منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر رواق الكُتب. (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=27)
-   -   صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=1753)

ناريمان الشريف 10-08-2010 09:39 AM

صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
 

(1)
مصعب بن عمير - أول سفراء الاسلام

هذا رجل من أصحاب محمد ما أجمل أن نبدأ به الحديث.

غرّة فتيان قريش، وأوفاهم جمالا، وشبابا..

يصف المؤرخون والرواة شبابه فيقولون:" كان أعطر أهل مكة"..

ولد في النعمة، وغذيّ بها، وشبّ تحت خمائلها.

ولعله لم يكن بين فتيان مكة من ظفر بتدليل أبويه بمثل ما ظفر به "مصعب بن عمير"..

ذلك الفتى الريّان، المدلل المنعّم، حديث حسان مكة، و لؤلؤة ندواتها و مجالسها، أيمكن أن يتحوّل الى أسطورة من أساطير الايمان و الفداء..؟

بالله ما أروعه من نبأ.. نبأ "مصعب بن عمير"، أو "مصعب الخير" كما كان لقبه بين المسلمين.

إنه واحد من أولئك الذين صاغهم الاسلام وربّاهم "محمد" عليه الصلاة والسلام..

ولكن أي واحد كان..؟

إن قصة حياته لشرف لبني الإنسان جميعاً..

لقد سمع الفتى ذات يوم، ما بدأ أهل مكة يسمعونه من محمد الأمين صلى الله عليه وسلم..

"محمد" الذي يقول أن الله أرسله بشيراً ونذيراً. وداعياً الى عبادة الله الواحد الأحد.

وحين كانت مكة تمسي وتصبح ولا همّ لها،
ولا حديث يشغلها الا الرسول عليه الصلاة والسلام ودينه، كان فتى قريش المدلل أكثر الناس استماعا لهذا الحديث.

ذلك أنه كان على الرغم من حداثة سنه، زينة المجالس والندوات، تحرص كل ندوة أن يكون مصعب بين شهودها، ذلك أن أناقة مظهره ورجاحة عقله كانتا من خصال "ابن عمير التي تفتح له القلوب والأبواب..

ولقد سمع فيما سمع أن الرسول ومن آمن معه،
يجتمعون بعيدا عن فضول قريش وأذاها..
هناك على الصفا في دار "الأرقم بن أبي الأرقم" فلم يطل به التردد، ولا التلبث والانتظار، بل صحب نفسه ذات مساء الى دار الأرقم تسبقه أشواقه ورؤاه...

.... يتبع

ناريمان الشريف 10-08-2010 09:41 AM

هناك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه فيتلو عليهم القرآن، ويصلي معهم لله العليّ القدير.

ولم يكد مصعب يأخذ مكانه، وتنساب الآيات من قلب الرسول متألقة على شفتيه، ثم آخذة طريقها الى الأسماع والأفئدة،
حتى كان فؤاد ابن عمير في تلك الأمسية هو الفؤاد الموعود..!

ولقد كادت الغبطة تخلعه من مكانه، وكأنه من الفرحة الغامرة يطير.

ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بسط يمينه الحانية حتى لامست الصدر المتوهج، والفؤاد المتوثب،
فكانت السكينة العميقة عمق المحيط.. وفي لمح البصر كان الفتى الذي آمن وأسلم يبدو ومعه من الحكمة ما بفوق ضعف سنّه وعمره، ومعه من التصميم ما يغيّر سير الزمان..!!!

**

كانت أم مصعب "خنّاس بنت مالك" تتمتع بقوة فذة في شخصيتها، وكانت تهاب الى حد الرهبة..

ولم يكن مصعب حين أسلم ليحاذر أو يخاف على ظهر الأرض قوة سوى امه.

فلو أن مكة بل أصنامها وأشرافها وصحرائها،
استحالت هولا يقارعه ويصارعه، لاستخف به مصعب الى حين..

أما خصومة أمه، فهذا هو الهول الذي لا يطاق..!

ولقد فكر سريعا، وقرر أن يكتم اسلامه حتى يقضي الله أمرا.

وظل يتردد على دار الأرقم، ويجلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قرير العين بايمانه،
وبتفاديه غضب أمه التي لا تعلم خبر اسلامه خبرا..

ولكن مكة في تلك الأيام بالذات، لا يخفى فيها سر، فعيون قريش وآذانها على كل طريق،
ووراء كل بصمة قدم فوق رمالها الناعمة اللاهبة، الواشية..

ولقد أبصر به "عثمان بن طلحة" وهو يدخل خفية الى دار الأرقم.. ثم رآه مرة أخرى وهو سصلي كصلاة محمد صلى الله عليه وسلم، فسابق ريح الصحراء وزوابعها،
شاخصا الى أم مصعب، حيث ألقى عليها النبأ الذي طار بصوابها...

ووقف مصعب أمام أمه، وعشيرته، وأشراف مكة مجتمعين حوله يتلو عليهم في يقين الحق وثباته،
القرآن الذي يغسل به الرسول قلوبهم، ويملؤها به حكمة وشرفا، وعدلا وتقى.

وهمّت أمه أن تسكته بلطمة قاسية، ولكن اليد التي امتدت كالسهم، ما لبثت أم استرخت وتنحّت أمام النور الذي زاد وسامة وجهه وبهاءه جلالا يفرض الاحترام، وهدوءا يفرض الاقناع..


.... يتبع

ناريمان الشريف 10-08-2010 09:45 AM

ولكن، اذا كانت أمه تحت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب والأذى،
فان في مقدرتها أتثأر للآلهة التي هجرها بأسلوب آخر..

وهكذا مضت به الى ركن قصي من أركان دارها، وحبسته فيه، وأحكمت عليه اغلاقه،
وظل رهين محبسه ذاك، حتى خرج بعض المؤمنين مهاجرين الى أرض الحبشة، فاحتال لنفسه حين سمع النبأ،
وغافل أمه وحراسه، ومضى الى الحبشة مهاجرا أوّابا..

ولسوف يمكث بالحبشة مع اخوانه المهاجرين،
ثم يعود معهم الى مكة، ثم يهاجر الى الحبشة للمرة الثانية مع الأصحاب الذين يأمرهم الرسول بالهجرة فيطيعون.

ولكن سواء كان مصعب بالحبشة أم في مكة، فان تجربة ايمانه تمارس تفوّقها في كل مكان وزمان،
ولقد فرغ من اعداة صياغة حياته على النسق الجديد الذي أعطاهم محمد نموذجه المختار،
واطمأن مصعب الى أن حياته قد صارت جديرة بأن تقدّم قربانا لبارئها الأعلى، وخالقها العظيم..

خرج يوما على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله،
فما ان بصروا به حتى حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعا شجيّا..

ذلك أنهم رأوه.. يرتدي جلبابا مرقعا باليا،
وعاودتهم صورته الأولى قبل اسلامه، حين كانت ثيابه كزهور الحديقة النضرة، وألقا وعطرا..

وتملى رسول الله مشهده بنظرات حكيمة، شاكرة محبة، وتألقت على شفتيه ابتسامته الجليلة، وقال:

" لقد رأيت مصعبا هذا، وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه، ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله".!!

لقد منعته أمه حين يئست من ردّته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة..
وأبت أن يأكل طعامها انسان هجر الآلهة وحاقت به لعنتها، حتى ولو يكون هذا الانسان ابنها..!!

ولقد كان آخر عهدها به حين حاولت حبسه مرّة أخرى بعد رجوعه من الحبشة.
فآلى على نفسه لئن هي فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه..

وانها لتعلم صدق عزمه اذا همّ وعزم، فودعته باكية، وودعها باكيا..




..... يتبع

ناريمان الشريف 10-08-2010 09:49 AM



وكشفت لحظة الوداع عن اصرار عجيب على الكفر من جانب الأم واصرار أكبر على الايمان من جانب الابن..
فحين قالت له وهي تخرجه من بيتها: اذهب لشأنك، لم أعد لك أمّا.
اقترب منها وقال:"يا أمّه اني لك ناصح، وعليك شفوق، فاشهدي بأنه لا اله الا الله، وأن محمدا عبده ورسوله"...

أجابته غاضبة مهتاجة:" قسما بالثواقب، لا أدخل في دينك،
فيزرى برأيي، ويضعف غقلي"..!!

وخرج مصعب من النعمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثرا الشظف والفاقة..
وأصبح الفتى المتأنق المعطّر، لا يرى الا مرتديا أخشن الثياب،
يأكل يوما، ويجوع أياما
ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة، والمتألقة بنور الله، كانت قد جعلت منه انسانا آخر يملأ الأعين جلال والأنفس روعة...

**

وآنئذ، اختاره الرسول لأعظم مهمة في حينها : أن يكون سفيره الى المدينة، يفقّه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا الرسول عند العقبة، ويدخل غيرهم في دين الله،
ويعدّ المدينة ليوم الهجرة العظيم..

كان في أصحاب رسول الله يومئذ من هم أكبر منه سنّا وأكثر جاها، وأقرب من الرسول قرابة..
ولكن الرسول اختار مصعب الخير، وهو يعلم أنه يكل اليه بأخطر قضايا الساعة، ويلقي بين يديه مصير الاسلام في المدينة التي ستكون دار الهجرة،
ومنطلق الدعوة والدعاة، والمبشرين والغزاة، بعد حين من الزمان قريب..

وحمل مصعب الأمانة مستعينا بما أنعم الله عليه من رجاحة العقل وكريم الخلق،
ولقد غزا أفئدة المدينة وأهلها بزهده وترفعه واخلاصه، فدخلوا في دين الله أفواجا..

لقد جاءها يوم بعثه الرسول اليها وليس فيها سوى اثني عشر مسلما هم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة، ولكنه ام يكد يتم بينهم بضعة أشهر حتى استجابوا لله وللرسول..!!

وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة،
كان مسلمو المدينة يرسلون الى مكة للقاء الرسول وفدا يمثلهم وينوب عنهم..
وكان عدد أعضائه سبعين مؤمنا ومؤمنة.. جاءوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم اليهم "مصعب ابن عمير".

لقد أثبت "مصعب" بكياسته وحسن بلائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كيف يختار..

فلقد فهم مصعب رسالته تماما ووقف عند حدودها.
عرف أنه داعية الى الله تعالى، ومبشر بدينه الذي يدعو الناس الى الهدى،
والى صراط مستقيم. وأنه كرسوله الذي آمن به، ليس عليه الا البلاغ..


.... يتبع

ناريمان الشريف 10-08-2010 09:53 AM


هناك نهض في ضيافة "أسعد بم زرارة" يفشيان معا القبائل والبويت والمجالس،
تاليا على الناس ما كان معه من كتاب ربه، هاتفا بينهم في رفق عظيم بكلمة الله (انما الله اله واحد)..

