منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر مختارات من الشتات. (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=26)
-   -   جنون الإبداع (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=5643)

محمد عبدالرازق عمران 08-05-2011 07:56 PM

جنون الإبداع
 
( جنون الإبداع )
[justify]مما لا شك فيه ، أنّ الإبداع فعل وجودي ، يمارس نوعا من التطهير حسب قول ( أرسطو ) ، لنفوس اشتعلت جذوة الإبداع في أغوارها ، ولأرواح تحترق في أتون هذا الوعي الجحيمي بالذات .. والوجود .. وقلق السؤال ؛ قلق يدفعهم لمجابهة كل سطحية وابتذال يهدد وجودهم ، قلق يجعلهم على شفا حفرة من الجنون ، ليغدو الفعل الإبداعي ضرورة نفسية أكثر مما هو ضرورة ثقافية ، يلجم جموح كل سوداوية وحالات إكتئاب ، وقد يمتصّ كل عصاب أو توتر ، أحيانا يكون السبب في توهج قلمه الإبداعي ، وإن كان جنون بعض المبدعين والمفكرين الغربيين مرضيا أكثر منه إبداعيا ، لم يقو الإبداع والفكر على مقاومته ، لكنه أنجب أعمالا عظيمة ، لذلك امتدحه ( ميشيل فوكو ) بكل حماسة في كتابه ( تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي ) ، خاصة جنون الشاعر ( هولدرلين ) و ( جيرار دونيرفال ) ، والفيلسوف ( نيتشه ) الذي تفاقمت حدّة جنونه مع تفاقم حدّة تطرف افكاره ، وكذا جنون ( فانسان فان كوخ ) ، الرسام الهولندي المشهور الذي أدخل المصحة العقلية ومات منتحرا .
هي إذن حالات هذيان وتوتر ، لم تعرف حدودا في الانفعالات والأزمنة والفضاءات ، انغمس فيها هؤلاء العظام ، والتي اعتبرها كلفة لحرية وعمق أفكار وعبقرية جوبهت في أغلب الأحيان بالرفض والتجاهل والازدراء ، وثمنا لمسار ارتآه هؤلاء المفكرون ، حين آثروا العزلة والابتعاد عن كل مستنقع ، ولرهافة حسّهم المفرط تجاهما يجري حولهم .
في الذاكرة الثقافية العربية ، قلما نجد حديثا عن الجنون عند مبدعينا ن لكن كثر الحديث في الجاهلية عن وادي عبقر ، أو الجن الذي يلهم الشعراء ، ونجد مبدعين أصابهم مس من الجنون ، كمجنون ليلى ، وهناك انطولوجيا للشاعرة جمانة حدّاد ( سيجئ الموت وسيكون له عيناك ) ، ذكرت فيها 150 شاعرا انتحروا في القرن العشرين ، ومن بينهم مثلا الشاعر ( خليل حاوي ) والشاعران العراقيان ( إبراهيم زاير ) و ( قاسم جبارة ) .. وهو انتحار سبقه في اغلب الظن حالات من الإكتئاب والخيبات السياسية كما يرجح ، وأقف عند الإكتئاب الذي أنهى حياة باحثة البادية ، أو ( ملك ناصف ) ، في حالة من الاضطراب العصبي ، مثلما كانت نهاية ( ميّ زيادة ) في مستشفى الأمراض النفسية ، وإن كان الدكتور ( عبدالله الغذامي ) يرى أنّ هذه الحالات السيكولوجية المضطربة للكاتبتين ، كلفة تؤديها المرأة الكاتبة حين تجرأت على الاقتراب من مملكة الرجل الحصينة ، وحين خرجت من ( رحم الحكي إلى نهار اللغة الباهر للبصائر ) على اعتبار أن الكتابة عند المرأة وفق ( الغذامي ) ( تنشأ في علاقة جبرية مع الإكتئاب .. ويتلازم القلم مع الألم ) وأن الهستيريا والألم والحزن ، كلها أمور ترتبط في الذهنية الثقافية بجنس المرأة ، مع أن تاريخ الثقافة الإنسانية يشهد أن حالات الاضطراب النفسي لم تكن بملامح أنثوية فقط ، بل لازمت كل قلم أفرط في حساسيته وعزلته ورهافته ، وفي لا رضاه وعدم قناعته بما يحوم حوله ، وأن هذه الحالات السيكولوجية المضطربة تنبجس من رحم تمزقات داخلية ، وخيبات ، وانكسارات المبدع ، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو ثقافية .. لكن حيال هذا الجنون المرضي ، هناك جنون جميل ، مستحب ، يثري العملية الإبداعية أكثر مما يعرقلها ( يكسر لحسابنا سنّة التعود ) وفق ( سان جان بيرس ) ويخالف الجاهز والمألوف ، ويميل لصوفية وعزلة متوحشة ، وينسج أجواء من المغايرة والإنزياح والاختلاف والغواية والتمرد ، والانتشاء بالذات والوجود ، داخل عوالم اللاعقل واللاوعي واللانظام ، جنون يحتكم لرؤية عقلانية ، وكما يقول ( أندريه جيد ) : إن أجمل الأشياء ، هي التي يقترحها الجنون ويكتبها العقل ، لذا ينبغي التموقع بينهما ، بالقرب من الجنون حين نحلم ، وبالقرب من العقل حين نكتب . [/justify]

( إكرام عبدي / المغرب )


الساعة الآن 12:14 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team