منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6821)

ايوب صابر 02-09-2012 01:03 PM

العشاق
د. جوني منصور
رواية " العشّاق" لرشاد أبو شاور في طبعتها السادسة (2004) عنالمؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت، تؤكد من جديد حيوية القضية الفلسطينيةوكونها، أي القضية، ليست مسألة عابرة إنّما تبحث في ثنايا هذا العالم عن إحقاقالعدل وتثبيت الحقوق المشروعة لشعب شُرّد بصورة وحشية لم يشهد مثلها التاريخ البشريمن قبل.
والرواية في مختصرها تنقل صورة التشرد الفلسطيني منذ العام 1948 حتىمطلع السبعينات، خاصة تلك الصورة القاتمة للغاية التي أعقبت نكسة أو نكبة 1967 وماحل بفلسطينيي المخيمات من مصائب وكوارث.
وأبو شاور لم يتمحور فقط في الأحداثالمتعلقة بالفترة التاريخية المشار إليها سابقا فحسب، بل إنه سعى في صفحات كثيرة منروايته إلى تثبيت التاريخ العريق والقديم للفلسطينيين في ارض آبائهم وأجدادهم.
وإذا كان أبو شاور قد اختار مدينة أريحا وضواحيها مركزًا أساسيا ورئيسيا لأحداثروايته، فإن هذا الاختيار جاء ليؤكد مدى ارتباط الفلسطيني بأرضه وعلاقته غيرالمنقسمة مع تاريخه وماضيه.
فأريحا وما تمثله من عراقة في التاريخ والدورالإنساني الذي لعبته لم تتفرغ كليّا من سكانها، أو بالأحرى لم تتحول إلى مدينةفارغة من أهلها، بل إن أهلها بقوا فيها على مدى قرون طويلة متناقلين تراثها بكافةمركباته.
وبالرغم من العواصف العاتية التي لحقت بهذه المدينة عبر المسيرةالتاريخية الخاصة بها وبسكانها، إلا أنها ما زالت صامدة في وجه العتاة الظالمين. وهذا ما عكسته هذه الرواية في طرحها هجمات يشوع بن نون وورثته في عصر الظلامالحالي.
وبكون مسيرة تاريخ الفلسطيني غير مفروشة بالورود إنما بالأشواكوالأشواق في الوقت ذاته، فإن الحب والعشق لا يبرحان أحداث هذه الرواية. كيف لا،فالفلسطيني الذي أحب، وما زال، أرضه وجبالها ووديانها وأنهارها ومدنها... ، يعرفكيف يحب أخيه الإنسان ويحترمه ويقدره. فالحب الصافي والنقي والحقيقي يواكب أحداثالرواية بين محمود وندى اللذين يخططان مستقبلهما رغم كل الصعاب والمتاعب. فقرارالفلسطيني أن الحياة ستستمر، وهو أي الفلسطيني المجبول بالصلابة والقوة والعنفوانيعرف كيف يحب وكيف يتحول حبه هذا إلى تضحية حقيقية ملموسة على ارض الواقع.
ولايفوت ابو شاور في روايته هذه، وهو المعروف عنه مواقفه الثابتة والصريحة من توجيهالانتقاد السياسي اللاذع للأنظمة العربية كافة حول تعاملها مع الفلسطينيين عبرالتاريخ الخاص بالقضية، إصراره على أن الفلسطيني قادر لوحده على إدارة قضيتهوتوجيهها نحو الوجهة الصحيحة والسليمة ليحقق حلمه في إقامة دولة فلسطينية حقيقيةغير مقطوعة ومشلولة.
سأحاول في دراستي هذه التطرق إلى بعض الجوانب التاريخيةالمطروحة في رواية "العُشّاق" بهدف فهم وإدراك كيفية نجاح ابو شاور في تجنيد الحدثالتاريخي لتثبيت الحدث أولاً ثم لاستخدامه في بناء الرواية.
ومجددًا لست بصدددراسة الملامح الروائية أو الفنية في هذه الرواية، إنما ما تحويه من أحداث تاريخيةجُندّت على مسار تقدم الرواية.

*) ذاكرة المكان وحيوية الحدث
يُكثر أبوشاور من استخدام أسماء المواقع التاريخية والجغرافية في روايته هذه. ويحاول أن يوردأكبر قدر منها، خاصة في كل ما له علاقة بمنطقة أريحا. إضافة إلى أسماء مواقع أخرىبعيدة ذات صلة بأحداث الرواية، مثل القدس ونابلس والخليل...
ولا يكتفي بذكر اسمالموقع في سياق الرواية بل يحاول بعمق اكبر ذكر مرادفات أخرى للاسم ذاته، أو كمايرد على السنة الفلسطينيين حسب مواقع عيشهم وتواجدهم.
فـ " البحر الميت" وهوالاسم الأكثر شيوعًا لتلك البحيرة الواقعة بين فلسطين وشرقي الاردن، والأكثرانخفاضا في العالم تحمل أسماء أخرى كانت مستعملة لدى الفلسطينيين في السابق، ومازال عدد قليل منهم يميل إلى استخدامها. فمن بين هذه الأسماء " بحيرة لوط"، " بحيرةسدوم"، " البحيرة الميتة"، " بحيرة الملح". وهذه الأسماء مرتبطة تاريخيا وواقعيابالمكان ذاته المعروف بـ " البحر الميت" الى يومنا هذا.
ويقدّم ابو شاور وصفًالمناطق محيطة بأريحا ـ محور أحداث الروايةـ فيذكر جبل القرنطل( ص 6 ، 47 ، 48) وهوالجبل الذي جرّب فيه إبليس السيد المسيح، وفيه اليوم دير للرهبان الارثوذكس. وهذاالجبل وقور وأسطوري في صموده وإشرافه على بقعة منطقة أريحا.
وجبل التجربة هذاالشامخ الجليل، حكيم وقور، صخري، برونزي في الصباح، رصاصي في الظهيرة، وداكن عندالمساء، وأسود في الليالي القمراء، رهبانه ونساكه ينتظرون المسيح " ما يدريني أنهملا ينتظرون، وأنهم ورثوا الانتظار عن أقوام خلت، وأن الانتظار هنا بلا فائدة. ولكنهضروري مع ذلك"(ص 101).
لا يفقد الفلسطيني الأمل في عودته إلى موطنه وتحرير نفسهوأرضه من الاحتلال، فهو ينتظر كالرهبان المشار إليهم في رواية أبو شاور، حتى لو لاتوجد فائدة من هذا الانتظار التاريخي الطويل والمديد إلا انه ضروري لوجود بارقة أملما زال الفلسطيني يراها في أُفق حياته مهما حصل من أحداث مؤلمة وموجعة.
ومع كلهذا، لا يترك أبو شاور أبطاله ينتظرون من منطلق الضرورة الواجبة، بل يدعوهم إلىتحقيق الأمل بالعمل، أي ضرورة التحرك وعدم التوقف على وجه الإطلاق.
وبالنسبةللمخيمات المحيطة بأريحا والتي ورد ذكرها في الرواية ولها علاقة وثيقة ووطيدةبأحداث الرواية فهي:" مخيم عين السلطان" و" مخيم النويعمة" و" مخيم عقبة جبر"(ص6).
ولا يفوت أبو شاور مسألة تجنيد المعلومات التاريخية حول مكتشفات أريحا الأثريةبكونها أقدم مدينة في العالم، وذلك لتوثيق العلاقة الفلسطينية الحالية والحاضرةبالماضي البعيد الضارب في عمق التاريخ.
ومن بين المواقع الهامة في الرواية التيلعبت دورًا بارزًا في حياة الفلسطينيين بصورة سلبية ـ "البناء الأصفر"ـ وأشير إليهباللون وليس بالاسم للدلالة على انه السجن الذي شيده الانكليز زمن احتلالهم لفلسطينأو كما يعرف بالانتداب البريطاني على فلسطين. واستعمله الانكليز لسجن وتعذيبالمقاومين الفلسطينيين ولم يتغير السجن إذ ورثه النظام الاردني وتابع أداء نفسمهامه ووظائفه. وبعد نكبة 1967 جعله الاحتلال الاسرائيلي مقرًا للحاكم العسكري الذيعرف كيف يستفيد من ملفات المخابرات الاردنية التي خلفها الاردنيون في هذا البناء. وسهلّت هذه الملفات على المخابرات الاسرائيلية وأجهزتها الأمنية من تنفيذ مختلفعمليات القمع والبطش في حق الفلسطينيين العائشين في اريحا والمخيمات المحيطة بها.
ومقابل جبل القرنطل في الطرف الآخر تمتد جبال موآب والتي تبدو كأنها أسواراسطورية تحرس اريحا ولا تتركها وحدها. وهذا أمل بضرورة التواصل العربي وعدمالانقطاع عن صُلب القضية العربية ألا وهي مأساة فلسطين.
ولا يفارق المكان موقعهالمركزي في الرواية، ويكثر أبو شاور من ذكر أسماء الأماكن التي لها صلة مباشرة أوغير مباشرة بأحداث الرواية، وكلها مرتبطة زمنيا ومكانيا بتاريخ القضية الفلسطينيةوتطوراتها ، خاصة في الفترة الزمنية التي تدور حولها أحداث الرواية. فجبل القرنطلوقد أشرنا إليه مرات كثيرة، والمخيمات الفلسطينية بالقرب من اريحا تلعب دورا مركزيافي أحداث الرواية وتطورها. وقرى مثل: عين ديوك(ص 57)، وذكرين(ص 61)، والسموع(ص 141)؛ ومدن مثل :دمشق(ص60)، ونابلس(ص 56)، وعمّان والخليل ورام الله والقدسوأبوابها(باب العمود، باب الخليل، باب الاسباط)، وأزقتها التاريخية. كل هذه الأسماءمتماسكة بشدة في أحداث الرواية، ولها دور مركزي في تاريخ القضية واستمرارها.
وهناك بعض الأمكنة التي تحمل دلالات قوية في عمق وصلب الذاكرة الفلسطينية،فالجسر الفاصل بين الوادي الفاصل بين مخيمي النويعمة وعين السلطان يثير من جديدسقوط الجرحى والقتلى في المظاهرات ضد حلف بغداد الاستعماري في العام 1955، مما دفعبالفلسطينيين إلى الانتقام بكل ما له صلة بالانكليز صانعي هذا الحلف حتى من خلالمشروع العلمي الزراعي في اريحا وجوارها(ص 18).
ويحمل محمود ذكريات المكان منخلال عودته إلى شريط الطفولة الفلسطينية الوادعة والهادئة والتي لم يكن شيء يعكرصفوها:" سار محمود على امتداد مخيم عين السلطان، على الطريق المؤدي إلى نابلس، حتىبلغ حافة الوادي، الذي يفصل المخيمين. الوادي جاف هذه الأيام، لكنه في الشتاء يهدر،وتلاطم المياه الطينية المندفعة بين ضفتيه إلى الشرق.
هنا لعبت، هناك بنينا،بيوت الطين معًا، لكن المياه محت كل شيء، عند تعرج الوادي، لعبت أنا وحسن. كان يأتيمن مخيمهم مع الكثيرين من الاولاد مرات عديدة اشتبكنا ولاحقنا بعضنا بعضبالمقاليع.." (ص 56).
وما زال يتذكر البيوت التي يسكنها خلق جاءوا من بلادبعيدة، ومعهم سلاح، فقتلوا وذبحوا وطردوا... فصرنا على أرضنا وعلى أرض الآخرين،وهذا العالم غرباء"(ص 58). إشارة منه إلى تغير الأدوار على أرض فلسطين بين أصحابهاالأصليين والشرعيين وبين الدخلاء والغرباء والمحتلين.
وهكذا وفق أبو شاور فيجعل المكان جزءًا لصيقًا بالحدث التاريخي الواقع على محور زمني متحرك نحو الأمام فيمخزون القضية الفلسطينية.
ومرة أخرى، فإن الأمكنة ليست خيالية إطلاقًا أو أنهابعيدة عن واقع الأحداث التي جرت في مرحلة ما بعد النكبة حتى مطلع السبعينات منالقرن العشرين، إنها ـ أي الأمكنة ـ ذات المعنى التاريخي العملي في حياةالفلسطينيين. فهو بهذا ـ أي أبو شاور ـ لم يكن بحاجة إلى صنع أماكن من نسج الخيال،إنها موجودة وتحوي الرواية في جوفها>

يتبع....


ايوب صابر 02-09-2012 01:07 PM

تابع
العشاق
د. جوني منصور



السياسة في قلوب"العُشّاق"

ديرالرهبان الاورثوذكس على سفح جبل القرنطليوجه أبو شاور سهام قلمه نحو السياسيينالعرب في مختلف مستوياتهم القيادية، ولا يوفر أحدًا من توجيه نقد لاذع إلى دوره فيتهميش وتحييد القضية الفلسطينية وتحويلها إلى حدث صغير في الماضي.
وبكونهفلسطيني لاجئ ابن القضية، تبنى مشروعًا روائيًا أساسه سياسي واضح المعالم في سياقتطور أحداث الرواية.
والقيادة العربية التي تبنت القضية الفلسطينية منذ قرن منالزمان أوصلت الشعب الفلسطيني إلى ما هو فيه اليوم، ولم تكن هذه القيادة تاريخيًابمعزل عن التواطؤ مع أعداء العرب كاسرائيل وبعض الدول الغربية المنتفعة من الموضوعكبريطانيا والولايات المتحدة الامريكية.
هذا يعني، وجود مؤامرة محبوكة بحنكةودراية لشق إمكانية وحدة العرب جغرافيا وسياسيا عن طريق خلق قضية (أو قضايا) تشغلهممدة طويلة وتهدر طاقاتهم وقدراتهم العقلية وثرواتهم ومواردهم الاقتصاديةوالاجتماعية والثقافية والبشرية. ويشير إلى التعاون بين سياسيين فلسطينيين في أدنىدرجات السياسة وبين المخابرات الاسرائيلية، فـ " أبو صالح، غني، لا يقرأ ولا يكتب،لا يفهم بالسياسة، رئيس بلدية اريحا، فشل في الانتخابات، وهو ماسوني والمحفلالماسوني فوق كراج له. من أصدقائه وزراء وضباط مخابرات ويهود"(ص 17). وهذا الشخصيتصدر شكلاً من أشكال الزعامة. و لم يفت أبو شاور الربط بين الماسونية واليهود،ومحاولة هذه المؤسسة المشبوهة من توسيع رقعة الملاحقة والقمع ضد الفلسطينيين.
وموقفه من نظام الحكم يعبر عنه محمد في ص 104 بقوله:" سأنزع الضمادات، وأسيربرأسي المهشم، وشعري المقصوص الشائه، أمام الناس، لينظروا، وليعرفوا وليتعلمواالحقد. إن هذا النظام يغتصب وطننا، وينتهك كرامة شعبنا، رئيس المخفر فلسطيني مرتزق،والشرطي ادريس اردني، بدوي دجنه النظام، وحوله إلى برغي في الآلة التي تطحن الانسانالفلسطيني...و...حتى الاردني. لا أخفيك، أخي حسن، بأني حزين، وأن شعورًا بالهوانيكاد يطفح من حلقي".
ويعود الأمل بالمستقبل وما ينتظر الفلسطيني ليتابع مسيرةحياته بصورة طبيعية أسوة ببقية الشعوب، وكونه يناضل ويكافح من أجل بقائه: " قصواشعرك، وداسوا على وجهك يا أخي محمد، وقتلوا والدنا وهو يعبر الحدود ليحارب العصاباتاليهودية مع غيره من الرجال الذين رفضوا الهدنة، والاتفاقات، وتمزيق الوطن، لا بأس. ها نحن نكبر، ولا ننسى الدم، وهدير الطائرات، أيام التمرد والجوع والخبز الجافصنعتنا فهيهات أن ننكص، أو نلين، أو نسكت"(ص121).
هذا ما احتاج إليه الفلسطينيليبق متمسكًا بالأمل الحقيقي كي لا يضيع هو وتضيع قضيته ويتحول إلى لا شيء فيالعالم.
وسلمان عباس رمز للمقاومة الشعبية الفلسطينية عبر تاريخ هذه المقاومةالتي لم تتوقف في وجه الإذلال ومحاولات السحق عبر الزمن التاريخي. "وأنت يا سلمانعباس، يا أبي؟ قالوا لك، انتهى لا تتسلل، فلم تستجب.
انتقلنا إلى أريحا، مسكينةأمي. قالت: الحمد لله أننا غادرنا الخليل. لن يعود إلى القرية. لكنك لم تتب، لقدأدمنت يا سلمان عباس. أدمنت، حتى قتلوك على الحدود. لقد كانوا يحرسون الحدودلليهود، أولئك هم إخوتنا الجنود العرب، جنود الملك عبدالله.
إنهم يتوارثونالخيانة، ونحن نتوارث الهموم والأعباء"(ص121).
هذا المشهد المتكرر في حياةالفلسطيني يعكس بوضوح وصراحة إصرار الفلسطيني على العودة إلى أرضه ووطنه وبيتهوهوائه، وإصرار العربي الآخر على منعه تحقيقا للمخطط التاريخي البغيض بسلب فلسطينمن أهلها وتقديمها هدية على طبق ذهبي لتركيبة شعوب غير متجانسة أبدًا تدّعي أن اللهمنحها هذه الأرض قبل آلاف السنين.
وهنا يطرح أبو شاور موضوع " وعد الله" فينقاش مع الأب الياس، راهب القرنطل. لقد احتاج إلى هذا الكاهن ليعطيه صورة حقيقيةحول مفهوم الوعد." أبونا الياس هذه أخفض نقطة في العالم، وهي مقدسة، ولقد طهرناهامن الأفاعي والعقارب، أنا ذكي، وهذا ما تشهد لي به درجاتي في المدرسة والجامعة. باختصار، لقد تكلم الله مع موسى، فلماذا لا يتكلم معي؟ اريد ان اطرح سؤالا واحدا،ذي شقين: أولاً: هل وعد اليهود بأرض كنعان، أرض فلسطين، أرض اللبن والعسل؟ الشقالثاني: إذا لم يعدهم، فلماذا يقف على الحياد؟"(ص122). هذه أسئلة لاهوتية وسياسيةفي الوقت ذاته. وواضح النظرة الرافضة لفكرة تجنيد الله في التوراة لصالح أطماعورغبات اليهود والصهيونية. فهل الله خالق الكون وجابل الإنسان يميز بين أبنائه منكافة الشعوب التي خلقها؟
ومحمود احد الابطال المركزيين في هذه الرواية يحمل فيجوفه وبقناعة ان العرب لن يستطيعوا تحقيق انتصار في حربهم مع العدو:" المشكلة،الجماهير غير معدّة للمعركة، لا سلاح، لا ثقة بهذه الحكومة، ولكن الأمل في جيش مصر،عبد الناصر قادر على الصمود، اما الجيش الاردني، فقد اعتاد على محاصرة المخيماتوالمدن، وتفريق المظاهرات، وبسلاحه الانكليزي والامريكي السيئ لن يحقق نتائج طيبة. لقد أعد لغايات تتناقض مع تحرير فلسطين رغم شجاعة أفراده"(ص 124).
وتعودالذكريات التاريخية القريبة زمنيا إلى مخيلة وفكر محمود فيتعمق بها أمام الأبالياس. إلا أن الأب الياس يستبقه في مبادلة الذكريات بقوله:" ذكريات سوداء ثقيلةلكنها عظيمة. لقد كلل المسيح بالشوك من اجل الإنسان في كل مكان، دقت المسامير فيكفيه فتحمل من اجل الإنسان، وهذا ما يفعله شعب فلسطين"(ص 124).
فيأتيه جوابمحمود المعبر عن موقف تاريخي وسياسي صلب لا تردد فيه على وجه الإطلاق:" نحن يا أبتلن نغفر، سندق المسامير في نعوشهم، سننظف وطننا من هؤلاء القتلة. إنه حلم، ولكنيطلع من الواقع. أتعرف، مرات أقول إن هذا الجبل، جبل التجربة، هو تمثال للصبرالفلسطيني. إنه راسخ، مهيب، ثقيل، صلب يا أبونا، مهما حدث في الحرب، التي ستقع فلابد أن نعود"(ص 124).