ولقد تعرّض لبعض المواقف التي كان يمكن أن تودي به وبمن معه، لولا فطنة عقله، وعظمة روحه..

ذات يوم فاجأه وهو يعظ الانس "أسيد بن خضير" سيد بني عبد الأشهل بالمدينة،
فاجأه شاهرا حربته ويتوهج غضبا وحنقا على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم..
ويدعوهم لهجر آلهتهم، ويحدثهم عن اله واحد لم يعرفوه من قبل، ولم يألفوه من قبل..!

ان آلهتهم معهم رابضة في مجاثمها واذا حتاجها أحد عرف مكانها وولى وجهه ساعيا اليها،
فتكشف ضرّه وتلبي دعاءه... هكذا يتصورون ويتوهمون..

أما اله محمد الذي يدعوهم اليه باسمه هذا السفير الوافد اليهم، فما أحد يعرف مكانه،
ولا أحد يستطيع أن يراه..!!

وما ان رأى المسلمون الذين كانوا يجالسون مصعبا مقدم أسيد ابن حضير متوشحا غضبه المتلظى، وثورته المتحفزة،
حتى وجلوا.. ولكن مصعب الخير ظل ثابتا وديعا، متهللا..

وقف اسيد أمامه مهتاجا، وقال يخاطبه هو وأسعد بن زرارة:

"ما جاء بكما الى حيّنا، تسهفان ضعفاءنا..؟
اعتزلانا، اذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة"..!!

وفي مثل هدوء البحر وقوته..

وفي مثل تهلل ضوء الفجر ووداعته..
انفرجت أسارير مصعب الخير وتحرّك بالحديث الطيب لسانه
فقال:"أولا تجلس فتستمع..؟!
فان رضيت أمرنا قبلته.. وان كرهته كففنا عنك ما تكره".

الله أكبر. ما أروعها من بداية سيسعد بها الختام..!!

كان أسيد رجلا أريبا عاقلا.. وها هو ذا يرى مصعبا يحتكم معه الى ضميره، فيدعوه أن يسمع لا غير..
فان اقتنع، تركه لاقتناعهو وان لم يقتنع ترك مصعب حيّهم وعشيرتهم، وتحول الى حي آخر وعشيرة أخرى غير ضارّ ولا مضارّ..

هنالك أجابه أسيد قائلا: أنصفت.. وألقى حربته الى الأرض وجلس يصغي..

ولم يكد مصعب يقرأ القرآن، ويفسر الدعوة التي جاء بها محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام،
حتى أخذت أسارير أسيد تبرق وتشرق.. وتتغير مع مواقع الكلم، وتكتسي بجماله..!!

ولم يكد مصعب يفرغ من حديثه حتى هتف به أسيد بن حضير وبمن معه قائلا:

"ما أحسن هذا القول وأصدقه.. كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين"..؟؟

وأجابوه بتهليلة رجّت الأرض رجّا، ثم قال له مصعب:

"يطهر ثوبه وبدنه، ويشهد أن لا اله الا الله".

فعاب أسيد عنهم غير قليل ثم عاد يقطر الماء الطهور من شعر رأسه،
ووقف يعلن أن لا اله الا الله، وأن محمدا رسول الله..

وسرى الخبر كالضوء.. وجاء سعد بن معاذ فأصغى لمصعب واقتنع، وأسلم
ثم تلاه سعد بن عبادة، وتمت باسلامهم النعمة،
وأقبل أهل المدينة بعضهم على بعض يتساءلون:
اذا كان أسيد بن حضير، وسعد ابن معاذ، وسعد بن عبادة قد أسلموا، ففيم تخلفنا..؟
هيا الى مصعب، فلنؤمن معه، فانهم يتحدثون أن الحق يخرج من بين ثناياه..!!

**


..... يتبع

ناريمان الشريف 10-08-2010 09:56 AM

لقد نجح أول سفراء الرسول صلى الله عليه وسلم نجاحا منقطع النظير.. نجاحا هو له أهل، وبه جدير..

وتمضي الأيام والأعوام، ويهاجر الرسول وصحبه الى المدينة، وتتلمظ قريش بأحقادها..
وتعدّ عدّة باطلها، لتواصل مطاردتها الظالمة لعباد الله الصالحين.. وتقوم غزوة بدر، قيتلقون فيها درسا يفقدهم بقية صوابهم ويسعون الى الثأر،و تجيء غزوة أحد..
ويعبئ المسلمون أنفسهم، ويقف الرسول صلى الله عليه وسلم وسط صفوفهم يتفرّس الوجوه المؤمنة ليختار من بينها من يحمل الراية..
ويدعو مصعب الخير، فيتقدم ويحمل اللواء..

وتشب المعركة الرهيبة، ويحتدم القتال، ويخالف الرماة أمر الرسول عليه الصلاة والسلام،
ويغادرون موقعهم في أعلى الجبل بعد أن رأوا المشركين ينسحبون منهزمين، لكن عملهم هذا،
سرعان ما يحوّل نصر المسلمين الى هزيمة..
ويفاجأ المسلمون بفرسان قريش تغشاهم من أعلى الجبل، وتعمل فيهم على حين غرّة، السيوف الظامئة المجنونة..

حين رأوا الفوضى والذعر في صفوف المسلمين، ركزا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لينالوه..

وأدرك مصعب بن عمير الخطر الغادر، فرفع اللواء عاليا،
وأطلق تكبيرة كالزئير، ومضى يجول ويتواثب..
وكل همه أن يلفت نظر الأعداء اليه ويشغلهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه،
وجرّد من ذاته جيشا بأسره.. أجل، ذهب مصعب يقاتل وحده كأنه جيش لجب غزير..

يد تحمل الراية في تقديس..

ويد تضرب بالسيف في عنفوان..

ولكن الأعداء يتكاثرون عليه، يريدون أن يعبروا فوق جثته الى حيث يلقون الرسول..



.... بتبع

ناريمان الشريف 10-08-2010 09:58 AM


لندع شاهد عيان يصف لنا مشهد الخاتم في حياة مصعب العظيم..!!

يقول ابن سعد:
أخبرنا ابراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري، عن أبيه قال:

[حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد،
فلما جال المسلمون ثبت به مصعب، فأقبل ابن قميئة وهو فارس، فضربه على يده اليمنى فقطعها،
ومصعب يقول: وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل..

وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه،
فضرب يده اليسرى فقطعها، فحنا على اللواء وضمّه بعضديه الى صدره وهو يقول :
وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل..

ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأندق الرمح، ووقع مصعب، وسقط اللواء].

وقع مصعب.. وسقط اللواء..!!

وقع حلية الشهادة، وكوكب الشهداء..!!

وقع بعد أن خاض في استبسال عظيم معركة الفداء والايمان..

كان يظن أنه اذا سقط، فسيصبح طريق القتلة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاليا من المدافعين والحماة..

ولكنه كان يعزي نفسه في رسول الله عليه الصلاة والسلام من فرط حبه له وخوفه عليه حين مضى يقول مع كل ضربة سيف تقتلع منه ذراعا :

(وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل)

هذه الآية التي سينزل الوحي فيما بعد يرددها، ويكملها،
ويجعلها، قرآنا يتلى..

**

وبعد انتهاء المعركة المريرة، وجد جثمان الشهيد الرشيد راقدا،
وقد أخفى وجهه في تراب الأرض المضمخ بدمائه الزكية..

لكأنما خاف أن يبصر وهو جثة هامدة رسول الله يصيبه السوء، فأخفى وجهه حتى لا يرى هذا الذي يحاذره ويخشاه..!!

أو لكأنه خجلان اذ سقط شهيدا قبل أن يطمئن على نجاة رسول الله،
وقبل أن يؤدي الى النهاية واجب حمايته والدفاع عنه..!!

لك الله يا مصعب.. يا من ذكرك عطر الحياة..!!

**


.... يتبع

ناريمان الشريف 10-08-2010 10:03 AM

وجاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شهداءها..

وعند جثمان مصعب، سالت دموع وفيّة غزيرة..

يقول خبّاب بن الأرت:

[هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله، نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله..
فمنا من مضى، ولم يأكل من أجره في دنياه شيئا، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد.. فلم يوجد له شيء يكفن فيه الا نمرة..

فكنا اذا وضعناها على رأسه تعرّت رجلاه، واذا وضعناها على رجليه برزت رأسه،
فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اجعلوها مما يلي رأسه، واجعلوا على رجليه من نبات الاذخر"..]..

وعلى الرغم من الألم الحزين العميق الذي سببه رزء الرسول صلى الله عليه وسلم في عمه حمزة،
وتمثيل المشركين يجثمانه تمثيلا أفاض دموع الرسول عليه السلام، وأوجع فؤاده..

وعلى الرغم من امتلاء أرض المعركة بجثث أصحابه وأصدقائه الذين كان كل واحد منهم يمثل لديه عالما من الصدق والطهر والنور..

على الرغم من كل هذا، فقد وقف على جثمان أول سفرائه، يودعه وينعاه..

أجل.. وقف الرسول صلى الله عليه وسلم عند مصعب بن عمير وقال وعيناه تلفانه بضيائهما وحنانهما ووفائهما:

(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)

ثم ألقى في أسى نظرة على بردته التي كفن بها وقال:
لقد رأيتك بمكة، وما بها أرق حلة، ولا أحسن لمّة منك. "
ثم هاأنت ذا شعث الرأس في بردة"..؟!

وهتف الرسول عليه الصلاة والسلام وقد وسعت نظراته الحانية أرض المعركة بكل من عليها من رفاق مصعب
وقال:"ان رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة".

ثم أقبل على أصحابه الأحياء حوله وقال:

"أيها الناس زوروهم،وأتوهم، وسلموا عليهم،
فوالذي نفسي بيده، لا يسلم عليهم مسلم الى يوم القيامة،
الا ردوا عليه السلام"..

**

السلام عليك يا مصعب..

السلام عليكم يا معشر الشهداء..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..






مصعب بن عمير رضي الله عنه و ارضاه




انتهت قصة أول سفراء رسول الله صلى الله عليه وسلم


ألقاكم في الحديث عن صحابي آخر رضي الله عنهم جميعاً


..... ناريمان



ناريمان الشريف 10-09-2010 09:23 AM

(2)بلال بن رباح رضي الله عنه ( الساخر من الأهوال )

كان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه إذا ذكر أبو بكر رضي الله عنه قال:

" أبو بكر سيدنا وأعتق سيّدنا"..

يعني بلالا رضي الله عنه..

وإن رجلاً يلقبه عمر بسيدنا هو رجل عظيم ومحظوظ..

