القربــــــان
انتفض عامر من غفوته مذعورا, مستعوذا والعرق يتصبّب من جبينه. نظر حواليه ففوجىء بالهادي أمامه يبتسم. - ما دمت تخاف فأولى لك أن تهجر الداموس*. بدا عامر أقرب إلى الخجل منه إلى الغضب. قال: - مثلنا لا يخاف. ولكنّك أيقظتني بعنف وقسوة, حتى أني حسبت الجبل انشقّ وابتلعني. سخر منه رفيقه أول مرة, ثم شجّعه على الحديث, فقال. - إني قلق. فقد رأيت حلما أزعجني. بدا الهادي متلهّفا وكأنّ الأمر يعنيه. - خير. خير إن شاء الله, ماذا رأيت؟ - رأيتني وكأني أرمّم جدار الغرفة المشقّق.وكلّ ما أحسب أنني أتممت, حتى يسقط كل ما فعلته ويزيد الجدار اتساعا وعمقا. وكلّما حاولت من جديد إلاّ وازداد الشّرخ عمقا. ولما يئست ركلت الجدار بكل قوتي.. توقّف عن الكلام.ابتلع ريقه ومسح بعض قطرات عرق سالت فجأة, فشجّعه الهادي على المتابعة, وسأله في دهاء. - وما كدت تركل الشرخ حتى التأم وكأن لم يكن شيئا. قاطعه: - لا. فقد سمعت أزيزا يخرج من الجدار, وأصواتا تصرخ وتستغيث. ورأيت أناسا يكسو الشعر أجسامهم, ولهم أنياب يتوكّؤون عليها,وأعين بحجم الرحى. والأمر الذي أخذ مني العقل, أن تلك المخلوقات كانت تضرب بسياط من الشوك زوجتي وأبنائي. وقد حاولت الذّود عنهم, فصفعتني قوّة خارقة صفعة ألقت بي في مكان مظلم لم أعرف منه سوى وحشته وضيقه. صمت عامر, فانفرجت أسارير الهادي. واتسعت ابتسامته حتى تحوّلت قهقهة بانت لها أسنانه الصفراء. - تحلم وتخاف.! ماذا لو... لم يستطع مواصلة تعليقه فقد غلبه الضحك, الأمر الذي أغضب رفيقه فتركه وسار نحو الأمام وهو يردّد. - ما أقساك. جاهل لا تقدّر المسائل. واختفى في ظلمة الداموس*, فكفّ عن الضحك وندم لأنه لم يشاركه قلقه. فكّر في أن يلحقه ويعتذر منه. ولكن الرجّة التي اهتزّ لها الجبل لم تترك له وقتا للاعتذار. وانفطر قلبه لما سمع أحد العمال يصيح. - انتهى عامر. دفنه الصّخر الذي سقط. ثم أكّد آخر: - لم يسمع تحذيرنا ومناداتنا عليه. وقال ثالث: * الداموس : منجم الفوسفاط |
قصة رعب ثرية بمشاهد متكاملة شعرت وأنا أقرأ قصتك في منجم الفوسفات والأحلام الغريبة وكأنني أشاهد فيلماً رائع أخي طارق .. عيدك مبارك تحية ... ناريمان |
ليس غريبا أن يكون لهذه المناجم هذا الاسم المرعب " الداموس" فوقعه على الاذن يوحي بالغموض الممزوج بالرعب
و كل من يعمل في هذه المناجم يعرف تماما في قرارة نفسه اأن موته على سريره او في حادث خارج هذه الاماكن انتصار فعلي يبقى هذا الهاجس يؤرقه و ربما من أجل عنون طارق الأحمدي قصته ب " القربان " بدأ العمل بحلم مفزع و لا يدري تأويله و انتهى بتفسير الحلم بذات التطريقة المرعبة ..هنا سؤال لا إجابة عنه لحد الآن : ترى هل يشعر المشرف على الموت أنه يقضي لحظاته الاخيرة فعلا؟ هل هناك انذارات داخلية تخبره بانقضاء أجله كما ينذرنا اي جهاز الكتروني ببدء فراغ بطاريته ؟لحظة محيرة حقا و غموضها هو السبب الاكبر الذي يجعلها مرعبة سرد جميل متميز كعادة الروائي المتمكن و الناقد طارق الأحمدي دمت رائعا يا طارق ا |
نص متميز..يستحضر إلى ساحة الذهن أسئلة
عدّة:هل هذا الكابوس في ذلك الداموس هو الأول .. أم أنّه يوميّ ..يعيشه العمّال الكادحون ويخشون أن يتحقق ذات يوم ..وعندما يفعل ..لايستطيعون شيئاً ..وخلفهم عيال تسوطهم متطلبات الحياة بشوكها وتفترسهم ذئاب لاتشبع أبدا..أم أن هذا الكابوس فريد ونادر وهو تجسّد لهواجس تراكمت في اللاوعي وانطلقت في وقتها لتنذر بالمحذور الذي يقع .. نص جميل متقن ..أعجبني ..ويسرني أن أسجل ذلك ..شكرأ لك أخي الكريم طارق .. مع كل التقدير |
الصديق الأديب الكريم طارق الأحمدي المحترم |
اكثر ما احزنني غياب الاستاذ طارق الاحمدي. لاننا محرومون من مخرجات عقله المبدع. |
الساعة الآن 05:30 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.