لندن التي رأيت .
في لندن عربٌ بالمئات ، في لندن ذكريات ، وأمةٌ من فتات . أذكر تينك العينين وهي تطلب جنيهاً أو ما زاد عليه ، أوكرانية عاتكة الخدين ، تحمل طفلة وتشدها عجوز كالمومياء ، يلفهم كثيرٌ من المحتالين ، والمكان شارع العرب. قوافلهم سراديبُ من ريح ، مأواهم شوارع نظيفة ، لا عوسج فيها ولا شيح ، شوارع تشرب الغرق وتجف سريعاً كالورق . خطفت المرأة النقود مني وقالت ” شكراً هبيبي ” قاصدة حبيبي – تظنني سأزيدها كيل بعير، هيهات إنها لا تعرفني – وحين أصابها اليأس نفثت في وجهي ابتسامة كغاز النيتروز ، انحسر ثغرها عن سن من ذهب ، أظنه أمان من الفقر لا أكثر . عاد بي سنها إلى ساحل تهامة أمام باعة دراويش ، يبيعون السمسم والريش ، وتطحنهم رحى الحاجة وشظف العيش . ثم افترقنا . ثكلتها تلك العجوز ، خيبت ظني حين أطلقت ابنها لملاحقتي حتى أضعت طريق العودة للفندق ، كان يردد بلكنة جريئة ، ” أعطني نقوداً ” أعطني نقوداً ، أوجست خيفة فأطلقت ساقي للريح ، وكم من جبان حتفه من فوقه . كنت أشعر بخجل شديد من لندن ، كأنها تعرفني ، ألفتها وألفتني ، لا أعلم كيف يتصرف العربي الكريم حين يُقابل بمافيا التسول في أكسفورد ، كانت تقول لندن عيب يا خالد ، أنت في بلد كريمة تستقبل كل معارض وناقم على وطنه ، ها أنت تفر من طفل وسواك يفر من حكومة ..! هذا ما سمعته من لندن وما رأيت فيها أكثر . رأيت في لندن عرب وكثير من المال ، رأيت في لندن أدبٌ وحشد من الأنذال ، رأيت في لندن رقص شرقي ولحم حلال ، رأيت في لندن قرية الصين وزينة من يقطين ، رأيت في لندن سيدة محجبة ، فتلون وجهي بفخر وعزة ما ألفتها ، رأيت في لندن – الهايدبارك – حيث يتلاحى العرب بالسباب ويشعر إبليس أنه إنسان . رأيت في لندن ، إسلام بلا شهادتين . المفارقة ، قابلت شاباً من أبناء لندن يحب مكة ، ويكره لندن التي رأيت . |
الحياة تبتسم لنا و تبكي و ترينا مفارقات لا تنتهي !
الحياة شعثاء عارية تلك التي لا نعرفها - حقيقةً - حتى نقع ! نقع في واد سحيقٍ بأرواحِنا الضائعة الـ تسقي الغريب و تترك الحبيب! إطار مختلف لنظرة صادقة .... ودي ... تقديري ... |
اقتباس:
الحياة تتسع للجميع حتى أنها تتسع لكل التناقضات ، فهي تلك الشعثاء العارية التي لا نعرفها . شكراً أيتها الجليلة . |
الساعة الآن 10:18 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.