أفضال إبليس اللعين / بقلم عبدالأمير البكّاء
 

أفضالُ إبليس اللعين

زرتُ _ مضطرا _ أحد المؤمنين في قصره الفخم المزدحمة

جدرانه بالآيات القرآنية الكريمة ، والتي تعبر عن أفضال الله

سبحانه وتعالى على الناس حين يرزقهم المال الجزيل والبنين ، ولم

تكن زيارتي تلك إلا بعد إلحاح ابن أخي ، الحاصل على شهادة

الماجستير في الهندسة المعمارية منذ خمس سنوات مضت ،

يرجوني التوسط لدى ذلك المؤمن بما لديه من علاقات واسعة

بمسؤولي الدولة ، لتعيينه في إحدى المؤسسات الحكومية التي

أغلقت أبوابها بوجهه منذ حصوله على الشهادة ! .. رحّب بي

الرجل ترحيبا عظيما نـَمَّ عن أنه لم ينسَ أصحابه يوم كان مثلهم

فقيرا معدما ! ولم أشرب القهوة التي قدمها لي خادمه ، جريا على

ما اعتاد عليه العراقيون حين يطلبون شيئا عزيزا من أحد ، فلا

يتناولون ما يُقدم اليهم من أكل أو شرب إلا بعد أن يأذن لهم صاحب

الدار، فيكون الإذن يعني أن طلبهم مُجاب ، فشربتُ القهوة ، وبدأت

بشرح معاناة ابن أخي في السعي لاهثا وراء كل مَن هب ودب من

المسؤولين الذين ( احتلوا !) مناصب رفيعة في حكومة المؤمنين !

فلم يلقَ عندهم الإستجابة في الحصول على حقه في التعيين ،

كمواطن عراقي يحمل شهادة علمية عالية لأسباب وجيهة جدا ، كان

أولها وآخرها هو أنه لم ينتمِ الى حزب من الأحزاب الإيمانية

الحاكمة في عراقنا الجديد ! قطب صاحبي حاجبيه باستنكار إيماني

صارخ ، ثم قام من فوره متحمسا ليتصل بجهازه النقال بأحدهم ،

مبتعدا عن مكان جلوسي بمسافة لا أميّز كلامه حين يتكلم ، بيد أن

إشاراته لي بإبهام يده ، كانت تعني البشارة الأكيدة في التعيين !

وعندما أنهى مكالمته ، جاءني مبتسما ابتسامة المنتصرين ليقول لي

: مبروك .تم تعيين ابن أخيك في بلدية المحافظة ، وسيباشر في

وظيفته بعد استكمال أوراق التعيين ، طرتُ فرحا لقوله ، وأخذتُ

أمطرُه بعبارات الإطراء هو وصاحبه الذي تفضل عليَّ بهذا الإنجاز

الأخوي !حتى أخذ مني الندم مأخذا لسوء ظني بهؤلاء الأتقياء

الكرماء ! بيد أن ندمي لم يطل كثيرا إذ فاجأني هذا المؤمن حين

أردف يقول : إن المسؤول الذي اتصلتُ به يعرفك وهو يسلم عليك ،

ويقول إن تعيين ابن أخيك يحتاج الى ( إكرامية ! ) ضرورية جدا

ليوزعها على الذين سوف يُسهّلون إجراءات التعيين ، وهو لو كان

يمتلك المبلغ لدفعه عنك بكل ممنونية ! فسألت المؤمن الوسيط :وكم

هو مبلغ إكراميته التي (سيوزعها ؟!) فقال : خمسة آلاف دولار

لاغيرها !!.. إبتسمتُ ابتسامة المخذول في سعيه ،قائلا له : بما أنك

تعرف ولعي الكبير في قول النكات كشاهد على الأحداث ، فسوف

أحكي لك نكتتين تخففان عنك عناء الإتصال والتوسط لي مشكورا ،

الأولى هي شاهد على حال ابن أخي ، وهي أن أحد القرويين ذهب

الى الطبيب ، يشكو وَهْنا وضعفا في جسده ، فقال له الطبيب بعد

فحص دقيق : ياخال أنا أوصيك بالإكثار من أكل الدجاج المقلي

والسمك المشوي مع الفواكه الطازجة والخضراوات يوميا ، لأنك

تشكو من ( فقر) الدم الحاد ! فقال له المريض : لعن الله الفقر ، لم

يَكفِه الدخول في جيوبي حتي نزل الى دمي فجرى معه في عروقي

، يادكتور لو كنتُ أملك مبلغ الدجاج والسمك المشوي والفواكه لما

مرضت ولا سألت عن عيادتك المحروسة !!!..أما النكتة الثانية فهي

شاهد عليك وعلى صاحبك المسؤول، وهي أنهم وجدوا إبليس اللعين

غاضبا ، يلملم حِباله وأدوات إغوائه، يريد الخروج من العراق ،

فقالوا له : لماذا تخرج من بلد قد أغويتَ جُلَّ ناسه ، فأطاعوك ؟!

فقال متهكما : لأن خسارتي فيمن أغويتهم كبيرة جدا ، فأنا أجتهد في

تعليم واحدهم كسب المال الحرام ، بالرشوة والغش والسرقة

والتزوير والربا والتدليس ، فتجتمع لديه الأموال الكثيرة الطائلة ،

لكنه حين يبني له قصرا فخما بأموالي ، أجده يكتب على واجهة ذلك

القصر وبالخط العريض ( هذا من فضل ربي ) ! لذا فأنا لست

أطيق العيش بين هؤلاء وقد نكروا أفضال أستاذهم الذي رباهم

ودربهم على كل طرق الإحتيال في كسب المال الحرام !! .


ضحك صاحبي ضحكة صفراء باهتة ، وصار لا يدري أين يوقع

نظره بعيدا عن نظراتي التي عرف أنها تنطق بإدانته وصاحبه

المسؤول . ودّعتـُه وخرجتُ من قصره ناقما ، وعاذرا إبليس اللعين

حين يهرب ، من بعدما جحد أولياؤه أفضاله عليهم .. فزعّلوه !!!

يكاد اليأس يطبق علينا عندما نعلم أن الفساد جرى منا مجرى الدم في العروق و أي محاولة للتطهير لن تكون إلا باجتثاث الأصل كله
أستاذي الكريم عيد الأمير البكاء
كلنا في هذا الهم و لكن بتنويعات أخرى
أشكرك لهذا العرض الجميل
تحيتي لك

أستاذتنا الرائعة ريم بدر الدين

سيبقى الفساد متأصلا في دواخلنا، غير قابل للإجتثاث مادام الوازع الديني مفقودا فينا ، عنيتُ الخاص منا والتعميم

غير قابل للإنصاف
دمتِ أختا كريمة سباقة الى تقييم ما يخطه يراع أخيك المبهور بما تقدمينه من روائع

أختنا الأستاذة المتألقة سارة الودعاني

تقبل الله دعاءك لأخيك الذي أفتقدك كثيرا ، وأرجوه سبحانه ألا يضعك في الموقف الذي وضعني فيه دجالو آخر

زمن ! دمتِ أختا كريمة لاتحتاج الى فيتامين (و) وإن كانت صلاحيته لم تنتهِ بعد

أخي الكريم عمر مسلط
أشكر مرورك الذي أنتظره ، ودمت لي أخا طالما أفرحني رأيه السديد، شكرا لك سيدي العزيز

سيدتي الرائعة هوازن البدر
لاعجب لو صدر الفساد من الفاسدين ، ولكن لو صدر ممن يدّعون التدين والإلتزام الديني والأخلاقي ، فإن ذلك ما يوخز القلب ويؤلمه ، دمتِ أختا عزيزة كريمة وشكرا لمرورك الذي شرفني

شر البلية ما يضحك

مقال كتب بعناية فائقة
لطرح قضية تكاد كل الشعوب العربية تعاني منها
شكرا لك أستاذي