منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   اللحظات الميتة (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=10686)

محمد محضار 02-15-2013 12:32 AM

اللحظات الميتة
 
الألوان تتماوج أمام عيني في حركات تلاحقية, الأحمر البنفسجي, الكاكي, القمحي وألوان اخرى, لساني يتجول على ضفتي شفتي دون توقف, درجة حرارتي ترتفع, أصوات غريبة تنطلق في أعماقي , أحس بمغص في بطني , وألم في رأسي, نظراتي زائغة تلاحق أجسام الحسناوات المارات أمام المقهى, إرتباكي أفرغه في مداعبة منفضة السجائر بأناملي . حنين وشوق كبيران إلى أشياء قديمة يرسمان معالمهما على سحنتي.
مريرة هي اللحظات , وثقيلة تمر, وأنا أزدرد كومة حزن واِكتئاب.
شحاذة عجوز , تقوس ظهرها وضمر جسمها -سمعت أحد رواد المقهى يهمس لصديقه في شأنها "لقد كانت شيخة كبيرة 1..أنظر ماذا حل بها" - تمد لي يدها المغضنة ولسانها يسترحم , أشمئز من منظرها لكنني أنقذها بضع سنتيمات.
صمت أيام رهيبةقد ثوت ينزل بكل ثقله على رأسي..تعلق نظراتي الزائغة بحدائي المحمل بغبار البادية التي أدرس بها ..قبل لحظة من الآن غازلت فتاة , فقالت لي بصوت ساخر " سير ديها غير في صباطك 2الموسخ"ثم ركبت سيارة كانت تلاحقها من الخلف , يظهر ماسح أحذية صغير السن على حين غرة, أسلمه حذائي كيْ يلمعه, يشتغل الصبي بكل عناية وجدٍّ ..بعد برهة أنظر الى حذائي بكل إعجاب. أترك مكاني بالمقهى , أشق طريقي بين شوارع المدينة , بخطو تأئه لا يرسو على إتجاه. المدينة تعيش مهرجان الغروب, الشمس ثملة تعب كؤوس الشفق , معانقة الأفق باستسلام ..وخيوط الظلام تتسرب بتتابع إلى السماء..
ساهيا أمشي , تصطدم قدماي المتخذلتان بصندوق قمامة , تنط منه قطة سوداء , تسرع هاربة ومواءها يكسر السكون , رعشة إشمئزاز تعتري جسدي النحيف, القطط السوداء فأل شؤم..هذاما رددته أمي على مسامعي باستمرار إبان طفولتي , أقرأ البسملة وأتابع سيري..
البرد يلفع وجهي, يلسعني في أرنبة انفي..خطاي تصبح حثيثة..أصل البيت الذي أتقاسمه مع صديقي عزوز , المشتغل بإحدى ثانويات المدينة ..أدلف الى الداخل ..مصباح غرفة عزوز مضاء ..ألجها ..عزوز صحبة صديقته "أرحيمو "التي تُدرّس صحبته . كانا يحتسيان كؤوس الراح..ألقي إليهما بالتحية , ثم أنثني خارجا , صوت ارحيمويطرق أذني :
- ألا تشرب معنا كأسا ..ولو لمرة واحدة؟؟
- تعلمين انني لا أشرب أو أدخن ..
يعلق عزوز ساخرا:
- بوركت ايها المتصوف المخذول..
أبتسم دون أن أرد , ثم أخرج..تحتويني غرفتي ..أستلقي على السرير تضطرب الخواطر في صدري ..تقبل الكلمات والعبارات على زورق الماضي و تتزاحم عند بوابة ذهني , تنتابني الرغبة المعتادة في الاحتراق على الورق, أهرع إلى مكتبي ..أصب حبر قلمي على القرطاس , أكتشف أنني أتحول إلى ألفاظ ناطقة تشع بالكآبة , كم أمقت الكآبة لكنها تفرض نفسها ضيفة ثقيلة على كل ماأكتب............
شيخة : مطربة شعبية
صباط : حذاء