لكن هذا الرجل الشديد السمرة، النحيف الناحل، المفرط الطول الكث الشعر، الخفيف العارضين،
لم يكن يسمع كلمات المدح والثناء توجه إليه، وتغدق عليه،
إلا ويحني رأسه ويغض طرفه، ويقول وعبراته على وجنتيه تسيل:

"إنما أنا حبشي.. كنت بالأمس عبداً"..!!

فمن هذا الحبشي الذي كان بالأمس عبداً..!!

إنه "بلال بن رباح" مؤذن الاسلام، ومزعج الأصنام..
إنه احدى معجزات الايمان والصدق.

إحدى معجزات الاسلام العظيم.. في كل عشرة مسلمين
منذ بدأ الاسلام إلى اليوم، وإلى ما شاء الله سنلتقي بسبعة على الأقل يعرفون بلاًلاً..

أي أن هناك مئات الملايين من البشر عبر القرون والأجيال
عرفوا بلالا، وحفظوا اسمه، وعرفوا دوره.
تماماً كما عرفوا أعظم خليفتين في الاسلام: أبا بكر وعمر...!!

وإنك لتسأل الطفل الذي لا يزال يحبو في سنوات دراسته الأولى في مصر و باكستان و الصين..

وفي الأمريكيتين، وأوروبا وروسيا..

وفي العراق ، وسوريا، وايران والسودان..

في تونس والمغرب والجزائر..

في أعماق أفريقيا، وفوق هضاب آسيا..

في كل بقعة من الأرض يقطنها مسلمون، تستطيع أن تسأل أي طفل مسلم: من بلال يا غلام؟

فيجيبك: إنه مؤذن الرسول.. وإنه العبد الذي كان سيّده يعذبه بالحجارة المستعرّة ليردّه عن دينه، فيقول:

"أحد.. أحد.."


وحينما تبصر هذا الخلود الذي منحه الاسلام بلاًلاً..
فاعلم أن بلالاً هذا، لم يكن قبل الاسلام أكثر من عبد رقيق، يرعى ابل سيّده على حفنات من التمر، حتى يطو به الموت، ويطوّح به الى أعماق النسيان..

لكن صدق ايمانه، وعظمة الدين الذي آمن به بوأه في حياته، وفي تاريخه مكاناً عليّاً في الاسلام بين العظماء والشرفاء والكرماء...

إن كثيراً من عليّة البشر، وذوي الجاه والنفوذ والثروة فيهم،
لم يظفروا بمعشار الخلود الذي ظفر به بلال العبد الحبشي..!!

بل إن كثيراً من أبطال التاريخ لم ينالوا من الشهرة التاريخية بعض الذي ناله بلال..

إن سواد بشرته، وتواضع حسبه ونسبه، وهوانه على الانس كعبد رقيق،
لم يحرمه حين آثر الاسلام ديناً، من أن يتبوأ المكان الرفيع الذي يؤهله له صدقه ويقينه، وطهره، وتفانيه..


إن ذلك كله لم يكن له في ميزان تقييمه وتكريمه أي حساب،
إلا حساب الدهشة حين توجد العظمة في غير مظانها..

فلقد كان الناس يظنون أن عبداً مثل بلال، ينتمي الى أصول غريبة..
ليس له أهل، ولا حول، ولا يملك من حياته شيئاً، فهو ملك لسيّده الذي اشتراه بماله..
يروح ويغدو وسط شويهات سيده وإبله وماشيته..

كانوا يظنون أن مثل هذا الكائن، لا يمكن أن يقدر على شيء ولا أن يكون شيئا..

ثم إذا هو يخلف الظنون جميعاً، فيقدر على إيمان،
هيهات أن يقدر على مثله سواه..
ثم يكون أول مؤذن للرسول والاسلام العمل الذي كان يتمناه لنفسه كل سادة قريش وعظمائها من الذين أسلموا واتبعوا الرسول..!!

أجل.. بلال بن رباح!

أيّة بطولة.. وأيّة عظمة تعبر عنها هذه الكلمات الثلاث بلال ابن رباح..؟!



..... يتبع
**

ناريمان الشريف 10-09-2010 09:28 AM


حبشي من أمة سوداء ... جعلته مقاديره عبداً لأناس من بني جمح بمكة، حيث كانت أمه إحدى إمائهم وجواريهم..

كان يعيش عيشة الرقيق، تمضي أيامه متشابهة قاحلة،
لا حق له في يومه، ولا أمل له في غده..!!

ولقد بدأت أنباء محمد صلى الله عليه وسلم تنادي سمعه،
حين أخذ الناس في مكة يتناقلونها،
وحين كان يصغي إلى أحاديث ساداته وأضيافهم،
سيما "أمية بن خلف" أحد شيوخ بني جمح القبيلة التي كان بلال أحد عبيدها..

لطالما سمع أمية وهو يتحدّث مع أصدقائه حيناً، وأفراد قبيلته أحيانا عن الرسول حديثاً يطفح غيظاً، وغمّا وشرا..


وكانت أذن بلال تلتقط من بين كلمات الغيظ المجنون،
الصفات التي تصور له هذا الدين الجديد.. وكان يحس أنها صفات جديدة على هذه البيئة التي يعيش فيها..
كما كانت أذنه تلتقط من خلال أحاديثهم الراعدة المتوعدة اعترافهم بشرف محمد وصدقه وأمانته..!!

أجل إنه ليسمعهم يعجبون، ويحارون، في هذا الذي جاء به محمد..!!

ويقول بعضهم لبعض : ما كان محمد يوماً كاذباً. ولا ساحراً..
ولا مجنوناً.. وإن لم يكن لنا بد من وصمه اليوم بذلك كله،
حتى نصدّ عنه الذين سيسارعون إلى دينه..!!

سمعهم يتحدّثون عن أمانته..

عن وفائه..

عن رجولته وخلقه..

عن نزاهته ورجاحة عقله..

وسمعهم يتهامسون بالأسباب التي تحملهم على تحديّ وعداوته،

تلك هي: ولاؤهم لدين آبائهم أولا.
والخوف على مجد قريش ثانياً، ذلك المجد الذي يفيئه عليها مركزها الديني، كعاصمة للعبادة والنسك في جزيرة العرب كلها، ثم الحقد على بني هاشم، أن يخرج منهم دون غيرهم نبي ورسول...!

..... يتبع

ناريمان الشريف 10-09-2010 09:31 AM

وذات يوم يبصر بلال بن رباح نور الله ، ويسمع في أعماق روحه الخيّرة رنينه،
فيذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسلم..

ولا يلبث خبر إسلامه أن يذاع .. وتدور الأرض برؤوس أسياده من بني جمح.. تلك الرؤوس التي نفخها الكبر وأثقلها الغرور..!!
وتجثم شياطين الأرض فوق صدر أميّة بن خلف الذي رأى في إسلام عبد من عبيدهم لطمة جللتهم جميعاً بالخزي والعار..

عبدهم الحبشي يسلم ويتبع محمد..؟!

ويقول أميّة لنفسه : ومع هذا فلا بأس..
إن شمس هذا اليوم لن تغرب إلا ويغرب معها إسلام هذا العبد الآبق..!!

ولكن الشمس لم تغرب قط بإسلام بلال بل غربت ذات يوم بأصنام قريش كلها، وحماة الوثنية فيها...!


....يتبع

ناريمان الشريف 10-09-2010 09:40 AM

أما بلال فقد كان له موقف ليس شرفاً للاسلام وحده، وإن كان الاسلام أحق به، ولكنه شرف للانسانية جميعاً..

لقد صمد لأقسى ألوان التعذيب صمود البرار العظام .

ولكأنما جعله الله مثلاً على أن سواد البشرة وعبودية الرقبة
لا ينالان من عظمة الروح إذا وجدت إيمانها، واعتصمت بباريها، وتشبثت بحقها..

لقد أعطى بلال درساً بليغاً للذين في زمانه، وفي كل مان،
للذين على دينه وعلى كل دين..
درساً فحواه إن حريّة الضمير وسيادته لا يباعان بملء الأرض ذهباً، ولا بملئها عذاباً..

لقد وضع عار ٍفوق الجمر، على أن يزيغ عن دينه، أو يزيف اقتناعه فأبى..


لقد جعل الرسول عليه الصلاة والسلام، والاسلام،
من هذا العبد الحبشي المستضعف أستاذاً للبشرية كلها في فن احترام الضمير، والدفاع عن حريته وسيادته..

لقد كانوا يخرجون به في الظهيرة التي تتحول الصحراء فيها إلى جهنم قاتلة..
فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو عار ٍ، ثم يأتون بحجر مستعر كالحميم ينقله من مكانه بضعة رجال، ويلقون به فوق جسده وصدره..

ويتكرر هذا العذاب الوحشي كل يوم، حتى رقّت لبلال من هول عذابه بعض قلوب جلاديه،
فرضوا آخر الأمر أن يخلوا سبيله، على أن يذكر آلهتهم بخير ولو بكلمة واحدة تحفظ لهم كبرياءهم،
ولا تتحدث قريش أنهم انهزموا صاغرين أمام صمود عبدهم وإصراره..


ولكن حتى هذه الكلمة الواحدة العابرة التي يستطيع أن يلقيها من وراء قلبه،
ويشتري بها حياته نفسه، دون أن يفقد إيمانه، ويتخلى عن اقتناعه..

حتى هذه الكلمة الواحدة رفض بلال أن يقولها..!

نعم لقد رفض أن يقولها، وصار يردد مكانها نشيده الخالد:
"أحد أحد"

يقولون له: قل كما نقول..

فيجيبهم في تهكم عجيب وسخرية كاوية:

"إن لساني لا يحسنه"..!!

ويظل بلال في ذوب الحميم وصخره، حتى إذا حان الأصيل أقاموه، وجعلوا في عنقه حبلاً،
ثم أمروا صبيانهم أن يطوفوا به جبال مكة وشوارعها.
وبلال لا يلهج لسانه بغير نشيده المقدس:" أحد أحد".


وكان إذا جنّ عليهم الليل يساومونه:

غداً قل كلمات خير في آلهتنا، قل ربي اللات والعزى،
لنذرك وشأتك، فقد تعبنا من تعذيبك، حتى لكأننا نحن المعذبون!

فيهز رأسه ويقول:" أحد.. أحد..".

ويلكزه أمية بن خلف وينفجر حقداً وغيظا،
ويصيح : أي شؤم رمانا بك يا عبد السوء..؟
واللات والعزى لأجعلنك للعبيد والسادة مثلاً.

ويجيب بلال في يقين المؤمن وعظمة القديس:

"أحد.. أحد.."

ويعود للحديث والمساومة، من وكل إليه تمثيل دور المشفق عليه، فيقول:

خل عنك يا أميّة.. واللات لن يعذب بعد اليوم، ان بلالاً منا أمه جاريتنا،
وانه لن يرضى أن يجعلنا باسلامه حديث قريش وسخريّتها..