ايوب صابر 02-09-2012 01:10 PM

تابع
العشاق
د. جوني منصور



ويعود بعد إصراره على حق العودة إلى توجيه النقد اللاذعلسوء التنظيم في الجانب العربي:" ولكن الجماهير غير منظمة، الغضب يملأ الصدور، وهذاالغضب تأجج عندما اعتدى الصهاينة على السموع، ولم يدافع الجيش الملكي عن الناس،وفضلاً عن الغضب هناك الإصرار على تحرير الوطن، ولكن الناس غير منظمين"(ص 141).
ويعترف محمود أن "حدود الضفة الغربية مفتوحة أمام اليهود، لا سلاح، ولا ملاجىء،لا ثقة بالحكومة، ولعبة المعاهدة التي وقعها الملك في القاهرة، مضحكة ومكشوفة، أمانحن فما زلنا غير قادرين على قيادة الناس، عواطفهم معنا، هذا صحيح، ولكن ما نحتاجهأكثر من العواطف"(ص 142).
إن طرح موضوع القيادة كان في صلب النقاش الفلسطينيلفترة طويلة ولقد لعبت بعض الأنظمة العربية دورا في تمييع تكوين قيادة واقعيةحقيقية إلى أن اتخذ الفلسطينيون قرارهم بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وتحويلهاإلى جسم تمثيلي وحيد لهم لتنطلق مسيرة بناء القيادة رغم الزعزعات التي تعرضت لهاهذه المنظمة عبر العقود الأربعة الأخيرة.
وأثارت حرب حزيران 1967 تساؤلات كثيرةومتكررة لدى كل فلسطيني وعربي من حيث الاستعدادات العسكرية السابقة لها. هل كانتكافية؟ هل تعرف العرب بما فيه الكفاية على المبنى التنظيمي الأمني/العسكريالاسرائيلي؟ويأتي الجواب على لسان محمود:" لسنا ندري ماذا نفعل، ما هذه الحرب، وإلىأين تتجه؟ وكيف ستكون نتائجها. ولكن ومع كل الاحتمالات، فهناك أمر لن تحققه هذهالحرب: إنها لن تحرر فلسطين"(ص 154).
ولا يمر أبو شاور مرورًا خاطفًا علىالانجازات الحربية التي كانت تحققها الإذاعات العربية في ذاك العام(أي 1967) بينماالتقهقر والهزيمة في ميدان الواقع:" في صدري نار. الإذاعات تقول: نحن نتقدم ونحرر. طائرات العدو تحرق المعسكرات بسهولة عجيبة. حرب الإذاعة، وحرب أخرى أمامنا، هناكحربان يا حسن"(على لسان زياد ص 162).
ويؤكد محمود في سياق استعراض حالة الجيوشالعربية أن الإذاعات تقول أشياء والواقع ينفي أغانيهم وتفاؤلهم(ص 165).
ويشيرإلى لغة الخطاب التي استعملها قادة العرب، وهي لغة عفى عليها الزمن فـ" هذا صوتالملك يقول: قاتلوهم بأظافركم وأسنانكم"(ص 165). وبسخرية مسرحية تثير الضحك والأسىفي ذات الوقت يجيب" الأمور سيئة وما يزيدها سوءا يا أمي أن أظافرنا قد قلمت،وأسناننا كسرت"(ص 166). وهذه إشارة واضحة وفاضحة إلى قمع الأنظمة العربية لحركاتالمقاومة والثورة. حتى لم يبق أي شيء يستطيعون بواسطته مواجهة العدو بما في ذلكأظافرهم وأسنانهم. لقد أُفرغت المقاومة من كل إمكانية للمقاومة الفعلية، ليبقالنظام الحاكم سائدًا وليذهب الفلسطيني وقضيته إلى الجحيم!.
ولا يتوقف النقداللاذع عند هذا الحد بل يسترسل كل من محمود وزياد في تفصيل العجز السائد في الساحةالسياسية/العسكري:" هذا خطاب كوميدي على نحو ما، فيه شيء من التفكه، وخفة الدم،ولكن كان ينقصه أن يأمرنا بأن نحاربهم بأعضائنا التناسلية، إلاّ إذا كان هذا السلاحمحرم دوليا"(ص 166).
ويفتح أبو شاور حساباته التاريخية ـ حسابات الشعبالفلسطيني ـ ليحاسب الزعامة العربية" لو امتلك بعض القنابل الذرية، إذن لفجرت الكرةالأرضية، وأنهيت سفالة الإنسان. لو امتلك القدرة على إلقاء القبض على الزعاماتالعربية ومحاسبتهم جميعًا، في الساحات العامة وعلى المكشوف، آخ من كل شيء"(ص 168).
ويُصرّ الفلسطينيون على رفض خوض تجربة الرحيل للمرة الثانية كي لا يتحقق مشروعالعدو بتفريغ فلسطين من أهلها. كانت التجربة الأولى في العام 1948 قاسية وصعبةومهينة، حيث فقد الفلسطينيون أرضهم وبيوتهم وأملاكهم ولم يبق لديهم سوى شيء واحدوهو الصراع من أجل البقاء والديمومة." يظنون أن باستطاعتهم كشطنا عن أرضنا، نحنلسنا هذه البيوت الطينية التي يسهل هدمها، نحن التراب، فكلما كشطوا طبقة واجهواأخرى، وكلما أزاحوا صخرة، جوبهوا بصخرة. أنا باق ولن أرحل. ستظل أمي معي وأخي محمدوهذه أرضنا وهنا سنموت"(ص 171).
هذا التحشيد للقوى الروحية والنفسية سلاح صنعهالفلسطينيون ليستمروا في كفاحهم وصراعهم من أجل البقاء ومن أجل إعادة الكرامةبقواهم الذاتية ودافعيتهم نحو مستقبل يستحقونه لكونهم أصحاب حق.
ويوجه أبو شاورنقدًا لاذعًا للشرطة التي من واجبها حماية المواطنين الفلسطينيين ولكنها تبرح أريحاومواقع أخرى متواجدة فيها. حتى العلم لم يدافعوا عنه، وهذا دليل على ابتعادهم عنالأصول والقيم، فالعلم يدافع عنه الفلسطينيون لأنه علم عربي سيأتي يومًا يرفرفعاليًا فوق هضاب وتلال الوطن الغالي. " رفع الشباب رؤوسهم، فرأوا العلم يرفرف،وكأنه طائر انطلق بعد طول حبس، أخذ يضرب بالهواء بجناحيه ببطء، وكأنما يمرنالجناحين ويفجر طاقته المخزونة، ثم يرتفع ويرتفع في الأفق..."(ص 175).
هنا،أدرك الفلسطينيون معنى ومفهوم حماية العلم والحفاظ عليه لأنه رمز وجودهم التاريخيوتطلعاتهم المستقبلية نحو الحرية والاستقلال.
من هذه الحرب تفتقت عيونالفلسطينيين على واقع جديد عليهم مجابهته بأنفسهم. لقد تحرروا من احتلال الأنظمةالعربية للقضية الفلسطينية، ووقعوا تحت احتلال بشع وقمعي وشرس جعلهم يتخذون قراراذاتيا بالتحرر الذاتي من ربقة هذا الاحتلال.
ومن بين الخطوات الأولى لمواجهةالاحتلال الاسرائيلي هو عدم الرحيل نحو الشرق، وعلى كل فلسطيني التمسك بوطنه وأرضهوعدم تركها إطلاقا(ص 184).
كانت الهزيمة في العام 1967 مؤشرًا لتنشيط العملالفدائي النشط لإنقاذ فلسطين والسعي من أجل خلاصها وإعادة أبنائها إليها.
واجتمعت جميع الأطراف الفلسطينية المدنية والدينية (بشخص الأب الياس) على أنالحل الأساسي في سبيل خلاص وتحرير فلسطين هو حمل السلاح. فالفلسطيني" لم يخترمنفانا" كما قال غسان كنفاني في روايته" رجال في الشمس".
لقد كان احتلال الضفةالغربية بالنسبة للفلسطينيين بداية حقيقية وواقعية للتعرف على العدو. لم يعد التعرفعلى العدو من خلال الإذاعات والدعاية الكاذبة، إنما من خلال الاحتكاك اليوميوالصراع الدائم(ص 210).
ويحتاج كل شعب إلى من يرفع معنوياته ويبعد عنه الكربوالكآبة والتقهقر النفسي، ويردد محمود كلمات تدل على وعي كبير وإدراك عميق لأهميةالحفاظ على ترابط الشعب الفلسطيني وتماسك إرادته مهما تشتت شمله جغرافيا" الآن تبدأالمعركة فعلاً، هذا هو الاشتباك الحقيقي، يريدون تدمير إرادة المقاومة عند شعبنا،ولكنهم لن ينجحوا"(ص 230).

ايوب صابر 02-09-2012 01:13 PM

تابع
العشاق
د. جوني منصور





خلاصة
هذه الرواية بنظري تحمل مخزونا تاريخيا غنيا. عرف واضعها كيفيةالاستفادة من هذا المخزون لتجنيده لصالح أحداث الرواية بصورة واقعية للغاية. فهويؤرخ بأسلوب روائي وقفات أو محطات من التاريخ الفلسطيني منذ عام النكبة 1948 إلىعام النكسة(وهي نكبة ايضا) في العام 1967، وكيف تعامل معها الفلسطيني والعربي كل منمنطلق رؤيته ومصلحته. والأهم بالنسبة لرشاد أبو شاور ما تركته هذه النكبات في عمقالتاريخ الفلسطيني من متغيرات على الساحة الحياتية والنضالية.
رواية " العشّاق" تحمل في جنباتها ملامح من حياة وتشرد كاتبها الروائي رشاد أبو شاور، وتنقل صورًالما حل بالشعب الفلسطيني من مصائب وويلات على مر الفترة الزمنية التي تدور فيهاأحداث الرواية، أي من العام 1948 إلى مطلع السبعينات.
رواية " العشاق" درس مندروس التاريخ الفلسطيني والعربي كونها تضع القارئ أمام تحديات الماضي برؤية الواقعالمعاش بكل مركباته وعناصره.

