المال والقيمة
من اخترع النقود ؟ الاجابة هى : لا أحد ! ظهرت النقود بشكل تدريجى كبديل عن نظام المقايضة الذى كان سائدا فى العصور القديمة . ولمّا كان نظام المقايضة نظاما صعب المِراس ، وكان نظاما مجهدا فى عمليات البيع والشراء ، ظهرت النقود كـ "وسيلة تسهيلية" لإتمام العمليات التجارية بشكل ايسر واسهل . ومن هذا نخلص الى ان النقود – فى حد ذاتها – وسيلة وليست غاية .
المؤسف فى الامر هو ان بعض الناس – إلا من رحم ربى – قد غفلوا عن هذه الحقيقة ، وصارت النقود بالنسبة اليهم الغاية التى يبذلون فى سبيلها كل وسيلة . اذا نظرنا فى الامر نظرة ثاقبة نجد ان الوضع على درجة من الخطورة تجعلنا نجمد فى اماكننا جرّاء المصائب التى قد تحدث نتيجة هذه الكارثة .... كارثة حب المال ! يبكي القلب حزنا من حالات نرى فيها طغيان المال على القيمة ، فمثلا : -الرجل الذى يترك زوجته واولاده ذوى البضع سنين ، ويسافر الى احدى الدول من اجل تحصيل المال ، ماذا تكون العاقبة ؟ قد يصل الامر الى حد أن الابناء لا يتعرفون على ابيهم فى حال عودته ، وعندما يعود يجد كلا الطرفين صعوبة فى التواصل مع الطرف الاخر وتقبله ، فتحدث هذه الفجوة الاسرية المريعة . الامر الذى ينتهى بنا الى انهيار القيم الاسرية ، وانحطاط مستوى التربية الابوية فى المجتمع . امر فى غاية الخطورة ! -ومثال اخر : الطالب العبقري ذو العقل الفذ والقدرات الخارقة ، تجده عندما يتحصل على مجموع عال فى المرحلة الثانوية فى صراع داخلى ، هل يلتحق باحدى الكليات التى يطلق عليها اسم "كليات القمة" ، ام يلتحق بكلية العلوم ؛ ليسلك طريق البحث العلمى ، ويصير عالما لا يخدم مجتمعه فحسب ، بل يخدم الانسانية جمعاء . ويفضي به الامر الى التحاقه باحدى كليات القمة تلك بحجة تأمين مستقبله ، الامر الذى قد يترتب عليه فشله فى المرحلة الجامعية ، واذا لم يحدث ذلك ، يصبح شخصا عاديا بعدما كان بامكانه تغيير مسار البشرية . شئ يعجز اللسان عن وصف طامته ! فى الواقع ، الامثلة كثيرة كثيرة ، لا تحتاج الى جهد فى الملاحظة ؛ لكي تظهر جليةً امام اعيننا . صارت القيمة موضوعةً على هامش حياتنا بدون ان نولى لها اى اهتمام او اعتبار . وهناك شئ اود الاشارة اليه ، هل النقود هامة ؟ بالطبع النقود هامة . فإذا اراد شخص ان يؤدى فريضة الحج ، فلابد من وجود المال . واذا اراد اخر ان يتزوج ويبنى بيتا ، فلا مفر من توفير المال . واذا اراد ثالث ان يشترى كتابا ما ، فلا بد من حصول المال . فالمال هام ولا شك فى ذلك ! ولكن فى هذه الامثلة التى ذُكرت – وهناك غيرها الكثير والكثير – تُعتبر النقود وسيلة لا غاية ، ولا بد من ذلك ! فتعظيم المال شئ خاطئ ، وكذلك تحقيره شئ خاطئ ايضا . فعلينا ان ندرك ان المال هو الطريقة التى بها نبلغ مرادنا ، وليس المال هو مرادنا ، حيث نجد اناساً – ونسأل الله ألّا يجعلنا منهم – شغلهم الشاغل هو تحصيل المال ، يفنون حياتهم كلها من اجل المال ، فيصبحون شيئا فشيئا عبيد الدرهم والدينار ، يتناسون أن هناك شيئا له وجود يُدعى "القيمة" .... القيمة التى بها يصلح المجتمع ، وتعلو الهمم ، ونرفع من شأن انسانيتنا . |
الساعة الآن 09:18 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.