ويحدّق بلال في الوجوه الكاذبة الماكرة، ويفتر ثغره عن ابتسامة كضوء الفجر، ويقول في هدوء يزلزلهم زلزالاً:

"أحد.. أحد.."

وتجيء الغداة وتقترب الظهيرة، ويؤخذ بلال إلى الرمضاء،
وهو صابر محتسب، صامد ثابت.

ويذهب إليهم أبو بكر الصديق وهو يعذبونه، ويصيح بهم:

(أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله)؟؟

ثم يصيح في أميّة بن خلف: خذ أكثر من ثمنه واتركه حراً..

وكأنما كان أمية يغرق وأدركه زورق النجاة..


لقد طابت نفسه وسعدت حين سمع أبا بكر يعرض ثمن تحريره
إذ كان اليأس من تطويع بلال قد بلغ في في نفوسهم أشده، ولأنهم كانوا من التجار، فقد أردكوا أن بيعه أربح لهم من موته..

باعوه لأبي بكر الذي حرّره من فوره، وأخذ بلال مكانه بين الرجال الأحرار...


......يتبع

ناريمان الشريف 10-09-2010 09:42 AM


وحين كان الصدّيق يتأبط ذراع بلال منطلقاً به إلى الحرية
قال له أمية:

خذه، فو اللات والعزى، لو أبيت إلا أن تشتريه بأوقية واحدة لبعتكه بها..

وفطن أبو بكر لما في هذه الكلمات من مرارة اليأس وخيبة الأمل وكان حريّاً بألا يجيبه..

ولكن لأن فيها مساساً بكرامة هذا الذي قد صار أخا له،
وندّا،أجاب أمية قائلاً :

والله لو أبيتم أنتم إلا مائة أوقية لدفعتها..!!


وانطلق بصاحبه إلى رسول الله يبشره بتحريره.. وكان عيداً عظيماً !

وبعد هجرة الرسول والمسلمين إلى المدينة، واستقرارهم بها، يشرّع الرسول للصلاة أذانها..

فمن يكون المؤذن للصلاة خمس مرات كل يوم..؟ وتصدح عبر الأفق تكبيراته وتهليلاته..؟

إنه بلال.. الذي صاح منذ ثلاث عشرة سنة والعذاب يهدّه ويشويه أن: "الله أحد..أحد".

لقد وقع اختيار الرسول عليه اليوم ليكون أول مؤذن للاسلام.

وبصوته النديّ الشجيّ مضى يملأ الأفئدة ايماناً، والأسماع روعة وهو ينادى:

الله أكبر.. الله أكبر

الله أكبر .. الله أكبر

أشهد أن لااله الا الله

أشهد أن لا اله الا الله

أشهد أن محمداً رسول الله

أشهد أن محمداً رسول الله

حي على الصلاة

حي على الصلاة

حي على الفلاح

حي على الفلاح

الله أكبر.. الله أكبر

لااله الا الله...


ونشب القتال بين المسلمين وجيش قريش الذي قدم إلى المدينة غازياً..

وتدور الحرب عنيفة قاسية ضارية..
وبلال هناك يصول ويجول في أول غزوة يخوضها الاسلام،
غزوة بدر.. تلك الغزوة التي أمر الرسول عليه السلام أن يكون شعارها: "أحد..أحد".

...... يتبع

ناريمان الشريف 10-09-2010 09:46 AM


في هذه الغزوة ألقت قريش بأفلاذ أكبادها،
وخرج أشرافها جميعا لمصارعهم..!!

ولقد همّ بالنكوص عن الخروج "أمية بن خلف" ..
هذا الذي كان سيداً لبلال، والذي كان يعذبه في وحشيّة قاتلة..


همّ بالنكوص لولا أن ذهب إليه صديقه "عقبة بن أبي معيط"
حين علم عن نبأ تخاذله وتقاعسه،
حاملاً في يمينه مجمرة حتى اذا واجهه وهو جالس وسط قومه، ألقى الجمرة بين يديه وقال له : يا أبا علي،
استجمر بهذه، فإنما أنت من النساء..!!!

وصاح به أمية قائلاً : قبحك الله، وقبّح ما جئت به..

ثم لم يجد بدّاً من الخروج مع الغزاة فخرج..

أيّة أسرار للقدر، يطويها وينشرها..؟

لقد كان عقبة بن أبي معيط أكبر مشجع لأمية على تعذيب بلال، وغير بلال من المسلمين المستضعفين..

واليوم هو نفسه الذي يغريه بالخروج الى غزوة بدر التي سيكون فيها مصرعه..!!

كما سيكون فيها مصرع عقبة أيضاً!

لقد كان أمية من القاعدين عن الحرب..
ولولا تشهير عقبة به على هذا النحو الذي رأيناه لما خرج..!!

ولكن الله بالغ أمره، فليخرج أمية فإن بينه وبين عبد من عباد الله حساباً قديماً، جاء أوان تصفيته،
فالديّان لا يموت، وكما تدينون تدانون..!!


وإن القدر ليحلو له أن يسخر بالجبارين.. فعقبة الذي كان أمية يصغي لتحريضه،
ويسارع الى هواه في تعذيب المؤمنين الأبرياء، هو نفسه الذب سيقود أميّة إلى مصرعه..

وبيد من..؟

بيد بلال نفسه.. وبلال وحده!!

نفس اليد التي طوّقها أميّة بالسلاسل، وأوجع صاحبها ضرباً، وعذاباً..

مع هذه اليد ذاتها، هي اليوم، وفي غزوة بدر،
على موعد أجاد القدر توقيته، مع جلاد قريش الذي أذل المؤمنين بغيًا وعدواً..

ولقد حدث هذا تماما..


وحين بدأ القتال بين الفريقين، وارتج جانب المعركة من قبل المسلمين بشعارهم:" أحد.. أحد"
انخلع قلب أمية، وجاءه النذير..

ان الكلمة التي كان يرددها بالأمس عبد تحت وقع العذاب والهول قد صارت اليوم شعار دين بأسره وشعار الأمة الجديدة كلها..!!

"أحد..أحد"؟؟!!

أهكذا..؟ وبهذه السرعة.. وهذا النمو العظيم..؟؟

..... يتبع

ناريمان الشريف 10-09-2010 09:51 AM

وتلاحمت السيوف وحمي القتال..

وبينما المعركة تقترب من نهايتها،
لمح أمية بن خلف" عبد الرحمن بن عوف" صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فاحتمى به، وطلب اليه أن يكون أسيره رجاء أن يخلص بحياته..

وقبل عبد الرحمن عرضه وأجاره، ثم سار به وسط المعمعة الى مكان السرى.

وفي الطريق لمح بلالاً فصاح قائلاً :

"رأس الكفر أميّة بن خلف.. لا نجوت إن نجا".

ورفع سيفه ليقطف الرأس الذي لطالما أثقله الغرور والكبر،
فصاح به عبد الرحمن بن عوف:

"أي بلال.. إنه أسيري".

أسير والحرب مشبوبة دائرة..؟

أسير وسيفه يقطر دماً مما كان يصنع قبل لحظة في أجساد المسلمين..؟

لا.. ذلك في رأي بلال ضحك بالعقول وسخرية..
ولقد ضحك أمية وسخر بما فيه الكفاية..

سخر حتى لم يترك من السخرية بقية يدخرها ليوم مثل هذا اليوم، وهذا المأزق، وهذا المصير..!!

ورأى بلال أنه لن يقدر وحده على اقتحام حمى أخيه في الدين عبد الرحمن بن عوف، فصاح بأعلى صوته في المسلمين:

"يا أنصار الله.. رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا"...!

وأقبلت كوكبة من المسلمين تقطر سيوفهم المنايا،
وأحاطت بأمية وابنه ولم يستطع عبد الرحمن بن عوف أن يصنع شيئاً..
بل لم يستطع أن يحمي أذراعه التي بددها الزحام.

وألقى بلال على جثمان أمية الذي هوى تحت السيوف القاصفة نظرة طويلة،
ثم هرول عنه مسرعاً وصوته النديّ يصيح:

"أحد.. أحد.."

..... يتبع

ناريمان الشريف 10-09-2010 09:53 AM

لا أظن أن من حقنا أن نبحث عن فضيلة التسامح لدى بلال في مثل هذا المقام..

فلو أن اللقاء بين بلال وأمية تمّ في ظروف أخرى،
لجازنا أن نسال بلالاً حق التسامح، وما كان لرجل في مثل إيمانه وتقاه أن يبخل به.

لكن اللقاء الذي تم بينهما، كان في حرب، جاءها كل فريق ليفني غريمه..


السيوف تتوهج.. والقتلى يسقطون.. والمنايا تتواثب،
ثم يبصر بلال أمية الذي لم يترك في جسده موضع أنملة الا ويحمل آثار تعذيب.

وأين يبصره وكيف..؟

يبصره في ساحة الحرب والقتال يحصد بسيفه كل ما يناله من رؤوس المسلمين، ولو أدرك رأس بلال ساعتئذ لطوّح به..

في ظروف كهذه يلتقي الرجلان فيها، لا يكون من المنطق العادل في شيء أن نسأل بلالاً : لماذا لم يصفح الصفح الجميل..؟؟


..... يتبع

ناريمان الشريف 10-09-2010 09:58 AM

وتمضي الأيام وتفتح مكة..

ويدخلها الرسول شاكراً مكبراً على رأس عشرة آلاف من المسلمين..

ويتوجه إلى الكعبة فوراً .. هذا المكان المقدس الذي زحمته قريش بعدد أيام السنة من الأصنام..!!

لقد جاء الحق وزهق الباطل..

ومن اليوم لا عزى.. ولا لات.. ولا هبل..
لن يجني الانسان بعد اليوم هامته لحجر، ولا وثن..
ولن يعبد الناس ملء ضمائرهم الا الله الي ليس كمثله شيء، الواحد الأحد، الكبير المتعال..

ويدخل الرسول الكعبة، مصطحباً معه بلال..!

ولا يكاد يدخلها حتى يواجه تمثالاً منحوتاً،
يمثل ابراهيم عليه السلام وهو يستقسم بالأزلام، فيغضب الرسول ويقول:

"قاتلهم الله..

ما كان شيخناً يستقسم بالأزلام .. ما كان ابراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين".


ويأمر بلال أن يعلو ظهر المسجد، ويؤذن.

ويؤذن بلال.. فيالروعة الزمان، والمكان، والمناسبة..!!

كفت الحياة في مكة عن الحركة، ووقفت الألوف المسلمة كالنسمة الساكنة، تردد في خشوع وهمس كلمات الآذان وراء بلال.

