جاذَبْتني ثَوْبي. وكانت عَصِيّاً=ثُمَ راضَ الهوى جِماحَ العَصِيِّ! .يا فتاتي أنا الذي يَعْرِضُ اليَوْمَ=فما عُدْتُ بالفُؤادِ الشَّجِيِّ! أُذُكُري الأَمْسَ حِينَ كنْتِ تَصُو=لِينَ على كُلِّ أَعْزَلٍ وكَمِيِّ! وتَكونِينَ كالنَّسيمِ.. وكالرَّوْضِ=بِصَفْوٍ عَذْبٍ.. ونَفْحٍ شَذِيِّ! وتَكُونِينَ كالصَّواعِقِ أَحْياناً=وكالرِّيح عاصِفاً.. والأتِيِّ..! ولقد كنْتُ عاشِقاً فَتَلَظَّيْتُ=بطَبْعِ يُشْقي القلوبَ.. عَتِيِّ! فَتَخَاذَلْتِ من سُلُوِّي وإعْراضي=وَيْلي إلى الطريقِ السَّوِيِّ! وتَرَفَّعْتُ عن نداكِ بِفِكْرٍ..=عَبْقَريِّ الرُّؤى.. وأَنْفٍ حَمِيِّ! كم طعامٍ يعَافُهُ الجائِع الحُرُّ=ولو كانَ مِن طَعامٍ شَهِيِّ! يا فَتاتي إنَّ افْتِراعَكِ للذُّرْوَةِ=بِدُنْياكِ بَعْدها لِلْهَوِيِّ! الرَّبيعُ النَّضِرُ سوْف يُوَلِّي=فَتَوَقِّي الخَريفَ قَبْل المُضِيِّ! فلقد كنتِ نِعْمَةً لِغَوِيِّ=ولقد كنْتِ نِقْمَةً لِتَقِيِّ..! لم أَكُنْ بالصَّدِيِّ إلاَّ إِلى الحُبِّ=عَفِيفاً.. ومُلْهِماً بالرَّوِيِّ! شاعِرٌ هائمٌ بِمَجْدِ قَوافِيهِ=وشِعْرٍ بالخالِباتِ سَرِيِّ! مَظْهَراً يَمْلأ العُيُونَ جَلالاً=يَلْفِتُ الرُّوحَ لِلْجلالِ الخَفِيِّ! ولشَتَّانَ بَيْنَ حُبٍّ ضَعِيفٍ=يَتَهاوى. وبَيْن حُبٍّ قَوِيِّ! بَيْنَ حُبٍّ يَزُولُ وَهْناً.. وحُبٍّ=طَرِبٍ مِن شُجُونِهِ. سَرْمَدِيِّ! فلقد يَفْضُلُ الرّبيعَ خَرِيفٌ=يَرْتَوِي بالرَّشادِ مِن بَعْدِ غَيِّ! سأَرى فِيكِ.. في خَرِيفكِ حُسْناً=غَيْرَ حُسْن ضارٍ لِهِنْدٍ ومَيِّ |
أراشدي الرَّاجِحُ. إنِّي امُرؤٌ=غاض مَعيني.. وخَبَتْ جَذْوتي! .كيف تُرَجِّي الماءَ من ناضبٍ؟!=وكيف تبغي الجمر من رَغْوَةِ؟! قد أرْمَدَتْ جَمْري الخُطوبُ التي=عَدَتْ. فلم تُبْقِ على وَقْدي! وجَفَّفَتْ نَبْعي فَلَمْ تُبْقِ لي=ما يَنْفَعُ الغُلَّةَ مِن مُهْجتي! فليس لي بعد شبابي الذي=وَلَّى سوى رَاعِشِ شَيْخُوخَتي! كانَ الهوى يُشْجِي بآلائِهِ=ويَسْتَفِزُّ الحُسْنُ مِن صَبْوَتي! واليَوْمَ لا حُسْنَ.. ولا صَبْوَةٌ=بعد أُفُولِ البَدْرِ من لَيْلَتِي! البَدْرُ كانَ العَزْمَ يا صاحِبي=وقد تَوَلَّى. فَطَغَتْ ظُلْمَتي! وأَنْتَ تَدْعوني لأُمِّ القُرى=للِشَّدْوِ.. للتَّرْنِيمِ في مَكَّتي..! مكَّةَ ما أَكْرَمَها مَوْطِناً=فإِنَّها –رَغْمَ الجَوَى- جنَّتي! وُلِدْتُ في بَيْتٍ بِها مُشْرِقْ=بالحُبِّ تَخْتالُ بِها حَبْوَتي..! كُنْتُ صَبِياً يَكْتَوِي بالنَّوى=بِاليُتْمِ.. بالشَّوْقِ إلى صُحْبَةِ! يَشْتاقُ صَدْراً حانِياً.. حابِياً=مِن التي وَلَّتْ بلا رَجْعَةِ! ويَكْتُمُ الشَّوْق لِكَيْلا يَرى=إشْفاق من شَبَّ بلا لَوْعَةِ! كنْتُ سَرِيعَ الدَّمْعِ لكنَّني=ما تُبْصِرُ الدَّمْعَ سوى خَلْوتي! ومن حِمى مكَّةَ كنْتُ الفَتى=والرَّجُلَ الطّامِحَ لِلرِّفْعَةِ! دَرَسْتُ في صَرْحٍ بِها شامِخٍ=بالعِلْمِ.. بالأَفْذاذِ.. بالصَّفْوَةِ! كانُوا رجالاً.. أنْجُماً في الدُّجى=تَكْشِفُ للسَّارِي صُوى الرِّحْلَةِ! يا رَحْمَةَ الله تَجَلِّي لَهُمْ..