ايوب صابر 02-09-2012 01:14 PM

رواية رشاد أبو شاور: عِشقُ الأرض بدُرَْبَة السّرد ودرايته

أحمد المديني
رواية حقيقية، مقترنة بوعي ودراية فنية إلا انشدت إلى المكان انشداد المادة إلى الجاذبية، أو يتعذر دون ذلك تحقق الجنس الأدبي الذي همُّه أولا الاحتفال بمادة مكانية، والحصول من ثمّ على الخصائص والمؤهلات المرتبطة بهذا الانتساب. لا تكون الرواية تجريدا، أبدا، ولا مضمارا لتداول وتطريز الاستيهامات الموحية عن المجال الذي يحيا فيه الإنسان، توجد فيه الشخصيات وتتفاعل، بل وهي مجبولة من طينها، منبثقة من تربتها، هويتها تتحدد انتسابا ومعنى، وفعل حياة من صميم هذه العلاقة، أو هي لاغية أساسا. هذه أول محصلة تلزم قارئ القاص والروائي رشاد أبو شاور، وهو يتقلب فوق تراب نصوصه السردية، منتقلا من عمل إلى عمل، ومحمولا بين أجواء ومحيطات كبيرة وصغيرة، لكن مغروسا في فضاء واحد، وإن غير موحد، أي متعدد ومتنوع، هو الأرض الفلسطينية، سواء الممتدة في تلادة التاريخ، الشاهدة على وجدان أمة وحَمِيّة وطن، أم الثانية، المنهوشة، جزءا، فالمغتصبة كُلاًّ بعد ذلك، قد انفصل الرحم منها عن أولادها، فيما انتقلت لتسكن لحم وحنين من رحلوا وطردوا منها، قد ترمّلت، وتغربت، واستوحشت، واستشهدت مرات.
أحب أن أعود اليوم إلى هذه الثنائية لتذكرها واسترجاع أهميتها التي تبدو كأنها خفتت في الرواية العربية، في نصوصها الأخيرة، أو ما هو محسوب عليها، حيث بات يسود التجريد والتعميم، وتتقلص الملامح والعلامات، ويتضاءل الوصف أقل منه يضمر التشخيص حدا يصيب الرواية بفقر الدم، قد تحولت عند بضع هواةٍ إلى نصوص مائعة، أو مستنسخات فجة.
نعتقد أنه لا يكفي الانطلاق من عنوان أو بيئة للزعم بجعل السرد متعينا في المكان، بل لا بد له من أن يتماهى مع أفراده وشخصياته، وأن يكون هذا لذاك لحمة وسَدَا، وشرط حصوله بعد الدراية والمهارة، لا غنى عنهما، عزّ رصدهما في مائع النصوص تلك ومتكلفها، إحساس يتعشّق هذه البيئة، فتتمثل فيها التضاريس والبنيات والمعالم البرانية، هي عنوان وإنسان معا.
هذا ما يجعل الكتابة، هنا، أكبر، وأجدر من معالجة تيمة، أو نقل رؤية عن واقع بالصيغة السردية، تصبح بمثابة شهادة مفعمة بشغف الوجود يتغذى من إيمان عميق بالأرض، وبوَطن الإنسان، قائما ومفقودا، مرسوماً بالمعاينة في شقيها التفصيلي والاشتمالي، ومحدوساً بذات متأملة، مستقرئة، تتمتع بفرادة تجديد نظرة العين، وبالتالي تكثير منظورات الرؤية. ففي الرواية الصحيحة فنيا حيث ينبني المكان بجميع ما يشترك في صنعه المتكامل بين جغرافيا وتاريخ وحضارة وثقافة وأحداث، في قلبها فعل إنساني متواتر ومتموج، حيث يتخلق الكائن المتشرّب بدوره لعناصر التكوين هذه، إضافة إلى خصوصيته الذاتية عندما يسبغها على محيطه، في حالي التجانس والمفارقة، القرب والبعد، بالاستيطان وبالطرد، أيضا.
عنينا من هذا وذاك ما يوليه النقد الروائي القارئ من اعتبار لقوة حضور المكان، الأرضية الصلبة بدونها لا قيام لسرد فني، وهو شأن متأصل في الرواية العالمية، منها النموذج العربي وإلا فأنظروا معنا صنيع شيخها نجيب محفوظ في ثلاثيته الشهيرة، وخلفه عبد الرحمن منيف في ملحمته 'مدن الملح' وجيل فيه عديد مواهب، بين مشرق ومغرب، يشغل منه رشاد أبو شاور موقعا مريحا ومتأصلا. نحب أن نزيد من هذه العناية بإعادة قراءة عملين لهذا الروائي، هما على تقدمهما الزمني نسبيا، يشفان عن إدراك ناضج بقدرة التزويج بين الوعي بالتفاعل الحي بين الإوالية الفضائية بوصفها محيطا شاملا، والإواليات الزمنية البشرية الواقعية والتخييلية، المتحركة ضمنه، المنتجة أخيرا للمتن السردي التخييلي. هذا الأخير الذي يتحرك بدوره في مدار أوسع منه، قد يعد للوهلة الأولى تيمة وطنية، أوَلا يتعلق الأمر بفلسطين، التي هي في كل كتابة بمثابة علامة أيقونية بمرجعياتها ودوالها، مبثوثة وقابلة للتوليد، لكن وضعها على صعيد التخييل ينقلها من واقعيتها المعطاة، تاريخيا وإيديولوجيا، إلى مستوى المحتمل، الخاضع لمبادئ التحويل والتذويت والاشتغال اللغوي الاستعاري، وهذه هي المعول عليها لا على أي مسبق مضموني أو شعارية ضاجة أو نفحة وجدانية، لإنتاج المعنى الروائي بواسطة الأدوات المخصوصة به.
فمن المتن الغني والمتنوع لأبي شاور، الحافل في الاتجاه الذي رسمنا، نختار للقراءة نصين ينسجمان في مقروئيتهما مع التأويل المستنتج منهما، ويسمحان بتوليد نظرة نقدية من منتوج أدبي صرف؛ نعني تحديدا ' العشاق' (1977دائرة الأعلام والثقافة م.ت.ف؛ نعتمد ط السادسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2004) يليها' شبابيك زينب'(دارالآداب، 1994) علما بأن روايات الكاتب، ومجاميعه القصصية الوفيرة، أيضا، غير المعتمدة، قلّ أن تنزاح في الغالب عن اشتغال منظوره، أداءاته الحكائية الفريدة والمتجددة من نص إلى آخر، تجدد العوالم بناء عالمه الروائي، حتى ولو ظهر أنها تتخذ تيمة واحدة، القضية الفلسطينية بمهيمناتها وأبعادها المختلفة، بين ماض وحاضر، وعلى امتدادها في صنع أفق المنفى المديد.
تعتمد رواية 'العشاق' أول شيء على دعم مقولة الجغرافيا الروائية، حيث يستطيع نص مفرد، قابل للتناسل، أن يصنع خريطته الخاصة به، يستعير بكل تأكيد خطوطها العامة من الخريطة الحقيقية، ليحوّرها فتنتقل إلى درجات من التحويل في الصور، والتوليد في الدلالة حسب محافل السرد ومقامات الخطاب. فمقام العشق، مثلا، لا يُعلى عليه في الخطاب الشعري الصوفي، يتوسل إليه بلغة وبلاغة مخصوصتين، إلا أنه إذا استعير للرواية، واستبطن سيرة شخصياتها، ومضمار اشتغالها، تحول وتحدد بما يعطيه صورة الظاهر والباطن، الواقع (= في جغرافيته الطبيعية، الطوبوغرافية) وما فوقه أو محتمله، مهماز الروائية، (= في خريطة تتولى الشخصيات رسمها حسب هواها ومنازعها الذاتية، وإن بقيت محكومة، في النهاية، وكيفما بلغ هوس العشق وشططه، بالشروط الخارجية (=الموضوعية السابقة عليها) وهذا بحكم أن الجنس الأدبي الذي تندرج فيه هو خطاب ذو طبيعة موضوعية، أو بالمصطلح الحديث ملزم بالتقيد بشعرية السردية، التي تخضع فيها مراتب التمثيل والتعبير لقوانين مختلفة عن جنس النظم، مهما بلغت في الانزياح والاختراقات المابينية للأجناس. من هنا نجد رشاد أبو شاور وهو صانع الجغرافيا الملائمة لتحركات عشاقه حريصا على إقامة أكبر قدر من التوازن بين إقامة الموضوع (= القضية) وإقامة الذات (= أشجانها) ـ وهما لا ينفصلان بتاتا، وأي فصل منا هو لغاية إجرائية بحت ـ وهو توازن مفتر ض فقط ما دام مقترنا بجغرافيا روائية.
في 'العشاق'تستهل الرواية بتقديم المكان، بوصفه الرُّكح الذي ستدور فوقه أحداثها والتعريف به من نواح مختلفة، وهو يأخذ عنوان 'مدينة القمر' وصفا لمدينة 'أريحا' الفلسطينية قبل أن تتعرض للاحتلال. اللافت أن هناك كاتبا ينضم إلى الروائي ـ هو ذاته ـ للقيام بالتعريف بالصيغ التاريخية، بدءا من الألف الثالث قبل الميلاد، وصولا إلى نكبة 1948، ومنها إلى عشية حرب 1967 أو نكستها، حسب التسمية. بين هذه المراحل الثلاث نحن مع مدينة عاشت العز والصمود وتناوبت عليها الأهوال، وابتلى الدهر ساكنيها باختبار الغزاة والنفي والتشرد، كما بمغالبة الأيام وغش الوطن والاستسلام لمكر الأجنبي أو التعامل معه، في مواجهة إرادة صابرة، يقينية البطولة، بالروح الوطنية الاستشهادية التي ستواجه الغاصبين وحلفاءهم من المتربصين. لتختصر جزءا وكلا في كونها:'بوابة فلسطين، منها دخل الغزاة، ومنا خرجوا. أرضها ارتوت بالدم، وامتلأت بأجساد الرجال الشجعان. ونسوتها ما زلن يرتدين الأسود. إنها مدينة الأساطير، والواقع الشرس كشمسها.'(ص32).
وإذا كان هذا هو الإطار العام، فإن أرض الرواية هي الفضاء الذي يحيا فيه أبطالها، شخصيتها، بتعدد منازعهم وسلوكهم، وهم جميعهم عشاق، كل على طريقته، بمن فيهم عتاة المجرمين أحيانا، وهذا فهم ذكي للبطولة، ونبذ لمثالية ساذجة لا تتعامل إلا مع الطهراني، وإلا هل هناك وطنية خالصة، بل أجملها ما يدخل في صراع، ويتشابك مع عاطفة الحب، كما في مسارالفاعلين هنا، وتناقضات حياتهم وسِيَرهم الصعبة، المتراوحة أغلبها بين'مخيم النويعمة' و'مخيم عين السلطان' حول أريحا، والسجن الذي يمتحن فيه أبناء المخيمين، ويديره الأوصياء على قضيتهم. هؤلاء والظلال المحيطة بهم، كل الساكنة الفاعلة، باعتبار تمثيلاتها متباينة المضامين والرموز، وبالمحكيات الكبرى والدنيا الواصفة لحياتهم في كونهم بالدرجة الأولى أبناء مخيمات، وأصحاب قضية، وبشرٌ من لحم ودم يحب، يفرح ويتعس، وبينهم من يخون: محمود المدرس، المناضل والمولع بندى المدرسة في تعليمية المخيم، يقابله أخوه المتيم بعوده والغناء لفلسطين، وحسن المقاتل، شبه المتهور، ومناط حب الجارة زينب، والأمّان اللتان ربطتا مصيرهما بمن قضى من الأزواج، وبحب صوفي للأرض عبر رعاية الأولاد، وآحاد يوسعون دائرة التمثيل للعلاقة الوطنية والوجدانية مع وطن يتوهج في قلوبهم ويكبر كلما مرحوا في طرقاته، وسهروا في ضوء قمر أريحا، ضوئه، نضم إليهم عطوة الذي لم ينسه كونه شرطيا انتماؤه الأصيل لأبناء شعبه، ولا أبو صالح، الذي بدأ مستخفا بشأن قومه، لكن ضميره الوطني اهتز دفاعا عن عقيدته، غيره، حيث نتعرف على عينات من رجال ونساء أريحا، ونسمع أصواتهم ونعيش معهم كأننا فيهم، نتذوق ونشم، نفرح قليلا، ونأسى كثيرا، هم عشاق، عشاق لمعشوقة، طبعا، وهذا هو الرهان الفني والإيديولوجي للكاتب، قصده أن تبئير البطولة في الأرض، وجعلها بؤرة العشق، ثانيا، وثالثا، وليس أخيرا، توحيد بطولتها بسِير وعشق المولودين فوقها، في الحل والترحال، في الإقامة وبعد التشرد والنفي، وكذلك هي سيرة فلسطين مع تاريخها وأبنائها، منذ الكنعانيين وإلى اليوم، ترى ماذا بعد اليوم؟

ايوب صابر 02-09-2012 01:16 PM

تابع
رواية رشاد أبو شاور: عِشقُ الأرض بدُرَْبَة السّرد ودرايته

أحمد المديني

في ' شبابيك زينب' لا تكاد الرؤية تختلف إلا باختلاف حجم النصوتبديه البساطة حدا يحول الرواية إلى مقام المحكي العادي جدا، تحسبه قابعا في كلنفس، منبثقا منها، وليس صنعة فنان في قلمه نبع فياض للسرد، وهو ما سنراه لاحقامفردا كخاصية لازمة لنص أبو شاور. هناك' أريحا' وهنا' نابلس'؛ شكيم (الكتف) تارة،لذا أكتاف النابلسيين عريضة، نيابولس (المدينة الجديدة) تارة أخرى، أو دمشقالصغيرة.(ص8). المدينة كنعانية، عمرها المعروف 9000سنة، وهي مدينة البركات، منهاالسامريون الذين يملكون في أسفارهم تاريخ الخليقة منذ بدء النشوء والتكوين(11)،مدينة العيون، ومدينة النار والياسمين والموسيقى والعود، وإذا كان هذا كله تمتدجذوره في التاريخ العريق، بما يسمح بالنظر إليه بعيون السحر والغرابة، لم لاأسطَرَتُه، فهو موضع مرتبط، شأن أريحا بأرض النبوات والمقدس، وفي الآن عينه هاكَه،كما يحرص المدخل الوصفي للعمل على تقديمه ضمن صورة الطبيعة،
وإن تلك التيتبقيها مجللة بسحر الغيب والنذور:'ارفع رأسك، فأنت في حضرة مدينة على جبلين يأخذانعينيك إلى الأعلى، تأخذ المدينة عينيك وتصعد بها بين الجبلين، عيبال وجرزيم (...) إن مدينة تلاتفع على جبلين، يرتفع واحدهما عيبال الشمالي 941 مترا. ويرتفع ثانيهماـ جرزيم الجبل الجنوبي، المقدس عند السومريين ـ أصغر طائفة في العالم ـ 881، لابدستبعث الرعشة في روحك، لأنك في حضرة جغرافيا وتاريخ وقداسة ومصائب كابدهاالنابلسيون عبر العصور.'(ص 7.). فماذا عن ناسها؟ إنهم ببساطة عنيدون، في هذه الصفةكل المعاني.
من بدء كل نص يفهمك أبو شاور أن المدينة الروائية، جغرافيتهاالطبيعية والبشرية والدرامية، لا تنهض على فراغ، يفعل ذلك بتدخل المؤرخ الذي يستشهدبالمعلومة الموثقة، يعلنها مباشرة دون ارتياب أو تردد، لا يبالي هل سينعت نصهبالتاريخي، وإن بدا مشوبا به، ولا الدعاوي، وإن احتج فيه وهتف، أحيانا، بلا تبجح،أي كتابة عن فلسطين، عن مكان ولدت فيه القداسة منذ بدء الديانات السماوية، وتزوجالتراجيديا حتى تماهى معها، فغدت له مرادفا لا يمكن إلا أن يمتح كل متعاط أدبيّ معهضرورةً من ضرعه التاريخي، ويسبح في دمائه المسفوحة، من تم هي طريقة الأداة لاالهدف، والجغرافيا الروائية المركبة هي عمدته. وبدلا من نابلس، نحن في ' مدينة برجالجوزاء'، ومما يشبه الأسطورة، تظــــل متشربة، نحن في شرقي المدينة في قرية بلاطة،وقرب المخيم الحامل للإسم نفسه والبشر القدامى، السّامريون، يرثهم رجال ونساء، ربماأشد صلابة وعنادا، أسماؤهم فدوى وزينب، عزالدين الأمين، الحاج فخري، صالح عكاوي،ناصر، الشاب مصطفى، الشيخ حسام وأم حسام، الحاجة راضية، وكل الأماكن والمواقع التيتتنقل فيها هذه الشخصيات، تفعل فعلها، وتتناوب على أدوار صنع الحدث والتأثيرالقادرين مع مؤثرات أخرى على تشكيل مدونة روائية متكاملة من كل ناحية، خاصة ما يقصدإليه كاتبها الذي ليس روائيا عاديا، وهو في الآن مناضل وصاحب شهادة .
نلتقي في 'شبابيك زينب' مع الخطاطة والعلاقات ذاتها، القائمة في 'عشاق'، وذلك في شكل أزواجومتقابلات تمثل الشيء ونقيضه، لخلق الصراع والتبادل، وللإسهام على المستوى اللغويوالتعبيري للشخصيات في نسج تعددية منتجة، تكسر وحدة الإيقاع وفرضية النمط إلى جانبأي هيمنة ممكنة للسارد: أريحا/ نابلس؛ مخيم النويعمة/ مخيم بلاطة؛ محمود/ ندى؛محمود/ زينب؛ أم حسن/ الحاجة راضية؛ حسن/ ناصر؛ الخال الإقطاعي/ الصحفي يوسف. تمثلكلها شخصيات تيمة المقاومة في مقابل أخرى ذاتية ورمزية صادمة، تمثل تيمة التقاعسأوالتذبذب أو العمالة العارية. تتضمن كلا التيمتين محمولا ثقافيا وإيديولوجيا هومرجعيتهما بلا شك، غير أن الروائي يبحث لهما عن التشخيص الحي الذي يمنحانهما قوةالتمثيل، بواسطته يعبر الخطاب، وإلا تهافت إلى هرج وشعارية وتبشيرية فجة يمكنلخطابات أخرى أن تتقاسمها، وتكون أجدر بوظيفتها. محذور يرافق دائما النصوص السرديةالمنافحة عن قضية، ويقترن عموما بما يسمى 'رواية الأطروحة' تشغل التيمة فيها موقعامركزيا. وبالنسبة لسرود اختصت وتختص بالحق الفلسطيني المغتصب، بل الأدب المرتبطبهذا الحق كله ـ وهو موضع نقاش وسجال طويلين ـ يصعب حقا كما في الأدب الملتزم عامة،فصل المقال بين مهمتي الفن والتوصيل، ولا الاتفاق نقديا على الإيقاع الضابط للتوازنبينهما.
حسبنا القول هنا، وفي حدود المتن المقروء، بأن لرشاد أبو شاور تنبّهاللمحذور المشار إليه، خاصة لنمطية التمثيل في الشخصيات الروائية، سواء بين مشاعرهاوبنيتها الاجتماعية، أو في طبيعة انخراطها بالسياق الموضوعي الذي يفرض عليها سلوكابعينه، هي نمطية معايَنة، متواترة في النصين المعنيين، لا يفلت منها أي نص سردي ذيصلة بالمكون الفلسطيني كيفما تناغمت منازعه الفنية ومزاعمه، والفرق بين النماذجالمؤسسة للمتن العام، ولكسر نمطياته ومستنسخاته المتراكمة، يوجد لدى الكاتب هناتحديدا في:
1
ــ تحويل الأرض إلى شخصية مركزية هي أم الشخصيات، حاضنتها، مناطصراعها على امتداد الفعل والتحولات روائيا، ونحت ملامحها تاريخيا وأسطوريا،ووجدانيا، ثم وشم جلدها بكل حوادث الدهر، فهي ذاكرة وحياة وجرح بلغاتها الخاصة ضمناللغة العامة؛ إن الأرض تتكلم هنا فلسطينيا بنبرتها واحتفاليتها، السرد الفني مؤهلأكثر من أي جنس غيره لتصعيده.
2
ــ تحويل هذا السرد، بالتبعية، إلى محفل واسعومتنوع بالمشاهد والصور واللقطات، إذ يتم بواسطتها رسم الصورة البانورامية للمجتمع،وهي نمطية، أيضا، فاحتفاليتها، كما يرصدها أبو شاور وحده، تضفي عليها ميسمالخصوصية، وبالتالي تفردها وهي تؤسسها أولا بأول. لنتذكر أن باختين اعتبر، انطلاقامن وصف رابلي، وسانده في ذلك دارسون آخرون، بأن النزعة الاحتفالية، وليسالفولكلورية، كما قد يتوهم البعض، من أهم مقومات المحكي الحديث.
3
ــ ثالثا، وهوأبرز وأنجع أدوات روائي 'عاشق'، اتخاذه لأسلوب سردي بالوسع القول اقتداره عليهوتميزه فيه دون أقرانه ومجايليه، وقلّ من يضاهيه فيه، نعني اعتماده ألوانا وتنويعاتفي الحكي، فيما تعلن عن دربة لدى صاحبها على إحكام السرد، تعلن تطويعه له وترويضهليصبح الفضاء وأهله وطباعهم وأشجانهم وأشياء بيئتهم، هذا كله وسواه مرويا، مبسطاومُبدّها، منبثقا من لسان الأرض الأم، على لسان أبنائها العاشقين لها، بسلاسةوطلاقة وتلقائية كالمجرى الذي يغتسل فيه ناس المخيم، والنكتة التي يصنعها الخلاليلة (أهل الخليل)عن أنفسهم، والأغنية الشعبية والمثل السائر، والظُّرف المحلي،والنادرة، مع عناصر أخرى لا تنتمي ضرورة إلى البنية السردية بقدر ما تنوب عنوظيفتها.
فإن نحن أضفنا إلى الخصائص الثلاث المذكورة ما أكدناه من كون الأرضتحوز قيمة مركزية في هذا العمل بوصفها تتجلى جغرافيا روائية ناهضة على جغرافياطبيعية وتاريخية ووجدانية، منها تتغذى، وجدنا عندئذ أننا إزاء نصوص تتضاعف في شكلتركيب يحتاج في كل مرة أن يُستقرأ ويكتشف في شكل إعادة رسم ورصد بأدوات التلقيالنقدية المختلفة، وهو ما لا يتأتى إلا مع التجارب الأدبية القمينة بالتسمية، تجربةأبو شاور الروائية في قلبها. هي بالإضافة إلى ما سبق تجربة تبين لمن يتواصلون معالعمل الأدبي بأنه وهو يقتضي باعه الفني اللازم يحتاج قبل ذلك إلى إيمان مخلصبقصديته وقضيته، وهنا تتلازم الصنعة مع القضية في تناغم حميم يذكرنا بأهمية الأدبفي الدفاع عن حق الإنسان الدائم في كل ما يصون كينونته وكرامته، بينما يتهافتالكلام في أيامنا مسفا ويتساقط أصحابه سقوطا مريعا.
القدس العربي 21/12/2008

ايوب صابر 02-10-2012 05:37 PM

رشاد أبو شاور
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة


رشاد محمود أبو شاور هو قاص وروائي فلسطيني من مواليد عام 1942 في قرية ذكرين قضاء الخليل, فلسطين.
انخرط في صفوف المقاومة الفلسطينية واستلم عدة مناصب في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. عمل نائباً لرئيس تحرير مجلة الكاتب الفلسطيني الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب والصحفيين الفلسطينيين في بيروت.
عضو في جمعية القصة والرواية.


