يجئ الكتاب مجرد ترجمة لحياة نجيب محفوظ الحافلة بالأحداث والتواريخوالإنجازات، ولكن الكاتبة قدمت للأطفال قصة أو رواية تستند إلى أرض الواقع والحياةالحقيقية عن أكبر روائي عربي في القرن العشرين، لذا كان الأسلوب واللغة هما البطل،في هذا العمل.
لقد استفادت الكاتبة من الحوارات التي أجريت مع محفوظ، وما قالهفي بعض لقاءاته الإذاعية والصحفية، وما كتبه الآخرون عن حياته، لتقدم الأطفال مايشبه السيرة الذاتية عن نجيب محفوظ، فينطلقون بعدها ليقرأوا أعماله المطبوعة التيوصل عددها إلى 55 عملا ما بين روايات وقصص قصيرة ومسرحيات.
وهي في ذلك تعتمد علىما كتبه رجاء النقاش وجمال الغيطاني ومحمد سلماوي وإبراهيم عبدالعزيز عن محفوظ،فتبدأ من لحظة الولادة والعبارة التي قالها الطبيب نجيب محفوظ لعبدالعزيز أفندي (والد الكاتب) بعد ولادة صعبة "مبروك يا عبدالعزيز أفندي .. جاءك ولد"، فيقررالوالد أن يسمى المولود نجيب محفوظ على اسم الطبيب الذي وضع حدا لآلام الأم فاطمةلحظة الولادة الصعبة.

كما تعرض الكاتبة لحياة نجيب محفوظ التلميذ الذي كان يحبجدا لعب الكرة تحت عنوان "التلميذ النجيب لاعب الكرة"، وانتقال الأسرة من حي الحسينإلى حي العباسية، وبداية هواية القراءة في نهاية المرحلة الابتدائية وبداية المرحلةالثانوية مع الروايات البوليسية المترجمة، وتعرف نجيب محفوظ على كتابات "المنفلوطي" وكيف كان يقلد ما يقرأه فيكتب "الحسرات" بعد أن يقرأ "العبرات"، ثم يقرأ "الأيام" لطه حسين فيكتب "الأعوام"، وكلها كانت تمرينات على الكتابة، تبشر بميلاد كاتب أوأديب كبير.

وتمضي حياة نجيب محفوظ ما بين الساعات الطويلة التي يقضيها فيالقراءة الجادة، وتمرينات الكتابة، ثم تفتح وعيه على أحوال مصر السياسية فينموإحساسه الوطني ويتخذ من سعد زغلول مثالا، ولكنه في الوقت نفسه يرفض الالتحاق بكليةالحقوق، ويحزم أمره في الالتحاق بكلية الآداب قسم الفلسفة، وينمي حسه الموسيقيبالتحاقه بمعهد الموسيقى العربية لمدة عام.
وبذلك يجمع الفتى نجيب محفوظ بين حبهللأدب والفلسفة والموسيقى والأماكن الشعبية التي أجاد الكتابة عنها عن معرفة بأدقتفاصيلها.
ويتخذ الفتى أهم قرار في حياته، وهو ترك رسالة الماجستير التي كانيعدها عن "فلسفة الجمال في الإسلام" تحت إشراف الشيخ مصطفى عبدالرازق، ليختار طريقالأدب، يساعده على هذا الاختيار احترامه الكبير لأعمال توفيق الحكيم الأدبية،وإعجابه الشديد بما تجمعه من فكر وأدب وفن رفيع.
ويتوفى والد نجيب محفوظ،عبدالعزيز إبراهيم أحمد الباشا عام 1937 قبل أن يرى أول رواية تنشر لابنه، (وعمر نجيب محفوظ 26 سنة) وهيرواية "عبث الأقدار التي نشرت عام 1939 عندما كان الفتى في سن الثامنة والعشرين منعمره.

وبعد هذه الرواية يتدفق نهر الكتابة ويعرف أصدقاء نجيب محفوظ الجدولالزمني الذي يسير عليه الكاتب وفق خطة دقيقة لا يحيد عنها طيلة حياته، وتبدأالجوائز الأدبية المختلفة تؤشر على وجود كاتب ذي مذاق خاص، فيحصد في بداية حياتهالأدبية على "جائزة قوت القلوب الدمرداشية"، و"جائزة المجمع اللغوي" ويشتهر اسمنجيب محفوظ بعد صدور روايته "القاهرة الجديدة" ثم "خان الخليلي" وتزداد شهرته أكثربعد نشر رواية "زقاق المدق" وهذه الشهرة لم تجعل الكاتب يغير شيئا من أسلوب حياته،فقد ظل مستقرا في وظيفته بوزارة الأوقاف، ثم في وزارة الثقافة، يسير إلى العمل كليوم مشيا على الأقدام، ويجلس في المقاهي ويتسامر مع أصدقائه وخاصة مجموعة "الحرافيش" التي ضمت الفنان أحمد مظهر صاحب التسمية التي ستكون فيما بعد اسم روايةمن أهم روايات نجيب محفوظ.

وهكذا يمضي الكتاب في أسلوبه المبسط ملقيا الضوء علىحياة نجيب محفوظ، مشيرا إلى المسيرة الأدبية ضمن المسيرة الحياتية، أو مضفرا هذه فيتلك، موضحا أن المسيرة الأدبية لنجيب محفوظ مرت بثلاث مراحل بدأت بمرحلة الرواياتالتاريخية التي عزم فيها على كتابة تاريخ مصر القديم بشكل روائي، لكن هذه الرغبةذهبت بعد رواية "كفاح طيبة" التي كتبها محفوظ وفي باله ما يعايشه من كفاح ضد المحتلالإنجليزي والحكم العثماني لمصر، ليدخل بعد ذلك مباشرة في المرحلة الثانية وهيمرحلة الواقعية التي تناول فيها المجتمع المصري بالوصف والتحليل، ومن روايات تلكالمرحلة: القاهرة الجديدة، وبداية ونهاية، والثلاثية الكبرى (بين القصرين، وقصرالشوق، والسكرية).
ويشير الكتاب إلى الفترة التي توقف فيها نجيب محفوظ عن كتابةالروايات والقصص ما بين قيام الثورة عام 1952 وحتى عام 1957، ولكنه لم يتوقف فيالوقت نفسه عن ممارسة فن آخر هو كتابة المشاهد السينمائية للأفلام، وكان المخرجالكبير صلاح أبوسيف هو الذي قام بتعليم نجيب محفوظ عام 1947 كيف يكتب سيناريو ويقسمالفيلم إلى مناظر، فكتب محفوظ سيناريوهات أفلام مثل: عنتر وعبلة، وريا وسكينة،واحنا التلامذة، ولك يوم يا ظالم، وفتوات الحسينية، وإمبراطورية ميم،وغيرها.
أما المرحلة الثالثة في أدب نجيب محفوظ فغلب عليها الطابع الفلسفيوالرمزي ومن أعمال تلك المرحلة: الشحاذ، وثرثرة فوق النيل، واللصوالكلاب.
ويعتذر نجيب محفوظ بعد خروجه على المعاش عام 1971 عن رئاسة تحرير مجلة "روزاليوسف" ليتفرغ تماما للكتابة والإبداع فيقدم لنا: الحرافيش، وأمام العرش،وقشتمر.
وتبدأ أعماله في الترجمة إلى اللغة الإنجليزية منذ عام 1966 إلى أنيفاجأ في الخميس 13 أكتوبر/تشرين الأول عام 1988 بزوجته "عطية الله" التي تزوجهاعام 1954، توقظه بعد أن تناول الغداء وذهب يستريح قليلا، وتقول له بلهفة "انهض يانجيب،يقولون إنك فزت بجائزة نوبل في الأدب" فيطلب منها أن تكف عن المزاح، فتتركهلكي يستكمل نومه، ولكن مكالمة تليفونية تأتي من صحفي كبير يهنئه مؤكدا الخبر قائلاله "مبروك يا أستاذ .. شرفتنا"، ويظل نجيب محفوظ بين مصدِّق ومكذِّب إلى أن يدق جرسبابه سفير السويد (البلد التي تمنح أكاديميتها جائزة نوبل) فيدرك ـ وهو البالغ منعمره 77 عام آنذاك ـ أنها حقيقة.
ويعرض الكتاب لمحاولة اغتيال نجيب محفوظ عام 1994 حيث يقوم أحد المجرمين بترقب كاتبنا لحظة نزوله إلى الشارع ويقترب منه، فيمدأديبنا ـ البالغ من عمره آنذاك 83 عاما ـ يده ظنا منه أن هذا الشاب يريد مصافحته،لكنه يفاجأ بطعنة غادرة بسكين في رقبته.
وينشر الكتاب نص الكلمة التي كتبها نجيبمحفوظ وقرأها الكاتب محمد سلماوي في حفل استلام جائزة نوبل، وهي تأتي خارج سياقالأسلوب الذي توخته الكاتبة هديل غنيم للأطفال.
المصدر :
http://elforosatlovels.yoo7.com/t525-topic

بهذه المعلومة الجديدة والتي تشير الى انه فقد الاب في سن 26 سنة نكتفي باعتباره :
- يتيم افتراضي بسبب موقعه في العائلة من حيث الترتيب والزمن كما هو مشروح.
- اثر الثورة الـ 19 عليه كما يقول هو نفسه.
- وهو مأزوم بسبب مرض الصرع.

ولغرض الدراسة الاحصائية في هذا البحث سنعتبره مأزوم.

ايوب صابر 11-03-2011 03:40 PM

وألان مع سر دخول الرواية التالية قائمة أفضل مئة رواية عربية:

2- البحث عن وليد مسعود جبرا ابراهيم جبرا

البحث عن وليد مسعود هي رواية للكاتب الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا، نشرت أول مرة عام 1978. صنفت في الرتبة الثانية في قائمة أفضل مئة رواية عربية.
محتوى

تتمحور كل الرواية التي تنقسم إلى 12 فصلا حول وليد مسعود الفلسطيني المترد التارك خلفه تاريخا من النضال ضد المحتل اليهودي في فلسطين والغارق في شبكة من علاقاته الاجتماعية المعقدة ومن خلال هذه العلاقات شكل جبرا إبراهيم جبرا صورة عجيبة لشخصية وليد مسعود متطرقا لأسرار حياته العاطفية وطفولته في فلسطين ومواقفه الدينية والسياسية. تعددت الزوايا بعدد أشخاص الرواية فكان وليد مسعود تركيبة من جميع عناصر الإنسان العربي الذي يعيش حياته الخاصة متقاطعا مع تفاصيل عصره.
نقد

حملت هذه الرواية سمات للحداثة الروائية في العالم العربي فهي في تنسيقها فريدة من نوعها إلى اليوم وتعد نقطة التقاء بين خصوصيات الكتابة العربية والرواية العالمية. من ناحية أخرى تعد رواية البحث عن وليد مسعود اختزالا لمسيرة جبرا إبراهيم جبرا الروائية.


==



البحث عن وليد مسعود


في هذه الروايةالمتشعبة المعقدة البارعة التركيب هندسيا و زمنيا , يخلق جبرا ابراهيم جبرا من جديدعددا كبيرا من شخصيات الرجال و النساء التي يجد القارىء انها تفرض نفسها على ذهنه فيعايشها من الداخل و لا يستطيع نسيانها .
و بقدر ما يثير وليد مسعود من تساؤلات فان الشخصيات الاخرى التي تحاول الاجابة و البحث بصراحة مذهلة, تجعلنا نتساءل : هؤلاء الرجال و النساء , عمن هم في الحقيقة يتحدثون؟ هل هم المرآة, و وليد مسعود هو الوجه الذي يطل من اعماقها ام انه المرآة ووجوههم تتصاعد من اعماقها كما هم انفسهم لا يعرفونها؟.

لا نحسب ان رواية كهذه كتبت من قبل باللغة العربية فهي ليست امتدادا كبيرا لفن جبرا ابراهيم جبرا و حسب انها اضافة كبيرة الى الفن الروائي العربي المعاصر.

ايوب صابر 11-03-2011 04:02 PM


جبرا إبراهيم جبرا

(ولد في 1920[1]، توفي في 1994) هو مؤلف ورسام، وناقد تشكيلي، فلسطيني من السريان الأرثوذكس الاصل ولد في بيت لحم في عهد الانتداب البريطاني، استقر في العراق بعد حرب 1948. انتج نحو 70 من الروايات والكتب المؤلفة والمترجمه الماديه، وقد ترجم عمله إلى أكثر من اثنتي عشرة لغة. وكلمة جبرا آرامية الاصل تعني القوة والشدة.
ولد في بيت لحم درس في القدس وانكلترا وأمريكا ثم تنقل للعمل في جامعات العراق لتدريس الأدب الإنجليزي وهناك حيث تعرف عن قرب على النخبة المثقفة وعقد علاقات متينة مع أهم الوجوه الأدبية مثل السياب والبياتي. يعتبر من أكثر الأدباء العرب إنتاجا وتنوعا إذ عالج الرواية والشعر والنقد وخاصة الترجمة كما خدم الأدب كإداري في مؤسسات النشر. عرف في بعض الأوساط الفلسطينية بكنية "أبي سدير" التي استغلها في الكثير من مقالاته سواء بالانجليزية أو بالعربية. توفي جبرا إبراهيم جبرا سنة 1994 ودفن في بغداد.
أعماله

قدم جبرا إبراهيم جبرا للقارئ العربي أبرز الكتاب الغربيين وعرف بالمدارس والمذاهب الأدبية الحديثة، ولعل ترجماته لشكسبير من أهم الترجمات العربية للكاتب البريطاني الخالد، وكذلك ترجماته لعيون الأدب الغربي، مثل نقله لرواية «الصخب والعنف» التي نال عنها الكاتب الأميركي وليم فوكنرجائزة نوبل للآداب. ولا يقل أهمية عن ترجمة هذه الرواية ذلك التقديم الهام لها، ولولا هذا التقديم لوجد قراء العربية صعوبة كبيرة في فهمها[2]. أعمال جبرا إبراهيم جبرا الروائية يمكن أن تقدم صورة قوية الإيحاء للتعبير عن عمق ولوجه مأساة شعبه، وإن على طريقته التي لا ترى مثلباً ولا نقيصة في تقديم رؤية تنطلق من حدقتي مثقف، مرهف وواع وقادر على فهم روح شعبه بحق. لكنه في الوقت ذاته قادر على فهم العالم المحيط به، وفهم كيفيات نظره إلى الحياة والتطورات.
أدبه
  • في الشعر لم يكتب الكثير ولكن مع ظهور حركة الشعر النثري في العالم العربي خاض تجربته بنفس حماس الشعراء الشبان.
  • في الرواية تميز مشروعه الروائي بالبحث عن أسلوب كتابة حداثي يتجاوز أجيال الكتابة الروائية السابقة مع نكهة عربية. عالج بالخصوص الشخصية الفلسطينية في الشتات من أهم أعماله الروائية "السفينة" و"البحث عن وليد مسعود" و"عالم بلا خرائط" بالاشتراك مع عبد الرحمان منيف.
  • في النقد يعتبر جبرا إبراهيم جبرا من أكثر النقاد حضورا ومتابعة في الساحة الثقافية العربية ولم يكن مقتصرا على الأدب فقط بل كتب عن السينما والفنون التشكيلية علما أنه مارس الرسم كهواية.
  • في الترجمة ما زال إلى اليوم جبرا إبراهيم جبرا أفضل من ترجم لشكسبير إذ حافظ على جمالية النص الأصلية مع الخضوع لنواميس الكتابة في اللغة العربية كما ترجم الكثير من الكتب الغربية المهمتمة بالتاريخ الشرقي مثل "الرمز الأسطورة" و"ما قبل الفلسفة".
مؤلفاته

1- في الرواية
2- في الشعر
3- الترجمة
  • هاملت - ماكبث - الملك لير - عطيل - العاصفة - السونيتات لشكسبير
  • برج بابل - أندريه مارو
  • الأمير السعيد - أوسكار وايلد
  • في اتظار غودو صأمويل بيكيت
  • الصخب والعنف - وليام فوكنر
  • ما قبل الفلسفة - هنري فرانكفورت
3- دراسات
جمعت أعماله النقدية في كتاب بعنوان " اقنعة الحقيقة.. أقنعة الخيال "

ايوب صابر 11-03-2011 04:03 PM

جبرا إبراهيم جبرا

المصدر: الشاعر الفلسطيني أحمد دحبور

حسب المصادر الفلسطينية الموثوقة. ولد جبرا إبراهيم جبرا مسعود في بيت لحم يوم 28/8/1920. لكنني عندما اطلعت على جواز سفره العراقي، رأيته مسجلاً من مواليد تركيا 1919. وهو أمر غريب لأن مكان الميلاد يكون، في الأوراق الرسمية، محدداً باسم قرية أو مدينة لا اسم دولة. فضلاً عن أنني، شأن الكثيرين، أعرف منه شخصياً أنه مولود في بيت لحم، كما أنه أشار في معظم كتبه إلى أنه مولود عام 1920, ولا أدري سر هذا التدبير الإداري العراقي.
درس جبرا في مدرسة طائفة السريان في بيت لحم خلال المرحلة الابتدائية، ثم في مدرسة بيت لحم الوطنية، فالمدرسة الرشيدية في القدس التي أتاحت له التعرف على "الأستاذة" الكبار من أمثال إبراهيم طوقان واسحق موسى الحسيني وأبى سلمى (عبد الكريم الكرمي) ومحمد خورشيد (العدناني)، ثم التحق بالكلية العربية في القدس. وخلال هذه الفترة كان قد تمكن من اللغتين العربية والإنجليزية بشكل ممتاز، إضافة إلى لغة السريان التي هي طائفة أسرته.
ويذكر في "البئر الأولى" وقائع طريفة مما جرى له في مصر التي سافر إليها، ليتوجه منها بحراً إلى بريطانيا حيث التحق بجامعة كامبردج، وحصل منها على الماجستير في النقد الأدبي عام 1948. إلا أننا نستطيع القول إنه وصل إلى هذه الجامعة أديباً، فقد بدأ كتابة القصة القصيرة في فلسطين، ونشر بعض نتاجه المبكر في مجلات نوعية مثل "الرسالة" و"الهلال" المصريتين، و"الأمالي" اللبنانية. ولكن أهم ما أنجزه في تلك المرحلة المبكرة، هي الرواية التي كتبها باللغة الإنجليزية عام 1946 بعنوان "passage in the Silent Night" وقد حملها معه إلى كامبردج مطبوعة على الآلة الكاتبة، ووزع نسخاً منها على زملائه في الجامعة. ولم تصدر طبعتها الأولى إلا بالعربية، عام 1955، وكان قد أعاد كتابتها بالعربية وهو يدرس في جامعة هارفارد. وقد كتب لي هذا بخط يده على النسخة التي أهدانيها، وقد أعطى الرواية بالعربية اسمها الشهير "صراخ في ليل طويل".
بعد دراسته في كامبريدج وهارفارد توجه إلى العراق لتدريس الأدب الإنجليزي. وهناك تعرف على الآنسة لميعة برقي العسكري التي شكلت انعطافاً في مسار حياته. فقد تزوجا وانجبا ولدين، هما سدير وياسر، وحمل جبرا الجنسية العراقية التي ما كان لها أن تفصله عن جنسيته الفلسطينية التي حافظ على لهجتها، إلا من كلمة هنا أو هناك باللهجة العراقية، حتى آخر لحظة في حياته. وكان لجبرا شأن كبير في الحياة الثقافية العراقية، حيث أنشأ مع الفنان الكبير جواد سليم "جماعة بغداد للفن الحديث" عام 1951. وكتب مقدمة المجموعة المبكرة "أغاني المدينة الميتة" للشاعر بلند الحيدري. وأثرت صداقته في بدر شاكر السياب الذي أطلع من جبرا على فصول من كتاب "الغصن الذهبي" للسير جيمس فريزر، وهو مما أسهم في اقتناع السياب بالمدرسة التموزية في الشعر. وإلى ذلك كان لنتاج جبرا نفسه من رواية وقصة قصيرة ورسوم ونقد وترجمة أثر كبير في الأجيال العربية المتلاحقة.
نال جوائز وأوسمة عربية ودولية كثيرة ونقلت أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والأسبانية والإيطالية والسلوفاكية والصربية وغيرها.
وذات يوم جاءه طرد بريدي من لندن، فوجد فيه ثلاث نسخ من ديوانه "لوعة الشمس" ولكن.. باللغة العبرية. وكان المترجم الذي قام بهذا العمل، من غير استشارة جبرا، قد سطا على صورة الغلاف، فكان غلاف النسخة العبرية هو ذاته الذي يزين الطبعة العربية الأولى.
كان أبو سدير يشكو، في أيامه الأخيرة، من طنين حاد في الأذنين. وكتب لي مرة أنه أصيب بدوار ووقع أرضاً. ثم علمت أنه دخل العناية المركزة. ويوم الأحد 11/12/1994 أغمض عينيه إلى الأبد. تاركاً زهاء خمسة وستين كتاباً بين مؤلف ومترجم.
القصة والرواية
أصدر جبرا مجموعة قصص واحدة، بعنوان "عرق". وأصدر ست روايات، هي "صراخ في ليل طويل" و"صيادون في شارع ضيق" و"السفينة" و"البحث عن وليد مسعود" و"الغرف الأخرى" و"يوميات سراب عفان".
كما أصدر، بالاشتراك مع د. عبد الرحمن منيف، رواية بعنوان "عالم بلا خرائط" وقبل أن يرحل كان يعمل على قصة قصيرة ـ طويلة تدور حول موضوع فلسفي، لكنه لم يوضح طبيعة ذلك الموضوع في رسائله.
كتب الشاعر توفيق صايغ، صديق عمر جبرا، مقدمة نوعية لمجموعة "عرق" بحيث يبدو التطرق إلى هذه المجموعة تكراراً لما كتبه الشاعر الراحل نظراً لإحاطته الدقيقة بالأسئلة التي كانت تؤرق جبرا، وتؤرقه بطبيعة الحال، وهي تتصل بالمدينة، والغربة الداخلية، والحب، والفن، والفقر، والسأم والبطالة والفراغ، والزمالة والرفقة، وينتهي توفيق صايغ من هذه الأشياء كلها إلى أن "الفن الذي يلجأ إليه البطل حين يرفض المدينة ويهجرها، سيكون هو الأداة لإحياء المدينة، طريق الفن التي يسلكها ليعبر الأرض البوار". وقد أضاف جبرا، في طبعة لاحقة، حوارية إلى هذه المجموعة اعتبرها قصة بعنوان "بدايات من حرف الياء". ويلاحظ في قصصه أنها مقدمات لروايته أو استمرار لها. حتى أن "قصة "المغنون في الظلال" مثبتة كفصل مستقل في روايته "صيادون في شارع ضيق". وليس معنى هذا أنه يخلط بين الجنسين الأدبيين. ولكنه يدرج مختلف أشكال نتاجه، بما فيها الشعر والرسم، ضمن مشروع كبير ينطلق من موقع أوتوبيوغرافي ثم يصل الذات بالعالم من خلال الأسئلة النظرية والاشتباك العملي. وربما كانت هذه الصبوة الكونية لدى جبرا، وراء تحرير معظم رواياته من التحديد الجغرافي منذ "صراخ في ليل طويل" التي أسهب الناقد الكبير مارون عبود في التعبير عن افتتانه بها، ملاحظاً أن الكاتب وإن لم يحدد المدينة التي تدور فيها الأحداث، إلا أنها تذكره بمدينتين: القدس وحلب. أما د. محمد عصفور، وهو ناقد فلسطيني متميز من تلاميذ جبرا، فقد تابع الرحلة الداخلية في هذه المدينة من أقصاها إلى أقصاها، بما يذكرنا برحلة بلوم في رائعة جيمس جويس "عوليس"، ليستخلص من أحداث الرواية رؤيا تتصل بفهم العالم والسعي إلى تغييره. على النقيض من ذلك، ظاهرياً، تبدو رواية "صيادون في شارع ضيق" تؤرخ درامياً للتحولات العميقة التي تشهدها المدينة العربية ـ بغداد، تحديداً ـ إثر نكبة فلسطين. وقد اهتم النقاد بالعلاقة بين جميل فران، بطل الرواية، وبين تجربة جبرا الشخصية، إلا أنه وظف هذه التجربة ليرصد واقعاً مركباً على المستويات الاجتماعية والسياسية والثقافية. وسيصعد بهذه التجربة إلى ذروة نوعية في "السفينة" التي أفاد فيها من المدرسة القوطية في الأدب. حيث يمكن "اصطياد" عدد من الشخصيات ووضعهم في مكان محدد ضمن فترة زمنية محددة. فهؤلاء ركاب السفينة، فيهم العراقي والإيطالي ووديع عساف الفلسطيني المسيحي الذي لم يخلصه نجاحه التجاري وتفوقه الاجتماعي من ذكريات سقوط فلسطين وسقوط زميله شهيداً بين يديه. وقد كانت ثنائية العراقي الفلسطيني تلازم جبرا درامياً بما يتجاوز الفصام إلى عملية التوحد. فهو العراقي، نجم المجتمع الناجح، المثقف، المسيطر، ولكنه في الأعماق، ذلك الفلسطيني المسيحي الخليط من فلاح ومدني والمجروح وطنياً إلى حد أن أصبح الجرح شخصياً. وهذا سيظهر أوضح ما يكون في "البحث عن وليد مسعود"، رائعة جبرا التي حار في شأنها ناقد هام مثل د. فيصل دراج، فقد يأخذ عليها البطولة الكاملة المعطاة لوليد مسعود "والكمال ينبئ بالغياب" على حد تعبير د. دراج، إلا أنه يعود فيؤكد أهمية هذه الرواية في أسئلة الكينونة والهوية ومعنى التفوق. واختفاء وليد مسعود، الفلسطيني المسيحي طبعاً، من العراق لغير ما سبب هو أمر يحير معارفه جميعاً. لكن الجذر موجود في فلسطين. وقد برع جبرا في استخدام الموروث الديني وتوظيفه في نسيج هذا العمل. كما أفاد من الاسم الأصلي لأسرته: مسعود. فالبحث عن وليد مسعود هو البحث عن جبرا بن مسعود، وهو ما يعيدنا إلى قول توفيق صايغ حول هجران المدينة لإعادة إحيائها عبر الفن. فوليد مسعود لم يطلق بغداد، ولكنه ابتعد عنها ليعرف كيف يراها ويرى نفسه داخلها بعينيه الفلسطينيتين.
أما "الغرف الأخرى" فهي أكبر من أن تكون "نزوة كافكاوية" كما ذهب الناقد المعروف فاروق عبد القادر. ولكنها تكثيف لاغتراب المثقف، وربما الإنسان العادي، المدعو إلى استبدال شخصيته ليتمكن من معايشة عالم ليس راغباً في معايشته أصلاً. فهذا رجل مدعو إلى محاضرة بوصفه شخصاً آخر مختلفاً عنه اسماً واختصاصاً. الإغراء كبير والضغوط كثيرة. وهو لا يريد أن يكون إلا نفسه. وبشيء من التأويل الذي تحتمله مسيرة جبرا الروائية، يمكن أن نلحظ الفلسطيني الذي يعترف الآخرون بقدراته كشخص ولكنه ينشد الاعتراف به كاملاً. باسمه وهويته وهمومه المختلفة. إن امّحاء المكان ـ بالمعنى الجغرافي للكلمة ـ في هذه الرواية يعيد إنتاج السؤال عن جدوى المكان إذا كنت مسكوناً بهاجس مكان آخر، المكان الأصل الذي تم اقتلاعك منه في وضح النهار. وستغيب ملامح المكان الجغرافية أيضاً في رواية "يوميات سراب عفان" لتدخل اللغة والتاريخ وعلم النفس عناصر مؤثرة في بنية العمل. فسراب عفان، كان اسمها الأصلي "مي". ولنا أن نقيم علاقة طباقية بين المي (الماء؟) والسراب. ثم ان كنيتها تحيلنا إلى الخليفة الثالث عثمان. أما بطل الرواية نائل عمران، وهو كاتب مرموق. فاسمه الأول يذكرنا بنائلة بنت الفرافصة وهي أحب زوجات الخليفة عثمان إلى قلبه. وهكذا تندمج الشخصيتان نائل وسراب ليأخذ هو جانباً من أنوثتها (الأنيموس) وتأخذ هي جانباً من رجولته (الأنيما) وليس في ذلك نشوء جنس ثالث ولكنهما الرجل والمرأة وقد اتحدا ليكونا جسداً واحداً. وغني عن القول أن جبرا سيجد في تراث سراب عفان جدة مسيحية فلسطينية. واشتباك سراب مع نائل مناسبة لطرح أسئلة تتعلق بالثقافة والتماهي وعقدة التملك وثنائية الشرق والغرب فضلاً عن السؤال الفرويدي المتصل بفارق العمر بينهما. فسراب في مقتبل الشباب ونائل في العقد السادس من العمر. أما رواية "عالم بلا خرائط" فلا نستطيع أن نستخلص صوت جبرا منها مجرداً، ولكننا نلاحظ تعويم المكان، فهو بلا خرائط. وليست عمورية التي تدور الأحداث فيها إلا مجال الحلم والتخييل الذي شغل كلاً من الكاتبين الكبيرين جبرا وعبد الرحمن منيف.
الرسم فلسطيني والتنظير عراقي
يذكر زوار بيت جبرا في بغداد، منذ ثلاثة عقود بل تزيد بالتأكيد، أن صورة زيتية كانت تستقبلهم لشاب في العشرين يداعب حصاناً. كانت تلك واحدة من رسوم جبرا الأثيرة، وقد أطلق عليها اسماً موحياً "سدير والحصان". وسدير هو الابن البكر لجبرا. وقد تخيله شاباً في العشرين منذ أن كان طفلاً.. وسيكبر سدير ويتزوج وينجب. وذات يوم تأتي طفلته القمورة، ديمة فتأخذ الرسمة إلى بيت أبيها: إنها صورة أبي ويجب أن تعود إليه...!
هذه الواقعة المثبتة تشير إلى دلالات ملموسة. فالرسم عند جبرا، وهو متحمس للزيتي، يأخذ طابع الرؤيا. وإلى ذلك لم يفارق تلك المسافة الواقعة بين الواقعية والتعبيرية. ثم أن علاقته بالرسم قديمة. فقد فتح عينيه في بيت لحم والقدس على بعض الأديرة التي كانت تشجع استنساخ الصور وتكبيرها لأسباب دينية. وقد كتب جبرا رسالة في هذا المعنى للفنان إسماعيل شموط مشيراً إلى جرف حجري ظل محتفظاً به منذ الطفولة. وفيها رسم منحوت لفنان من حيفا اسمه عبد الله عجينة: "إنه موضوع فلسطيني". وقد بدأ جبرا الرسم، كما يقول في تلك الرسالة، قبل 1948، وبالزيت. وظلت تلك الرسوم في بيت لحم مع أنه لم يقدمها في معرض فردي أو جمعي. ويعيد جبرا الفضل في تعلمه الرسم إلى الفنان الحيفاوي الكبير جمال بدران الذي لفت اهتمامه إلى الزخرفة وتشكيل الألوان. إلا أن وعيه التشكيلي حقق نقلة نوعية حيث تعرف، كما يقول إسماعيل شموط "عن كثب على فن التصوير والرسم".
وفي بغداد، لم تكن الحيوية الثقافية التي أشاعها جبرا مقصورة على العمل الكتابي. بل ان إسهامه في تأسيس "جماعة بغداد للفن الحديث" كان ذا أثر ملموس في تطوير هذا الفن على مستوى العراق. والواقع أن جبرا في السنوات الثلاثين الأخيرة من حياته قد أولى الرسم والتصوير اهتماماً كبيراً على المستوى النظري بصورة خاصة. فبعد كتابه الذي أصدره عام 1961 بالإنجليزية "الفن في العراق اليوم"، عاد فأصدر بالعربية كتاباً حقق شهرة كبيرة بعنوان "جواد سليم ونصب الحرية" وذلك عام 1974. ثم أصدر عام 1983 بالإنجليزية كتابه "جذور الفن العراقي" وعاد فنشره بالعربية بعد عامين، ليصدر عام 1985 كتاب "الفن والحلم والفعل". حتى ليمكن القول إن حضور جبرا لمعرض فنان عراقي كان يعني تزكية لهذا المعرض. بمعنى أنه كان فناناً ومنظراً محكماً. وإذا كانت رسومه الشخصية تدور في الفلك الواقعي التعبيري، فإن دعوته النظرية كانت تشمل مختلف المدارس وكان انحيازه إلى الجديد لا حدود له. وان كان ـ وهذا شأنه في النقد الأدبي أيضاً ـ يعطي الأولوية للإبداع بما هو إبداع. ومن الطريف أن رسوم جبرا الشخصية ذات لهجة بصرية فلسطينية، لكن تأثيره الأساس كان في الفن العراقي. ومع أن الفن، بما هو موهبة ومهارة، لا جنسية له، إلا أن الرسالة الفنية ذات جنسية بالضرورة. ولقد فتنت بغداد، والعراق عموماً، حس الباحث الفنان في جبرا فكان ما كتبه في هذا المجال بمثابة بعض الوفاء لوطنه الثاني.
الشاعر التموزي
أصدر جبرا إبراهيم جبرا ثلاث مجموعات شعرية. وعندما جمعها في ديوان يشتمل على الأعمال الشعرية الكاملة، عام 1990، أضاف إليها مجموعة فيصبح نتاجه الشعري المنشور في حياته على النحو الآتي: تموز في المدينة ـ 1959. المدار المغلق ـ 1964. لوعة الشمس ـ 1979. سبع قصائد ـ 1990.
ولكننا نستطيع أن نضيف مجموعة لم تصدر في كتاب، ولم تضمها الأعمال الشعرية الكاملة. ولكنه نشر معظمها في مجلة "بيادر" التي كنت رئيساً لتحريرها في تونس. ونشر بعضها الآخر، على ما يبدو، في مجلات وصحف مختلفة. وقد أعطى هذه المجموعة عنواناً طويلاً نسبياً "قصائد بعضها لليل وبعضها للنهار".
وإذا كانت المقدمة التي كتبها جبرا لمجموعة بلند الحيدري عام 1943، إيذاناً بالدعوة إلى التجديد، فإن المقدمة التي كتبها لمجموعته "تموز في المدينة" كانت بمثابة مانفستو للشعر الحديث. يقول: "إن إدخال نغمة جديدة على فن قديم يعتمد على الموسيقى التقليدية، أمر يحتاج إلى جرأة كبيرة، له القدرة والبراعة، وأنا قد لا أملك الأخيرتين، ولكنني مندفع في سبيلي مهما اعترض عليه الناس".
وكانت القصيدة الحرة هي السبيل. فهو، كما قال، يعنى بالوزن ولا يعنى. ولكن هذا كلام ملتبس. فقصيدة جبرا خالية من الوزن. وإذا اتفق لبعض السطور الشعرية ـ التي يسميها أبياتاً من باب المناكفة مع التقليديين ـ أن أتت موزونة فإن ذلك على سبيل المصادفة. ولكنها مصادفة مدروسة إذا جاز التعبير. فقد كان معنياً بمنح قصيدته حالة من الموسيقى التي لا تشكل التفعيلة مفتاحاً لها. كما أكد "أنني أمقت النعوت، فالحالات العاطفية من حزن أو فرح أو غضب أو يأس، يجب أن تثار بالألفاظ المجسدة، ومصادر الأفعال أيضاً أرفض استعمالها على وجه الإجمال". أما على مستوى الرؤيا الشعرية، فيمكن القول من غير مبالغة إن جبرا هو واضع ركائز القصيدة التموزية العربية. والتموزية نسبة إلى تموز، إله الخصب القديم في بلاد الشام وما بين النهرين. وقد قتله الخنزير البري، أو إله الشر "موت"، لكنه سرعان ما انبعث من جديد في الصيف فكانت شقائق النعمان هي دمه المتجدد. ومع أن اللحظة التموزية، في مستواها الميثيولوجي، هي لحظة زراعية مرتبطة بالتربة، إلا أن تموزية القصيدة العربية ركزت على المدينة التي تميت البطل الباحث عن الحياة له وللجموع، فينتصر عليها بعودته ظافراً. ويجب ألا نغفل عما تركته الثقافة المسيحية بمحمولاتها الرمزية الخاصة بالفداء، في هذه المدرسة الشعرية. وقد وجد جبرا في موضوع الاستشهاد الفلسطيني مادة لتعميق المعاني التموزية في شعره. ويلاحظ أن مجموعته الأولى قد حفلت بعدد غير قليل من القصائد ذات الصلة المباشرة بالتراجيديا الفلسطينية. لكن مجموعة "المدار المغلق" سترث التموزية من المجموعة الأولى لتعمق فيها الرمز المسيحي. وفي هذه المجموعة قصيدة نوعية بعنوان "لعنة بروميثيوس" مكرسة لاستلهام ثورة الجزائر.
أما فلسطين التي لا يمكن أن تغيب عن روح جبرا، فإنها تطل من خلال قصيدة "مارجيروم في بيت لحم" وكذلك في "ما بعد الجلجلة" وفي مجمل الإحالات والرموز المسيحية التموزية. وهذا ما ينسحب على مجموعة لوعة الشمس الذي جعل جبرا قصيدتها الأولى تحية إلى القدس "مدينة المعراج والجلجلة". أما قصائده بعد ذلك فهي في معظمها قصائد حب. ولكننا ندرك أن الشعر الحضاري يفيض عن موضوعه المحدد ليمسّ الهموم الإنسانية على مختلف المستويات.
بين إبداعات جبرا، كان الشعر موضع إشكال. فحين يتحمس الراحل الكبير توفيق صايغ له إلى حد إعلانه أنه لو كان في جزيرة منقطعة وكان له أن يقتني كتاباً واحداً لاختار "تموز في المدينة"، نرى من جهة ثانية شعراء كباراً جادين يبدون حيرتهم من شعر جبرا الذي ظل محكوماً بالمعاني والموضوعات، مع أنه المبشر بالثورة والتجديد وإطلاق حرية اللغة إلى أبعد مدى... ولكن مهما كان الرأي في شعر جبرا فلا أحسب أن هناك من ينكر دوره في دفع الشعر العربي الحديث خطوات نوعية إلى منطقة الحداثة.
السيرة والسيناريو
وضع جبرا كتابين في السيرة الذاتية، هما "البئر الأولى" و"شارع الأميرات" ونستطيع أن نضيف إليهما الكتاب المكمل "حوار في دوافع الإبداع" وهو سلسلة حوارات أجراها معه الناقد العراقي المعروف ماجد السامرائي. فكشف عن مناطق في دخيلته من شأنها أن تضيء شخصية جبرا في طريق دراسية.
كان لكتاب "البئر الأولى" وقع السحر على القراء. وترجم إلى الفرنسية والإيطالية وسمعت أنه ترجم إلى الانجليزية مؤخراً. لم يكتب جبرا في هذا الكتاب سيرة متصلة كالتي كتبها ميخائيل نعيمة عن جبران، أو د. طه حسين عن نفسه في "الأيام". ولكنه التقط لحظات نوعية في طفولته تكشف البيئة والثقافة والوعي الاجتماعي والتربوي وترصد براءة اكتشاف الموجودات المحيطة بابن العاشرة بين القدس وبيت لحم. ومع أن الكتاب فصول مستقلة، إلا أنه معطى بأسلوب يحرض القارئ على إكمال ما بين الفصل والفصل، بحيث يقع في النهاية على ما يشبه رواية النوستالجيا. بل إن بعض النقاد تعاملوا مع هذا الكتاب والذي تلاه "شارع الأميرات" بوصفهما روايتين، أو رواية من فصلين. وكان لشارع الأميرات نكهة مختلفة، حيث تدور فصوله وقد أصبح جبرا شاباً يدرس في بريطانيا، ثم كاتباً معروفاً. فكان الكتاب بمثابة شهادة، متممة لما بدأه في روايته "صيادون في شارع ضيق" عن بغداد ما بعد الحرب العالمية الثانية. وجاء الحوار الذي أجراه معه ماجد السامرائي ليضع الكثير من النقاط فوق الحروف. وإذا كنا مع الكتابين السابقين في مقاربة مع نص روائي ساحر، فإن الحوار مع ماجد يضعنا أمام حالة شبيهة بالسيناريو السينمائي أو التلفزيوني على مبدأ الاسترجاع. فقد كان ماجد يسأل وجبرا يفتح ذاكرته فنرى على الورق عالماً مركباً من العلاقات الثقافية والمعرفية والإنسانية. وليس هذا غريباً على كاتب موسوعي تعامل مع أجناس فنية وأدبية مختلفة، بما فيها السيناريو السينمائي. فقد أصدر في هذا المجال كتابين، هما "الملك الشمس" و"أيام العُقاب". والسيناريو الروائي الأول يتناول شخصية الملك الآشوري العراقي نبوخذ نصر، أما الثاني فيتناول معركة اليرموك وعبقرية القائد الصحابي خالد بن الوليد. ونعرف كذلك أن جبرا كتب الحوار لفيلم "عمر المختار" الذي أخرجه بنجاح كبير، السوري مصطفى العقاد. وطبيعي أن يكتب جبرا المعاصر عن شخصيات تاريخية بهدف قراءة الحاضر. فهو صاحب رؤيا عربية إنسانية تغذيها التراجيديا الفلسطينية بأسباب الثورة والدعوة إلى الوحدة الوطنية. من غير أن يغفل عن الأسئلة الوجودية التي تؤرق قائداً مثل نبوخذ نصر يحلم بالقبض على المستحيل. إلا أن النزعة التنويرية عند جبرا تحثه على الشرح والتفسير. فقد كان ينصح بالتقاط هذا المشهد أو ذاك، وفق هذا النوع من الإنارة أو ذاك. أو ببطء التصوير، أو سرعة الإيقاع، علماً بأن السيناريوهين لم يتحولا إلى فيلمين سينمائيين. ولعله كان يتعامل معهما بوصفهما روايتين على نحو ما. فقد وصف كل سيناريو منهما بأنه روائي. وأدرج ـ على الصفحات الأخيرة لكتبه ـ سيناريو "الملك الشمس" بين أعماله الروائية.
الترجمة والنقد
كان لابد من الربط بين الترجمة والنقد في مسار مشروع جبرا الثقافي، لتلازمهما في المهمة التنويرية التي نذر نفسه لها. وإنه لأمر لافت أن هذين النشاطين قد شغلا أكثر من نصف مجمل مشروعه الثقافي. وإذا استثنينا كتبه النقدية التي أشرنا إليها في مجال الفن، فإننا نذكر، على أمل ألا يفوتنا شيء، عناوين كتبه النقدية الأدبية الفكرية، كما يلي: "الحرية والطوفان ـ 1960" و"الرحلة الثامنة ـ 1967" و"ينابيع الرؤيا ـ 1979" و"تمجيد الحياة ـ 1989" و"تأملات في بنيان مرمري ـ 1989" و"معايشة النمرة ـ 1991". وتحفل هذه الكتب بمراجعات نقدية لروايات ومجموعات شعرية عربية وعالمية لتدخل عالم المعرفة في مسارين: الأول هو مسار الحداثة ومعاركها في الساحة العربية من خلال قراءات نوعية لأعمال أدونيس ويوسف الخال وتوفيق صايغ وغيرهم. وإعادة قراءة شعراء ذوي شعبية لكنهم كانوا مقروئين غالباً بعين تقليدية فأعاد جبرا اكتشافهم من منظور الحداثة، مثل الجواهري ونزار قباني وعبد الرحيم والشعر الفلسطيني الحديث. ونلاحظ أنه لم يتطرق لبعض الشعراء العراقيين من أمثال عبد الوهاب البياتي وسعدي يوسف.
أما المسار الثاني فهو تنويري بحت. يضع في حسابه أنه متوجه إلى جمهور قد لا يكون مطلعاً بالضرورة على أحدث المدارس الأدبية في العالم. بل كثيراً ما يكون مشكوكاً في فهم هذا الجمهور للمصطلحات الأدبية المستعملة. فكتب مقالات قد تبدو في وقت لاحق أنها مدرسية أو ما أشبه. لكن القارئ المتابع يدرك فائدتها الميدانية. فهو لم يتحرج من التعريف بالمونولوج والديالوج والبرولوج والمدرسة القوطية والأسلوب الباروكي والأليغوريا. كما أنه "يشرح" بعض الأعمال الصعبة كما فعل مع رواية وليم فوكنر الخالدة "الصخب والعنف". وضمن هذين المسارين كان مشروع جبرا واضحاً: "في صلب التراث.. في صلب الحداثة" ـ وهو عنوان وضعته أنا لأول حوار نشره ماجد السامرائي معه في مجلة "بيادر" وقد سعدت بماجد الذي تبنى هذا العنوان فثبته في كتابه حوار في دوافع الإبداع، وليس معنى ذلك أن جبرا كان توفيقياً أو وسيطاً. ولكنه باختيار الحداثة التي قطعت مع الماضي كان معنياً باستنقاذ كل ما هو مضيء في هذا الماضي. وقد شدد جبرا على حرية المبدع وتخففه من الحسابات التي تقع خارج الإبداع من جهة، وتخلصه من سلطة الثقافة السائدة من جهة ثانية. وقد يؤخذ عليه أحياناً ـ ولا سيما في سنواته الأخيرة ـ أنه كان يجامل أحياناً. ولكن القارئ الحصيف يدرك متى يكون الكلام جاداً ومتى يكون مجاملة. إلا أن جبرا كان يحرص بشكل عام ألا يثبت في كتبه تلك الكلمات العابرة التي يقولها من باب الإخوانيات. وقد لاحظت عتاباً من نوع ما، أبداه رياض نجيب الريس لأن جبرا لم يضع في أي من كتبه نص المقدمة التي كتبها لمجموعة رياض "موت الآخرين". وكانت هذه المقدمة موضوع نقد من أدونيس أدى إلى فتور بين هذين المبدعين الكبيرين. ولكن رياضاً نفسه صرح في مقابلة تلفزيونية متأخرة بأنه لا يعتبر مجموعته "موت الآخرين" شعراً جيداً. وهذا يعني أن جبرا كان يعرف ما يفعل عندما استبعد مقدمته لتلك المجموعة. لكن هذا لا يعني أن ما لم يصدر في كتاب لجبرا هو دون المستوى. إذ ربما يكون الموت قد سبقه إلى تثبيت نتاجه كله في كتب، ولا أدل على ذلك من مقدمته الباهرة التي تعد مقالة نقدية نوعية لأعمال الشهيد غسان كنفاني المسرحية.
وقد كان الهاجس التنويري هو الدافع الأساس لمشروع جبرا في الترجمة كما هو في النقد. ويستوي في ذلك ما ترجمه من فكر أو إبداع. وسنلاحظ أن ما نقله إلى العربية من نصوص إبداعية ـ باستثناء الشكسبيريات ـ كان قليل العدد نسبياً. فقد ترجم رائعة صموئيل بيكيت "في انتظار غودو". هذه المسرحية التي كان لها أثر كبير في مسرح العبث وفي المسرح عموماً، بل وفي أسئلة المثقفين بشأن الحاضر والميتافيزيقا. وكان طبيعياً أن يكون جبرا المنحاز إلى الحداثة في طليعة المثقفين العرب الذين يهتمون بهذا العلم النوعي. تماماً كما كان طبيعياً أن يكون هو، ولا أحد غيره، من ترجم رواية وليم فوكنر "الصخب والعنف" وزوّدها بمقدمة وضع فيها خلاصة رؤيته لهذا الكاتب الأمريكي الصعب. وفكك الرواية بحيث أصبح فهمها ممكناً عند الكثيرين الذين كانت ستعسر عليهم بالتأكيد. وقد تأثر شهيدنا غسان كنفاني بترجمة جبرا لهذه الرواية، وظهر ذلك واضحاً في روايته "ما تبقى لكم". واختار جبرا أيضاً اثنتي عشرة قصة أمريكية وإنجليزية، فترجمها ضمن كتاب "أيلول بلا مطر" بعد أن قام بالتعريف اللازم بكل كاتب. وشغفته الكتابات الموجهة إلى الفتيان فترجم اثنين من أشهر النصوص العالمية في هذا المجال. هما رواية "الأمير السعيد، وحكايات أخرى" لأوسكار وايلد. ومجموعة من حكايات الفرنسي "لافونتين". أما سمة الكتب التي ترجمها خلال مسيرته. فهي الفكر والفلسفة المتصلة بالعملية الإبداعية. وقد كان رائداً في ترجمة فصل "أدونيس أو تموز" من كتاب الغصن الذهبي للسير جيمس فريزر. كما ترجم أيضاً:
ما قبل الفلسفة لهنري فرانكفورت وآخرين.
آفاق الفن ـ ألكسندر إليوت.
الأديب وصناعته لعشرة نقاد أمريكيين.
الحياة في الدراما ـ أريك بنتلي.
الأسطورة والرمز ـ لعدد من النقاد.
قلعة أكسل ـ أدمود ويلسون.
مقالات حول الشاعر الأمريكي ديلان توماس لأربعة عشر ناقداً.
ألبير كامو ـ لجيرمين بري. وقد نقل في هذا الكتاب، الشذرات المقتبسة من كامو، عن الفرنسية مباشرة.
برج بابل ـ أندريه بارو.
إلا أن إسهامه المدوي كان في الشكسبيريات. حيث ترجم المآسي الكبرى: مأساة هملت، مأساة الملك لير، مأساة مكبث. ثم أضاف إليها مأساة كريولانس ومسرحية العاصفة ومسرحية الليلة الثانية عشرة وخمسين سونيتة. وكعادته، لم يكتف جبرا بالترجمة الباهرة التي قيل فيها أنها لا تقل عن ترجمة بوريس باسترناك الروسي لأعمال وليم شكسبير. بل استقصى كل مسرحية ترجمها، وكذلك السونيتات، واستقرأ المصادر والمراجع. وترجم مختارات من الدراسات المكتوبة عن هذه الأعمال، فضلاً عما كتبه شخصياً وثبته داخل الكتب التي اشتملت على المسرحيات. ولم يكتف جبرا بهذا الجهد الجبار، بل ترجم بعض الكتب النوعية المتخصصة بشكسبير مثل "شكسبير معاصرنا ـ ليان كوت" و"ما الذي يحدث في هاملت ـ لجون دوفرولسون" و"شكسبير والإنسان المتوحد ـ لجانيت ديلون". وقد اعترضته مشكلات خلال ترجمة شكسبير، أساسها بعض الترجمات غير الدقيقة التي سبقه إليها بعض الرواد فأصبح الخطأ وكأنه هو الأصل. من ذلك اسم "أوتلو" الذي تحول عند الشاعر الكبير خليل مطران وغيره إلى "عطيل". وعالج الأمر جبرا بأن أبقى على الاسم الخطأ ـ بسبب شيوعه ـ مع الإشارة إلى الصحيح في مقدمته. لكن الأخطاء الأقل شهرة لم تبق على حالها. فقد نقل المترجمون اسم "دزدمونة" بأنه "ديدمونة"، فأعاد الاسم إلى نطقه السليم. وكثيراً ما كان يفسر موقعاً غريباً لجملة شكسبيرية من السياق العام، فيضعها في إطارها التاريخي. من ذلك أن أم هملت وصفت ابنها ـ في إحدى الطبعات ـ بأنه بدين. وهذا لا يتماشى مع شخصية هملت. ففسر جبرا ذلك بأن شكسبير كان يراعي، في أحد العروض، أن الممثل كان بديناً، وكان هذا الممثل عزيزاً على الملكة اليزابيث، فوضع تلك الإشارة على لسان أم هملت ليظهر الوضع طبيعياً.
ومع ذلك فإن ترجمة جبرا لم تنج من النقد. فقد أشاد بها الناقد الكبير غالي شكري بما هي أهل، إلا أنه لاحظ أن جبرا، في حالات قليلة، لم يكن دقيقاً. وهذا ما ذهب إليه الشاعر العراقي سركون بولص الذي انتقد جبرا لأنه حذف جملة على لسان عطيل، هي: "ذلك التركي.. الكلب المختون". وفي رأيه أن جبرا هرب من هذا السطر لأن فيه غمزاً طائفياً من الإسلام. كما أخذ عليه ما يعتبره عدم التمثل الكامل لروح شكسبير في السونيتات. وضرب مثالاً على ذلك، فلم يكن مقنعاً. لقد كانت ترجمة جبرا هي:
.. فإلى يوم القيام حين تبعث من ترابك
في هذا القصيد ستحيا، وفي أعين العشاق تقيم.
أما ترجمة سركون بولص فهي:
لذا، ستحيا، حتى انبعاثك يوم القيامة
في شعري هذا، وتبيت في عيون العشاق.
والقارئ المنصف يرى أن ترجمة جبرا أقرب إلى الروح الانجليزية بانخطافاتها وجملها المتوازية. بينما كانت ترجمة سركون ـ وهي جميلة ـ أقرب إلى البيان العربي العباسي.
ذلكم هو جبرا إبراهيم جبرا. ابن مسعود التلحمي، الوفي للعراق.. والرمز النوعي في الثقافة العربية خلال القرن العشرين. إنه بحر في العمق وصخب الروح ووداعة المشهد. متى نعطيه بعض ما يستحق. وهل تشفع لي هذه المحاولة العجلى عن تقصير كبير؟.. لا أدري.. ورحمه الله.

