منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   أساور الدموع (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=7598)

جبار دهر جبار 12-23-2011 11:47 AM

أساور الدموع
 
قصة قصيرة : أساور الدموع





كان حريا ً أن تفعل بك أكثر من هذا ..
في تلك اللحظة هكذا حدثه ذلك الضمير .. المفقود عندما صفعته بنظرتها وتركت صوت صفعتها يئن في أذنه .
تذكر حين أذن أصوات معاصمها الثلاثة . وهي تقول :

جحافلٌ من الأحلام جعلها تحت إمرتك .. أنت .. أين أنت من ذلك ؟

وقف في منتصف الطريق .. نظر إلى راحة كفيّه وراح يقلّبهما .. يراهما قد تلبدتا بالأحمر القاني
ثم عاد صوت الضمير .. نعم بهاتين قتلتها .
زاحمه ُ كتف رجل طويل .. لم تتزن وقفته
زاحفة ً قدماه أخذته إلى مكانه القديم ..

*****

أخذ يتأمل الغرفة قطعة .. قطعة .. باصقا ً رائحة جسدها المميزة ..
أصابعه تتحسس تلك القطيرات الصغيرة المتسللة من أعناق وجنتيه وهو يتقيؤ آلامه ..
يلفظ الدخان عن الروح التي أتعبها العواء ..
حاصرته نفسه بعبارات متعبة لم تكن قد تسللت إلى صفحات فكره ذات يوم .. تومئ أنه لا مكان بعد اللحظة لغد ٍ جديد .
فجأة .. قفز سؤال اعتلى تلك الأصوات المرعبة المتزاحمة في رأسه الجديد

لِــــمَ الــــزنى حـــــرام ؟!
...................و...

لـِـمَ اختبأت خلف ستارة النافذة عندما رأتني ابتدأت بتقبيل عنق صبيتي الجديدة .. جاريتي الشهية .. آه لو كنت أعلم أنها ستصبح مصيبتي ؟!
تُرى لــِمَ شهقت وأفضحت سرها ؟ حين التحمنا كتلة لحم واحدة
هي واحدة من أربع ..
وأنا .. فحل ٌ واحد . رجل واحد . ذكر ٌ واحد .

*****

- أمي .. لا تحاولي ، كل ذنوبي منك ِ .
وإن مات أبي ؟
اسألوا أي مجنون .. فتاة في الثانية عشر . هل تصلـُـح زوجة ؟
كم كنت ُ أشكو لكم سوء معاملته .. وكيف يحتقرني
آه ..
ليتني مت ُ قبل أن يضعني في كل رحلاته ونزهاته في الجزء الخلفي لسيارته المخصصة
لنقل المواشي .
يعني أنا .. ونعجاته صنوان . بل كان يقول : إنها أفضل منك !
كم تطايرت العباءة والحجاب مع الهواء الساحق الضاغط على كلتي أذناي .. وخصلات شعري التي أهملها بالشعر المستعار ..
وأنا ملتفة باخضرار عباءتي ذات الأربع سنوات أو أكثر
تلك التي أهدتني سوادها وأخذت اخضرار البراعم ..

كم كنت أحُدّث زوجة شيخ الجامع وكم حدّثه وقال له بني هذا لا يجوز . ولكنه لم ينفع !.

_ قولوا لي ما أفعل !


أسرعتْ إلى حضن حجرتها القديمة وأغلقتْ بابها وأذنيها وهي تسمع أو لا تسمع أصواتهم ..

( المره مالهه إله بيت رجلهه )
( يمه رجعي بلكي باچر الله يهدي )
( واذا يطڴچ الرجال كلشي يسوي ؟ )
( ربّي فريخاتچ وألــله يعوضچ بهذولي )
( يمه ما ألچ إله الصبر . كل إحنه هيچ )

*****

تحركت عجلات السيارة بعد أن سمعتْ صوت المحرّك ..

سمعتْ أزيز نار يتأجج بصوت مرعب على النافذة ، يكاد يوصد كل الأبواب
يطرق .. ويطرق .. يوصد .. ويوصد ...
كل الأبواب توصد !
يئز .. يطرق ...

أغلقت الباب .. ثم .. قفلته .
أخذت تمشي وتبحث عن أي شيء كمجنون ضل طريق .. في عراء .. أو كنهر ٍ .. احتضن صحراء .
صارحتها سينماؤها الروحية .
افعليها وعودي إليّ .. فهنا .. هناك الخلاص ..
_ أستغفر الله


( - علاوي يمه جيب هدومك وهدوم أخوانك خليّ أغسلهم )

امتلأت تلك الصفيحة المعدنية الخرقاء بالأثواب وبالماء وأدوات الغسيل واليدين والدموع وأطراف ضفيرة سوداء طويلة ٌ .. طويلة .. في ذيلها وردة معدنية حمراء .
كانت تفرك بيديها خرق الملابس وتكتم في نفسها أحضان جوع وشوق عاطفة ظلت وباتت سنين قحط .. كسنيّ يوسف أو أشد اسوداداً من ضفيرتها .. وأكثر من عينيها واتساعهما كاتساع المسافة بينها وبين من يسمونه بعلها .. وبين ألفاظ أحضان مسلسلات تلفازها الملون !
ثم فجأة أصبحت تضرب بكلتي يديها الغسيل بعد أن أمسكت آخر قمصانها
وهي تقول :
( ماكو فايدة .. ماكو فايدة .. ماكو فايدة ... )
- ( ربي أخذ أمانتك .. خلي أرتاح )

وأصبحت تردد تلك العبارات البائسة بعد أن امتلأ المكان بفقاعات الغسيل وألوان فقاعات الصابون الفضية
حتى اقترب وجهها شيئا ً فشيئا ً .. من ذلك الحوض الممتلئ بالدموع
وسقطتْ .. غير لاهثة
تمدد إلى جانبهِ الأيمن ذلك الجسد الفتي المليء بالألغاز , بالألماز , بالذكريات الحالمة العتيقة ..
الغميضة .. , الأرجوحة .. , شدة يا ورد ، بيت بيوت.. , الطاق .. , الحبل ...
ثم تصاعد ضوءٌ رمادي , كألوان النشيج .. غافلته شهقة صفراء قـُطع لها لسان ونفسٌ عذب ..
وصدر ظل يتراكض صعودا ً ونزولا ..
وعينان لا تكاد ترى إلا هجوم الجدران ...
كل ذرة تتحرك .. كل جزء .. , كل جزء يتهدم .. كل ذرة ..
أمسكت بكلتي يديها آخر قمصانها .. ثم قبضةٌ مقبوضة ٌ .. على لا شيء ...
وغرقت تلك الأساور بالدموع .. ! .



بقلم : جبار دهر جبار
العراق - البصرة
28/ تشرين الثاني /2011

أحمد فؤاد صوفي 12-23-2011 08:12 PM

الأديب الكريم جبار دهر جبار المحترم

مشروع أديب حقيقي هو أنت . .
نلاحظ هنا الأسلوب الأدبي المجدد . .
واستخدام مفردات جديدة في أماكن جديدة . .
البناء الدرامي جيد ومتكامل . .

تقبل تحيتي واحترامي . .
دمت بصحة وخير . .

** أحمد فؤاد صوفي **

جبار دهر جبار 12-24-2011 12:31 PM

شكرا ً .. لك أستاذي الفاضل
أتمنى أن أكون عند حسن أبداع منابركم
و ..
شكرا ً لمرورك !

أخوك : جبار دهر جبار


الساعة الآن 01:56 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team