منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات النحوية والصرفية واللغوية (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=47)
-   -   معجم الألفاظ ومرادفاتها ( المخصص ) لابن سيده الأندلسي (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=1662)

ناريمان الشريف 10-02-2010 01:30 PM

معجم الألفاظ ومرادفاتها ( المخصص ) لابن سيده الأندلسي
 
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدي محمد وبعد
سأضع بين أيديكم هذا المعجم الفريد من نوعه في عالم المترادفات اللغوية وهو : المخصص لابن سيده الأندلسي
عسى أن تعم فائدته لكل الباحثين في علوم اللغة العربية الغراء
سائلة المولى عز وجل أن يوفقني في نقله :
وإليكم :

(1)
المخصص لابن سيده
يشتمل كتاب المخصص على أبحاث زراعية مبثوثة جديرة بالذكر والانتباه. وهي جزيلة الفائدة في الدلالة على شمول المعرفة عند ابن سيده، وعقليته العلمية في التحري والتتبع والاستقراء وقد تناولت هذه الأبحاث موضوعات الأرض، ونعومتها وما يتعلق بها من خصب وجدب، وخفوض وارتفاع واستواء، ومن صحة ووبال، وحرث وإنبات، وما يتعلق بها من جهة العشب والكلأ. وهناك أبواب في الشجر من حيث أوصافها وتوريقها وتنويرها... إلى غير ذلك مما يتعلق بأمور الأشجار والأوراق والثمار وعيوب فيها.
الجزء الأول
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم.
قال أبو الحسن علي بن إسماعيل النحوي اللغوي الأندلسي المعروف بابن سيده: الحمد لله المميت ذي العزة والملكوت ملهم الأذهان إلى الاستدلال على قدمه ومعلمها أن وجوده لم يك واقعاً بعد عدمه ثم معجزها بعظيم قدرته على ما منحها من لطيف الفكرة ودقيق النظر والعبرة عن تحديد ذاته وإدراك محمولاته وصفاته نحمده على ما ألهمنا إليه وفطر أنفسنا من الإقرار بألوهيته والاعتراف بربوبيته ونسأله تخليص أنفسنا حتى يلحقنا بعالمه الأفضل لديه وبجواره الأزلف إليه ثم الصلاة على عبده المصطفى ورسوله المقتفى سراجنا النير الثاقب ونبينا الخاتم العاقب محمد خيرة هذا العالم وسيد جميع ولد آدم والسلام عليه وعلى آله الطيبين المنتخبين صلى الله عليه وعليهم أجمعين أما بعد فإن الله عز وجل لما كرم هذا النوع المرسوم بالإنسان وشرفه بما آتاه من فضيلة النطق على سائر أصناف الحيوان وجعل له رسماً يميزه وفضلاً يبينه على جميع الأنواع فيحوزه أحوجه إلى الكشف عما يتصور في النفوس من المعاني القائمة فيه

ناريمان الشريف 10-02-2010 01:31 PM

(2)
المدركة بالفكرة ففتق الألسنة بضروب من اللفظ المحسوس ليكون رسماً لما تصور وهجس من ذلك في النفوس فعلمنا بذلك أن اللغة اضطرارية وإن كانت موضوعات ألفاظها اختياريةً فإن الواضع الأول المسمى للأقل جزأً وللأكثر كلاً وللون الذي يفرق شعاع البصر فيبثه وينشره بياضاً وللذي يقبضه فيضمه ويحصره سواداً لو قلب هذه التسمية فسمى الجزء كلاً والكل جزأً والبياض سواداً والسواد بياضاً لم يخل بموضوع ولا أوحش أسماعنا من مسموع ونحن مع ذلك لا نجد بداً من تسمية جميع الأشياء لتحتاز بأسمائها وينماز بعضها من بعض بأجراسها وأصدائها كما تباينت أول وهلة بطباعها وتخالفت قبل ذلك بصورها وأوضاعها ونعما ما سددت الحكماء إليه في ذلك من دقيق الحكمة ولطيف النظر والصنعة لما حرصوا عليه من الإيضاح وأغذوا إليه من إيثار الإبانة والإفصاح.
فأما التي تدل على كميتين مختلفتين منفصلتين أو متصلتين كالبَشَر الذي يقع على العدد القليل والكثير والجَلَلِ الذي يقع على العظيم والصغير واللفظة التي تدل على كيفيتين متضادتين كالنَّهل الواقع على العطش والرّيّ واللفظة الدالة على كيفيات مختلفة كالجَونِ الواقع على السواد والبياض والحمرة وكالسُّدفة المقولة على الظلمة والنور وما بينهما من الاختلاط فسآتي على جميعها مستقصىً في فصل الأضداد من هذا الكتاب مثبتاً غير جاحد ومضطراً إلى الإقرار به على كل ناف معاند ومُبَرِئاً للحكماء المتواطئين على اللغة أو الملهمين إليها من التفريط ومنزهاً لهم عن رأي من وسمهم في ذلك بالذهاب إلى الإلباس والتخليط.
وكذلك أقول على الأسماء المترادفة التي لا يَتَكثّر بها نوع ولا يَحدُثُ عن كثرتها طبع كقولنا في الحجارة حَجَرٌ وصفاةٌ ونَقلةٌ وفي الطويل طويل وسَلِبٌ وشَرحَبٌ وعلى الأسماء المشتركة التي تقع على عدة أنواع كالعين المقولة على حاسة البصر وعلى نفس الشيء وعلى الرَّبيئةِ وعلى جوهر الذهب وعلى ينبوع الماء وعلى المطر الدائم وعلى حر المتاع وعلى حقيقة القبلة وغير ذلك من الأنواع المقولة عليها هذه اللفظة ومثل هذا الاسم مشتَرَكٌ كثيرٌ وكل ذلك ستراه واضحاً أمره مُبيَّناً عُذَرهُ في موضعه إن شاء الله.
وقد اختلفوا في اللغة أََمُتواطَأ عليها أم مُلهَمٌ إليها وهذا موضع يُحتاج إلى فضل تأمل غير أن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تَواضُعٌ واصطلاح لا وحي ولا توقيف إلا أن أبا علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن سليمان الفارسي النحوي قال هي من عند الله واحتَجَّ بقوله سبحانه وعَلَّمَ آدمَ الأسماءَ كُلَّها وهذا ليس باحتجاجٍ قاطعٍ وذلك أنه قد يجوز أن يكون تأويله أقدر آدم على أن واضَعَ عليها وهذا المعنى من عند الله سبحانه لا محالة فإذا كان ذلك محتملاً غير مستنكر سقط الاستدلال به وعلى أنه قد فسر هذا بأن قيل إن الله عز وجل عَلَّمَ آدمَ أسماءَ جميعِ المخلوقاتِ بجميع اللغات العربية والفارسية والسريانية والعبرانية والرومية وغير ذلك من سائر اللغات فكان آدم صلى الله عليه وولده يتكلمون بها ثم إن ولده تفرقوا في الدنيا وعلق كل واحد منهم بلغة من تلك اللغات فغلبت عليه واضمحلَّ عنه ما سواها لبعدهم بها وإذا الخبر الصحيح قد ورد بهذا فقد وجب تلقيه باعتقاده والانطواءِ على القول به.
فإن قيل فاللغة فيها أسماءٌ وأفعالٌ وحروفٌ وليس يجوز أن يكون المُعَلِّمُ من ذلك الأسماءَ دون هذين النوعين الباقيين فكيف خصَّ الأسماءَ وحدها قيل اعتمد ذلك من حيث كانت