=فإنَّهُمْ أَجْدَرُ بالرَّحْمَة.! ولِلرِّفاقِ الشُّمِّ.. من رَاحِلٍ=وعائِشٍ في السَّفْحِ والذُّرْوَةِ! كُنَّا أشِقَّاءَ.. فما نَسْتَوي..=إلاَّ على الوُدِّ بلا جَفْوَةِ..! أَوَّاهِ ما أَحْلا الزَّمانَ الذي..=كُنَّا به نَرْفُلُ في نِعْمَةِ..! فَقَفْرَتِي كانَتْ بِه رَوْضَةً=فكيف لا أَصْبُو إلى رَوْضَتي؟! وشِقْوَتي كانَتْ به رِقَّةً=تَحْنُو.. فما أَحْلا بِهِ شِقْوَتي! كم أَلْهَمتْني الشِّعْرَ أَشْدو بِهِ=كالطَّيْرِ في العُشِّ.. وفي الدَّوْحَةِ! ثم اسْتَرَدَّتْ ما أفاءَتْ بِهِ=فَعُدْتُ بَعْد اللِّينِ كالصَّخْرةِ يا راشِدي الرَّاجِحُ.. لَيْتَ المُنى=تَسْخُو على المُبْيَضِّ من لِمَّتي..! فانْظُمُ الشِّعْرَ بلا عائِقٍ..=يَعُوقُ من هذا الخَوى المُسْكِتِ! أَصْغَيْتُ.. أَصْغَيْتُ. وصَدَّ الهوى=عنِّي. وغابَ الحُسْنُ عن مُقْلَتي! فهل أَنالُ الصَّفْحَ من سَيِّدٍ=يَطْلُبُ مِنِّي الشَّدْوَ في عِزْوتي؟! يا ليْتَني أَقْوى فَأَطْوِي المدَى=إليه كَيْ أَسْعَدَ من رِحْلَتي! وأَلْتَقِي بالصَّحْبِ من مكَّةٍ..=طابَتْ وطابُوا.. فهو أُمْنِيَتي..! يا راشِدي الرَّاجِحُ.. كُنْ عاذِري=فَهذِهِ يا سَيِّدي قِصَّتي |
وما الشِّعْرُ حُبٌ شاغِفٌ وصَبابةٌ=فَحَسْبُ. ولكنْ حكمةٌ وتأمُّلُ! .جذبْتُ به نَحْوي الفَواتِنَ فَتْرَةً=من العُمْرِ. ثم انْجابَ عَنِّي التَّدَلُّلُ! فقد أَطْفَأَت دُنْيايَ مِن وقْدَةِ الصِّبا=وَوَلَّى شَبابٌ كان يَسْطو ويَجْهَلُ! وأَصْبَحَ شِعْري يَنْشُدُ الحَقَّ جاهراً=وما عادَ يُشْجِيهِ الهوى والتَّغَزُّلُ! أراني. وما أَرْضى لِشِعْري تَدَلُّهاً=ولا ظَمَأً لِلْكأْس. فالْكأْسُ يَسْطِلُ! وحُسْنُ الغَواني يَسْتَطِيلُ على الوَنى=ويُعْرِضُ عنه.. وهو شِلْوٌ مُجَدَّلُ! وقد صِرْتُهُ فالشِّعْرُ عِنْدي مُقَدَّسٌ=فما أَرْتَضِيهِ. وهو يَهْوِي فَيَسْفُلُ! ولا أَرْتَضِيهِ عانِياً مُتَزَلِّفاً..=ولا حاقِداً يَفْرِي حَناياهُ مِنْجَلُ! سَمَوْتُ به للنَّجْمْ أَغْشى مشارِفاً=تُطِلُّ على كَوْنٍ به الحَقُّ فَيْصَلُ! تُطِلُّ به غُرُّ المَشاعِرِ والنُّهى=عليك بِسَلْسالٍ زُلالٍ فَتَنْهَلُ! وتَرْوِي غَليلاً كَانَ لِلْمَجْدِ ظامِئاً..=فَلاقاهُ لا يُكْدِي. ولا يَتَبَذَّلُ! فَقُلْتُ هُنا طابَ المُقامُ لِوامِقٍ=إلى كلِّ ما يُسْدي. ولا يَتَعَلَّلُ! ولاقَيْتُ فيه مَعْشَراً مُتَرَفِّعاً=فما فِيهِ أَوْحالٌ. ولا فيه جَنْدَلُ بَلى فيه إِبْرِيزٌ نَقِيٌّ.. ولُؤْلُؤٌ=سنِيٌّ. ورَوْضٌ عَبْقَرِيٌّ.. وجَدْوَلُ! وحَفُّوا بِرُوحِي فاسْتَجابَتْ فإِنَّهُمْ=كِبارٌ بِما يَبْدو وما يَتَغَلْغَلُ..! بَهالِيلُ. هذا حاتِمٌ في سَخائِهِ=وعَنْتَرَةٌ هذا. وهذا السَّمَوْأَلُ! وقالوا. لقد آنَسْتَ رَبْعاً مُرَحِّباً=بمن جاءه واسْتَكْرَمُونِي.. وأَجْزَلوا! فطِبْتُ بِهم نَفْساً.. وطِبْتُ بِهِمْ نَدىً=فقد ضَمَّني صَحْبٌ كِرامٌ.. ومَنْزِلُ! وأَلْفَيْتُ إِلهامِي بِهِمْ مُتَأَلِّقاً..