حـــــــزن علوش الأبله
حـــــــزن علوش الطيب قال السيد علوش : وتشجعت فغامرت ، وأنفقت كل ثروتي الضئيلة ، وكامل جهدي في فلاحة "الدلاع" ، ووفق الله ؛ فجاء المنتوج وافرا ، رائعا، مغريا ، وانتهى الموسم . وتجمعت الملايين تحت يدي فجأة ، فتغير طعم الأشياء ، وأصبحت أكثر بروزا ، تعرض نفسها علي بإلحاح ، وتلمست نفسي -لأول مرة - معنى التمنع والتأفف ، وبدا الفضاء أكثر رحابة ، زاهيا بلون الورد ، يفجر الفرح في أعماق الصخور الصماء ، وغدوت أخرج كل يوم من البيت مستغنيا عن البشر ، مستقبلا يومي بشوق ، مأخوذا بجمال الطبيعة الذي كان محجوبا عني ، لم أكن من قبل – قبل أن استعيد كرامتي المهدورة - أشعر بأي علاقة تربطني بقريتي ، وساكنيها ، كان الناس من حولي يقومون بأدوارهم في هذا الكرنفال الأبدي طائعين راضين كالأنعام ، يمسكون بطونهم الخاوية ، و يهزون رؤوسهم الفارغة على عادة الدراويش ؛ وهم يصفقون ويتغنون بالوطن والثورة والثوار ، ويرقصون في فوضى على إيقاع أغاني الراي التالف ، بمناسبة وبغير مناسبة ، يعتزون بالتاريخ ، وباللغة والحضارة ، ويدفعونني من طريقهم صارخين ابتعد ، يا علوش الخامل الأبله ، ابتعد أيها التافه ، ولم أكن أفقه أي معنى لأقوالهم . صرخ الشيخ في علوش : علوش مابك ؟ أنت تهذي هل تشعر بالحمي؟ ومتى سقطت؟ انهض حاول أن تنهض. تجاهل علوش الشيخ ، وواصل حديثه إلى الشيخ نفسه. - أيها الشيخ : كنت - بعد أن أغناني الله - آخذ كل يوم مبلغا من المال ،أوزعه على جيوبي ، وأسير في دربي هذا بثقة ؛ نحو الطريق المعبد المؤدي للمدينة ، كنت في دربي أدوس على الحجر الصوان الأصم ،فاسمع تصدعه تحت رجلي، وهو يطحن ، أرفع رجلي وألتفت ورائي فإذا هو غبار تذروه الريح عابثة. أنت يا علوش ، أنت تضع رجلك على الحجر فينسحق؟. نعم ، أنا كنت أضع رجلي فوق الحجر الأصم فينسحق ،حين كانت الملايين تحت يدي. – وواصل وقد نسي الشيخ بجانبه تماما - أصل المدينة ، أطوف بأهم مقاهيها ، أقف متباهيا بمدخل كل مقهى ،وأتلذذ بنظرات روادها المعحبين بجغرافية جسمي الضئيل المبجلة، داخل البذلة الجديدة، أخرج علبة سيجارتي ، ثم الولاعة ذات اللون الذهبي، كي يراهما الحاسدون والطامعون ، الذين يرفعون أيديهم بالتحية كما يفعل المودعون، وكما يفعل كل صاحب مقهي أقف على عتبة محله منتفشا كالديك المغرور ، يحييني ويقبل نحوي ، ألج متغطرسا ، أدفع متكرما أثمان مشروبات من ارتضيت من الرواد ،وأنصرف مشيعا مشكورا ، وهكذا كنت أمر بكل مقهى من مقاهي المدينة كلبا يتبول بأصول شجيرات محددا بها معالم مجاله الحيوي ، مثبتا بجذورها رائحته ، كي يزداد ثقة برسوخ مملكته ، ويرتاح حين يلقى أهل البيت، فيتمسح بأرجلهم ويشعر بالأنس ويغمره الفرح. وكما جاءت الملايين بسرعة ذابت بسرعة ،تسربت من بين أصابعي قبل أن أفيق، وحين أفقت وجدت نفسي وحيدا ، وقد تقلصت الأشياء من حولي ، وخبت ألوانها وتداخلت ، وأصبحت مساحة الكون لا تتسع لحافتي الدرب أمامي ، والدرب لا يتسع لموقع رجلي ، وعسر على المشي ، وأنا الآن علوش الأبله الفقير،المملوء بالحزن ، المشحون بالندم ، أخرج من بيتي فارغ الوفاض ، تاركا ورائي بطونا يعصرها الجوع ،خدعتها لفترة ، لأن الحياة خدعتني ،أدب سالكا نفس الدرب نحو المدينة ، منهك القوى متعثرا، متجنبا الدوس على الحصى خوف أن يختل توازني فأترنح وأهوي على وجهي ، وفي غفلة مني ، تعلق برجلي قشة من خشاش الأرض فتفقدني توازني فأسقط ، ويتعفر وجهي ، أمسحه بيدي العاجزة حد الشلل وأقول : أروع المتع هي التي تأتيك صدفة وتغادرك في غفلة ودون استئذان . قال الشيخ : ثم تمدد علوش وأسلم الروح. الضيف حمراوي 10/07/2012 * |
علوش سيرة حياة متكررة للغالبية
سرد متمكن و لغة متميزةأدخلتنا في عالم القصة و إسقاطاتها العميقة أ. الضيف حمراوي سعيدة أنك هنا في منابر ثقافية فأهلا بك معنا تحيتي لك |
الساعة الآن 05:29 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.