ناريمان الشريف 10-02-2010 01:31 PM

(3)

الأسماء أقوى الأنواع الثلاثة ألا ترى أنه لابد لكل كلام مفيد من الاسم وقد تَستَغني الجملة المستقلة عن كل واحد من الفعل والحرف فلما كانت الأسماء من القوة والأوَّلية في النفس والرتبة بحيث لا خفاء به جاز أن تكتفي بها مما هو تال لها ومحمول في الاحتياج إليه عليها وهذا كقول المخزومي:
اللهُ يعلمُ ما تَرَكتُ قتـالَـهُـم حتّى عَلَوا فَرسِي بأَشقَرَ مُزبِدِ.
أي وإذا كان الله يعلمه فلا أبالي بغيره أَذَكَرتُه واستَشهدتُه أم لم أذكره ولم أستشهد به ولا نريد بذلك أن هذا أمر خفي فلا يعلمه إلا الله عز وجل وحده بل إنما نحيل فيه على أمر واضح وحال مشهورة حينئذ متعالمة وإنما الغرض في مثل هذا عموم معرفة الناس لفشوه وكثرة جريانه على ألسنتهم.
وأما الذين قالوا إن اللغة لا تكون وحياً فإنهم ذهبوا إلى أن أصل اللغة لابد فيه من المواضعة وذلك أنه كان يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعداً يريدون أن يبينوا الأشياء المعلومات فيضعوا لكل واحد منها سمةً ولفظاً إذا ذكر عرف به ما مسماه ليمتاز به من غيره وليغني بذكره عن إحضاره وإظهاره إلى مرآة العين فيكون ذلك أسهل من إحضاره لبلوغ الغرض في إبانة حاله بل قد نحتاج في كثير من الأحوال إلى ذكر ما لا يمكن إحضاره ولا إدناؤه كالفاني وحال اجتماع الضدين على المحل الواحد فكأنهم جاءوا إلى واحد من بني آدم فأومؤا إليه فقالوا إنسان فأي وقت سمع هذا اللفظ علم أن المراد به هذا النوع من الجنس المخلوق.
وإن أرادوا تسمية جزء منه أشاروا إلى ذلك الجزء فقالوا عينٌ أنفٌ فمٌ ونحو ذلك من أجزائه التي تتحلل جملته إليها وتتركب عنها فمتى سمعت اللفظة من هذه كلها علم معناها وصارت له كالسمة المميزة للموسوم والرسم المحتاز لما تحته من المرسوم وكالحد المميز لما تحته من المحدود وإن كانت تلك الإبانة طبيعيةً وهذه تواضعية غير طبيعية ثم هلم جراً فيما سوى ذلك من الأسماء والأفعال والحروف ثم لك من بعد ذلك أن تنقل هذه المواضعة إلى غيرها فتقول الذي اسمه إنسان فليجعل مرد والذي اسمه رأس أو دماغ فليجعل سر وكذلك لو بدئت اللغة الفارسية فوقعت المواضعة عليها جاز أن تنقل وتتولد منها عدة لغات من الرومية أو الزنجية وغيرهما وعلى هذا ما نشاهد الآن من اختراعات الصناع لآلات صنائعهم من الأسماء كالنجار والصائغ والحائك والملاح قالوا ولكن لابد لأولها أن يكون متواضعها بالمشاهدة والإيماءِ قالوا والقديم سبحانه لا يجوز أن يوصف بأن يواضع أحداً من عباده لأن المواضعة بالإشارةِ والإيماءِ وذلك إنما يكون بالجارحةِ المحدودةِ كأنهم يذهبون إلى أنه لا جارحةَ له.
وجميع ما ذكرته من هذا الفصل إنما هو نقل عن هؤلاء قالوا ولكنه قد يجوز أن ينقل الله تعالى اللغة التي قد وقع التواضع من عباده عليها بأن يقول الذي كنتم تعبرون عنه بكذا عبروا عنه بكذا وجواز هذا منه تعالى كجوازه من عباده وعلى ذلك أيضاً اختلف أقلام ذوي اللغات كما اختلفت أنفس الأصوات المترتبة على مذاهبهم في المواضعات واختلفت الأشكال المرسومة على حد اختلاف الأصوات الموضوعة.
وقد تهيأ لنا أن نقول لمن نفى المُواضَعَة عن القديم لعباده واحتج على ذلك بأن المواضعة لابد فيها من الإيماءِ والإيماءُ إنما هو بالجارحة وهو سبحانه عنده على رأيه سبحانه لا جارحة له ما تنكر أن يصح المواضعة سبحانه وإن لم يكن ذا جارحة بأن يحدث في جسم من الأجسام خشبة أو غيرها من الجواهر إقبالاً على شخص من