=تَعَزُّ بِهِ مِنْهُمْ جَنُوبٌ وشَمْأَلُ! فَلَوْ أَنَّني أَطْرَيْتُ لم أَكُ كاذِباً=ولا مادِحاً مَنْ غابَ عنه التَّفَضُّلُ! ولم أَتَمَرَّغْ في الرِّياءِ وأَغْتَدِي=بما قُلْتُ.. بِئْسَ المادِحُ المُتَوسِّلُ! ألا ساءَ مَنْ يُزْجِي القَوافِيَ حُلْوَةً=إلى قَزَمٍ جَدْواهُ شَوْك وحَنْظَلُ! هنا الشِّعْرُ مَجْدٌ.. لا رِياءَ ولا هَوىً=مَقِيتٌ. فما يَخْزى. ولا يَتَسَوَّلُ! سما مِنْهُ رَهْطٌ لِلنُّجومِ فَهلَّلُوا=وأَهْوى بِه للدَّرْكِ رهْطٌ فَأَعْوَلُوا! تَبارَكْتَ لاقي مِنْكَ مَجْداً وعِزَّةً=مُحِقٌ. ولاقى الخِزْيَ والهُونَ مُبْطِلُ! سَجَدْتُ امْتِناناً لِلنَّدى مِنْكَ والعُلا=فما كُنْتُ مِمَّنْ خالَفُوكَ فَزُلْزِلُوا! وما كُنْتُ مِمَّنْ جَدَّفُوا.. فَتَعَثَّروا=وما مِنْهموا إلاَّ العَمِيُّ المُضَلَّلُ! وأَغْراهُموا الزَّيْفُ الرَّخِيصُ فَأَوْغَلوا=بِهِ من قِفارٍ لَيْس فيهِنَّ مَوْئِلُ! فما الوَفْرُ إلاَّ الآلُ ما فِيهِ مَشْرَبٌ=ولا المَجْدُ إلاَّ الجَدْبُ ما فِيهِ مأْكَلُ! كلا اثْنَيْهما يُرْدِي إذا كانَ سَيِّداً=على رَبِّهِ.. والسَّالِمُ المُتَبَتِّلُ! ولكنَّ مَجْداً أَبْتَغِيهِ.. وثَرْوَةً..=لَدَيْكَ هُما مَجْدِي وَوَفْرِي المُجَلِّلُ! ستَعْتَزَّ نَفْسي بالمُعَجَّلِ مِنْهُما..=ويُرْضي رُفاتي من المَعادِ.. المُؤَجَّلُ! تَمَجَّدتَ رَبَّي.. إنَّي مُتَطَلِّعٌ..=إلى اثْنَيْهما.. أَنْتَ الكَرِيمُ المُؤَمَّلُ |
قالتِ النَّفْسُ كنْتَ صَنْديدَ أَمْسٍ=قُلْتُ بل كنُتُ يَوْمَه الرِّعديدا! .إنَّني خائفٌ أرى في خَطايايَ=ثعابينَ مَزَّقَتْ لي الوَرِيدا! ما أراني إلاَّ الشَّقِيَّ الذي يَلْقى=هُنا أَوْ هُناك بأْساً شديدا! لسْتُ أَشْكو فإنَّني رغْمَ بَلْوايَ=أنا الصَّانِعُ الضَّلالَ البَعيدا! وأرى حَوْلي الرِّفاقَ وقد كانوا=أسارى لِلْموبِقاتِ عَبيدا! أَصْبَحوا الرَّاشِدينَ قد سلكوا=الدَّرْبَ وَضِيئا. وغادَرُوني وَحيدا! ما الذي أَبْتَغِيه مِن مُتَعِ العَيْشِ=إذا كُنَّ عَلْقَماً وصَدِيدا؟! وأنا الشَّيخُ قد نَهَلْتُ من الوِرْدِ=وما زِلْتُ ظامِئاً مُسْتَزِيدا! فإلاَمَ السُّدُورُ في الإِثْمِ=ما أَغْنَى فُؤادي عَن أَنْ يَكون عَمِيدا؟! والنُّهى أَيْنَهَا؟! أكانَتْ لأَصْحابي=ضياءً يَهْدي السَّبِيلَ الحميدا! ثُمَّ كانتْ لِيَ الظَّلامَ كَثِيفاً=وعذاباً مِن الضَّلالِ مٌبِيدا؟! يا رِفاقي الذين تابُوا إلى الرُّشْدِ=وعاد القديمُ منهم جَديدا! عاد طُهْراً ما كانَ عِهْراً. فَلَيْتني=مِثْلَهُمُ بالهُدى اتَّقَيْتُ الوَعيدا! آهِ مِمَّا يَصُدُّ نَفْسي عن الرُّشْدِ=ويَهْوِي بها وَئِيداً وَئيداً..! هي مَنْهومَةٌ إلى العَيْشِ صَفْواً=وهي مَنْهُومُةٌ إليه رَغيدا! والرَّغيدُ.. الرَّغيدُ أَنْ تَبْذُرَ=الخَيْرَ وتَرْجو النَّجاةَ منه حَصِيدا! قُلْتُ لِلنَّفْس أَنْظِريني. فقد=لاحَ بَصِيصٌ أَراهُ يَبْدو وَديدا..! عَلَّه يَقْشَعُ الظَّلامَ ويَطْوي=مِن دَياجِيه ما يَسُرَّ الحَرِيدا! أَغْلَقَ الإِثْمُ من وَصِيدي. فَما=أَمْلِكُ أَمْرِي. وما أَذَلَّ الوَصِيدا! وأَرى قامةً تَمِيسُ فَتُشْقِيني=وثَغْراً يَسيلُ شَهْداً. وجِيدا! ما الذي أَسْتَطِيعُه وأنا=المُثْخَنُ.. إلاَّ الخُضُوعَ البليدا..! غَيْرَ أَنِّي عَبْدُ الخَطايا أضَلَّتْ=مِن حَياتي طَرِيفها والتَّليدا! أنا يا ذاتَ جَوْهَرِي وكياني=شاعِرٌ عَقَّ بالجُنوح القَصيدا! كان حُلْوُ النَّشِيدِ طَوْعَ يَراعي=وحَناياي. فاجْتَوَيْتُ النَّشيدا! لِمَ.. كانَ النَّشِيدُ يَشْدو بِآمالِ=عِذابٍ. وكان دُرّاً نَضِيدا! ثم أصْغَيْتُ لِلْهوى ودَواعِيهِ=فما عُدْتُ شاعِراً غِرِّيدا..! فأَعِيدي إِلَيَّ ما كان بالأَمْسِ=بآلائِكِ العِظام.. فَريدا! واجْعَلي ذلكَ البَصِيصَ يُدانِيني=يُعِيدُ الشّيْخَ القَوِيَّ وَلِيدا! زَلَقاً عادَ لي الصَّعِيدُ وقد=أَغْرَقُ فيه.. فَجَفِّفي لي الصَّعِيدا! لأِلِئِي بالشُّموسِ في غَيْهَبِ=الرُّوحِ وإلاَّ كنْتُ الضَّلولَ العَتِيدا! إنَّني أسْتَمِدُّ مِنْكِ عَطايايَ=وأرْجو أنا المُنِيبُ.. المَزِيدا |
بشْرى وأنتِ أَحَبُّ بُشْرى=إنِّي لأَنْشُقُ منكِ عِطْرا! .كالوَرْدَةِ الفَيْحاءِ من الرَّوْضِ=النَّضير كنَجْمَةٍ تَخْتال كِبْرا..! سَمْراءُ تَحْسَبُها العُيونُ=إذا رأَتْها التَّمَّ بَدْرا..! يُرْضِيكَ منها ما اسْتَبانَ=كما يَشُوقُكَ ما اسْتَسَرَّا! يا مِصْرُ كم أَوْلَيْتِنا=مِنَنا فَنَحْن نُحِبُّ مِصْرا! يالَ الجمالِ المُسْتَطِيلِ بِسِحْـ=رِهِ طَوْعاً وقَهْرا…! القلْبُ يَشْكو مِن هواهُ=يُذِيبُهُ والعَيْنُ سكْرى! لا تَرْشُقيني بالسِّهامِ=فإنَّ لي في الحُبِّ عُذرا! أَوْ تُسْدِلي دُوني السِّتارَ=فما أَطِيقُ اليَوْمَ سِتْرا! قدَري فقد ودَّعْتُ دُنْيا=الحُسْنِ.. وُجْداناً وفِكْرا! ومَضى اليَراعُ يُشِيحُ=عنها واجتوى وَرَقاً وحِبْرا! لا هَمَ لي في الغِيدِ بَلْ=أَمْسَيْنَ لي أَطْيافَ ذِكْرى! ورأَيْتُها يَوْماً.. رَأَيْتُ=وَسامَةٌ. ورأَيْتُ طُهْرا! لَيْسَتْ كباقي الغِيدِ حُسْناً=باهِراً.. يَفْتَنُّ سِحْرا! يُخْفي القُيُودَ وراءَ رِقَّتِهِ=ويُبْدي اللُّطْفَ مَكْرا! لكِنَّها كانتْ مَلاكاً=يَمْلِكُ الحُسْنَ الأَغَرّا! ويَضُمُّ في بُرْدَيْهِ عِلْماً=يَزْدَهي.. ويَضُمُّ فَخْرا..! لَذَهِلْتُ منها وازْدَهَيْتُ=بِكُنْهِها سِرّاً وجَهْرا..! فَكَّرْتُ في الرُّجْعى إلى الحُبِّ=الطَّهُورِ.. وكان أَحْرى! لاقَيْتُ رِبْحاً بَعْدما=جَرَّبْتُ ما قد كانَ خُسْرا! يا مُنْيَةَ الفِكْرِ الشَّغُوفِ=لقد أَحَلْتِ العُسْرَ يُسْرا! نُذُري اللَّواتي قد عَبَثْنَ=بِمُهْجَتي.. أَمْسَيْن بُشْرى! يا جَنَّتي العَذْراءُ بُلْبُلُكِ=المُغَرِّد شادَ وَكْرا! مِن حَوْلِه الأَزْهارُ تَعْبِقُ=والغَدِيرُ يَسِيلُ. والأَنْغامُ تَتْرَى! أَفَلا أَكُونُ به السَّعيد=وقد أطِبْت له المَقرَّا؟! إن كانَ حُلواً في المَذاقِ=يَلَذُّني.. أَوْ كانَ مُرَّا..! ولقِيتُ مِنه نُحاسَهُ=صَدِئاً. ومنه لَقِيتَ تِبْرا..! فاهْنَأْ بِحُبِّكَ تَصْطَفِيه=ويَصْطَفِيكَ اليوم ذخرا..! فلقد أَشَدْتَ بِما شَدَوْتَ=لِمن رَضِيتَ هَواهُ قَصْرا! هذا القَرِيضُ المُسْتَفِيضُ=تروضه مَدّاً وجَزْرا! أَغْلا وأَنْفَسُ من كُنُوزِ=الماسِ والإِبْرِيزِ.. قَدْرا! المَجْدُ لِلشِّعْرِ الرَّفيعِ=وقد مَهَرْتَ الحُبَّ شِعْرا! أحَبِيبَةَ الغِرِّيدِ في العَلْياءِ=هَلاَّ قُلْتِ لِلْغِرِّيدِ شُكْرا؟ |