والمشركون في بيوتهم لا يكادون يصدقون:

أهذا هو محمد وفقراؤه الذين أخرجوا بالأمس من هذا الديار..؟؟

أهذا هو حقا، ومعه عشرة آلاف من المؤمنين..؟؟

أهذا هو حقاً الذي قاتلناه، وطاردناه، وقتلنا أحب الناس إليه..؟

أهذا هو حقاً الذي كان يخاطبنا من لحظات ورقابنا بين يديه،
ويقول لنا:

"اذهبوا فأنتم الطلقاء"..!!

ولكن ثلاثة من أشراف قريش، كانوا جلوساً بفناء الكعبة،
وكأنما يلفحهم مشهد بلال وهو يدوس أصنامهم بقدميه،
ويرسل من فوق ركامها المهيل صوته بالأذان المنتشر في آفاق مكة كلها كعبير الربيع..

أما هؤلاء الثلاثة فهم، أبوسفيان بن حرب، وكان قد أسلم منذ ساعات،
وعتّاب بن أسيد، والحارث بن هشام، وكانا لم يسلما بعد.


قال عتاب وعينه على بلال وهو يصدح بأذانه:

لقد أكرم الله سيداً، ألا يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه. وقال الحارث:

أما والله لو أعلم أن محمداً محق لاتبعته..!!

وعقب أبو سفيان الداهية على حديثهما قائلا:

إني لا أقول شيئاً، فلو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصى!!
وحين غادر النبي الكعبة رآهم، وقرأ وجوههم في لحظة،
قال وعيناه تتألقان بنور الله، وفرحة النصر:

قد علمت الذي قلتم..!!!

ومضى يحدثهم بما قالوا..

فصاح الحارث وعتاب:

نشهد أنك رسول الله، والله ما سمعنا أحد فنقول أخبرك..!!

واستقبلا بلال بقلوب جديدة..في أفئدتهم صدى الكلمات التي سمعوها في خطاب الرسول أول دخول مكة:

" يامعشر قريش..

ان الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء..

الناس من آدم وآدم من تراب"..

..... يتبع

ناريمان الشريف 10-09-2010 10:02 AM


وعاش بلال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
يشهد معه المشاهد كلها، يؤذن للصلاة، ويحيي ويحمي شعائر هذا الدين العظيم الذي أخرجه من الظلمات الى النور،
ومن الرق إلى الحريّة..

وعلا شأن الاسلام، وعلا معه شأن المسلمين،
وكان بلال يزداد كل يوم قرباً من قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يصفه بأنه:" رجل من أهل الجنة"..

لكن بلالاً بقي كما هو كريماً متواضعاً،
لا يرى نفسه إلا أنه:" الحبشي الذي كان بالأمس عبداً"..!!

ذهب يوماً يخطب لنفسه ولأخيه زوجتين فقال لأبيهما:

"أنا بلال، هذا أخي عبدان من الحبشة..
كنا ضالين فهدانا الله.. ومنا عبدين فأعتقنا الله.. ان تزوّجونا فالحمد لله.. وان تمنعونا فالله أكبر.."!!





وذهب الرسول إلى الرفيق الأعلى راضياً مرضياً، ونهض بأمر المسلمين من بعده خليفته أبو بكر الصديق..

وذهب بلال إلى خليفة رسول الله يقول له:

" يا خليفة رسول الله..

إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله"..

فقال له أبو بكر: فما تشاء يا بلال..؟

قال: أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت..

قال أبو بكر ومن يؤذن لنا؟

قال بلال وعيناه تفيضان من الدمع، إني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله.

قال أبو بكر: بل إبق وأذن لنا يا بلال..

قال بلال: ان كنت أعتقتني لأكون لك فليكن لك ما تريد.
وإن كنت أعتقتني لله فدعني وما أعتقتني له..

قال أبو بكر: بل أعتقتك لله يا بلال..

ويختلف الرواة، فيروي بعضهم أنه سافر إلى الشام حيث بقي فيها مجاهداً مرابطاً.

ويروي بعضهم الآخر ،
أنه قبل رجاء أبي بكر في أن يبقى معه بالمدينة،
فلما قبض وولي عمر الخلافة استأذنه وخرج إلى الشام.


على أية حال، فقد نذر بلال بقية حياته وعمره للمرابطة في ثغور الاسلام،
مصمماً أن يلقى الله ورسوله وهو على خير عمل يحبانه.


ولم يعد يصدح بالأذان بصوته الشجي الحفيّ المهيب،
ذلك أنه لم ينطق في أذانه "أشهد أن محمدا رسول الله"
حتى تجيش به الذمؤيات فيختفي صوته تحت وقع أساه،
وتصيح بالكلمات دموعه وعبراته.

وكان آخر أذان له أيام زار أمير المؤمنين عمر
وتوسل المسلمون اليه أن يحمل بلالاً على أن يؤذن لهم صلاة واحدة.

ودعا أمير المؤمنين بلالاً، وقد حان وقت الصلاة ورجاه أن يؤذن لها.

وصعد بلال وأذن..
فبكى الصحابة الذين كانوا أدركوا رسول الله وبلال يؤذن له..
بكوا كما لم يبكوا من قبل أبداً.. وكان عمر أشدهم بكاء..!!


ومات بلال في الشام مرابطاً في سبيل الله كما أراد.



وتحت ثرى دمشق يثوي اليوم رفات رجل من أعظم رجال البشر صلابة في الوقوف الى جانب العقيدة والاقتناع


...... انتهت بحمد الله قصة بلال ( الساخر من الأهوال )

عبدالسلام حمزة 10-09-2010 11:32 AM



أختي الكريمة ناريمان

لقد زينتي المنبر الإسلامي بترجمة صحابة رسول الله صلى

الله عليه وسلم - سباقة للخير يا ناريمان

رزقني الله وإياك حب الحبيب وصحابته وآل بيته والسير

على هداهم إلى أن نلقاهم في جنة الخلد إن شاء الله .

بارك الله في جهودك

متابع ...

ناريمان الشريف 10-17-2010 10:51 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالسلام حمزة (المشاركة 33237)


أختي الكريمة ناريمان

لقد زينتي المنبر الإسلامي بترجمة صحابة رسول الله صلى

الله عليه وسلم - سباقة للخير يا ناريمان

رزقني الله وإياك حب الحبيب وصحابته وآل بيته والسير

على هداهم إلى أن نلقاهم في جنة الخلد إن شاء الله .

بارك الله في جهودك

متابع ...


القادم أجمل أخي عبد السلام
زيّن الله حياتك بنور الايمان
وبارك فيك ربي


تحية ... ناريمان

ناريمان الشريف 10-17-2010 10:58 PM


(3)

صهيب بن سنان - ربح البيع يا أبا يحيى !!

ولد في أحضان النعيم..

فقد كان أبوه حاكم الأبلّة ووليا عليها لكسرى..
وكان من العرب الذين نزحوا الى العراق قبل الاسلام بعهد طويل، وفي قصره القائم على شاطئ الفرات، مما يلي الجزيرة والموصل، عاش الطفل ناعما سعيدا..

وذات يوم تعرضت البلاد لهجوم الروم
وأسر المغيرون أعدادا كثيرة وسبوا ذلك الغلام
" صهيب بن سنان"..

ويقتنصه تجار الرقيق، وينتهي طوافه الى مكة،
حيث بيع لعبد الله بن جدعان، بعد أن قضى طفولته وشبابه في بلاد الروم، حتى أخذ لسانهم ولهجتهم.

ويعجب سيده بذكائه ونشاطه واخلاصه، فيعتقه ويحرره،
ويهيء له فرصة الاتجار معه.
وذات يوم.. ولندع صديقه عمار بن ياسر يحدثنا عن ذلك اليوم:

" لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيها..

فقلت له: ماذا تريد..؟

فأجابني وما تريد أنت..؟

قلت له: أريد أن أدخل على محمد، فأسمع ما يقول.

قال: وأنا اريد ذلك..

فدخلنا على الرسول صلى الله عليه وسلم،
فعرض علينا الاسلام فأسلمنا.

ثم مكثنا على ذلك حتى أمسينا..

ثم خرجنا ونحن مستخفيان".!!


عرف صهيب طريقع اذن الى دار الأرقم..

عرف طريقه الى الهدى والنور، وأيضا الى التضحية الشاقة والفداء العظيم..

فعبور الباب الخشبي الذي كان يفصل داخل دار الأرقم عن خارجها لم يكن يعني مجرّد تخطي عتبة..
بل كان يعني تخطي حدود عالم بأسره..!

عالم قديم بكل ما يمثله من دين وخلق، ونظام وحياة..

وتخطي عتبة دار الأرقم، التي لم يكن عرضها ليزيد عن قدم واحدة كان يعني في حقيقة الأمر وواقعه عبور خضمّ من الأهوال،
واسع، وعريض..

واقتحام تلك العتبة، كان ايذانا بعهد زاخر بالمسؤليات الجسام..!

وبالنسبة للفقراء، والغرباء، والرقيق، كان اقتحام عقبة دار الأرقم يعني تضحية تفوق كل مألوف من طاقات البشر.


وان صاحبنا صهيبا لرجل غريب..
وصديقه الذي لقيه على باب الدار، عمّار بن ياسر رجل فقير..
فما بالهما يستقبلان الهول ويشمّران سواعدهما لملاقاته..؟؟

انه نداء الايمان الذي لا يقاوم..

وانها شمائل محمد عليه الصلاة والسلام، الذي يملأ عبيرها أفئدة الأبرار هدى وحبا..

وانها روعة الجديد المشرق. تبهر عقولا سئمت عفونة القديم، وضلاله وافلاسه..

وانها قبل هذا كله رحمة الله يصيب بها من يشاء.. وهداه يهدي اليه من ينيب...

أخذ صهيب مكانه في قافلة المؤمنين..

وأخذ مكانا فسيحا وعاليا بين صفوف المضطهدين والمعذبين..!!

ومكانا عاليا كذلك بين صفوف الباذلين والمفتدين..

.....يتبع

ناريمان الشريف 10-17-2010 11:05 PM

وانه ليتحدث صادقا عن ولائه العظيم لمسؤولياته كمسلم بايع الرسول، وسار تحت راية الاسلام فيقول:

" لم يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا قط الا كنت حاضره..

ولم يبايع بيعة قط الا كنت حاضرها..

ولا يسر سرية قط. الا كنت حاضرها..

ولا غزا غزاة قط، أوّل الزمان وآخره، الا منت فيها عن يمينه أو شماله..

وما خاف المسلمون أمامهم قط، الا كنت أمامهم..

ولا خافوا وراءهم الا كنت وراءهم..

وما جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين العدوّ أبدا حتى لقي ربه"..!!