محمد محضار وادي زم 21/10/1985
</b></i>

ياسر علي 04-05-2013 10:29 PM

سلمت أيها الكاتب المتألق أي زمان ذاك وأي زمان نعيشه اليوم ، لغة حلوة لذيذة يزدردها عاشق الأدب بنهم الشره الأكول ، أي ريشة خطت تلكم الحالة الأدبية التي كنت تعيشها يومها ، أحيانا تعاكسنا الحياة في اللذة لتجبرنا على سلوك مواطن لذات لا تبهت ولا تذبل أبدا ، بل تعيش تلك النصوص متى تصفحها متصفح ارتشف منها حد إشباع يطفئ شبقه الأدبي و ارتوى منها عطشه بمعتقة الكلمة .

آمال بوضياف 04-06-2013 12:26 AM

سرد متناسق دفعني للمتابعة لآخر نقطة في القصة..
استعمال العامية كان جد موّفق غير أنك لم تذيل النص بشرح الرقمين 1 و 2 ( تلك الشيخ الكبيرة تعني مغنية أي مداحة؟ أمّا "الصباط" ففي اللهجة المغاربية هو الحذاء والأغلب أن الفتاة طلبت أن يتلهى في حذائه المتسخ أفضل له)
على أني لم أصطدم بالعقدة، أم العقدة كامنة في الفراغ وموت الأحداث في حياة الشاب التي لا تلهم ولا تدعو إلا للكآبة كما أوردت على لسانه فيجد نفسه مضطراً غير راغب كئيب النفس والكلمات.
سأنتظر ردك..
كل تقديري واحترامي

حامد الشريف 04-07-2013 12:12 PM


اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد محضار (المشاركة 139275)
الألوان تتماوج أمام عيني في حركات تلاحقية, الأحمر البنفسجي, الكاكي, القمحي وألوان اخرى, لساني يتجول على ضفتي شفتي دون توقف, درجة حرارتي ترتفع, أصوات غريبة تنطلق في أعماقي , أحس بمغص في بطني , وألم في رأسي, نظراتي زائغة تلاحق أجسام الحسناوات المارات أمام المقهى, إرتباكي أفرغه في مداعبة منفضة السجائر بأناملي . حنين وشوق كبيران إلى أشياء قديمة يرسمان معالمهما على سحنتي.
مريرة هي اللحظات , وثقيلة تمر, وأنا أزدرد كومة حزن واِكتئاب.
شحاذة عجوز , تقوس ظهرها وضمر جسمها -سمعت أحد رواد المقهى يهمس لصديقه في شأنها "لقد كانت شيخة كبيرة 1..أنظر ماذا حل بها" - تمد لي يدها المغضنة ولسانها يسترحم , أشمئز من منظرها لكنني أنقذها بضع سنتيمات.
صمت أيام رهيبةقد ثوت ينزل بكل ثقله على رأسي..تعلق نظراتي الزائغة بحدائي المحمل بغبار البادية التي أدرس بها ..قبل لحظة من الآن غازلت فتاة , فقالت لي بصوت ساخر " سير ديها غير في صباطك 2الموسخ"ثم ركبت سيارة كانت تلاحقها من الخلف , يظهر ماسح أحذية صغير السن على حين غرة, أسلمه حذائي كيْ يلمعه, يشتغل الصبي بكل عناية وجدٍّ ..بعد برهة أنظر الى حذائي بكل إعجاب. أترك مكاني بالمقهى , أشق طريقي بين شوارع المدينة , بخطو تأئه لا يرسو على إتجاه. المدينة تعيش مهرجان الغروب, الشمس ثملة تعب كؤوس الشفق , معانقة الأفق باستسلام ..وخيوط الظلام تتسرب بتتابع إلى السماء..
ساهيا أمشي , تصطدم قدماي المتخذلتان بصندوق قمامة , تنط منه قطة سوداء , تسرع هاربة ومواءها يكسر السكون , رعشة إشمئزاز تعتري جسدي النحيف, القطط السوداء فأل شؤم..هذاما رددته أمي على مسامعي باستمرار إبان طفولتي , أقرأ البسملة وأتابع سيري..
البرد يلفع وجهي, يلسعني في أرنبة انفي..خطاي تصبح حثيثة..أصل البيت الذي أتقاسمه مع صديقي عزوز , المشتغل بإحدى ثانويات المدينة ..أدلف الى الداخل ..مصباح غرفة عزوز مضاء ..ألجها ..عزوز صحبة صديقته "أرحيمو "التي تُدرّس صحبته . كانا يحتسيان كؤوس الراح..ألقي إليهما بالتحية , ثم أنثني خارجا , صوت ارحيمويطرق أذني :
- ألا تشرب معنا كأسا ..ولو لمرة واحدة؟؟
- تعلمين انني لا أشرب أو أدخن ..
يعلق عزوز ساخرا:
- بوركت ايها المتصوف المخذول..
أبتسم دون أن أرد , ثم أخرج..تحتويني غرفتي ..أستلقي على السرير تضطرب الخواطر في صدري ..تقبل الكلمات والعبارات على زورق الماضي و تتزاحم عند بوابة ذهني , تنتابني الرغبة المعتادة في الاحتراق على الورق, أهرع إلى مكتبي ..أصب حبر قلمي على القرطاس , أكتشف أنني أتحول إلى ألفاظ ناطقة تشع بالكآبة , كم أمقت الكآبة لكنها تفرض نفسها ضيفة ثقيلة على كل ماأكتب............