ايوب صابر 11-03-2011 04:05 PM

عن: جبرا إبراهيم جبرا
شارع الأميرات» لم يعد يجيب
نجوان درويش
لم يتوقع أحد أنّ تفجير بيت جبرا إبراهيم جبرا في بغداد سيحمل كل هذه الرمزية، ويستدعي كل هذا الشجن. ليست القصّة ضياع متعلقات نصف قرن من الثقافة العراقية، ونصف قرن من حلم المنطقة العربية، ضمّها بيت إحدى أبرز الشخصيات الفنية والأدبية العربية في القرن العشرين. الأمر يتعدّى ذلك، ونحتاج إلى وقت لاستيعابه، مثلما نحتاج إلى وقت لاستيعاب ما حدث لنا وللعراق منذ احتلاله. كل ما استطعته في الأيام الماضية كان استجماع شجاعتي لأتمكّن من النظر إلى صورة البيت كما نشرت بعد التفجير. البيت الذي دخلناه من كتابات صاحبه، ولا سيما «شارع الأميرات» (الجزء الثاني من سيرته) ومن خلال ما ذكره معاصروه وأصدقاؤه. أبدى بعض هؤلاء، في السنوات الأخيرة، قلقاً على محتويات البيت الذي رأوا فيه متحفاً صغيراً للحياة الأدبية والفنية في بغداد خلال القرن الماضي.
فكّرت في أن رؤية بيت جبرا بعد التفجير تشبه أن يرى المرء صورة يده المقطوعة. وعاد إلى الذهن مشهد من «صراخ في ليل طويل» (باكورة جبرا الروائية التي كتبها في القدس بالإنكليزية عام 1946). يد امرأة جميلة تخرج من تحت أنقاض بيت فجّرته العصابات الإرهابية الصهيونية، في نهاية غير متوقعة لقصة حب معاصرة في أجواء قدس الأربعينيات، كما حلم بها جبرا.
تفجير بيته العراقي يُعيدنا إلى أصل قصّته الفلسطينية
جبرا الذي اتّسمت شخصيته وأدبه بقدر من الكوزموبوليتية، يمتلئ عالمه بالإحالات والصور المحلية، التي تعود جذورها إلى بيت لحم، ولا سيما الرؤية المسيحية. لا شك في أن لطفولته وصباه في بيت لحم والقدس أثراً حاسماً. في إنتاجه الشعري والسردي، نجد ذلك التشبّث بمتعلقات المكان الفلسطيني. وهو ما تلخّصه جملة وضعها في مطلع أعماله الشعرية: «فلتكن هذه فروع زيتونة أخرى في جبل الزيتون، زرع بذرتها في زمن مضى/ فتى كان كثير الرؤى ولم يملك في حياته سوى الحب والكلمات».
وإن كانت الآراء النمطية اعتادت تهميش إنتاجه الشعري لمصلحة قيمته كروائي وناقد ومترجم، فإنّنا نجد في شعره مقترحاً مهماً حتى اللحظة. ورغم تفاعله العضوي وتأثيره في الثقافة العراقية واختياره العراق وطناً وأفقاً للإنتاج والحلم... بقي جبرا اللاجئ الذي تشاء قوة المفارقة أن تعيدنا إلى أصل قصته الفلسطينية بتفجير بيته العراقي.
هل كان مترجم شكسبير وفوكنر، والمعرّف بالتيارات الأدبية والفنية في الغرب، يتخيّل أن الأوراق والصور التي بقيت منه، ستُحرق وتُبدَّد في زمن احتلال أنغلوسكسوني جديد للعراق؟ العراق الذي بدا له حصناً وملاذاً بعد نكبة فلسطين. هل سيصدّقنا إن قلنا له إنّ حروب الغزو والنهب أقوى من الكلمات والصور؟ سنفزع إلى واحد من كتبه حتى لا نصدّق نحن، حتى تستمر كذبة الإيمان بمستقبل لهذا العالم.

************************
وليد مسعود معاصرنا، أو الحداثة حتى الرمق الأخير
حطام منزل جبرا في حي المنصور البغداديمسيرة أدبيّة استثنائيّة، لمثقّف نادر جمع بين الشعر والرواية والنقد الفنّي والترجمة... وكان من علامات عصر وجيل في مسار الإبداع العربي. جمع جبرا أيضاً بين القدس وبغداد التي احترقت فيها ذاكرته قبل أسابيع
نوال العلي
جاء أمر الكتابة عن جبرا إبراهيم جبرا كمفاجأة سارّة ومربكة، كأنّ الاستدارة إلى الخلف ممنوعة بقدر ما هي مرغوبة. استعادة الكتب التي ربتنا، وكنّا كلما قرأنا لمبدع، وقعنا في هواه وحلمنا أن نسمّي أول طفل باسمه. وجبرا كان أكثر من اسم مغوٍ وآسر. قراءة جبرا في سن مبكرة هي دخول في دوامة البحث عن وليد مسعود. حالة أشبه بالبحث عن التوازن. ذلك النوع من التوازن الذي يخلخل المشي، ومن ثم الارتباك فالسقوط، ثم البحث عن توازن مرة أخرى. مع ذلك، لم ييأس جبرا من البحث في الفنون المختلفة عن حالة تقريبية. التوازن كلّه كلمة تقريبية ما زالت تفي بالغرض: «كيف تجد توازنك الذهني أو النفسي أو الاجتماعي من دون أن تشعر بأنك تقف من الإنسانية على طرف بعيد؟» (ص13).
يمثل وليد مسعود حالة «جبراوية» نموذجية راقبناها في جلّ أعمال صاحب «يوميات سراب عفان». وغالباً ما استندت هذه الحالة إلى مطارحة مفهوم الاغتراب من كلّ مكان وفي كل موضع. وهي حالة تقترحها سرديات جبرا، منطلقةً من التجربة الجمعية أولاً إلى الفردية ثانياً، على عكس من الاغتراب كما كتبه فرانز فانون في «بشرة سوداء، أقنعة بيضاء». جبرا الفلسطيني التلحمي المولد، الذي غادر بلاده بعد النكبة، ثم استقرّ في بغداد، ينطلق من وجود القضية في حياة الفلسطيني كمحرّك أساسي للأحداث. هو لا يستخدم الكليشيهات، ولا نلمح في أعماله عين الحنين المتهافتة، ولا هو بكاتب للتاريخ الفلسطيني. وجد جبرا الفلسطيني نفسه خارج المكان، على رأي إدوار سعيد، فحياته كلها خارجية الهوى، وخارج التجربة الجمعية الأصيلة. ليكون الاغتراب على مستويين فردي (النفي عن المكان تعطيل لترعرع الفرد في حاضنته الجغرافية وبالتالي الثقافية) وجمعي (تعطيل بلوغ الثقافة المحلية وصيرورتها). وما كان يفعله جبرا روائياً وشاعراً وتشكيلياً هو التعامل مع هذين المستويين ومقاومة ذلك التعطيل.
لكن هذا لا يعني أن جبرا إبراهيم جبرا كرّس أدبه للقضية الفلسطينية فقط. اكتسبت رواياته طابعاً إنسانياً مثلما هي حال الأعمال العظيمة. فقد وضع شخوصه في مآزق إنسانية وأخلاقية وفلسفية كما في «السفينة» و«الغرف الأخرى». وكان الحب والجنس موضوعاً أساسياً وأثيراً لديه. حتى إنه شارك صديقه الكاتب البعيد عن عوالم الحب عبد الرحمن منيف كتابة روايتهما «عالم بلا خرائط» رواية عن الحب بامتياز.
ولتوضيح تعلق أعمال جبرا بأثر الاغتراب الفردي والجمعي (يمكن مراجعة بحث د.حماد أبو شاويش الاغتراب في رواية «البحث عن وليد مسعود»)، نأتي سريعاً على ذكر حبكة «البحث عن وليد مسعود» كأبرز أعمال جبرا. تبدأ الرواية باختفاء مسعود بعد استشهاد ابنه مروان، واقتناعه التام بضرورة الالتحاق بالثورة. ورغم أنه ينتمي إلى طبقة بورجوازية يكتشف أن الحياة ممحلة وأن الخلاص يبدأ من الداخل، من صميم الذات. إذاً فبنية حركة العمل هي من الانكسار الجمعي إلى الفردي، إلى المقاومة الجمعية مرة أخرى، لكن المهم هنا أنها مقاومة تحدث داخل الذات.
وربما تكون ترجمات جبرا الشهيرة، رغبة تندرج تحت هذا الإطار. قدم جبرا إلى العربية «الصخب والعنف» لفوكنر، و«في انتظار غودو» لبيكيت، وأعمال تي اس اليوت، وطبعاً كتاب يان كوت «شكسبير معاصرنا». من دون أن ننسى نصوص شكسبير «هاملت» و«عطيل» و«ماكبث» و«الملك لير» وغيرها. كأن المثقف والكاتب الذي فُرض عليه الاغتراب والنفي، قرّر أن يستفيد ـــــ بل أن يستمتع ـــــ بوجوده في الثقافة واللغة الإنكليزية التي أتقنها تماماً وبها كتب عمله الروائي الأول «صيادون في شارع ضيق» (1960) الذي عرّبه محمد عصفور. ويمتد ذلك إلى التأثر بتلك الثقافة في كتابته، فمن الوارد أن يكون جبرا قد تأثر بثلاثية بول أوستر لدى كتابته «يوميات سراب عفان» (1985) التي تتشابه قليلاً في حبكتها مع ذلك العمل، من خلال التلاعب على علاقة الشخصيات بالمؤلف. وإن لم يكن أوستر فاتحاً لهذا التلاعب، فإنّ برانديللو سبق الاثنين في عمله «ست شخصيات تبحث عن مؤلف».

على أيّ حال، بدا تأثّر جبرا بالثقافة الإنكليزية جلياً في كتابته للشعر. كان صاحب «تموز في المدينة» (1959) و«المدار المغلق» (1964) و«لوعة الشمس» (1978) أحد الشركاء المؤسسين لتجربة مجلة «شِعر» الشهيرة، رغم اختلافه مع طراز القصيدة النثرية التي كتبها يوسف الخال وأنسي الحاج وغيرهما. كان ينتمي، شأنه في ذلك شأن «الشعراء التموزيين» كما سمّاهم، إلى «الشعر الحرّ» بمفهومه الأنكلوسكسوني: الشعر المتحرر من الوزن والقافية، إنما القائم على الترابط المنطقي والدلالي بين جمله وأبياته.
لقد كان جبرا مثقفاً شاملاً بحق. لم يقلّ انتماؤه للعراق عن انتمائه لفلسطين، إن لم يربُ عليه. ومنذ أن حلّ وحتى وفاته ودفنه في بغداد، كان حجراً راسخاً ومؤثراً في حراك الثقافة هناك. بل إن بيته المليء بكنوز الفن في حي المنصور في بغداد الذي تفجّر بما فيه من رسوم جبرا وكتبه وثروته الفنية، كان مزاراً ومتحفاً يرتاده كثيرون. يشهد على ذلك الناقد العراقي حاتم الصكر الذي وصفه بأنّه «فريق من الكتّاب في رجل واحد». كما أنّ له مراسلات بديعة مع بدر شاكر السياب وكتب في التشكيل العراقي، ولا سيّما عن جواد سليم. غير أنّ علاقة جبرا بالتشكيل ليست علاقة الناقد بالفن، إنها بالأحرى علاقة الفنان بالفن.
أحد مؤسّسي مجلة «شِعر»، رغم اختلافه مع القصيدة النثرية التي كتبها يوسف الخال وأنسي الحاج
التشكيل كان في دم جبرا وعلاقته به قديمة قبل العراق. بعدما عاد جبرا من دراسته في «كامبريدج» في بريطانيا سنة 1944، أسس في القدس «نادي الفن» الذي كان له أثر رغم قصر عمره على فناني فلسطين تلك الحقبة. ومن أعماله الشهيرة التي ناقشها كمال بلاطة في كتابيه «الفن الفلسطيني حقل المجهول» و«غارة جوية».
سيرة جبرا منذ ولدنة الفتى السرياني الأرثوذكسي في بيت لحم وحتى انهمار الغارات الجوية، ومسار حياته بعدها نجده مكتوباً في سيرتين هما «البئر الأولى» (1986 ــ الريّس) و«شارع الأميرات» (1994 ــ المؤسسة العربية للدراسات). ضمّت الأولى حياته في فلسطين قبل النكبة. أما الثانية فكما يشير اسمها إلى شارع في بغداد، فتحكي عن حياته في العاصمة العراقيّة. حياته لم تخل من الفجائع الشخصية، إحداها موت شقيقته الذي ترك في نفسه أثراً بالغاً. حتى إنه اعتبر أن المأساة هي سبب الفن، بل كل أسبابه.

إلى هذه المهمات الصعبة كلها التي وضعها جبرا لنفسه، أضاف النقد والدراسات في الأدب والتشكيل، فكتب «الفن والحلم والفعل» و«الأسطورة والرمز» وغيرها الكثير. وجبرا معاصرنا أيضاً، أعماله ليست من النوع الذي يهترئ، وتعتقد أنك أحببته مراهقاً ولن يعود بمقدورك إعادة قراءته مثل كتّاب كثر ما زالوا أحياء. إنّها أعمال تنتمي إلى الحداثة التي قال عنها يوماً «الحداثة العربية التي نشدتُها، وعشت بها، لم تكن يوماً هدفاً لمسعى تبلغه، فتستريح. الحداثة تطلّع مستمر، وأهميته في استمراره الذي لا ينتهي إلا حين يطبق الظلام على الكون والإنسان».
حاتم الصكر يتذكّر
كنت أمازحه: بيتك معلم يزوره السياح، مثل آثار بغداد. فما إن يفتح لك الباب، وتسير فى ممر ضيق يؤدي إلى صالة واسعة مفتوحة على غرفة أخرى إلى اليسار، حتى تحس بأنك في متحف. لوحات لجواد سليم، وشاكر حسن آل سعيد، وفائق حسن... منحوتات لمحمد غني وإسماعيل فتاح... على يمينك رفوف الكتب كلها إهداءات بخط أصحابها: السياب والبياتي وإحسان عباس وسهيل إدريس... وصور له مع أبرز أصدقائه، كعبد الرحمن منيف ويوسف الخال وتوفيق الصايغ...

http://www.4shared.com/document/ZGM3HeKc/____-__.html

ايوب صابر 11-03-2011 04:09 PM

عن جبرا إبراهيم جبرا
....السيرة الذاتية تعدّ إضاءة (بانورامية) تضيء الذات المبدعة من الداخل والخارج على السواء، لأن الأديب يقف على أحداث متعددة، ووجوه متنوّعة، وعلى تجارب ومعاناة وثقافات أسّست العلاقة معه، أو أثّرت في مكوّناته المعرفية، فاستمدّ منها نسع الإبداع، وعبّر عنها بالكلمة الموحية، والعبارة الدالّة التي سجّلها بقلمه الخصب، على دفاتره الخاصة، التي وصلت إلينا، لنطالع فيها وجهيه اللذين يبدوان ـ في النهاية ـ ناصعين، على الرغم مما هبّ عليهما من نسائم وعواصف.‏

ومع نزوع بعض الكتّاب العرب إلى تسجيل تجاربهم في سِيَرٍ ذاتية، فإن أصحاب هذا الجنس الأدبي يحاولون دائماً أن يوجدوا المسوّغات التي دفعتهم للبوح والاعتراف، وإنارة الماضي، "ولا يقتضي ذلك بطبيعة الحال أن يكون ما يذكرونه، هو السبب الحقيقي، والدافع الأصيل".(1).‏

ومع أن "جبرا" يلمّح في بداية "البئر المهجورة" إلى رغبة كامنة في داخله لكتابة سيرته الذاتية منذ شبابه، فإننا لا نشك في الدافع المباشر الذي سوّغ به كتابة السيرة، فهو الأديب المبدع والفنّان المتعدّد المواهب، وقد حثّته السيدة "هايدي لويد" عام 1945، "حين كان يجلس معها في ـ فلسطين ـ جلسة ودٍّ وصفاء، يتناولان القهوة "إذ قالت بشيء من الإغراء":‏
ـ حدثني عن حياتك!... يقولون إنك عشت وما زلت تعيش حياةً مبعثرة.‏
ضحكتُ عندها، وقلت:‏
ـ حياة مبعثرة؟ أنا لست بطل الأبطال، إن كنتِ لا تعلمين.‏
ـ لا.. لا.. أنا لا أعني ذلك النوع من الحياة، ولكن تجربتك الفيزيائية، النفسية، الذهنية، علاقاتك العاطفية.‏
وبلمح البصر، عاودني خليط من أحداث طفولتي، ومراهقتي وسنواتي في إنكلترا، بتداخل وتسارع عجيبين. قلت:‏
إذا كان ذلك ما تقصدين، فسأفعل، ولكن ليس الآن، لأن القصة طويلة جداً.‏

ـ إذن انتظر أن أقرأ سيرتك الذاتية يوماً ما.‏
ـ أخشى أن يطول انتظاركِ..."(2).‏
إن "جبرا" في سيرته الكاملة "يتفرّد عن كثير من السير الذاتية، ليس على الصعيد العربي فحسب بل على العالمي أيضاً،
إذ أن قليلاً من الكتاب من يفرد لطفولته كتاباً خاصاً، بل إنمعظمهم يميلون إلى تجنّب ذلك أو إهماله.. وقد جرت عادتهم إذا ركّزوا على أحداث طفولتهم أن ينظروا إليها بعين النضج الذي أدركوه مع تقدّم السن..".(3). ولم يكن "جبرا" كذلك، وإنما ترك طفولته تأخذ مجراها، وغالباً ما نظر إليها بعيني طفلٍ، وتعامل معها بعقلية البراءة..‏


لقد هيأ لنا "جبرا" بأسلوب الأديب أن نستشفّ من سيرته الآثار التي تركت بصماتها على فنّه وفكره، فسفح أمام أعيننا صور الأحلام التي دارت في مخيّلته، وفي هذا مصدرٌ هام يلقي مزيداً من الضوء على سيرته الأدبية، ونتاجه الفكري، واهتماماته المتعدّدة المتنوعة.‏

إن "جبرا" الذي غدا الأديب المتميّز في منظور القرّاء والنقاد على السواء، ترك بين أيدينا حياته وفكره وإبداعاته، وقد رسمها بقلمه، ومشاعره في لوحات "بانورامية"، ثلاث، أتت على مراحل حياته، وجعلها في كتابين (البئر الأولى) و(شارع الأميرات)، وقد أمهله القدر حتى طبع الأخير الذي رأى النور قبل رحيله عن عالمنا بأسبوع واحد، وكأن فارس الإبداع لم يرحل عن الساحة الأدبية إلاَّ بعد أن ثبّت عليها راياته بيديه.‏

أولاً ـ المرحلة الفلسطينية ـ الطفولة والصبا:‏
إن أول ما تناهى إلى سمع الفتى حين وفد على الحياة، كانت ألحان النواقيس، تعزفها أجراس كنيسة المهد في "بيت لحم" المدينة المقدسة عام 1920، وما إن تفتحت عيناه على الموجودات من حوله، حتى ارتفع بالنظر إلى السماء الزرقاء، التي تحيط بقباب المدينة ومناراتها، التي باركها الله بالسيد المسيح، فكان نظره محلّقاً دائماً إلى الأعالي، وقليلاً ما ينزل إلى الأرض، وكأنه يتنبأ بأنه سيغدو في مستقبل أيامه طائراً يحلّق في الأجواء، ويحمله الأدب على أجنحة لا زوردية، تتناسب مع روعة أرض القدس، وحاراتها القديمة، التي انتقل إليها مع أسرته، ودرس في كليتها العربية، كما أنها تتواءم مع روعة فلسطين وجمالها، التي غادرها يافعاً للدراسة في بريطانيا، ولم يكن يعلم أنه لن يتمتع بالإقامة فيها طويلاً، لأنه سيهجرها بحلول نكبة عام 1948، فيطير الطائر الجميل، وهو يحمل وشيها في منمنمات وعيه ولا وعيه، ولم تستطع فاتنات الإنكليز في لندن، ولا في جامعتي "إكسترا"، و"كمبردج"، ولا شقراوات "جامعة هارفرد" الأمريكيات أن يزلزلن شيئاً من الجوى الذي ظلَّ يحمله للوطن في حلّه وترحاله، وبقي مقيماً معه حتى الرمق الأخير.‏

تعلّق الفتى منذ حداثته بالكتاب، فعشق المطالعة، وتأثّر بأفكار طه حسين وسلامة موسى من الكتّاب العرب، ثم تطلّع بأنظاره إلى آداب الأمم الأخرى وفلسفاتها، فأقبل ينهل ما وسعه من "إليوت، وفرويد، ويونغ، وسارتر، وكامو، وإيليا اهربنورغ، وشكسبير، وفوكنر، وغوته، وفلوبير، ودستويفسكي، وبايرون، وهيوم...".‏

لقد كان له مع هؤلاء وأمثالهم وقفات في استلهام فنهم الروائي، وإبداعاتهم النقدية، التي استفاد منها في النقد الذي جرّبه على شعر بدر شاكر السياب، وأدونيس بصورة خاصة، ويوسف الخال وتوفيق صايغ ورياض نجيب الريس وسواهم بصورة عامة، فكان أحد رموز الشعر الحديث بما طرحه من مصطلحات أشهرها "المنهج الموضوعي الجديد"، و"المعادل الموضوعي"، و"وحدة القصيدة العضوية"، حيث دعا للرجوع إلى التراث المشرقي، واستخدام الرموز، والانفتاح على العصر، وتجاوز الشعر التقليدي الذي مضى زمنه وانقضى، وعندما أهدى إليه أخوه ديوان "الملاح التائه"، للشاعر (علي محمود طه)، كإنتاج جديد من الشعر المعاصر، تصفّحه، فشعر بالامتعاض لأنه لم يجد فيه سوى "هراء وتنغيم أطفال، ومبتذلات القول كلها اجتمعت في تلك القصائد التي عُدّت يومها آية في التجديد والخلق"، (4).‏

وحين وضعوا بين يديه ديوان (أحمد شوقي) الذي بويع أميراً للشعراء العرب في القرن العشرين، عاودته الخيبة "كانت خيبتي بالمرارة نفسها، لتلك المنمنمات العثمانية التي ما عادت تجربة الحرب الطاحنة تتحمّلها"(5)، لأن هذا لا ينسجم مع منظور الشاعر المتفتح على الحياة.‏

لقد تبصّر "جبرا" في الصورة الشعرية الأوروبية، مع قلّة من أترابه، لكنه وجد نفسه ـ معهم ـ منبوذاً من قبل شعراء العمود، كما يقول "جبرا": لقد أصبحنا يومئذٍ ـ وإن كنا قلّة غريبة لم يعترف بنا أحد بعد ـ جزءاً من عصريات (الجمال) السطحي فيه ـ شيئاً مذموماً أقرب إلى (جمال) الزهور الشمعية المصطنعة، التي لن يقبلها ذوق لا يجد متعته إلاَّ في توتّر التجربة، وزخم الحسّ والعنف والمأساة"،
(6).‏

على الرغم من أن "جبرا" جسّد في رواياته العالم البرجوازي، وأجواءه وطقوسه، وعلاقات أفراده...
إلاَّ أنه في نشأته لم يكن كذلك، فحياة الأسرة في مرحلة طفولته التي رسمها في سيرته الذاتية "البئر الأولى"، رصدت حياته حتى الثالثة عشرة، ولما كان العنوان علامةً بارزةً في تحديد النصّ، والكشف عن مجموعة الدلالات المركزية المنبثقة منه؛ فإن "جبرا" قد عمد إلى الإيحاء والترميز، نظراً لما للبئر من موقع حسّاس في النفس، ينمّ عن معايير معيّنة في اختياره لتركيب وصفي، جمالي ودلالي معاً، يوحي بالانخفاض والعوز والعمق والسجن والرطوبة والدونية والتحتية والرهبة، وقد كان يؤكّد على هذه الدلالة كلما استعاد في طفولته شيئاً من خوفٍ أو حزنٍ، فحين هزَّ زلزالٌ فلسطين، وصفه الأديب الكبير بعيّني طفلٍ صغيرٍ، في رواية "البحث عن وليد مسعود": شهدت الزلزال وأنا طفل في السادسة، لقد خضّ الأرض كما لو خضّتها ريح غريبة رهيبة، كنت جالساً على الأرض مع غيري من الأطفال في المدرسة الصغيرة، فحسبت الريح الهادرة هزّت البنيان القديم هزّاً عنيفاً، ولمّا انطلق الصبية مذعورين إلى الخارج، انطلقت معهم، ورأيت الحجارة تتساقط كتلاً من أعلى المبنى العتيق المقابل، وتتكوّم أمام عيني في ركام أبيض مريع، واتجهتْ أبصارنا من الخرابة التي نحن فيها نحو كنيسة المهد نستنجد الله لإنقاذنا، وسمعت بعض الكبار يقولون: "إن كان هذا يوم القيامة، فهل يستهدفنا الله تحت الأنقاض، ليقيمنا من تحتها مرة أخرى!". وفضلا ًعن ذلك، فإن العنوان يرمز إلى الذاكرة التي اختزنت في "بئرها" ما يمدّها بنسغ الإبداع وقد "تجمّعت فيها أولى التجارب والرؤى والأصوات

