منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   مقطع سردي.. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=31172)

محمود العزامي 01-10-2024 02:28 PM

مقطع سردي..
 
نادى محيميد بصوته الواهن، الحمّى لا تكثرث بنا ونحن نشتبك مع خمسين عاماً دفعة واحدة، تأتي دون أن تطرق الأبواب. تأخذ حقها في الضيافة، ثم تعيث بنا فسادا. لم يحسب محيميد يوما أنه سيمتلك مثل هذا الصوت:
-هذا أنا"يمّة" في قلب القرنة الطاهرة. شجرة الأرك على يمين يدي. والله على يمين يدي. والسماء صافية كأنمامفتوحة على مصراعيها، وماتور الماء يتدفق ببطء، بطء الهدف منه أن ننقش ذكرياتنا هذه بتؤدة ودقة متناهية، فلا ننساها أبدا. ونافذة حجرة الله مفتوحة.
القرنة الطاهرة تلتئم حوله مثل كفيّ أم، ثلاثون مترا مربعا حول ماتور الجمعية. هناك شجرة الأرك العجوز التي لم تنجب أبناء. كانت طوال الوقت تتضرع إلى السماء لتنجب، ظلت ثلاثمئة عام وحيدة وعميقة وصابرة. وعمود الساقية الحديدي الصدئ مشتبك مع أغصانها كطفل هو أمانة في حضن امرأة غريبة، لا يعرف أحد من أين تم إحضار هذا العمود الذي صدئت طبقاته، واحدة وراء أخرى، ولكن التآكل لا يصل إلى عمق عموده الفقري. هناك غرفتان طينيتان متقابلتان منذ دهر. قال فرّاج بن سلمان، قبل أن يبنيهما: سأبني غرفينين متقابلتين وأرصف ساحة بينهما لأجل تعليلة المساء، ثمم أتزوج فلاحة. كلّ شيء تم كما هو مخطط له. سبق زوجته بسنتين قبل وفاته، البنات تزوجن قبل الأولاد، ثم ماتت الفلاحة. وظلت الدار مليئة بضجيج الراحلين.أي صلة وأي حديث يدور بين الغرفتين بعد أن طار كل من قطن العش؟ قيل إن الغرفتين تتقاربان في الليل وتتلامسان، ثم تعود كل واحدة إلى مكانها قبيل الفجر، لا بد الآن أن طائرا يحط على إحدى النوافذ، ويتذكر خطواتي الأولى وهمسي. بين الغرفتين مساحة مدورة، في تلك القرنة الطاهرة تجلس المرأة التي توشك على الولادة، تتضرع أن تخف آلامها، وفي الصباح يجدون الأم أنجبت طفلا مباركاً، في تلك البقعة الطاهرة إذا نظرت إلى السماء، ستجد هوة مدورة بحجم مساحة الفسحة بين الغرفتين، هوة مفتوحة في السماء، دائرية جميلة مثل قلب الحب، لم تجلس امرأة وظهرها ملتصق بجذع شجرة الأرك ثم لهجت بالدعاء لأي أمر إلا ويتحقق، العتمة تزول من القلب إلى غير رجعة، والغائب يعود، والماء يتدفق ببطء مدروس، وضروع البهائم تنتفض باللبن المضمخ برائحة الزهور، ثم يفيض الخير كما لو أنه لن يتوقف أبداً أبداً..


الساعة الآن 08:20 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team