ما بعد التلقائية
 

الحزن على محياك يقتلني . هذا الحزن اللعين الذي لا يفارقنا حتى لو صفعناه بقسوة فرح حقيقي لا شائبة فيه.
هذا الحزن المرادف لالآمنا وأوجاعنا التي تحاصرنا لتجبرنا على الاستسلام. هذا الحزن الذي صاحبنا والتصق بنا منذ طفولتنا.
هذا الحزن رضيع سباتنا في زمهرير العاصفة التي تعصف بنا دوما.
... كل هذا الحزن لم يخلق لك ولست مجبرة على حمله، فانا أراه يتضرع جاهدا أن لا تقيديه الى رقة وجهك كي لا يشوهه، واراه ينشدك العفو والرحمة جزعا لأنه اخطأ المكان.
.. كل هذا الحزن يجعلك في المقابل تبدين كأميرة الجمال في الأساطير المقدسة التي يعبده أتباعها ويتفننون في التبرك بها ليل نهار، ولكن الحزن لا يصلح لأميرة فاتنة ممهورة بتوقيع آلهة الجمال والرقة والوقار.
.. إن الحزن داء نبتلي به ودواءه حزن غريب آخر نستقدمه من مصائب غيرنا، نستأجره بكل ما لدينا حتى يحل محل ما يشغلنا ويساعدنا على الصبر والسلوان.
.. إن الحزن حقيقة لا ننكرها تنزع داخلنا وتتراكم حتى تكاد تخنقنا ، والفرح فكرة نعاديها ونستنكرها إذا حلَت.
.. هكذا نحن – متعنتون في مشاعرنا متناقضون متطرفون في أفكارنا نختارها واحدة ولا سبيل للمساواة والتعادل. نقّر بأننا مهرة في تحويل عاداتنا وتقاليدنا ووقائع حياتنا الى سيل من الحزن والتعاسة، ونضع اللوم على الظروف وأعدائنا في الخارج، وننسى ما تقترفه أيدينا الملطخة بدماء بؤسنا وشقائنا.
.. نحن فقراء الفرح الذي غادرنا بلا عودة، نحن ضحايا حزن صنعناه وكلنا نشوة انتصار على هذا النجاح العظيم.
.. الحزن لم يُخلق لكِ أو لنا ، بل نحن خلقناه وتعبنا على استمراره وترسيخه، وتأكدي أن الحزن يكون حزينا إذا اقترب منك وهو دائم الصراخ والإعلان بأن لا علاقة لي بكم وأنا لست السبب في حضوري الدائم أمام ناظركم.
.. راجعوا أنفسكم وقوموا بعملية النقد الذاتي، فأنا ألعنكم كي لا تلعنني كل الأجيال القادمة التي ستتعامل معي كلعنة أبدية ملازمة جرّاء سكوتكم وهربكم من واقع الفرح الذي اغتلتموه في مهده وعلقتموه على أعواد مشانق رجسكم.
سمير الأسعد

ما بعد وما قبل ، الحزن يبدو سرمدي المعالم أخي الكريم ،

تحيتي وأحترامي مع جوري القدس بهية المدائن ،