ناريمان الشريف 10-02-2010 01:34 PM

(4)
الأشخاص وتحريكاً لها نحوه ويسمع في تحّرك ذلك الجوهر إلى ذلك الشخص صوتاً يضعه اسماً له ويعيد حركة ذلك الجوهر نحو ذلك الشخص دفعات مع أنه عز اسمه قادر أن يقنع في تعريفه ذلك بالمرة الواحدة فيقوم ذلك الجوهر في ذلك الإيماءِ والإشارة مقام جارحة ابن آدم في الإشارة بها للمواضعة وكما أن الإنسان أيضاً قد يجوز إذا أراد المواضَعَة أن يشير بغير جزء من جسمه بل بجوهر آخر كالقضيب ونحوه إلى المراد المتواضع عليه فيقيمه في ذلك مقام يده وسائر جوارحه المشار بها كالحاجب والعين لو أراد الإيماءَ بهما نحو الشيء وقد عُوِرضَ أحدهم بهذا القول فوقع عليه التَّبكيت ولم يُحِر جواباً ولم يزد على الاعتراف لخصمه شيئاً وهو على ما تراه الآن لازم لمن قال بامتناع مواضعة القديم وقد ينبغي للمتأمل المنصف والدقيق النظر غير المُتَعَسّفِ ولا البَرِمِ المتعجرف فيما بعد أن لا يقتاد لمُمِوَّه البراهين وأن لا يقنع ما دون أعلى طبقة من اليقين وأن يقف بحيث وقف به الإدراك فوجب عليه عند ذلك الإمساك وإن كان قد أفضى به النظر إلى الشكائك الجدلية أنه ناقص عن منزلة الحقيقة لأن الشكائك الجدلية لا يقنع بها أو يجلو ليلها تباشير صبح البرهان وقد أدمت التنقير والبحث مع ذلك عن هذا الموضع فوجدت الدواعي والخوالج قوية التجاذب لي مختلفة جهات التغول على فكري وذلك لأنا إذا تأملنا حال هذه اللغة الشريفة الكريمة اللطيفة وجدنا فيها من الحكمة والدقة والإرهاف والرقة ما يملك علينا جانب الفكر حتى يطمح بنا أمام غلوة السحر فمنه ما نبه عليه الأوائل من النحويين وحذاه على أمثلتهم المتأخرون فعرفنا بتبينه وانقياده وبعد مراميه وآماده صحة ما وفقوا لتقديمه منه ولطف ما أسعدوا به وفرق لهم عنه وانضاف إلى ذلك وارد الأخبار المأثورة بأنها من عند الله تبارك وتعالى فقوي في أنفسنا اعتقاد كونها توفيقاً من الله تعالى وأنها وحي.
فإذ قد بينا ما اللغة أَمتواطأ عليها أم موحىً بها ملهم إليها فلنقل على حدها وهو عام لجميع اللغات لأن الحد طبيعي ثم لنردف ذلك بالقول على اشتقاق الاسم الذي سمته العرب به وهو خاص بلسانها الآن الأسماء تواطئية، أما حدها ونبدأ به لشرف الحد على الرسم فهو أنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم وهذا حد دائر على محدوده محيط به لا يلحقه خلل إذ كل صوت يعبر به عن المعنى المنصور في النفس لغة وكل لغة فهي صوت يعبر به عن المعنى المتصور في النفس وأما وزنها وتصريفها وما تحلل إليه من الحروف وتتركب عنه فهي فعلة مركبة من ل، غ، و، ه.
وإليها تَنحَلُّ لأن التحلل إنما هو إلى مثل ما يقع عليه التركب يقال لَغَوتُ أي تكلمت وأصلها لُغوةٌ ونظيرها قُلَةٌ وكُرَةٌ وثُبَةٌ كلها لامها واو لقولهم قَلَوتُ بالقُلَةِ وكَرَوتُ بالكُرَةِ ولأن الثُّبةَ كأنها من مقلوب ثابَ يثوبُ والجمع لُغاتٌ ولُغُونَ كَكُراتٍ وكُرينَ يجمعونها بالواو والنون إشعاراً بالعوض من المحذوف مع الدلالة على التغيير وربما كسروا أوائل مثل هذا وقالوا لَغَي يَلغَي والَّلغوُ الباطل من قوله تعالى: "وإذا مروا بالَّلغو مروا كراماً".
فلما رأيت اللغة على ما أريتك من الحاجة إليها لمكان التعبير عما نتصوره وتشتمل عليه أنفسنا وخواطرنا أحببت أن أجرد فيها كتاباً يجمع ما تنشر من أجزائها شعاعاً وتنثر من أشلائها حتى قارب العدم ضياعاً ولا سيما هذه اللغة المكرمة الرفيعة المحكمة البديعة ذات المعاني الحكيمة المرهفة والألفاظ اللدنة القويمة المتفقة مع كون بعضها مادة كتاب الله تعالى الذي هو سيد الكلام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وتأملت ما ألفه القدماء في هذه اللسان المعربة الفصيحة وصنفوه لتقييد هذه اللغة