. أولى الأفراح والأحزان والمخاوف التي جعلت تنهمر على الطفل، فأخذ إدراكه يتزايد، ووعيه يتصاعد"(. وهذا ما جعل "من الذاكرة (البئر) أو المخبأ الذي يحفظ فيه تجاربه الأولى. تجارب الطفولة التي هي أكثر من حصيلة ذكريات خاصة، فهو يدرك أن الأصول الحقيقية للأشياء تعود إلى التجارب الأولى من حياة المرء"، (9). وأكّد على ذلك مراراً مركّزاً على لفظ "البئر" ومدلولها: "طفولتي ما زالت هي ينبوعي الأغزر. إنها البئر والعين التي تمدّني بالكثير من النسغ لما يتنامى في ذهني من بنت الخيال، وأرجو أنها ستستمر في منع الجفاف والعطش".(10).‏

ولقد رأى في (البئر) ما يرمز إلى حياة الناس الواقعية، والدينية: أما الواقعية فهي مستمدّة من حياة الناس في عشرينيات القرن الماضي، حيث كانت البيوت لا تُسكن إذا لم تكن في بئرٌ: "هل توجد بئرٌ في حوش الدار؟ هل هي عميقة؟ وفي حالةٍ جيدة؟ هل ماؤها طيب؟ أم أنها لم تنزح من طينتها منذ سنين؟".(11).‏

أما المدلول الديني فقد استمدّه من التراثين: الإسلامي، الذي ورد في "سورة يوسف"، في القرآن كريم، والمسيحي، في قصة الملك البابلي "دانيال"، "حيث يتحوّل البئر في كل من القصتين إلى نقطة تحوّل نحو السمو والرفعة، بدلاً من أن تكون النقطة التي تنتهي عندها الحياة". (12).‏

إن مؤشرات المرحلة الأولى تنمّ عن حالة الفقر و الحلم التي وسمت حياة الطفل، وقد تغلغلت منمنماتها في ثنايا رواياته، وحظيت بيت لحم ـ مهد الطفولة، ومرتع الصبا ـ بنصيب وافر من استذكاراته التي شهدت تشكيل أولى التجارب والرؤى والأصوات، فاختزن‏ الصبي منها ما "يمرّ به كل يوم، يعاينه، أو يتلذّذ به". (13).‏

ارتبطت مدينة المهد في وعي الصغير بـ(المسيحية) رمز المحبة والسلام، كما ارتبطت بـ"الفقر والعوز"، فكان يرى الملاكين الصغار لا يجدون فيها ما يرغّبهم في العيش، فيندفعون نحو شاطئ البحر، ينتظرون السفن التي تحملهم، وبأيديهم مناديل الوداع، ميمّمين شطر المهجر الأمريكي. شأنهم في ذلك شأن إخوانهم، من ذلك الرعيل المهاجر، من أبناء بلاد الشام:‏

"كان أثر الهجرة بادياً بوضوح، في مطلع العشرينيات في خلوّ الكثير من البيوت والمباني من أصحابها، وفي حالة الإهمال أو التداعي التي تعاني منها مئات المنازل والكروم المحيطة بالبلدة، غير أن مركز "بيت لحم"، كحاضنة لمهد المسيح أعطاها تميّزاً من نوع فريد، وهيأت لعددٍ كبير من أهلها مورداً سياحياً من الصناعات اليدوية المقرونة بمقدسات المسيحيين والمسلمين، فكانت تستورد كمياتٍ كبيرة من الأصداف الخام لتحويلها... إلى مسابح وصلبان ومصغّرات لكنيسة المهد، وقبة الصخرة، إضافة إلى العلب، والأطر النفيسة، التي كانت ترصّع بالصدف، ويقبل على شرائها الزوّار الأجانب".(14).‏

تمثل "بيت لحم" الطبيعة الأولى البكر في مخيّلة "جبرا" فتظلّ ترافقه طوال حياته، لأنها طفولته، التي يسترسل في وصفها، ويرسمها في الربيع، فيستلهم عشياتها، وتتحول سماؤها إلى فضاءات جميلة تغطيها أسراب السنونو التي تفد "في العشيات تعبر الفضاءات اللازوردية، وقد وفدت من جديد إلى الأرض التي تحبّها... عشيات الربيع في بيت لحم. أينما كنا نلعب أو نغني. نروي الحكايات، كانت تصخب بجحافل السنونو، وتعبث وتلهو وتدور وتشفّ عن أسطح البيوت، ثم تعلو السماوات الرحاب، نتابعها وهي تغير وتنعطف وتستدير، ثم تغيّر وجهة طيرانها... وتملأ الأجواء فرحاً وبهجة، نتلقّى فعلها في أنفسنا دون ما وعي، فيشتدّ صخبنا، ونمعن في الركض والقفز ونرفع أصواتنا في الغناء والصياح.."(15).‏

ولا تمثِّل "بيت لحم" في الذاكرة مكان الطفولة، ومهد المشاعر الدينية فحسب، وإنما غدت مع أختها الكبرى "القدس" الوطن الصغير "فلسطين" تتبوأ في فن الروائي مكان القلب الذي يمدّ السرد الروائي بالنبض، ويضخّ إلى باقي أجزاء الجسد الدم الموّار، الذي يساعد على الحياة والأمل "أما القدس فهي من أكثر المدن حضوراً في رواياتي، ولا تكاد تخلو رواية من ذكر هذه المدينة"(16
). إذ تلحّ عليه ذكراها بمرارة بعد ما غادرها إلى بغداد، بُعيد النكبة، حيث وجد نفسه منفياً محاصراً، وهو في ميعة الصبا. لذلك لم تثر بغداد لديه ـ في البداية ـ ماكان يرسمه القلب لها من سحرية المدن الشهرزادية: "في ذلك اليوم الأول من تشرين الأول عام 1948، حين وصلت إلى بغداد، لم يكن السبب أنني رأيت لندن وباريس والقاهرة ودمشق، لقد نسيت أسفاري وماعدت أستطيع أن أذكر ملامح أي مدينة في العالم سوى مدينة واحدة أذكرها... أذكرها طيلة الوقت، تركت جزءاً من حياتي مدفوناً تحت أنقاضها. تحت أشجارها المجرّحة، وسقوفها المهدّمة، وقدآتي إلى بغداد، وعيناي ما زالتا تتشبثان بها ـ القدس ـ...".(17).‏

إن "القدس" ظلّت مقيمةً في قلبه، مظللةً بالأمل والحاجة. فالبيت الذي سكنت فيه الأسرة في حارة
(جورة العناب) خلّده في روايته (صراخ في ليلٍ طويل)، وقد جعله مقرّ بطل روايته (أيمن) الذي وصفه بتعابير الطفولة: "عندما كنت صغيراً أسكن مع أبي وإخوتي الثلاثة، في غرفةٍ مربعةٍ ضيقةٍ لها شباكٌ صغيرٌ واحدٌ، لا زجاج له. لا أظننا كنا نتذمر كثيراً، فليس جيراننا بأحسن حالاً منا، ولا أقرباء لنا ساكنين في بيوتٍ أحسن من بيتنا، فلا داعي هناك للحسد. كنا قانعين بنصيبنا. لم يشعر أحدٌ منا عن وعيٍ بزراية حالته، وفساد الهواء الذي يتنفسه... أما الشجار فقد كان من التقاليد الراسخة، فقد كنا نتشاجر بحماسةٍ هائلةٍ، ثم نتصالح فيعود الوئام بيننا مع الكثير من المحبة والرقةِ"(18).‏

يتذكّر "جبرا" ـ
بعد أن تحسّن وضع الأسرة ـ البيت الذي أشار على أبيه ببنائه، بعد أن اختار مكانه بنفسه ـ قبيل النكبة ـ فوق جبل "القطمون" الذي يطلّ على الحيّ اليهودي، فكان كثيراً ما يقف في شرفته ويشاهد "أزواجاً من الفتيان والفتيات يصعدن إلى الباب، ويدقون الجرس.‏

كانوا يقولون إنهم ينجذبون بقنطرة المدخل، وأزهار الجارانبوم التي تكسو الدرج الحجري الأبيض، والنوافذ العالية، بأعمدتها الثلاثية ـ في الطابق الثاني ـ التي كانت حين تعكس الشمس تتصاعد كالشعلة الملتهبة فوق الوادي".(19)، وعلى الرغم من ابتعاد "جبرا" عن القدس فإنها لم تفارق ذاكرته، فلا تزال ضحكات أطفالها يتردّد صداها في سمعه. إنه يذكرها "كآدم يذكر الجنة. فالصبي إذ ينمو، تنمو المدينة في كل زاوية من زوايا نفسه... وصباه إنما هو انعكاس لمئات الطرقات والبيوت والحوانيت والأزقّة والأشجار والبقاع المزروعة التي تخضّر في الربيع، وتصفّر في الشتاء، والصخور المنتشرة في كل مكان، والتي تؤلف المدينة.. أين تنتهي الذات، ويبدأ الموضوع؟ هنا شارع بكى فيه الولد وجاع، وضحك، وعشق فتاة لا يعرف اسمها لأنها ابتسمت له من غير قصدٍ، وركض فيه. في المطر. في الظلام. مع إخوته. مع والديه. مع العشرات من أصدقائه الذين ما زال يسمع في ذهنه أصواتهم المتجاذبة. بين مباني الشارع. مثل هذا الشارع. هل يمكن أن يبقى امتداداً هندسياً موضوعياً مجرّداً؟؟".(20).‏

ايوب صابر 11-03-2011 04:11 PM

تكملة : عن جبرا ابراهيم جبرا
إن الذكريات الأولى في القدس ستظلّ حتى نهاية العمر تمدّه بموحيات الإبداع. يذكرها بتفاصيلها الدقيقة، من مشاركته في إضراب عام 1939، ومعاينته بناء الكلية العربية التي درس فيها، ولا ينسى ما عاناه مع أهله من الإرهاب الصهيوني الذي تعرضت له المدينة، حين "شرع اليهود في تدمير القدس الجديدة، مبتدئين أولاً بنسف المقرّات الحكومية، ومن أشهرها نسف جناح السكرتارية العامة للحكومة في فندق الملك داود، ونسفهم أيضاً بعد إعلان التقسيم في تشرين الثاني عام 1947 لمنازل العرب ليلاً، ولاسيما في حي القطمون الذي كان مجاوراً حي "راحافايا"، اليهودي، حيث سكن فيه مع أسرته بعد رجوعه من لندن".(21).‏

ويتذكّر معلميه العرب الذين درّسوه في القدس، وقد غدوا أعلاماً في الفكر و الأدب والشعر، أمثال الشاعرين: إبراهيم طوقان، وعبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)، و الأدباء محمد خورشيد (محمد العدناني)، صاحب (معجم الأخطاء الشائعة)، وإسحاق موسى الحسيني، وحسن الكرمي، صاحب برنامج (قول على قول) في إذاعة لندن.‏

ومع تسارع الأحداث ودموّيتها، تعود الأسرة إلى بيت لحم،
ولكن سرعان ما تحلّ النكبة، فتلقي بـ"جبرا" إلى بغداد، ليحطّ رحاله في ربوعها، وتغدو المدينة العربية الثالثة دار إقامته الأبدية. إذ كتب للجسد أن يوارى في ثراها، بعد أن وشّى الأندية والكتب والأمسيات بألوان قشيبة لا تبهت ألوانها على مدى الزمن.‏

و"جبرا"، الذي حمل فلسطين في جوارحه لم ينسَ يوماً الطغيان الصهيوني الذي كان شاهداً عليه ولن تغادر أنفه رائحة اليهودي "تزكم الطفل بالعفن والعطن الغريبين، وأمه توصيه وإخوته بالحذر من اليهود"، "
إنهم يسرقون الأطفال في أعيادهم ليذبحوهم، ويمزجوا دماءهم في عجين خبز الفطير
، وقبّة "راحيل"، ستبدو دوماً للطفل ذلك الحدّ الفاصل بين المعلوم والمجهول. بين الألفة الغربة، ولن تغادر الطفل حتى شيخوخته صورة الحاخامات، وأصداء ولولتهم الغريبة في القبّة التي تمتدّ بعدها الطريق إلى القدس. إلى عالم الغوامض والأسرار.‏

وستبدو القدس ـ بعد بيت لحم ـ قوام البعد الفلسطيني في عالم الطفل، وما سيؤول إليه، فمنذ الانتقال إلى دار (فتحو) في بيت لحم، وإذ يشرف "جبرا" مع أخيه "يوسف" على أضواء القدس، يقول الأخير: إنه ضياء مدينة القدس يريد الله لها أن تتوهج في وسط الظلام الذي يملأ الدنيا".(22).‏

ضمّت المرحلة الحلمية الأولى تطلّعات الفتى الأدبية المبكّرة في التغيير والتطوير، والتي تجلّت في رؤيته الشعرية التي التقت ـ فيما بعد ـ مع جماعة مجلة (شعر) اللبنانية "أيام كنا صغاراً ـ قبل الحرب العالمية الثانية، وحتى في أوائل الأربعينيات ـ كان الشعر لنا غناءً وطرباً، وكنا نتصارع بأبيات الشعر من خلال الريح، ومن بين الأشجار، ومن على القمم. كان الشعر صنو البراءة. إنه صنو تجربة الفردوس، لا تجربة الجحيم. ـ ولعلني هنا أتحدّث كفلسطيني عرف النكبة ـ فالشعر
صرير أسنان وصراخ ألم.
الجحيم فلاة منبسطة يمشي المرء إلى ما لا نهاية دون أن يرى شيئاً، لا شجرةً، ولا طيراً. غربان تسفّ وتحلّق وتختفي ـ أحياناً ـ والسير وعرٌ ومستمرّ، والشعر صرير أسنان، وقرح في القدمين، والمصيبة هي أن غير الشعر لا يستحق الكتابة، فحتى النثر، إذا لم يكن بالمنطويات الشعرية، فهو ثرثرة باطلة.‏

وهكذا بلغنا نقطةً ما عدنا نستمرئ عندها الكلام الموشّى سطحاً. الفارغ قلباً، وفي هذا بلغنا مرحلة تشبه مرحلة الذوق التي‏ بلغتها أوروبا في العشرينيات الأولى من هذا القرن".(23).‏

إن "جبرا" في المرحلة الفلسطينية كان مشروعاً شعرياً واعداً، بإرهاصات مبكرة، عانى منها معاناة كبار المبدعين في العالم، كمعاناته من الأزمة (اللفظية) التي عبّر عنها بـ(أزمة الكلمات) فوقف عند الفرق بين رؤية الشاب لها، ورؤية المحترف، فالأول: "يرى الكلمات شابةً نقيةً لم تتهرّأ ـ بعد ـ بالاستعمال، ولكن الكاتب الحساس يرى بعد مرّ السنين أن هذه الكلمات التي هي وسيلته الأولى والأخيرة، أخذت تفقد نضارتها وطاقتها، وجعلت تتهرّأ وتتهافت بين يديه. أغلب الظن أن النضج يفوق أحياناً مقدرة المرء اللفظية، إلاَّ إذا استطاع أن ينمّي الطاقة اللفظية مع نموّه وتفكيره وتعبيره. هل بدأنا نشكّ في أن ألفاظنا أصابها الوهن، في حين أن تجربتنا اشتدّت تأجّجاً وعنفاً، وكانت النتيجة قطيعة بين الاثنتين؟... ربما.‏

الغريب أن الإنسان كلما كبر، استهجن التعقيد والغموض والإبهام، وتوخّى الوضوح والمباشرة، وأحياناً البساطة، ولكن رغم ذلك فإن الوضوح والمباشرة، والبساطة تختلف لديه عما كان يتوخاه منها في كتاباته الباكرة". (24).‏

لقد كان الشعر في مرحلة التفتح الأولى حلم الشاعر، ونور غده الذي يستشرف معه الحياة الجديدة، والنفاذ من خلاله إلى الكون، كان مدخله الذي يلج منه إلى عوالم الأدب والثقافة التي يطلّ منها على الإبداع، بأبهى صوره وأجمل رموزه التراثية "لكن صدمة الشعر الغربي ـ الإنكليزي على وجه التحديد ـ التي هزّت كيانه، وصبغت حدقته، وأيقظت قدراته الخلاقة، خاصة لتشابكها مع بقية خيوط النسيج الإبداعي للفنون التشكيلية والموسيقية، مما طبع "جبرا" منذ بدايات حياته على الاستغراق في التجربة الجمالية الكلية قبل تأمّل قسماتها المتميزة في الأجناس الأدبية المختلفة، ومحاولة تحقيقها في إنتاجه، وهو يصف لنا هذا الوله الشعري بالحياة".(25). قائلاً في "معايشة النمرة": "عشرينياتي الأولى، على ما كنت منهمكاً في مطالعته، وعلى ما كنت متعلّقاً به من حركات الرسم و النحت منذ النهضة الأوروبية، حتى ماتيس، وبراك، وبيكاسو، كان الشعراء بعض صانعيها، ومحفّريها ومالئيها، ما افتتنت با مرأةٍ، وما عشقت جسداً أو حجراً، وما أُخذت بفكرة، وما أحببت لوناً، أو خطاً، أو زهرة في الغابات، بين الصخور، على ركام الخرائب مع أروع المباني، إلاَّ وكان في الشعر هؤلاء المبدعون (ويعدّد عشرات منهم)، الدافع الأعظم لعواطفي، لإدراكي، لنفاذي إلى قلب الأشياء جميعاً. كم كان الشعر خلاقاً ورائعاً يومئذٍ!".‏

إن عشق الشعر ـ هو عشق لشعرية الحياة، والتماس ينابيعها في الشرق والغرب على السواء، ولقد اكتشف ابن الثامنة عشرة ـ بعد إلمامه باللغة الإنكليزية ـ جماليات الرومانسية الإنكليزية، ممثلةً في أشعار (كيتس) الذي ترجم له (أغنية إلى بلبل) و(أغنية عن إناء إغريقي)، وقد لمس فيهما طاقات تعبيرية هائلةً من العواطف تبدّت له أهميتها في حالات : الحب والجمال والحرية.... كما لمس مثل ذلك لدى (شيلي)، الذي أغرم به في باكورة شبابه إلى درجة العشق.‏

ولمّا كان اهتمامه الأول منصبّاً على الشاعرية الحلمية القائمة على التجديد، فإن رؤاه الأخرى للأدب والفن عامة، لم تكن ترضى بغير التجديد أيضاً، وقد أدرك "أن ما هو قائم ينبغي تغييره من دون أن يتوقّف طويلاً أمام الجديد المنتظر، وكانت له بصيرته التي تدفعه طليقاً إلى الجديد، بل كان له جموحه، الذي يحضّه على اقتفاء آثار جديدٍ غير مسبق، وربما كان هذا المزاج الجامع سبباً في الاحتفال بالثقافة والفن إلى حدود التقديس، حيث الثقافة ـ كما الفن ـ تذهب إلى إصلاح البشر، وتقف فوقهم، وإذا كان البحث عن الجديد قد حقق لقاء "جبرا" مع الرواية واللغة والشعر الحديث، فإن الجموح المنشدّ إلى جديدٍ غير مسبق، فصل بين الجديد والتاريخ، ووسّد الجديد الجامح زمناً إنسانياً كونياً لا وجود له، ومع أن "جبرا" في روايته اللاحقة "صيادون في شارع ضيق"، سيحدّد المكان والزمان، فإن التجريد لن يهجر "مثقفه المتعالي"، الذي يُرى اسماً ولا يرى كوجود ممكن التحقيق.".(26).‏

لقد كان هذا التجديد محور رؤية "جبرا" بعد عودته من إنكلترا إلى القدس وعمله في التدريس في المدرسة الثانوية التي درس فيها بعد أن تحوّل اسمها إلى (الكلية الرشيدية)، وظهر ذلك في روايتيه اللتين كتبهما بالإنكليزية: الأولى (الصدى والغدير)، ولم ينشرها، والثانية (صراخ في ليل طويل)، التي كتب أصولها في القدس عام 1946 ثم نقلها إلى العربية، ونشرها أول مرة في بغداد عام 1955.‏

إن لفلسطين في ذاكرة "جبرا" ولهاً لا يعادله وله آخر. وكانت كما قال عنها: "أشبه بشاعرية بصرية يستسلم لها المرء عفوياً"، ولقد كان هذا الوله في السنوات التي يسافر فيها إلى الخارج، تاركاً مكانه الأمومي المتصل برحم الأرض التي شهدت مراتع طفولته وصباه،
وكان للنكبة أثرها البارز في تعميق الجرح الفلسطيني في الذاكرة الحية، فتداخلت في رواياته، ولوّنت أجواءها بألوان الحب والمأساة.‏

ثانياً ـ المرحلة الأوروبية ـ الغذاء الفكري والثقافي:‏

بين مرحلة الحلم والطفولة الشعرية التي رصدتها "البئر الأولى" وبين إقامته بعد النكبة في بغداد التي رصدتها سيرته الثانية "شارع الأميرات" هناك مرحلة التأسيس الأدبي والفني التي شكّلت شخصية "جبرا" الأدبية والفنية والفكرية، وكانت فترة خصبة من التحصيل الذي أغنى ذائقته وفكره في جامعتي "إكسترا وكمبردج". وحفزّت طموحه الثقافي للتزوّد من المعرفة، فكان على الرغم من إصابته بالرمد في تلك المرحلة نهماً للقراءة، جاداً في التعرّف إلى روّاد الأدب الأوروبي المعاصر، حيث كان لعدد منهم تأثيرٌ كبير على حياته وفنه وأدبه. الأمر الذي ساعده على شق طريقه الذهبي في الدراسة والعطاء الأدبي والترجمة، وقد حقّقت له الدراسة في "لندن" كثيراً من أحلامه، فهناك عرف المهندس الفرنسي "فرديناند دولسبس" الذي استطاع بما أوتيه من درايةٍ وحذقٍ، إقناعَ والي مصر سعيد باشا بضرورة حفر قناة السويس، التي تجمع بين بحرين كبيرين حقّق بها لقاء الشرق بالغرب، وقد ربط "جبرا" بين "دولسبس" العبقري وبين إنسانيته، أو خصوصياته كما رسمها بعناية في "شارع الأميرات"، حيث ركّز على صورة الرجل الكهل ا لذي تجاوز الرابعة والستين من عمره، وأحب فتاة في الحادية والعشرين، تزوجها، وأنجب منها أحد عشر ولداً.‏

وتعرّف "جبرا" إلى الأديب الإنكليزي "لورانس داريل" الشاعر، في مطلع حياته، ثم الروائي الأكثر شهرة في العالم ـ فيما بعد ـ صاحب "رباعية الإسكندرية" ورسم صورةً جميلةً لهذا المبدع الإسكندراني الذي تأثر به عددٌ من روائيي العرب، أمثال "فتحي غانم"، في "الرجل الذي فقد ظلّه"، و"نجيب محفوظ"، في "ميرامار"، و"غسان كنفاني"، في "ما تبقى لكم"، و"غادة السمان"، في "بيروت 75" و"ليلة المليار"، و"جبرا" نفسه في "السفينة".‏

لقد كانت المرحلة الإنكليزية رحلة الغذاء الفكري الذي فتح أمامه أبواب الثقافة والحداثة والمعاصرة، وأطلعه على آراء أساطين الفن، وأعلام الأدب في أوروبا، مما أيقظ في نفسه وعياً جديداً صقلته فاجعة النكبة، وزادته قناعة وإصراراً على الالتزام بالتغيير والتطوير، والثورة والحرية، والإصرار ـ نقدياً ـ على وحدة القصيدة العضوية، والتركيب الدرامي، والمؤثرات الأجنبية، من دون اللهاث وراء الصراعات الغربية، والاعتقاد بأن طريق الحداثة يحتاج إلى تمهيد وتعبيد، وتجربة وممارسة ووعي، ترافقه نهضة شاملة، وخلاص من التبعية والتخلف، والتعبير عن روح متوثبة تستوعب العصر وتستلهم التراث العربي، وهذا كله يستلزم الاهتمام بأسلوب الخطاب الفكري عامة والأدبي خاصة، وضرورة تجديد الكتابة العربية، والانفتاح على الإبداع الإنساني، وقد حمّل "جبرا" المثقف والفنان، مسؤولية القيام بدور المجدّد، وطالبه بالبحث عن أسلوب يستطيع من خلاله تصوير محنته، والتفريق بين أزمة الإنسان، وأزمة الأسلوب، بين محنة الأمة، ومحنة الفكر.‏

لقد احتضنت العاصمة الإنكليزية وعيه الفكري، كما احتضنت شبابه الغضّ، فقدّمت إليه أجمل فتياتها في صداقات وزمالة، داخل الجامعة وفي أماكن النزهة، وقد أتى على جانب من هذه العلاقات في ثنايا سيرته وانطباعاته عن المرحلة اللندنية، كعلاقته المتميزة بـ(غلاديس) الفتاة التي أحبها في سنوات الدراسة، وولع بها كأنثى، وعاشقة شعر: "في أوائل العشرينات من عمري، أيام الحرب العالمية الثانية، كنت أذهب من كمبردج إلى لندن، و(هي) التي كانت تأتي من جامعة (إكسترا) في جنوب غرب إنكلترا، وأنا وهي نحمل كتب الشعر، وأذكر منها قصائد دانتي. "اذكرني وأنا في أنفاق الـ"أندر غراوند"، وقطارات المترو، وأنا أقلّب صفحات ذلك الكتاب الصغير الحجم، المطبوع طبعاً كثيفاً ناعماً، انتقل من قصيدة إلى أخرى... خرائب لندن التي كانت تسبّبها الغارات الألمانية المتواصلة، انتشرت في كل مكان، وأنا أجد "حياة جديدة" في قصائد "دانتي" التي كتبها في مطلع شبابه حباً بـ"بباتريس" وأقرأها على "غلاديس" في شوارع المدينة الكبرى، وما كان أروع ضياعنا في طرقاتها وظلماتها".(27).‏

لقد قضى "جبرا" في جامعة (اكسترا) سنته الأولى، وفيها تعلّم الرقص، وعرف معنى الحب، ونكهة الجسد الأنثوي الذي ((كان عاصفاً كالريح، وجارفاً كالسيل، فضاؤه الحقول الخضراء، والأشجار البواسق، يضجّ بالجسد كما يضجّ بالروح"(28).‏

لقد أتاحت له الحياة في (اكسترا) أن يقيم علاقات عاطفية مع أكثر من فتاة في وقت واحد فـ(غلاديس نوبي)، التي طلب إليه صديقها "ستيف دنكرلي" أن يتخلّ لـه عنها لأنه سيتزوجها، ما يلبث أن يضحي له الصديق بها، فيحملها على دراجته، ويقدّمها إلى "جبرا" "وما حدث بقية ذلك النهار، والليلة التي أعقبته لا يمكن أن يروى بسهولة، فقد كان كالحلم، بعضه رعب، ومعظمه لذة، وكله أشبه بالمستحيل"، وسيبلغ التعبير المجازي ذروته حين يشبه "جبرا" شفتي "غلاديس" بفلقتي فاكهة باردة ندية، تذوبان ولا تذوبان على شفتيه.‏

و"برناديت" الأنثى ذات الستة عشر ربيعاً، عرف لذائذ جسدها الجارفة ولياليها المؤرقة، أما "جين هادسون"، التي تعرّف عليها في أحد البارات، فقد رأت في "جبرا" ـ بعد أن شهدت معه عروض المسرح الشكسبيري ـ "هاملت" العربي، كما تخيّلت نفسها "أوفيليا": "وقضينا أياماً في أحراش شكسبيرية ملأى بشموس متفجّرة".‏


أتى "جبرا" على بعض العلاقات العاطفية بروح الأديب، وبشيء من التفصيل، "ولم يتحرّج من ذكر الأسماء النسوية ممن كان على علاقة بهن، مع التنويه بطبيعة تلك العلاقة المادية القائمة على حضور الجسد، والخارجة عن نطاق الهوى العذري، في حين نراه يتحرّج من ذكر اسم الطالبة العراقية التي أحبّته، وكانت بينهما رسائل متبادلة؛ استردّتها بعد زواجه من "لميعة" وقدّمت له هديةً ثمينةً، دلالةً على نبلها، كما يتعمّد إغفال اسم تلك السيدة العراقية التي تعرّف عليها في "باريس" وهو في هذا إنما يحاول أن يعبر عن حال المرأة في كل من البيئتين، إذ أن تصريحه بأسماء النساء في إنكلترا إنما هو تعبير عن الحرية الكبيرة، التي تتمتع بها تلك المجتمعات، بينما يتحرّج من ذكر أسماء النساء العربيات، لأن التقاليد والأعراف لا تسمح بذلك، عاكساً حرصه على تجنّب كل مامن شأنه خدش الحياء، شأنه في ذلك شأن أغلب كتّاب السيرة الذاتية العرب، لم يستطع تجاوز القيم الأخلاقية والأعراف الاجتماعية السائدة في المجتمع. فالمجتمعات العربية كانت تضع المرأة في عزلة تكاد تكون شبه تامة، فضلاً عن الجهل والقسر، فالأديب هنا يعكس حالة المرأة في بيئته ويؤرخ لحيّاتها في ذلك العهد، وشكل الحياة التي عاشتها، وعاشت معها في المجتمعين"(29).‏

وكانت زيارات العمل أو السياحة التي كان "جبرا" يقوم بها من حين إلى آخر إلى العواصم الأوروبية والمدن الأمريكية ذات أثر كبير في إغناء ثقافته، وقد تركت في نفسه انطباعات لا تنسى، فـ"باريس" التي قصدها صيف عام 1951 سائحاً، حفرت في نفسه معالم فنها، وثقافتها، فتملّى من (قوس النصر) و(برج إيفل) وحدائق (التويليري) ففرح وبكى لدى رؤيته لوحات الانطباعيين وسواهم في متحف (أورانجري) "أيّ فرح عارم هزّني حتى النخاع! وكما هو شأني كلما فاجأني الجمال، شهقت وفاضت عيناي وأحاول يائساً كبح دموعي...‏

هكذا كان حالي حين رأيت لأول مرّة لوّحات مونيه، وديفا، ورينوار، وبيزارو، وسيزلي، وسيزان، وفان غوخ، والآخرين.".(30). ولقد وجد "جبرا" في باريس ذلك النبع الذي يروي فكره، ويعطي تجربته بعداً أكبر، بعد ذلك الجوع الثقافي الذي أصابه منذ مغادرته "كمبردج"، "كنت في حركة دائبة، ألعب دور المتلقّي الذي أصابه النهم بعد سنوات من جوع ثقافي منذ مغادرته "كمبردج"، وكنت بدأت أشعر أنني أستنفذ خزيناً ذهبياً لابدَّ من إعادة ملئه، وهاهي المدينة التي تعطيك وتعطيك بقدر ما بوسعك أن تأخذ وتلتهم، وعشقي للفنون هنا ما يغذّيه ويشحذّه كل يوم بمزيد من اللهفة والمتعة".(31).‏

وما أحسّ به في "باريس" من المتعة والحرية والفن، كان نقيض ما أحسّ به في (أمريكا) التي وصفها بـ(العالم الجهم المكتظ بالبشر)، حين قصدها مع زوجته في زمالة دراسية في جامعة (هارفرد) وما اختزنه في نفسه لها تمثّله الغرفة التي نزلا بها "شقتنا تتألف من غرفة كبيرة واحدة مع حمام، ومطبخ صغير بسيط التأثيث... والكنبة الزرقاء التي نجلس عليها في النهار ـ بالإضافة إلى ثلاثة كراسي كبيرة مريحة ـ تتحوّل في الليل بفتحها إلى فراش، إلاَّ أنه فراش غير مريح، فكّنا ساعة النوم نرفع منها الحشايا والوسائد، ونرتّبها على الأرض فراشاً عريضاً، كنّا راضين به في الجنة السحرية التي اقتطعناها أخيراً لأنفسنا في عالم جهم، مكتظّ بالبشر"، (32).وواضح أن النصّ "يجسّد الوضع النفسي للشخصية من خلال علاقتها بالمكان، فعلى الرغم من ضيق الشقة ووقوعها في بناية ضخمة ذات الشقق العديدة والمكتظّة بالبشر. إلاَّ أنها تتحوّل بوجود‏

(لميعة) إلى جنة سحرية ضمّت الزوجين لأول مرة"(33).‏

وبقدر ماكان وصفه لباريس ومعالمها حيوياً، جمالياً وإنسانياً، كان وصفه لمعالم أمريكا خالياً من تعابير التعاطف الإنساني، كما في وصفه لشارعين من شوارع نيويورك هما الصورة الحية للحياة في أمريكا. حيث التباين الواضح بين الفقر والتخلف، والغنى الفاحش للمجتمع الأرستقراطي. فشارع "برودواي" في الحي الشعبي، "طريق متعرّج يقطع الشوارع المستقيمة الأخرى حسبما يشاء، كثير الألوان والأنوار، بادي القذارة، يتعاقب فيه النور والظلام... تملؤه المطاعم الرخيصة التي تضجّ برنين الأشواك والسكاكين، والصحون بين أيدي رجال ونساء كهول جلست الوحشة على وجوههم، وفي الأماكن التي تفضّلها، تجد أغلبية النساء المتوسطات العمر، عجيبات القبعات، في ثرثرة لا تنتهي، وفي هذا الشارع. في خفاياه التي لا يتاح إلاَّ للمريدين معرفتها، تجتمع النفايات الغربية، والمجرمون، والعائشون على ضعف الإنسان، الفقراء والدمامة ألفت للنظر من غيرهما، أمتعة رخيصة، وعواطف رخيصة، وإلى جانب هذا وذاك عدد من أحسن مسارح الدنيا".(34).‏

أما الوجه الآخر للمجتمع الأرستقراطي الأمريكي، هو الشارع الخامس "ففث أفينو"، "شارع متلألئ النظافة، جميل الدكاكين، شاهق العمارات، يمشي على أرصفته نفر من أجمل حسان الدنيا وأشدّهن أناقة، وتباع فيه أغلى الأمتعة، وأشدّها إغراءً للنفس، وهو مستقيم منظّم، شديد القسوة، عديم المبالاة إلاَّ بمن أوتي كثيراً من المال أو وافراً من الحزن".(35).‏

وكما أُخذ "جبرا" في "باريس" بجماليات الأمكنة، وسكر بسحرها، فإن للمدن الإنكليزية ـ في نفسه ـ نكهتها الخاصة باعتبارها المدن الأولى التي عرفها بعد فلسطين، وعرف فيها لذاذات الحب، ولذاذات الأدب، وظلّ يقيم لها في ذاكرته المكانة الأولى بين المدن الأجنبية، فمن "أكسفورد" كان يتملّى تمثال الشاعر الرومانسي (شيلي) عارياً غريقاً تبكيه ربّة الشعر، وفي "ستراتفور أون أفون"، كان يجذبه مسقط رأس "شكسبير"، وفي داره التي قضى فيها "جبرا" يوماً رائعاً، تحايل على أمين الدار، واقترف المحظور بأن كتب اسمه على خشبة إحدى النوافذ قرب اسم الشاعر "بايرون"........‏

لقد عدَّ "جبرا" "ستراتفور..." كعبته التي يحجّ إليها، فتكرّرت زياراته إليها لحضور عروض مسرح شكسبير التذكاري "ذهبت إلى ستراتفور حاجّاً مرة أخرى، لأشاهد في أسبوع واحد ثماني مسرحيات، وذلك بأن أتردّد على المسرح كل يوم، فكنت كل صباح أقرأ نصّ المسرحية التي سأشاهدها في ذلك المساء، وكانت آخرها، وتتويجاً لها (مأساة هملت)، وبقيت نسختها التي قرأتها يومئذٍ محفوظةً عزيزةً بين كتبي، بشيء من (سنتيمنتالية المحب)".(36).‏

في (كمبردج) وغيرها من الأكاديميات الأوروبية عاين "جبرا بنفسه اهتمام الغرب بأعلام العرب وتراثهم الأدبي والفكري، وتوقّف مندهشاً أمام الاحتفاء الأوروبي البالغ بالرموز العربية والإسلامية، في الأدب والطب والاجتماع والفلسفة و التصوّف، فقادته تلك الدهشة وذاك الاحتفاء إلى مراجعة حساباته الأدبية والفكرية والفنية، فانطلق ـ رغم تعلّقه بالحداثة وتمسكه بالتجديد ـ يمعن النظر في الجذور التراثية للأمة العربية، ورأى فيها جوهر الذات الذي تتحقّق فيه الهوية القومية التي تمنح العربي خصوصيةً وتميّزاً، وتمنعه من أن يكون بوقاً لنظريات الغربيين، أو ببغاءً يردّد مقولاتهم التي لا تعتمد على جذور تراثية كالتي عند العرب.‏

لقد التفت "جبرا" ـ مثلاً ـ إلى المتنبي التفاتة العربي الغيور، فاستقرأ في شعره تراثاً أصيلاً، وطالع في شخصيته أديباً فذّاً، مناضلاً يقرن القول بالفعل، ويمدّ الجيل الجديد بالأسباب المحفزّة للتطور والتغيير، فنبّه إلى ضرورة عدم الاكتفاء بالماضي وعطاءاته، ودعا إلى استلهامه والإضافة عليه، بغية تحويل التراث وأعلامه إلى محفزات للإبداع، وبصورة خاصة حين تكون العودة إلى الجذور مشبعةً بقضايا العصر الراهن وأساليبه، وأشار ـ منطلقاً من بعث الثقة في النفس ـ إلى ما يزخر به التراث العربي السردي من خصبٍ، كألف ليلة وليلة، التي وجد فيها الغربيون كنوزاً لا تنضب، وعدّها المثقف الأوروبي مثالاً للسحر والمتعة. وطمح الروائي الغربي إلى إيجاد نماذج مماثلةً لها، يحتذي فيها هذا العالم الجميل المكتظّ بالمثل التي يجسّدها الحب والخير والجمال والحرية والأمل، والثقة بالنفس، وتتجلّى فيها الإنسانية المطلقة.‏