هذه صورة باهرة، لايمان فذ وولاء عظيم..

ولقد كان صهيب رضي الله عنه وعن اخوانه أجمعين،
أهلا لهذا الايمان المتفوق من أول يوم استقبل فيه نور الله، ووضع يمينه في يكين الرسول..

يومئذ أخذت علاقاته بالناس، وبالدنيا، بل وبنفسه، طابعا جديدا. يومئذ. امتشق نفسا صلبة، زاهدة متفانية.
وراح يستقبل بها الأحداث فيطوّعها. والأهوال فيروّعها.

ولقد مضى يواجه تبعاته في اقدام وجسور.
فلا يتخلف عن مشهد ولا عن خطر.. منصرفا ولعه وشغفه عن الغنائم الى المغارم.. وعن شهوة الحياة،
الى عشق الخطر وحب الموت..


ولقد افتتح أيام نضاله النبيل وولائه الجليل بيوم هجرته،
ففي ذلك اليوم تخلى عن كل ثروته وجميع ذهبه الذي أفاءته عليه تجارته الرابحة خلال سنوات كثيرة قضاها في مكة..
تخلى عن كل هذه الثروة وهي كل ما يملك في لحظة لم يشب جلالها تردد ولا نكوص.

فعندما همّ الرسول بالهجرة، علم صهيب بها، وكان المفروض أن يكون ثالث ثلاثة، هم الرسول.. وأبو بكر.. وصهيب..

بيد أن القرشيين كانوا قد بيتوا أمرهم لمنع هجرة الرسول..

ووقع صهيب في بعض فخاخهم، فعوّق عن الهجرة بعض الوقت بينما كان الرسول وصاحبه قد اتخذا سبيلهما على بركة الله..

وحاور صهيب وداور، حتى استطاع أن يفلت من شانئيه، وامتطى ظهر ناقته، وانطلق بها الصحراء وثبا..

بيد أن قريشا أرسلت في أثره قناصتها فأدركوه .. ولم يكد صهيب يراهم ويواجههم من قريب حتى صاح فيهم قائلا:

" يا معشر قريش..

لقد علمتم أني من أرماكم رجلا ..
وأيم والله لا تصلون اليّ حتى ارمي كبل سهم معي في كنانتي ثم أضربكم بسيفي حتى لا يبقى في يدي منه شيء،
فأقدموا ان شئتم..

وان شئتم دللتكم على مالي، وتتركوني وشاني"..


ولقد استاموا لأنفسهم، وقبلوا أن يأخذوا ماله قائلين له:

أتيتنا صعلوكا فقيرا، فكثر مالك عندنا، وبلغت بيننا ما بلغت، والآن تنطلق بنفسك وبمالك..؟؟

فدلهم على المكان الذي خبأ فيه ثروته، وتركوه وشأنه،
وقفلوا الى مكة راجعين..


.....يتبع

ناريمان الشريف 10-17-2010 11:07 PM


والعجب أنهم صدقوا قوله في غير شك،
وفي غير حذر، فلم يسألوه بيّنة.. بل ولم يستحلفوه على صدقه..!! وهذا موقف يضفي على صهيب كثيرا من العظمة يستحقها كونه صادق وأمين..!!

واستأنف صهيب هجرته وحيدا سعيدا،
حتى أردك الرسول صلى الله عليه وسلم في قباء..


كان الرسول حالسا وحوله بعض أصحابه حين أهل عليهم صهيب ولم يكد يراه الرسول حتى ناداه متهلللا:

" ربح البيع أبا يحيى..!!

ربح البيع أبا يحيى..!!

وآنئذ نزلت الآية الكريمة:

( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله، والله رؤوف بالعباد)..


أجل لقد اشترى صهيب نفسه المؤمنة ابتغاء مرضات الله
بكل ثروته التي أنفق شبابه في جمعها، ولم يحس قط أنه المغبون..

فمال المال، وما الذهب وما الدنيا كلها، اذا بقي له ايمانه،
واذا بقيت لضميره سيادته.. ولمصيره ارادته..؟؟

كان الرسول يحبه كثيرا.. وكان صهيب الى جانب ورعه وتقواه، خفيف الروح، حاضر النكتة..

رآه الرسول يأكل رطبا، وكان باحدى عينيه رمد..

فقال له الرسول ضاحكا:" أتأكل الرطب وفي عينيك رمد"..؟

فأجاب قائلا:" وأي بأس..؟ اني آكله بعيني الآخرى"..!!

وكان جوّادا معطاء.. ينفق كل عطائه من بيت المال في سبيل الله، يعين محتاجا.. يغيث مكروبا.."
ويطعم الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا".

حتى لقد أثار سخاؤه المفرط انتباه عمر فقال له :
أراك تطعم كثيرا حتى انك لتسرف..؟

فأجابه صهيب لقد سمعت رسول الله يقول:

" خياركم من أطعم الطعام".


.....يتبع

ناريمان الشريف 10-17-2010 11:09 PM


ولئن كانت حياة صهيب مترعة بالمزايا والعظائم،
فان اختيار عمر بن الخطاب اياه ليؤم المسلمين في الصلاة مزية تملأ حياته ألفة وعظمة..

فعندما اعتدي على أمير المؤمنين وهو يصلي بالمسلمين صلاة الفجر..

وعندما احس نهاية الأجل، فراح يلقي على اصحابه وصيته وكلماته الأخيرة قال:

" وليصلّ بالناس صهيب"..

لقد اختار عمر يومئذ ستة من الصحابة،
ووكل اليهم أمر الخليفة الجديد..


وخليفة المسلمين هو الذي يؤمهم في الصلاة،
ففي الأيام الشاغرة بين وفاة أمير المؤمنين، واختيار الخليفة الجديد، من يؤم المسلمين في الصلاة..؟

ان عمر وخاصة في تلك اللحظات التي تأخذ فيها روحه الطاهرة طريقها الى الله ليستأني ألف مرة قبل أن يختار..
فاذا اختار، فلا أحد هناك أوفر حظا ممن يقع عليه الاختيار..

ولقد اختار عمر صهيبا..

اختاره ليكون امام المسلمين في الصلاة حتى ينهض الخليفة الجديد.. بأعباء مهمته..

اختاره وهو يعلم أن في لسانه عجمة،
فكان هذا الاختيار من تمام نعمة الله على عبده الصالح
صهيب بن سنان..


انتهت قصة سنان
ألقاكم مع صحابي جليل آخر رضوان الله عليهم جميعاً

عبدالسلام حمزة 10-20-2010 08:23 PM



يا سلام يا أخت ناريمان

على هذه الحديقة الغناء , التي تضم فيها خيرة خلق

الله بعد رسله والأنبياء

اللهم ارزقنا حبهم والسير على هداهم واحشرنا معهم

بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين .

ناريمان الشريف 10-20-2010 09:09 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالسلام حمزة (المشاركة 36980)


يا سلام يا أخت ناريمان

على هذه الحديقة الغناء , التي تضم فيها خيرة خلق

الله بعد رسله والأنبياء

اللهم ارزقنا حبهم والسير على هداهم واحشرنا معهم

بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين .


اللهم آمين
بارك الله فيك أخي عبد السلام
وأشكرك على الحضور


تحية ... ناريمان

ناريمان الشريف 10-20-2010 09:24 PM



(4)
سهيل بن عمرو




هو سهيل بن عمرو بن عبد شمس،
من عمالقة الصيد في الجاهلية، ومن أشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين في صدر الإسلام،
حارب الإسلام بيده ولسانه، ووقف في كثير من المواقف صلباً متشدداً لا يلين.
نشأ بجوار الكعبة ينحر بيده الذبائح لأصنامها ويستقبل
الحجيج إليها وهم يأتون زرافات ووحدانا.
سهيل هذا عرفه التاريخ عندما وقف مع أهل قريش يستمعون إلى الرسول(صلى الله عليه وسلم)،
وهو ينادي عليهم أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم؟ أكنتم مصدقيّ؟
قالوا: نعم.
قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.

عندها جلس سهيل مع شيوخ قريش يتشاورون في أمر محمد، الذي جاء بدين جديد لا يعرفه الآباء ولا الأجداد.
وعندما فشلت الحرب الباردة وقررت قريش أن تعلن الحرب على محمد وصحبه،
كان سهيل بن عمرو في طليعة الداعين إليها والمستنفرين لرجالها والمشاركين في أتونها في غزوة بدر،
ويسأل الرسول (صلى الله عليه وسلم)
عندما علم بخروج قريش لحربه من فيهم من أشراف قريش؟
قالوا: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو البختري بن هشام،
وحكيم بن حزام، والحرث بن عامر، وطعيمة بن عدي،
والنضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، وسهيل بن عمرو،
وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وعمر بن عبد ود.
فأقبل الرسول (صلى الله عليه وسلم) على أصحابه
وقال: “هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ أكبادها”.
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
أشيروا عليّ أيها الناس.. فقال له سعد بن معاذ: لكأنك تريدنا يا رسول الله؟
قال: أجل.
قال: قد آمنا بك وصدقناك، وأعطيناك عهودنا فامض يا رسول الله لما أمرت به،
فوالذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضنه معك،
وما نكره أن تكون تلقى العدو بنا غداً إنا لصبر عند الحرب،
صدق عند اللقاء،
لعل الله يريك منا ما قرّ به عينك فسر بنا على بركة الله.
فسار الرسول (صلى الله عليه وسلم) والتقى الجمعان وتساقط القتلى
من قريش ووقع الكثير من الأسرى ومنهم سهيل بن عمرو أسره مالك بن الدخشم الأنصاري.
عندما وقع أسيراً بأيدي المسلمين
في “غزوة بدر” اقترب “عمر بن الخطاب” من رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) وقال: “يا رسول الله.
دعني أنزع ثنيتي
سهيل بن عمرو حتى لا يقوم عليك خطيباً بعد اليوم”..

فأجابه الرسول العظيم: “كلا يا عمر.. لا أمثل بأحد،
فيمثل الله بي، وإن كنت نبياً”!ثم أدنى عمر منه،
وقال (صلى الله عليه وسلم):
“يا عمر.. لعل سهيلاً يقف غداً موقفاً يسرك”!


....يتبع

ناريمان الشريف 10-20-2010 09:26 PM


إسلامه

ودارت نبوءة الرسول..
وتحول أعظم خطباء قريش “سهيل بن عمرو” إلى خطيب باهر من خطباء الإسلام..وتحول واحد من كبار زعماء قريش وقادة جيوشها، إلى مقاتل صلب في سبيل الإسلام..
مقاتل عاهد نفسه أن يظل في رباط وجهاد حتى يدركه
الموت على ذلك، عسى الله أن يغفر ما تقدم من ذنبه..
فمن كان ذلك المشرك العنيد، والمؤمن التقي الشهيد؟

إنه “سهيل بن عمرو”..