محمد محضار وادي زم 21/10/1985 </b></i>

[justify]
رائعة تلك القصة بعبثيتها لا بداية ولا نهاية فقط سرد لأحداث مرت به خلال يومه لكنها صورت لنا بإبداع كيف هي معيشة الشاب القادم من الأرياف وهو يصطدم بالحياة المدنية عندما تلاحق عينيه الحسنوات فيتعلق قلبه بهن وتتحرك قدميه لملاحقتهن فتصدمه إحداهن بأن واقعه لا يتيح له مثل هذا العبث الذي يخص فقط غيره من الأغنياء .
أخي محمد ليس مجاملة ولكن بالفعل كانت أقصوصتك رائعة ولا يعيبها استخدامك لبعض الألفاظ العامية التي أراها جملتها وأضفت عليها نوع من الواقعية وأكسبتها نوع من الحميمية ولكن كان يحسن بك حتى يتناولها الجميع من غير المغرب العربي إلحاق النص بمعانيها ووضعها بين علامات تنصيص حتى يعرف خروجها عن نطاق الفصحى ولا بأس من ترقيمها للمتابعة رغم أن المعاني واضحة من سياق النص مثل كلمة ( صباطك ) التي أوضحت بكل جلاء أنها تعني الحذاء من خلال الجمل التي أعقبتها وكذلك باقي الكلمات .

بانتظار جديدك أخوك حامد الشريف
[/justify]


آية أحمد 04-07-2013 04:23 PM

بديعة قصتك الأستاذ محمد، تجعلنا نتابعها من البداية بشغف الوصول إلى النهاية.
هي قصة اجتماعية تسلط عدستها على زاوية من حياة شاب تصطدم رغباته
الذاتية بواقع غير واقعه، حتى في بيته يجد نفسه لا يتفق مع صديقه في التعبير
عن لذاته، لينتهي في الأخير إلى الكتابة كتعبير أسمى يراه المخرج من إحباطاته
وإن كانت الكآبة ملازمة له...
تمتعت كثيرا بلغة النص وأسلوبه، أما تلك العبارة العامية فقد جعلته أقرب إلى الواقعية
وإن كان القارئ غير المغربي بحاجة إلى شرحها في الهامش.
تحياتي أستاذ: محمد محضار.