لقد أخذ "جبرا" على الفكر العربي المعاصر عدم التفاته إلى ألف ليلة وليلة، واحتفائه بها، كالغربيين، وتجاهل تراكيبها وأفكارها وصورها، ومجتمعاتها وعلاقات أفرادها، وأهوائهم النفسية ورغباتهم الجنسية، وعوالم الملوك والسادة والعبيد، والجواري، وغير ذلك من الجوانب الكبيرة التي تقدّم للنقد العربي والأدب المعاصر مادة زاخرة بعطاء لا ينضب "وإذا ما تذكرنا أن الرواية العربية المعاصرة، تركّز اهتمامها على الجوانب السيكولوجية، وتضيف إليها الاهتمامات التركيبية، ندرك لماذا تصبح "ألف ليلة وليلة"، مهمّة مرة ثانية، وخاصة بالنسبة إلينا، وكونها أدباً شعبياً يزيد من قيمتها، فهي تمثل فوران المخيّلة الإنسانية على نطاق الأمة بأكملها، فهو فوران بلا حدود". (37).‏

إن المرحلة اللندنية صقلت أفكار "جبرا" ورسّخت وعيه بقيمة التراث، وضرورة استلهام قيمه الجمالية والتعبيرية، فأخذ، مثلاً ـ بعد عودته من كمبردج ـ على (فن المقامات) التي نالت إعجاب المعلمين العرب، أنها كانت أدباً للخاصة، ولم تكن بأيّ حال أدباً للعامة، بسبب لغتها المعجمية التعليمية، وهذا ما جعل الغربيين ينأون عنها بأصارهم، ويفضّلون عليها ألف ليلة وليلة، لاحتوائها على ما يثير الدهشة الإنسانية، التي لا يمكن أن تثيرها المقامات، التي تفقد رونقها في الترجمة والنقل... بينما تظلّ الليالي مثار الدهشة وينبوع السحر، وملهمة الأديب ومثيرة القارئ العادي والمثقف.‏

ومن الطبيعي أن يتحوّل الإعجاب في نفس "جبرا" إلى عشق انصّبت عليه جهوده، فالليالي الشهرزادية أبدعتها الجماهير العربية، التي تحيا بالكلمة، وتنتعش بها، رغم ما تعرّضت له من جوع وطغيان، أظهرتها السيرة الشعبية على حقيقتها: تحبّ وتكره وتجوع وتشبع، لكنها تظلّ محافظة على حيويتها، ووسائل عيشها وهذا ما جعل عالم الليالي "يتسع ويترامى ويغتني ويتشعّب أحداثاً، ويزداد شعراً، ويفيض بشراً، ويتعمّق في ذاتها ويجسّد رموزها، حيث اختزنت ذلك الجوهر الغامض الذي عصيَ على الظلام مهما تكاثف".(38).‏

حرية الفكر:‏

شكّلت المرحلة الأوروبية، و(اللندنية)، على وجه الخصوص، جانباً هاماً من شخصية "جبرا"، الثقافية، وكوّنت استقلاله الفكري، فكان أنموذجاً مثقفاً متفرّداً، فاعلاً غير منفعل، ومؤثّراً فيما حوله، فـ"جبرا" الذي لوحظ عليه تأثّره بالفكر القومي السوري (39) في مطلع شبابه،كاد ينقطع للترويج لحرية الثقافة، وحرية الأدب والأديب معاً، فصارت الحرية هاجسه الأول، وربما كان للمجتمع الأوروبي بعلاقاته الاجتماعية مع نسائه، وصلاته الأدبية مع مثقفيه، ومسارحه، الدور الرئيسي في هذه الحرية التي كان من أهم سماتها رفضه للالتزام الذي رفضته مجلة (شعر) ـ فيما بعد ـ وهو أحد كتّابها ـ على الرغم من انطلاقها من الوجودية السارترية، واتخاذها أرضية تبني عليها تطوّرها الفكري، وتطلّعها إلى حيّز (ليبرالي) واسع، استوحته من أفكار حزب (سعادة) القومي السوري، الذي يريد للأدب والثقافة والفنون أن تعبّر عن الحرية الوجودية (40).‏

إن من أولى معطيات تلك المرحلة الأوروبية، وتأثيراتها على فكره، انحيازه "للمشروع الليبرالي من خلال بعض أبطال رواياته، و.... أكثر شخصيات "جبرا" التي بدت بدايات يسارية تنتهي إلى الليبرالية، وهذا يعني في دلالته العميقة ضرورة الليبرالية، لمجابهة التخلّف والإشكال الحضاري الذي تعيشه المنطقة، ومع... تفريقنا بين الليبرالية كما في أحزاب وقوى، والليبرالية كما فهمت بشكل عام، أي الديمقراطية، فإن المسألة الديمقراطية تبقى هي الأساس.‏

قد يكون عهد الليبرالي غير ممكن التحقّق في هذه المنطقة، ولكن التخلّف، والإشكال الحضاري الذي تعيشه المنطقة لا يمكن حلّه إلاَّ بالديمقراطية. إن تصلّب عود الدولة القطرية التي تزيّف كل شيء، لا يمكن تعريتها إلاَّ عن طريق توكيد الحرية والثقافة والحداثة، أي بوساطة المشروع الديمقراطي، الذي قد يتخذ أشكالاً ومضامين مختلفة، حسب القوى التي تحمله، فرغم فشل بعض المشروعات الليبرالية إلاَّ أن ذلك يؤكّد ضرورة الإصرار على الديمقراطية، أقصد الحرية والكلام والإبداع".(41).‏

جسّد "جبرا" بعض هذه الرؤية في روايته العربية الأولى "صيادون في شارع ضيق"، التي بدأ كتابة سطورها الأولى في أمريكا، حيث سلّط الأضواء فيها على "الشرائح الإقطاعية الأرستقراطية التي حكمت العراق في الخمسينيات، وكشف عن بذور انهيارها التي تحملها في داخلها، فقد انفصل قسم منها تحت تأثير الحضارة الغربية، ونتيجة انتشار التعليم فيها، وهي تبرز أيضاً بداية تبلور وعي الحداثة، ويصرّ على لعب دوره في التغيير، كما تصور هشاشة هذا البديل، وضياعه المسبق ورخاوته وضعف حسّه التاريخي، كما يبرز في النموذج الماركسي، وفيها نرى بداية دخول الجيش مسرح الفعل الاجتماعي، ونرى الأرضية المعقدة للواقع الاجتماعي العربي. إن العلاقات العشائرية والإقطاعية، إضافة إلى الكبت الجنسي، والتشرذم الاجتماعي، ممثّلاً بالأقليات القومية والدينية، والتي هي مع قيم غرب متحضر، هي التي تسود عالم هذه الرواية.‏

وهو من خلال ذلك كله، يبرز صلابة الواقع إزاء هشاشة من يتصدّون لـه، ويؤكّد تعاطفه مع التغيير، مصّراً على الحداثة والفعل والصلابة ـ وهي لا تكفي، بل قد لا تعني شيئاً من دون وعي مطابق وحقيقي ـ كبديل هذا الواقع".(42).‏

إن عالم "جبرا" الفكري والثقافي والنقدي تمثّل في أبهى صوره من خلال الأفكار التي زوّدته بها المرحلة الأوروبية الأولى من حياته، وصبّه في كتابه الفكري الأول "الحرية والطوفان". فكان الـ(منيفستو) الأول لـ "جبرا" المسكون بالحرية، و"العلامة الفارقة في الأدب والفن والنقد ـ هل أقولها ـ السياسة. بل لعل من الضروري أن نشرح ماذا تعني عندما نقول إن "جبرا" يبحث في السياسة، في "الحرية والطوفان"... فهو لا يخوض غمار معركة مباشرة من هذا النوع؛ وهو فقط يبحث في جزء من الكتاب، وفي أهمّ جزء فيه، عن مدى الخطر الذي يهدّد الكاتب في حال لو انفجر السدّ، وغمر الطوفان كل قيم الفنان الحقيقي.‏

ايوب صابر 11-03-2011 10:13 PM

ابرز احداث طفولة جبرا:
ـ في حديث معه طلبت منه سيدة عراقية ان يحدثها عن حياته بقولها!... يقولون إنك عشت وما زلت تعيش حياةً مبعثرة.‏
- أفردلطفولته وحتى 12 سنة كتاباً خاصاً وهو ما يشير الى خصوبة تلك الطفولة وغناها في الاحداث الدرامية .
- عنوان سيرته ( البئر) والذي هو علامةً بارزةً في تحديد النصّ، وكشف من مجموعةالدلالات وهو يوحي بالانخفاض والعوز والعمق والسجن والرطوبة والدونيةوالتحتية والرهبة، وقد كان يؤكّد على هذه الدلالة كلما استعاد في طفولته شيئاً منخوفٍ أو حزنٍ.

- حين هزَّ زلزالٌ فلسطين، وصفه الأديب الكبير بعيّني طفلٍ صغيرٍ، فيرواية "البحث عن وليد مسعود": شهدت الزلزال وأنا طفل في السادسة، لقد خضّ الأرض كمالو خضّتها ريح غريبة رهيبة، كنت جالساً على الأرض مع غيري من الأطفال في المدرسةالصغيرة، فحسبت الريح الهادرة هزّت البنيان القديم هزّاً عنيفاً، ولمّا انطلقالصبية مذعورين إلى الخارج، انطلقت معهم، ورأيت الحجارة تتساقط كتلاً من أعلىالمبنى العتيق المقابل، وتتكوّم أمام عيني في ركام أبيض مريع، واتجهتْ أبصارنا منالخرابة التي نحن فيها نحو كنيسة المهد نستنجد الله لإنقاذنا، وسمعت بعض الكباريقولون: "إن كان هذا يوم القيامة، فهل يستهدفنا الله تحت الأنقاض، ليقيمنا من تحتهامرة أخرى!". وفضلا ًعن ذلك، فإن العنوان يرمز إلى الذاكرة التي اختزنت في "بئرها" ما يمدّها بنسغ الإبداع وقد "تجمّعت فيها أولى التجارب والرؤىوالأصوات.

- . أولى الأفراح والأحزان والمخاوف التي جعلتتنهمر على الطفل، فأخذ إدراكه يتزايد، ووعيه يتصاعد"(. وهذا ما جعل "منالذاكرة (البئر) أو المخبأ الذي يحفظ فيه تجاربه الأولى. تجارب الطفولة التي هيأكثر من حصيلة ذكريات خاصة،فهو يدرك أن الأصول الحقيقية للأشياء تعود إلىالتجارب الأولى من حياة المرء"

- أكّد على ذلك مراراً مركّزاًعلى لفظ "البئر" ومدلولها: "طفولتي ما زالت هي ينبوعي الأغزر. إنها البئر والعينالتي تمدّني بالكثير من النسغ لما يتنامى في ذهني من بنت الخيال، وأرجو أنها ستستمرفي منع الجفاف والعطش"..‏

- إن مؤشرات المرحلة الأولى تنمّ عن حالة الفقر و الحلم التيوسمت حياة الطفل، وقد تغلغلت منمنماتها في ثنايا رواياته، وحظيت بيت لحم ـ مهدالطفولة، ومرتع الصبا ـ بنصيب وافر من استذكاراته التي شهدت تشكيل أولى التجاربوالرؤى والأصوات، فاختزن‏ الصبي منها ما "يمرّ به كل يوم، يعاينه، أو يتلذّذ به".

- ارتبطت مدينة المهد في وعي الصغيربـ(المسيحية) رمز المحبة والسلام، كما ارتبطت بـ"الفقر والعوز"، فكان يرى الملاكينالصغار لا يجدون فيها ما يرغّبهم في العيش، فيندفعون نحو شاطئ البحر، ينتظرون السفنالتي تحملهم، وبأيديهم مناديل الوداع، ميمّمين شطر المهجر الأمريكي. شأنهم في ذلكشأن إخوانهم، من ذلك الرعيل المهاجر، من أبناء بلادالشام:‏
- إذ تلحّ عليه ذكراها بمرارة بعد ما غادرهاإلى بغداد، بُعيد النكبة، حيث وجد نفسه منفياًمحاصراً، وهو في ميعةالصبا.

- إن "القدس" ظلّت مقيمةً في قلبه، مظللةً بالأملوالحاجة. فالبيت الذي سكنت فيه الأسرة في حارة(جورة العناب) خلّده فيروايته (صراخ في ليلٍ طويل)، وقد جعله مقرّ بطل روايته (أيمن) الذي وصفه بتعابيرالطفولة: "عندما كنت صغيراً أسكن مع أبي وإخوتي الثلاثة،في غرفةٍ مربعةٍ ضيقةٍ لها شباكٌ صغيرٌ واحدٌ، لا زجاج له. لا أظننا كنا نتذمركثيراً، فليس جيراننا بأحسن حالاً منا، ولا أقرباء لنا ساكنين في بيوتٍ أحسن منبيتنا، فلا داعي هناك للحسد. كنا قانعين بنصيبنا. لم يشعر أحدٌ منا عن وعيٍ بزرايةحالته، وفساد الهواء الذي يتنفسه... أما الشجار فقد كان من التقاليد الراسخة، فقدكنا نتشاجر بحماسةٍ هائلةٍ، ثم نتصالح فيعود الوئام بيننا مع الكثير من المحبةوالرقةِ".‏

- إن الذكريات الأولى في القدس ستظلّ حتى نهاية العمر تمدّه بموحيات الإبداع. يذكرها بتفاصيلها الدقيقة، من مشاركته في إضراب عام 1939، ومعاينته بناء الكليةالعربية التي درس فيها، ولا ينسى ما عاناه مع أهله من الإرهاب الصهيوني الذي تعرضتله المدينة، حين "شرع اليهود في تدمير القدس الجديدة، مبتدئين أولاً بنسف المقرّاتالحكومية، ومن أشهرها نسف جناح السكرتارية العامة للحكومة في فندق الملك داود،ونسفهم أيضاً بعد إعلان التقسيم في تشرين الثاني عام 1947 لمنازل العرب ليلاً،ولاسيما في حي القطمون الذي كان مجاوراً حي "راحافايا"، اليهودي، حيث سكن فيه معأسرته بعد رجوعه من لندن"..‏

- ومع تسارع الأحداث ودموّيتها، تعود الأسرة إلى بيتلحم،ولكن سرعان ما تحلّ النكبة، فتلقي بـ"جبرا" إلى بغداد،ليحطّ رحاله في ربوعها، وتغدو المدينة العربية الثالثة دار إقامته الأبدية. إذ كتبللجسد أن يوارى في ثراها، بعد أن وشّى الأندية والكتب والأمسيات بألوان قشيبة لاتبهت ألوانها على مدى الزمن.‏

- و"جبرا"، الذي حمل فلسطين في جوارحه لم ينسَيوماً الطغيان الصهيوني الذي كان شاهداً عليه ولن تغادر أنفه رائحة اليهودي "تزكمالطفل بالعفن والعطن الغريبين، وأمه توصيه وإخوته بالحذر من اليهود"، "إنهم يسرقونالأطفال في أعيادهم ليذبحوهم، ويمزجوا دماءهم في عجين خبزالفطير، وقبّة "راحيل"، ستبدو دوماً للطفل ذلك الحدّ الفاصل بينالمعلوم والمجهول. بين الألفة الغربة، ولن تغادر الطفل حتى شيخوخته صورة الحاخامات،وأصداء ولولتهم الغريبة في القبّة التي تمتدّ بعدها الطريق إلى القدس. إلى عالمالغوامض والأسرار.‏

-كان للنكبة أثرها البارز في تعميق الجرحالفلسطيني في الذاكرة الحية، فتداخلت في رواياته، ولوّنت أجواءها بألوان الحبوالمأساة.‏

إن ولدي مسعود هو جبرا فيكون جبرا يتيم الام وهو حتما تعرض للكثير من الصدمات والخوف والالم من هجمات الاحتلال كما يصفها ثم هناك معاناة من التنقل والهجرة ثم النكبة.

مأزوم وسبب ازمته انه فلسطيني تعرض للخوف والقهر والفقر والسجن والنكبة، والمنفى، مع احتمال ان يكون يتيم الام ..لكن لاغراض هذا البحث سنعتبره

مأزوم.

ايوب صابر 11-05-2011 12:42 PM

وألان مع سر دخول الرواية التالية قائمة أفضل مئة رواية عربية:

3- شرف --------------- صنع الله إبراهيم


محمد مشهور يكتب عن رائعة صنع الله ابراهيم

"شرف"
انها ليست رواية انها دفتر أحوال مصر د. على الراعى

شرف كلمة تعنى الكثير لكل من يسمعها. وعن الشرف تدور هذه الرواية الممتعة لصنع الله ابراهيم

الرواية مقسمة لأربع أجزاء

الجزء الأول حدوتة أشرف أو شرف كما تناديه والدته يدخل السجن بعد قتله للخواجة الذى حاول انتهاك عرضة وداخل السجن يتعرف شرف على دنيا جديدة بقوانين جديدة
صنع الله ابراهيم هو ملك التفاصيل تكاد تجزم عند قرآتك للقسم الأول أن أكيد المؤلف كان مسجون قديم نسج رائع بين الشخوص و الأماكن

الجزء التانى حكاية الدكتور رمزى المسجون فى قضية رشوة ماينفعش أعتبر الجزء دة روايه هو جزء وثائقى أكتر منه أدبى فى هذا الجزء يكشف الدكتور رمزى جرائم الشركات متعددة الجنسيات وخاصة شركات الأدوية فى حق العالم التالت وشعوبة بأسلوب يدعك تصاب بالأحباط من كل هذا الفساد والجرم

الجزء التالت مسرحية قام بتأليفها الدكتور رمزى لعرضها داخل السجن فى أحتفال 6 أكتوبر وفى هذة المسرحية يعرض صنع الله ابراهيم كم الجرائم التى تمت فى حق مصر و شعبها من أول ناصر مرورا بالسادات نهاية بمبارك بمختلف التحولات التى مرت بها مصر عبر تلك السنوات

الجزء الأخير يرجع بينا المؤلف داخل السجن ليكشف الوجه الأنسانى للمساجين و بعذوبة شديدة يكشف لنا مشاعر المساجين خاصة اللى بقالهم كتير مساجين
وكعادة صنع الله ابراهيم تنتهى روايته بلا نهاية محددة نهاية مفتوحة للغاية

ال (شرف) ليس فقط له منظور جنسى و لكن أى فساد مسكوت عنه هو أيضا ضياع للشرف

==
رواية شرف :
يتحدث الكتاب عن اشرف عبد العزيز سليمان او شرف كما الفت الأم ان تناديه يعيش في حي فقير من أحياء القاهرة وينتمي لأسرة كبيرة ..يحلم بان تصير له غرفته الخاصة ولا يعود يتشارك غرفة النوم نفسها مع كل افراد العائلة ..
وله معرفة دقيقة بكل ماركات الاحذية والملابس والنظارات الشمسية والعطور وووووووووو وحتى باسعارها
مع انه لم يتملك شيء منها في حياته

يقضي اغلب وقته خارج المنزل مع اصحابه ... وله معرفة جيدة باللغة الانكليزية الخاصة بالشارع والاغاني كأغلب فتيان جيله

وفي ليلة غضب الدهر عليه قرر ان يخرج بمفرده فوجد رجل أجنبي معه بطاقتي سينما دعاه للحضور معه
ثم دعاه الى بيته وبعد ذلك حاول الخواجة ان يمد يده الى ساقه ويتحسس فخذه .......
ولم يسمح له بذلك شرف ونشب شجار عنيف انتهي بان قتل شرف الرجل ...

وهنا تبدأ احداث القصة بدخول شرف الى السجن ..ومعاناة السجن وكيفية الحياة ..ونوعية الشخصيات المختلفة التي يلتقيها ونوعية المساجين وكيف ان اغلب من هم في السجن الاسماك الصغيرة ..ولا يدخله المتهمين الحقيقين في تلك القضايا الكبيرة من فساد واستيراد لحوم فاسدة ومخدرات ووووو

وكيف ان الفساد والسرقة تمتد لتطال كل المرافق التابعة للدولة
وكيف ان هم كل موظف هو كيف يسرق وكم ينهب ...

وعلى قولة المصريين " ياما في السجن مظاليم "

تجربة جديدة نتعرف بها عن الحياة خلف القضبان دون ان ندخله ..
وانشاء الله لا أحد يدخله

==
شرف – لمحة عن الكتاب:
1. القسم الأول :

بطل الرواية (أشرف عبد العزيز سليمان- المولود سنة 1974م) الملقب بـ (شرف) طالب جامعي شاب يعرف (قشرة) عالمه الحديث دون أن يكشف ما وراءها من عوالم، طري العود مدلل أهله، يدخل السجن فتجعل منه التجربة على محك الحقيقة، وقد دمغته لأنه لمس عمقها الجلي الإشراق. أدخل السجن بجريمة قتل رجل استرالي اسمه (جون)، وضبط مرتدياً (سلسلة غالية جداً) تعود ملكيتها إلى القتيل، وفي الحقيقة أن المجنى عليه هو الذي خلعها وألبسه إياها، وبالتالي تحولت دليل إدانة ضده (جاهد الشاب في دفع مهاجمه الذي كان يفوقه قوة، ونجح في شلّ حركته إلى أن شعر به يحاول تجريده من ملابسه، وهو يلهث، فأمده العدوان بقوة جديدة).... ويستمر الرواي في دقة بليغة ليرسم السبب الحقيقي الذي دفع بـ (البطل المحوري) دخوله السجن.. (لم يتمكن جون من تفادي الزجاجة، وأصابته الضربة بالذهول فجمدت حركته. ولم يلاحظ شرف الدماء التي سالت على وجهه، لم يلحظ شيئاً على الإطلاق ولا حتى يده القابضة على شظية مدببة من حطام الزجاجة كانت مستمرة في الارتفاع والهبوط فوق الرأس الأشقر المخضب بالدماء- الرواية ص22)، وتحت تعذيب لم يستطع تحمله اعترف بجريمة لم يقترفها بقصد وعمد، وإنما دفاعا عن كينونته.. من بعد أن كانت له حرية لم يعرف نعمتها، إذ صادرته الحمية فصيرته مدافعا عن كينونته الحقيقة وشرفه الذي لم يهدر إلا بعد أن دخل السجن في جريمة دفاعه عن قيمه، وأخلاقه. و (شرف) يدون الصور الخفية بدقة متناهية.. ما وراء القضبان من عوالم سريتها الغامقة صارت حكرا على سجون الناطقين بحرف الضاد وكتابه.. رواية تنفلت من معجزة الخوف، لتبوح بالفجيعة المريرة المفتقدة على الرغم من أنها مازالت قائمة تثقل كاهل الإنسان وتقيده بجملة مفاهيم بالية مسماة في السر، وفي العلن مساومات من أجل العبور.. نظرة من القاع العميق إلى السطح، نظرةُ الفوارق في الاختلاف، أو الاختلاف في الفوارق.. نظرةُ السجين إلى الطليق عاريا مكشفا، ووحيداً.. نظرة إلى الفساد الإداري المتراكم في كل مرفق من مرافق الحياة، بالرشوة التي تصل إلى القضاء بواسطة محامين متمرسين، وتصل الرئيس بواسطة المرؤوس.. ثمة فوارق تعرضها الرواية. العتمة ودكنتها، يقاس كل ذلك السطوع. فثمة فساد إداري مقيت في أرفع مراكز الدولة... تتسلم رشاوى لتمرير الأدوية والأغذية الفاسدة، صفقات غايتها المال، مخلفة ورائها تخريبا متعمدا في الإنسان، وبنيته لأجل أن تتقلص إنسانيته. تستغله أبشع استغلال، فنعهد الروائي مدافعا فيها عن هوية إنسان انتهكته الأطماع الكبرى، وأقصته العزلة القاتمة عن دوره الحقيقي كإنسان له هوية وجود فاعل، (إذا كان شرف موجوداً بجسده بين الجدران الأربعة، فإن روحه كانت ترفرف في الخارج طول الوقت، ليلاً ونهاراً، فهو من سلالة شعب عظيم فضل دائما أن يكون مستعبداً كي لا يحرم من الحرية، والتطلع إليها- الرواية ص171).

رواية (شرف) نبرة عالية لكلمة عصر احتاج التغيير كأمر واقع من بعد أن تفاقمت الأخطاء، المتراكبة فوق بعضها البعض، فالخطأ يلد مثله، ولا يمكن أن يصلح إلا ببناء جديد على أسس سليمة.. رواية مشوقة تسرد أحداثا حقيقية مقنعة.. رأيناها تطوف بين الأسطر التي تحمل وجه الكاتب الحقيقي لتعكس أوقاتا عصيبة تشكل فيها العالم المقصي عن النظر، العالم المحجوب المغيب تحت اسم القانون، حيث تنتشر في تلك الأقبية أوراما سرطانية أكثر شراسة وفتكا بالمجتمع، ومنه تخرج إليه منظمة تحت مسميات تفلت من القانون أو تحت وصاية سدنته.. أقبية لم تك غامضة على روائي مثل (صنع الله إبراهيم) ذلك العالم الذي غمض على الغير فيه ما كل في العالم من حرية رغم تقنينها، وتعتيرها، ورغم صغر مساحة العالم الضيق الذي اتسع عميقا من عمق المجتمع فكشفه الرواي من الداخل.. حيث لا ممنوع أو محجوب داخله، بل تخله كل الموبقات، والآفات الاجتماعية وتنتشر فيه جميع أنواع المخدرات المحلية والمستوردة، تحت بصر الرقيب، وهو المستفيد الأكيد من كل تلك.. فالحارس هو الذي يهرب إلى عمق السجن.. الأفيون، الهيرويين، الحبوب المخدرة، وكل شيء.. حيث هناك شراكة متعاقبة، وشبكة منظمة هدفها الكسب المادي، وتخريب أغلى المثل في الإنسان، الظلام الداجي يعرف كل حاضرة تجري (إضافة إلى الأنباء المحلية وخلفياتها، كان الشيخ عصام يحتفظ بأرشيف كامل لكبار موظفي وزارة الداخلية من أول تاجر في إنتاج السجون وزميله الذي خرج من الوزارة بعشرة ملايين من الجنيهات من وضع اليد على الأراضي، والثالث الذي كون شركة أمن ضمت أربعمئة من قيادات الشرطة ولم يدفع فيها مليما واحداً مكتفيا باسمه إلى أن أعد مشروعا وهميا لأسكان الضباط ودفع من صندوق الشرطة 4 ملايين جنيه ونصف لمكتب استشاري واشترى متر الأرض بسعر 30 قرشا وباعه بـ43 جنيها للضباط و150 جنيها للمستثمرين، وزميل الذي شارك بعدة ملايين في شركة صرافه وشركة تسفير عمالة للخارج وطبعا في شركة الأمن إياها، والثالث الذي اختلف مع زميل له على عمولة صفقة سلاح، فهاجم بيته بالصواريخ- الرواية ص223)..

فمن داخل السجن يطل (شرف) على العالم بكل ما فيه، ويرى ما لم يستطع رؤيته.. يتابع أدق الأخبار وأشنع الأفعال، وعلى الرغم من إقصائه البعيد يعرف (تمسكه بحقوقه التي تنص عليها مصلحة السجون، وهي قطعتان من اللحم الأحمر لا الجلد، في اليوم لا في الأسبوع- الرواية ص107)، ويكشف الاستغلال الشنيع للمسجونين كأيدي، مهدورة الجهد، لصالح السجان (هناك مساجين آخرين يعملون في حظيرة مواشي يملكها، بها خرفان، وبط، ودجاج. وان المفروض أن يتقاضى الواحد منهم ثلاثة جنيهات من المأمور نفسه طبقا للوائح لكنهم لا يحصلون على شيء- الرواية ص131)..

بعين مفتوحة حرص الكاتب على توثيق ما يحدث، كمصور محايد، يترك القارئ ليكوّن استنتاجه (لم نلبث أن علمنا بنتائج التحقيق: أسفر عن مجازاة رقيب الدور بالحجز في الثكنة ثلاثة أيام لعدم قيامه بواجبه في الحيلولة دون وقوع الاعتداء، وجوزيَ الضابط (علي بلبل) بالإنذار لعدم قيامه بتفتيش عنبرنا بنفسه، وبدقة الأمر الذي ترتب عليه وجود ممنوعات مثل المشرط ومفصلة الباب- الرواية ص135)...

القسم الثاني:

أما في القسم الثاني من الرواية يجعلنا نقرأ ما جاء في محتوى كيس الأوراق.. استطاع (شرف) الاطلاع عليها متعاونا مع ضابط السجن، لتعمق معنى (الشرف) بكل دلالاته، كيس أوراق حاول صاحبه السجين (الدكتور رمزي بطرس نصيف) أن يخفيه عن الأعين، لأن محتواه من أوراق قصاصات جرائد، وأشبه بالمذكرات وثق فيها ألاعيب شركة كوش العملاقة السويسرية للأدوية.. المؤسسة الخطيرة ذات اليد الطولى المتحكمة من (بازل) بما تريد التحكم به، فالقصصات توثق ما كان يحمل الأفق من أكاذيب، وصار ضحية الشرف كل من لديه المثل العليا، وبقية الأوراق شهادة العامل بعمله، والدال بمدلوله..

إن رواية (شرف) عنيت الشرف المهني لكل موظف مهما كان موقعه في السلم الإداري لأية دولة في العالم، من بعد أن التفت المثقف نحو الخلل؛ بأن تخلف ما حوله نتيجتهُ الفساد الإداري الذي يصوره (صنع الله ابراهيم) في مجمل عطاءه الروائي بأنه السوسة التي تنخر البلدان، وتجعلها في صور متخلفة، وأن تلك السوسة تصل بأطماعها لتؤسس مؤسسات عبقرية شرسة تطول ما تريد، وتهيكل ما تطمح عبر مناهج ذكية للوصول إلى غاياتها... (إن كوش صارت مصدر خطر على استقلال أي بلد. فنفوذها أقوى من الحكومات وهي غير مسئولة أمام أية جهة في أي مكان. وهي تتحكم في أموال هائلة وبوسعها أن تنقل ما تشاء من هذه الأموال من أي بلد وإليه. الأرباح يمكن تصويرها على أنها خسائر، والأصول تباع، كل هذا دون أن يعرف أحد أو يتبينه بسبب السرية المضروبة على حساباتها. كيف يمكن لأي حكومة أن تتحكم أو تسيطر على كيان مثل هذا يشبه (سمك الجيلي): موجود في كل مكان وليس موجودا في أي مكان؟ أعدت على سمعها ما اقترحه أحد المدراء من ضرورة التفكير في شراء أو استئجار بعض الدول الأفريقية الغنية بالموارد الطبيعية طالما أن حكومتها عاجزة عن حل مشاكلها- الرواية ص334).

ومثلما سخر (سرفانتس) من أدب الفروسية، نقرأ كيف اقتنص صورا لوجوه زعامات عربية تجملت بالخطب الثورية، لتظهر بأجمل الصور، ويكاد يقول بأن ذلك لم يكن ينطل على قارئ تلك الدمى المتشابهة الأدوار ذات الوجوه المريضة بالنرجسية البليدة، مهما أوغلت بالتنكر.. (ربما لا يعرف الكثير عن وحشية صدام وساديته والجرائم التي ارتكبها في حق العراقيين، العرب منهم والأكراد. في سنة 1979م وفي اجتماع لزملائه في قيادة حزب البعث أمسك برأس صديقه (عدنان) وجعل يخبطه في الحائط حتى تفجر منه الدم. لقد رأيت جانبا من هذا الاجتماع في فيلم فيديو أذاعته cnn. صدام في بدلة بيضاء جالسا خلف منصة مرتفعة مطلا على قاعة امتلات بالجالسين وينادي إسما وراء اسم، فيصيح الواحد منهم (والله العظيم أنا مو خاين سيدي) لكنهم يقتادونه للإعدام- الرواية ص328). وأدرج مع الأوراق نصّاً مبدعاً لعرض كامل للعرائس (دمى) الذي أقيم داخل السجن بمناسبة ذكرى الانتصار العظيم في حرب أكتوبر 1973م، أعده وأخرجه الدكتور (رمزي بطرس نصيف)، حيث قال فيه ما لا تتحمل مسؤليته أية نشرية عربية. وأدرج بجرأة منقطعة النظير كل ما يخافه الرقيب، لأنه قوَّل الدمى كل ما استطاعت قوله، ففضحت من افتضح وعرّت من عريّ، بأداة تقنية لم تكن غريبة على المؤلف لأنه أدخل في إحدى روياته السابقة (سيناريو فيلم عن بيروت)، وتعمد بفطنة العارف أن يدخل ما أراده في رواية (شرف) كما ذهب إليه مقصد استاذ النقد العربي الحديث الدكتور محمد غنيمي هلال (إذا لا يسوق الرواي أفكاره وقضاياه العامة منفصلة عن محيطها الحيوي، بل ممثلة في الأشخاص الذين يعيشون في مجتمع ما، وإلا كانت دعاية، وفقدت بذلك أثرها الاجتماعي وقيمتها الفنية معا[4]).

القسم الثالث:

أما القسم الثالث من الرواية فهو مواصلة ما يحدث وراء الحيطان المتراصة، وما بينها. حيث ينتخب (شرف) لمتابعة أحد أدعياء الدين، ونتيجة لتعاونه مع الضابط السابق للسجن (كمرشد) يتغير مكانه من مجاورة دلو البول حيث كان إلى زنزانة أخرى تجمعه مع ناس أكثر خطورة من المجرمين السابقين، وتبدأ معه مشاوير لم تخطر على باله، وبعد عن خطابات العارف العليم الدكتور(رمزي): (هل تعرفون أن 60 بالمئة من ثمن الدواء في مصر يذهب إلى الموزع والمستورد، وأن الدواء الذي تدفعون فيه ثلاثة جنيهات ستدفعون فيه عشرين بعد تطبيق الجات، وهل تعرفون بأن 55 بالمئة من الأطفال مرضى بأكبادهم وأن عدة أفراد لا وطن لهم ولا ضمير كدسوا ثروات بالملايين من أجل استيراد الأطعمة الفاسدة ورش المبيدات. هل تعرفون أنهم يبيعون السرطان لعشرين مليون طفل.. اشربوا هذا بطعم البرتقال، وكلوا هذا بطعم الفراولة، الحسوا هذا بطعم الأناناس والشكولاته والملح والخل والكاري والكباب والخراء.. مياه غازية وكولا ملونة وشكولاته وحلوى وأعصرة ومربات وغزل بنات عبارة عن مكسبات طعم ورائحة ولون أي أمراض تدوخ أطفالكم طوال العمر إلى أن يقصفه السرطان بعد أن يصابوا بالفشل الكلوي من جراء المياه الملوثة أو الطرش أو الغباء بسبب التعرض للرصاص المنبعث السيارات أو يرحمهم الرحيم فيقعوا في بالوعة مجاري أو تدهمهم سيارة- الرواية 478)، واستبدلت بنصائح السفاح (ليس هناك أسرار في السجن).. شيئا فشيئا يستدرج إلى حمل ما يحملون مقابل عدة سكائر، ويرى بأم عينه كيفية أولئك العتاة في الإدمان يأخذون ما أدمنوا عليه. وتنتهي الرواية حين يقترب (سالم)، محاولا الاقناع وتبرير السلوك الشائن.. ليبدأ أول الهبوط، حيث لم يعد للشرف الذي يحمله شرف من معنى..

رواية أعطت معلومات ودونت تاريخاً لن يعبره الزمن الحاكم مهما حاول الطمس، ومهما ابتكر من عوارض وكوارث، إذ تكللت بالنصر كونها تأخذ من إنسانية الإنسان كل الوقت والمال، لتعطي رأسمالا قيما في كيفية انتصار الحكومات على محكوميها، وليس على غيرهم.. خاصة المحكومات الغنية بالثروات، والموقع الاستراتجي..

ايوب صابر 11-05-2011 12:49 PM

الواقع المرعب في رواية شرف
رواية : صنع الله ابراهيم
قراءة : محمدالأحمد
رواية (شرف ) إحدى العلامات الروائية الجريئة التي أضافها الروائي المصري (صنع الله ابراهيم)، الى المكتبة الروائية العربية. اتسمت بموضوعية جلية اعطت هويتها لاجل ان يبقى الكاتب الملتزم مزاحما احقية الرواية على الراوي ذاته... بكل تاريخه الشخصي، وسلوكه. فتكون الكتابة هي الحقيقة التاريخية الوحيدة التي لا تقبل التزوير، من بعد ان (انتزعت القلة المستغلة منا الروح، الواقع مرعب، وفي ظل هذا الواقع لا يستطيع الكاتب ان يغمض عينيه او يصمت، لا يستطيع ان يتخلى عن مسؤوليته لن اطالبكم باصدار بيان يستنكر ويشجب فلم يعد هذا يجدي لن اطالبكم بشيء فانتم ادرى مني بما يجب عمله، كل ما استطيع هو ان اشكر مرة اخرى اساتذتي الاجلاء الذين شرفوني باختياري للجائزة واعلن اعتذاري عن عدم قبولها لانها صادرة عن حكومة لا تملك فينظري مصداقية منحها وشكراً ).
الكتابة هي الثبات في المواقف لان مبدعها العبقريارتضى ان يكون فاضحا لكل خلل بشري كالانتهاك والاستغلال، والظلم... يخطها الاديب الواعي لذاته في حركة التاريخ، وعمق نظرته المحايدة، ليكون الدرس المتكامل الذي يجعل البشرية تتخطى اخطائها، وكوارثها الاستنزافية للأقتصاد والعقل.

لمع اسم (صنع الله ابراهيم) بعطاء تواصل بالواقعية الموضوعية. فروايات مثل رواية (تلكالرائحة)، رواية (اللجنة)، رواية (نجمة اغسطس)، رواية (بيروت.. بيروت)، رواية (وردة)، ورواية (ذات).. كل منهما جعلها تعطي القاريء كشفاً دقيقاً لما حوله من انتهكات بالغة من الصعب عبورها، وهو يسلط عليها الضوء كاحد عباقرة الفن الروائيا لعالمي.. بكل عصوره، ومدارسه.. بقيت الرواية الحقيقية عصية الكتابة لن تحقق ذاتها الا باضافة جديدة جادة... كالذي نقرأهُ في (شرف) حيث لبنة اخرى في الجراة، وموضوعا جديداً فاضحا لكل العيوب المخفية تحت اسم القانون، وطائلته.. خاصة مشرعيه وسدنته. فالواقع اكثر بشاعة من الخيال، وما جرى ابلغ حدة، واشمل اتساعاً (لقد انحدرت الواقعية في مستوياتها الدنيا الى صحافة، الى اطروحات، الى وصف علمي- وباختصار الىلا فن. اما في المستويات العليا فقد تجاوزت على ايدي اعظم كتابها امثال بلزاك،وديكنز، ودستوفسكي، وتولستوي، وهنري جيمس، وابسن، وحتى زولا، حدود نظرياتها، وخلقت عوالم من صنع الخيال، ونظرية الواقعية هي في نهاية المطاف استطيقيا سيئة لان كل الفنون خلق، وهي عالم بذاتها قوامه الايهام والاشكال الرمزية- رينه ويليك )، فبقيت الواقعية التي انتهجها المبدع الراوي عبر سلسلة حقائق، اعطه الشروع نحو جديد لم يكن نهج احد غيره.


المصدر: الانترنت

ايوب صابر 11-09-2011 12:13 PM

صنع الله إبراهيم



(مواليد القاهرة 1937) روائيمصرى يميل إلى الفكر اليسارى ومن الكتاب المثيرين للجدل وخصوصاً بعد رفضه استلام جائزة الرواية العربية عام 2003 والتي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة.