من مؤلفاته:
  • ذكرى الأيام الماضية - قصص - بيروت 1970.
  • أيام الحرب والموت- رواية - بيروت 1973.
  • بيت أخضر ذو سقف قرميدي- قصص- بغداد 1974.
  • البكاء على صدر الحبيب- رواية - بيروت 1974.
  • مهر البراري - قصص - بيروت 1974.
  • الأشجار لا تنمو على الدفاتر- قصص - بيروت 1975.
  • العشاق - رواية - بيروت 1978.
  • عطر الياسمين - قصص للأطفال- بيروت 1978.
  • أرض العسل - قصة للفتيان - بيروت 1979.
  • آه يا بيروت - مقالات - دمشق 1983.
  • الرب لم يسترح في اليوم السابع - رواية 1986.
  • الموت غناءا
  • كما صدر له مجلد الأعمال القصصية عام 1999 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر
==

الروائي الفلسطيني رشاد ابو شاور

بقلم شاكر فريد حسن
2011-01-08

رشاد ابو شاور كاتب وقاص وروائي فلسطيني بارز .ولد سنة 1942في قرية ذكرين ـ قضاء الخليل وأقام في عام النكبة في منطقة "جورة بحلص" ثم انتقل مع افراد عائلته الى بيت لحم، وعاش في مخيم الدهيشة وبعدها في اريحا، وفي عام 1957 لجأ والده مع عشرات الوطنيين الى سوريا ولحقه رشاد عام 1958 وأقام في دمشق ، وهناك بدأت رحلته مع الادب والثقافة والسياسة حيث بدأ يكتب قصصاً قصيرة ، وكانت قصته الاولى عن مجزرة دير ياسين ، ثم طور ادواته الفنية واسلوبه الكتابي ، فكتب عن الانسان الفلسطيني المشرد والمقاتل من أجل وطن وهوية، واتسمت قصصه بالغموض احياناً والاحساس بالنفي والاغتراب والبحث عن الذات الفلسطينية.

وكانت القصة الاولى التي نشرها رشاد بعنوان "احذية الآخرين" في صحيفة "الجهاد" الصادرة آنذاك في القدس .

وفي سنة 1965عاد مع ابيه الى اريحا، وحين حدثت نكسة حزيران 1967 غادرها الى عمان، وفيها بدأت مسيرته الحقيقية مع القص الروائي والفكر السياسي، وظهرت قصصه في"الآداب" اللبنانية ، وأصدر مجموعة من الروايات والقصص نذكر منها : "ذكرى الأيام الماضية "و"ايام الحب والموت" و"بيت اخضر ذو سقف قرميدي" و"البكاء على صدر الحبيب" و"مهر البراري"و"الاشجار لا تنمو على الدفاتر"و"العشاق"و"عطر الياسمين"و"الرب لم يسترح في اليوم السابع" وغير ذلك.

عاش رشاد ابو شاور حصار بيروت ، ومعارك الصمود والتحدي، دفاعاً عن مستقبل وحياة شعبه وفي مواجهة الغزو الامبريالي ـ الصهيوني ، وشارك في الكتابة وتحرير واصدار نشرة "المعركة" التعبوية ، ومن ابرز كتاباته التسجيلية فيها نصوصه الجميلة "محمد عويس، ازهار الفاكهاني، الشهداء ، هنا بيروت" ، ومما كتبه في وصف بيروت:
هنا بيروت ، البحر، بحر يافا، بحر غزة
هنا بيروت، الرمل المعبأ في اكياس تقاتل
هنا بيروت الغناء الشجاع ، الدافئ
هنا بيروت الشعر الناهض حتى السماء
هنا بيروت الاحلام الأعلى من الأقمار الصناعية
هنا بيروت الكرامة التي نحميها بالد
والحرية التي نحميها بالدم
هنا بيروت فلسطين ، بيروت العرب،بيروت امامكم، ام محمد ، بيروت خبزها الساخن، وشايها الساخنوكلامها الذي يقطر عسلاً
هنا يبدأ الزمان، زمان الذين يكتبون بدمهم امجاداً لا تعرفها العواصم النائمة،العواصم الكرتون.

وتنقل رشاد بين مطارات العواصم العربية فعاش فترة في بغداد الرشيد، واستقر في عمان حيث يمارس الكتابة وينشر المقالات المنوعة في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية.

وفي مجمل اعماله الروائية والقصصية يحكي رشاد ابو شاور قصة نضال الشعب الفلسطيني من اجل نيل الحرية والاستقلال، ويصف الإباء والعزة والمقاومة الفلسطينية الباسلة.

وما يشد القارئ في مقالاته هو موقفه السياسي الواضح من اتفاقات اوسلو،وتمسكه بالهوية الكنعانية، ورفضه التام لكل المشاريع التصفوية التي تستهدف القضية الفلسطينية ، اما في قصصه ورواياته فيشدنا التساوق والتلاحم والرصانة والصدق والقدرة على استشفاف وملامسة الواقع واستلهامه له.

وخلاصة الحديث ان رشاد ابو شاور يمثل وجهاً بارزاً من وجوه الثقافة الفلسطينية المعاصرة الملتزمة والنظيفة الرافضة ،التي تواصل العطاء بهمة لا تكل، وهو بارع في الوصف التفصيلي لمعاناة شعبه من القهر والظلم والم الغربة وكفاحه من اجل الكرامة والحرية.

ايوب صابر 02-10-2012 05:51 PM

الوجه الآخر لرشاد أبو شاور

بقلم:

عوني صادق
بدأت معرفتي به قبل أن تصدر له أول مجموعة قصصية في العام 1970 بعنوان (ذكري الأيام الماضية)، وتوطدت علاقتنا مع مرور الأيام، وتابعت كل ما صدر له من روايات ومجموعات قصصية بحكم الصداقة والزمالة، وطبيعة المهنة وميلي الخاص إلي قراءة الأدب. مع ذلك لم أجد نفسي راغبا في الكتابة عن أي من أعمال رشاد أبو شاور إلا مرة واحدة، ولكني أيضا لم أفعل. كان ذلك عندما صدرت له رواية (العشاق) في العام 1977 عن دائرة الإعلام والثقافة الفلسطينية، والتي أعتبرها أحد أهم الأعمال في الأدب الفلسطيني لفترة ما بعد النكبة، وذلك لأنني لست ناقدا أدبيا من ناحية، ولأنني، من ناحية ثانية، أحب أن أظل بعيدا عن اتهام طالما سمعته يوجه للبعض، ويتصل بقاعدة منتشرة في أوساطنا الثقافية، أعني بها قاعدة شيلني لشيلك ! وظل ذلك ساريا حتي قبل أسابيع قليلة، حين وقعت تحت يدي وبالصدفة المجموعة القصصية المعنونة (الموت غناء) الصادرة في العام 2003 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، والتي لم أكن قد رأيتها أو سمعت عنها، كما أن رشاد لم يقدمها لي، كما يفعل في كثير من الحالات. بعد أن قرأتها أحسست برغبة قوية في الكتابة عنها، خلافا للقاعدة العامة التي أتمسك بها. أما لماذا، فلسبب بسيط جدا، هو أنها كشفت لي ما أسميه الوجه الآخر الذي لم أعرفه لرشاد أبو شاور بالرغم من صداقة اقترب عمرها من أربعة عقود!




تضم مجموعة (الموت غناء) أربعا وعشرين قصة قصيرة، تتحدث كلها عن الإنسان البسيط الفقير المقهور وما يعانيه ويواجهه في عالم تسود فيه القوة بمعناها الواسع، ويستشري فيه الخوف والتسلط والفساد. لكن نصف هذه القصص علي الأقل تدور أحداثها بشكل أو بآخر حول (الموت)، ليس فقط كمصير محتوم للإنسان يأتي في نهاية العمر، بل كـ واقعة تراجيدية تعايشه العمر كله، قبل أن يصل إلي النهاية المحتومة. الموت مأزق وجودي بالنسبة للإنسان منذ وجد الإنسان، وطالما توقف أمامه الأدباء والفنانون والفلاسفة إلي جانب الأديان، ودائما وجد الإنسان نفسه عاجزا في مواجهته. ولعل كل ما يفعله الإنسان في حياته، وتحت أي عنوان كان، لا يزيد عن كونه محاولة فاشلة للابتعاد عن التفكير في هذا المأزق، وتلهيا عن واقعة الموت التي لا مفر منها. وفي هذه القصص جميعا، يعايش شخوصها الموت بطريقة أو أخري في خط مواز لكل ما يفعلون. تراه يعشش في حيواتهم ويلونها ألوانا شتي، يدفعهم للدفاع مرة وللهجوم أخري دون جدوي، يتربص بهم في كل حركة من حركاتهم وكل سكنة من سكناتهم، حتي عندما ينامون! هذا ما يقوله بطريقته رشاد أبو شاور.




ذلك هو الوجه الآخر لرشاد أبو شاور. من يعرف رشاد من الخارج، يجده إنسانا ضحوكا دائم الابتسام، مرحا يحب النكتة فتسير علي لسانه دون عناء، صاحب بديهة حاضرة تلعب علي الأفكار والألفاظ تستخرج منها النكتة بمناسبة وبدونها بحيث يبدو له أنه لا يعير اهتماما إلا للحياة وبوصفها مساحة للنزال. لكنه من الداخل وفي العمق، وكما تبدي لي في قصص هذه المجموعة، إنسان حزين غارق في حزنه حتي الثمالة، وهو ما يفسر لي لماذا تأتي النكته علي لسانه، في حالات كثيرة، أقرب إلي السخرية شديدة المرارة، ونوعا من الكوميديا السوداء، حتي في أكثر حالاته فرحا. فرشاد يقلقه جدا، بل يخيفه ويحيره الموت الذي لا يجد له تفسيرا، رغم ما هو عليه من إيمان. ولهذا أري أنه كان منطقيا وطبيعيا جدا، بل أكاد أقول حتميا، أن تحمل هذه المجموعة القصصية عنوان الموت غناء ، وكأنه يريد أن يقول إن الموت موجود في أصل الفرح الذي هو لحظة عابرة في حياة الإنسان، وربما أراد القول: حتي الغناء هو شكل من أشكال الموت!



أولا : في التكنيك



علي غلاف المجموعة، كتب المؤلف: دائما كنت علي قناعة بأن القصة القصيرة فن ممتع يلتقط التفاصيل ويتعامل مع الزمن والنفس الإنسانية، في لحظة حاسمة، وأنها فن الحكاية المركزة والمقطرة... . هذه القناعة لدي رشاد أبو شاور عن القصة القصيرة تسود تماما بحرفيتها في قصص الموت غناء ، حيث نجد الحكاية دائما، وحيث يتحكم السرد بشكل القصة، فدائما هناك الراوي الذي يروي الحكاية. أما التفاصيل ، بل وتفاصيل التفاصيل، فهي ما تتركز عليه عينا المؤلف لينسج منها ما يسميه اللحظة الحاسمة التي تكشف عن نفسها بعفوية أحيانا، وبطريقة مرسومة أحيانا أخري، لترسم تداعيات تلك اللحظة علي النفس الإنسانية التي هي دائما، مرة أخري، موضوع قصص رشاد أبو شاور، حتي عندما يبدو أن تلك القصص لها هدف آخر غير تلك النفس.


يفتتح رشاد أبو شاور مجموعته بقصة يا دنيا ... ولم يكن ذلك اعتباطا، بل علي الأرجح أنها كانت افتتاحية مقصودة تكشف عن مكنونات نفسه، وما يعتمل فيها من خوف وحيرة، وربما عبثية! القصة رمزية بامتياز، حيث لم تستطع كل المعطيات و التفاصيل الواقعية أن تغطي علي رمزيتها الواضحة. تعرض القصة لحظة البداية لدخول رجل غريب إلي مدينة حيث تقع عيناه فيها علي امرأة فاتنة، يتبعها ليجد نفسه في نهاية المطاف وحيدا في صحراء قاحلة متعبا ومرهقا ويائسا. فالمدينة ترمز إلي حياة الإنسان في هذا العالم، لها بابان (الولادة والموت)، يدخل من أحدهما ويخرج من الآخر. وتتم المقايسة بين الدنيا والمرأة الفاتنة اللعوب، وما تمثله وما تنطوي عليه من خداع للإنسان. وفيها نجد رأي أبو شاور بالدنيا، رأياً هو أقرب إلي الصورة المتكونة عنه، وهو أنه لا يجب علي الإنسان أن يأخذها علي محمل الجد، حيث جاء علي لسان أحد شخصيات القصة وهو يصف الغريب الذي صدق أن المرأة عشقته، قوله: يبدو أنه غشيم، لقد أخذها المسكين جدا !



ثانيا: انشغالات أخري



إذا كان الموت هو بطل مجموعة الموت غناء ، فإنها تحمل أيضا بعض ما يشغل رشاد أبو شاور في هذه الدنيا، فهناك قضايا لم يسلب الموت أهميتها طالما فرضت الحياة علي الإنسان، أعطاها المؤلف حيزا كبيرا من المساحة المخصصة، وإن لم تغب صورة الموت عنها، بل يمكن القول إن هذه القضايا عكست صورا أخري للموت. أول هذه القضايا قضية الحرية المسلوبة في بلداننا العربية، كما عرضتها قصص: شارع الحرية ، فنجان قهوة فقط ، مكان نظيف حسن الإضاءة ، حكاية الضابط والمعلم و الموت غناء . في كل هذه القصص رصد تفصيلي مثابر لمشكلة تبدو في أساس كل مشاكل حياتنا العربية، وقد لجأ أبو شاور إلي تنويعة من المفارقات والحيل جعلت السخرية المرة، التي سبق وأشرت إليها، هي الجو السائد في هذه القصص. فقصة شارع الحرية تتحدث عن غريب يبحث عن عنوان شركة قيل في الإعلان عنها إنها تقع في شارع الحرية . وعندما يسأل عن الشارع لا يجد أحدا يعرفه، فيضطر لأن يسأل شرطيا عنه، فينتهي به الأمر إلي السجن! أما فنجان قهوة فقط ، فتحكي عن سياسي قديم دعته المخابرات للتحقيق معه لتتركه بعد ساعات، يعود إلي بيته ويجلس علي كرسي ليرتاح، لتكتشف زوجته بعد لحظات أنه مات! وتعرض مكان نظيف حسن الإضاءة لصحفي ينتهي إلي السجن لأنه طالب بحق المواطن في بيت نظيف حسن الإضاءة! لكن الموت غناء صورة ساطعة للقوة والتسلط والفساد، حيث تتحكم الأقانيم الثلاثة بمصائر الكثرة من البشر، وقد استطاع الكاتب أن يجعل منها مأساة فيها من الضحك ما يدفع علي البكاء، حيث يفرض علي المغني أن يغني حتي الموت!



ثالثا: إنسانيات



الجزء الثالث من قصص المجموعة كانت عبارة عن لقطات إنسانية تكشف عن جانب مهم من إنسانية الكاتب، كما في قصة نصف رغيف ناشف ، التي تتحدث عن طالب فقير يحاول مداراة فقره عن العيون. وكذلك قصة حياة موحشة ، التي تظهر ما يمكن للحب أن يشيعه من حيوية في حياة الإنسان، وما يمكن أن يخلقه من أمل في نفس الإنسان وسط ظروفه الشقية.


بالطبع لم يكن ممكنا، ولم يكن الغرض عرض، أو التوقف عند، قصص المجموعة بالتفصيل الذي تستحق، بل هي مجرد إشارات إلي بعضها لتوضيح رأي صادر عن قارئ، إذ ليس من طريقة للاستمتاع بقصص هذه المجموعة غير قراءتها، وهو ما أرجو أن أكون في هذه العجالة قد أثرت اهتمام القراء وفضولهم، ممن لم يقرأوها، لقراءتها.



*كاتب من فلسطين

النسخة الأصلية كتبت في تاريخ 23 أيار، 2008



ايوب صابر 02-10-2012 06:00 PM

الأديب رشاد أبو شاور

http://arabiancreativity.com/puce_rtl.gifروائي، قاص وكاتب صحفي فلسطيني

http://arabiancreativity.com/puce_rtl.gifولد في قرية ( ذكرين) قضاء الخليل بتاريخ 15/6/1942.هاجر مع أسرته عام 48
http://arabiancreativity.com/puce_rtl.gifعاش مع والده _ كانت والدته قد توفيت ودفنت في القرية قبل سنةً من النكبة _ فترة قصيرة في ( الخليل) ، ثمّ كانت الإقامة في مخيم ( الدهيشة ) قرب بيت لحم حتى العام 52 .


http://arabiancreativity.com/puce_rtl.gifانتقل مع والده إلى مخيم ( النويعمة) قرب أريحا ، وهناك عاشا حتى العام 57.
http://arabiancreativity.com/puce_rtl.gifعام 57 لجأ والده إلى سوريّة وحصل على اللجوء السياسي ، ولقد لحق بوالده وعاش في دمشق حتى العام 65 ، ومن بعد عادا إلى ( النويعمة) قرب أريحا حيث عاشا حتى حزيران 67 .