فاتحة الخير 04-08-2013 01:37 AM

السلام عليكم ورحمة الله


سيناريو مرسوم بدقة لأحد الأساتذة الذين رمتهم الظروف للتدريس في البادية، يوضع في مكان مختلف جدا عن الذي تربى وعاش فيه دهرا...فينسى ماكان عليه وينغمس فيما هو عليه .... وتستمر الحياة...
قصة ممتعة...
كنت فيها البطل بلا منازع، تجلس فنجلس قربك نحتسي ما يدور في مخيلتك وتمشي فنتبعك بين الدروب ونظرتنا على كل جامد ومتحرك تتفحصه.
شكرا لك أخي على هذه القصة والتي زادها جمالا استعمالك للمفردات المغربية الصرفة، فقد قرأت لكتاب كبار خاصة من المصريين الذين استعملوا العامية في كتاباتهم، لأنها تضفي على القصة بعض التميز والاقتراب أكثر من نفسية البطل.

يبدو أنه آن الأوان أن يعرف إخواننا المشارقة لهجتنا المغربية، كما نعرف لهجاتهم... كما أن وجود الشرح بالقصة حتى ولو كان على الهامش برأيي يفقد القصة رونقها..
.

هذا مجرد راي، يحتمل ويحتمل

محمد محضار 05-18-2013 10:48 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسر علي (المشاركة 142786)
سلمت أيها الكاتب المتألق أي زمان ذاك وأي زمان نعيشه اليوم ، لغة حلوة لذيذة يزدردها عاشق الأدب بنهم الشره الأكول ، أي ريشة خطت تلكم الحالة الأدبية التي كنت تعيشها يومها ، أحيانا تعاكسنا الحياة في اللذة لتجبرنا على سلوك مواطن لذات لا تبهت ولا تذبل أبدا ، بل تعيش تلك النصوص متى تصفحها متصفح ارتشف منها حد إشباع يطفئ شبقه الأدبي و ارتوى منها عطشه بمعتقة الكلمة .

شكرا أخي على المرور الطيب والكلمات الراقية المؤثرة ، بصمتك الجميلة كان لها الاثر البالغ على القلب والعقل ، لأنها منحت النص فرصة للخروج من دائرة العتمات إلى دائرة النور

محمد محضار 05-18-2013 10:51 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آمال بوضياف (المشاركة 142795)
سرد متناسق دفعني للمتابعة لآخر نقطة في القصة..
استعمال العامية كان جد موّفق غير أنك لم تذيل النص بشرح الرقمين 1 و 2 ( تلك الشيخ الكبيرة تعني مغنية أي مداحة؟ أمّا "الصباط" ففي اللهجة المغاربية هو الحذاء والأغلب أن الفتاة طلبت أن يتلهى في حذائه المتسخ أفضل له)
على أني لم أصطدم بالعقدة، أم العقدة كامنة في الفراغ وموت الأحداث في حياة الشاب التي لا تلهم ولا تدعو إلا للكآبة كما أوردت على لسانه فيجد نفسه مضطراً غير راغب كئيب النفس والكلمات.
سأنتظر ردك..
كل تقديري واحترامي

أختي آمال شكرا لك على هذه البصمة الراقية التي خطتها اناملك الرقيقة ، رايك يحترم ، دام لك الشموخ

ريما ريماوي 05-23-2013 02:30 PM

جميلة القصة... ودائما استمتع بنصوصك..
رغم المغربية الصعب فهمها، لكنني هنا
استطعت استيعابها من خلال السياق...
عندنا الشيخ هو رجل الدين او الكبير بالسن،
والشيخة المراة الكبيرة أيضا، استغربت
معناها عندكم... !

شكرا لك، تحيتي وتقديري.


الساعة الآن 11:28 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team