- سُجن أكثر من خمس سنوات من 1959 إلى 1964 وذلك في سياق حملة شنّها جمال عبد الناصر ضدّ اليسار.


تتميز أعمال صنع الله إبراهيم الأدبية بصلتها الوثيقة التشابك مع سيرته من جهة، ومع تاريخ مصر السياسي من جهة أخرى. من أشهر روايات صنع الله إبراهيم رواية "اللجنة" التي نشرت عام 1981، وهي هجاء ساخر لسياسة الانفتاح التي أنتُهجت في عهد السادات. صوّر صنع الله إبراهيم أيضاً الحرب الأهلية اللبنانية في روايته "بيروت بيروت" الصادرة سنة 1984.


حصل صنع الله إبراهيم على جائزة ابن رشد للفكر الحر عام 2004.



رواياته
  • اللجنة
  • نجمة أغسطس
  • بيروت بيروت
  • ذات
  • وردة
  • أمريكانلي
  • التلصص
  • العمامة والقبعة
  • الجليد
قصصه القصيرة
  • تلك الرائحة
بالإضافة إلى سيرته الذاتية مذكرات سجن الواحات.



==

صنع الله إبراهيم

المصدر : مدون شاعر البيداء

هل هناك من يجهله ، صفعة على وجه النظام الفاسد ، رواياته أشبه بدش ماء بارد في ليل الشتاء القارص يجعلك تنتبه منتفضا ، أو أشبه بطلقات موجهة في مقتل لنظام فاسد

أعمالهجديرة بالاحترام ومواقفه أشد احتراما ، موقف بطولي سجله باعتذاره عن قبول جائزالدولة قائلا : ببساطة أعتذرعن عدم قبولها لأنها صادرة عن حكومة لا تملك –في نظري- مصداقية منحها.

ورفض من قبل جائزة من الجامعة الأمريكية،أعماله قليلة ولكنها درر تضيء سماء الرواية العربية بدءا من اللجنة وانتهاءبأمريكانلي مرورا بشرف ، وذات وتلك الرائحة ، لروايته طعم خاص ومذاق تشتم منه رائحةصنع الله إبراهيم فورا حتى لو لم يكن اسمه موجودا على الكتاب ، تبهرك ثقافتهواطلاعه ومتابعته الذكية للأحداث ويبهرك أكثر أسلوبه الفني الرائع في السرد ومزجالأحداث السياسية بقالب روائي فني شيق ، لا يمكنك ان تمل وأنت تقرا له ولا يمكنك أنتبدأ في كتاب لصنع الله إبراهيم وتدعه من يدك قبل أن تكمل قراءته للنهاية : هذا هونص الكلمة التي ألقاها في ختام مؤتمر الرواية والمدينة .

الكلمة التي ألقاها الروائي صنع الله إبراهيم في ختام "مؤتمر الرواية والمدينة"

لست قادرا على مجاراة الدكتور جابر في قدرته على الارتجال ولهذا فقدسطرت بسرعة كلمة قصيرة أعبر فيها عن مشاعري. وصدقوني إذا قلت أني لم أتوقع أبدا هذاالتكريم. كما أني لم أسع يوما للحصول عليه. فهناك من هم أجدر مني به. بعضهم لم يعدبيننا، مثل غالب هلسا الأردني وعبد الحكيم قاسم المصري ومطيع دماج اليمني وعبدالعزيز مشري السعودي وهاني الراهب السوري… والبعض الآخر ما زال يمتعنا بإبداعه مثلالطاهر وطار وإدوارد الخراط وإبراهيم الكوني ومحمد البساطي وسحر خليفة وبهاء طاهرورضوى عاشور وحنا مينه وجمال غيطاني وأهداف سويف وإلياس خوري وإبراهيم أصلان وجميلعطية وخيري شلبي وفؤاد التكرلي وخيري الذهبي وكثيرينغيرهم.

لقد جرى اختياري من قبل أساتذة أجلاء ورواد للإبداع يمثلون الأمة التيأصبح حاضرها ومستقبلها في مهب الريح، وعلى رأسهم أستاذي محمود أمين العالم الذيزاملته في السجن وتعلمت على يديه وأيدي رفاقه قيم الوطنية الحقة والعدالةوالتقدم.

وهذا الاختيار يثبت أن العمل الجاد المثابر يجد التقدير المناسب دونماحاجة إلى علاقات عامة أو تنازلات مبدئية أو مداهنة للمؤسسة الرسمية التي حرصـتُدائما على الابتعاد عنها. على أن لهذا الاختيار قيمة أخرى هامة. فهو يمثل تقويمالنهج في الإبداع اشتبك دائما مع الهموم الآنية للفرد والوطن والأمة. إنه قدر الكاتبالعربي. فليس بوسعه أن يتجاهل ما يجري من حوله وأن يغض الطرف عن المهانة التي تتعرضلها الأمة من المحيط إلى الخليج، عن القهر والفساد، عن العربية الإسرائيليةوالاحتلال الأمريكي، والتواطؤ المزري للأنظمة والحكومات العربية في كل مايحدث.

في هذه اللحظة التي نجتمع فيها هنا تجتاح القوات الإسرائيلية ما تبقى منالأراضي الفلسطينية وتقتل النساء الحوامل والأطفال وتشرد الآلاف وتنفذ بدقة ومنهجيةواضحة خطة لإبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره منأرضه.

لكن العواصم العربية تستقبل زعماء إسرائيل بالأحضان، وعلى بعد خطواتأخرى يحتل السفير الأمريكي حيا بأكمله بينما ينتشر جنوده في كل ركن من أركان الوطنالذي كان عربيا. ولا يراودني شك في أن كل مصري هنا يدرك حجم الكارثة المحيقةبوطننا، وهي لا تقتصر على التهديد العسكري الإسرائيلي الفعلي لحدودنا الشرقية ولاعلى الإملاءات الأمريكية وعلى العجز الذي يتبدى في سياسة حكومتنا الخارجية إنماتمتد إلى كل مناحي حياتنا. لم يعد لدينا مسرح أو سينما أو بحث علمي أو تعليم… لدينافقط مهرجانات ومؤتمرات… وصندوق أكاذيب… لم تعد لدينا صناعة أو زراعة أو صحة أو عدلتفشى الفساد والنهب ومن يعترض يتعرض للامتهان والضرب والتعذيب… انتزعت القِلةالمستغِلة منا الروح… الواقع مرعب. وفي ظل هذا الواقع لا يستطيع الكاتب أن يغمضعينيه أو يصمت. لا يستطيع أن يتخلى عن مسؤوليته. لن أطالبكم بإصدار بيان يستنكرويشجب، فلم يعد هذا يجدي، لن أطالبكم بشيء. فأنتم أدرى مني بما يجبعمله.

كل ما أستطيع هو أن أشكر مرة أخرى أساتذتي الأجلاء الذين شرفونيباختياري للجائزة وأعلن اعتذاري عن عدم قبولها لأنها صادرة عن حكومة لا تملك –فينظري- مصداقية منحها وشكرا.
الإخوة الأعزاء من تابعالموضوع أشكركم على التفاعل

الصديق توت : ربما كان هذا سر تألقه وهو الرصدالذكي لأحوال المجتمع وصياغتها فنيا في قالب روائي لا يشعرك بالملل وليس كمقالاتالصحف مثلا

الأخ حسن ، مقال يوضح فعلا كيف يفكر هذا الرجل ويلقي الضوء على مصداقيته

الأخ الإحساس بالألم :صدقت يا صديقي ولعل ما يرفع من قيمته ورصيده لدىالمثقفين أنه ترك الجائزة لا استغناء عنها بماله بل هو أحوج إليها من غيره هل تعلمقيمة هذه الجائزة التي رفضها إنها تبلغ مائة ألف جنيه وهو ليس ثريا لهذه الدرجةكباقي الكتاب بل هو يقيم في شقة في الدور السابع في عمارة ليس بها مصعد ودخله محدودمن بعض المقالات في الصحف وبعض الترجمات وتمارس زوجته العمل للمساعدة فيالإنفاق.

والآن نعرض لبعض أعماله :

لصنع الله إبراهيم ثماني روايات منشورة أول تلك الروايات هي تلك الرائحةالتي كتبها عام 1966 بعد خروجه من المعتقل أيام جمال عبد الناصر تحكي تجربته فيالسجن وبعد خروجه وقد صودرت تلك الرواية ومنع نشرها ولم تنشر كاملة إلا عام 1986

وبوصفه مؤرخا كما قال توت فقد رصد الحرب الأهلية في لبنان في روايتهبيروت بيروت التي نشرها عام 1984

وله أيضا ذات واللجنة ونجمة أغسطس ومن أهمأعماله شرف ، وهذه سأتوقف عندها قليلا لأنني قرأتها أكثر من خمس مرات لم أملمنها

شرف تناقش سلبيات عصر الانفتاح وما جره على مصر من ويلات في عهد الساداتمن خلال شاب يدخل السجن ويرصد ببراعة ما يدور في السجون بكل تفصيلاته القبيح منهاوالحسن ويقول هو معبرا عن رصد القبح في رواياته : (ألا يتطلب الأمر قليلا من القبح للتعبيرعن القبحالمتمثل فيسلوك فزيولوجي من قبيل ضرب شخص أعزل حتي الموت ووضع منفاخ في شرجه، وسلككهربائي فيفتحته التناسلية؟ وكل ذلك لأنه عبٌرعن رأي مخالف أو دافع عن حريته أوهويته الوطنية؟ولماذا يتعين علينا عندما نكتب ألا نتحدث إلا عن جمال الزهور وروعةعبقها، بينماالخراء يملأالشوارع ومياه الصرف الملوثة تغطي الأرض، والجميعيشمٌون لرائحةالنتنة ويتشكون منها؟) وقد تساءلت وقتها عندما قرأتها للمرةالأولى كيف له أن يلم بهذه التفاصيل الدقيقة عن عالم السجون وتوقعت أنه لا ريب دخلالسجن ثم دفعني إعجابي به للقراءة عنه وعرفت أنه دخل السجن مع سائر المثقفين فيالسابعة والعشرين من عمره وظل في السجن خمس سنوات ، ومن خلال وجوده في السجن يرصدلتفاعل المساجين مع بعضهم من إخوان ومعتقلين سياسيين وتجار مخدرات وأصحاب الأموالالباهظة الذين حولوا السجن إلى فندق خاص بهم ، ويقرر المساجين عمل مسرحية يقومبكتابتها لهم دكتور معتقل سياسي معهم في السجن تمثل عهد السادات وهو أجمل جزء فيالرواية مشهد محاكمة السادات عن جرائمه.






ايوب صابر 11-09-2011 12:15 PM

صنع الله إبراهيم


كاتب روائي وقصة قصيرة ومسرحي


٣ أيار (مايو) ٢٠٠٥





تمثل سيرة صنع الله إبراهيم بصورة نموذجية إلي حدٌ ما، حياة عدد كبير من المثقفين العرب الذين ينتمون إلي ما يدعي جيل الستينيات، كما كان يسمي آنذاك الكتاب الصاعدون جيل ما بعد نجيب محفوظ . فقد بدؤوا في أعوام الستينيات يكتبون وينشرون، وقد سيٌسوا جميعا بشدٌة من خلال تنشئتهم في شبابهم.


ولد صنع الله إبراهيم في القاهرة سنة 1937، أي في زمن كانت فيه مصر مستقلة من الناحية النظرية، ولكن القوات البريطانية ظلت تحتل منطقة قناة السويس طوال عشرين سنة أخرى


لقد عايش كشابٌ وككثير من أبناء جيله¬ مرحلة النهضة التي أعقبت الاستعمار وآمال الديمقراطية والعدالة الاجتماعية عميقة. في تلك السنوات بدأ صنع الله إبراهيم دراسة الحقوق، ولكنه ما لبث أن انصرف إلي الصحافة والسياسة.


لقد كانت تلك السنوات سنوات القومية العربية وسياسة الاشتراكية العربية، ولكن الحكومة كانت لا تسمح بتوجيه أي نقد إليها. وبسبب عضويته في حزب شيوعي منشقٌ سجن صنع الله إبراهيم عدٌة مرات لفترة قصيرة، إلي أن سجن خمس سنوات ونصف السنة، من 1959 إلي 1964، وذلك في سياق حملة شنٌها جمال عبد الناصر ضدٌ الشيوعيين والماركسيين .


وإلى فترة الاعتقال هذه ترجع الصداقة التي نشأت بين صنع الله إبراهيم وبين الكتاب كمال القلش و رؤوف مسعد وعبد الحكيم قاسم، وكذلك مع الصديق شهدي عطية الشافعي الذي مات تحت التعذيب.


وبعد تسريحه من السجن اشتغل صنع الله إبراهيم في البداية صحفيا لدي وكالة الأنباء المصرية (مينا) عام 1967، وفي برلين الشرقية لدي وكالة الأنباء الألمانية (أ.د.ن) التابعة لجمهورية ألمانيا الديمقراطية سابقا من 1968 إلي 1971. وتلت ذلك إقامة في موسكو لمدٌة ثلاث سنوات، اشتغل خلالها على فنٌ الفيلم، وذلك ضمن دراسة علم التصوير السينمائي، ليحزم أمره بوضوح لصالح الكلمة المكتوبة. وبعد عودته عام 1974 إلي القاهرة في عهد السادات، عمل صنع الله إبراهيم لدي دار نشر، قبل أن يتخذ في عام 1975 قراره بأن ينذر نفسه للكتابة بصفته كاتبا حرٌا.


نشر صنع الله إبراهيم حتي اليوم ثماني روايات هامٌة، وقصصا قصيرة، والعديد من الروايات البيئية الموجهة إلي الشبيبة كشكل من أشكال توصيل المعرفة، وعدٌة رسومات قصصية ملتزمة. وفي مقالته الذكية المنشورة ضمن الكتاب المصوٌر القاهرة من الحافة إلي الحافة (1999) برهن صنع الله إبراهيم بطريقة أخري علي قدراته كمحلل مستفزٌ وثاقب النظر للأوضاع السياسية والاجتماعية، مثلا عندما أثبت أن الرجل العربي هو في الحقيقة من يرتدي الحجاب، وأنه غير قادر علي أن يتكيف مع خسارة موقعه المهيمن، ومع التحول الاجتماعي السريع. إن هذا الكتاب، الذي يربط فيه صنع الله إبراهيم طوبوغرافيته الشخصية بالجوانب العامة لتاريخ المدينة، هو إعلان حبٌ مرير لمدينته القاهرة.


ومع أنٌ الأعوام التي قضاها في السجن، وهو في الثانية والعشرين إلى السابعة والعشرين من العمر، ومارافقها من تعذيب وأشغال شاقة، قد شكٌلت تجربة تراوماتية بالنسبة إليه، فإن صنع الله إبراهيم نجح في أن ينظر إلي ذلك الزمن نظرة إيجابية، وقد وصفه ذات مرٌة ب جامعته:


من نزلاء السجن الآخرين، كالكاتب المصري المعروف محمود أمين العالم، ورفقاء آخرين، تعلمت المعني الحقيقي للعدالة والتقدٌم وحبٌ بلادي. وفي المعتقل اتخذ صنع الله إبراهيم قرارا بأن يصبح كاتبا. إن روايته الأولي تلك الرائحة الصادرة عام 1966، والتي تعالج تجربة الاعتقال والأيام الأولي التي أعقبته، قد وضعت معايير لمجمل أعمال صنع الله إبراهيم اللاحقة


من أعماله


تلك الرائحة عام 1966 روايته الأولى التي نشرت غير كاملة التي تصف تجربته في السجن والفترة بعد خروجه مباشرة حددت اتجاه نشاطه الأدبي الكامل بعد ذلك. تم مصادرة رواية " تلك الرائحة " من سنة 1966 حتى 1986 حيث تم نشرها لأول مرة بكامل نصوصها الأصلية.
إنسان السد العالي ـ القاهرة عام 1967 بالاشتراك مع كمال القلشة ورؤوف مسعد
حدود حرية التعبير ـ دراسة عام 1973


رواية نجمة أغسطس عام 1974


الدلفين يأتي عند الغروب ـ رواية عام 1983
رواية اللجنة عام 1981
رواية " يوم عادت المملكة القديمة " عام 1982 وقد نالت جائزة أحسن رواية لعام 1982 من المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم .
اليرقات في دائرة مستمرة عام 1982
عندما جلست العنكبوت تنتظر ـ عام 1982
زعنفة الظهر يقابل الفك المفترس ـ عام 1982
الحياة والموت في بحر ملون ـ عام 1983
رواية ذات عام 1992 في القاهرة
رواية بيروت الصادرة عام 1984
كمؤرخ لزمنه طرح صنع الله إبراهيم موضوع الحرب الأهلية في لبنان
رواية شرف الصادرة سنة 1997.
رواية وردة الصادرة عام 2000 وفيها يعالج تجربة جبهة التحرير في سلطنة عُمان أوئل السبعينات
رواية أمريكانلي الصادرة عام 2003
أحدث رواياته هي "أمريكانلي"(2003) التي يمكن أن تقرأ " أمري كان لي"وتسجل تجربة أستاذ تاريخ مصري في جامعة أمريكية وتعرض لتاريخ كل من البلدين.

==

كيف إذن كان السجن عنصر بناء في أعمالك الروائية وكيف استطعت ان تجعله كذلك؟

ـ أنا كنت سجينا سياسيا وهناك فرق بين السجين السياسي وغيره من السجناء، ونحن لدينا تراث في التعامل مع السجن ولم ندعه ينتصر علينا، لذا كنا نقرأ ونكتب وندرس ونتفهم ونستمع إلى زملائنا من الكتاب الكبار الذين سجنوا معنا. اضف الى ذلك شيئا آخر مهما وهو شخصية السجين الذي قد يكون مبدعا مثلي، فانه في هذه الحالة يحول هذا السجن والقيد الى عنصر مهم في ابداعه، وأنا مدين لفترة السجن بالتعرف على عوالم عديدة وثرية وشخصيات مهمة ووفية، مررت بتجارب حادة جدا ساعدتني كثيرا في الكتابة الابداعية. نحن موجودون في سجن كبير ومهم ان نأخذ من السجن الصغير وسائل مقاومة حقيقية وفاعلة للتغلب على السجن الكبير ورفضنا للسجن الصغير لا بد أن يكون امتدادا له رفضنا للسجن الكبير.



ايوب صابر 11-09-2011 12:24 PM

فوز صنع الله ابراهيم بجائزة بن رشد للفكر الحر

وقد تسابقت أجهزة الإعلام العربية والأوروبية في إجراء مقابلات مع الروائي صنع الله إبراهيم طيلة إقامته في برلين.

وقالت المؤسسة في خطاب التكريم : إنّ مؤسسة ابن رشد للفكرالحر تقدم للمرة السادسة جائزتها في برلين ونالها هذه السنة السيد صنع الله إبراهيم الذي كرس حياته بجرأة ودون حلول وسط سواءً في كتاباته الأدبية أوفي تصرفاته للوصول إلى الحق وحرية الرأي والديموقراطية في الدول العربية. وقع الاختيار عليه من قبل هيئة تحكيم مستقلة تكونت من خمسة أعضاء من أشهر المثقفين وأساتذة الأدب العربي.

روايته الأولى التي نشرت غير كاملة عام 1966 تحت عنوان " تلك الرائحة " التي تصف تجربته في السجن والفترة بعد خروجه مباشرة حددت اتجاه نشاطه الأدبي الكامل بعد ذلك. تم مصادرة رواية " تلك الرائحة " من سنة 1966 حتى 1986حيث تم نشرها لأول مرة بكامل نصوصها الأصلية.

وكمؤرخ لزمنه طرح صنع الله إبراهيم موضوع الحرب الأهلية في لبنان في كتابه "بيروت بيروت" (1984) وفي كتابه "وردة " (2000) يعالج تجربة جبهة التحرير في سلطنة عُمان أوئل السبعينات. أحدث رواياته هي "أمريكانلي"(2003) التي يمكن أن تقرأ " أمري كان لي"وتسجل تجربة أستاذ تاريخ مصري في جامعة أمريكية وتعرض لتاريخ كل من البلدين.

صنع الله إبراهيم رصد تطوره الفكري من خلال ملاحظات كان يكتبها على ورق السجائر في السجن علي مدى سنوات ووضّح مفهوم الالتزام عند كتّاب عالميين كما وضّح تطور هذا المفهوم لديه شخصياً.ً

قضى الكاتب صنع الله إبراهيم خمسة سنوات ونصف في السجن من 1959 إلى 1964 عقب السجن الجماعي للمثقفين في مصر في الستينات.

وذكر صنع الله إبراهيم في خطابه: " كنت أنمو بسرعة. قالوا إن السجن مدرسة للثوار ولدي شكوك بالنسبة لصحة هذه العبارة .لكني متأكد من أن السجن مدرسة هامة للكاتب . ففيه يحتك بشخصيات ومواقف متباينة ويتعرف علي كتابات متنوعة ويثري معارفه بمناقشات لأفكار مختلفة وبملاحظات عن السلوك الإنساني ومحاولات لفهم دوافعها. الوقت في السجن طويل طويل يتيح للكاتب أن يفكر ويتساءل ويشك ويقترب من الضعف الإنساني ويصبح هو نفسه أكثر إنسانية."

وتابع في مكان آخر من خطابه: " وبينما يباد الشعب الفلسطيني على رؤوس الأشهاد، وتضع الإمبراطورية الأمريكية يدها علي بترول العراق وتستعد للسيطرة علي بترول إيران، ويُصنع من الإسلام غولا يستخدمه رأسماليو أوروبا في التغطية على استغلالهم لمواطنيهم ، وتوضع القوانين الفاشية باسم محاربة العداء للسامية. .. بينما كل هذا يجري يتحدث المثقفون" الليبراليون" عن الحكمة والسلام والتسامح والحوار وحب الآخر والتجديد الديني."

فجّر إبراهيم ضجة كبيرة عندما رفض قبول " جائزة الرواية العربية سنة 2003 المقدمة من وزارة الثقافة المصرية، وقال في خطابه : "إن هذه الجائزة مقدّمة من حكومة لا تملك –في نظري- مصداقية منحها".

خلال أعماله نادى صنع الله إبراهيم بالاحتفاظ بالضمير الناقد لكي نرى منخلاله ونفهم العلاقات السياسية المعقّدة. رواياته تُشجع قارئيها على المقاومة، لا على تحمل الوضع المزري.

وقالت الأستاذة ألريكِ شتيلي فيربِكْ في خطاب التكريم: على الرغم من الأضرار التي أصابته والمعاداة التي واجهتهكا نصنع الله إبراهيم مخلصاً لمثله العليا وهي البحث عن الحقيقة. صنع الله إبراهيم منوّرٌ منذرٌ لا يكل ولا يتعب - هو ضمير الأمة الجسور. هذه الجرأة في البحث عن الحقيقة والمعرفة تربط صنع الله إبراهيم بابن رشد وأنه مثله لا يخاف من أي جدل مع الغريب أوبالأحرى من التفكير الغريب . وجائزة ابن رشد تُمنح اليوم لشخص وضع بكتاباته وأعماله علامات واضحة ترمزللوقوف ضدأي نوع من الوصاية والكذب والتعسف والعنف وانتهاك حقوق الإنسان.

أصبح اسم صنع الله إبراهيم يرمز إلى الفكر الحر وكرامة الإنسان.

ومؤسسة ابن رشد للفكر الحر ومركزها في برلين / ألمانيا ومعظم أعضائها من العرب في الوطن العربي والمهجر تمنح جائزتها السنوية لإحدى الشخصيات العربية التي تساهم في مجالها في دعم قيم الحرية والديمقراطية في البلاد العربية. وتم حتى الآنمنح جائزة ابن رشد للفكر الحر لكلٍ من: قناة الجزيرة الفضائية، السيد عصام عبدالهادي، الأستاذ محمود أمين العالم، السيد د. عزمي بشارة، الأستاذ محمد أركون والأستاذ صنع الله إبراهيم.

ايوب صابر 11-09-2011 12:42 PM

صنع الله إبراهيم
الطاهر وطار يكتب عن صنع الله إبراهيم:


تلصص عن التلصص


أنهيت رواية صنع الله إبراهيم التلصص في أقل من أسبوع، في قراءة ليلية فقط، أنام وأستيقظ عليها، وعلي غير عادتي لم أقفز علي أية صفحة او فصل أو لوحة، بل كثيرا ما عدت لأتثبت مما قرأت.
عادة ما أجد، المقدمة المنطقية، التي تلحم أجزاء الهيكل الروائي إلي بعضها، والتي تعطي لكل كلمة وجملة وفقرة مشروعيتها، وحصانتها، بصفة خاصة، وتمنعنا من التساؤل عما أورد هذا الخبر، في خضم هذه الأخبار المتلاحمة. ولكن في هذه الرواية، كلما عثرت علي واحدة، أجلت البت فيها خشية أن أجد ثانية غيرها. وعندما انتهيت صباح هذا الجمعة، من كل الرواية، استقر رأيي علي ما عثرت عليه في الصفحات الأولي: ما يراه هذا الولد يستوجب الاهتمام.
ذلك أن هذا الولد، هو الذي رأي في كل رواياته، المجتمع المصري، والتغيرات التي تطرأ عليه، والتطورات التي يعاني عسرها، وهو الذي رأي المجتمع الأمريكي، عاريا.
هو هو في اللجنة وفي نجمة أغسطس، وفي بيروت بيروت، وفي ذات، وفي أمريكانلي.
تلك الأشياء التي تعرفها، والتي صارت روتينية بالنسبة إليك، يلمسها صنع الله، فتثير فيك الغرابة، ولربما تجعلك تبتسم أو تحزن، أو حتي تقهقه، كما جري في خاتمة الرواية، عندما لم تفلح شمس المعارف في إخفاء المتلصص، عن أبيه، عاري المؤخرة، وفاطمة الشغالة، تتبرم من تحته.
إن هذا الولد، هو بصيرتنا المصقولة، فكما عرفنا في ذات مثلا، تفاصيل مجتمع الانفتاح،
نري في التلصص مصر الأربعينات من كل زواياها وجوانبها، من خلال ملحمة والد، فقد زوجته، ولم يفلح في الزواج مرة أخري، قضي عليه القدر، كما في الملاحم الإغريقية، أن لا يفارق ابنه.

جعل صنع الله، من الولد رأس خيط، نسيج العنكبوت، وراح، ينسج عمودا لولبيا تتحرك دوائره وتكبر، كلما تحرك الولد صحبة أبيه، داخل الغرف، وفي العمارة، في الحارة، سواء علي الأقدام من متجر لآخر، ومن مدرسة لأخري أو في الترام.

إنه يري، وإنه ليسمع، وإنه ليجعلنا نتوقع، خاصة عندما يطل من خلال فتحات المفاتيح. وصنع الله في كل أعماله يستعين بشيء من الفلفل الأسود للإثارة ، فلا تغفل عيناه، تفاصيل جسد الأنثي، وأحيانا حتي الذكور.

كما نعرف أخبار أخته نبيلة، نعرف أخبار القصر الملكي وأخبار الأحزاب ، وأخبار فلسطين والحرب العربية الإسرائيلية. كل ذلك يتخله، حضور الأم في منظر أو في خبر، من خلال تذكر ماض، أو بالأصح من خلال ومضات، فيمتزج الماضي والحال والحاضر. نتوهم موتها، أو طلاقها أو أي شيء جعلها تترك المنزل، حتي نعرف في الأخير، أنها في مستشفي المجانين. يقصدها الزوج المحروم بقرطاس التفاح.

بصرامة العنكبوت، يضعنا صنع الله، (وإبراهيم يتميز في كل أعماله، بصرامة الجراح، المنتبه لكل دقائق العملية)، في شبكة روايته، ويفرض علينا هدوءه ووقاره، وخبثه كذلك، خاصة في وصف ضعف الناس وهزائمهم أو حيلهم المكشوفة، وكما لو أنه يتشفي منهم ومنا.

لأول مرة، أصادف عملا ملحميا، انمحي منه الفعل الماضي، وحل محله، مشمرا علي ذراعيه، الفعل المضارع، مستعينا بالاسماء أو بشبه الجملة.

يجعل المضارع، المرء في وضعية من يشاهد حركات كاميرا، علي الشاشة، في مناظر لا تتقطع.

حتي أننا نكاد، نتوهم أنه، صنع الله، يأخذ بأيدينا نحن، ككاتب، بدل الابن الذي يأخذ بيده أبوه.


ولقد تولدت قوة هائلة في جعل السرد، حركة، وليس توهما أو خيالا.
لغة إبراهيم صنع الله كعادتها تتجنب التقاعر، لتكون سلسة، خجولة أمام الصورة أو الحركة، ولكنها معبرة بقوة، عما يراد أن يصلنا، ولقد جعل إبراهيم، كل مفردات المجتمع المصري، المعبرة عن أشاء دخيلة، لا بديل لها في الفصحي، تندمج مع النص، دون أي نشاز.
استعملت عبارة ملحمة، وأكررها دون تردد، فهي
ملحمة فقراء مصر أيامها.
ملحمة الصراع مع سلطة فاسدة.
ملحمة حداثة، تدق الأبواب، بإمكانيات محدودة.
ملحمة الصراع العربي الإسرائيلي.
ملحمة أب شبيه بسيزيف، صخرته هي هذا الولد الذي يحبه في عمقه، والذي لا يمكن أن يفرطفيه.
ملحمة هذا الولد المحكوم عليه بالعيش معظم طفولته مع الكبار.
ملحمة النمو والاكتشاف، الطبيعيين الغريزيين.
هنيئا صديقي إبراهيم



رواية التلصص



رابط جديد :


ط±ظˆط§ظٹط© ط§ظ„طھظ„طµطµ.pdf


المصدر : مدون منتديات ليلاس .

ايوب صابر 11-09-2011 12:53 PM

طفولة صنع الله إبراهيم:
- لم نعثر وللأسف على معلومات تفصيلية عن طفولة صنع الله إبراهيم وطبعا هذا هو حال كل المبدعين العرب تقريبا لا احد يهتم بطفولتهم سواء في الحياة او بعد الممات.
- لكن يمكننا ان نرى بوضوح ما طبيعة تلك الحياة من خلال قصة صنع الله إبراهيم التلصص هذه كما في القراءة أعلاه .
- الرواية تحكي قصة مصر في الأربعينات من كل زواياها وجوانبها، من خلال ملحمة والد، فقد زوجته، ولم يفلح في الزواج مرة أخري، قضي عليه القدر، كما في الملاحم الإغريقية، أن لا يفارق ابنه.
- الكتاب غالبا ما يكتبون تجارهم الذاتية وعليه نفترض ان الولد في الرواية هو صنع الله ابرايهم وعليه نفترض انه كان يتيم الام فعلا او افتراضا من خلال الطلاق او مستشفى المجانين، كما هي الام في الرواية.
- يعتبر الناقد أعلاه أن الرواية ( التلصص ) عملا ملحميا، وهو ما يشير الى ان حياة صنع الله كانت ملحمية فانعكست في اعماله. وما يجعل حياته ملحمية كما يقول الكاتب :
o ملحمة فقراء مصر أيامها.
o ملحمة الصراع مع سلطة فاسدة.
o ملحمة حداثة، تدق الأبواب، بإمكانيات محدودة.
o ملحمة الصراع العربي الإسرائيلي.
o ملحمة أب شبيه بسيزيف، صخرته هي هذا الولد الذي يحبه في عمقه، والذي لا يمكن أن يفرط فيه.
o ملحمة هذا الولد المحكوم عليه بالعيش معظم طفولته مع الكبار.
o ملحمة النمو والاكتشاف، الطبيعيين الغريزيين.
- ومن رواية اخرى نعرف كم كانت حياة السجن قاسية .
- ثم تستمر حياة البؤس.
الخلاصة:
لا نعرف على وجه التحديد ان كان صنع لله قد عانى اليتم في الطفولة ولكننا نعرف انه عاش حياة ازمة.
فهو مأزوم.

ايوب صابر 11-10-2011 01:12 PM

4- الحرب في بر مصر - يوسف القعيد
في رواية " الحرب في بر مصر " استعرض يوسف القعيد مقدمات حرب أكتوبر التي عبرت فيها القوات المصرية قناة السويس متجاوزة خط بارليف المنيع على الضفة الشرقية واستعادت شريطا موازيا للقناة في سيناء التي كانت اسرائيل قد استولت عليها في حرب يونيو 67 ، وتذهب الرواية الى أن هناك مصريين ضحوا بأرواحهم في الحرب، في حين ذهبت العائدات المترتبة على النصر الى طبقة الاثرياء التي لم تشارك في الحرب بل تهرب أبناؤها من التجنيد حتى ان مسئولا يقول في نهاية الرواية ان هذا التناقض أفسد عليه "تذوق حلاوة طعم النصر".

أما الرواية الثانية فهي "يحدث في مصر الان" فزيلت بدراسة للناقد المصري الراحل علي الراعي.ويرى القعيد فيها أن العصر الامريكي ممتد منذ نهاية عهد نيسكون حتى نهاية عهد الرئيس الحالي جورج بوش، ويتساءل القعيد في مقدمة الرواية "ماذا عن الحلم الامريكي الذي جاء الى بر مصر مع الرئيس نيسكون... العرض المسرحي الامريكي مستمر في بر مصر" مسجلا أن طبعتها الاولى كانت "متقشفة" وأن لها طبعة صدرت في فلسطين المحتلة أصدرها المناضلون الفلسطينيون.ومن المفارقات أنه بين روايات القعيد الكثيرة تحولت هاتان الروايتان فقط الى السينما حيث تحولت "الحرب في بر مصر" في عام 91 الى فيلم المواطن مصري بطولة عمر الشريف وهي اخر أعمال المخرج السينمائي البارز صلاح أبو سيف 1915-1996 أما "يحدث في مصر الان" فهي اخر أفلام المخرج منير راضي الذي قدمها للسينما في فيلم زيارة السيد الرئيس في 1994

ولمن أراد قراءة هذه الروايات وقراءة المزيد من كتابات هذا الكاتب الرائع والغوص في دواخل السياسة الداخلية والخارجية من خلال إبداعات أدبية فليتفضل ، هذه مجموعة من كتابات الرائع يوسف القعيد

الحرب في بر مصر
4shared.com /file/78819106/2c4aee5e/____.html?s=1url
==

الحرب في بر مصر

رغم أن رواية "الحرب في بر مصر" لكاتبها المصري الشهير "يوسف القعيد" قد تحولت إلى عمل سينمائي منذ عدة سنوات في شريط حمل اسم "المواطن مصري" (عمر الشريف، عزت العلايلي، عبد الله محمود)، إلا أن قراءة الرواية تحمل لقارئها الكثير من المتعة و العمق مقارنة بالشريط..

تدور الأحداث في قرية من قرى مصر قبيل حرب 1973، حيث يتنصل عمدة القرية من إرسال ابنه الأصغر للالتحاق بالجيش كما يفترض به أن يفعل..
و لكيلا ينكشف هذا الأمر، يقوم بإرسال ابن خفيره "مصري"، التلميذ الفقير المتفوق في دراسته، بدلا عنه..
تستخرج أوراق إثبات جديدة ل"مصري" باسم ابن العمدة، و يؤخذ منه كل ما قد يثبت هويته الحقيقية، و يلتحق بالجيش..
لكن الشاب الصغير يضيق ذرعا بلعب دور ابن العمدة و يثقل السر الدفين عليه.. تبدأ الحرب فيستشهد ببسالة.. لكن الأوراق الرسمية كلها تشير إلى أن ابن العمدة هو الذي استشهد.. و بذلك ينال العمدة العزاء الموشى بالثناء و التمجيد لبطولة ابنه المزعوم.. بينما الابن الحقيقي حي يرزق.. يرفض تسليم الجثة إلى الوالد المكلوم.. و تدفن خيوط القضية مع الشهيد نظرا لتورط شخصيات عديدة بالموضوع..
لا شك في أن لاختيار اسم "مصري" دلالة رمزية في إشارة إلى كل فرد مصري من الطبقة الكادحة يستغل عرقه لخدمة مصالح طبقات أخرى..
لكن باب الحيرة يبقى مفتوحا..
من حقق النصر عام 1973؟ أهو الشاب "مصري" المتواضع، الفقير، المقهور أم ابن العمدة العابث اللامبالي؟
وهل يهم أصلا معرفة من استشهد أم يكفي أن الاستشهاد قد تم و أن النصر قد تحقق بغض النظر عن هوية الدماء التي بذلت من أجل ذلك؟

ـ البقية في حياتكم.
خبط الرجل صدره بفزع.
ـ بعد الشر. من؟!
ـ ابن العمدة.
ـ لم يكن للعمدة أبناء يعالجون في البنادر. أم هو حادث؟
صاح فيه السائق بغضب:
ـ أي حادث. إنه شهيد.
تساءل الفلاح:
ـ في الحرب؟
ـ الحمد لله على إنك فهمت.
فكر الرجل في الأمر وظهر على وجهه الاهتمام رفع يده فجأة:
ـ ولكن العمدة ليس له أولاد في الجيش.

ايوب صابر 11-10-2011 01:16 PM

يوسف القعيد

يوسف القعيد : ولد الروائى يوسف القعيد فى قرية الضهرية مركز إيتاى البارود والتحق بكُتّاب القرية بالمدرسة الابتدائية ثم الإعدادية فمعهد المعلمين بدمنهور وتخرج فيه عام 1961 وعمل بمهنة التدريس اعتبارا فى مدرسة الرزيمات الابتدائية المشتركة ثم فى مدرسة الوحدة المجمعة بقرية الضهرية.
- تم تجنيده بالقوات المسلحة فى شهر ديسمبر عام 1965 وظل بها حتى شهر ابريل عام 1974وشارك فى حروب 1967والأستنزاف وأكتوبر 1973.
- تَشكّل عالم الرواية عند يوسف القعيد عبر مجموعة من الرؤى اختطها لنفسه بوعى وتفهم من خلال معايشته الكاملة للقرية المصرية باعتباره أحد أبنائها المخلصين الذين عاشوا أيامها الصعبة ورضعوا آلامها المُرة وأيضا من خلال مواجهته لواقع الهزيمة وإرهاصاتها المُلحّة التى دخلت كل بيت فى مصر والتى تأثرت بها القرية المصرية تأثرا بالغا ووضحت آثارها على جيل كامل من أهلها.

كانت بواكير الرواية عند يوسف القعيد تعبيرا عن مكونات الزمان والمكان خلال فترة من اهم فترات حياته هى فترة تجنيده وخروجه من قرية الضهرية وولوجه عالم المدينة مجندا فى صفوف القوات المسلحة عام 1965 وكذا تشكيل وعيه الأدبى من المخزون الثقافى التراثى والمعاصر من خلال قراءات ذكية وملحة فى الأدب القصصى المحلى والعالمى وقد لعبت هذه القراءات دورا مهما فى تشكيل رؤية القعيد وفهمه لطبيعة الفن فكانت رواياته ومجموعاته القصصية. قدم يوسف القعيد للمكتبة مجموعة من روياته وبعضها ترجمت إلى الروسية والإنجليزية والاوكرانية و الفرنسية والأسبانية والألمانية والهولندية. عضو نقابة الصحفيين واتحاد الكتاب و نقابة السينمائيين والمجلس الأعلى للثقافة والمجالس القومية وفاز بجوائز متعددة.