- استقال من عمله البنكي بعد حزيران 67 ليتفرّغ للعمل الوطني .
- عمل في الإعلام الفلسطيني الموّحد ، وترّأس صحيفة يومية في بيروت .
- أقام في بيروت حتى العام 82 ، وفي دمشق حتى العام 88 .
- أقام مع أسرته في تونس حتى العام 94 ...
- يعيش منذ ذلك التاريخ في العاصمة الأردنية عمّان .
- منح عضوية اتحاد الكتّاب الفلسطينيين ، القاهرة ، عام 69 .
- أسهم في تأسيس الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الفلسطينيين ، وانتخب عضواً في الأمانة العّامة لعدّة دورات .
- رئيس اللجنة التحضيريّة لتجمّع الأدباء والكتّاب الفلسطينيين .
- عضو مجلس وطني فلسطيني منذ العام 83 .
- منذ نهاية الستينات وهو يكتب في كبريات المجلاّت والصحف العربية .
- يكتب في ( القدس العربي ) منذ العام 90 .

صدرت له الأعمال الأدبية التالية :
الروايات :
_ أيام الحب والموت/ دار العودة بيروت 1973
_ البكاء على صدر الحبيب / دار العودة بيروت 1974
_ العشّاق / دائرة الإعلام والثقافة م.ت ف 1977
_ الرب لم يسترح في اليوم السابع/ دار الحوار سورية 1986
_ شبابيك زينب/ دار الآداب بيروت 1994
المجموعات القصصية :
_ ذكرى الأيام الماضية/ دار الطليعة بيروت 1971
_ بيت أخضر ذو سقف قرميدي/ وزارة الإعلام بغداد 1974
_الأشجار لا تنمو على الدفاتر/ الإعلام الفلسطيني بيروت 1975
_ مهر البراري/ الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الفلسطينيين- بيروت 1977
_ بيتزا من أجل ذكرى مريم / الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الفلسطينيين بيروت 1981
_ حكاية الناس والحجار/ دار العودة بيروت 1989
_ الضحك في آخر الليل/ دار كنعان _ تونس 1999
_ الموت غناءً/ المؤسسة العربية بيروت 2003
_ مجلد الأعمال القصصية/ بيروت 1982ويضم المجموعات الخمس الأولى.
كتابات نثرية :
_ ثورة في عصر القرود ( مقالات مختارة) بيروت 1981
_ آه يا بيروت/ دار صلامبو تونس ( عن معركة بيروت عام 82) 1983
_ رائحة التمر حنّة/ المؤسسة العربية بيروت 1999
مسرح :
_الغريب والسلطان/ دار الحقائق دمشق1984
للفتيان :
_ عطر الياسمين/ قصص دار المسيرة بيروت 1979
_ أحلام والحصان الأبيض/ قصص دار الآداب بيروت 1980
_ أرض العسل/ رواية دار الحقائق بيروت 1981
- ترجمت رواية ( البكاء على صدر الحبيب ) إلى الروسية ،ونشرت في مجلة (الآداب الأجنبيّة )المختصة بنقل الروايات العالمية إلى الروسيّة ، كما نشرت في مجلد مختارات من الأدب الفلسطيني .
- ترجمت مجموعة القصص ( حكاية الناس والحجارة ) إلى الفارسية ، وصدرت عن دار ( صحف) في طهران .
- ترجمت كثير من قصصه القصيرة ...
- قدّمت عن رواياته وقصصه أطروحات جامعية ...

- عام1983منح وسام المنظمة العالمية للصحفيين( I.O.J) تقديراً لدوره في معركة بيروت عام ،82 والتي كتب عنها (آه يا بيروت) .
- عام 1996 منح جائزة القصّة القصيرة ( محمود سيف الدين الإيراني) من رابطة الكتّاب الأردنيين.


- يصدر له قريباً عن (دار الشروق_ عمّان ) كتاب: قراءات في الأدب الفلسطيني

ايوب صابر 02-10-2012 10:13 PM

اهم الاحداث التي اثرت في طفولة رشاد ابو شاور

لا شك ان هناك الكثير من الالم الذي تعددت اسبابه لكن اهم مصادر الالم هو يتمه وهو في سن الـخامسة.

يتيم الام في سن 5 سنوات

بلقاسم علواش 02-10-2012 11:35 PM

شكرا لك سيدي على هذا المجهود الكبير
لكن الترتيب المدرج أعلاه غير وجيه، وتعجبت من هذه الجملة التي تمهر هذا الحكم غير الدقيق:
اقتباس:

قائمة أفضل مئة رواية عربية حسب تصنيف اتحاد الكتاب العرب والمدرجه في وكيبيديا

لأنه تم من قبل متابع انقطع وتوقف منذ ثلاثة عشريات، بدليل أن هناك روايات أخرى لروائيين آخرين أكثر جودة وأفضل جودة وجدة لم تدرج في جل الأقطار العربية، ولناخذ الجزائر كمثال، فنجد الروايات المختارة كما يلي:
اقتباس:

25- ذاكرة الجسد أحلام مستغانمي الجزائر
53- ريح الجنوب عبد الحميد بن هدوقة الجزائر
73- اللاز الطاهر وطار الجزائر
75- ألف عام وعام من الحنين رشيد بوجدرة الجزائر
89- لونجه والغول زهور ونيسي الجزائر

فكل هذه الروايات هي النصوص التأسيسية للرواية الجزائرية، وبعضها حديث نسبيا لكنها ليست هي الأحسن حسب النقاد في الجزائر، وأنا متابع في الروايةالجزائرية، ولم أجد من هلل لرواية لونجة والغول مقارنة بروايات الطاهر وطار اللاحقة أو أعمال واسيني الأعرج، وغيرهم من المبدعين،
وهنا لا نجد من الروايات الجديدة سوى ذاكرة الجسد، ربما لشهرتها، وللضجة التي رافقت خروجها من الطباعة، ولتجسيدها في عمل درامي تلفزيوني، أما باقي المنجز الجزائري الحديث والمعاصر، وخاصة ما اصطلح عليه الرواية الجديدة المتكاثرة والمتراكمة، فغير موجود وغير مدرج، مما يشي أن واضع هذا التصنيف، لم يقم بعمية استقصاء وتتبع، وهي من الخطورة بمكان، بل كلما قام به هذا الحاصي، هو العودة إلى الذاكرة الشخصية والترتيب وفـق ما تمليه عليه تذكراته،دون عملية إحصاء دقيق تاريخي ونقدي، من هذا المنجز الكبير العصي عن المتابعة والدراسة والنقد الحصيف، لأنه بلغ درجة من التكاثر تستعصي حتى على أعتى المؤسسات النقدية الوجيهة، فكيف بآحاد الأشخاص أو المؤسسات المهزوزة المصداقية.
مجرد لفت نظر
نتمنى لكم التوفيق
وتحياتي



ايوب صابر 02-15-2012 11:44 AM

الاستاذ بلقاسم علواش

تقول" لكنالترتيب المدرج أعلاه غير وجيه، ..... بدليل أن هناك روايات أخرى لروائيين آخرين أكثر جودة وأفضل جودة وجدةلم تدرج في جل الأقطار العربية".


-اشكرك على اهتمامك وعلى هذه المداخله المهمة.

-اتفق معك ان الروايات المذكورة قد لا تكون هي الافضل. وبخصوص الجزائر لقد تعرفت مبكرا على الطاهر وطار وتعرفت حديثا على واسيني الاعرج واعتقد انهم افذاذ خاصة واسيني الاعرج كونه يتيم ، يتم مبكر....وهو حتما قادر على انتاج روائي استثنائي كونه يتيم كما تقول نظريتي في تفسير الطاقة الابداعية.

-في الواقع لا اعرف ما هي الاسس التي اختار اتحاد الكتاب العرب على اساسها الروايات المذكورة، ربما ، اقول ربما، بأنه تم اختيار الروايات على اساس انها لروائيين احياء، ومنضوين تحت لواء اتحاد الكتاب العرب وبحيث تم استثناء أي واحد ميت او غير مسجل في اتحاد الكتاب.

-على كل حال همي كان دائما ان اختار عينة بحثية محايدة وتم اختيارها من جهة محايدة في محاولة للتوصل الى احسن النتائج...وفي غياب أي قوائم اخرى تسمى افضل مائة رواية عربية كان لا بد من الاكتفاء بهذه مرحليا خاصة انها صادرة عن جسم ادبي المفروض انه محايد وموضوعي... وان برزت أي قوائم اخرى ساقوم بدراستتها.

-طبعا دراستي تتمحور حول البحث عن العناصر والعوامل المشتركة التي يمكن العثور عليها في طفولة الروائيين وحتى سن 21 سنة وعلى افتراض ان القادر على انتاج عمل ابداعي فذ لا بد ان يكون يتيم او مر في ظروف يتم اجتماعي او مرض او غربة او احتلال ومشاركة في الحروب كما ظهر في دراسة افضل مائة رواية عالمية.

-ما طرحته هنا في غاية الاهمية لانه قد يفسر ضعف نسبة الايتام من بينهم. ولو كانت الاختيار موضوعي لكانت نسبة الايتام عالية جدا تتجاوز عامل الصدفة وهي عند قائمة افضل مائة رواية عالمية 43%.

-لكن دعنا نتابع هذه الدراسة ( على الرغم ان القائمة قد لا تكون محايدة وموضوعية) لنرى ما هي النتائج التي يمكن ان نتوصل اليها لكنني سآخذ ملاحظتك هذه في الاعتبار عن كتابة الدراسة التحليلي للانتائج.

- ارجو مساعدتي في توفير معلومات عن الروائيين الجزائريين المشمولين هنا خاصة فيما يتعلق بظروف طفولتهم وهل عاشوا ايتام ام لا؟ طبعا يمكنك التعليق او الاضافة عندما يتم نشر المعلومات عن كل واحد منهم او الافادة بالملعلومة مرة واحدة.

اشكرك جزيل الشكر على هذه المداخلة فأنا الان اعرف بأن هذا الجهد لا يذهب هدرا بل يخلق اهتمام بالسرد العربي.

ايوب صابر 02-16-2012 12:10 AM

33- الاعتراف على ابو الريش الامارات

http://www.izzatomar.com/modules/new...s/4Maqalat.gif





الرواية الإماراتية
وقائع ملتقى الشارقة الأول للرواية

*عزت عمر

عن سلسلة كتاب الرافد صدر كتاب "الرواية الإماراتية" أعده الناقد والقاص عبد الفتاح صبري، وهو عبارة عن مجموعة من الأبحاث والشهادات التي كانت ألقيت ونوقشت في ملتقى الشارقة الأول للرواية خلال 18 – 19 ديسمبر 2002 الذي نظّمته دائرة الثقافة والإعلام، وذلك من اجل تسليط الأضواء على الرواية الإماراتية ومنجزها بعدما تخطّت مرحلة التأسيس وبدأت تراكم ذاتها كمّاً ونوعاً في المشهد الثقافي المحلي والعربي، من خلال توجّه الكتاب لإثراء ساحة الإبداع الوطنية بإبداعاتهم الروائية، بما يؤكّد وعيهم بأهمية هذا الجنس الدبي ودوره المتأمل والعاكس في إعادة إنتاج مشاهد التحول الذي شهده المجتمع الإماراتي إبان تأسيس الدولة والتي طالت بنيته الاقتصادية والسياسية.


تنضّدت في الكتاب ثلاثة فصول ومقدمة وملحق ضمّ التوصيات التي خرجت بها الندوة، وقد تركّزت غالبية الأبحاث حول موضوعي: "الرواية والتاريخ" و "تقنيات السرد" والقضايا النظرية والتطبيقية المتفرعة عنهما، هذا بالإضافة إلى بعض الأبحاث التي بحثت في نشأة الرواية وتاريخ تكوّنها منذ صدور أول رواية إماراتية سعت لانطلاق هذا الجنس الأدبي، كورقة عبد الفتاح صبري الذي ربط بين التحوّلات الاجتماعية وبداية السرد الروائي، ورصد عملية الوعي بأهمية هذا السرد من خلال تعبيره عن اللحظة الانتقالية بين ثقافة المشافهة والكتابة، وعن تأثر هذا السرد بالأحداث السياسية العربية، وإلى جانب ذلك أهميته من حيث الوقوف على المفاهيم الفنية والأدبية التي ميزت المرحلة الأولى للاشتغال على هذا النوع من الأدب في سياق المنجز مع باقي الأجناس الأخرى. وإلى ذلك فقد تضمنت الورقة محاور مهمّة من مثل: الرواية التأسيسية وسؤال الهوية، حيث درس رواية "شاهندة" لراشد عبد الله كمحاولة لتقديم تصور خاص للتاريخ انبنت على لحظة قدرية ومجموعة من المصادفات تداخلت بين أدب الرحلة والحكاية الشعبية.
ومحور الرواية والتاريخ ناقش من خلاله النصوص الروائية التاريخية ك"ساحل الأبطال" لعلي محمد راشد، وروايتي: "الأمير الثائر" و "الشيخ الأبيض" للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وروايتي: "ابن مولاي السلطان" و "الرجل الذي اشترى اسمه" لمنصور عبد الرحمن. مؤكّداً أن العلاقة بين الحقيقي والمتخيل في الرواية ليست جديدة، حيث يحاول الروائيون دوماً البحث في ما صمت عنه التاريخ والمؤرخون.
وفي ورقة مماثلة ناقش د.محسن موسوي قضية نشأة الرواية المتأخرة نسبياً في الوطن العربي، ولكنها إلى ذلك انشغلت بعاملي الهوية، وأكّدت أهمية الوعي المتزايد للمتعلّمين الذين تأثروا بالمنجز السردي الغربي وسعوا لممارسة دورهم التنويري من خلاله.
وفي ما يخص الرواية الإماراتية نوّه الباحث إلى أن هذه الرواية تشترك مع القصة القصيرة بجملة من الاهتمامات الاجتماعية والسياسية والمكانية، وكلتاهما تحفلان بحياة البحر والصحراء ومكابدة الناس وقسوة حياة مرحلة ما قبل النفط، ولكنه إلى ذلك لم يقدّم دراسة تؤكّد ما ذهب إليه بمقدار ما طرح من آراء يمكن وصفها بالعامة. شأنها في ذلك شان ورقة الباحثة فاطمة السويدي التي تناولت أبرز النماذج الروائية على مدى العقود الثلاثة، مشيرة إلى تطور تقنيات السرد لدى الروائيين الإماراتيين من أمثال: علي أبو الريش، ثاني السويدي، منصور عبد الرحمن، محمد غباش وغيرهم، مؤكدة في الوقت نفسه تأثر هؤلاء الكتاب بالأشكال الفنية الحديثة للسرد الروائي.
في الفصل الثاني سوف تتنضد مجموعة كبيرة من الأبحاث حول "تقنيات السرد" كدراسة أحمد حسين حميدان عن: المكان والزمان كتقنية سردية في الرواية الإماراتية، ورواية "أحداث مدينة على الشاطئ" لمحمد حسن الحربي نموذجاً. ودراسة د. رشيد بو شعير في السرد بين السيرة والتخييل الروائي عبر تناوله رواية "حلم كزرقة البحر" لأمنيات سالم نموذجاً. بينما سيدرس د. أحمد الزعبي تقنيات السرد في رواية "نافذة الجنون" لعلي أبو الريش من خلال محاورات الذات وشعرية اللغة وإيقاعات الأزمنة والأمكنة، وبدوره سيتناول د. إبراهيم السعافين الفضاء الروائي في رواية "الاعتراف" لعلي أبو الريش معتبراً أنها من أبرز الروايات الإماراتية دلالة على الفضاء الروائي، وذلك في تعبيرها عن المكان باعتباره فضاء جغرافياً، وعلى الفضاء الاجتماعي والثقافي والشعبي واللغوي والسيميائي والدلالي، الفضاء الذي يبتدئ بالمكان المحصور على شاطئ "المعيريض" في رأس الخيمة، كتعبير عن وعي الإنسان بما يحيط به من ظواهر، وما يتفاعل معه من عادات وتقاليد وطقوس، وما يتصل بها من رموز أسطورية، وما ينعكس على ذاته من مظاهر اجتماعية يتداخل فيها السلب والإيجاب كما في الكفاح ضد الجهل والمرض والفقر والوقوع في دوائرها من جديد.
و "رواية الاعتراف" بتعبيره تعبّر عن تشابك اجتماعي تتفجّر فيه العواطف المتناقضة في إطار العادات والتقاليد والقيم المتعارضة، وتبرز تناقض الأجيال و صراعاتها وتحوُّلاتها الممتدة، مثلما تبرز حركة التطور باتجاه التقدّم الآخذ بأسباب المعرفة والعلم والوعي.
بينما في بحثه المعنون "الحكاية والسارد" يتجه د.سحر روحي الفيصل إلى اعتبار الرواية الإماراتية حديثة وغير ناضجة لخلل لازم بنيتها الفنية من حيث الانسجام بين الحكاية والسارد ولم يستثن من هذا الكم سوى ثلاث روايات لعلي أبو الريش هي: "نافذة الجنون، تل الصنم، وثنائية مجبل بن شهوان. أما الروايات الأخرى فقد اعتبرها روايات ذات بنية تقليدية تنهض استناداً إلى حكاية ذات حوادث معبّرة، وحبكة حريصة على المنطق في أثناء ترتيب الحوادث، وشخصيات واضحة محددة تعرف هدفها وتسعى إليه من بداية الرواية إلى نهايتها، وإلى جانب ذلك سارد عالم بكل شيء، يحاول توجيه الشخصيات وتحديد حركتها الخارجية والداخلية، ولكن الرواية إلى ذلك لم تتألق بحيث توهم المتلقي بأن الحكاية فيها مستقلة عن السارد، وقد أشار في ختام ورقته إلى أن تقنيات السرد في الرواية الإماراتية ستتطوّر في اتجاه التخلّص من السارد المهمين، وفي اتجاه الإكثار من السارد الممثّل (السارد من داخل الحكاية). ولعلها تتجه إلى تعدد الرواة بعد ذلك. أما الحكاية الروائية فالظن أنها ستترسخ في الرواية الإماراتية، وسيعبّر سرد الحوادث فيها عن مشكلات الواقع بوساطة ساردين أكثر قدرة على إيهام المتلقي بحقيقة المسرود.
وفي ورقتها "تقنيات السرد في الرواية الإماراتية"، رواية "السيف والزهرة" نموذجاً قدّمت ريم العيساوي لبحثها بمقدمة عن عناية النقاد والدارسين العرب بمجال "السرديات" منذ سبعينيات القرن المنصرم. وقد ساهم هذا الاهتمام في تعميق الوعي النقدي والمعرفة التنظيرية والتطبيقية والتحليلية للنظريات والمناهج في أصولها الغربية. وهذا الانفتاح صاحبته محاولات جادة لتأصيل السرديات العربية من خلال الأشكال السردية المعروفة في تراثنا : " كليلة ودمنة، ألف ليلة وليلة، المقامات والسير الشعبية....." وذلك للإفادة منها في تطوير المناهج الجديدة، وفي محاولة تأسيس رؤية نقدية عربية تربط بين القديم والحديث.
وفي ضوء ذلك درست شخصيات الرواية والفضاء الروائي كحيّز، وأشكال الزمن: التاريخي، والقصصي، والذاتي، لتتوقف بعدها عند مستويات اللغة ما بين سرد ووصف وحوار.
وفي الختام قدّم الناقد عزت عمر دراسة بعنوان "تنوّع مستويات السرد في الرواية الإماراتية" نوّه من خلالها إلى أن الرواية في الإمارات بدأت تشهد صعوداً وازدهاراً فاق التوقعات من حيث الكم والطروحات الفكرية التي تداولتها سواء على المستوى الاجتماعي أو التاريخي، المر الذي يعكس وعياً كبيراً بأهمية هذا الجنس الأدبي، وبدوره الواضح في إعادة إنتاج الانعطافة النوعية لعملية التحول الاجتماعي التي شهدها المجتمع الإماراتي بعد ظهور النفط وتأسيس الاتحاد، وبداية التعليم النظامي وانتشار وسائل الإعلام المختلفة وخصوصاً الصحافة، كما أشاد بدور الكاتبة الإماراتية في مجال القصّة القصيرة وتطلعها للتعبير عن ذاتها روائياً مع صدور رواية أمنيات سالم الأولى "حلم كزرقة البحر" مؤكّداً ان هذا التوجّه من قبل الكتاب جميعاً إنما يعكس أهمية حضور الكتابة الروائية في المشهد الإبداعي كرأسمال رمزي ينضاف إلى جملة الإبداعات الأخرى، وكتعبير صادق عن الحياة من خلال التطرّق إلى موضوعات تعبّر عن علاقة الإنسان بالمكان والزمان والمجتمع والموروث الثقافي والجمالي، وكحقل معرّفي يعبّر عن تنوّع لغوي واجتماعي جديدين، يمكّن الروائي من صياغة "أنا" المرحلة الاجتماعية والتاريخية عبر شخصياته وأبطاله.
أما من جانب تقنيات الكتابة الروائية، فإنه رأى ان الظهور المتأخر نسبياً للرواية الإماراتية عن زميلتها العربية قد أفادها كثيراً من حيث إنها لم تعان من جملة المشكلات التي عانت منها هذه الرواية في طور نشوئها مطلع القرن العشرين من حيث سذاجة الطرح، وإنما جملة معاناتها تتلخّص في نقص التجربة والتراكم، فباستثناء الروائي علي أبو الريش لم يراكم أحد من الروائيين تجربته الروائية بمزيد من الأعمال مكتفياً برواية واحدة أو روايتين. وإلى ذلك قسم الباحث دراسته إلى محورين رئيسين: أولهما السرد التاريخي القائم نظام التسلسل الزمني: درس من خلاله رواية "الشيخ الأبيض" للدكتور سلطان بن محمد القاسمي، ورواية "ساحل الأبطال" لعلي محمد راشد.
وثانيهما السرد التجريبي القائم على نظام تشابك الأزمنة وتعدد الرواة، درس من خلاله العديد من الروايات: كرواية "الديزل" لثاني السويدي، ورواية "أحداث مدينة على الشاطئ" لمحمد حسن الحربي.
هذا وقد جاء الفصل الثالث كمجموعة من الشهادات لكلّ من: علي أبو الريش، ومحمد عبيد غباش، ومنصور عبد الرحمن، و أمنيات سالم ود. يوسف عيدابي. بينما تضمن الملحق توصيات الملتقى التي أكّدت على أهمية هذا الملتقى وضرورة انعقاده كلّ عامين، وطباعة أعماله وتسجيلها على أشرطة فيديو، وتشكيل لجنة إعداد دائمة للملتقى، وتنظيم ورش إبداع كنشاط شهري، وإصدار كتاب نقدي سنوياً.
* مرجع مهم للباحثين وطلبة الآداب المعنيين بالكتابة الروائية الإماراتية وتقنياتها.

