منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   صندوق فارغ (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=889)

ريم بدر الدين 08-27-2010 02:57 AM

صندوق فارغ
 
صندوق فارغ


ليل الشتاء الذي حل باكرا و جلل بالسواد امتداد الطريق يزيد الجو وحشة و رهبة
علي أن لا أبقى طويلا في هذا المكان بالرغم من التعب و النعاس اللذان يلحان بقوة على أجفاني و عضلاتي
و لكن هذا الصندوق الفارغ القابع في الخلف كفيل بإبقائي مستيقظا و متعجلا العودة إلى المدينة بأقصر وقت ممكن
و لكن... درب المدينة طويل
تهتز سيارتي بفعل ارتطام العجلات بأحجار الطريق الريفي فيتحرك غطاء الصندوق و يصدر طقطقة مرعبة
اعرف أنه فارغ لكن الرهبة مما كان يحتويه لا تزول بزوال السبب
لا أستطيع الالتفات للخلف خوفا من شبح ما يمد رأسه من الصندوق
يا ربي كيف يكون هذا الطريق قفرا ؟ أما من أحد يضطره ظرف ما للعودة إلى المدينة؟
ليتني أعثر على أي أحد يبدد هذه الوحشة حتى لو كان قاطع طريق أو نشال أو حتى قاتل
عندما أتينا في منتصف هذا النهار الشتوي البارد نقود قافلة الجنازة كان معي ابن المتوفى و الصندوق ترقد فيه جثة جاهزة للإيداع في سكنها الأبدي و الذي لن تمارس فيه هم الارتحال و التنقل فهذه هي الرحلة الأخيرة
تبادر إلى ذهني ساعتها مقارنة غريبة بين سيارة العرس و سيارة التابوت
الأولى لا تكف عن الضجيج الباعث للسعادة و هذه الصامتة بشكل مرعب
وصلنا إلى قرية المتوفى و أقيمت صلاة الجنازة و الدفن و أنا أتعجل العودة لكنهم أصروا على تناول الوضيمة
علي أن أعود بالصندوق الفارغ لأسلمه إلى عهدة المشفى و لا يجوز أن يبقى خارج المشفى فماذا لو ضاع هذا الصندوق من عهدتي؟ سيعقدون لي محاكمة بجرم إتلاف المال العام و السرقة الموصوفة
بالرغم من أنني اعرف أن مدير المشفى يسرق الكحل من العين جهارا نهارا و لا من أحد يحاسبه
لم تتداعى إلى ذهني هذه الأمور الآن ؟ خليني في مصيبتي الآنية و همي الكبير مع هذه الحمولة الثقيلة جدا
أحس أنني أقود شاحنة كبيرة و أتحكم بصعوبة في المقود
ليتني الآن أمتلك مصباح علاء الدين و المارد لأطلب منه أن يضعني في ثانية واحدة في المدينة أو على الأقل يحضر لي من يبدد وحشة هذه الليلة المقيتة
يا ربي ماذا أرى ؟
هناك من يحمل بيده ضوء كشاف و يلوح لي بكلتا يديه
لا إنه ليس شخصا واحدا بل اثنين
أحمدك يا ربي على استجابة دعائي ، لا بد أن هذا من رضا الله ثم رضا الوالدين
أتوقف عندهما و أبادر بفتح الباب فيتبادر إلى ذهني هاجس مخيف
ربما يكونان من السكارى أو ربما من عصابة تدمن سرقة السيارات و سائقيها ليلا!
يطلبان بكل أدب أن أقلهما إلى المدينة
ربما يتخفيان بقناع من الأدب ريثما اطمئن لهما ثم يشرعان في جريمتهما
سأبقى متحفزا متيقظا.. لكن ما نفع اليقظة مع عصابة قد تكون مسلحة ؟ حتى لو كانا لا يملكان سلاحان فهما اثنان و أنا وحيد و تقول والدتي حفظها الله الكثرة غلبت الشجاعة مع الأخذ بعين الاعتبار أنني لا أمتلك حتى الشجاعة
احدهما جلس على المقعد الأمامي بجانبي أما الآخر فقد جلس وراءه تماما
تساءل بقلق: ما هذا الصندوق القابع على الكرسي الخلفي؟
قلت له : لا تقلق دبر نفسك ريثما نصل
عقب صاحبه: تحمل قليلا أفضل من وقوفنا في الظلام و البرد
همهم الآخر بكلمات ما تبينتها فظننت أن هذه شيفرة فيما بينهما
سرى في ذهني خاطر فبدأت بتنفيذه فورا
سالت الشاب الذي بجانبي: ماذا تعملان؟
قال : نحن نؤدي الخدمة العسكرية و خرجنا من قطعتنا في إجازة و قررنا أن نسافر في الليل كي نستغل الإجازة و نجد أنفسنا صباحا بين أهلينا.
لابد أن هذه أيضا ضمن الخطة التي اتفقا عليها
قلت لهما : أنا سعيد جدا أنني وجدتكما فهذا القابع في الصندوق بين كل فينة و أخرى يحرك غطاء الصندوق و يمد رأسه ثم يعود
وجودكما يقويني قليلا
و تعمدت في أثناء كلامي ا ن أحرك مكابح السيارة بطريقة تجعل من السيارة تهتز و يهتز معها الغطاء
مممممممممـماذا في الصندوق ؟ قال الشاب في الخلف
ما هذا الصندوق ؟
قلت لهما : هذا تابوت
صرخا بصوت واحد توقف و إلا قتلناك توقف
أوقفت السيارة
نزلا بسرعة جنونية معقودي اللسان من الرعب
و بقيت وحيدا أقود السيارة ثقيلة الحمولة انتظر ضوء أول بيت في المدينة ....