يوسف القعيد

اديب وقصاص مصري معاصر ولد بالبحيرة. اهتم بالتعبير عن المحيط القروي المصري وما يتصل به من قضايا وعرف بنبرته السياسية الناقدة عرضت بعض أعماله للمصادرة. يعتبر يوسف القعيد من رواد الرواية في مرحلة ما بعد نجيب محفوظ الذي ربطته به علاقة متينة. حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة 2008 وحازت روايته "الحرب في بر مصر" المرتبة الرابعة ضمن أفضل مائة رواية عربية.

الروايات
  • البيات الشتوي
  • يحدث في مصر الآن
  • الحرب في بر مصر
  • القلوب البيضاء
  • وجع البعاد.
  • بلد المحبوب.
  • لبن العصفور.
  • أطلال النهار.
  • أربع وعشرون ساعة فقط.
  • قطار الصعيد.
  • قسمة الغرماء.
  • شكاوي المصري الفصيح
روايات قصيرة
  • أيام الجفاف.
  • عنتر وعبلة.
  • في الأسبوع سبعة أيام.
  • من يخاف كامب ديفيد ؟.
  • مرافعة البلبل في القفص.
قصص قصيرة
كتابات أخرى
  • أحاديث أدبية: أصوات الصمت.
  • أدب الرحلات: الكتاب الأحمر رحلاتى في خريف الحلم السوفيتي.
  • يوميات: من أوراق النيل.
  • محمد حسنين هيكل يتذكر: عبد الناصر والمثقفون والثقافة.
  • مفاكهة الخلان في رحلة اليابان.

ايوب صابر 11-10-2011 01:18 PM

يوسف القعيد

أعمالي المتميزة ثمرة صيام

المصدر: القاهرة ـــ دار الإعلام العربية
التاريخ: 05 أغسطس 2011
حفلَ الأدب العربي منذ عصر صدر الإسلام وحتى عصرنا الحديث بكثير من صور التعبير عن المكانة الخاصة التي يحتفظ بها الشعراء والأدباء والمبدعون العرب لشهر رمضان، وهي المكانة التي لا ينافسه فيها أي شهر آخر، بكل ما يتضمنه من معانٍ دينية وروحية، لذلك يحرص الأدباء والشعراء على الاحتفاء بهذا الشهر الكريم الذي يمثل مناسبة خاصة للمسلمين من خلال إبراز طقوسه وأثر الأجواء الروحانية التي تتسم بها أيامه ولياليه سواء في أشعارهم أو أعمالهم الأدبية.
الروائي المصري يوسف القعيد يقول إن الشهر الكريم يمثل في حياته مرحلتين؛ المرحلة الأولى هي رمضان الذي عاشه في الريف المصري، والمرحلة الثانية هي التي عاشها في المدينة بعد أن انتقل إلى العاصمة القاهرة، حيث يتذكر البيت الذي يعبر فيه أمير الشعراء أحمد شوقي عما يشعر به من فارق بين الاثنين، والذي يقول فيه «يا بدر أنت من القرى وأراك في ليل المدائن غريباً».
فشهر رمضان في القرية المصرية عندي مثل البدر الذي يولد في أوله ويتألق ويرسل بريقه في أوسطه، ثم يختفي ويصبح ليله ظلمة ونودعه بحزن ولهفة للقاء من جديد، كما يعني رمضان بالنسبة لي، المسحراتي وصوت المؤذن الملائكي لصلاتي الفجر والمغرب حيث يصل الصوت، إلى الروح دون ميكروفونات المدينة الصاخبة.
ورمضان القرى بالنسبة لي يعني أيضاً أن الغريب عن القرية يجلس على مائدة إفطار أول بيت يقابله دون سابق معرفة، وكذلك هو صوت الفنانة زوزو نبيل في مسلسل «ألف ليلة وليلة» في الإذاعة المصرية وقت الإفطار، بعيداً عما نصفه الآن بــ «جنون الدراما التليفزيونية».
أما رمضان في المدن فيعني بالنسبة لي ازدحام المرور الخانق، وزحمة السير وامواج البشر التي تهرول في الطرقات، واختفاء المظاهر الاحتفالية إلا في الأحياء الشعبية فقط، وهي الأحياء التي لا تزال تحتفظ بطابع أصيل ومذاق خاص بها في الشهر الفضيل.
وعن طقوس الإبداع في هذا الشهر وأهم أفكاره التي تولدت خلاله، يقول القعيد «إن إيقاع الحياة في رمضان يكون مختلفاً وتكون القراءة أكثر متعة من الكتابة»، وعلى الرغم من أن إنتاجه الأدبي يتأثر في الشهر الكريم بعض الشيء، إلا أنه يقول إن ذهن المبدع يكون في حالة صفاء ومع حالة من الروحانيات التي يشهدها رمضان فتتنامى الأفكار إلى الذهن، فقد تولد فكرة الرواية في ليلة سحور أو أمسية فطور ليقوم بعد ذلك باستكمال الرواية أو العمل الأدبي بعد انقضاء الشهر.
ويؤكد القعيد أن أهم الروايات التي كتبها ولدت أفكارها في شهر رمضان، فهناك روايات بدأها وانتهى منها خلاله، ولعل أهمها رواية «شكاوى المصري الفصيح»، وهي من ثلاثة أجزاء الأول «نوم الأغنياء»، والثاني «المزاد»، والثالث «أرق الفقراء»، وكذلك رواية «الحرب في بر مصر»، ورواية «يحدث في مصر الآن»، وأخيراً رواية «قلوب بيضاء»، وكلها روايات، كما يقول، أحدثت ردود فعل إيجابية لدى الناشر والقارئ على السواء.

==
يقول عن نفسه:
"فقط أقول أن نشأتى الفقيرة. علمتنى القناعة. وبعد ذلك حولتها إلى الاستغناء. الذى أتمنى الحفاظ عليه. لم يكن والدى من ملاك الأراضى. أنا من عائلة لا تمتلك سوى قبورها".

ايوب صابر 11-10-2011 01:21 PM

حوار مع الروائي المصري يوسف القعيد: يعيش ليحكيويكتب
سلوى اللوباني من القاهرة: الكاتب الصحفي يوسف القعيد ينتمي الى جيل الستينيات الادبي، الجيل الذي قدم للقراء اجمل الاعمال الادبية واكثرها ثراءً، مكانته الادبية مترسخة على الساحتين المصرية والعربية من خلال اعماله الروائية القيمة التي تعكس همه الاساسي وهو المشاركة الفعالة في قضايا وطنه، له العديد من المقالات في الصحف العربية، شغل في مجلة المصور عدة مناصب من محرر الى نائب رئيس التحرير الى ان حصل على اجازة منذ عام 2000 فهو يعد لرواية ضخمة تتحدث عن قريته وحياته، وله مقالة اسبوعية في جريدة "الاسبوع"، يوسف القعيد انسان متواضع جداً، ملتزم ودقيق في مواعيده، يتمتع بروح النكتة، واكثر ما يجذبك اليه هو طريقته في رواية الحكايات، فلديه الكثير من الحكايات، وكل سؤال عنده له حكاية تعبر عن رأيه وفكره، دار الحوار مع يوسف القعيد حول الثقافة والمثقفون بمناسبة مؤتمر اتحاد الكتاب الذي اقيم في مصر مؤخراً، والجدير بالذكر ان يوسف القعيد قدم كلمة الاديب العالمي نجيب محفوظ في الحفل.
* قال الامين العام للجامعة العربية في افتتاح مؤتمر الكتاب لعام 2005 ان الثقافة "وصلت الى السطحية والتخلف"، بينما وصلت الى الذروة في عهد جمال عبد الناصر كما ذكرت في كتابك "عبد الناصر والمثقفون والثقافة" برغم كل ما يقال عن الاجراءات الاستثنائية وقمع الحريات؟
- كان هناك ادراك لأهمية المثقف في عهد جمال عبد الناصر، كان جمال عبد الناصر مهتم بالثقافة والمثقفون، وسأروي لك حكايتين، الاولى أنه كان من عادة جمال عبد الناصر عندما يسافر الى خارج مصر، ان يفتح الراديو على القاهرة، ولفت انتباهه صوت مطربة جديدة اسمها عفاف راضي، وشعر بانها موهبة وصوتها (فيه حاجة من صوت المطربة فيروز)، فاتصل بالصحفي محمد حسنين هيكل (وزيراً للاعلام) قائلاً "فيروز مطربة عظيمة واللبنانيين يستحقونها، وعفاف راضي تصلح لان تكون فيروز مصرية"، فطلب الاهتمام بها وتوفير الملحنين لها، والحكاية الثانية هي عند زيارته جريدة الاهرام وقابل الاديب نجيب محفوظ فسأله (ازاي الحسين وأهل الحسين بتوعك)؟ انا لم أقرأ لك شيئاً منذ فترة، واجاب "هيكل" غداً ستصدر رواية جديدة لنجيب محفوظ. هذا يدل على اهتمامه بالثقافة وحرصه على المتابعة والتقييم، فهو كحاكم عربي اهتم بالبحث عن صوت آخر بالرغم من ان تلك الفترة توفر لديه ثلاثي بنفس الحجم والقيمة لم يجتمع منذ ايام الخديوي اسماعيل وهم محمد عبد الوهاب، ام كلثوم، عبد الحليم حافظ، ومع ذلك كان جمال عبد الناصر مهتم بالبحث عن صوت جديد ذو قيمة، وبالرغم من الاعتقالات التي حصلت في عهده ( وأنا ضدها وضد اعتقال حرية اي انسان) انما كان هناك ازدهار ثقافي، ولم يكتب حرف ادبي شعراً او نثراً او قصة او مسرحية ومنع من التقديم او النشر في عهد جمال عبد الناصر، فهو كان مهتم بفكرة ودورالثقافة ودور المثقفين، وهناك حكاية اخرى على اهتمامه بدور ومكانة المثقف ففي عام 1969 قام الادباء العرب بزيارة لمصر بعد هزيمة 5 يونيو للاجتماع، وهو الذي تمخض عنه فكرة معرض القاهرة الدولي للكتاب، لدعم مصر في مواجهة العدوان الصهيوني، وتفاجئوا بوجود جمال عبد الناصر بينهم جاء للاجتماع بهم.
* هل تعتقد بالفعل ان الكاتب مؤثر في المجتمع؟
- الكاتب هو ضمير المجتمع ومرآته وجرس الانذار الخاص به، فهو ينذر مجتمعه بالاخطار قبل أن تأتي، أي عندما يقول شيئاً يحدث تاثيراً لدى الناس، ومر الكاتب في مجتمعنا بثلاث مراحل وهي المشاركة، ومن ثم التبرير، ومن ثم المشاهدة (الفرجة)، ونحن الان مشاهدين ليس لنا أي تأثير، حالياً نعاصر أهم كاتبين، وهما الاديب نجيب محفوظ والصحفي محمد حسنين هيكل، بالاضافة الى فاتن حمامة كفنانة، ويوسف شاهين كمخرج وبالرغم من ذلك لا يوجد تأثير لاي منهم على الناس، بمعنى لو قام أحدهم بالتواجد في أي مكان على سبيل المثال في (ميدان التحرير) ليقول شيئاً، لدي شك ان يستمع لهم أحد أو يتأثر بكلامهم.
* لماذا؟
- لاننا في مجتمع الامية فيه مرتفعة جدا، ولا يوجد قراءة وحتى القارئين أميين، حتى الشباب الحاصل على شهادات جامعية يعاني من أمية حقيقية، أمية ثقافية، سياسية، فكرية، أمية مواقف، فهو غير مستعد ان يتخذ موقف ما تجاه قضية معينة، مجتمعنا لا يحترم المثقف لمجرد انه مثقف، فمثلاً يوسف السباعي كانت مناصبه أهم من ثقافته، احسان عبد القدوس كذلك، عبد الرحمن الشرقاوي، فتحي غانم، كانت مناصبهم أهم (100 مرة) مما يكتبونه، ومع تعريفي للمثقف( وانا شديد الحرص على هذا التعريف) هو الانسان الذي يهتم بالقضايا العامة التي لا تشمله شخصياً، فالمثقف ليس بالشهادة الجامعية، ولا (بفك الخط) ولا باجادة لغة اجنبية، المثقف شخص يحمل هموم وطنه بداخله، فأنا شخصياً في عهد السادات، لم يكن لدي مشكلة شخصية ولكن وطني كان يعاني من مشاكل عديدة، فقدمت أعمال روائية تعبر عن هذه المشاكل، هذا المثقف (بمفهومي) لم يعد له اعتبار أو وجود.
* هل برأيك من الضروري ان ينتمي الكاتب لفكر معين؟
- يمكن للكاتب ان لا ينتمي أو ينتمي لفكر معين، ومع ذلك لا أدين الكتاب وهم كثر الان الذين لا يحملون فكر معين، فمنهم من يكتب لمجرد متعة الكتابة اي المتعة الشخصية.
* هل يمكن القول بانه بسبب عدم انتماء الكتاب الحاليين لفكر معين أدى الى تراجع الثقافة وتأثيرها؟ فمعظم جيل الستينيات وأنت منهم كانوا ينتمون الى فكر معين؟
- قد يكون احدى الاسباب، فمن الافضل الانتماء لفكر معين، وبالنسبة لي أقاوم أمران اساسين، الاول "ان الافكار لم تعد تصلح في الواقع"، فالواقع الآن واقع مصالح، لم يعد هناك افكار بل مصالح، لذلك انا اقاوم الفكرة التي تقول أن الفن يجب ان يكون للمتعة فقط اي لا يوجد من خلاله رسالة، هي فكرة خاطئة لانها تقوم بتخصيص الكتابة بمعنى ان اكتب دون ان يكون لدي قضية تحركني، والامر الثاني بالنسبة لكاتب مثلي يقوم عمله بالرهان على القراء، اكتب حتى يشعر الناس بان هناك خللا ما لادفعهم الى تغييره، فأنا أقاوم فكرة انصراف القراء عن القراءة ومستمر بالرهان عليهم، حتى لو انصرفوا عني فهو انصراف مؤقت، ولكنهم سيعودون مرة ثانية للقراءة.
* اذن انت متفاءل؟
- لا انا لست متفاءل، بل انا متشاءم جدا ولكني اخاطب نفسي بهذه الافكار لاشجع نفسي على الاستمرار بالكتابة، فبديل الكتابة عندي هو الجنون، لذلك اقول لنفسي ان القراء اذا انصرفوا لفترة سيعودون ثانية.
* ولكن بشكل عام هل ترى ان التراجع الثقافي الذي نعاني منه الان هو مؤقت، هل ستزدهر الثقافة من جديد؟
- الواقع كلما تدهور ووصل الى مرحلة ما بعد المأساة ينتج أدباً أفضل، فالازدهار وغياب المشاكل ورضا الناس عن حياتهم لا ينتج أدباً، ولكنني مندهش لأننا في حالة انهيار لم يحدث سابقاً ومع ذلك لم ننتج أدباً، في حين انه في عهد جمال عبد الناصر كان هناك بناء ومشروع أنتج أدباً، فمن المفروض ان يكون انتاج الادب الان أفضل مما أنتج في عهد جمال عبد الناصر، لانه كلما انهار الواقع كلما ادى الى ابداع ادبي أكثر، ولكن للاسف الشديد الواقع ينهار كل لحظة ومع ذلك لا يؤدي الى ابداع ادبي جديد، والواقع تخطى قدرة الروائيين للكتابة عنه، الواقع تجاوزنا تماماً، ومع ذلك ما زالت كتباتنا اقل بكثير مما كان ينشر في الستينيات.
* بمعنى هناك لوم على الكاتب؟
- لا فالمجتمع نفسه قد تغير، والمجتمع الذي كان يعتبر المثقفين رموزاً أساسية فيه قد تغير وتغير تماماً.
* ولكن هناك رأي يقوم بالقاء اللوم على الكاتب بما يخص عزوف الناس عن القراءة واهتمامهم بالثقافة، فالكاتب يكتب بعيداً عن هموم المواطن الحقيقية او يستخدم لغة لا يفهمها الانسان البسيط؟
- قد ينطبق على الجيل الجديد من الكتاب، فأنا لا أكتب بهذه الطريقة بالعكس أنا قريب من هموم المواطن وأكتب بشكل مبسط ولدي توسع في استخدام اللغة العامية، انما الجيل الجديد من الكتاب لديهم تغريب وابتعاد عن واقع الناس، بل يهدفون الى رفع الناس الى مستواهم وليس العكس، وأيضاً لا يوجد مبرر لدى الناس للعزوف عن القراءة فاذا لم تنل اعجابهم الكتابات الجديدة بامكانهم قراءة أدبنا القديم، فهناك طه حسين، العقاد، توفيق الحكيم، نجيب محفوظ وغيرهم، يمكن قراءة الادب الكلاسيكي المصري والعربي، فأحمد شوقي لم يقرأ جيداً، وصلاح عبد الصبور أهم آخر شاعر مصري لم يقرأ جيداً أيضاً، أوروبا ما زالت تقرأ أدب القرن التاسع عشر، تقرأ كتب بلزاك ودوستفسكي وغيرهم.
* أي من روايتك أثارت جدلاً واسعاً؟
- رواية "يحدث في مصر الان" رفض الناشرون طبعها أو نشرها، لذلك قمت بطبعها على نفقتي الخاصة، ولم أكن أملك المال لذلك قمت ببيع ايصالات للناس لاحصل على ثمن طباعتها، وبعد الانتهاء من بيعها أعدت الاموال لاصحابها، وبالطبع كانت طبعة رديئة جداً، ولكنها طبعت مرة أخرى في الوطن العربي بطبعة جيدة، ورواية "الحرب في بر مصر" عام 1977 منعت في مصر على الاقل 7 سنوات، صدرت في لبنان اولاً ومن ثم فلسطين الجزائر العراق، وصدرت في مصر عام 1985، وقد تعثر تحويل الروايتين الى اعمال سينمائية بسبب الرقابة حتى عام 1990، وآخر رواية لي هي "قسمة الغرماء" صادرة عن دار الساقي في لبنان ولندن، ممنوعة في كل المعارض وآخرها معرض الكويت الدولي، فهي تناقش العلاقة بين المسلمين والمسيحين، فكل ما يدور حول الجنس، الدين، السياسة ممنوع الكتابة عنه فماذا تبقى لنكتب عنه؟
* مرة اخرى اعود لسؤالك هل انت متفاءل بازدهار الثقافة؟
- لكل انسان هدف في الحياة وهدفي البحت هو المعرفة، القراءة والكتابة (أي تشغيل عقلي)، فأنا يجب ان اقنع نفسي بأن غداً أفضل من اليوم، بمقولة " أن أجمل الأيام هي التي لم نعشها بعد"، وان بكرة (غداً) قد يكون أفضل من اليوم، أنا أقول أن بعد بعد بعد بكرة قد يكون أفضل من اليوم، كل هذه محاولات لاقناع نفسي بأن الازدهار قادم، لأن الانسان اذا قرأ قوانين الواقع جيداً سيفعل كما فعل سعد زغلول (يدخل القبر ويقول شدي اللحاف مافيش فايدة)، وانا لا أريد أن أصل لهذه المرحلة.
* وهنا كان وقت الحوار قد قارب على الانتهاء بانتهاء أسئلتي، فالكاتب يوسف القعيد على موعد للقاء أديبنا العالمي نجيب محفوظ وكما ذكرت سابقاً التزامه ودقة مواعيده، فوجهت له الاسئلة التالية من باب الفضول...
* هل لديك طقوس معينة للكتابة؟
- اعمل من الساعة 5-11 صباحاً، ولا يعني ذلك بانني اكتب يوميا لمدة 6 ساعات، ليس بالضرورة ان يكتب الكاتب يومياً، فيمكن أن اقرأ، أو أشغل نفسي بقضايا مرتبطة بالعملية الابداعية، فالذي يقول انه مسيطر على العملية الابداعية سيطرة كاملة غير مبدع، والذي يدعي ان الوعي الخاص به هو الذي ينجز العملية الابداعية كلها فهو ايضا غير مبدع، فاحيانا اللاوعي يقوم بحل مشاكل كثيرة في العملية الابداعية، التعمد في الابداع يؤدي الى خروج جثث وليس شخصيات حية، مسألة الابداع فيها قدر كبير من اللاوعي وفيها قدر كبير من الاحتشاد.
* ما حكاية اسمك؟
- في رواية "مرافعة البلبل في القفص" ذكرت حكاية اسمي بالتفصيل، اسمي الحقيقي محمد و يوسف هو اسم والدي، وكان علي الاستجابة لطلب اختصار اسمي من ثلاثي الى ثنائي، فاخترت اسم يوسف، ولالجدير بالذكر أن أول ثلاث روايات صدرت لي كانت باسم "محمد يوسف القعيد".
* توصف عادة بالحكاي، حكاياتك كثيرة ولا تنتهي، لماذا؟
- هناك بيت شعر لاحمد فؤاد نجم "اذا خفت ما تقولش، واذا قلت ما تخافش"، لا يوجد لدي كلام يجب أن أقوله أو لا اقوله، فالحكاية بالنسبة لي تعبير عن فكري ورأيي.

من أعمال الكاتب الصحفي يوسف العقيد روايةالحداد، عزبة المنسي، أيام الجفاف، البيات الشتوي، الحرب في بر مصر، شكاوي المصريالفصيح، اطلال النهار، قطار الصعيد، طرح البحر، قسمةالغرماء

ايوب صابر 11-10-2011 01:22 PM

يوسف القعيد
بقلم منال محمود
هو الأديب والقصاص المصري المعاصر من مواليد محافظة البحيرة يبلغ من العمر 64 عاما .
هو واحد من ألمع كتاب مصر وله كتابات قوية ورائعة وروايات ممتعة ، هذا الكاتب الرائع أصدر طبعة جديدة من روايتين له ، تزامنت مع القصف الإسرائيلي لغزة إحداهما عن طبقة حصدت ثمار النصر على إسرائيل في حرب 73 والثانية عما يراه الكاتب وهم الحلم الأمريكي الذي انتظره البعض حين زار الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون مصر في العام التالي .

في رواية " الحرب في بر مصر " استعرض يوسف القعيد مقدمات حرب أكتوبر التي عبرت فيها القوات المصرية قناة السويس متجاوزة خط بارليف المنيع على الضفة الشرقية واستعادت شريطا موازيا للقناة في سيناء التي كانت اسرائيل قد استولت عليها في حرب يونيو 67 ، وتذهب الرواية الى أن هناك مصريين ضحوا بأرواحهم في الحرب، في حين ذهبت العائدات المترتبة على النصر الى طبقة الاثرياء التي لم تشارك في الحرب بل تهرب أبناؤها من التجنيد حتى ان مسئولا يقول في نهاية الرواية ان هذا التناقض أفسد عليه "تذوق حلاوة طعم النصر".
أما الرواية الثانية فهي "يحدث في مصر الان" فزيلت بدراسة للناقد المصري الراحل علي الراعي.ويرى القعيد فيها أن العصر الامريكي ممتد منذ نهاية عهد نيسكون حتى نهاية عهد الرئيس الحالي جورج بوش، ويتساءل القعيد في مقدمة الرواية "ماذا عن الحلم الامريكي الذي جاء الى بر مصر مع الرئيس نيسكون... العرض المسرحي الامريكي مستمر في بر مصر" مسجلا أن طبعتها الاولى كانت "متقشفة" وأن لها طبعة صدرت في فلسطين المحتلة أصدرها المناضلون الفلسطينيون.ومن المفارقات أنه بين روايات القعيد الكثيرة تحولت هاتان الروايتان فقط الى السينما حيث تحولت "الحرب في بر مصر" في عام 91 الى فيلم المواطن مصري بطولة عمر الشريف وهي اخر أعمال المخرج السينمائي البارز صلاح أبو سيف 1915-1996 أما "يحدث في مصر الان" فهي اخر أفلام المخرج منير راضي الذي قدمها للسينما في فيلم زيارة السيد الرئيس في 1994

ولمن أراد قراءة هذه الروايات وقراءة المزيد من كتابات هذا الكاتب الرائع والغوص في دواخل السياسة الداخلية والخارجية من خلال إبداعات أدبية فليتفضل ، هذه مجموعة من كتابات الرائع يوسف القعيد

الحرب في بر مصر
4shared.com /file/78819106/2c4aee5e/____.html?s=1url

ايوب صابر 11-10-2011 01:23 PM

يوسف القعيد : اديب وقاص مصري معاصر ولد بالبحيرة.

يوسف القعيد واسطة العقد في جيل الستينيات.. وواحد من ألمع كتّاب هذا الجيل.. صاحب «الحرب في بر مصر» «ويحدث في مصر الآن» «ووجع البعاد» «ومرافعة البلبل في القفص».. مازال يوسف القعيد وهو على مشارف الستين حزينا لأنه غادر قريته الصغيرة منذ خمسة وثلاثين عاماً.. يعيش في احياء القاهرة مرغماً ويعمل بالصحافة مرغما.. لأنه مازال يحمل بداخله روح الفلاح الفصيح، بملامحه السمراء الطيبة.. ولأنه مازال يحلم بأن يرتبط وجوده بالابداع فحسب.. بعيداً عن حسابات الصحافة وقسوة مدينة الاسمنت والضجيج

يقول عن بدايته في مقابلة صحفيه:
" أعود إلى البداية. أعتقد أنها جاءت من الحياة فى القرية. طبيعة الحياة فيها وعملية الزراعة نفسها. التى تعد مدرسة متكاملة فى تعليم الصبر. والوقت الذى يفيض عن حاجة الناس فى القرية. ومواجهة ظواهر الحياة بالحكايات والتغلب على صعوبات العمل بالغناء. كل هذا خلق جواً فنياً. وضعنى فى موقف الحكاء. كما أن أمى – أطال الله فى عمرها – بذرت بداخلى بذرة الحكى هذه. لأنها كانت ومازالت حكاءة من النوع النادر. وإن كانت ذاكرتها تخونها فى بعض الأحيان مؤخراً. ولكن لابد وأن أعترف أن نصف رواياتى – إن لم يكن أكثر – سمعت الفكرة الجوهرية أو البدرة الأولى منها. خلال حكاياتها الكثيرة والمتنوعة. كانت حياة القرية وظروفها. وحكايات أمى هى نقطة البدء. هذا ما أستطيع قوله الآن. وعموماً يمكنك العودة إلى مقالات ثلاث نشرت فى مجلة الهلال. تحت مسمى التكوين أرسلتها لك. وهى كلها تجيب على هذا السؤال وعلى غيره من الأسئلة بصورة مباشرة.".

ويقول عن قريته وكيف اثرت فيه :

"اذا كان الفيضان هو الحدث الأول الذى أعيه جيداً. فإن الحريق -حريق قريته الظاهرية- المروع كان ختام الأربعين سنة الأولى من عمرى"

ويقول " أما الحزن الذى يجده القارئ فى رواياتى. فتلك مسألة هامة. وهذا الحزن موجود لأننى إنسان حزين. وقد لفت الأستاذ نجيب محفوظ نظرى إلى أننى فى الحياة العامة فكه. وأقول كثيراً من الكلام الذى يمكن أن يكون مضحكاً. ومع هذا. فإن كتاباتى تقطر حزناً. قلت له.. وأنت أيضاً ابن نكتة كما يقولون. وقبل الوصول لسؤالى له قال لى. عندى كثير من الأبطال الذين يلقون الكثير من النكت. قال لى صلاح عبد الصبور مرة. أن الحزن ابن التأمل. ومحاولة التفكير فى ظروف الحياة وأنه رأى الحزن واحد من سمات البشر فى كل زمان ومكان. لا أستطيع أن أصدر تعليمات لنفسى. قبل الجلوس للكتابة. بأن أكون حزيناً أو أن أرفض الحزن. تلك مسألة لا تتم بقرارات. إن جزءاً كبيراً من اللا وعى تتم من خلاله. ومن يقول لك من الأدباء أنه قرر أن يكتب فكاهة ونجح فى ذلك. كاذب فى أصل وجهه. فالعملية الإبداعية يتم جزء كبير منها فى منطقة اللاوعى. أو الوعى الخفيف. أو الإدراك الذى لا يمكن السيطرة التامة عليه.

ويقول" لدى الكثير فى جعبتى وأنا لا أحب كلمة الجعبة هذه عن القرية المصرية. ولدى مشروع لرواية ضخمة عن قريتى الضهرية. من سنة 1944 سنة ميلادى. وحتى سنة 1984 وهى السنة التى احترقت فيها الضهرية عن آخرها. إن هذه الملحمة ستبدأ بمشهد الفيضان عندما كان نهر النيل يفيض كل عام فى الصيف. وستنتهى بمشهد الحريق. ومن خلال ذلك. أقدم أيضاً قصة حياتى أنا. ".

ايوب صابر 11-12-2011 02:37 PM

يوسف القعيد


للأسف لم اعثر على أي معلومات عن طفولة يوسف القعيد فالاهتمام به وبطفولته ضئيل جدا على ما يبدو، رغم عبقريته الواضحة للعيان والمشهود لها كونه من كتاب روائع الروايات...
وربما سيقدم هو نفسه للجمهور معلومات عن تلك الطفولة في روايته الضخمة تلك والتي يعمل عليها كما ورد في إحدى المقابلات الصحفية معه والتي تغطي حياته وحياة القرية.

يمكن من ناحية الاستنتاج بأن ابرز ما اثر فيه هو هجرته من القرية إلى المدينة وهو ما يزال حزين لتلك الهجرة كما يقال...لكن اهتمامه بكتابة تلك الرواية عن قريته وعن طفولته لا بد أن يكشف عن أحداث درامية هي التي صنعته كاتبا ولن استغرب أن يكون يتيم الأب ففي اختياره لاسم الأب ليسم فيه رواياته إحياء لذكراه ربما بطريقة غير واعية..وان لم يكن فربما أن بؤس الحياة في الريف المصري هو الذي صنعه!؟ ولا يمكننا ان ننسى بأن كان مجند وشارك في حربي 67 و 73 وعايش ايام الهزيمة والانتصار ولا نعرف كم من زملاؤه العسركين قتل امامه فكل مجند لا بد ان يختبر الموت عن قرب.
يصف وضع عائلتة بالفقيرة والتي لا تمتلك سوى قبورها. كانت اول رواياته والتي صدرت عام 68 بعنوان "الحداد الذي يمتد عاما آخر" وفي ذلك ما يشير الى اثر هزيمة 67 عليه وهو يرى بأن الحداد عنده ما يزال ممتد حتى الان.

لأغراض هذه الدراسة سنعتبره مجهول الطفولة لكنني أدعو كل من لديه معلومات عن طفولة الأستاذ يوسف القعود بما في ذلك الأستاذ نفسه أن يقدمها لنا هنا وله جزيل الشكر.

مجهول الطفولة

ايوب صابر 11-13-2011 09:07 AM

5- رجال في الشمس غسان كنفاني


رجال في الشمس هي الرواية الأولى للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، تم اصدارها سنة 14963 في بيروت. الرواية تصف تأثيرات النكبة سنة 1948 على الشعب الفلسطيني من خلال أربعة نماذج من أجيال مختلفة، وهي تقدم الفلسطيني في صيغة اللاجئ وهي الصيغة التي يطورها غسان كنفاني في روايتيه التاليتين "ما تبقى لكم" حيث يقدم الفلسطيني/الفدائي، و"عائد إلى حيفا" حيث يقدم الفلسطيني/الثائر، متمشيا بذلك مع تطور القضية الفلسطينية ذاتها.


شخصيات الرواية

أبو القيس


أبو القيس هو أول الشخصيات التي تعرضها الرواية، رجل فقد بيته وشجرات الزيتون التي يملكها وأصبح يعيش مع زوجته الحامل وابنه الصغير في المخيمات، لا يجرؤ على التفكير في السفر للكويت حيث سافر الكثيرون وعادوا بالأموال التي حققوا بها أحلامهم الخاصة، "أبو القيس" شديد الارتباط بوطنه، يحلم بعودة ما كان، لكنه لا يعرف كيف يمكن أن تحدث هذه العودة بعد ضياع كل شيء.. "أبو القيس" رجل عجوز يخرج مضطرًا ولا يأمل كثيرًا في النجاح أو العودة الظافرة، لكنه يستجيب للضغط الذي يمارسه عليه أحد العائدين الأغنياء وحالة الفقر المدقع التي يعانيها هو وأسرته، فيودع زوجته وابنه ويسافر إلى العراق محاولاً أن يجد فرصة ليهرب عبر الحدود العراقية الكويتية من البصرة إلى الكويت ليحصل على النقود التي يبني بها بيتًا ويشتري شجرات زيتون جديدة.


أسعد

أسعد شاب مناضل تطارده السلطات بسبب نشاطه السياسي، لكنه يحاول الهرب إلى العراق بمساعدة أحد أصدقاء والده القدامى، ذلك الصديق الذي يسلبه عشرين دينارًا ويتركه في منتصف الطريق واعدًا إياه بشرفه أن يقابله بعد المرور على نقطة التفتيش، ولا يفي بوعده، فيفقد أسعد ثقته في البشر جميعًا، لكنه يستطيع الوصول إلى العراق مصممًا على عبور الحدود إلى الكويت ليستطيع أن يكون ثروة يرد بها الـخمسين دينارًا التي أقرضها له عمه ليبدأ بها حياته ويتزوج ابنة عمه التي لا يحبها لكنها خطبت له يوم مولدهما.


مروان

مروان هو فتى في المرحلة الثانوية يضطر لترك المدرسة والذهاب إلى البصرة ليدخل منها إلى الكويت بمساعدة المهربين حتى يعمل وينفق على أمه وإخوته الصغار. أخو مروان يعمل بالكويت، وكان يرسل إلى الأسرة ما يكفيها، لكنه تزوج وتوقف عن إرسال نقود، بل أرسل رسالة إلى مروان يقول له فيها: لا أعرف معنى أن أظل أنا أعمل وأنفق على الأسرة بينما تذهب أنت إلى المدرسة السخيفة التي لا تعلّم شيءًا. فترك المدرسة وبسبب توقف النقود يقبل والد مروان الزواج من فتاة فقدت ساقها بسبب قنبلة في غارة يهودية؛ لأنها تملك دارًا من ثلاث حجرات بسقف إسمنتي، فيهرب بذلك من مسئولية أسرته، ويحقق حلمه بالحياة في بيت له سقف بدلاً من خيام اللاجئين، ويؤجر حجرتين ويسكن هو وزوجته الجديدة في الحجرة الثالثة.


أبو الخيزران

يرفض الثلاثة التعامل مع المهرب المحترف الذي يصر على أخذ خمسة عشر دينارًا مقدمًا من كل فرد؛ لأنهم يعرفون أن الدليل يمكن أن يتركهم في منتصف الطريق ويهرب.


ويلتقون بالشخصية الرئيسية الرابعة في الرواية "أبو الخيزران"، وهو مهرب يعمل مع تاجر كويتي كبير اسمه "الحاج رضا"، يقبل "أبو الخيزران" أن يهربهم مقابل عشرة دنانير من كل منهم بعد الوصول إلى الكويت (ويعقد اتفاقا سريا مع مروان على أن يأخذ منه خمسة دنانير) في سيارة الحاج رضا التي لا تفتش لأن جميع رجال الحدود يعرفونها ويعرفون الحاج رضا، وهم أصدقاء للسائق نفسه.


"أبو الخيزران" سائق ماهر، عمل في الجيش البريطاني، وعمل مع الفدائيين فأصيب بقنبلة أفقدته رجولته وأعطته كل مرارة العالم، فكره نفسه، وجعل كل طموحه في تكوين ثروة يعيش بها في هدوء وسكون بعد عمر من الحركة التي لا تهدأ، كان يشعر أنه فقد أهم شيء في حياة الرجل من أجل الوطن، لكن الوطن لم يرجع، ورجولته فقدت إلى الأبد.


أما السيارة فهي سيارة نقل مياه قديمة متهالكة وبها خزان ضخم فارغ هو ما سيختفي فيه أبطال الرواية الثلاثة ليعبروا نقطتي الحدود العراقية والكويتية.


من أحداث الرواية
الرحلة الرهيبة

يقدم غسان كنفاني شخصية "أبو الخيزران" كنموذج للقيادة العنينة الانتهازية التي تدعي التفكير في المجموع في حين أنها تسعى إلى مصالحها الشخصية مهما تأذى الآخرون أو أضيروا..


يتفق "أبو الخيزران" مع الثلاثة أن يبقى اثنان فوق الخزان ويجلس معه الثالث، وهكذا بالتبادل طوال الطريق في صحراء ترسل شمسها شواظًا من لهيب قاتل، وقبل أن يصلوا إلى نقطة الحدود بخمسين مترًا يدخلون الخزان، وعليه أن ينهى الإجراءات فيما لا يزيد على سبع دقائق ثم يسرع بالسيارة ليخرجهم من الخزان بعد 50 مترًا من نقطة الحدود.

الأكذوبة والموت


تنجح الخطة في نقطة الحدود العراقية، يختبئون في الخزان، يكادون يختنقون، لكن الأمر رغم الجهد يمر بسلام، وعند الاقتراب من نقطة الحدود الكويتية يستعدون لأخذ ما يسميه "أبو الخيزران" بالحمام التركي، ويطلقون عليه جهنم، لكن موظفا عابثا يعطل "أبو الخيزران" ويصر أن يحكي له السائق حكايته مع الراقصة العراقية "كوكب" التي تحبه لدرجة العبادة بسبب فحولته كما حكى له الحاج رضا. ورغم المفارقة المؤلمة في الحكاية الخيالية فإن تلك الأكذوبة تكون السبب في موت الثلاثة اختناقا في خزان المياه بسبب تأخر "أبو الخيزران" عليهم.


نقد


يعتمد بشكل كبير على المنولوج الداخلي في سرد الأحداث، وواضح أيضا أن الكاتب استفاد من تقنية السيناريو السينمائي فحكى روايته بالصورة قبل كل شيء آخر، ولعل هذا من الأسباب المهمة التي جعلت المخرج المصري توفيق صالح يتحمس للرواية ويقرر أن يصنع منها فيلمًا.


الفيلم


تم إنتاج فيلم سينمائي سوري مبني على أحداث الرواية، الفيلم أنتج بين 1972 و 1973 من إنتاج المؤسسة العامة للسينما بدمشق، وهو بطولة عبد الرحمن القرشيوبسام لطفيوصالح خلقي وغيرهم ، وتصوير بهجت حيدر وموسيقى صلحي الوادي. كما حصل الفيلم على الجائزة الذهبية بمهرجان قرطاج للأفلام العربية والأفريقية سنة 1973، واختير كواحد من أهم مائة فيلم سياسي في تاريخ السينما العالمية.


