منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   الانتظار (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=12694)

ياسر علي 12-27-2013 05:41 AM

الانتظار
 
منذ أن أغلقوا الباب خلفه أحس وحشة تتسلل إلى نفسه التي تعودت مؤنسا ، لم يتسلم تأشرة صحبتها إلا بعد أعوام مريرة من الانتظار . روحه أصبحت مزدوجة ، فلا يقبل منذ نجح في رهان الزواج بالمشية العرجاء ،
فلا يرى حياته تستقيم هامتها إلا بدعامتين متناغمتين . اليوم أحس أنها سلبت منه ، خطفها القدر بين يديه بل جاء بها برجليه و حملها بيديه و ضعها رهن إشارتهم ، كمن يحمل حبيبه إلى القبر . ليغلق اللحد في وجهه فيعود خاوي الجوف ، بارد المشاعر ، تائه المشية . جلس على كرسي الانتظار للحظة فقامت رجلاه منتفضتين و رعب السنوات العجاف يخز ذاكرته المتكاسلة لعام كامل و هو يرتشف لذة السكون بين يدي حبيبته . سرحت رجلاه خارج المصحة و أوقد سجارة يمشي و يجيء على رصيف الحديقة المحادية للبناية الحاضنة لروحه و القلق يثقل همته ، و ينشط مواجعه ، استقرت ذاكرته عند البداية حيث ذاق أولى لحظات الانتظار ، يومها ما كان يبغي أكثر من تعبئة بطاقة هوية ، فكلما استقبله مكتب أصر على زرع الانتظار في ذهنه كشرط لا يكتمل نصاب الأهلية إلا به .
منذ ذلك اليوم و هو يأخذ من حقن الانتظار ما يجعله يدمن عليه أشد الإدمان ، فلا ينال بغية إلا و قد ثملت نفسه النهمة و تخدرت أنفاسه المدمنة ، و تغيرت ألوان وجهه مرات و مرات ، فمن قاعة الانتظارات لقضاء مآرب شخصية سقيمة إلى لوائح الانتظار لأشهر فأعوام عند المطالب السمينة . و العجيب أن أغلب حاجاته لا تلبى إلا بعد فوات صلاحية لذتها و فساد نشوتها ، بل أحيانا لا تأتي إلا بعد أن يكبر حلمه قدها ، حتى الزفاف لم يحصل عليه إلا بعد كثرة طلبات تكومت في سلات المهملات ، حتى حبيبته هذه لم تأته على جناح السرعة بل جاءت تدب ببطء السلاحف ، فيذكر كم شرطا نزل عليه نزولا ثقيلا ، و كم من الدلال حمل على كتفيه النحيلتين اللتين أضناهما كبح الغيظ و نكران الذات حتى أصبح في عمقه إمعة مسخرا لخدمة القوم ، بل أضحى خاتما ببنصر الشابة توجهه حيث تشاء .
اليوم عاد إلى الانتظار ، لعل هذا المولود هو ما جاءه مسرعا فيكاد يحس قولة بابا تأتيه من بطن حبيبته منذ أيام ، تراه هو أيضا تجرع بعضا من الانتظار هناك ؟ فأراد أن يخرج من تلك الظلمة القاتمة لعل النور و الهواء يفتحان ذهنه المخنوق في رحم الانتظار ، منذ شهور و زوجته تتوجع و الفتى الغاضب من انتظارات والده يركل الأبواب الموصدة في وجهه ، يحس غيظه المتعاظم فيرسل إليه همسات : " يا بني انتظر ، فالعمر طويل جدا ، تعلم أن تتقمص دور غير المبالي ، فإيقاع حياتنا يحب التواضع ، ألم تر كل أولئك المتسرعين فمصيرهم إلى الهلاك أقرب ، فلم العجلة يا ولدي ، فالتأني رديف سلامة و التسرع قرين ندامة . يا بني احرق كل أوراق الأنفة فيك و إلا كنت في عداد الشواذ تنعتك الأصابع ، و تحتسى بفعالك كؤوس الشاي و فناجين القهوة ، وترصع سيرتك الندوات . يا بني على رسلك فالعمر مهما كان قصيرا فهو طويل ." أفسد الانتظار ليلته فهاجم القلعة و عند بوابة المسلخ رأى الطبيب ، فقال له : " مع الأسف كان عليك أن تنتظر على الأقل سنة أخرى ، تسرعت في الإنجاب ، زوجتك عودها لا يزال طريا و بنيتها لم تستطع التحمل ، حاولنا أن ننقذهما لكن دون جدوى " .

[/tabletext]
فاطمة جلال 01-09-2014 07:00 PM

[tabletext="width:70%;"]

حاولنا أن ننقذهما لكن دون جدوى

هي نهاية محزنة لقصة تروي لسان حال الكثير منا

القدير ياسر علي
لقصصك حكايات فيها نبض الواقع فيها شيئ يشد القارئ اليها
وكنت اتمنى ان اجد أكثر من رد هنا أن هذا الحرف فيه من المصداقية والواقعية التي تجعلنا نعيد القراءة أكثر من مرة

لك تحية من وطن الغربة


محمد مهاجر 01-09-2014 10:07 PM

الاخ ياسر
سلام

فلا يرى حياته تستقيم هامتها إلا بدعامتين متناغمتين ....

نعم, احبها فتوحدت روحه بروحها وعندما غابت احس بان حياته اصبحت خواء

ياسر علي 01-10-2014 02:39 PM



أهلا بالأستاذة فاطة جلال

ربما لبرودة الشتاء تأثير على النفوس ، فانقبضت فيها الردود .
فالرأي في النص هو السبيل الوحيد لوضعه في خانته الصحيحة ، تمنيت دائما أن أجد ألوانا من الآراء لكل النصوص ، فكل النصوص لا تخلو من نقط قوة و نقط ضعف ، أحيانا لا ينتبه إليها الكاتب ، فالردود وحدها الكفيلة بتجويد الموهبة الإبداعية .

كل التقدير والاحترام .

ياسر علي 01-10-2014 02:53 PM



أهلا بالأستاذ محمد مهاجر

يشرفني وجودك هنا أيها المبدع
فكاتب من طينتكم لابد وأن تكون مواهبه كثيرة
تمنيت دوما أن تكون حاضرا في هذا المنبر كلما أتيحت لكم الفرصة ليستفيد الكتاب من آرائكم و تجربتكم في الكتابة .

دامت لكم الأفراح



الساعة الآن 07:54 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team