ناريمان الشريف 10-02-2010 01:35 PM

(5)
المتشعبة الفسيحة فوجدتهم قد أورثونا بذلك فيها علوماً نفيسة جمة وافتقروا لنا منها قلباً خسيفةً غير ذمة إلا أني وجدت ذلك نشراً غير ملتئم ونثراً ليس بمنتظم إذ كان لا كتاب نعلمه إلا وفيه من الفائدة ما ليس في صاحبه ثم إني لم أر لهم فيها كتاباً مشتملاً على جلها فضلاً عن كلها مع أني رأيت جميع من مد إلى تأليفها يداً وأعمل في توطئتها وتصنيفها منهم ذهناً وحلداً قد حرموا الارتياض بصناعة الأعراب ولم يرفع الزمن عنهم ما أسدل عليهم من كثيف ذلك الحجاب حتى كأنهم موات لم يمد بحيوانيه أو حيوان لم يحد بإنسانيه فإنا نجدهم لا يبينون ما انقلبت فيه الألف عن الياء مما انقلبت الواو فيه عن الياء ولا يحدون الموضع الذي انقلاب الألف فيه عن الياء أكثر من انقلابها عن الواو مع عكس ذلك ولا يميزون مما يخرج على هيئة المقلوب وما هو مقلوب وما هو من ذلك لغتان وذلك كجذب وجَبَذَ ويئِسَ وأَيِسَ ورَأَى ورَاءَ ونحوه مما ستراه في موضعه مفصلاً محللاً محتجاً عليه وكذلك لا ينبهون على ما يسمعونه غير مهموز مما أصله الهمز على ما ينبغي أن يعتقد منه تخفيفاً قياسياً وما يعتقد منه بدلاً سماعياً ولا يفرقون بين القلب والإبدال ولا بين ما هو جمع يكسر عليه الواحد وبين ما هو اسم للجمع وربما استشهدوا على كلمة من اللغة ببيت ليس فيه شيء من تلك الكلمة كقول أبي عبيد النبيثة ما أخرجته من تراب البئر واستشهاده على ذلك بقول صخر الغَي، لصخر الغَي ماذا تَستَبيثُ، وإنما النَبِيثةُ كلمة صحيحة مؤتلفة من ن، ب، ث، وتَستَبيثُ كلمة معتلة مؤتلفة من ب و ث أو من ب، ى ث، يقال بُثتُ الشيء بَوَثاً وبِثتُه وأَبَثتُه إذا استخرجته إلى غير ذلك من قوانين التصريف التي جفت أذهانهم عن رقتها وغلظت أفهامهم عن لطفها ودقتها.
فاشرَأبَّت نفسي عند ذلك إلى أن أجمع كتاباً مشتملاً على جميع ما سقط إلي من اللغة إلا ما لا بال به وأن أضع على كلمة قابلة للنظر تعليلها وأحكم في ذلك تفريعها وتأصيلها وإن لم تكن الكلمة قابلة لذلك وضعتُها على ما وَضَعُوه وتركتها على ما ودعوه تحبيراً أُقَيّنُه وأُرهفُه وتعبيراً أتقنُه وأُزَخرِفُه ثم لم تزل الأيام بي عن هذا الأمل قاطعة ولي دونه زابنةً مدافعه وذلك بما يستغرق زمني من جواهد الأشغال ويا طر متن قوتي من لَواهِدِ الأعباء والأثقال مع ما كنت أُلاحظه من موت الهمم وقلّة المُغلّينَ ثمناً بنفائس الحكم وتولي دولة إعمال اللفظ والقلم في طاعة الله وسبيل المجد والنفع بالمال والجاه لاقتناء المجد واجتلاب الحمد حتى نفذ ما لَوَى من عِنانِي إليه وعَوَى من لساني وجنَانِي عليه وهو المُتَقَبَّلُ المُطَاع والمُتَقَيَّلُ غير المُضَاع أمر الموفق مولانا الملك الأعظم والهمام الأكرم تاج المآثر وسراج المعارف محيي ميت الفضل ومقيم مناد السياسة بالعدل معيد دوائر الكرم بإيراقها بَعدَذَيّها ومُطلع نجوم الفهم بإقامة الهِمَمِ على حين إخفاقها فالآفاق بثنائه عبقه والألسنة بصفة علائه علقه والبلاد بميسور نعمه وآلائه معقوده وأيديهم فيه إلى الله تعالى بالقبول ممدودة وحق له ذلك منهم بما أوسع العباد من فضله وأفاض على البلاد من حسن سيرته وعدله فالكل مستقر في وارف ظلاله ومستمر مستدر لأهاليل واكف سجاله أوطأهم من التراب ما كان أقض وأساغهم من الشراب ما كان أغص وأجرض فعاد اللبب رخياً ولان لهم من أخادع الزمن ما كان أبياً حين ألحفهم ظلال كرمه الوافية وأسبغ عليهم أذيال نعمه الضافية.
أطال الله مدة بقائه وحفظ عليهم دولة عزه وعلائه وحمى حوزة الإسلام بسلامة ذاته وحفظ حياته وتبكيت عداته وإمضاء شباته وجعل المناوين له من حساده ومعانديه