====

رجال في الشمس
هي رواية قصيرة تستلهم تجربة الموت الفلسطيني وتحيله الى سؤال يتردد في صداه في الصحراء العربية .

تروي رجال في الشمس حكاية ثلاثة فلسطينيين من أجيال مختلفة، يلتقون حول ضرورة ايجاد حل فردي لمشكلة الانسان الفلسطيني المعيشية عبر الهرب الى الكويت، حيث النفط والثروة. ابو قيس: الرجل العجوز الذي يحلم ببناء غرفة في مكان خارج المخيم، أسعد: الشاب الذي يحلم بدنانير وبحياة جديدة، مروان: الصغير الذي يحاول أن يتغلب على مأساته المعيشية، فشقيقه في الكويت تركهم دون معيل لأنه تزوج، ووالده ترك أمه ليتزوج بامرأة تملك بيتاً، عليه إذن أن يعيل العائلة فيقرر الوصول الى الكويت.


تتمحور الرواية حول هدف الوصول هذا، فيقرر الثلاثة الهرب في خزان شاحنة يقودها أبو الخيزران، وأبو الخيزران فقد رجولته في حرب 1948، وهو يعمل سائقاً على طريق الكويت، وفي نقطة من الحدود يموت الفلسطينيون الثلاثة لأن السائق يتأخر، يموتون دون أن يقرعوا جدار الخزان أو يرفعوا صوتهم بالصراخ.

وهنا يكمن السؤال، لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟ أهو بسبب أملهم في الوصول قريباً؟ أم بسبب يأسهم؟ أو أن أحداً لم يسمعهم، وربما خوفاً من أن يسمعهم أحد.



لمشاهدة الرواية كاملة http://www.horria.org/rijal1.htm

ايوب صابر 11-13-2011 12:15 PM

غسان كنفاني
ولد الشهيد غسان كنفاني عام 1936 في مدينة عكا بفلسطين..وهو عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين..عرفته جماهيرنا صحفياً تقدمياً جريئاً، دخل السجن نتيجة جرأته في الدفاع عن القضايا الوطنية أكثر من مرة
والده:
خرج أبوه من أسرة عادية من أسر عكا وكان الأكبر لعدد غير قليل من الأشقاء، وبما أن والده لم يكن مقتنعاً بجدوى الدراسات العليا فقد أراد لابنه أن يكون تاجراً أو كاتباً أو متعاطياً لأي مهنة عادية ولكن طموح الابن أبي عليه إلا أن يتابع دراسته العالية فالتحق بمعهد الحقوق بالقدس في ظروف غير عادية.
صفر اليدين من النقود وحتى من التشجيع فما كان عليه إلا أن يتكل علي جهده الشخصي لتأمين حياته ودراسته فكان تارة ينسخ المحاضرات لزملائه وتارة يبيع الزيت الذى يرسله له والده ويشترى بدل ذلك بعض الكاز والمأكل، ويشارك بعض الأسر في مسكنها، إلى أن تخرج كمحام. وعاد إلي عكا ليتزوج من أسرة ميسورة ومعروفة ويشد رحاله للعمل في مدينة يافا حيث مجال العمل أرحب وليبني مستقبله هناك.

وكافح هناك وزوجته إلى جانبه تشد أزره وتشاركه في السراء والضراء ونجح وكان يترافع في قضايا معظمها وطني خاصة أثناء ثورات فلسطين واعتقل مرارا كانت إحداها بإيعاز من الوكالة اليهودية.

وكان من عادة هذا الشاب تدوين مذكراته يوماً بيوم وكانت هذه هى أعز ما يحتفظ به من متاع الحياة وينقلها معه حيثما حل أو ارتحل، وكثيراً ما كان يعود إليها ليقرأ لنا بعضها ونحن نستمتع بالاستماع الى ذكريات كفاحه، فقد كان فريدا بين أبناء جيله، وكان هذا الرجل العصامي ذو الآراء المتميزة مثلاً لنا يحتذي.

هذا هو والد غسان كنفاني الذى كان له بدون شك أثر كبير فى حياة ثالث أبنائه غسان.

غسان الطفل:
هو الوحيد بين أشقائه ولد في عكا، فقد كان من عادة أسرته قضاء فترات الأجازة والأعياد فى عكا، ويروى عن ولادته أن أمه حين جاءها المخاض لم تستطع أن تصل إلى سريرها قبل أن تضع وليدها وكاد الوليد يختنق بسبب ذلك وحدث هذا فى التاسع من نيسان عام 1936.
كان من نصيب غسان الالتحاق بمدرسة الفرير بيافا وكنا نحسده لأنه يدرس اللغة الفرنسية زيادة عما ندرسه نحن. ولم تستمر دراسته الابتدائية هذه سوى بضع سنوات. فقد كانت أسرته تعيش في حي المنشية بيافا وهو الحي الملاصق لتل أبيب وقد شهد أولى حوادث الاحتكاك بين العرب واليهود التي بدأت هناك إثر قرار تقسيم فلسطين.لذلك فقد حمل الوالد زوجته وأبناءه وأتي بهم إلي عكا وعاد هو إلى يافا، أقامت العائلة هناك من تشرين عام 47 إلى أن كانت إحدى ليالي أواخر نيسان 1948 حين جري الهجوم الأول على مدينة عكا. بقي المهاجرون خارج عكا على تل الفخار (تل نابليون) وخرج المناضلون يدافعون عن مدينتهم ووقف رجال الأسرة أمام بيت جدنا الواقع في أطراف البلد وكل يحمل ما تيسر له من سلاح وذلك للدفاع عن النساء والأطفال إذا اقتضى الأمر.
ومما يذكر هنا أن بعض ضباط جيش الإنقاذ كانوا يقفون معنا وكنا نقدم لهم القهوة تباعا علما بان فرقتهم بقيادة أديب الشيشكلي كانت ترابط في أطراف بلدتنا.وكانت تتردد على الأفواه قصص مجازر دير ياسين ويافا وحيفا التي لجأ أهلها إلى عكا وكانت الصور ما تزار ماثلة فى الأذهان. فى هذا الجو كان غسان يجلس هادئاً كعادته ليستمع ويراقب ما يجري.

استمرت الاشتباكات منذ المساء حتى الفجر وفي الصباح كانت معظم الأسر تغادر المدينة وكانت أسرة غسان ممن تيسر لهم المغادرة مع عديد من الأسر في سيارة شحن إلى لبنان فوصلوا إلى صيدا وبعد يومين من الانتظار استأجروا بيتاً قديما في بلدة الغازية قرب صيدا في أقصى البلدة علي سفح الجبل، استمرت العائلة في ذلك المنزل أربعين يوما في ظروف قاسية اذ أن والدهم لم يحمل معه إلا النذر اليسير من النقود فقد كان أنفقها فى بناء منزل في عكا وآخر في حي العجمي بيافا وهذا البناء لم يكن قد انتهي العمل فيه حين اضطروا للرحيل.
من الغازية انتقلوا بالقطار مع آخرين إلى حلب ثم إلى الزبداني ثم إلى دمشق حيث استقر بهم المقام في منزل قديم من منازل دمشق وبدأت هناك مرحلة أخرى قاسية من مراحل حياة الأسرة. غسان فى طفولته كان يلفت النظر بهدوئه بين جميع إخوته وأقرانه ولكن كنا نكتشف دائماً أنه مشترك فى مشاكلهم ومهيأ لها دون أن يبدو عليه ذلك.
غسان اليافع:
فى دمشق شارك أسرته حياتها الصعبة، أبوه المحامي عمل أعمالاً بدائية بسيطة، أخته عملت بالتدريس، هو وأخوه صنعوا أكياس الورق، ثم عمالاً، ثم قاموا بكتابة الاستدعاءات أمام أبواب المحاكم وفي نفس الوقت الذي كان يتابع فيه دروسه الابتدائية.بعدها تحسنت أحوال الأسرة وافتتح أبوه مكتباً لممارسة المحاماة فأخذ هو إلى جانب دراسته يعمل في تصحيح البروفات في بعض الصحف وأحياناً التحرير واشترك فى برنامج فلسطين في الإذاعة السورية وبرنامج الطلبة وكان يكتب بعض الشعر والمسرحيات والمقطوعات الوجدانية.
وكانت تشجعه على ذلك وتأخذ بيده شقيقته التى كان لها في هذه الفترة تأثير كبير علي حياته.وأثناء دراسته الثانوية برز تفوقه في الأدب العربي والرسم وعندما أنهى الثانوية عمل في التدريس في مدارس اللاجئين وبالذات فى مدرسة الاليانس بدمشق والتحق بجامعة دمشق لدراسة الأدب العربي وأسند إليه آنذاك تنظيم جناح فلسطين في معرض دمشق الدولي وكان معظم ما عرض فيه من جهد غسان الشخصي.وذلك بالإضافة إلى معارض الرسم الاخري التى أشرف عليها.
في الكويت كتب أيضاً أولي قصصه القصيرة "القميص المسروق" التى نال عليها الجائزة الأولي في مسابقة أدبية.ظهرت عليه بوادر مرض السكري فى الكويت أيضاً وكانت شقيقته قد أصيبت به من قبل وفي نفس السن المبكرة مما زاده ارتباطاً بها وبالتالي بابنتها الشهيدة لميس نجم التى ولدت في كانون الثاني عام 1955.فأخذ غسان يحضر للميس في كل عام مجموعة من أعماله الأدبية والفنية ويهديها لها وكانت هى شغوفة بخالها محبة له تعتز بهديته السنوية تفاخر بها أمام رفيقاتها ولم يتأخر غسان عن ذلك الا فى السنوات الأخيرة بسبب ضغط عمله.
عام 1960 حضر غسان إلى بيروت للعمل في مجلة الحرية كما هو معروف.

غسان القضية:
أدب غسان وإنتاجه الأدبي كان متفاعلا دائما مع حياته وحياة الناس وفي كل ما كتب كان يصور واقعا عاشه أو تأثر به.
"عائد إلى حيفا"، عمل وصف فيه رحلة مواطني حيفا في انتقالهم إلى عكا؛ وقد وعي ذلك، وهو ما يزال طفلاً يجلس ويراقب ويستمع. ثم تركزت هذه الأحداث في مخيلته فيما بعد من تواتر الرواية.
"أرض البرتقال الحزين"، تحكى قصة رحلة عائلته من عكا وسكناهم في الغازية.
"موت سرير رقم 12"، استوحاها من مكوثه بالمستشفي بسبب المرض.
"رجال في الشمس" من حياته وحياة الفلسطينيين بالكويت واثر عودته إلى دمشق في سيارة قديمة عبر الصحراء، كانت المعاناة ووصفها هى تلك الصورة الظاهرية للأحداث أما في هدفها فقد كانت ترمز وتصور ضياع الفلسطينيين فى تلك الحقبة وتحول قضيتهم إلى قضية لقمة العيش مثبتاً أنهم قد ضلوا الطريق.
فى قصته "ما تبقي لكم"، التي تعتبر مكملة "لرجال في الشمس"، يكتشف البطل طريق القضية، في أرض فلسطين وكان ذلك تبشيراً بالعمل الفدائي.
قصص "أم سعد" وقصصه الاخري كانت كلها مستوحاة من ناس حقيقيين. في فترة من الفترات كان يعد قصة ودراسة عن ثورة 36 في فلسطين فأخذ يجتمع إلى ناس المخيمات ويستمع إلى ذكرياتهم عن تلك الحقبة، والتي سبقتها والتي تلتها، وقد أعد هذه الدراسة لكنها لم تنشر (نشرت في مجلة شؤون فلسطين) أما القصة فلم يكتب لها أن تكتمل بل اكتمل منها فصول نشرت بعض صورها في كتابه "عن الرجال والبنادق".
كانت لغسان عين الفنان النفاذة وحسه الشفاف المرهف فقد كانت في ذهنه في الفترة الأخيرة فكرة مكتملة لقصة رائعة استوحاها من مشاهدته لأحد العمال وهو يكسر الصخر فى كاراج البناية التى يسكنها وكان ينوى تسميتها "الرجل والصخر".

ايوب صابر 11-13-2011 12:21 PM

غسان كنفاني
ولد في عكا في التاسع من نيسان عام 1936، وعاش طفولته في - يافا التي اضطرللنزوح عنها كما نزح الآلاف بعد نكبة 1948، وأثر مجزرة دير ياسين التي وقعت في عيدميلاده الثاني عشر، والتي جعلته ينقطع عن الاحتفال بـ " عيده " منذ ذلك التاريخ.
عاش لفترة قصيرة في جنوب لبنان ثم انتقل مع عائلته إلى دمشق حيث عمل منذ شبابهالمبكر في النضال الوطني ، وبدأ حياته العملية معلماً للتربية الفنية في مدارسوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين ( الأنروا ). انتقل إلى الكويت عام 1956 حيث عملمدرساً للرسم والرياضة في مدارسها الرسمية. وفي هذه الأثناء عمل في الصحافة وظهرتبدايات إنتاجه الأدبي.

أقام في بيروت منذ 1960 ، وعمل محرراً أدبياً لجريدة " الحرية " الأسبوعية ، ثم أصبح عام 1963 رئيسا لتحرير جريدة " المحرر " كما عمل في " الأنوار " و" الحوادث " حتى عام 1969 ليؤسس بعد ذلك صحيفة " الهدف " التي بقيرئيساً لتحريرها حتى يوم استشهاده في 8 تموز / يوليو 1972 بعد انفجار لغم في سيارتهحيث قتل ومعه ابنة شقيقته " لميس نجم " وعمرها 17 عاماً .

يتناول غسانكنفاني في كتاباته معاناة الشعب الفلسطيني في أكثر تجلياتها تعبيراً. " وهو يمثلنموذجاً خاصاً للكاتب السياسي والروائي والقاص والناقد.. " ، رواية رجال في الشمس،أعدت للسينما وحصل الفيلم على عدد من الجوائز في مهرجانات متعددة.

نقلتأعماله إلى ست عشرة لغة، ونشرت في عشرين بلداً. ومن مؤلفاته:
- موت سرير رقم 12 ( قصص ) 1961.
- أرض البرتقال الحزين ( قصص ) 1963
- رجال في الشمس ( رواية ) 1963
- عالم ليس لنا ( قصص ) 1965
- ما تبقى لكم ( رواية)1966
- القبعة والنبي ( مسرحية ) 1967
- العاشق ( رواية غير كاملة ) بدأ كتابتها عام 1966
- برقون نيسان ( رواية غير كاملة ) 71 - 72
بالإضافة إلى مجموعة منالدراسات والمقالات السياسية والفكرية والنقدية.

حصل على جائزة " أصدقاءالكتاب في لبنان " لأفضل رواية عن روايته " ما تبقى لكم " عام 1966 ، كما نال جائزةمنظمة الصحافيين العالمية ( . I.o.j ) عام 1974، ونال جائزة " اللوتس التي يمنحهااتحاد كتاب آسيا وأفريقيا عام 1975.
يعتبر غسان كنفاني أحد أشهر الكتاب والصحافيين العرب في عصرنا. فقد كانت أعماله الأدبية من روايات وقصص قصيرة متجذرة في عمق الثقافة العربية والفلسطينية.
ولد في عكا، شمال فلسطين، في التاسع من نيسان عام 1936، وعاش في يافا حتى أيار 1948 حين أجبر على اللجوء مع عائلته في بادئ الأمر إلى لبنان ثم الى سوريا. عاش وعمل في دمشق ثم في الكويت وبعد ذلك في بيروت منذ 1960، وفي تموز 1972، استشهد في بيروت مع ابنة أخته لميس في انفجار سيارة مفخخة على أيدي عملاء إسرائيليين.
أصدر غسان كنفاني حتى تاريخ وفاته المبكّر ثمانية عشر كتاباً. وكتب مئات المقالات في الثقافة والسياسة وكفاح الشعب الفلسطيني. في أعقاب اغتياله تمّت إعادة نشر جميع مؤلفاته بالعربية، في طبعات عديدة. وجمعت رواياته وقصصه القصيرة ومسرحياته ومقالاته ونشرت في أربعة مجلدات. وتُرجمت معظم أعمال غسان الأدبية الى سبع عشرة لغة ونُشرت في أكثر من 20 بلداً، وتمّ إخراج بعضها في أعمال مسرحية وبرامج إذاعية في بلدان عربية وأجنبية عدة. اثنتان من رواياته تحولتا الى فيلمين سينمائيين. وما زالت أعماله الأدبية التي كتبها بين عامي 1956 و1972 تحظى اليوم بأهمية متزايدة.
على الرغم من أن روايات غسان وقصصه القصيرة ومعظم أعماله الأدبية الأخرى قد كتبت في إطار قضية فلسطين وشعبها فإن مواهبه الأدبية الفريدة أعطتها جاذبية عالمية شاملة.
كثيراً ما كان غسان يردد: <<الأطفال هم مستقبلنا>>. لقد كتب الكثير من القصص التي كان أبطالها من الأطفال.
ونُشرت مجموعة من قصصه القصيرة في بيروت عام 1978 تحت عنوان <<أطفال غسان كنفاني>>. أما الترجمة الإنكليزية التي نشرت في عام 1984 فكانت بعنوان <<أطفال فلسطين
==
إذا نظرنا إلى الظروف التي عاش فيها مناضلنا وأديبنا نجد أنه من أبناء النكبات
المتكررة التي عاش فيها شعبه سواء أكان ذلك في داخل الوطن أو في خارجه، فقد ولد
كنفاني في الإضراب الكبير وشهد
(الرحيل الأول، وعاش بأس الرحيل الثاني وهزته مشاهدالترويع في جرش وعجلون وحضنته برائحة الحزن والغضب، جال كنفاني كل مدن الغربة، وتعلم وعلم فيها الكثير، بحث في الأرض والسماء والبنادق والأوراق وقال

: ((كلها أشياء أدافع بها عن نفسي)) وعاش كنفاني الخيمة والمخيم، وعاش اللجوء والتشرد وارتبط بهذا الشعب بصغاره وكبار، بثواره ومناضليه ووصف الذين لم يحركوا ساكناً إزاء هذا الوضع السيئ، طارد المرتزقة والفارين بأنفسهم لأنفسهم.


ايوب صابر 11-13-2011 12:50 PM

-ولد الشهيد غسان كنفاني عام 1936 في مدينة عكا بفلسطين
-دخل السجن نتيجة جرأته في الدفاع عن القضايا الوطنية أكثر من مرة .
-اعتقل والده المحامي مرارا بسبب مواقفه الوطنية ونضاله المستمر.
-عاش مع أسرته طفولة صعبة يملؤها الكفاح والنضال والفقر والخوف.
-كاد غسان ان يختنق عند الولادة فى التاسع من نيسان عام 1936.
-انقطع عن الدراسة الابتدائية بسبب احتلال يافا الملاصقة لتل ابيب وقد شهد مدينة أولى حوادث الاحتكاك بين العرب واليهود التي بدأت هناك إثر قرار تقسيم فلسطين.ل
-حمل الوالد زوجته وأبناءه وأتي بهم إلي عكا وعاد هو إلى يافا، أقامت العائلة هناك من تشرين عام 47 إلى أن كانت إحدى ليالي أواخر نيسان 1948 حين جري الهجوم الأول على مدينة عكا.
-كانت تتردد على الأفواه قصص مجازر دير ياسين ويافا وحيفا التي لجأ أهلها إلى عكا وكانت الصور ما تزار ماثلة فى الأذهان. فى هذا الجو كان غسان يجلس هادئاً كعادته ليستمع ويراقب ما يجري.
-هاجرت عائلته الى لبنان عام 1948 وبعد يومين من الانتظار استأجروا بيتاً قديما في بلدة الغازية قرب صيدا في أقصى البلدة علي سفح الجبل، استمرت العائلة في ذلك المنزل أربعين يوما في ظروف قاسية اذ أن والدهم لم يحمل معه إلا النذر اليسير من النقود فقد كان أنفقها فى بناء منزل في عكا وآخر في حي العجمي بيافا وهذا البناء لم يكن قد انتهي العمل فيه حين اضطروا للرحيل.
- من الغازية انتقلوا بالقطار مع آخرين إلى حلب ثم إلى الزبداني ثم إلى دمشق حيث استقر بهم المقام في منزل قديم من منازل دمشق وبدأت هناك مرحلة أخرى قاسية من مراحل حياة الأسرة.
-غسان فى طفولته كان يلفت النظر بهدوئه بين جميع إخوته وأقرانه ولكن كنا نكتشف دائماً أنه مشترك فى مشاكلهم ومهيأ لها دون أن يبدو عليه ذلك.
- فى دمشق شارك أسرته حياتها الصعبة، أبوه المحامي عمل أعمالاً بدائية بسيطة، أخته عملت بالتدريس، هو وأخوه صنعوا أكياس الورق، ثم عمالاً، ثم قاموا بكتابة الاستدعاءات أمام أبواب المحاكم وفي نفس الوقت الذي كان يتابع فيه دروسه الابتدائية.
-كانت اولى قصصه القصيرة بعنوان "القميص المسروق"
-ظهرت عليه بوادر مرض السكري فى الكويت أيضاً وكانت شقيقته قد أصيبت به من قبل وفي نفس السن المبكرة مما زاده ارتباطاً بها وبالتالي بابنتها الشهيدة لميس نجم التى ولدت في كانون الثاني عام 1955.
- "عائد إلى حيفا"، عمل وصف فيه رحلة مواطني حيفا في انتقالهم إلى عكا؛ وقد وعي ذلك، وهو ما يزال طفلاً يجلس ويراقب ويستمع. ثم تركزت هذه الأحداث في مخيلته فيما بعد من تواتر الرواية.
- "أرض البرتقال الحزين"، تحكى قصة رحلة عائلته من عكا وسكناهم في الغازية.
- "موت سرير رقم 12"، استوحاها من مكوثه بالمستشفي بسبب المرض.
-"رجال في الشمس" من حياته وحياة الفلسطينيين بالكويت واثر عودته إلى دمشق في سيارة قديمة عبر الصحراء، كانت المعاناة ووصفها هى تلك الصورة الظاهرية للأحداث أما في هدفها فقد كانت ترمز وتصور ضياع الفلسطينيين فى تلك الحقبة وتحول قضيتهم إلى قضية لقمة العيش مثبتاً أنهم قد ضلوا الطريق.
- ولد في عكا في التاسع من نيسان عام 1936، وعاش طفولته في - يافا التي اضطرللنزوح عنها كما نزح الآلاف بعد نكبة 1948، وأثر مجزرة دير ياسين التي وقعت في عيدميلاده الثاني عشر، والتي جعلته ينقطع عن الاحتفال بـ " عيده " منذ ذلك التاريخ.

لا شك أن طفولة غسان كنفاني كانت قاسية للغاية في ظل القتل والتهجير والفقر والمنفى الذي حل بالشعب الفلسطيني.
لكن هناك ما يشير أيضا إلى أن حياته الشخصية كان فيها الكثير من المعاناة بسبب إصابة أخته بمرض السكر، ثم إصابته هو بذلك المرض في سن مبكرة.
صحيح انه ليس هناك ما يشير إلى تواريخ وافاه أبواه لكن ما جرى من أحداث في طفولته كفيل بأن يفجر فيه ينابيع الإبداع وربما ان اهم حدث هو المنفى الى لبنان بعد كل ذلك الخوف مما كان يجري من احداث وتهجير .

سنعتبره لغرض هذه الدراسة

يتيم الوطن.

ايوب صابر 11-14-2011 11:03 AM

6- الوقائع الغريبة في اختفاء أبي سعيد النحس المتشائل إميل حبيبي.
الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل (أو باختصار المتشائل) رواية ساخرة من تأليف الروائيالفلسطينيإميل حبيبي صدرت عام 1974 [1].
الرواية

تدور أحداث الرواية حول سعيد أبي النحس المتشائل وهو فلسطيني من عرب الداخل في فترة الحكم العسكري الذي فرضته دولة إسرائيل على مواطنيها العرب.
يتميز أسلوب الرواية باختلافه عن الأساليب الروائية التقليدية، فإميل حبيبي يمزج بين استلهام التراث العربي من السيرةوالمقامةوالأمثالوالحكايات وبين أساليب روائية حداثوية وما بعد حداثوية متأثرا أيضا بكافكا وسخريته السوداء وكانديدلفولتير وغيرهم.
أوجد حبيبي كلمة جديدة ليصور حالة عرب الداخل وهي التشاؤل التي هي تحمل معنيي التفاؤل والتشاؤم مندمجين. فإن حصل مكروه للمتشائل فإنه يحمد الله على عدم حصول مكروه أكبر أو كما شُرِحت في الرواية:
"خذني أنا مثلاً، فإنني لا أميز التشاؤم عن التفاؤل. فأسأل نفسي: من أنا؟ أمتشائم أنا أم متفائل؟ أقوم في الصباح من نومي فأحمد الله على أنه لم يقبضني في المنام. فإذا أصابني مكروه في يومي أحمده على أن الأكره منه لم يقع، فأيهما أنا: أمتشائم أنا أم متفائل".
أجزاء الرواية

الرواية مكونة من ثلاث أجزاء: 1 الكتاب الأول يعاد 2 الكتاب الثاني باقية 3 الكتاب الثالث يعاد الثانية

==
سعيد يجد نفسه فوق خازوق بلا رأس

كتب إليّ سعيد أبو النحس المتشائل، قال: جاءت النهاية حين استيقظت في ليلة بلا نهاية. فلم أجدني في فراشي. فزارتني البردية. فمددت لها يدي أبحث عن سترة فإذا بها تقبض ريح.
رأيتني جالسًا على أرض صفاح. باردة مستديرة. لا يزيد قطرها على ذراع. وكانت الريح صرصرًا والأرض قرقرًا. وقد تدلت ساقاي فوق هوة بلا قرار كما تدلّى الليف في الخريف. فرغبت في أن أريح ظهري. فإذا بالهوة من ورائي كما هي الهوة من أمامي وتحيط بي الهوة من كل جانب. فإذا تحركت هويت. فأيقنت أني جالس على رأس خازوق بلا رأس.
فصرخت: النجدة! فجاءني بها رجع الصدى واضحة حرفًا حرفًا، فعلمت أنني جالس على علو شاهق. فرحت أسلي وحشتي بمجاذبة الصدى أطراف الحديث. فكان الحديث طريفًا حتى افترت الهوة عن ابتسامة فجر أغبر كأنها العبوس.
فماذا أنا فاعل?
فناديت عليّ قائلاً: هدئ من روعك، يا ابن النحس، واجعل أمرك شورى مع عقلك. فما الذي وضعك هذا الموضع، وهل من المعقول أن تنام في فراشك مساء فتستيقظ فإذا أنت على خازوق? تأبى هذا الأمر نواميس الطبيعة وأحكام المنطق. فأنا، إذن، في حلم لا غير على الرغم من أنه حلم طويل.
فما بالي أظل قاعدًا على هذا الخازوق، تحزمني البردية ثم تنشرني لا ستر ولا ظهر ولا أنيس، ولا أنزل?
هذا خازوق في كابوس لا محالة. كابوس عن خازوق. فإذا نزلت عن الأخير نفضت الآخر عن صدري فأعود إلى فراشي وأتغطى وأتدفأ. فكيف أتردد? أخوفًا من أن أهوي من هذا العلو الشاهق إلى قاع الهوة، كبطة أردتها رصاصة صياد بط، فأتوجع فأموت?
ولكن موضعي هذا هو موضع الوهم على خازوق الوهم. فهو فيما يراه النائم من أحلام تخالف نواميس الطبيعة وأحكام المنطق. فهيا، هيا احتضن هذا الخازوق بساعديك وبساقيك وبكل ما فيك من عزم وحزم وإرادة شديدة عند الشدة، ثم اهبط عليه وئيدًا كالسنجاب.
فأزمعت أمري. فحركت ليفتيّ المتدليتين أتحسس صفحته فإذا بها ملساء كجلد الثعبان باردة مثل بروده. فأيقنت أنني لن أقوى على التشبث بهذا الثعبان. وإذا نزلت عليه فأنا واقع لا محالة في القاع، فأدق عنقي فأتوجع فأموت. فأمسكت.
واتتني حكاية الساحر الهندي الذي ينصب الحبل فيظل يرتفع في السماء حتى يغيب رأسه في الغيم فيصعد عليه حتى يغيب ثم يعود ويهبط عليه فلا يتأذي بل يسترزق. ولكنني قلت: ما أنا بساحر هندي بل مجرد عربي بقي، سحرًا، في إسرائيل.
فأردت أن أصرخ: أنا في كابوس! ثم أن أقفز، فلا يمكن أن أموت!
ولقد صرخت. إلا أنني لم أقفز. فإذا كان موضعي هذا هو موضع الوهم فوق خازوق الوهم، وفيما يراه النائم في منامه من حلم أو من كابوس، فلن يدوم الأمر طويلاً قفزت أم قعدت. وسوف أستيقظ، لا محالة، فأجدني في فراشي متغطيًا متدفئًا. فما حاجتي، إذن، إلى مسابقة الساعات، وربما الدقائق والثواني، حتى لحظة اليقظة الآتية لا محالة?

ما حاجتي إلى القفز إذا كان القعود سيقودني إلى النتيجة نفسها?
وهزتني قشعريرة من البردية كادت أن تلقيني من فوق الخازوق لولا قشعريرة خاطر لم أستطع أن أكفه عني:
فكيف إذا كان هذا هو حقيقة وليس فيما يراه النائم من حلم أو من كابوس? أما القول بأنه مخالف نواميس الطبيعة وأحكام المنطق فلا يكفيني برهانًا على أنه غير حقيقي. ألم تبحث عائلتي، عائلة المتشائل عن السعادة طي القرون في عجائب خارجة عن نواميس الطبيعة وعن أحكام المنطق? وإذا ظل أجدادي يدكون أعناقهم وهم يبحثون تحت أرجلهم عن الكنوز المطمورة، فها أنا قد وجدت ضالتي، وأنا أنظر فوق رأسي، في إخوتي الفضائيين الذين أعادوا إلى نفسي الطمأنينة فكيف ينتظر مني، من دون آبائي وأجدادي، وأنا فوق هذا الخازوق بالضبط، أن أسلم أمري إلى نواميس الطبيعة وأحكام المنطق?
ولقد بقيت على هذه الحال أترنح بين قشعريرة وقشعريرة، بردية تقيمني ومحتد عريق يقعدني، حتى التقيت (يعاد) مرة ثانية فشعرت بالدفء لأول مرة منذ ألف عام!

ايوب صابر 11-14-2011 11:04 AM

الوقائع الغريبة في اختفاء أبي سعيد النحس المتشائل - معلومات عن الكتاب

"كتب إلى سعيد أبو النحس المتشائل قال... أما بعد، فقد اختفيت ولكنني لم أمت، ما قتلت على حدود كما توهم ناس منكم، وما انضممت إلى فدائيين كما توجس عارفو فضلى ولا أنا أتعفن منسياً في زنزانة كما تقول أصحابك، صبراً صبراً، ولا تتساءل: من هو سعيد أبو النحس المتشائل هذا؟ لم ينبه في حياته فكيف ننبه له؟ إنني أدرك حطتي، وإنني لست زعيماً فيحس بي الزعماء، ولكن يا محترم، أنا هو الندل، ألم تضحك من الأضحوكة الإسرائيلية من السبع الذي تسرب إلى مكاتب اللجنة التنفيذية؟ ففي اليوم الأول افترس مدير التنظيم النقابي، فلم ينته زملاؤه، وفي اليوم الثاني افترس مدير الدائرة العربية فلم يفتقده الباقون، فظل السبع يخرج مطمئناً ويفترس مريئاً حتى أتى على ندل السفرة، فامسكوه... فكيف تزعم أنك لم تسمع بي؟ أني إنسان فذ، فلا تستطيع صحيفة ذات إطلاع، وذات مصادر، وذات إعلانات، وذات ذوات، وذات قرون، أن تهملني، أن معشري يملئون البيدر والدسكرة والمخمرة. أنا الآخرون، أنا فذاً بأسلوب نقدي ساخر يصور اميل حبيبي الوضع الفلسطيني الذي ما زال ورغم دخول العقد الخامس في أزمته من غير حل حاسم، إنه واقع جسدته شخصية المتشائل التي يجمع اسمها المتشائم والمتفائل هي خليط من عناصر موجودة في الخرافة ومقامات الحريري، وكافكا ودوماس، ووالت ديزني، أحداثها مزيج في الهزل السياسي التهريجي والقصص العلمي والمغامرة والنبوءة التوراتية.
==
الوقائع الغريبه في اختفاء سعيد ابي النحس المتشائل

الكثير مناممن يحب قراءة الروايات تحديدا- قد يتابع احدث الروايات التي تحدث صدى عالمي اويذهب الى المكتبه و يختار الروايه حسب الاسم او المؤلف او... لكن هناك نقطه مهمهتغيب عن البعض، في اي مجال تهتم فيه (علوم... دين...فن) هناك كتب لا بد و انتقرأها، هي بمثابة معيار للاخرين، اعمال مميزه خالده... ربما قرأ معظمنا لـ غسانكنفاني مثلا (و لا ابالغ ان قلت انها جريمه ان تحب القراءه و تعيش على احدى ضفتيالنهر، و لم تقرأ لـ غسان كنفاني) لكن هنالك شخص لا يقل اهمية عن كنفاني، كما انرواياته تعتبر اعمال عالمية و ليست محليه، لكن اشك ان الكثير لم يسمع به للاسف،الاديب اميل حبيبي، و تحديدا روايته "الوقائع الغريبه في اختفاء سعيد ابي النحسالمتشائل"...

الرواية مصنفه من قبل اتحاد الكتاب العرب كواحده من أفضل مئةرواية عربيه ظهرت في القرن العشرين، كما انها ترجمت الى لغات عده و حتى الىالعبريه... ما يميز الروايه انها ليست جامده فهي ليست قصه محدده و عقده "تنحل" معنهاية الروايه... او كما يصفها موقعgoodreads :
إقتباس:
لكييخرج اميل حبيبي الشكل العربي للرواية امتص رحيق ألف ليلة وشملته روح الجاحظالساخرة حينا ، المتفاكهة حينا آخر، وصدر في روايته عن طريقة كتابة الرسائل فيالتراث العربي ، وعن حكمة كليلة ودمنة ، ثم لم يقتصر على التراث العربي ، بل رفدهبالتراث العالمي ، حين أنشأ علاقة ما بين روايته ورواية فولتير" كانديلو". والمحصلةالنهائية : رواية فذة ، عربية الشكل والمضمون ، لعلها الأولى التى تثبت بجدارة أنفي وسع الرواية العربية المعاصرة أن تترك جانبا الشكل الغربي الذي اتخذته وعاء لهافأقامها حتى الان إلى شكل خاص بالعرب ينبع من تراث قصصي زاخر وطويل
و من موقعالجزيره نت:
إقتباس:
في "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل" (1974) يصور حبيبي كابوسيةالمصير التراجيدي لشعب انشطر نصفين: شطرا داخل الوطن وشطرا خارجه. و"المتشائل"،الذي يمزج في نظرته إلى الحياة بين التشاؤم والتفاؤل ويُغلّب نظرة التفاؤل غيرالمبني على أسس واقعية على التشاؤم، شخصية مركبة كاشفة يميط المؤلف من خلالهااللثام عن تجربة شعب.
إنه يعمل على تكوين شبكة سردية معقدة تدور حول شخصية سعيدأبي النحس التي يبدو ظاهرها غير باطنها، ولكن المفارقات اللفظية والموقفية تكشف عنطبيعة ولائها وتكشف في الوقت نفسه عن كوميديا سوداء يعيشها شعب مشرد على أرضه.
***
الروايه هي كوميديا سوداءساخره تدور احداثها على لسان سعيد، و هو شخصيه فكاهيه الى حد السذاجه، جبانه . عادالى فلسطين من لبنان بعيد النكبه ليروي قصة عقدين من الزمن قضاهما تحت حكم "دولةاسرائيل"... المتشائل مليئة بالمواقف الساخره و الاسقاطات، و اللعب على الالفاظ ، ولعل الدلاله واضحه في اسم البطل "سعيد" ابي "النحس" و اسم عائلته "المتشائل" و هوخليط من كلمتي التشاؤم و التفاؤل، الذي يقول فيه:
...خذني أنا مثلاً، فإنني لا أميز التشاؤم عن التفاؤل. فأسأل نفسي: منأنا? أمتشائم أنا أم متفائل؟ ‏
أقوم في الصباح من نومي فأحمده على أنه لم يقبضنيفي المنام. فإذا أصابني مكروه في يومي أحمده على أن الأكره ‏منه لم يقع، فأيهماأنا: المتشائم أم المتفائل؟ ‏
ثم يسرد واقعه ليبينروح "التشاؤل" التي تسكن عائلته
ووالدتيمن عائلة المتشائل أيضًا. وكان أخي البكر يعمل في ميناء حيفا. فهبت عاصفة اقتلعتالونش الذي ‏كان يقوده وألقته معه في البحر فوق الصخور، فلموه وأعادوه إلينا إربًاإربًا، لا رأس ولا أحشاء. وكان ‏عروسًا ابن شهره. فقعدت عروسه تولول وتندب حظها. وقعدت والدتي تبكي معها صمتًا. ثم إذا بوالدتي ‏تستشيط وتضرب كفا بكف وتبح قائلة: (مليح أن صار هكذا وما صار غير شكل)! فما ذهل أحد سوى ‏العروس، التي لم تكن منالعائلة فلا تعي الحكم. ففقدت رشدها، وأخذت تعول في وجه والدتي: أي غير شكل ‏ياعجوز النحس (هذا اسم والدي، رحمه الله): أي شكل بعد هذا الشكل يمكن أن يكون أسوأمنه? ‏
فأيهم نحن: المتشائمون أم المتفائلون؟ ‏
***
المتشائل من الاعمال القليلهالتي لا تملـ \ـيـن من قرائتها اكثر من مره، فهي لا تقرأ لمجرد البحث عن حل لعقدهتتطور مع الاحداث، بل مجموعه لمشاهد قصيره ساخره تحمل بين سطورها الكثير من المعانيو الدلالات... الروايه تقع في اقل من 100 صفحه و هناكنسخهاليكترونيهمنها موجوده على الانترنت.
في الختام اترككم مع مشهد منالروايه...