هامش:
الكتاب: الرواية الإماراتية / وقائع الملتقى الأول للرواية.
تحرير وإعداد: عبد الفتاح صبري.
الناشر: دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة، 2003.
عدد الصفحات: 240 من القطع المتوسط

ايوب صابر 02-16-2012 12:17 AM

الروائي الاماراتي علي أبو الريش: أخشى أن تعيدنا الثورات إلى الوراء
الاتحاد
الاربعاء, 01 فبراير 2012
http://international.daralhayat.com/...9769263000.jpg
أبو ظبي - الشيماء خالد








علي أبو الريش كاتب مغرم بالصحراء والمرأة، يسمّى «شيخ» الروائيين في الإمارات، ويعتبر من أهم أدباء الخليج. روايته «الاعتراف» اختارها اتحاد الكتاب العرب كإحدى أهم الروايات العربية في القرن العشرين، وله أربع عشرة رواية، منها: «زينة الملكة»، «الغرفة رقم 357»، «تل الصنم» ، «نافذة الجنون»، «سلايم»، «رماد الدم»، «السيف والزهرة»، وصدرت له مجموعات قصصية، منها: «ذات المخالب» و مسرحية «الرسالة وجزر السلام»...
عشية صدور روايتيه الجديدتين وهما «امرأة استثنائية» و «أم الدويس» يتحدث أبو الريش، عن رؤيته للأدب، ويكشف عوالمه السردية متحدثاً عن جماليات الوحدة وأثرها في الكاتب، غائصاً في عشقه للمرأة والمكان، وعارضاً أفكاراً لطالما كانت خارج المعترك الأدبي في الامارات والعالم العربي.
> بداية، كيف ترى معالم الرواية الإماراتية، وإلى أين تتجه في علاقتها بالقضايا سواء المجتمعية أو الثقافية وحتى بالتراث والبعد الإنساني؟
- إنها تعتمد على انتماءات الكتّاب بطبيعة الحال. هناك من كتاب الإمارات من يمثل التراث لهم هاجساً، وهم يخوضونه ويقلبون عليه، وهناك كتاب آخرون هواهم القضايا الإنسانية في شكل عام ويرونها أهم من الخوض في حيز التراث الضيق. وأتصور أن أي رواية كانت حتى وإن غاصت في عمق الفلسفة مثلاً، لا بد أن يكون المجتمع حاضراً فيها، ما دامت تتحدث عن الإنسان، وقد يكون ذلك مطلبنا أحياناً، كما للواقع الذي يعيشه الكاتب دور. وصحيح أن ذلك يأتي اليوم مع الانفتاح السياسي والاقتصادي ولكن لابد من وجود شيء من الرقابة الذاتية التي تطبع الرواية الإماراتية.
> هل تؤيد هذه الرقابة؟
- المفروض أن لا يكون لها من داع، فعلى الكاتب التحرر من هذه الأمور، إذا كان كاتباً حقيقياً، ويجب عليه التخلص من الإرث القديم ومخاوفه، فلا أحد منا في النهاية ضد الآخر في العمل الإبداعي، وكلنا شركاء في هذا المكان، ومن حقنا الكتابة والتعبير عن المشاعر والهموم، ولكن بطريقة تليق بالإبداع نفسه، وألا تكون المسألة كتابة تقريرية مسطحة. وفي الحالة تلك لن يختلف المبدع عن رجل الشارع، إذا ما تناول المسألة بأساليب سوقية أو مبتذلة.
> لكنك من دعاة الجرأة، مع أن خلطاً يحصل بين الابتذال والجرأة في الطرح أو الكتابة؟
- إذا لم يمتلك المبدع حيزاً من الجرأة لن يكون كاتباً في المقام الأول، فيجب أن يمتلك وجهة نظره المجتمعية أو الفلسفية في الحياة، وإلا ما قيمة ما يكتب أساساً؟ ... إذا أصبح مع العادي والتقليدي فلا قيمة ساعتها لأي عمل إبداعي.
> بالعودة إلى الرواية الإماراتية، ما الذي تشكله كمعنى أو قضية لكتابها؟
- مع قلة الكتّاب وقلة الإنتاج الروائي في الإمارات، فإنّ ما قرأته لكتّابنا يصب في تيار الرواية العربية والعالمية. لا يمكن لمجتمع أن يغلق نفسه على نفسه ولا لكتّاب أن يجلسوا وحدهم في جزيرة معزولة، فهم جزء من العالم، وما ينتجونه يبرز في السياق نفسه. المشكلة هنا في الإنتاج نفسه والهم ذاته، فأنا أتصور أن الكتابة نوعان، فهي إما أن تشكل هاجساً وتصبح جزءاً لا يتجزأ من صاحبها، ولا تتوقف إلا بموته كالدورة الدموية، أو مجرد ترف، فيكتب بعضهم عملاً واحداً ثم يتوقف، فالكتابة إما أن تكون مشروعاً لا يكتمل وتبقى متواصلة، أو لا نسميها إبداعاً.
مرحلة من التراجع
> يرى بعضهم أن الرواية العربية تمر في مرحلة انحطاط، رغم ازدهار حركة نشرها ويقال إنها فقدت ثراءها، ولم يعد هناك أعمدة، ما رأيك؟
- في هذا الكلام جانب من الصحة، فمن الأكيد أننا نعيش في مرحلة من التسطيح والتراجع في كل شيء، فإذا تراجعت السياسة يتراجع كل شيء آخر، ونحن في ذيل الأمم في المجال السياسي والاقتصادي والإنتاجي بالذات. وأمة لا تنتج قوت يومها لا تستطيع أن تبدع، إلا في حالات استثنائية. في العالم العربي نحن شعوب مهزومة ومهضومة ومكلومة، وكل هذه التراكمات وضعت الأدب في حيز الترقب، إن لم يكن في حيز التقهقر، وما نجح إلا الأدباء الذين داهنوا وساوموا وبالذات في دول عربية كبيرة، ظهر فيها أدباء أخذوا شهرة قد تصل إلى العالمية أحياناً، لأنهم فقط مشوا مع التيار. هذا رغم أن في تلك الدول نفسها كتاباً وشعراء أهم من غيرهم بكثير لكنهم تواروا بعيداً عن الأضواء لأنهم غير متماشين مع الواقع الســـياسي والاجتماعي في بلدانهم. لذلك نحن في حاجة - قبل الثورات السياسية - إلى ما ليس فقط ثورة، بل إلى «زلزلة ثقافية»، وحتى الثورات التي تحدث في عالمنا العربي اليوم أنا غير مقتنع بها وستعيدنا للوراء أكثر مما فعلت الحكومات السابقة. والسبب هو أن تلك الأنظمة اســتطاعت أن تخلق في داخل كل شخص ديكتاتوراً صغيراً، كل على مستــواه، وديكتـــاتوراً جــباناً، والآن مع زوال هذه الأنـــظمة كم ديكتــاتور سنجد لدينا ؟... ملايين. وفي نظري إذا كانت هناك نخبة ثقافية فيجب ألا يكون تركيزها على إلقاء الخطب العصماء في شتم هذا الرئيس أم ذاك، هذه الأنظمة أم تلك، نحن في حاجة الآن إلى «غسيل» ثقافي، إلى تطهير، فالذات أصبحت ملوثة ومهزومة. الإنسان الآن في ليبيا يصرخ بحرية مثلاً، لكن الوضع أسوأ، فكل واحد منهم يريد أن يكون إمبراطور المكان الذي حل فيه، لأن الديكتاتورية لم تمت، راح شخص وجاء آخر.
> في روايتك «الغرفة رقم 357» ثمة تفاصيل وخواطر كثيرة دارت في رأس البطل ومنها نقاشه مع الذات، وأدخلت القارئ في جو محموم، وبعضهم قال إنها أشعرتهم بالدوار رغم إعجابهم بها. من أين تأتي هذه اللعبة في روايتك؟
- أولاً أنني اعتمدت في هذه الرواية أسلوباً غير أسلوب الرواية التقليدي (المقدمة والثيمة والخاتمة)، والشيء الأهم أن الإنسان حين يعتمل في داخله شيء يريد أن يقوله أو لا يقوله، لا بد من أن يحدث عنده شيء من المقاومة والصراع: هل يقبل أم لا؟ لذا تكلمت عن خصوصيات ذلك الإنسان بهذا الشكل المحموم كما هو يعتلج في ذاته، ولربما هذا هو السبب.
واقع اللاشعور
> كشفت لنا تلك الرواية صورة أبعد بكثير عن الصورة النمطية للرجل الخليجي، هل قصدت ذلك؟
- كان الهدف منها أن تلامس اللاشعور الجمعي عند أهل الخليج، وأنا لست أنا حين أكون جالساً بمفردي أكتب، والأمر ذاته لدينا جميعاً. هذا ما بحثت فيه، ذلك المخزون اللاشعوري الأهم برأيي في الإنسان، لأنه يحرك سلوكه، وكل المحسنات البديعية لسلوكاتنا كبشر مجرد مجاملة أو نفاق، ليست حقيقية البتة. والواقع الحقيقي والصحيح بلا جدال هو اللاشعور، وهذا العمق هو ما جعل القارئ يرى الصورة الحقيقية للرجل الخليجي مثلاً، كإنسان.
> كيف يمكن للأدب أن يحرك المجتمعات المعاصرة، هل يملك الأدب هذه القدرة؟
- الأدب لا يحرك المجتمعات، لكنه يعطي رؤية فلسفية إلى الكون، ومن يريد أن يفهم فليفعل. الآن مثلاً يقولون إن في مصر صدرت أربع أو خمس روايات عن الثورة، وردّي هو: ما هذا النتاج البهيج؟ ... إنه مثل المفرقعات، الأدب لا علاقة له بالتماهي المتعمد مع الأمور الراهنة، بل يعطي رؤية تلقائية، وقد يتنبأ الأديب أو المبدع بشيء سيحدث لكنه لا يعيش حالة الكتابة عنه بجمع قصاصات من الأحداث، فهذا يتنافى والعملية الإبداعية.
> إذاً كيف تتوقع أن يكون مستوى أدب الثورة كما يسمى، والذي بدأ يظهر اليوم؟
- ضعيفاً طبعاً، لأنه يعبر عن مكبوتات، مجرد تنفـــيس، ليس ناتجاً من رؤية إبداعية فلسفية لمجتمع ما، بل هو سيل يدفق من سد تحطم، وسيكون رديفاً للكبت النفسي، وبلا قيمة إبداعية، لكنه قد يلقى رضى المكبوتين.
> ولكن يقال إن بعض الأدب تنبأ بقيام ما يسمى الربيع العربي، وهناك روائيون صرحوا بهذا، ما ردك؟
-لم تكن تنبؤات، كانت تلك تمنيات، ولكن اليوم بطبيعة الحال الكل سيقول إنه تنبأ، فالنصر يملكه الجميع والهزيمة يملكها واحد. الأدب لا يصنع ثورات آنية، لكنه يصنع ثقافة ثورات. الأدب الحقيقي أقصد، ونحن لم يكن لدينا في ما سبق ثقافة ثورات بل ثقافة هزيمة، لهذا لم تقعني ثورات اليوم، هذه خزعبلات، نحن لم نُجد القراءة ما بين السطور في عالمنا العربي وكأن كل إجاباتنا يجب أن تكون جاهزة.
الرواية والمأساة
> أعظم الروايات نبعت من العذابات كما يقال، هل على الكاتب حقاً أن يكون معذباً حتى يبدع؟
- يجب على الكاتب الحقيقي أن يعيش مأساة وجودية، مأساة داخلية، فحينذاك يلامس الكاتب الإنسان الآخر، مع ملايين الأسئلة. هذه المأساة هي التي تجعل الروايات خالدة أو لها لمسة خاصة بلا شك، وإن لم تكن تلك المأساة حاضرة لدى الروائي المبدع فهو يكون طافياً حاله حال أي قشة.
> أنت دائماً مناصر للمرأة والمكان في رواياتك، من أين ينبع ذلك؟
- أولاً إني تربيت على يد امرأة، احترمتها وقدرتها كثيراً، والدتي التي رأيت خلالها الجوهر المذهل للمرأة. وصحيح أن الرجل يجد أحياناً في نفسه من الغرور ما يجعل لسان حاله يقول: لماذا أهتم بالمرأة؟ فلأستفد كرجل مادام المجتمع يعطيني حقوقاً مكتسبة، فلماذا أضيعها؟ لقد أدركت أنا أن هذا لسان حال الأغبياء والحمقى والقساة، رأيت أنهم ابتعدوا عن إنسانيتهم، فكنت دائماً أرد على الواحد من هؤلاء: أن اجلس مع نفسك في لحظة محاكاة مع الذات، ستشعر حينها بالاشمئزاز من نفسك عندما تأخذ ما لا يحق لك، والأمر عن المرأة في هذا الإطار. كانت المفاصحة مع الذات سبباً كبيراً في نصرتي للمرأة، والمكان كيان بذاته، وإدراكي لهذا الأمر يهمني دائماً.
> رغم أنك من أهم روائيي الخليج والإمارات بالذات، فإن أعمالك لم تترجم، هل لأنك لا تهتم بالتسويق لنفسك، أم هي ناجمة عن إشكالية ما، هذا رغم علاقتك القوية مع الوسط الإعلامي؟
- لم يهمني هذا الأمر يوماً. ترجم «اتحاد الكتاب العرب» روايتي «الاعتراف»، لكني لم أنشغل بهذه النقطة ولم أبحث فيها، كانت غايتي أن أشبع هذه الذات العطشى. كتبت حتى اليوم أربع عشرة رواية، لكني أشعر أن مازال لدي الكثير، الكثير مما لم أبح به ولم أقله، وإذا كان في العمر بقية، فسأنهي ذلك البوح ثم أموت.
> لماذا لم يكن هناك متابعة نقدية مهمة لأعمالك، وحين صدرت «ثلاثية الحب والماء والتراب»، ظن الكثير أنها ستثير جدلاً عربياً كبيراً، فلماذا لم يحدث ذلك؟
-لا يوجد ناقد في العالم العربي، ما يقدم ويكتب مجرد انطباعات، النقد الحقيقي غير موجود، والنقد العلمي اختفى. وفي الإمارات بالذات للأسف الشـــديد تؤدي وسائل الإعلام دورها على اســتحياء بالنسبة للأدب ككل وليس فقط معي أنا، على خلاف ما هو موجود في السعودية حقيقة. ومن ناحية أخرى لقد توقف النقد عند مدارس نقدية معينة، بينما الأدب خطا خطوات شاسعة.
> ما رأيك في الرواية الخليجية؟
- لا تختلف عن غيرها، هي جزء من هذا التيار، ولكن في الفارق الأساسي أن غالبية الكتاب في دول الخليج لا يتوجهون إلى الرواية، إنها ليست هاجساً، إلا لدى قلة، مثل ليلى العثمان، أو أسماء إسماعيل، أما الغالبية فلا.
> من أهم الكتاب المثيرين لاهتمامك؟
- بصراحة كنت وما زلت معجباً جداً بإبراهيم الكوني، وأشعر أنني أشبهه، أنه يعبّر عني وكأنه يكتب ما أريد قوله ولا يسعفني قلمي في كتابته. أحياناً هناك توارد للمشاعر الإنسانية لدى كاتبين، هكذا أشعر وأنا أقرأ روايات إبراهيم الكوني. أحب كذلك الطاهر وطار الكاتب المميز صاحب العطاء الغزير، والطيب صالح وحيدر حيدر، وهذا الأخير بالذات مهضوم حقه وهو من أهم الكتاب ويستحق أن يكون الأشهر.
> هل لك طقوس معينة في الكتابة، وبماذا تشعر حين تنهي الرواية؟
- لا شيء معين، العزلة فقط، وأفضل الليل وهدوءه، أشعر بالظفر كأني أنجبت، عندما أنهي الرواية. وأثناء الكتابة في ما أسميه عملية الخلق يكون الوضع عسيراً علي، أكون مشحوناً ومتوتراً، ومزاجياً جداً، هناك نوع من الكتاب ينقح ويضيف ويحذف من روايته بعد انتهائه منها وقبل أن تخرج في الصورة النهائية، وهذا ما أكرهه، ولا أقتنع به. فلتخرج كما هي، ولو تدخلت مرة ثانية في الرواية تشوهها، فتلك الومضة تأتي مرة واحدة وإذا لم تحترم ذلك فأنت تخدع القارئ وتخدع نفسك.
> ما الفرق عندك بين متعة إنجاز رواية وقراءة أخرى؟
- الاثنتان غرامي، فحين أقرأ رواية ممتازة أشعر بالظفر والتحفز لأكتب فتدفعني دفعاً إلى الإبداع، وتفتح لي آفاقاً واسعة

ايوب صابر 02-16-2012 11:22 AM

علي أبو الريش
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة


علي أبو الريش هو روائي وشاعر وإعلامي إماراتي كبير وإن كانت شهرته الروائية أكبر من شهرته الشِعرية.

مولده ونسبة


ولد علي عبد الله محمد أبو الريش في 9/6/1956م في منطقة معيرض في إمارة رأس الخيمة.

ترجمتة


تخرج من جامعة عين شمس قسم علم النفس، وبعد تخرجة سنة 1979م انضم إلى عالم الصحافة وإلى جريدة الإتحاد حيث عمل في القسم الثقافي فيها، وأخذ يترقى في المناصب حتى وصل في 2007 إلى منصب مدير التحرير. له عمود يومي بالجريدة.


يعمل حالياً مدير لمشروع (قلم) بهيئة أبوظبي للثقافة والتراث.

مؤلفاته


الاعتراف 1982. (اختارها أتحاد الكتاب العرب كأحدى أهم الرويات العربية في القرن العشرين)


السيف والزهرة.


رماد الدم.


نافذة الجنون.


تل الصنم.


ثنائية مجبل بن شهوان.


سلائم.


ثنائية الروح والحجر.


التمثال 2001.

تقدير الدولة له


حصل على جائزة الإمارات التقديرية للعلوم والفنون والآداب سنة 2008 تسلمها من يد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة.

وصلات خارجية
==
علي أبو الريش


٢٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦




نبذة عن حياته:


ولد علي أبو الريش عام 1957 و نشأ في المعيريض في مدينة رأس الخيمة ، أنه المتصف الوحيد أن " تخرج من كلية الآداب من عين شمس (تخصص علم نفس ) ، عقب تخرجه التحق بالصحافة و ترأس القسم الثقافي بجريدة الاتحاد ، فتولي حاليا منصب رئيس التحرير التنفيذي بالجريدة نفسها


أسلوبه في كتابة القصة:


إن علي أبو الريش على الرغم من التباين الواضح في مواقفه الروائية إلا أنه ظهر غير منفك عن تصوير الحياة المتناقضة للإنسان في مجتمعة و الغربة التي كان يعاني منها المواطن في وطنه في مرحلة تاريخية معينة في مجتمعة . فتجربة علي أبو الريش الروائية جديرة بالحفاوة والإضاءة و الحوار وذلك لما يتميز به من سمات تجعله منفردا من بين جميع الروائيين بشكل خاص :


1. فهو الوحيد المتصف بالاستمرار و العكوف على فن الرواية على امتداد ثمانية أعمال أولها في 1982 ( الاعتراف ، السيف و الزهرة ، رماد الدم ، نافذة الجنون ، تل الصنم، ثنائية مجبل بن شهوان، سلايم، ثنائية الروح و الحجر ، التمثال 2001) منتقيا فيها شكل الرواية الإحداثية المتجاوزة لمركزية البطولة و تسلسل الأحداث .


2. تمتعه بلغة شاعرية و مخزون لغوي ينم عن إلمام قاموسي متنوع .


3. يستدعي مخزون الطفولة لديه محاولا استخدامه لمصادمة واقع معطوف علي النضج الاجتماعي و العمق الفكري أحيانا .


4. الشخوص في رواياته يطغى عليها غشاء رقيق يجعل لمسها مهمة صعبة .


5. نظرته الموضوعية إلى الناس و الأعمال و التواضع و الرقة في القول و السلوك الذي يربطه في روايته.


6. شدة الوعي بالمجتمع و الارتباط به و القدرة علي التأمل و التحليل المنطقي.


7. جمع بين تقنيات القص التقليدي و القص الحديث فوجدنا الحوار بكل أشكاله.


8. الرقابة على الترتيب المنطقي لزمن الأحداث .


9. مواضيعه مقتبسة من صميم الحياة وهي مستمدة من الواقع ، وغالبا ما يجسد مدينته رأس الخيمة فهي في نظره ليست مدينة شاطئ بحري وحسب إنما هي محطة العظماء و المشاهير أمثال أحمد بن ماجد و ابن بطوطة .


10. يكتب من منطقة الدوافع الانفعالية للإنسان .


الشكل الفني لروايته:


ففي المرحلة الأولي من تجربته كان موضوع الرواية دائما يتعلق بالمجتمع وما يميز مواضيعه إنها متنوعة من صميم الحياة وهي مستمدة من واقع الكاتب غالبا مجسدا برأس الخيمة كما في رواية الاعتراف – السيف و الزهرة – رماد الدم.


في الشكل الفني الحديث لروايته وجد الكاتب علي أبو الريش حريته في التعبير عن ذلك المخزون الساكن في ذاكرته و الذي لم يستطيع التعبير عنه في ظل القيود حبكة الإحداث المتتابعة علي نسق محدد. فنراه في رواية تل الصنم ينحو منحني تجريبي يحاول فيه تجديد أسلو به فيحاول التخلص من القيود المألوفة ، معتبرا للسرد قدرة علي نحو آخر و يوفي بالغرض وجعل أسلوبه مطعما يجمع بين البناء التقليدي و البناء الحديث ، لقد ازدادت مساحة التداعي للأفكار و تحرر من سطوة ضرورة ترتيب الإحداث علي نحو منطقي و إن كان ذلك قد جاء علي نحو محدود مقارنة بروايتيه اللاحقتين ثنائية مجبل بن شهوان و سلايم ، أيضا نجده في أحد روايته يهاجم الظواهر السيئة الجديدة التي يفرزها الواقع كظاهرة التواكل مثلا تلك القضية التي ضربت مجتمع الإمارات فاهتزت له كل بني المجتمع و المرتكزات القيمة و النفسية للأسرة وبناء عليها أدت إلى تفاقم ظاهرة الأيدي العاملة الآسيوية بخاصة و الوافدة بعامة كما في "السيف و الزهرة " حيث شكلت هذه القضية محورا أساسيا في الرواية . ولقد وفر الشكل الحديث تلك القدرة للكاتب علي البوح عن مكنون ذاته علي لسان شخصياته علي نحو أوسع وإن هذا المكتب الذي وجد علي أبو الريش أنه بمثابة انتصاراته وقد تحقق في هذه الرواية دفع به ألي تعزيزه و تطويره أكثر في رواياته اللاحقتين الثنائية مجبل بن شهوان – سلايم . مقتربا بذلك أكثر من الرواية الحديثة بمعاييرها التي ينبئ عنها بأسلوبه ، بأنه ملم إلماما متينا بمعطياتها.


مؤلفاته:


صدرت له ثماني روايات هي بالترتيب:


1. الاعتراف 1982.


2. السيف و الزهرة


3. رماد الدم .


4. نافذة الجنون .


5. تل الصنم .


6. ثنائية مجبل بن شهوان .


7. سلائم .


8. ثنائية الروح و الحجر.


9. التمثال 2001.


أصدر أيضا مجموعة قصصية و أخرى نثرية و مسرحيتين ، بجانب مجموعة من المقالات الصحافية الأدبية.


اختيرت مؤخرا روايته " الاعتراف" إحدى أهم رواية عربية في القرن العشرين من جانب اتحاد الكتاب العرب.


المادة مأخوذة بتصرف من:


1. يوسف أبو لوز . شجرة الكلام وجوه ثقافية و أدبية من الإمارات .ـ الإمارات :دار الخليج للصحافة و الطباعة و النشر ، 2000.


المصدر ديوان العرب.

ايوب صابر 02-16-2012 11:24 AM

علي أبو الريش يختبر الحرية في "
سلايم"
آخر تحديث:السبت ,10/09/2011
الشارقة - محمد ولد محمد سالم:
يعتبر علي أبو الريش أكثر الروائيين الإماراتيين مثابرة على الكتابة وأغزرهم إنتاجاً، فعلى مدى يزيد على ثلاثين عاماً أصدر أربع عشرة رواية، بدأها برواية “الاعتراف” سنة 1980 ثم “السيف والزهرة”، و”رماد الدم” و”نافذة الجنون”، و”تل الصنم”، و”ثنائية مجبل بن شهوان”، و”سلايم”، و”ثنائية الروح والحجر التمثال”، و”زينة الملكة” إلى آخر القائمة، وقد توجت مسيرته الروائية بجائزة الدولة التقديرية سنة 2008 .

تميزت تجربة أبو الريش الروائية بمرحلتين، فقد تشكلت بدايات تجربته الروائية وهو طالب في مصر في السبعينات وكان منطقياً أن يتأثر بالاتجاه الواقعي الذي كان يسود عالم الرواية في تلك الفترة، فبدأ في رواية “الاعتراف” بداية يصور فيها حياة القرية والعلاقات الاجتماعية التقليدية وصور الصراع التي كانت تحدث بين أفراد المجتمع، وما يحدث من غدر وثأر واستغلال وحرمان وفقر وغير ذلك، وبدايات تشكل وعي الأفراد من خلال المدارس الحديثة واكتساب طلابها وعياً يتجاوز وعي آبائهم ويجعلهم قادرين على الاعتراف بالآخر ابن الغريم ومسالمته بل مودته وحبه وواصل هذا في روايتي “السيف والزهرة”، و”رماد الدم”، لكنه لم يلبث أن انفتح على نمط جديد من الكتابة برز في الوطن العربي في السبعينات وانتشر وتأصل في الثمانينات وهو “تيار الوعي” فطفق أبو الريش يكتب منشداً هذه الصيغة التي وقع عليها، والتي بدا أنها تستجيب لخبراته العلمية كدارس لعلم النفس وحاصل على شهادة البكالوريوس في جامعة القاهرة عام ،1979 وهو من التيارات الأدبية التي نشأت في الرواية الغربية ثم انتقلت بفعل التأثر والترجمة إلى الرواية العربية .


عرف الناقد الإنجليزي روبرت همفرى رواية تيار الوعي بأنها “نوع من السرد الروائي يركز فيه الكاتب على ارتياد مستويات ما قبل الكلام من الوعي بهدف الكشف عن الكيان النفسي للشخصية الروائية من خلال مجموعة من التداعيات المركبة للخواطر عند هذه الشخصية”، ففي هذا النوع من الرواية لا توجد حكاية تتلاحق أحداثها نحو ذروة ثم نهاية بل هي صوت لشخصية تنثر مكنونات نفسها، وما يجيش في خاطرها ويعتمل في شعورها من أفكار وخواطر وأحاسيس، ويتبع الكاتب ذلك النثر بشكل متدفق، لا يعتمد أي رباط منطقي، لا من حيث الحدث ولا الزمان ولا المكان، وتعتبر رواية “سلايم” إحدى أهم الأمثلة على تجربة أبو الريش في هذا الاتجاه، فهي تتكئ على تيار وعي الشخصية الرئيسة “عبد الله الشديد” الذي يحاول أن يتذكر حياته الأولى، ومن هو؟ وأين كان؟ وعن طريق تشغيل تدفق الأفكار يقدم عبدالله الشديد صورة مشوشة عن حياته من خلال استرجاعه صوراً لأشخاص كان لهم دور فيها، وأولهم هي “سلايم” تلك المرأة التي يتملكه الإعجاب بها، ولا نكاد نعرف عنها سوى أنها عاشت ثمانين عاماً في خيمة في حي “لخديجة” ولم تقبل أن يدنس سمعتها أحد، وصدت جميع الرجال الطامعين فيها طلباً لنقاء أبدي فعاشت شامخة كشجرة الغاف المجاورة لخيمتها، فهي رمز الطهر والنقاء والاستقلال وحب الأرض، والشخصية الثانية الحاضرة في وعي عبدالله الشديد هي “النوخذة” الذي عمل معه على سفينته، فكرهه النوخذة لأنه كان قوياً جداً وصامتاً دائماً لا يضحك ولا يشارك في إضحاك النوخذة كما يفعل غيره من البحارة، فما كان من النوخذة إلا أن رمى به في البحر لتأكله الحيتان، لكنه استطاع أن يخرج من البحر، فهذا النوخذة رمز للطغيان والاستبداد والقهر واستعباد الآخرين، وتكميم الأفواه، فلا أحد يجرؤ على نقاشه أو معارضته أو الحديث بما لا يرضيه .

وهناك شخصية شمسة التي أحبها عبدالله الشديد في بداية شبابه، وبادلته الحب لكن مفهومها للحب كان مفهوماً مادياً، ولم تستطع أن ترقى معه إلى الحب الروحي الذي يطلبه ويجد فيه ذاته، لذلك تركها واعتبرها غير جديرة بالحب، وأما غزالة تلك المرأة المفعمة بالحب والقوة والإرادة التي تريده قوياً قاطعاً قادراً على التحرر من ذله ووضاعته وعلى مواجهة الزيف والطغيان .

وهناك شخصيات أخرى تستدعيها ذاكرة عبدالله الشديد كسالم المغربي وعبدو اليمني وراشد الصومالي وهي شخصيات وحيدة غامضة غريبة على القرية لكل منها مسكنه المنعزل ورؤيته للحياة، ويتخذها عبدالشديد للمقارنة رموزاً لواقعه الذي صار إليه بعد خروجه من البحر، واقع التشرد والوحدة والانعزال، والذي سيسلمه إلى الجنون حيث سنكتشف في النهاية أنه يعيش منفرداً في زنزانة مصحة نفسية .