ناريمان الشريف 10-02-2010 01:35 PM


(6)
وأضداده حصائد قلمه وحسامه وأغراض أسنته وسهامه وأدام ثبات الدولة السعيدة والملة الحميدة ببقاء أيامه.
وكان الذي دعاه أنمى الله سعده وأعلى جدَّه وأعز نصره وأحيا في الصالحات ذكره إلى الأمر بجمع هذا الكتاب أنه لما نظر نظر الحكماء وتعقب تعقب العلماء رأى العلم أعلى طبقات الفضائل النفسانية وقبول تعلمه جزأً من أجزاء حد الإنسانية ووجده أنفس علق نوفس فيه فنبث عن ذخائره ونهم على محاسنه فهذا ما نتج له لطف حسه وشرف نفسه وصفاء جوهر طبعه واعتدال كيفية وضعه ثم قرن إلى ما أبدت إليه النفس اعتبار ما روى له من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ونمى إليه من آحاد علماء أصحابه رضي الله عنهم كقوله صلى الله عليه وسلم: "إن العلم يشفع لصاحبه يوم القيامة". وقول علي رضي الله عنه: قيمة كل امرئ ما يحسن.
فلما ثلجت نفسه بتيقن ذلك وشرح الله صدره لقبوله لم تزل العناية بالعلم قصده ومجالسه المهرة من حملته وكده حتى فاق كل بارع فُلَقَه وناطق قوله فأخرج العلم من الفساد إلى الكون ومن العدم إلى الوجود كما فعل ذلك في غيره من أجزاء الفضائل التي أعلقت به القلوب وأصبت إليه النفوس كالكرم والعدل والعفو والتجاوز وحسن السياسة والرفق والرحمة وإيساع الصفح وبث الفضل والإعراض عن الجهل ثم إنه أيده الله لما تَصَفَّح هذا اللسان العربي رأى العلم به معيناً على جميع العلوم عامة وعلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه خاصةً فأراد حصر ما حكت منه ثقات الأئمة عن فصحاء العرب وتأمل ما صنفته في ذلك أعيان رواتهم ومشاهير ثقاتهم فجلت له دقة نظره عن مثل ما جلت لي من إغفالهم لما ذكرت وهو أنهم لم يضعوا في ذلك كتاباً جامعاً ولا أبانوا موضوعات الأشياء بحقائقها ولا تحرزوا من سوء العبارة وإبانة الشيء بنفسه وتفسيره بما هو أغرب منه فهامت به همته إلى تجميع ذلك وقرع له ظُنبُوب فكره فما ضاق بذلك ذراعاً ولا نبا عنه طباعاً لكنه تأمل فوجد غير واحد من مقلدي فضله ومطوَّقي طوله مُبزياً بذلك مقيتاً عليه وكلاً عَجَمَ فوجدني أعتق تلك القداح جوهراً وأشرفها عنصراً وأصلبها مكسراً وأوفرها قسماً وأعلاها عند الإجالة اسماً فأهلني لذلك واستعملني فيه وأمرني باللزوم له والمُثافَنَة عليه بعد أن هداني سواء السبيل إلى علم كيفية التأليف وأراني كيف تُوضَعُ قوانين التصريف وعرفني كيف التخلص إلى اليقين عند تخالج الأمر لما يعترض من الظنون من تعاضد وتعاند وعقد علي في ذلك إيجاز القول وتسهيله وتقريبه من الأفهام بغاية ما يمكن فدعا مني إلى كل ذلك سميعاً وأمر به مطيعاً وحق لمن تَسَربَلَ من نعمته ما تَسَربَلت واشتمل منها بما اشتملت أن يبذل الوسع في الطاعة ويتكلف في ذلك أقصى الطاقة.
وأنا واصف لفضائل هذا الكتاب ومُعَدّد لمحاسنه ومُنَبِه على ما أَودَعتُه من جسيم الفائدة ومُبَيّنٌ ما بان به من سائر كتب اللغة حتى صار كالفصل الذي تتباين به الأنواع من تحت الجنس وذا كرماً راعيت فيه من ركوب أساليب التحري وحفظ نظام الصدق وإيثار الحق ومُبَيّنٌ قبل ذلك لم وضعته على غير التجنيس بأني لما وضعت كتابي الموسوم بالمُحكَم مُجَنَّسا لأدُلَّ الباحث على مظنة الكلمة المطلوبة أردت أن أعدل به كتاباً أضعه مُبَوَّباً حين رأيت ذلك أجدى على الفصيح المدره والبليغ المُفَوَّه والخَطيب المصقع والشاعر المجيد المدقع فإنه إذا كانت للمسمى أسماء كثيرة وللموصوف أوصاف عديدة تنقى الخطيب والشاعر منها ما شاءا واتسعا فيما يحتاجان إليه من سجع

ناريمان الشريف 10-02-2010 01:36 PM


(7)
أو قافية على مثال ما نجده نحن في الجواهر المحسوسة كالبساتين تجمع أنواع الرياحين فإذا دخلها الإنسان أهوت يده إلى ما استحسنته حاستا نظره وشمه.
فأما فضائل هذا الكتاب من قبل كيفية وضعه فمنها تقديم الأعم فالأعم على الأخص فالأخص والإتيان بالكليات قبل الجزئيات والابتداء بالجواهر والتقفية بالأعراض على ما يستحقه من التقديم والتأخير وتقديمنا كم على كيف وشدة المحافظة على التقييد والتحليل مثال ذلك ما وصفته في صدر هذا لكتاب حين شرعت في القول على خلق الإنسان فبدأت بتنقله وتكونه شيئاً فشيئاً ثم أردفت بكلية جوهره ثم بطوائفه وهي الجواهر التي تأتلف منها كليته ثم ما يلحقه من العظم والصغر ثم الكيفيات كالألوان إلى ما يتبعها من الأعراض والخصال الحميدة والذميمة.
على المصنفين في اللغة قبلي لأنهم إذا أعوزتهم الترجمة لاذوا بأن يقولوا باب نوادر وربما أدخلوا الشيء تحت ترجمة لا تشا كله وأبدلوا الحرف بحرف لا يُؤَاهِلُه وكتابُنا من كل ذلك بحيث الشمس من العيب والنجم من الهرم والشيب ومن طريف ما أودعته إياه بغاية الاستقصاء ونهاية الاستقراء وإجادة التعبير والتأنق في محاسن التحبير والممدود والمقصور والتأنيث والتذكير وما يجيء من الأسماء والأفعال على بناءين وثلاثة فصاعداً وما يبدل من حروف الجر بعضها مكان بعض وما يصل من.
ومن ذلك إضافة الجامد إلى الجامد والمنصرف إلى المنصرف والمشتق إلى المشتق والمرتجل إلى المرتجل والمستعمل إلى المستعمل والغريب إلى الغريب والنادر إلى النادر.
ومن ذلك أن تكون اللفظة منقولة عن معنيين مختلفين فصاعداً فإذا قيلت على معنىً متقدم نبه على أن لها معنى باقياً يؤتى به فيما يستقبل أو معنيين أو معاني وإذا قيلت على معنى متأخر عن ذلك المعنى نبه على أن لها معنى آخر قد تقدم أو معنيين أو معاني.
الأنسان قد تعجز طبيعته عن إدراك ما لا تعجز في صحة الوضع وقوة الطبع ولذلك ما رأينا المتأخرين يتتبعون أوضاع المتقدمين منهم ولا يعدمهم التصفح مكاناً يبين لهم خلله في بادئ الرأي لما يجرون إليه من الإنصاف ويحيدون عنه من.
فيعاندون إناءهم بينهم وبين أنفسهم وبين غيرهم حتى إذا وضح لهم صدق ما بدى إليهم لما أعلموه من الطاف التطلب وبذلوه من الوسع في ضروب التعقب فارتفعت الظنون وقتل الشك اليقين، من الواو إلا على المعا، لا لعلة غيرها.
ومن غريب ذلك إذا جئت باسم الفاعل على غير الفعل عقدته بالواو أو جئت به على الفعل عقدته بأو لأن مؤذنة بأن ما قبل.
والواو ليست بسبب إلا أني أجيء باسم الفاعل إذا كان على الفعل لأن صيغة الفعل دليلة على صيغة اسم الفاعل الذي بني على الفعل وهذا مما لم يتقدمني إليه لُغَويُّ ولا أشار إلى الأشعار به نحوي وإنما هو من مقاطع القدماء المتفلسة الحكماء وذلك مقطع إذا تأملته ظريف ومنزع إذا اهتَبَلت به لطيف وربما كان أبي حنيفة في الأنواء والنبات وككتاب يعقوب في النبات.
وفي الآباء والأمهات والأبناء والفروق والأصوات وككتب أبي حاتم في الأزمنة وفي الحشرات وفي الطير وككتب الأصمعي في السلاح وفي الإبل وفي الخيل وككتاب أبي زيد في الغرائز والجرائم ونحو ذلك من الكتب المؤلفة في الألفاظ المفردة وكتابنا هذا