وعندما عاد الإسلام كله، تخفق في جو السماء راياته الظافرة.. وفتحت مكة جميع أبوابها..
ووقف المشركون في ذهول..
ترى ماذا سيكون اليوم مصيرهم، وهم الذين أعملوا بأسهم في المسلمين من قبل قتلاً، وحرقاً، وتعذيباً، وتجويعاً..؟!
ولم يشأ الرسول الرحيم أن يتركهم طويلاً تحت وطأة هذه المشاعر المذلة المنهكة،
فاستقبل وجوههم في تسامح وأناة،
وقال لهم ونبرات صوته الرحيم تقطر حناناً، ورفقاً:
“يا معشر قريش.. ما تظنون أني فاعل بكم”..؟
هنالك تقدم خصم الإسلام بالأمس “سهيل بن عمرو” وقال مجيباً: “نظن خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم”.
وتألقت ابتسامة من نور على شفتي حبيب الله وناداهم:

“اذهبوا.. فأنتم الطلقاء”..!

لم تكن هذه الكلمات من الرسول المنتصر لتدع إنساناً حي المشاعر إلا أحالته ذوباً من طاعة وخجل، بل وندم..
وفي نفس اللحظة استجاش هذا الموقف الممتلئ نبلاً وعظمة، كل مشاعر “سهيل بن عمرو” فأسلم لله رب العالمين.

ناريمان الشريف 10-20-2010 09:28 PM

محاربة الردة

وتمر الأيام وتكر الليالي، حتى كان يوم ليس كمثله يوم،
يصل الخبر إلى مكة بوفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وتضطرب النفوس، وتذهب بعض العقول،
ويقف الشيطان موقفه يطالب هؤلاء المسلمين مسلمة الفتح الذين دخلوا في دين الله وأعلنوا إسلامهم رهبة لا رغبة،
يطالبهم بالارتداد والعودة إلى أصنامهم،
ونبذ ما جاء به محمد، وشن الحرب الضروس على أتباعه
وأوشكت الفتنة أن تعم أرجاء مكة.

وكاد الكثير من أهلها يرتد.

هنا يقف سهيل بن عمرو الموقف الذي أخبر به الرسول (صلى الله عليه وسلم)،
ويحمده عليه عمر بن الخطاب وجماعة المسلمين.
لقد قام سهيل على باب الكعبة وصاح بالناس فاجتمعوا إليه فقال: يا أهل مكة لا تكونوا آخر من أسلم وأول من ارتد،
والله ليتمن الله هذا الأمر كما ذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
فلقد رأيته قائماً مقامي هذا وحده وهو يقول:
“قولوا معي لا إله إلا الله تدين لكم العرب، تؤدي إليكم العجم الجزية،
والله لننفقن كنوز كسرى وقيصر في سبيل الله..
فكنا بين مستهزئ ومصدق، فكان ما رأيتم، والله ليكونن الباقي”. فامتنع الناس عن الردة.

......

عبدالسلام حمزة 10-21-2010 10:24 AM


اللهم صل ِّ على محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

رضي الله عن سهيل بن عمرو وأخوانه من صحابة رسول الله

صلى الله عليه وسلم .

جزاك الله خيرا ً ناريمان وبارك في جهودك

متابع ..

ناريمان الشريف 10-21-2010 12:09 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالسلام حمزة (المشاركة 37150)

اللهم صل ِّ على محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

رضي الله عن سهيل بن عمرو وأخوانه من صحابة رسول الله

صلى الله عليه وسلم .

جزاك الله خيرا ً ناريمان وبارك في جهودك

متابع ..

وبارك فيك أنت أخي عبد السلام
ثناؤك هذا يدفعني لتقديم المزيد

أشكرك


تحية ... ناريمان

ناريمان الشريف 12-10-2010 10:44 AM



(5)

أبو أيوب الأنصاري


هو خالد بن زيد بن كليب بن مالك بن النجار أبو أيوب الأنصاري.

معروف باسمه وكنيته.

وأمه هند بنت سعيد بن عمرو من بني الحارث بن الخزرج من السابقين. روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أبي بن كعب، روى عنه البراء بن عازب وزيد بن خالد، والمقدام بن معد يكرب وابن عباس وجابر بن سمرة وأنس وغيرهم من الصحابة وجماعة من التابعين، شهد العقبة وبدرا وما بعدها، ونزل عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة فأقام عنده حتى بنى بيوته ومسجده.

إسلامه:

أسلم أبو أيوب قبل هجرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى المدينة، وشهد العقبة.



....يتبع

ناريمان الشريف 12-10-2010 10:48 AM

أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:

حدث عبدا لله عباس فقال خرج أبو بكر رضي الله عنه في الهاجرة يعني نصف النهار في شدة الحر
فرآه عمر رضي الله عنه فقال يا أبا بكر ما أخرجك هذه الساعة؟
قال ما أخرجني إلا ما أجد من شدة الجوع
فقال عمر و أنا والله ما أخرجني غير ذلك
فبينما هما كذلك إذ خرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
( ما أخرجكما هذه الساعة؟) قالا والله ما أخرجنا إلا ما نجده في بطوننا من شدة الجوع
فقال صلى الله عليه وسلم :
( وأنا والذي نفسي بيده ما أخرجني غير ذلك قوما معي فانطلقوا فأتوا باب أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.)

وكان أبو أيوب يدخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم طعاماً
فإذا لم يأت أطعمه لأهله فلما بلغوا الباب خرجت إليهم أم أيوب وقالت مرحباً بنبي الله ومن معه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين أبو أيوب؟
فسمع أبو أيوب صوت النبي صلى الله عليه وسلم وكان يعمل في نخل قريب له
فاقبل يسرع وهو يقول :مرحباً برسول الله وبمن معه ثم
قال يا رسول ليس هذا بالوقت كنت تجيء فيه فقال صدقت
ثم انطلق أبو أيوب إلى نخيله فقطع منه عذقا فيه تمر ورطب وبسر
وقال يا رسول الله كل من هذا وسأذبح لك أيضاً.
فقال ( إن ذبحت فلا تذبحن ذات لبن ) وقدم الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخذ منه رسول الله قطعة من لحم الجدي ووضعها في رغيف وقال:
يا أبا أيوب بادر بهذه القطعة إلى فاطمة الزهراء فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام فلما أكلوا وشبعوا
قال النبي صلى الله عليه وسلم: خبز ولحم وتمر وبسر ورطب ودمعت عيناه ثم قال:
والذي نفسي بيده هذا هو النعيم الذي تسالون عنه يوم القيامة )
وبعد الطعام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب ائتنا غدا)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصنع له احد معروفاً إلا أحب أن يجازيه
فلما كان الغد ذهب أبو أيوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فأهداه جارية صغيرة تخدمه وقال له: استوص بها خيرا عاد أبو أيوب إلى زوجته ومعه الجارية
وقال لزوجته هذه هدية من رسول الله لنا ولقد أوصانا بها خيرا وان نكرمها فقالت أم أيوب وكيف تصنع بها خيرا لتنفذ وصية رسول الله فقال أفضل شيء إن نعتقها ابتغاء وجه الله وقد كان.

فهذه أخي المسلم نبذة عن حياة هذا الصحابي الجليل في سلمه أما عن موقفه من الجهاد في سبيل الله؛ فقد عاش أبو أيوب رضي الله عنه حياته غازياً حتى قيل إنه لم يتخلف عن غزوة غزاها المسلمون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته ظل جنديا في ساحات الجهاد
وكانت آخر غزواته حين جهز معاوية جيشا بقيادة ابنه يزيد لفتح ( القسطنطينية )
وكان أبو أيوب وقتها بلغ عمره ثمانين سنة ولم يمنعه كبر سنه من أن يقاتل في سبيل الله
ولكن في الطريق مرض مرضا أقعده عن مواصلة القتال
وكان آخر وصاياه أن أمر الجنود أن يقاتلوا وان يحملوه معهم وان يدفنوه عند أسوار(القسطنطينية)
ولفظ أنفاسه الأخيرة وهناك حفروا له قبرا وواروه فيه.




.....يتبع

ناريمان الشريف 12-10-2010 10:52 AM

بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم


ـ كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد دخل المدينة مختتماً بمدخله هذا رحلة هجرته الظافرة،
ومستهلا أيامه المباركة في دار الهجرة التي ادَّخر لها القدر ما لم يدخره لمثلها في دنيا الناس.

وسار الرسول وسط الجموع التي اضطرمت صفوفها وأفئدتها حماسة، ومحبة وشوق،
ممتطيا ظهر ناقته التي تزاحم الناس حول زمامه، كُلٌّ يريد أن يستضيف رسول الله.

وبلغ الموكب دور بني سالم بن عوف، فاعترضوا طريق الناقة قائلين:

( يا رسول الله، أقم عندن، فلدينا العدد والعدة والمنعة ).
ويجيبهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وقد قبضوا بأيديهم على زمام الناقة:
(خَلّوا سَبيلَها فَإِنَّها مَأمُورة). ويبلغ الموكب دور بني بياضة، فَحيّ بني ساعدة، فحيّ بني الحارث بن الخزرج، فحيّ عدي بن النجار.

وكل بني قبيلة من هؤلاء يعترض سبيل الناقة،
وملحين أن يسعدهم النبي ( صلى الله عليه وسلم) بالنزول في دورهم،
وهو يجيبهم وعلى شفتيه ابتسامة شاكرة
( خَلّوا سَبيلَها فَإِنَّها مَأمُورة ). فكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) ممعناً في ترك هذا الاختيار للقدر الذي يقود خطاه،
ومن أجل هذا ترك هو أيضاً زمام ناقته وأرسله، فلا هو يثني به عنقه، ولا يستوقف خطاه،
وتوجّه إلى الله بقلبه، وابتهل إليه بلسانه
( اللَّهُمَّ خر لِي، واختَرْ لِي ).وأمام دار بني مالك بن النجار بركت الناقة،
ثم نهضت وطوَّفت بالمكان، ثم عادت إلى مبركها الأول، وألقت جرانه، واستقرت في مكانه.

وكان هذا السعيد الموعود، الذي بركت الناقة أمام داره، وصار الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ضيفه، ووقف أهل المدينة جميعا يغبطونه على حظوظه الوافية، هو البطل أبو أيوب الأنصاري، الذي جعلت الأقدار من داره أول دار يسكنها المهاجر العظيم والرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم.