تذكَّرتُ أيَّاماً مضَتْ ولَيالِيا؟!=قَضَيْتُ بها كِفْلاً من العُمْرِ حالِيا! .تَملَّكْنَ منِّي نُهْيَتي وحَشاشَتِي=وأَنْسَيْنَني ما كان عَذْباً وغالِيا! وأَنْسَيْنَني حتى أُهَيْلي ومَعْشري=فما عُدْتُ إلاَّ عاشِقا مُتَصابِيا! وما عُدْتُ إلاَّ مُسْتَهِيماً بِخُرَّدٍ..=من الغِيدِ أَصْبَحْنَ الهوى المُتَفانِيا! زَمانٌ تَوَّلىَّ ليتَهُ كانَ باقِياً..=ويا لَيْتَهُ كانَ الزَّمانَ المُوالِيا! كَأَنِّي به كنْتُ المَلاكَ الذي ثَوى=بِفِرْدَوْسِهِ يَرْجو الخُلودَ المُصافِيا! فَلَمْ أَبْقَ مَخْلُوقاً مِن الأُنْسِ راجِياً=حُطاماً ومَجْداً.. بل غَدَوتُ المُجافِيا! كِلا اثْنَيْهِما كانا لَديَّ تَفاهَةً=أَمامَ الهوى يُزْجِي إليَّ الأمانيا! وكُنَّ حِساناً شامِخاتٍ بعزَّةٍ=مِن الحُسْنِ ما يَخْتارُ إلاَّ العَواليا! إذا اخْتَرْنَ لم يَخْتَرْنَ إلاَّ مُجَلِّياً=وإلاَّ كَرِيمَا يَسْتَطِيبُ المجانيا! له وَحْدَهُ أَلاؤُهُنَّ سَخِيَّةً=تُضِيءُ حَوانِيهِ فَيُشْجِرَ المغانِيا! بِشِعْرٍ إذا ما صاغَهُ جَوْهَراً=فَآياتُهُ تروي القلوب الصواديا! له القَوْلُ مِطْواعٌ كبِئْرٍ مُنَضَّر=فَيُطرِبُ ألفاظاً. ويَسْمو مَعانيا! وما ابْتَذَلَتْ مِنْهُنَّ قَطُّ خَرِيدةٌ=ولا واصَلَتْ إلا الكَمِيَّ المباهيا! وقُلْتُ لإحداهُنَ يَوْماً وقد رَنَتْ=إليَّ بِشَوْقٍ يَسْتَرِقُّ الحَوانِيا! أَلَيْسَ لِما تَطْوِينَه مِن نِهايةٍ=تُخِيفُ. وتَطْوِي لِلْقُلوبِ العَوادِيا؟! فقالتْ. وقد أَذْرَتْ دُمُوعاً سَخِينَةً=تشِفُّ عن الحُبِّ الذي كانَ ضاريا!! لقد كِدْتُ أَنْسى في هَواكَ كَرامَتِي=وإنْ كانَ عَقْلي في الهوى كان هادِيا! وإنْ كُنْتُ لم تَنْسَ العَفافَ فَصُنْتَني=وآثَرْتَ مِنِّي عِفَّةً وتَدانِيا! أراكَ كَروُحي بَلْ وأَغْلا مَكانَةً=فكيف لِصادٍ أَنْ يَعافَ السَّواقِيا؟! وَمَرَّتْ بِنا الأَيَّامُ ثم تَنكَّرَتْ=فيا لحياةٍ تَسْتَطِيبُ المآسِيا! تَرُدُّ بِها العاني إلى اللَّهْوِ عابِثاً=وتَمْسَخُ مِن أَحرارِهِنَّ غَوانِيا! …………… بعْدَ تَرَهُّبي=وبَعْدَ اعْتِيادِي أَنْ أرى الرَّوْضَ ذاويا! وقد عَرَفَتْ مِنِّي الذي كانَ حاضِراً=كما عَرَفَتْ مِنِّي الذي كانَ ماضَيا! تَأَنَّ.. فَما كُلُّ الحِسانِ كَمِثْلِها=ودَعْ عَنْكَ أَيَّاماً مَضَيْنَ خَوالِيا! فَإنَّ لك الحُسْنى لدَيَّ فَصافِني=تُصافِ فُؤاداً مِنكِ يَرجو التَّلاقيا! يَعيشُ زَماناً بالمُنى تَسْتَفِزُّهُ=إِليكَ وتَرْضى في هَواكَ الدَّواهِيا! عَرَفْتُ بِما لاقَيْتُ منها فَسَاءَنِي=وما هي قد لاقَتْهُ. فارْتاحَ بالِيَا! لقدْ رَثَّ مِنْها ما ازْدَهَتْ بِجَدِيدِهِ=وقد نَدِمَتْ مِمَّا أَشابَ النَّواصِيا! وقد بَلَغَتْ بالحُزْنِ أَقْصى مَجالِهِ=وعادَتْ كَمِثْلِ الضَّلِّ يُدْمي المآقيا! فَلا تَبْتَئِسْ. إِنِّي الوَفِيَّةُ في الهوى=وإنِّي به أَدْرى. أَجْلى مَرائِيا..! أُحِبُّكَ حتى ما أَراكَ سِوى الرُّؤى=تَطِيبُ وتَحْلو أَيْنَما كُنْتَ ثاوِيا! فقُلْتُ لها.. كُفِّي فَإِنِّي مُرَزَّأٌ=فلَنْ أَسْتَوِي في مَرْبَع الحُبِّ ثانيا! لَسَوْفَ سَتَسْلِين الهوى وسِفاهَهُ=وسَوْفَ سَتَلْقِينَ الهوى عَنْكِ ساليا! تَظُنِّينَ مِثْلي أَنَّ حُبَّكِ خالِدٌ=وكلاَّ. فَمُذْ كانَ الهوى. كان فانِيا! أدُنْيايَ ما أَحْلا الحَقِيقةَ في النُّهى=وفي الحِسِّ. ما أَنْكى الخَيالَ المُداجِيا! وقد كنْتُ –وَيْحي- شاعراً مُتنَكِّباً=هُدايَ. فإِنْ عُوتبْتُ كنْتُ المُلاحيا! أَرى واقِعي رَوْضاً فَأصْدِفُ سالِكاً=قِفار خَيالٍ مُسْرِفٍ.. وفيافيا |
لسْتُ أدْرِي أنا المُغَرِّدُ في الرَّوْضِ=حَزيناً على الأَليفِ المُغادِرْ؟! .مَن أَنا؟! قَبْلَ أَنْ أَكونَ مِن النَّاسِ=شَجِيّاً بما يُثِيرُ الخواطِرْ؟! مُنْذُ أن كنْتُ في القِماطِ.. دِمائي=قائِلات تَوَقَّ عَصْفَ المخاطِرْ! وبدا لي صِدْقُ المقالِ.. صَبِيّاً=وَفتِيّاً يَطْوِي السِّنينَ الهواصِرْ! ثُمَّ شيخاً بَلا الزَّمانَ فأَبْلاهُ=وأَبْلا يراعَهُ والقماطِرْ..! لم يَعُدْ باقِياً له سوى الحَشَفِ=البالي ومِن حَوْلِه الحَوالي النَّوامِرْ! لَتَخيَّلْتُ أنِّي كنْتُ من قَبْلُ=عَظِيماً مُسَوَّداً في العشائِرْ..! وله صَوْلَةٌ.. وفيه مَضاءٌ=يَتَحدَّى بها اللَّيُوثَ الكواسِرْ! هكذا ظَلَّ فَتْرَةً.. ثم أَمْسى=بَعْدَها مضغة الجُدُود العَواثِرُ! يَتَدَهْدى بَيْن الأَنامِ.. فهذا=يَتَّقِيهِ. وذاك يَرْثي المصائرْ! ومَضَتْ فَتْرةٌ عليه فَأَلْفى=نَفْسَه ثاوِياً بإِحْدى الحظائِرْ! وتمادى الزَّمانُ في سَيْرهِ الرَّاكِضِ=قَرْناً مِن بَعْدِ قَرْنٍ طَوِيلِ! فإِذا بي أَغْدو هِزَبْراً بِرَغْمي=ذا نيُوبٍ.. ومخلب قتال! كانَ قَلْبي رِخْواً فَعادَ صَلِيباً=لا يُبالي بِرُشْدِهِ والضَّلالِ! يَنْهَشُ الوَحْشَ والأُناسَ=ولا يَحْفَلُ إلا بالزَّوْجِ والأَشْبَالِ! كم تَلَذَّذْتُ بالفَرِيسَةِ تَغْدُو=في فَمِي مَطْعَماً بِهَوْلِ اغْتِيالي..! وتَحَوَّلْتُ بعد ذلكَ صَقْراً=جارِحاً يَذْرَعُ السَّماءَ اقْتِحاما! فإذا ما رآهُ طَيْرٌ تَوَلَّى=خِيفَةً مِنْه أَنْ يكونَ طَعاما! وهو يَنْقَضُّ كالمنَايا على الطَّيْرِ=وقد يُورِدُ الظِّباءَ الحِماما! أَتُراهُ يَرى الرزايا فَمَا يَرْحَمُ=رُزْءاً؟ أَمْ أَنّه يَتَعامى؟! تَحْتَنا النَّخْلُ والأَزاهِيرُ والماءُ=ومِن فَوْقِنا صَفاءُ السَّماءِ! غَيْرَ أَنَّا نَخافُ من جارحِ الطَّيْرِ=ونَخْشى التَّحْلِيقَ عَبْرَ الفضاءِ! آهِ. لَوْلا الصّقُورُ تَنْقَضُّ بالموْتِ=على البُلْبُلِ الشَّجِيِّ الكئِيبِ! بُلْبُلاً ناعِماً.. وما يَعْرِفُ الخَوْفَ=ولكِنْ ما كانَ هذا نصيبي..! قَدَري شاء أَنْ لأَعُودَ إلى العَيْش=كما كنْتُ آدِميّاً.. لَهِيفا! لأَرى حَوْليَ المآثِرَ تُقْصِيني=وتُدْني لها اللَّبِيبَ الحصيفا..! وأنا أَشْتَهِي المآثِرَ لَوْلا=أَنَّني لم أَكُنْ أَمِيناً عفيفا..! يا حَياتي لو أَنَّني أَمْلِكُ الحوْلَ=لما كُنْتُ مُسْتَكِيناً ضَعِيفا! فَلَعَلِّي أَنالُ يَوْماً من القُوَّةِ=ما يَجْعَلُ الصَّفِيقَ شفيفا |