ناريمان الشريف 10-02-2010 01:37 PM



(8)
مُغتَرفٌ جميع هذه الفنون كل فن منها فيه مستوعب تام محتو لما انتهى إلينا من الألفاظ المقولة عليه عام وكذلك أيضاً أفردوا كتباً في القوانين المركبة من هذه الألفاظ فلحقهم من التقصير والإغفال.
وحاش لله موجودة في طباع جميع البشر من غابر وآت وحاضر وما الذي يفصل بين المتقدم والمتأخر من جنس أو صورة وإنما نحن كلنا أشخاص يجمعنا نوع واحد لم يؤتَ في إدراك الأمور كبير قوة ولا جسيم منة فهو يخطئ أحياناً ويصيب أحياناً وإخطاؤه أكثر من إصابته وظنه أغلب من يقينه وعلمه أنقص من جهله ونسأل الله إعاذتنا من العجب بما نحسبه محذوف ثلاثة أسطر إلى قوله: كتاباً ركب به أحد هذه الأساليب من الترتيب والتهذيب في التحليل والتركيب وإنما أنبأت بحسنه من قبل وضعه لأنه باب من العلم عظيم ونوع منه جسيم فينبغي أن يعنى به ويُرتاض فإن المهارة به والوقوف عليه كثير الغَنَاءِ في العلم بالتأليف كما أن إغفاله والجهل به عظيم المضرة في ذلك ولعلك أيها الباحث المُتَفَهِم والناظر المتقدم من جَهَابذة الألفاظ.
قبل تأملك ونظرك فقولك مُطَّرَحٌ وإن كان ذلك بعد ذلك فَقُصار أنا أن إلى حكم إن قال فَصَل وإن فصل عَدَل وإلى الله نَبتَهِلُ أن يُعفينَا من داء الحَسَد وما يَحدُثُ عنه من أليم الكَمَد وإياه نسألُ أن لا يُشعِرَنا نقمة ولا يبطرنا نعمه التي يزيد منها كل من شكر ويغيرها على من كفر لا شريك له، فأمَّا ما نثرتُ عليه من الكتب فالمصنف وغريب الحديث لأبي عبيد وغيره وجميع كتب يعقوب كالإصلاح والألفاظ والفرق والأصوات والزبرج والمكني والمبني والمد والقصر ومعاني الشعر وكتاباً ثعلب الفصيحُ والنوادر وكتاباً أبي حنيفة في الأنواء والنبات وغير ذلك من كتب الفراء والأصمعي وأبي زيد وأبي حاتم والمُبَرّد وكُراع والنَّضر وابن الأعرابي واللحياني وابن قتيبة وما سقط إلي من ذلك وأما من الكتب المُجنَّسة فالَجمهَرة والعَينُ وهذا الكتاب الموسوم بالبارع صنعة أبي على إسماعيل بن القاسم القالي اللغوي الوارد على بني أمية بأندلس وأضفت إلى ذلك كتاب أبي بكر محمد بن القاسم الأنباري الموسوم بالزاهر وحليته بما اشتمل عليه كتاب سيبويه من اللغة المعللة الممثلة والنظر مما لم يرد به شيء من كتبهم اللغة وأضفت إلى ذلك ما تضمنه من هذا الضرب كل كتاب سقط إلينا من كتب أبي علي الفارسي النحوي كالإيضاح والحجة والإغفال ومسائله المنسوبة إلى ما حله من كالحَلَبيَّات والقصريات والبغداديات والشيرازيات وغيرها من المنسوبات وككتاب أبي سعيد السيرافي في شرح الكتاب وكتب أبي الفتح عثمان بن جني ما سقط إلي منها وهي التمام والمُعرب والخصائص وسر الصناعة والمتعاقب وشرح شعر المتنبي وتفسير شعر الحماسة وككتب أبي الحسن على ابن إسماعيل الرماني وهي الجامع في تفسير القرآن والمبسوط في كتاب سيبويه وشرح موجز أبي بكر محمد بن السري مع أني أودعته ما لم أسبق إليه ولا غلب قدحي عليه من تعاريف المنطق ورد الفروع إلى الأصول وحمل الثواني على الأوائل وكيفية اعتقاب الألفاظ الكثيرة على المعنى الواحد وقصدت من الاشتقاق أقربه إلى الكلمة المشتقة وأليَقَه بها وأدَلَّه عليها بقول بليغ شاف وشرح مُقنِع كاف وقد وجدت في ذلك اختلافاً كثيراً فأما ما اقتصرت على أَصَحّه عندي وإما ذكرت اختلافهم وأحضرت جميع ذلك من الشواهد ما لحقه فكري وأعلم أنه غاب عني كثير منه فإنه كثر علي ليس مما تحيط به الأسوار أو تحصره القوانين فأدعي بل لو كان من هذا لما ادّعيتُ الإحاطة أيضاً إذ ذاك ممتنع إلا على الله عز وجل الذي أحاط

ناريمان الشريف 10-02-2010 01:39 PM


(9)