ـ وروى عن سعيد بن المسيب أن أبا أيوب أخذ من لحية رسول الله -صلى الله عليه وسلم -شيئاً
فقال له: لا يصيبك السوء يا أبا أيوب وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة،
وابن أبي عاصم من طريق أبي الخير عن أبي رهم
أن أبا أيوب حدثهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نزل في بيته وكنت في الغرفة فهريق ماء في الغرفة، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا نتتبع الماء شفقا أن يخلص إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
فنزلت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وأنا مشفق فسألته فانتقل إلى الغرفة
قلت يا رسول الله: كنت ترسل إلي بالطعام فأنظر فأضع أصابعي حيث أرى أثر أصابعك
حتى كان هذا الطعام قال: أجل إن فيه بصلا فكرهت أن آكل من أجل الملك، وأما أنتم فكلو.

وروى أحمد من طريق جبير بن نفير، عن أبي أيوب قال: لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة اقترعت الأنصار أيهم يؤويه فقرعهم أبو أيوب.. الحديث.

ناريمان الشريف 12-10-2010 10:54 AM

أثره في الآخرين:

ولقد عاش أبو أيوب رضي الله عنه طول حياته غازياً ،
وكانت آخر غزواته حين جهز معاوية رضي الله عنه جيشا بقيادة ابنه يزيد، لفتح القسطنطينية
وكان أبو أيوب آنذاك شيخا طاعنا في السن يحبو نحو الثمانين من عمره
فلم يمنعه ذلك من أن ينضوي تحت لواء يزيد وان يمخر عباب البحر غازياً في سبيل الله..
لكنه لم يمض غير قليل على منازلة العدو حتى مرض أبو أيوب مرضا أقعده عن مواصلة القتال،
فجاء يزيد ليعوده وسأله: ألك من حاجة يا أبا أيوب؟
فقال: اقرأ عني السلام على جنود المسلمين،
وقل لهم: يوصيكم أبو أيوب أن توغلوا في أرض العدو إلى أبعد غاية، وأن تحملوه معكم،
وأن تدفنوه تحت أقدامكم عند أسوار القسطنطينية، ولفظ أنفاسه الطاهرة



بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:

يروي الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره شرقوا أو غربو..

وعن البراء بن عازب عن أبي أيوب رضي الله عنهم
قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجبت الشمس
فسمع صوتا فقال يهود تعذب في قبورها وعن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي
عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.

ناريمان الشريف 12-10-2010 10:56 AM

مواقفه مع التابعين:

عن الزهري، عن سالم،
قال: أعرست، فدعا أبي الناس، فيهم أبو أيوب، وقد ستروا بيتي بجنادي أخضر. فجاء أبو أيوب،
فطأطأ رأسه، فنظر فإذا البيت مستر. فقال: يا عبد الله، تسترون الجدر؟
فقال أبي واستحيى: غلبنا النساء يا أبا أيوب. فقال: من خشيت أن تغلبه النساء،
فلم أخش أن يغلبنك. لا أدخل لكم بيتا، ولا آكل لكم طعام!

وعن محـمد بن كعب، قال: كان أبو أيوب يخالف مروان،
فقال: ما يحملك على هذ؟ قال: إني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الصلـوات،
فإن وافقته وافقناك، وإن خالفته خالفناك.

وعن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن أبيه،
قال: انضم مركبنا إلى مركب أبي أيوب الأنصاري في البحر،
وكان معنا رجل مزاح، فكان يقول لصاحب طعامن: جزاك الله خيرا وبرا،
فيغضب فقلنا لأبي أيوب: هنا من إذا قلنا له: جزاك الله خيرا يغضب. فقال: اقلبوه له.
فكنا نتحدث: إن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر.

فقال له المزاح: جزاك الله شرا وعرا، فضحك، وقال: ما تدع مزاحك.



وفاته رضي الله عنه :

قال الوليد عن سعيد بن عبد العزيز:
أغزى معاوية ابنه في سنة خمس وخمسين في البر والبحر، حتى أجاز بهم الخليج،
وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها، ثم قفل.

وعن الأصمعي،عن أبيه:
أن أبا أيوب قبر مع سور القسطنطينية، وبني عليه، فلما أصبحوا،
قالت الروم: يا معشر العرب، قد كان لكم الليلة شأن. قالوا: مات رجل من أكابر أصحاب نبينا،
والله لئن نبش، لا ضرب بناقوس في بلاد العرب. فكانوا إذا قحطوا، كشفوا عن قبره، فأمطروا

قال الواقدي: مات أبو أيوب سنة اثنتين وخمسين،
وصلى عليه يزيد، ودفن بأصل حصن القسطنطينية. فلقد بلغني أن الروم يتعاهدون قبره، ويستسقون به.

وقال خليفة: مات سنة خمسين. وقال يحيي بن بكير: سنة اثنتين وخمسين.


انتهت بحمد الله قصة أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه

هند طاهر 12-12-2010 11:08 PM

رضى الله عنهم وارضاهم

هم القدوه بعد الرسول صل الله عليه وسلم

جزاك الله خيرا الغاليه ناريمان

ناريمان الشريف 12-03-2020 09:57 PM

رد: صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هند طاهر (المشاركة 46974)
رضى الله عنهم وارضاهم

هم القدوه بعد الرسول صل الله عليه وسلم

جزاك الله خيرا الغاليه ناريمان

أهلاً عزيزتي هند
أين أنت
عدت لأستكمل هذا المتصفح
ففوجئت بأنني لم أقرأ مشاركتك
اهلاً بك دوماً
وليتك تعودين
ناريمان

ناريمان الشريف 12-03-2020 10:03 PM

رد: صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
 

(6)
سلمان الفارسي - الباحث عن الحقيقة

من بلاد فارس، يجيء البطل هذه المرة..

ومن بلاد فارس، عانق الاسلام مؤمنون كثيرون فيما بعد، فجعل منهم أفذادا لا يلحقون في الايمان، وفي العلم.. في الدين، وفي الدنيا..

وانها لاحدى روائع الاسلام وعظمائه، ألا يدخل بلدا من بلاد الله اا ويثير في اعجاز باهر، كل نبوغها ويحرّ: كل طاقاتها، ويحرج خبء العبقرية المستكنّة في أهلها وذويها.. فاذا الفلاسفة المسلمون.. والأطباء المسلمون.. والفقهاء المسلمون.. والفلكيون المسلمون.. والمخترعون المسلمون.. وعلماء الرياضة المسامون..

واذا بهم يبزغون من كل أفق، ويطلعون من كل بلد، حتى تزدحم عصور الاسلام الأولى بعبقريات هائلة في كل مجالات العقل، والارادة، والضمير.. أوطانهم شتى، ودينهم واحد..!!

ولقد تنبأ الرسول عليه السلام بهذا المد المبارك لدينه.. لا، بل وعد به وعد صدق من ربه الكبير العليم.. ولقد زوي له الزمان والمكان ذات يوم ورأى رأي العين راية الاسلام تخفق فوق مدائن الأرض، وقصور أربابها..

وكان سلمان الفارسي شاهدا.. وكان له بما حدث علاقة وثقى.

كان ذلك يوم الخندق. في السنة الخامسة للهجرة. اذ خرج نفر من زعماء اليهود قاصدين مكة، مؤلبين المشركين ومحزّبين الأحزاب على رسول الله والمسلمين، متعاهدين معهم على أن يعاونوهم في حرب حاسمة تستأصل شأفة هذا الدين الجديد.

ووضعت خطة الحرب الغادرة، على أن يهجم جيش قريش وغطفان "المدينة" من خارجها، بينما يهاجم بنو قريظة من الداخل، ومن وراء صفوف المسلمين، الذين سيقعون آنئذ بين شقّى رحى تطحنهم، وتجعلهم ذكرى..!

وفوجىء الرسول والمسلمون يوما بجيش لجب يقترب من المدينة في عدة متفوقة وعتاد مدمدم.

وسقط في أيدي المسلمين، وكاد صوابهم يطير من هول المباغتة.

ناريمان الشريف 12-03-2020 10:04 PM

رد: صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
 
وصوّر القرآن الموقف، فقال الله تعالى:

(اذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم واذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا) .

أربعة وعشرون ألف مقاتل تحت قيادة أبي سفيان وعيينة بن حصن يقتربون من المدينة ليطوقوها وليبطشوا بطشتهم الحاسمة كي ينتهوا من محمد ودينه، وأصحابه..

وهذا الجيش لا يمثل قريشا وحدها.. بل ومعها كل القبائل والمصالح التي رأت في الاسلام خطرا عليها.

انها محاولة أخيرة وحاسمة يقوم بها جميع أعداء الرسول: أفرادا، وجماعات، وقبائل، ومصالح..

ورأى المسلمون أنفسهم في موقف عصيب..

وجمع الرسول أصحابه ليشاورهم في الأمر..

وطبعا، أجمعوا على الدفاع والقتال.. ولكن كيف الدفاع؟؟

هنالك تقدم الرجل الطويل الساقين، الغزير الشعر، الذي كان الرسول يحمل له حبا عظيما، واحتراما كبيرا.

تقدّم سلمان الفارسي وألأقى من فوق هضبة عالية، نظرة فاحصة على المدينة، فألفاها محصنة بالجبال والصخور المحيطة بها.. بيد أن هناك فجوة واسعة، ومهيأة، يستطيع الجيش أن يقتحم منها الحمى في يسر.

وكان سلمان قد خبر في بلاد فارس الكثير من وسائل الحرب وخدع القتال، فتقدم للرسول صلى الله عليه وسلم بمقترحه الذي لم تعهده العرب من قبل في حروبها.. وكان عبارة عن حفر خندق يغطي جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة.

والله يعلم، ماذا كان المصير الذي كان ينتظر المسلمين في تلك الغزوة لو لم يحفروا الخندق الذي لم تكد قريش تراه حتى دوختها المفاجأة، وظلت قواتها جاثمة في خيامها شهرا وهي عاجزة عن اقتحام المدينة، حتى أرسل الله تعالى عليها ذات ليلة ريح صرصر عاتية اقتلعت خيامها، وبدّدت شملها..

ونادى أبو سفيان في جنوده آمرا بالرحيل الى حيث جاءوا.. فلولا يائسة منهوكة..!!

**

خلال حفر الخندق كان سلمان يأخذ مكانه مع المسلمين وهم يحفرون ويدأبون.. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يحمل معوله ويضرب معهم. وفي الرقعة التي يعمل فيها سلمان مع فريقه وصحبه، اعترضت معولهم صخور عاتية..

كان سلمان قوي البنية شديد الأسر، وكانت ضربة واحدة من ساعده الوثيق تفلق الصخر وتنشره شظايا، ولكنه وقف أمام هذه الصخرة عاجزا.. وتواصى عليها بمن معه جميعا فزادتهم رهقا..!!


الساعة الآن 04:21 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team