ساره الودعاني 08-27-2010 03:09 AM


لا أدري أهو فلم رعب ؟

أم حلم شخص مرعوب ؟

وربما هو رحلة ما بين بداية الحياة ام نهايتها ؟

خُيل إلي في نهاية القصة اني لو جلست على الصندوق حتى أمنع

الضجيج سواء الذي كان بفعل وعورة الطريق الريفي

أو الذي أحدثه الخوف من المرافقين الذين هربا خوفا !!

أستاذه ريم

تصوير رائع سلم الفكر ..

طارق الأحمدي 08-27-2010 03:43 AM

هو الخوف..

نعم.

ذاك المارد الذي يبطش بمن يقع في حبائله

ذاك المتخفي بين طيات النهار وشعب الحياة وضوضاء المدينة

ذاك المتحين لأول فرصة من فراغ الروح قبل خلو الطريق

وما صاحبنا إلا صورة مكررة للكثير منا

وحتى وإن كانت مجريات الأحداث تتخللها بعض الفكاهة للتخفيف من وطأة هذا المارد إلا أنها

استطاعت أن تفضح النفس البشرية التي تتسم بالضعف أينما تركت وحيدة وجرّدت من سلاح

الحضارة الذي تتشدق به وتحتمي بمجريات أحداثه

وقد استطاعت الكاتبة ريم أن تدخل نفق الخوف وهي تملك جميع أدواته

ولو توقفنا عن هذا الحد فهذا يكفيها فخرا أنها حركت فينا ذلك الساكن فينا , ويكفينا فخرا أننا

لامسناه يتحرك بين الأحداث.

لكن ريم تغوص عميقا فتصنف الخوف إلى مجهول ومعلوم

فمن بينتصر؟

وداخل مجريات الأحداث لا تنسى إقحام أحداث فرعية , ربما لا يعيرها القارىء بالا , لكن مع

متؤملها تشي له بالكثير

سأقف عند هذا الحد لأترك للجميع لذة الاستمتاع بهذا النص الرائع ..

المتألقة : ريم

سأعود حتما

سأعود لما تتجمع الأفكار التي شتتها نصك الرائع

سهى العلي 08-29-2010 12:22 AM

القديرة ريم بدر الدين


عندما يشعرُ الإنسان بالخوف


يبدأ عقله رسم صور تتناسب والخوف


وكلما زادت حدة الخوف أصبحت الصور أوضح...



استمتعتُ جداً في قراءة هذه القصة المخيفة



وشعرتُ برغبة في قراءة رواية بقلمك..



دمتِ رائعة




.

ريم بدر الدين 08-29-2010 12:33 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساره الودعاني (المشاركة 13397)

لا أدري أهو فلم رعب ؟

أم حلم شخص مرعوب ؟

وربما هو رحلة ما بين بداية الحياة ام نهايتها ؟

خُيل إلي في نهاية القصة اني لو جلست على الصندوق حتى أمنع

الضجيج سواء الذي كان بفعل وعورة الطريق الريفي

أو الذي أحدثه الخوف من المرافقين الذين هربا خوفا !!

أستاذه ريم

تصوير رائع سلم الفكر ..