بكل شيء علماً لكني أَعمَلتُ في ذلك الاجتهاد وسَلَوتُ عن الراحة وأَلِفتُ التعب فإن كنت أصبت فذلك ما إليه قصدت وإياه اعتمدت وإن تكن الأخرى فقد قيل إن الذنب عن المخطئ بعد التحري موضوع ومن الإنصاف الذي هو منتهى كل ثلة ومُقتَنَى كل همة طائلة أن أعلم أنه ربما وقعت في أثناء كتابي هذا كلمة متغيرة عن وضعها فإن كان ذلك فإنما هو موقوف على الحملة ومصروف إلى النقلة لأني وإن أَملَيتُه بلساني فما خَطَّتهُ بناني وإن أوضَعتُ في مجاريه فكري فما أَرتَعتُ فيه بصري مع أني لا أَتَبَرَّأُ أن يكون ذلك من قبلي وأن يكون موضعاً قد ألوى فيه بثباتي زللى فإن ذوات الألفاظ لا تؤخذ بالقياس ولا يُستَدَلُّ عليها بالعقل والإحساس إنما هي نَغَمٌ تُقَيَّد وكَلِمٌ تُسمَع فَتُقَلَّد هؤلاء أهل اللغة حَمَلَتُها وحُمَاتُها ونَقَلتُها ورواتها مشافهو الفصحاء ومفاوهو الصرحاء المغبرون إلى أقدامهم المكسرون على ضبطها أقلامهم الأصمعي والمفضل وأبي عبيدة والشيباني قد غلطوا بأشياء تسكعوا منها في عمياء هذا ولا يعرفون علماً سواها وزلا يتحملون من العلوم شيئاً ما خلاها فكيف بي مع تأخر أواني وبعد مكاني ومصاحبتي للعجم وكوني من بلادي في مثل الرجم روض الهمم قافلاً وأرنو إلى نجم آفلاً وأنشد.
فأصبحت من ليلى الغداة كنـاظـر مع الصبح في أعقاب نجم مغرب.
ما اقتصرت على اللغة وحدها ولا قصدت بنفسي جمعاء قصدها إنما هو جزء مما أحكمت وذرء مما فيه تقدمت وإذا أردت علم ذلك من كتابي ضمنته ما يدل على تقدمي في جميع أبواب الآداب كالنحو والعروض والقافية والنسب والعلم بالخبر إلى غير ذلك من العلوم الكلامية التي بها أبذ المؤلفين وأشذ عن المصنفين وأما ما يشتمل عليه هذا الكتاب فعلم اللسان الذي تقدمت ذكره وقد رأيت أن أشرف قدر خطبتي هذه بذكر ما ينقسم إليه هذا العلم لاشتمال هذا الكتاب على قسيمه المحيطين به وليس هذا الذي نذكره ههنا مقصوراً على اللسان العربي فحسب بل هو حد شامل له ولعلم كل لسان فأردت أن أفيد المولع بطلب هذه الحقائق هذا الفصل اللطيف والمعنى الشريف.
فعلم اللسان في الجملة ضربان أحدهما حفظ الألفاظ الدالة في كل لسان وما يدل عليه لشيء شيء منها وذلك كقولنا طويل وقصير وعامل وعالم وجاهل والثاني في علم قوانين تلك الألفاظ ومعنى القوانين أقاويل جامعة تنحصر في كل واحد منها أشياء كثيرة مما تشتمل عليه تلك الطريقة حتى يأتي على جميع الأشياء التي هي مصوغة للعلم بها أو على أكثرها وحفظ هذه الأشياء الكثيرة أعني هذه الألفاظ المفردة إنما يدعي علماً بأن يكون ما قصد بحفظه محصوراً بتلك القوانين وتلك القوانين كالمقاييس التي يعلم بها المؤنث من المذكر والجمع من الواحد والممدود من المقصور والمقاييس التي تطرد عليها المصادر والأفعال ويبين بها المتعدي من غير المتعدي واللازم من غير اللازم وما يصل بحرف وغير حرف وما يقضي عليه بأنه أصل أو زائد أو مبدل وكالاستدلالات التي يعرف بها المقلوب والمحول والاتباع ولذلك ذكرت هذه الأبواب كلها بعد ذكر الألفاظ المفردة الدالة ليكون ذلك مستغنياً في نفسه غريباً في جنسه ولذلك تكرر فيه ما تكرر لا لسهو ولا لنسيان إلا مالاً بال به مما لابد أن يلحق الإنسان إذ هو غير معفىً من ذلك ومن هنا يجب على من أنصف أن لا يعيب علينا أمراً حتى يعرف سره فلكل علة سبب لا يخفى علي من لطف الفطن وكرر البصر واطرح الضجر والتوفيق للصواب في كل أمر من

بارئنا جل وعز إليه أرغب فيه وبه تعالى أستعين لا غنى لأحد عنه في ميسر الأمور ولا معسرها كما أبرأ إليه من الحول والقوة إلا به وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم كثيراً.