أَيُّهذا الإِيمانُ أَسْعَدني اليَوْمَ=ونَجَّى مِن الخُطُوبِ الثِّقالِ.. أنْتَ فَضْلٌ مِن الإلهِ ورِضْوانٌ=فَحَمْداً لِرَبِّنا ذي الجَلالِ |
تخَيَّلتُها حُسْناً وطُهْراً تَمازَجا=فَعادا إلى لَوْنٍ من الحُسْنِ مٌفْرَدِ! وأبْصَرْتُها فارْتاعَ قَلْبي بِمَشْهَدِ=يَرُوعُ ويَطْوى دُونَه كلَّ مَشْهَدِ! سلامٌ عليها وهي تِشْدو كبُلْبُلٍ=سلام عليها. وهي تبْدو كَفَرْقَدِ! تَمثَّلْتُها توحي وتلهم شاعراً=فَيَسْمُوا إلى أَوْج القَصيدِ المُردَّدِ! ويَحْسِدُها أَتْرابُها فهي غادَةٌ=تَتِيهُ بِحُسْنِ اليَوْمِ والأَمْسِ والغَدِ! فما تُنْقِصُ الأَيَّامُ مِنْها غَضارةً=إذا لم تَزِدْها مِن سَناً مُتَجدِّدِ! لعلَّ لها من شَجْوِها وشُمُوخِها=أَماناً.. فَتَبْقى فِتْنَةَ المُتَوَجِّدِ! وقُلْتُ لها. وقد جارَ حُسْنُها=عَليَّ فلم أَعْقَلْ ولم أَتَرَشَّدِ! متى سَتَفُكِّينَ الإِسارَ فإِنَّني=أُرِيدُ انْطِلاقي في طريقٍ مُعَبَّد؟! إلى الحُسْنِ لا يَطْوِي المشاعرَ والنُّهى=ولا يَتَخَلىَّ عن أَسيرٍ مُصَفَّدِ..! فقالَتْ وفي أَعْطافِها الغَيُّ والهُدى=يَجِيشانِ في قَلْبٍ عَصيٍّ مُهَدِّدِ! أتَقْوى على هَجْري. وأَنْتَ مُتَيَّمٌ؟!=وتَهْفوا إلى حُسْنٍ رَخيصٍ مُعَرْبِدِ؟! أَتَرْضى بِأَنْ تَهْوى النُّحاسَ وقد صبا=فُؤادُكَ للحسن الوضي كَعَسْجَدِ؟! إذا كان هذا كنْتَ أَفْدَحَ خاسِرٍ=بِرَغْمِ الهَوى الجاني عليْكَ. المُنَدِّدِ! لَشَتَّانَ ما بَيْنَ الهوى يَنْشُدُ اللُّهى=وبَيْنَ الهوى يَرْمي إلى خَيْرِ مَقْصِدِ! غُلِبْتُ على أَمْري. وما كنْتُ عاجِزاً=عن الرَّدِّ لكِنَّ الهوى كانَ سَيِّدي! وكنْتُ له عَبْداً مُطِيعاً ولو قَسا=ظَلوماً. فما يُجْدِي على تَمَرُّدي! وما كان يُجْدِيني اعْتِزامي وسَطْوتي=ولا كان يُجْدِيني حطامي وسُؤْدَدِي! وما حَفَلْت يَوْماً بِشَجْوي وصَبْوَتي بَلى=أَفكانَتْ ذاتَ قَلْبٍ كَجَلْمَدِ؟! قضاءٌ يَرُدُّ الحُسْنَ في النَّاسِ سَيِّداً=وعاشِقَهُ المُضْنى به غَيْرَ سَيِّدِ! ولو كانَ فيهم عَبْقَرِياً مُسَوَّداً=وإلاَّ كَمِيّاً ضارِباً بِمُهَنِّدِ..! دَعَتْني إلى الرَّوْضِ النَّضِيرِ ثِمارُهُ=وأَزْهارُهُ.. كَيْ يَسْتَقِرَّ تَشَرُّدي! وثَنَّتْ يَنابِيعٌ تَجِيشُ بِسَلْسَلٍ زُلالٍ=وقالَتْ مَرْحَباً أيُّها الصَّدي! هُنا العُشُّ والإِلْفُ الطَّرُوبُ مُغَرِّداً=يَحِنُّ إلى إِلْفٍ طَرُوبٍ مُغَرِّدِ! هَلُّمَّ إلَيْنا عاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ=وطَرِّبْ وأَسْعِدْنا بِشَدْوِكَ نَسْعَدِ! إلى العَيْشِ يَصْفُو لا يُكَدِّرُه الورى=فأغدو به نَشْوانَ غَيْرَ مُحَسَّدِ؟! أُناغي به رَوْضاً وطَيْراً وجَدْوَلاً=وإلفاً وَفِيّاً ما يُسَهِّدُ مَرْقَدي! فَلَيْسَ بِخَوَّانٍ. ولَيْسَ بناكِثٍ=ولَيْس بِصَخَّابٍ. وليْس بِمُعْتَدي! نَعيشُ. وما نَشْقى بِرَبْعٍ مُشَيَّدٍ=على الحُبِّ.. من أَمْنٍ نَرُوحُ ونَغْتَدي! لقد كانَ حُلْماً يُسْتطابُ به الكرَى=ويسْعَدُ منه ناعِسٌ غَيْرُ مُسْعَدِ! ونَنْعَمُ بالآلاءِ فيه سَخِيَّةً=ونَحْظى بِشَمْلٍ فيه غَيْر مُبَدَّدِ..! صَحَوْتُ فأشْجَتْني الحياةُ كئِيبَةً=بِصَحْوٍ.. فما أَشْقاكَ يا يَوْمَ مَوْلِدي! فَحَسْبي بِذِكْراها جَزاءً.. وحَسْبُها=بِشِعْري خُلوداً عَبْرَ شِعْرٍ مُخَلَّدِ |
