منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   حياةٌ مسروقة (قصة قصيرة) (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=13936)

مها الألمعي 06-05-2014 10:26 PM

حياةٌ مسروقة (قصة قصيرة)
 
حياةٌ مسروقة (1)


~



أصبحت إطلالة الشمس هي الموعد المشؤوم للبداية الجديدة
منذ عرفت هذا المكان هجرتني النهايات أنا فقط أبدأ
لا شيء ينتهي أمر مرعب أن تتعلق تعلق قهري بشيء ما
نهايته الوحيدة أن يُقطع عنك النفس وهذه بحالها بداية أخرى ترعبني جداً
لا أعتقد البتة أنني جيد للحد الذي يفرحني وضعهم لي في حفرة صغيرة ويودعونني بغير بكاء
وأُقدِم أنا على حياة أخرى لا أعرف كيف عدتي لها
صوت نشاز يقترب يأمر بالنهوض هو يعلم أننا لا ننام بكفاية ونقطع هذا الجزء اليسير
لأجل أن يتكسب هو من خلف مظاهرنا المثيرة للشفقة .. اعتراف بائس لكنها تظل الحقيقة
في اليوم الثاني لي هنا بعد أن تركني عمي لهم بتروا قدميّ
لم تسمح شدة الألم أن أفكر في لماذا فعلوا هذا ؟ سقطتُ مغمًى علي كاستجابة فورية لفعلتهم الوحشية
أوه كنت قد أخذت على نفسي وعدا أن لا أساويهم بالوحوش احتراما لها فهم أكثر منها قسوة أدنى منها رحمة
بعد أن استفقت كنت أترجم ألمي في نداءات طويلة لعمي الذي أعلم يقينا بأنه لن يعود
لكنه شيء من التمسك بالحياة
الحياة التي لا أريد أن يُقطع عنقها هنا
صوت إسماعيل يشتد ولا زلت أنا على الفراش أنتظر مساعدة من أحدهم ،كلهم نفروا إليه
اصطفوا خلف بعضهم وبعد عملية الاحصاء افتقدني وجاء بخطواته الواسعة
سقطت علي عصاه الطويلة ضربا
ثم حملني ووضعني في السيارة المهترئة كقطعة خشب عليها أن تجد مكانا مهما بلغ صغره
وتدس نفسها فيه
بطبيعة الحال لا أرد على خصومة إسماعيل ونهره وسبه لا أرد رداً فعلياً تهتز به حبالي الصوتية
وتفتح شفاهي بوابة الخروج
لكني أخبر الله عن كل شيء أخبره وأنا أعرف أنه يرى ويسمع ويحيط بكل شيء علما
أحاديثي الصامتة التي أرفعها إلى الله تشعرني بالأمان
وأنني في حماية أقوى من بطش إسماعيل وعمي
عمي الذي جعل جزءا يسيرا من الألاف السعودية أغلى مني
توقفت السيارة بعد مسيرة متوسطة الطول لكنها علي أنا الذي بالكاد أتنفس من هذا الازدحام البشري
كسنة ضوئية تُفتح الأبواب ويصطفون خلف بعضهم جلوسا على الأرض
قبل ساحات الحرم المكي ببضع أمتار ويجلسني إسماعيل على قطعة كرتون
وأستغرب في كل مرة كيف يعتقد أن الخشب قد يشكو من حرارة الأرض لكنه هذا التصرف الوحيد الذي يعاملني به
على أنني إنسان أو كائن حي هذا أكثر صدقا فأي مخلوق له روح سيشكو الحرارة
وأنا الذي سقطت إنسانيتي أكثر من يعلم كيف يُحقِّر الإنسان ألم كل مخلوق سواه
يتفقد مظاهرنا إسماعيل علها تكون ببؤس كافي لجلب كثير من المال وفي كل مرة يذهب مرتاحا
مؤمنا أنه سيحارب بنا الضمائر البيضاء التي جاءت لتودع ذنوبها في مكة وتكمل بنا عمل التُقى

*مها

مها الألمعي 06-05-2014 10:30 PM

حياةٌ مسروقة (2)