.....يتبع

ناريمان الشريف 10-02-2010 01:40 PM

كتاب خلق الإنسان
الإنسان لفظ يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث بصيغة واحدة فما يدلك أنه يقع على الواحد قولهم في تثنيته إنسانان فلولا أن إنساناً قد يقع على المفرد لم يقولوا إنسانان ولذلك استدل سيبويه على أن دلاصاً وهجاناً ليسا من باب جُنُب لقولهم دلاصان وهجانان فلو كان بمنزلة جُنُب لم يثن ومما يدلك على أنه يقع على الجميع معْنيّاً به النوع قوله تعالى "إن الإنسان لفي خُسْر" ثم قال "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات" وكذلك قوله تعالى "إن الإنسان خلق هلوعاً" ثم قال "إلا المصلين" ففي استثناء الجماعة من هذا الاسم المفرد دلالة بينة على أن المراد العموم والكثرة وفي وقوع المفرد موضع الجميع دلالة يعلم بها أن المراد الجمع وذلك أن الأسماء الدالة على الكثرة على ضربين فأحدهما اسم مبني للجمع والآخر اسم أصل بنيته ووضعه للواحد ثم يقترن بما يدل على الكثرة، والضرب الأول وهو الذي بني للجمع على قسمين أحدهما من غير لفظ الواحد وذلك نحو قوم من رجل ونساء من امرأة والآخر أن يكون من لفظ الواحد المجموع وذلك كَرْكب من راكب ورَجْل من راجل وأما الضرب الثاني من القسمة الأولى وهو الاسم الذي أصل بنيته أن يكون للواحد ثم يقترن بما يدل على الكثرة فينقسم أيضاً إلى ضربين أحدهما أن يكون اسماً مبهماً مقصور لا يقتصر به على أمة كالذي ومن وما إذا اقترن بما يدل على الكثرة كقوله تعالى "والذي جاء بالصِدْق وصَدَّق به" فهذا قد اقترن به ما يدل على الكثرة وهو قوله "أولئك هم المتقون" والآخر أن يكون اسماً متمكناً أولاً مقصوراً على أمة كالجون والإنسان والفرس وهذا الضرب من أسماء الأنواع على ضربين نكرة ومعرفة وهي التي تقع في غالب الأمر والجمع كما قدمنا وجه تعريفه فإنما يذهب إلى تخصيص النوع ونظيره قولهم أهلك الناسَ الدينارُ والدِّرهمُ وكَثُر الشاءُ والبعير ليس المراد درهماً بعينه ولكن المعنى أهلكهم هذا النوع وكثر هذا النوع فقد تبين أن القصد في التعريف إنما هو الإشارة إلى ما يثبت في النفوس فليس الدرهم في هذا ونحوه كدرهم واحد قد عهدته محسوساً ثم أشرت إليه بعد لأن معرفة كلية النوع بالحس ممتنعة وإنما يعلم به بعض الأشخاص فهذا الفرق بين تعريف الشخص وتعريف هذا شيء عرض ثم نعود إلى لفظ الإنسان فنقول ومما يدل على أنه يقع للمؤنث قول الشاعر:
ألا أيها البيتان بالأجرع الـذي بـأسـفـل غضى وكثيب من الناس إنسان لدى حبيب.
فهذا قد أوقعه على المؤنث إنسان عندي مشتق من أنس وذلك أن أنس الأرض وتجملها وبهاءها إنما هو بهذا النوع الشريف اللطيف المعتمر لها والمعني بها فوزنه على هذا فعلان وقد ذهب بعضهم إلى أنه إفْعِلانٌ من نَسِيَ لقوله تعالى "ولقد عَهِدْنا إلى آدم من قبل فَنَسِيَ" ولو كان كذلك لكان إنْسِيَاناً ولم تحذف الياء منه لأنه ليس هنالك ما يسقطها فأما قولهم أناسي فجمع إنسان شابهت النون الألف لما فيها من الخفاء فخرج جمع إنسان على شكل جمع حِرْباء وأصلها أنَاسِينُ وليس أناسي جمع إِنْسيٍّ كما ذهب إليه بعضهم لدلالة ما ورد عنهم من قول رويشد أنشده أبو الفتح عثمان بن جني النحوي.
أهلاً بأهل وبيتا مثل بيتكم وبالأناسِينِ أبدالَ الأناسِينِ.
قال ياء أناسي الثانية بدل من هذه النون ولا تكون نون أناسِين هذه بدلاً من ياء أناسي كما كانت نون أثانين بدلاً من ياء أثاني جمع أثناء التي هي جمع الاثْنِ بمعنى الاثنين لأن معنى الأثانين ولفظها من باب ثنيت والياء هنا لام البتة فهي ثم ثابتة وليست أناسين مما لامه حرف علة وإنما الواحد إنسان فهو إذْنَ كضِبْعانٍ وضَبَاعِين وسِرْحانٍ وسَرَاحِين ولا يكون إنسان جمع إنسي لأن الله سبحانه قال: "ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسىَّ كثيراً".
بني آدم، ان.... منه بانسي... إنسان... جميعاً من بني آدم... وانسي قد يكون لغيرهم على ما أريتك فقولهم أي الإنسان على غير قياس أو على حذف الزائد وأما الأنْسُ فجمع إنسيٍّ كزِنْجيٍّ وزِنْجٍ وذلك أن ياء النسب تسقط في هذا الضرب من الجمع كما تسقط فيه هاء التأنيث كقولهم طَلْحة وطَلْح وذلك للمناسبة التي بين ياء النسب وهاء التأنيث قال سيبويه وقالوا أناسِيّ وأناسِيَةَ فَعَوَّضوا الهاء وأما أُنَاس فجمع إنْسٍ كظئْرٍ وظُؤَار وثنْىٍ وثنُاء جمع عزيز وستأتي منه نظائر مع ، إن شاء الله تعالى فإذا أدخلوا الألف واللام في أُناس قالوا الناس هذا قول سيبويه وذلك أنه ذكر اسم الله عز وجل فقال الأصل إلهٌ فلما أدخلوا اللام حذفوا الهمزة وصارت اللام كأنها خَلَفٌ منها ثم قال ومثله أُناس فإذا أدخلت اللام قلت الناس إلا أن الناس قد يفارقه اللام ويكون نكرةً والله تعالى لا يكون فيه ذلك فَخَرَجَ ظاهر كلام سيبويه على أن الناس لا يجوز فيه دخول الهمزة مع اللام وليس كذلك لأن اللام في الله تعالى خلف من الهمزة وليست كذلك في الناس ويدلك أنها ليست في الناس عوضاً من الهمزة كما هي عوض منها في اسم الله تعالى ما أنت من اللام وإنما أراد سيبويه الهمزة مع اللام لا أنه مساو لاسم الله تعالى وإنما أراد مثل ذلك في بعض أحواله فأما قولهم أَنَسٌ فهو اسم جمع آنسٍ كعازبٍ وعَزَبٍ فإمّا أن يكون هو الذي يَأْنَس بما أُوتيَه من العقل والنطق وإما أن يكون هو الذي أَنِسَتْ به هذه الدنيا وعُمِرَتْ فيكون أَنَسٌ اسم جمع آنسٍ الذي هو في معنى مأنوسٍ به.


الساعة الآن 05:52 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team