رحلْتَ وخلَّفْتَ الرّفاقَ بواكياً=عليك وكانوا بالقوافي شوادِيا! وكانوا وما زالوا إليك صوادِياً=فَمَنْ ذا الذي يَسْقي ويَرْوِي الصَّواديا؟! ومَن ذا الذي يُرْضِي الحواضِرَ كلَّهم=ومَن ذا الذي من بَعْدُ يُرْضي البواديا؟! لقد كنتَ في دُنْيا المَشاعِر صاحياً=وما كنْتَ في دُنْيا المشاعِر غافيا! وكنتَ المُجَلِّي في السِّباقِ وإنَنِّي=سأَغْدو والمُصَلِّي أَيْنَما كنْتُ ثاوِيا! كفَرْعَيْنِ كنَّا دوْحُنا مُتَطاوِلٌ=بِرَوْضٍ نضيرٍ لم يَكُنْ قَطُّ ذاوِيا! إلى أن دعا داعي المنية مُرْجِفاً=فَلبَّيْتَ ما أقْسى وأَحْنى المُنادِيا! وسوف ألَبِّيه قريباً وانْثَنى=إليك كنَجْمَيْنِ الغداةَ تَواريَا! أَرَبَّ القَوافي العُصْمِ. أَصْبَحْتَ خالِداً=فما كنْتَ مِهذاراً ولا كنتَ لاهِياَ ولكنَّه الجِدُّ الذي شَرُفَتْ به=معانِيكَ حتى نَوَّلتْكَ المعاليا! فَجُبْتَ الذُّرَى حتى افْتَرَعْتَ سنامَها=وجابُوا سُفوحاً أَمْحَلَتْ وفيافيا! إذا العبقريُّ الحقُّ غاب تطاولتْ=مآثِرُهُ بين الأنام حوالِيا! وغاب أُناسٌ قبله ثم يعده=فكانوا فَقاقيعَ الشَّرابِ الطَّوافِيا! وكنْتَ كَمِثْلِ النَّجْم يَسْطَعُ سَرْمَداً=فَيًسْعِدُ أيَّاماً لنا وليالِيا! وقد كنتَ فَذّاً في الرجال مُسَوّداً=بِفِكْرٍ إذا جَلَّى أضاء الدواجيا! وكان عَصِيُّ الشِّعرِ يُلْقي قِيادَه=إليك ويَدْنو منه ما كان نائيا! ونَعْجَزُ عن بعض القريض ويَسْتَوِي=لديك مُطِيعاً أحْرُفاً ومعانِيا! فَتَخْتارُ منه ما تشاء قصائداً=تَسُرُّ حنايانا وتُذْرِي المآقِيا! وها كنتَ مِجداباً وما كنت مُصْفياً=كما زعموا بل كنتَ كالنَّهر جاريا! ولكنَّكَ اخْتَرْتَ السَّكوتَ تَرَفُّعاً=عن الهَزْل يُزْجِيه الشَّعارِيرُ هاذِيا! ولَيْتَكَ لم تَسْكُتْ فأنَّى=لِبُلْبُلٍ سكوتٌ فقد يُدْمي السكوتُ الحوانيا! لقد كان بالشَّدْوِ الرَّخيم مُداوِياً=وكان به نَجْماً إلى الدَّرْبِ هادِيا! رعاكَ الذي أَسْدَى إليك ولم تكُنْ=جَحُوداً فأسْدَيْتَ الأماني الغواليا! لَشَتَّانَ ما بَيْنَ الثَّرى مُتَطامِناً=وبَيْنَ الثُّرَيَّا.. حِطَّةً وتعالِيا! تَذَكَّرْتُ ما كُنَّا بِه من تآلُفٍ=حَبِيبٍ ولم أَذْكُرْ قِلًى وتَجافِيا! وكيف وما كنْتَ العَزوفَ عن الهُدى=ولا المَجْد يوماً فَاسْتَبَنْتَ الخوافِيا! وما كُنْتُهُ يوماً فَعِشْنا. تآخِياً=كريماً يُمَنِّينا وعِشْنا تَصافيا! وما كنْتُ أَرجو أَنْ تَرُوحَ وأَسْتَوِي=بِرَبْعي حزيناً دامِعَ العيْنِ راثِيا! ولكنَّه حُكْمُ القضاءِ.. وما لنا=سوى الصَّبْرِ مِعْواناً. سوى الصَّبْرِ آسِيا! يُخَبِّرُني أَنَّني. سأَلْقاك في غَدٍ=فيَلْقى كِلانا مِنَّةً وأَياديا! ونَلْقى مِن الله الكريمِ تَجاوُزاً=ونَلْقاهُ رحْماناً.. ونلْقاه راضيا! تباركْتَ رَبِّي.. ما أَجَلَّكَ حانِياً=علينا.. وإنْ كُنَّا غُواةً ضوارِيا |
الساعة الآن 07:02 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.