~

الشمس هنا شديدة أشد من ضرب إسماعيل صباحا مما لا يجعل النزول من السيارة المهترئة راحة
تصفعنا العيون بنظرات شفقة واستغراب والأغلبية يمرون علينا وكأننا أجزاء جامدة اعتادوا أنها تشوه المكان
أكاد أجزم أنهم لا يظنون أننا أيضا كانت لنا أحلام من بينها نزور مكة عابدين نغتسل فيها من دنس الدنيا
لا مشوهين لشوارعها
وحلم أن أكمل التعلم لأفك طلسمة الكيمياء وأكون عالما يُشرف الأرض لا عالة تتكرم الأرض بدفنه في يوم
ليسلم
وجهها جميلا منه
الغالبية هنا لا يعتقدون أن لنا عقولا وقلوبا حيث أن هذين أهم ما في الإنسان
عقل يرفعه وقلب هو مؤشر حياته به يبكي ،يفرح،يتمنى،يحب،ويكره
وضعونا في منزلة أقل من أن يعاملونا بامتيازات الإنسان
بينما نرى كل يوم أفراد يخرجون باكين متأثرين بروحانية المكان
ساعات طويلة يُرمى أمام وجهي كثير من الريالات والخمسات والعشرات
قليل ما أرى عملات أكثر من العشرة
تغرب الشمس تأخذ حرارتها وطاقتنا ويعود إسماعيل يجمعنا كقطع خشب يرصها في السيارة
ويعيدنا للمكان الذي لم يتجرأ أحد منا على تسميته منزل تشريفا لهذا المصطلح
يجلس إسماعيل على صخرة يجمع منا ما رُمي إلينا ويعطينا الخبز
نأكل الخبز بلا حديث صامتين ربما نفكر كيف الخلاص وربما اُستعبدت عقولنا فحُرمت عليها الفكرة
حقيقةً لا أعلم محتوى الصمت لكننا ننام بعده ونستيقظ جميعنا ليحملنا إسماعيل لذات المكان
إذاً لا أحد يفكر في الخلاص وأذكر أن أحدهم قال لي مرة : إسماعيل يعطيني خبزاً لأبقى حيا .
ولا أعرف ما هي هذه الحياة التي نخاف عليها لكنها طبيعة الحي يدافع عن نفَسِه حتى لو بخبز من إسماعيل.


*مها

تمت في 1435\6\7

ايوب صابر 06-05-2014 11:56 PM

هذه قصة عجيبة أسلوب سردي رائع جداً وموضوع مؤلم للغاية خاصة ان القاصة استخدمت ضمير المتكلم الذي يجعل للنص مصداقية .... فهل هي قصة واقعية؟ تصلح سيناريو لفلم .

فاتحة الخير 06-06-2014 01:14 AM

السلام عليكم ورحمة الله


فعلا قصة رائعة وأسلوب يشد القارئ ويجعله يتعاطف مع البطل، نظرا للكم الهائل من البؤس الذي يعيشه بل ويتنفسه
وبغض النظر عن تعاطفي مع البطل الذي بترت ساقه لكي يكسب عطف الآخرين ويصبح ماسورة فلوس تضخ في جيوب اسماعيل، اعجبني الأسلوب الفلسفي والعقلاني الذي عالج به عيشته في ظل العبودية والأسر الاسماعيلي والجسدي وكيف أنه استطاع أن يحقق حلمه وهو أن يصبح عالما كيميائيا فقد استطاع فعلا ان يفك الأحجية ويبطل طلاسم ويفك التعويذات ليعرف في الأخير كنه حياته حين استسلم واقتنع بما أراده الآخر منه
فقال
ولا أعرف ما هي هذه الحياة التي نخاف عليها لكنها طبيعة الحي يدافع عن نفَسِه حتى لو بخبز من إسماعيل.


شكرا لك أختي، وأنا أحسست بنفس إحساس الأستاذ صابر فمن تدفق الروعة من القصة أكاد أجزم أنها قصة حقيقية

جليلة ماجد 06-06-2014 01:40 PM

بعضُ الألم ..كل العجز !

أصعب ما في هذه الحياة أننا نتعامل مع أناس ليسوا كذلك ...

تأنفُ منهم شريعة الغاب ...

اللامعة : مها

ليتها لم تنتهِ أحسستُ أن لهذا البطل ... المزيد من الحكايات ...

ودي و وردي و تقديري

مها الألمعي 06-07-2014 02:02 AM

أهلا أستاذ أيوب

شرفت الحرف ..
وإجابة سؤالك

هذه القصة حاولت أن أجاري بها الواقع .
دمت بنور.

مها الألمعي 06-08-2014 12:34 AM

فاتحة الخير
وعليك السﻻم ورحمة الله وبركاته

سررت بك جدا
وممتنة لكرم وجودك
.

مها الألمعي 06-08-2014 02:08 AM

مرحباً
جليلة ماجد

كسبك البطل قارئة كريمة
شكرا .

ياسر علي 06-10-2014 12:29 AM

سرقوا عمره و سرق هذا النص كل الأضواء
أرسل إليهم إدانة ، و له تعاطفي و لنصك خمس نجمات

تحية

مها الألمعي 06-11-2014 12:42 AM

ياسر علي
أهلا بك

وشكرا على تعاطفك
وإدانتك
ونجماتك
:)


الساعة الآن 03:07 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team