ايوب صابر 11-14-2011 11:05 AM

إميل حبيبي

أديب وصحافي وسياسي فلسطيني من الفلسطينيين في إسرائيل. ولد في حيفا في 29 آب (أغسطس) 1921 حيث ترعرع وعاش حتى عام 1956 حين انتقل للسكن في الناصرة حيث مكث حتى وفاته. في 1943 تفرغ للعمل السياسي في إطار الحزب الشيوعي الفلسطيني وكان من مؤسسي عصبة التحرر الوطني في فلسطين عام 1945. بعد قيام دولة إسرائيل نشط في إعادة الوحدة للشيوعيين في إطار الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي كان أحد ممثليه في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) بين 1952 و1972 عندما استقال من منصبه البرلماني للتفرغ للعمل الأدبي والصحافي.
في حقل الصحافة عمل حبيبي مذيعا في إذاعة القدس (1942-1943)، محررًا في أسبوعية مهماز (1946) كما ترأس تحرير يومية الاتحاد، يومية الحزب الشيوعي الإسرائيلي باللغة العربية، بين 1972 - 1989. في حقل الأدب، نشر حبيبي عمله الأول "سداسية الأيام الستة" عام 1968 وبعده تتابعت الأعمال "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد ابي النحس المتشائل"(1974)، "لكع بن لكع" (1980)، "إخطيه" (1985) وأخيرًا، "خرافية سرايا بنت الغول" (1991). وقد جعلت تلك الاعمال القليلة صاحبها أحد أهم المبدعين العرب وذلك لأسلوبه الجديد والمتميز في الكتابة الأدبية. عام 1989، إثر انهيار المنظومة الاشتراكية، أعاد النظر في بعض المسلمات النظرية مما سبب له خلافات فكرية وتنظيمية مع الحزب الشيوعي، اضطر على ضوئها إلى الاستقالة من جميع مناصبه الحزبية بما فيها رئاسة تحرير "الاتحاد". لكنه بقي عضوا في الحزب (الذي كان عضوا فيه منذ جيل 14 عاما) حتى عام 1991 خين استقال من الحزب. في عام 1990 اهدته منظمة التحرير الفلسطينية "وسام القدس" وهو أرفع وسام فلسطيني. وفي عام 1992 منحته إسرائيل "جائزة إسرائيل في الأدب" وهي أرفع جائزة أدبية تمنحها الدولة. في العام الأخير من حياته انشغل بإصدار مجلة أدبية أسماها "مشارف". رحل اميل حبيبي في أيار (مايو) 1996 وأوصى ان تكتب على قبره هذه الكلمات: "باق في حيفا".
أهم أعمال إميل حبيبي


في حقل الصحافة عمل حبيبي مذيعا في إذاعة القدس التي كانت تابعة للسلطات الانتداب البريطاني (1942-1943)، محررًا في اسبوعية المهماز (1946) كما ترأس تحرير يومية " الاتحاد" بين 1972-1989 وكان يكتب افتتاحيتها تحت الاسم المستعار "جهينة".
  • بوابة مندلباوم: نشرت عام 1954
  • النورية - قدر الدنيا: وهي مسرحية نشرت عام 1962
  • مرثية السلطعون: وقد نشرت بعد عام 1967
  • سداسية الأيام الستة (1968): وهي مجموعة قصصية تتحدث عن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاغ غزة في 1967 وعن فلسطيني 1948 وتحتوي الكتاب على القصص التالية:
    • أم الروبابيكا: وهي مسرحية تتحدث عن فلسطينية باقية في وادي النسناس في حيفا تعيش وسط ركام بقايا جيرانها الذين هجروا عام 1948 وتنتظر عودة أهل مدينتها الفلسطينيين (التصوير مجازي).
    • حين سعد مسعود بابن عمه
    • وأخيراً نوّر اللوز-العودة
    • الخرزة الزرقاء
    • عودة جبينه
    • الحب في قلبي
  • الوقائع الغريبة في حياة سعيد أبي النحس المتشائل (1974): وهو رواية ساخرة أنجزها إميل حبيبي على ثلاثة مراحل, تتحدث عن حياة فلسطيني في إسرائيل, وامتلاكه لأدوات وعيه في ظل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ومعاملة السلطات الإسرائيلية مع فلسطينيي 1948. ذكرت ضمن أفضل مائة رواية عربية. ترجمت إلى العبرية وأصبحت من أشهر المؤلفات العربية لدى الجمهور اليهودي في إسرائيل. وتتضمن ثلالثة كتب:
    • الكتاب الأول: يعاد
    • الكتاب الثاني: باقية
    • الكتاب الثالث: يعاد الثانية
  • لكع بن لكع(1980): وهي مسرحية أيضا, تتحدث عن التقاء قتلى فلسطينيين في الحرب الإسرائيلية الفلسطينية بإسرائيليين الذين يقتلون في العمليات الفدائية صدرت بالتعاون مع دار الفارابي عن دائرة الاعلام والثقافة/منظمة التحرير الفلسطينية . قدمت هذه المسرحية في دمشق في عام ١٩٨٢ من أخراج وليد قوتلي ، كتب موسيقى وأغاني المسرحية المغني و الموسيقي السوري بشار زرقان الذي شارك فيها كممثل أيضا.
  • إخطية(1985):
  • خرافية سرايا بنت الغول(1991): وهي سيرة ذاتية للكاتب, يتحدث بها عن ازدواجية عمله في السياسة والادب
  • نحو عالم بلا أقفاص (1992): يتحدث فيها إميل حبيبي عن أسباب تركه للحزب الشيوعي
وقد نشرت أغلب هذه الأعمال دائرة الاعلام والثقافة التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية/دار الجليل/ أنشأ إميل حبيبي مجلة مشارف التي تعتبر علامة فارقة في المجلات الثقافية العربية. توقّفت لفترة قصيرة بعد وفاة مؤسّسها ثمّ عادت للصّدور في حيفا.

==

إميل حبيبي واحد من هؤلاء


د. نـبـيـه القــاسم

تذكر الشعوب أبناءها، ولكنها تحتفظ بمكانة خاصة لهؤلاء الذين عرفوا كيف يعملون لخير هذه الشعوب ورفاهيتها ورفع شأن مكانتها وتطوّر حضارتها وبلورة ثقافتها ودفعها للمُشاركة مع الشعوب الأخرى في دفع عجلة مستقبل العالم والبشرية إلى الأمام.
وشعبنا العربي الفلسطيني، وخاصة مواطني دولة إسرائيل منذ عام النكبة 1948، يذكرون هؤلاء الرجال الذين عرفوا، في أحلك الأوقات، كيف يحمون أبناءَ شعبهم من الضياع القومي والمَعرفي والاجتماعي، وصانوا هويّته وحافظوا على لغته وقادوه في مسيرة نضال طويلة وشرسة حتى تمَكن أن يُعلنها قويّة هادرة في يوم الأرض الثلاثين من آذار عام 1976.
وكان إميل حبيبي أبرز هؤلاء الرجال وأكثرهم حيويّة وعملا ورأيا ثاقبا وجرأة وذكاء وتأثيرا. ويكاد يكون الوحيد الذي ترك أثره في مختلف مناحي الحياة العربية الخاصة والعامة للجماهير العربية في إسرائيل منذ عام النكبة حتى سنوات التسعين الأولى من القرن العشرين.
لقد التزم إميل حبيبي نهج حزبه الشيوعي وآمن بمبادئه، وطرحها بكل الجرأة في كل مَحضر ومناسبة، وأعلنها صريحة: أنّ الحلّ السياسي الوحيد لقضية الصراع العربي الإسرائيلي هو قيام دولتين مستقلتين واحدة لليهود وأخرى للعرب الفلسطينيين. يومها، وعلى مَدار سنوات، اعتُبر هذا الكلام خيانة بالنسبة لليهود وللعرب. ونشهد اليوم أن هذا هو المَطلب العربي والفلسطيني والإسرائيلي والعالمي. صحيح أنّ الرّياح جرَت بما لا تشتهي السفن، ولكنّ قراءة الواقع واستقراء المستقبل هي من خاصيّة البعض.
وكان إميل حبيبي ورفاقه مَن عملوا على حفظ الثقافة العربية في البلاد ومَن صانوا اللغة العربية السليمة أمام الخطة السلطوية التي هدفت إلى جعل اللغة العبرية السائدة والوحيدة التي يُعمَل بها ويُدَرّس بها في المدارس. وكانت صحف الحزب الشيوعي هي الأمل وهي النافذة ومن ثمّ البوابة التي على صفحاتها تبلورت الحركة الثقافية العربية في البلاد وتطوّرت الحركة الأدبية وترسّخ الفكر السياسي والإجتماعي والإقتصادي.
كان إميل حبيبي في ذلك الإجتماع الذي ضمّ النخبة من مثقفي الحزب في سنوات الخمسين الأولى الذي أعلن عن الحاجة لإصدار مجلة ثقافية تقود الحركة الثقافية والأدبية لعرب هذه البلاد وتُعرّفهم على ما يجري في العالم من تطوّر في الفكر الإنساني والثقافي والأدبي. وصدرت مجلة الجديد، بداية كملحق شهري ثقافي لجريدة الإتحاد ثم مجلّة شهرية مستقلة استمرت بالصدور حتى عام 1991، وكانت مُبلورَة ومُرسخة ومُوجهة الحركة الثقافية والأدبية في البلاد، ومع جريدة الاتحاد ومجلة الغد، استطاعت أن ترفد الحركة الأدبية العربية بأنقى ما عرَف الشعرُ العربي على مدى تاريخه، وهو شعر المقاومة الفلسطيني الذي بهر كبار مثقفي العالم العربي، وأن تُنَصّبَ في مقدمة شعراء وكتّاب العالم العربي رموزَ حركتنا الأدبية المحلية إميل حبيبي ومحمود درويش وسميح القاسم.
وكان إميل حبيبي من الأوائل الذين دعوا بعد يوم الأرض عام 1976 إلى إقامة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ونجحت في شدّ الجماهير العربية وإسماع صوتهم في مختلف القضايا. وكان إميل حبيبي هو الذي عمل ونفّذ مشروع حياته الذي طالما حلم به وهو إصدار جريدة الإتحاد جريدة يوميّة، وكان له ما أراد.
نحن الذين كبُرنا على كلمات إميل حبيبي وأفكاره ومواقفه لا نستطيع أن نتجاهل هذا التاريخ العظيم لهذا الرجل. حتى ولو كانت لنا معه بعض الخلافات في المواقف والآراء، فيظل إميل حبيبي هو إميل حبيبي الذي احترمناه وأحببناه وآمنا بما دعانا إليه على مَدار عشرات السنين. وكانت كلماته في كل يوم جمعة في جريدة الأتحاد الموقعة بجهينة زادَنا الفكري والتنويري ونبراسنا لمتابعة درب المستقبل.
وكان لإميل حبيبي فتحُه الكبير في عالم القصة القصيرة بقصصه التي بدأها بقصة "بوابة مندلباوم" ثم قصص "سُداسيّة الايام الستة" التي اعتبرها الكثيرون مشاهد متكاملة لرواية طويلة. وثم كانت : رواية "المتشائل" التي فَضّلتُ اعتبارها لوحات مَشهدية، هذا الإبداع الذي أدّى إلى هزّة في عالم الإبداع العربي وتناولته الأقلام النقدية في الداخل والخارج، وحتى الآن يُعتَبَر أهم عمل إبداعي نثري عربي صدر في السبعينات، وقد كان سببا لظهور تيّار أدبي جديد اتخذ اسلوب إميل حبيبي هاديا له. ثم كانت مسرحية "لكع بن لكع" التي لم تلق الإهتمام الكافي من قبل النقاد كما المتشائل ثمّ رواية "اخطيّة" وأخيرا رواية "سرايا بنت الغول" التي حاول فيها تلخيص تجربته الحياتية والسياسية والنضالية والفكرية، واختلفت الآراء والمواقف منها.
لقد تناولتُ في دراساتي كلّ إبداعات إميل حبيبي، كما وناقشتُ في بعض ما كتبتُ مواقفَ وأفكارا تبنّاها إميل حبيبي في سنواته الأخيرة، ولهذا أكتفي بكلمتي هذه في ذكراه، ذكرى الرجل الذي عرفتُ وأكبَرْتُ وأحببتُ وخالفتُ، ولكنّه ظلّ الأثير، وظلّ الكبير: إميل حبيبي.

ايوب صابر 11-14-2011 11:07 AM

إميل حبيبي
هو من دون شك أبرز أدباء فلسطين فوق أنه أحد كبار كتاب العربية اليوم ومن أكثرهم فرادة أسلوب ومزاج وذوق. والرجل كان متعدد الشواغل والمواهب، فهو مناضل في الحزب الشيوعي ونائب في الكنيست فضلا عن أنه كاتب مثابر وصحافي لامع. هذه المواهب العديدة كانت أحيانا ابتلاء ونقمة لا نعمة فقد ورّطت إميل حبيبي في مواقف ملتبسة لم تكن جميعها محل إجماع، تنازع المثقفون والمناضلون عليها وناله منهم في أحيان كثيرة خصومة وشقاق.
على أن إميل حبيبي مضى في سبيله ولم تعد حياته السياسية تهمنا بمقدار ما تهمنا حياته الأدبية، وإذا كانت مواقفه قد صارت في التاريخ وقدمت وربما تخطاها الزمن، إلا أن أدب إميل حبيبي يزداد في نظرنا نضارة وقوة، بل ويزداد استشرافا، فمَن من القراء العرب لم يستشهد بتسمية المتشائل في عديد من مواقفه ومواقف غيره، إلا أن قراءة جديدة أو زيارة جديدة لكتاب حبيبي «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل» كافية لننعم برحلة ماتعة مع أسلوب وملاحظة وحس مفارقة ولعبة لغة قلّ نظيرها في أدبنا المعاصر.
المتشائل كلمة ينحتها إميل حبيبي من مفردتين «المتفائل والمتشائم» وهي تعني موقفا بين بين. لا يذهب في التفاؤل ولا يذهب في التشاؤم، والحال أن المتشائل، أي موقف اللاموقف يكاد يكون الاسم الأصح لمواقفنا جميعها.
«المتشائل» نسميه اختصارا ليس رواية بالمعنى الذي نعرفه للرواية لكنها ليست نوعا آخر غير الرواية. فالمتشائل سرد ولربما صح أن نسميه حكايات، إلا أن للحكاية كما نعرفها بنية أخرى، فهي أقصر وأكثر ضغطا، ومتشائل إميل حبيبي سرد سيال. لعلنا لا نخطئ إذا شبهنا كتاب «المتشائل» بالأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، فمثل الأغاني «المتشائل» كتاب أخبار ومثل الأغاني تتصل الأخبار ببعضها البعض وتتناسل من بعضها البعض. سبق أن شبّه كتاب حبيبي بألف ليلة وليلة والأرجح أن شبهه بكتب الأخبار والحوليات والتواريخ أكثر، لكننا نستنتج من ذلك أن حبيبي نسج في المتشائل وسواها رواية مثالها قائم في التراث.
ثم أن المتشائل هي في الواقع رواية فلسطين التي تحولت منذ قيام إسرائيل الى بلد الأعاجيب والمفارقات والغرائب التي يعمر بها الواقع ولا تحتاج الى كثير من الخيال، فانتازيا حبيبي واقعية بل تاريخية، وهي قائمة على أن الواقع في بلاد كهذه أغرب من الخيال.



==
اميل حبيبي
=
Imil (Emile) Shukri Habibi (Arabic: إميل حبيبي‎, 28 January 1922 – 2 May 1996) was an Israeli-Palestinian writer of Arabic expression and a communist politician, son of a Christian family.
In 2005, he was voted the 143rd-greatest Israeli of all time, in a poll by the Israeli news website Ynet to determine whom the general public considered the 200 Greatest Israelis.
Biography</SPAN>

Habibi was born in Haifa on Aug. 29, 1922 in today's Israel, which at that time was part of the British Mandate of Palestine. Born into a ProtestantPalestinian Arab family (his family had originally been Arab Orthodox but converted to Protestantism due to disputes within the Orthodox church) In his early life he worked on an oil refinery and later was a radio announcer.
Under the Mandate he became one of the leaders of the Palestine Communist Party. When the 1948 Arab-Israeli War began in 1948 he stayed in Haifa while many others chose or were forced to leave the country. As a result he was granted Israeli citizenship. After the war he helped to create the Israeli Communist Party and established the Israeli communist paper Al-Ittihad.
He stayed in Haifa his whole life. His gravestone reads (at Habibi's own request): "Emile Habibi – Remained in Haifa."
Political career</SPAN>

Habibi was one of the leaders of the Palestine Communist Party during the Mandate era. He supported the 1947 UN Partition Plan. When Israel became a state he helped form the Israeli communist party ICP. He served in the Knesset between 1951 and 1959, and again from 1961 until 1972, first as a member of Maki, before breaking away from the party with Tawfik Toubi to found Rakah. After a conflict about how the party should deal with the new policies of Mikhail Gorbachev he left the party in 1991.
Writing</SPAN>

Habibi began writing short stories in the 1950s, and his first story, "The Mandelbaum Gate" was published in 1954.
In 1972 he resigned from the Knesset in order to write his first novel: The Secret Life of Saeed the Pessoptimist, which became a classic in modern Arabic literature. The book depicts the life of an Israeli Arab, employing black humour and satire. It was based on the traditional anti-hero Said in Arab literature. In a playful way it deals with how it is for Arabs to live in the state of Israel, and how one who has nothing to do with politics is drawn in to it. He followed this by other books, short stories and a play. His last novel, published in 1992, was Saraya, the Ogre's Daughter.
Literary prizes

In 1990 Habibi received the Al-Quds Prize from the PLO. Two years later (in 1992) he received the Israel Prize for Arabic literature.[2][3] His willingness to accept both reflected his belief in coexistence. Though after accepting the Israel Prize a debate set off among the Arabic intellectual community. Habibi was accused of legitimizing the Israeli anti-Arab policy. Habibi replied to the accusations: "A dialogue of prizes is better than a dialogue of stones and bullets," he said. "It is indirect recognition of the Arabs in Israel as a nation. This is recognition of a national culture. It will help the Arab population in its struggle to strike roots in the land and win equal rights".[4]
Published works

1969: Sudāsīyat al-ayyām al-sittah
1974: Al-Wakāʾiʿ al gharībah fī ikhtifāʾ Saʿīd Abī al-Nash al-Mutasāʾil (translated as The Secret Life of Saeed the Pessoptimist)
1976: Kafr Qāsim (Kafr Kassem)
1980: Lakʿ bin Lakʿ (play)
1991: Khurāfīyat Sarāyā Bint al-Ghūl (translated as Saraya, the Ogre's Daughter)
==
للأسف لا يوجد شيء يذكر عن طفولة أميل حبيبي غير انه من مواليد عام 1921 وفي النص الانجليزي عام 1922 ...لكن يكفيه أن يكون يتيم الوطن، ويمكن أن نقدر بأن ما حصل معه يوازي ما حصل مع غسان كنفاني والفرق الوحيد بأن غسان نفي من الوطن بينما بقي في حيفا..وهي الكلمات التي طلب أن تحفر على قبره وهي مؤشر لما عاناه تحت الانتداب ومن ثم الاحتلال.

مجهول الطفولة لكنه يتيم الوطن .

ايوب صابر 11-14-2011 11:50 PM

والان مع الروعة في رواية :


الزمن الموحش

حيدر حيدر
الزمن الموحش , رواية الاديب السوري حيدر حيدر الصادرة في أوائل السبعينيات بعيد هزيمة حزيران عام 1967، شكلت انطلاقة جديدة للرواية العربية بعد الهزيمة باعتمادها تيار الوعي وتيار الوعي أسلوب يقدّم الشخصيات وأفكارها كما تطرأ في شكلها الواقعي العشوائي وهو تقنية تكشف عن المعاني والإحساسات من دون اعتبار للسياق المنطقي أو التمايز بين مستويات الواقع المختلفة وهو فن في وصف الحياة النفسية الداخلية للشخصيات بطريقة تقلّد حركة التفكير التلقائية التي لا تخضع لمنطق معين ولا لنظام تتابع خاص ,ويُجري المؤلف على هذا التيار عملية اختيار مبدئية واعية، إذ إنه لا يختار من عناصره سوى ما يتفق ومقتضيات روايته من حديث نفسي أو رؤية أو حلم، أو ملاحق، مثل مراثي إرميا أو بعض القصائد النثرية ـ . وقد يستند إلى تداعي الذكريات ثم الحلم في تقنية رصد تيار الوعي عند شخصياته.لم يكن حيدر حيدر في استخدامه تيار الوعي في رواياته مقلّداً رواد هذه النزعة في الغرب، ، بل كانت له سيرته الخاصة التي تطورت فيها هذه النزعة عبر روايات أربع الزمن الموحش، وليمة لأعشاب البحر، مرايا النار، شموس الغجر ففي روايته هذه (الزمن الموحش) يجري السرد بضمير المتكلم، فالراوي / السارد هو الشخصية التي تتحدث عبر تداعي الذكريات ثم الحلم في تقنية رصد تيار الوعي لتجاربها وتجارب الرفاق الآخرين في واقع التسكع والضياع الذي يعيشونه بين التنظير الأيديولوجي والخمر والنساء، حيث يتقاطع الصحو/ المحو: الارتطام بالواقع/ الضياع، الحلم/ انكسار الحلم. ويضع أسلوب تيار الوعي الحدث في المكان الثاني، لأنه يضع تقديم مدركات الشخصية وأفكارها في المقام الأول، وبذلك تتراجع الحبكة إلى المكان الثاني لتتقدم عليها التداعيات ورصد الرؤيا والحلم وتداخل صوت الراوي/ المؤلف مع صوت السارد/ الشخصية. إنها النقلة الأولى في تطور الرواية السورية تمت بعد هزيمة حزيران باستخدام أسلوب تيار الوعي.

==

الزمن الموحش
كتب أيمن قحف
في عام 1973 أصدر الكاتب الكبير حيدر حيدر روايته " الزمن الموحش " ، وبالنسبة لي أقتنيها منذ عام 1985 وأقرؤها بين الفترة والأخرى كاملة أو مقاطع منها وأصنفها بأنها " أهم ما كتب وما سيكتب !!...
في كل مرة أقف احتراماً لهذا الرجل العظيم ، الذي قرأ الواقع والتاريخ والجغرافيا والنفس الإنسانية ..
الرجل الذي يعيش اليوم على شاطئ " الوطى " في حصين البحر يصطاد السمك ويتأمل الدنيا وحيداً من الخلان ..
اليوم فقط أشعر أنا وصلنا حقاً إلى الزمن الذي تحدث عنه حيدر حيدر ، الزمن الموحش.

الزمن الموحش :
.... وكان أن جاء زمان عصيب لم نحسب له حساباً فيما مضى ، زمان تساوى فيه الحب والكراهية ، الابداع والغباء ، الانتهاز والثورة ، وفي ذلك الزمان الفاجع نمت الأعشاب الضارة وراحت تمتص جذور الخصب والحب. زمان شبيه حد المدية، وملايين البشر كانوا يعبرون فوق ذلك الحد ، وكان الكثيرون يخبون نحو الشمس المحرقة ، بينما كان آخرون يغربون باتجاه اللج ، وكانت الذاكرة وحدها المنجى من هلاك محقق ، وفي أي مكان من أرض العبور لو سألت العربي : إلى أين تمضي ؟ لأجابك : مع الريح !
.................................
كنا اثنين الآن ، وبيننا مسافة . انكسرنا إذن. كسراً لا جبر له .
ما عاد لنا غير هذا التابوت الليلي نتحرك فيه ننثر آخر المراثي ، ونرش روائح البخور..
نحن المحمولون اليوم لا الآباء ، النفوس افترسها ذل وانتهاك ، رجها رجها حتى صارت في لون الغرين. هشيم ، مساحة اندلعت فيها حرائق شاسعة عصية على الإطفاء.

راني غضب و غريب في ليل جهم . وأنت هنا . لا راحلاً ولا مقيماً. قائم بين السيف والنطع بعد أن لمع البرق أخيراً، شاطراً قوس قزح إلى ألوانه الأساسية .
تقف على مفترق الدروب الثلاثة : درب السد السائر فيه لن يرد . ودرب الحريق ودرب الغريق . وعليك أن تختار يا علاء الدين !

==
كانت المفاجأة أكثر من سارة لي عندما علمت أن الكبير حيدر حيدر ، رغم صداقته معالبحر وبعده عن الناس والتكنولوجيا ، قد قرأ المقتطفات والتقديم الذي ننشره فيسيريانديز عن "الزمن الموحش" ومقاربته في روايته العظيمة للزمن الحاضر...
ولعلما هو أكبر من المفاجأة هي أن حيدر حيدر نفسه "فوجئ " بما قرأه من أدبه العتيق وكيفينسحب في كثير من تفاصيله على واقعنا المعاش رغم أن الرواية عمرها 38 سنة !
يقوللي الكبير حيدر : أنا عندما أنجز الرواية وتنشر لا أقرؤها أبداً ، ولم أعد لقراءةرواياتي إلا في حالات خاصة مثل الجدل الكبير الذي حصل مؤخراً حول رواية "وليمةلأعشاب البحر " فاضطررت لقراءتها مجدداً.
ويضيف أنّ اتصالات كثيرة أبلغته بماينشره في سيريانديز مما حفّزه ليطلع على النصوص و دهشته هو الآخر لما خطه قلمه منذقرابة أربعة عقود.
أقول لحيدر: كأني أعيش الآن زمنك الموحش؟
يجيب: وأنا مثلكفوجئت بحجم الشبه بين أجواء الرواية وما يجري حالياً وأقدر لك حسن الاختيار، بالفعلإنه زمن موحش...!
وأسأله: هذا مؤشر على حجم وقيمة المثقف المبدع الذي يقرأالحاضر والمستقبل وأنتم ثروتنا الحقيقية، أليس من المعيب أن تمرّ أزمنة يلاحق فيهاالمثقفون وتمنع رواية مثل الزمن الموحش..؟!
يقول حيدر: صحيح، لقد منعت الزمن الموحش مرتين الاولى بعد نشرها بقليل وأتيت إلى وزير الإعلام المرحوم أحمد اسكندرأحمد فقرأها وقال لي: لا أرى فيها ما يوجب منعها فقلت له: أصدر أوامركإذاً...
وبعد سنوات منعت مرة أخرى ولفترة طويلة إلى أن زرت رئيس اتحاد الكتابالعرب علي عقلة عرسان الذي ساعد في السماح بنشرها مجدداً...
ويستطرد حيدر: إن الرقيب يشبه الصياد الذي يتلطى في زاوية مهجورة لينقضّ على فريسته أو يطلق عليهاالنار والرقيب على الثقافة يقوم بنفس الدور فما قيمته إن لم يطلق النارعلينا...!!
أقول لحيدر الكبير: أحاول أن أكون بعقلية علمية ومع ذلك لا يمكنني إلا أن أقول عن الزمن الموحش أنها أفضل ما كتب وما سيكتب في الأدب العربي لأنها ملحمة بكل معنى الكلمة وهي رواية فيها من الشعر والشاعرية الشيء الكثير.
فيقول حيدر: من الضروري على الأديب أن يكون شاعراً فالشعر يمسك بمفاصل الحدث ويصل إلى عمق الأحداث وليس إلى ظاهرها، وكما تعلم فإن الكثير من الأطروحات الأكاديمية أنجزت حولرواياتي وآخرها كانت لطالب من لبنان صنّف فيها الزمن الموحش لأنها تنتمي إلى مابعدالحداثة، واعتبرها حالة مميزة في اللغة والجرأة مستخدماً وصف التطرف، وبالفعل تجرأتأن أهاجم وأتحدث عن الثالوث المحرم: الدين والجنس والسياسة لأخرج برواية حداثية كماوصفها الباحث، وفي الحقيقة أوافق على وصفه لي بالمتطرف وإن لم يكن بمفهوم هذاالزمان، فنحن - كمثقفين - لو لم نكن متطرفين لما وصلنا إلى هنا ولا استطعنا تشريحالعالم والحياة والتقاليد ولما استطعنا مهاجمة المفاهيم البالية المنحطة، التينضربها بهذا التطرف.
وهكذا عندما تلتقي بأناس مثلك سيقولون لك أنك تتحدث باسمهم،وعندما تلتقي بالناس التقليديين فسيتهمونك بخرق التقاليد والمحرمات. وكيف تمضي أيامك ؟
يقول الكبير حيدر حيدر : كما تعلم فإن أبناء جيلي من الأدباء رحل معظمهممن سعد الله ونوس إلى الماغوط وغيرهم ، وعندما أزور دمشق لا ألتقي أحداً فقط أزورابني ، وهنا في حصين البحر ألتقي الكثير من الناس ولا نتحدث أبداً في الأدب بل فيأمور الحياة ويسألونني عن رأيي في قضايا معينة فأجيب ..
أيمن قحف
(سيريانديز)

==
نبذة:
مثل سراب خادع يلمع فوق سهوب بعيدة... سراب يمتد ويمتد، هكذا يبدو الآن ركام حكايات "الزمن الموحش" شفافاً لامعاً، عصياً على اللمس، عصياً ربما على الإدراج، حكايات حيدر حيدر التي أفلتت في غروب يوم كئيب مع شمس دمشقية، تهوي بلا استئذان خلف قمة قاسييون الأجرد لتحكي زمن الفشل العربي... قصص تمتزج بالأسى... باللوعة... بالحزن...

ايوب صابر 11-14-2011 11:51 PM

الأديب والروائي حيدر حيدر

ولد الأديب والروائي حيدر حيدر في العام 1936 في قرية سورية صغيرة تقع على هضبة مشرفة على البحر تابعة لمحافظة طرطوس اسمها حصين البحر، وفي قريته تلقى دراسته الابتدائية. بعد اتمام دراسته الاعدادية في مدينة طرطوس في العالم 1951 ينتسب إلى معهد المعلمين التربوي في مدينة حلب حيث يواصل دراسته ويتخرج في العام 1954.

في العام الثاني من الدراسة في المعهد ظهرت ميوله الأدبية، وبتشجيع من مدرّس اللغة العربية ولفيف من الأصدقاء، كتب محاولته القصصية الأولى بعنوان مدارا، فنشرت على صفحات مجلة محلية تصدر في حلب. البدايات الثقافية والأدبية عبر القراءة والمطالعة في ذلك الزمن، جاءت من عوالم الرومانسية العذبة. عالم جبران خليل جبران، آلام فرتر للشاعر الألماني غوته، تحت ظلال الزيزفون، العبرات، النظرات للمنفلوطي. روايات محمد عبد الحليم عبد الله، المازني، احسان عبد القدّوس، يوسف السباعي، محمود تيمور، محمد حسين هيكل، طه حسين وآخرون لا يّتسع المجال لذكرهم هنا.

في مطالع الخمسينات كان المناخ السياسي في سوريا مضطربا، موّارا باتجاهات وأفكار وتنظيمات وانقلابات. اضطراب ما بعد الاستقلال. كما بدت الحياة السياسية آنذاك غارقة في الفوضى والاضطراب بعد الهزيمة العسكرية في فلسطين....

في هذا المناخ المضطرب، حيث الديكتاتورية العسكرية للشيشكلي كانت المهيمنة على البلاد، اختار الأديب والروائي حيدر حيدر التيّار العروبي-الوحدوي وانخرط فيه مقاوما للديكتاتورية، مع بقية رفاقه وزملائه من الطلاب، إلى جانب العمل الدراسي في المعهد.

في تلك الحقبة كانت البلاد في حالة غليان وسخط، عبّرت عنها المظاهرات والاضرابات الطلابية والشعبية المعادية للسلطة العسكرية، عدوّة الحرية والديمقراطية.

بعد التخرّج من المعهد وممارسة التدريس لعقد من الزمن، انتقل حيدر حيدر إلى دمشق العاصمة، حيث المناخ الأدبي متوافر من خلال وجود الكتّاب والمثقفين والحركة الثقافية النشطة.

في دمشق بدأ ينشر قصصاً في الدوريات اليومية والشهرية، وكانت مجلة الآداب اللبنانية أبرز المنابر التي كتب فيها قصصه الأولى، التي صدرت في مجموعة حكايا النورس المهاجر في العام 1968.

بعد تأسيس اتّحاد الكتّاب العرب في دمشق في العام 1968، وكان أحد مؤسّسيه وعضوا في مكتبه التنفيذي، نشر حيدر حيدر مجموعة الومض في العام 1970 بين مجموعة من الكتب كانت أولى اصدارات الاتّحاد. في العام 1970 يغادر دمشق إلى الجزائر ليشارك في ثورة التعريب أو الثورة الثقافية كما يسمّيها الجزائريون، مدرّسا في مدينة عنّاية، في الوقت الذي كان يواصل فيه الكتابة والنشر في الدوريّات العربية.

عن تجربته في دمشق خلال سبعة أعوام، وانخراطه في المناخ الثقافي والسياسي، كتب روايته الأولى الطويلة الزمن الموحش. صدرت عن دار العودة في لبنان في العام 1973.

في العام 1974 يعود من الجزائر إلى دمشق. يستقيل من التعليم ويهاجر إلى لبنان. يعمل ردحا من الزمن في إحدى دور النشر مراجعا ومصحّحا لغويّا.

تصدر له مجموعة الفيضان القصصيّة عن اتّحاد الكتّاب الفلسطينيين في العام 1975 من بغداد، وفي العام 1982 يعاد طبعها مع التموّجات في بيروت عن المؤسّسة العربية للدراسات والنشر.

مع بداية الحرب اللبنانية يلتحق حيدر حيدر بالمقاومة الفلسطينية في اطار الاعلام الفلسطيني الموحّد واتّحاد الكتّاب الفلسطينيين في بيروت.

نذر الحرب اللبنانية كانت تلوح في الأفق. حادثة الباص في عين الرمّانة في 13 نيسان 1975 فجّرت صاعق الحرب. ما تلا ذلك من مجريات الحرب وجنونها ووحشيّتها... قوّض لبنان وهشّمه فتحوّل إلى حطام.

هذه الأحداث الدامية عاشها الأديب حيدر حيدر، وكان في قلب حجمها حتى ما بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت.

يكتب في مقدّمة كتابه أوراق المنفى وهو شهادات عن أحوال زماننا: في فسحة السلام والحرب، فسحة الحياة والموت، كان عليّ أن أواصل سيرة الحياة وسيرة الكتابة. بالكتابة ربّما كنت أتوازن وأنا أترنّح، مولّدا من الكلمات هرمونات مضادّة للموت والجنون وضراوة الحنين إلى المنفى. لقد أتى زمن النار وزمن القتل: زمن الهول. نسير في الخطر، وننام في فراش الخطر، ونكتب في جفن الردى والردى حيّ لا يموت.

في زمن الحرب صدرت له التموّجات والوعول، وأعيد نشر رواية الزمن الموحش ورواية الفهد بعد فصلها عن مجموعة حكايا النورس المهاجر، وأعيد طباعة حكايا النورس والومض ثانية عن دار الحقائق في بيروت.

في أوائل الثمانينات يغادر الأديب حيدر حيدر بيروت إلى قبرص ليعمل في مجلة الموقف العربي الأسبوعيّة، مسؤولا عن القسم الثقافي فيها. لكن رحلة قبرص كانت قصيرة لم تتجاوز العامين، يعود بعدها ثانية إلى لبنان.

في هذا المناخ من ظروف الحرب والسفر، كان يكتب روايته الطويلة وليمة لأعشاب البحر مواصلا العمل فيها على مدى عشر سنوات.

في العام 1985 يعود إلى سوريا، حيث يعيش الآن في قريته حصين البحر، متفرّغا للعمل الثقافي في مجال الكتابة والقراءة وترميم ما تبقى من خراب الزمن المضطرب.

بعد عودته إلى وطنه، إثر غياب حوالي أربعة عشر عاماً، صدرت له كتب جديدة هي: أوراق المنفى مقالات وشهادات. مرايا النار رواية غسق الآلهة مجموعة قصص شموس الغجر رواية. كما أعيدت طباعة كتبه في بيروت ودمشق.

ترجمت له قصص إلى اللغات الأجنبية: الألمانية، الإنكليزية، الفرنسية، الإيطالية والنرويجية. كما يجري العمل في ترجمة روايته مرايا النار إلى اللغة الإسبانية.

انجزت في كتبه رسائل جامعية عربية للدراسات العليا والماجستير في أكثر من بلد عربي: المغرب، تونس، الأردن، مصر وسوريا.

مؤلفات الأديب والروائي حيدر حيدر
- حكايا النورس المهاجر (قصص) الطبعة الأولى: 1968 وزارة الثقافة السورية-دمشق. الطبعة الثانية: 1977 دار الحقائق-بيروت. الطبعة الثالثة: 1999 دار ورد-دمشق أخرجت كفيلم عام 1972 ونال عدّة جوائز منها جائزة مهرجان لوكارنو، مهرجان كارلو فيفاري، مهرجان دمشق للسينما الجديدة.


- الفهد (رواية) الطبعة الأولى: 1968 وزارة الثقافة السورية-دمشق. الطبعة الثانية: 1977 دار ابن رشد-بيروت. الطبعة الثالثة: 1978 دار ابن رشد-بيروت. الطبعة الرابعة: 1991 دار الحصاد-دمشق.


- الومض (قصص) الطبعة الأولى: 1970 اتحاد الكتاب العرب-دمشق. الطبعة الثانية: 1977 دار الحقائق-بيروت. الطبعة الثالثة: 1999 دار ورد-دمشق. - الزمن الموحش (رواية) الطبعة الأولى: 1973 دار العودة-بيروت. الطبعة الثانية: 1979 المؤسّسة العربية للدراسات والنشر-بيروت. الطبعة الثالثة: 1991 دار أمواج-بيروت.

- الفيضان (قصص) الطبعة الأولى: 1975 اتحاد الكتاب الفلسطينيين-بغداد. الطبعة الثانية: 1982 المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر-بيروت. الطبعة الثالثة: 1986 دار الحوار-اللاذقية-سوريا.

- كبوتشي (سيرة حياة ونضال كبوتشي) الطبعة الأولى: 1978 دار ابن رشد-بيروت.

- الوعول (قصص) الطبعة الأولى: 1978 دار ابن رشد-بيروت. الطبعة الثانية: 1989 دار الحصاد-دمشق.

- التموّجات (قصتان) الطبعة الأولى: 1982 المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر-بيروت. الطبعة الثانية: 1986 دار الحوار-اللاذقية-سوريا.

- وليمة لأعشاب البحر نشيد الموت (رواية) الطبعة الأولى: 1984 قبرص-الناشر: حيدر حيدر. الطبعة الثانية: 1988 دار أمواج-بيروت. الطبعة الثالثة والرابعة: 1992 دار أمواج-بيروت. الطبعة الخامسة والسادسة: 1997 دار ورد-دمشق.

- مرايا النار فصل الختام (رواية) الطبعة الأولى: 1992 دار أمواج-بيروت. الطبعة الثانية: 1995 دار بترا-دمشق. الطبعة الثالثة: 1998 دار ورد-دمشق. - أوراق المنفى شهادات عن أحوال زماننا (وثائق). الطبعة الأولى: 1993 دار أمواج-بيروت.
يضمّ العديد من المقالات التي نشرها في مجلات أدبيّة مختلفة (1987-1974).

- غسق الآلهة (قصص) الطبعة الأولى: 1995 دار أمواج-بيروت. الطبعة الثانية: 1995 دار بترا-دمشق. الطبعةالثالثة: 1996 دار ورد-دمشق.

- شموس الغجر (رواية) الطبعة الأولى: 1997 دار ورد-دمشق. الطبعة الثانية: 1998 دار ورد-دمشق.


الساعة الآن 06:26 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team