مساؤك الجوري ياسارة
سعيدة بقراءتك المتعمقة للقصة
و هنا دخلنا في الصراع الداخلي للبطل الذي ربما هو أنا و أنت أو أحد آخر
أشكرك من القلب غاليتي
تحيتي دوما مع المحبة

ريم بدر الدين 08-29-2010 12:39 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق الأحمدي (المشاركة 13401)
هو الخوف..

نعم.

ذاك المارد الذي يبطش بمن يقع في حبائله

ذاك المتخفي بين طيات النهار وشعب الحياة وضوضاء المدينة

ذاك المتحين لأول فرصة من فراغ الروح قبل خلو الطريق

وما صاحبنا إلا صورة مكررة للكثير منا

وحتى وإن كانت مجريات الأحداث تتخللها بعض الفكاهة للتخفيف من وطأة هذا المارد إلا أنها

استطاعت أن تفضح النفس البشرية التي تتسم بالضعف أينما تركت وحيدة وجرّدت من سلاح

الحضارة الذي تتشدق به وتحتمي بمجريات أحداثه

وقد استطاعت الكاتبة ريم أن تدخل نفق الخوف وهي تملك جميع أدواته

ولو توقفنا عن هذا الحد فهذا يكفيها فخرا أنها حركت فينا ذلك الساكن فينا , ويكفينا فخرا أننا

لامسناه يتحرك بين الأحداث.

لكن ريم تغوص عميقا فتصنف الخوف إلى مجهول ومعلوم

فمن بينتصر؟

وداخل مجريات الأحداث لا تنسى إقحام أحداث فرعية , ربما لا يعيرها القارىء بالا , لكن مع

متؤملها تشي له بالكثير

سأقف عند هذا الحد لأترك للجميع لذة الاستمتاع بهذا النص الرائع ..

المتألقة : ريم

سأعود حتما

سأعود لما تتجمع الأفكار التي شتتها نصك الرائع


الخوف من المجهول هو الأشد فتكا بالنفس البشرية و هذا ما أرق الإنسان على مدى الازمان
و هنا كان الرجل على موعد معه بأشكال متنوعة
أشكرك ياصديقي لهذه القراءة المتمعنة التي عودتني إياها
دمت رائعا يا طارق

ريم بدر الدين 08-29-2010 01:23 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سهى العلي (المشاركة 14258)
القديرة ريم بدر الدين


عندما يشعرُ الإنسان بالخوف


يبدأ عقله رسم صور تتناسب والخوف


وكلما زادت حدة الخوف أصبحت الصور أوضح...



استمتعتُ جداً في قراءة هذه القصة المخيفة



وشعرتُ برغبة في قراءة رواية بقلمك..



دمتِ رائعة




.

مساؤك الجوري ياسهى
يسعدني أن يكون هذا رأيك بالقصة و هي ضمن مجموعتي التي هي تحت الطبع بعنوان " حكايا بلدي"
أما عن الرواية فأنا في الحقيقة أكتب رواية لكنها لم تنته بعد
أشكرك جدا
محبتي دوما

أمل سليمان إبراهيم 08-29-2010 02:53 AM

قصة ...مليئة بتركيبة الذات و الدهشة

كقراءة أولى

ود ومحبة

أحمد فؤاد صوفي 08-30-2010 12:25 AM


أديبتنا الكريمة ريم بدر الدين المحترمة

هي مثل قصص الرعب تماماً
ولكنها من القصص التي تشد القارىء
من بدايتها وحتى نهايتها
وقد تميزت بشيئين :
1- فقد استطاعت ادخال القارىء في - الجو-( مثل الطريق الريفى
غير الممهد،وقعقعة الصندوق الفارغ ، وصوت الظلام الذي يوحي
بالخوف الدائم المترقب).
2-لغة السرد هنا جاءت احترافية وليست لغة هاو ِ.

أسعدتني قراءتها
دمت بصحة وخير

** أحمد فؤاد صوفي **
همسة:
( و يلوح لي بكلتا يديه = ... بكلتي يديه )
(هذا من رضا الله =... من رضى )
( حتى لو كانا لا يملكان سلاحان = ..... سلاحين)

ريم بدر الدين 08-31-2010 04:48 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمل سليمان إبراهيم (المشاركة 14319)
قصة ...مليئة بتركيبة الذات و الدهشة

كقراءة أولى

ود ومحبة

مساؤك جوري يا أمل
يسعدني رأيك بالقصة جدا كما أفرحني جدا أنك كنت هنا
محبتي دوما


الساعة الآن 07:29 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team