يدفع بناء تلك الشخصيات برمزياتها التي تحدثنا عنها آنفاً إلى رؤية تأويلية تقوم على المقابلة بين مختلف أنماط تلك الشخصيات . فشخصية “سلايم” يمكن اعتبارها رمز الإنسان الأول في طهره وإخلاصه ونقاء سريرته، إنسان يعيش الحياة بكل جوارحه ويتشبث بها لكنه يأبى أبداً أن تدنسه تلك الحياة أو أن تجرفه سيول جرائم وموبقات الآخرين، رغم استبداد شرورهم واستفحالها، ولذلك اختارها الكاتب عنواناً لروايته “سلايم” وربطها بالقرية والطبيعة ممثلة في شجرة الغاف، في مقابل المدينة الأسمنتية التي يورد تلميحات كثيرة بإدانتها لما جلبته معها من شرور، في مقابل سلايم هناك النوخذة رمز الظلم والكذب وتشويه الحقيقة، وهناك عبدو وراشد وسالم الذين رضوا بالانعزال والفقر على الذل في مقابل رجال النوخذة رمز الذل والمهانة، وهناك غزالة الطاهرة التي هي الصيغة الجديدة من سلايم في مقابل شمسة التي دنستها الحياة وسحقت براءتها، وفي الوسط من كل أولئك يقف عبدالله الشديد وحيداً كالمشردين مؤمناً بسلايم وأفكارها وأصالة موقفها من الحياة، محباً إلى حد العشق لغزالة لكنه عاجز عن الوفاء بشرط حبها وهو مواجهة نفسه والتخلص من خوفه وعقده التي رسخها فيه المجتمع، رغم أنه لم ينافق ولم يذل كما ذل الآخرون، وبكلمة واحدة فهو غير قادر على صناعة ثورته وامتلاك حرية الفعل وصناعة المستقبل، لينتهي في النهاية إلى المصحة مستسلماً عاجزاً حتى عن الهروب من بين يدي الأطباء، ونخلص في النهاية إلى أن الكاتب يريد أن يقدم رؤية وجودية تقول إن شرط تحقق ذات الإنسان هو قدرته على الفعل والاختيار، قدرته على صناعة حريته، وما لم يستطع فعل ذلك فستظل حياته عبثية لا طائل من ورائها، وسيظل العفن مسيطراً على العالم .

هذا التماسك الظاهري في بناء وجهة النظر في الرواية، ليس على إطلاقه ففي داخل الرواية ترد وقائع وأوصاف تشتت ذهن القارئ العادي وتحد من قدرته على التأويل، فصورة سلايم لم تسلم من الاضطراب والغموض حيث ورد في إحدى الصفحات أن كارثة كبيرة حلت بها، وأن جيشاً عظيماً فاتحاً يقوده عنترة بنياشينه قد حل بالمكان وأنها استسلمت، ويتعمد الكاتب ترميز الموقف والإيهام ما يجعل احتمال سقوط صفات الشموخ والنقاء عن سلايم وارداً، وهناك شمسة التي تأرجحت صورتها بين الحب الشديد لعبدالله الشديد وبين خيانته، مما يضعف رمزيتها في النص، كذلك فإن الشخصيات الثلاثة المنعزلة (المغربي واليمني والصومالي) التي أوردها الكاتب هي نمط لشخصية واحدة، ويعسر أن تجد بينها فروقاً ذات رمزية مهمة فوجودها كلها محير في الوقت الذي يمكن أن يستغنى بشخصية واحدة عنها جميعاً، ومما يحد أيضاً من وضوح الرؤية أن عبدالله الشديد في اللاوعي يمتلك نظرة متقدمة إلى العالم تناقض وضعه كبحار جاهل منبوذ، فحين كان صغيراً كان يصغي إلى حكايات أمه عن “حلوم” تلك المرأة الخارقة التي تدعي أمه أنها تطير وتأتي بأفعال لا يمكن أن يأتي بها البشر، ويعلق عبدالله الشديد على ذلك بقوله: “كنت أقاطعها كثيراً وأمطرها بمزيد من الأسئلة بيد أنها كانت تنهرني قائلة: “لا تقاطع الأكبر منك، الكلام الذي أقوله لك لا يقبل الجدل، فأخفض بصري وألتزم الصمت، حلوم بالنسبة إلى أمي كائن يجب ألا تدور حوله الشكوك ، كان لا بد لي أن أنكفئ لكي أسمع المزيد، فمثل هذه القصص على الرغم من سذاجتها إلا أنها ستهديني نهر الحلم في داخلي”، ويصف أمه بأنها كانت تحبه لكنه حب قمعي “وباسم هذا الحب يفتك بالأحلام، وتغتال الآمال”، لكن عذر الكاتب في أن رواية تيار الوعي لا تهتم بالبناء المنطقي للشخصية ولا إقناعيتها، فالشخصية عند أصحاب هذا التيار هلامية مرنة قابلة للتشكل في كل الاتجاهات، وهو أحد أسباب الغموض في هذا النمط من الكتابة .

لم تتوقف مسيرة علي أبو الريش مع الرواية تيار الوعي عند هذا الحد بل ظل يعتمد عليه اعتماداً كلياً أو شبه كلي في رواياته اللاحقة وحتى روايته “ك ص، ثلاثية الحب والماء والتراب” الصادرة سنة 2009 نجده لا يزال يواصل حفره، وكأنه لم يستنفد كل التقنيات الفنية لهذا التيار، ما يدفع إلى التساؤل عما إذا كان أبو الريش قد اطمأن إلى تلك الطريقة أسلوباً خاصاً به أم أنه لا يزال في سياق البحث عن صيغته الخاصة .
درا الخليج الثقافي .

ايوب صابر 02-16-2012 11:25 AM

علي أبو الريش: بتنا نعيش غرباء عن أنفسنا وذاكرتي هي التي تكتبني

تاريخ النشر: الخميس 26 أغسطس 2010

جهاد هديب
“لا أقل أولاً أنّ الطفولة وجدان، وليست ذاكرة فحسب، وهي اكتشاف، فكل ما يراه الطفل فإنه يراه لأول مرّة، من هنا كان رمضان يأتي بالجديد والمختلف وما لم نعهد من قبل أو نرى، لذلك كنّا نحتفي به ذلك الاحتفاء كله. وذلك على العكس مما هي عليه الطفولة الآن. نحن، عندما كنّا أطفالاً تلمسنا الرطوبة تأتي مع رائحة البحر والرمل. بهذا المعنى خلق منا رمضان جيلاً ينتمي لزمانه ذاك وتقلباته وكل مايجدّ عليه فيه ويختزنه في لاوعيه، ببساطة”.
بهذا “الوجدان” اليَقِظ، بدأ الروائي المعروف وكاتب العمود الصحفي علي أبو الريش حديثه لـ”الاتحاد” ضمن حلقاتها التي يتحدث فيها مبدعو الإمارات عن ذاكرتهم مع هذا الشهر الفضيل.
ويضيف “كان رمضان يأتي إلينا بأشياء جديدة دائماً؛ ملابس وألعاب وأكلات وحلويات ولقاءات تحدث لأول مرة، لذلك ما زال حضوره قوياً. كانت العلاقات بين الناس في منطقة المعيريض برأس الخيمة، حيث نشأت، كما في سائر الإمارات آنذاك، إنسانية وروحية وسهلة ودافئة، أما أيامنا هذه فسلبت منّا العلاقات الإنسانية التي تربط الإنسان بالإنسان، بدءاً من علاقة الطفل بالطفل وليس انتهاء بعلاقة الجار بجاره. إن الأغلب الأعم من بين الناس إما أن ينام حتى موعد الإفطار أو يقلِّب الريموت أمام التلفزيون، فيما يلهو الطفل وحيداً مع جهازه الجامد”.
ويقول “آنذاك، لم يكن بوسع الطفل أن يلعب وحيداً، فلابدّ من فريق متكامل وألعاب معروفة بالنسبة له مسبقاً، أي أن هناك وجداناً مشتركاً بالأساس يشكّل جامعاً لهذه الطفولة، لذلك نشعر بالحنين إليها لأننا أصبحنا اليوم غرباء عن أنفسنا أيضاً، وعنما أزور أماكن طفولتي هناك أشعر بأنني عدت أتنفس، حقيقة”.
ويؤكد “لكنني مازلت أختزن تلك الطفولة في ذاكرة معينة. صحيح أن الطفرة النفطية قد منحتنا الكثير، لكنها سلبت منا الكثير وجعلتنا نعيش صراعا مع الجيل اللاحق. لقد عشنا المرحلتين، والفرق بينهما شاسع؛ الأولى، أي السابقة على الطفرة، رغم بساطتها وفقرها المادي لكنها منحتنا مخزوناً هائلاً من الذكريات والعاطفة الإنسانية الثرية جداً والحارّة، أما المرحلة التالية فبتنا فيها غرباء حتى عن أنفسنا “.
ويزيد في سياق التأكيد ذاته “لو لم نكن، وجدانياً، أبناء تلك المرحلة لما استطعنا العيش الآن، ومقارعة كل هذه التغيرات وملاحظة الآثار التي تتركها فينا كأفراد وفي مجتمعاتنا والكتابة عنها، لقد خلقت منا أيامنا الأولى جيلاً قوياً وإنساناً قوياً” ويضيف “كنا نتلمّس المكان وثقافثه وتاريخه الاجتماعي والسياسي بدءاً من الوسط الاجتماعي المحيط ذاته؛ من الأب والأم والجيران والعائلة الممتدة و”الفريج” ثم المعيريض بأكملها. كانوا يمنحوننا بذلك الإحساس باختلاف رمضان عبرهم وعبر رؤيتهم لأنفسهم فكانوا يؤثرون في رؤيتنا إلى العالم بدءاً من المكان وبالتالي يوثّقون من ارتباطنا به وبحضارته وثقافته. وذلك على العكس مما يحدث الآن، فهذا الجيل يعرف كل شيء عن العالم ولا يعرف شيئاً عن مكانه”.
أما عن الألعاب التي كانوا يمارسونها أطفالاً، فأشار الروائي علي أبو الريش إلى أنها كانت ألعاباً شعبية مثل “المقصي” والأرجوحة” وسواهما من ألعاب “لكننا لم نكن نتأخر في اللعب بحكم أن “الفرجان” في المعيريض كانت متباعدة آنذاك ولم تكن هناك أبراج، فكنا نلعب حتى منتصف الليل أو الواحدة صباحا ثم ننام حتى يأتي “أحمد قنوة” “المسحر” الذي يدعو بقرقعته الناس إلى القيام لتناول السحور، وأتذكّر أنه كان شخصية مختلفة، فهو يكره اسمه ذاك لكننا، نحن الأطفال، لما نراه، نهاراً، نركض خلفه ونناديه باسمه، فكان يجري خلفنا فيما نتراكض ضاحكين وهاربين في أزقة “الفريج”. وعندما يقترب العيد كان يطوف بالبيوت فيأخذ أجرته طحيناً أو تمراً. لقد فرض نفسه عليّ وكان واحداً من شخصيات إحدى رواياتي”.
ولما قلت إن الصنيع الروائي، إجمالاً، لديه، قائم على فعل تذكّر للمكان والشخصيات أكد أبو الريش “إن ذاكرتي هي التي تكتبني، أو هي المكتبة التي أستل من بين رفوفها كتبي”.
وفي سياق صنيعه الروائي وعلاقته بدراسته علم النفس العام، أكّد علي أبو الريش “يجب على الروائي، من وجهة نظري، أن يكون ملّماً بشيء من علم النفس، إذ إنه يتعامل مع شخصيات وأمكنة وأزمنة متعددة وفقاً لحالات نفسية متعددة وهذا ما منَحني طول النفَس في الكتابة الروائية لأنني أقوم بدراسة “الحالة”، أي الشخصية وهو مصطلح علمي متداول في علم النفس، بدءاً من الطفولة وحتى اللحظة الراهنة، أي أن الشخصية التي أكتبها لها تاريخها الخاص المنفصل عن الشخصيات الأخرى، وهو تاريخ لا يظهر في العمل نفسه بل يشكّل جانباً من الخلفية التي أنتجت العمل ككل”.
وأضاف “إن تلمّس الشخصيات في العمل الروائي هو واحدة من أكثر مراحل البناء الروائي عسراً، لكن بمرور الوقت اعتدنا على تجاوز هذا العسر بالجلوس إلى الطاولة لأربع أو خمس ساعات، فيما يدرس المرء الشخصية من خلال زمنها والمرحلة التي عاشت فيها وطبيعة تلك المرحلة بتداخل كبير مع تلك الشخصيات التي ما زالت فاعلة في ذاكرته الشخصية، فهذا الذهاب إلى الماضي عبر الذاكرة أمر لا محيد عنها”.
وختم الروائي علي أبو الريش حديثه لـ”الاتحاد” في صدد الرد على سؤال تعلق بحنينه إلى تلك الأيام الرمضانية بالقول “بالتأكيد أحنّ إلى تلك الطفولة وليس إلى المكان الذي حدثت فيه تلك الطفولة يوماً ما وصار جزءاً منها. أتدري؟ الآن سأحجز بطاقة سفر ومقعداً في طائرة ورقية وأعود إلى الطفل الذي كنت هناك”.


اقرأ المزيد : المقال كامل - علي أبو الريش: بتنا نعيش غرباء عن أنفسنا وذاكرتي هي التي تكتبني - جريدة الاتحاد http://www.alittihad.ae/details.php?id=53843&y=2010&article=full#ixzz1mRpROqoE

المصدر : الاتحاد.
==
إشكالية الموت في " رواية زينة الملكة " للروائي الإماراتي علي أبو الريش - ريم العيساوي

تأثرت الرواية العربية عموما بالرواية الغربية ، غير أنها بعد الحرب العالمية الثانية بدأت تحقق ذاتها نحو النضج الفني والتأصيل وتتعمق شكلا ومضمونا ، على يدي كبار الروائيين العرب المعاصرين.
ومن الملاحظ أن تأثر الرواية العربية المعاصرة بالرواية الغربية كان واضحا في الأساليب الفنية أكثر من المضامين وذلك لاختلاف واقع المجتمع العربي عن المجتمع الغربي .
وتندرج رواية " زينة الملكة " لعلي أبو الريش ، ضمن هذا التأثير، وقد استفاد من تقنيات الرواية الجديدة التي تفنن أصحابها في تنويع أنماط الحديث الباطني وانفتح على التراث العربي الإسلامي ، معتمدا على المحلية كمنبع ثري لتجديدها و تكثيف دلالتها وتعميق أبعادها .
يطرح علي أبو الريش في رواية " زينة الملكة " غربة الإنسان المعاصر ، مصورا همومه وتطلعاته ، أحلامه وصراعاته ، ومعاناته إزاء إشكالية الموت ، وذلك من خلال الشخصية المحورية "زينة الملكة " وبتوظيفه توظيفا متقنا لأسلوب تيار الوعي والرمز، متناولا قضية الموت بأبعادها الاجتماعية والفلسفية محافظا على أصالتها بتوجهه نحو الكتابة التي تعتمد على الجانب التاريخي والأسطوري ، موظفا التراث الصوفي الإسلامي مستلهما من الذهنية الشعبية الخرافية ، مؤكدا أن المحلية هي السبيل المؤدي إلى تأصيل الرواية العربية وتخليصها من قيود التبعية ، محققا المعادلة بين توظيف التراث والاستفادة من الثقافة العالمية ، ومبرهنا على أن الرواية لها أن تولد من أرحام القرية .
وإن ربط أحداث الرواية بقرية " المعيريض " بالإمارات العربية المتحدة فإن الرواية تنفتح على الآفاق الإنسانية الرحبة ترمز إلى واقع الإنسان وما يعانيه من غربة الذات وغربة الوجود .
لقد كانت وما زالت إشكالية الموت بمفهومها الحقيقي و بمفهومها الفلسفي إشكالية محورية في الرواية العربية المعاصرة وهي سمة بارزة في الإبداع العربي عامة ، وقد تفاقمت بسبب ما لحق الواقع العربي من أزمات متكررة ، فكان الإحساس بعبثية الواقع وعدميته . وليس غريبا أن يعتبر الموت قضية إشكالية وفد بحث فيه المفكرون في جميع الفلسفات والحضارات ، وخاض العقل قاصرا غمار هذه المسألة، فكانت الضرورة لتلبية صوت الإيمان .
إن رواية " زينة الملكة " من الروايات العربية المعاصرة المندرجة تحت تيار الرواية الوجودية يطرح فيها كاتبها قضية الموت بوجوهها المتعددة وقد كان الموت جرسا مرعبا يدق عبر نسيج الرواية ويعكس الواقع الدرامي المهدد للإنسان والحيوان على السواء ويسلب الكائنات شعورها بالأمان .
كيف كانت رحلة زينة مع الموت ؟ وكيف تشكلت صورته في الرواية ؟ وكيف كان أثره على الإنسان؟ ما هي دلالاته ؟ وإلى أي حد تتجلى رؤية الكاتب وفلسفته في الوجود؟ وما هي المرجعيات التي تستند عليها هذه الرؤية ؟
الموت الواقعي في الرواية والتجربة الحسية الوجودية :
تنفتح الرواية بعبارة مشحونة بدلالات الموت :" ( زينة ) البهية الزهية ، في زرقة الموت ، انتعلت خسارتها ، ووضعت جسدها المنهك عند ناحية الفجيعة وانتظرت زيارة الصباح....هذا الصباح لا يأتي محملا برائحة الأطفال الذين ذهبوا بعيدا ، عند ناصية المقبرة القديمة ...صباح سكران بالكافور وبكاء الجارات اللاتي ، ودعن فلذات الأكباد ، وكلما فقدت معيريض عزيزا ، جئن بالسواد، مكللات بالدموع والعبوس "( 7) .
إن هذا الانفتاح ، يبني علاقة غير مألوفة بين الموت الذي عرف ببشاعته
وصفة البهاء وما تحمله من معان تشير للمعنى الرمزي للموت، وهذا يتقابل مع معناه الحقيقي و منذ المنطلق تبرز ثنائية صريحة بين قبح الموت وجماله .
كما أن دلالة المكان ( المقبرة القديمة ) ، وعلاقتها بالزمن النفسي (صباح سكران بالكافور وبكاء الجارات ) يعمق الوجه الدرامي للموت ويكثف سوداويته . ولعل هذا المدخل بجميع عناصره الدلالية بمثابة الميثاق الروائي بين الكاتب والقارئ . ضرب من التهيب في خوض هذه الإشكالية الوجودية الأبدية ، صراع الإنسان مع الموت . هكذا تنفتح الرواية بإطارها الزمكاني معلنة عن وجهين متقابلين للموت ، الموت الواقعي الوجودي والموت الفلسفي الرمزي .
يدق جرس الموت ضربات موجعة منذ الصفحات الأولى ( ص 8) يعلن عن موت " يوسف الراوي " زوج زينة وهو الحدث الفاجعة المعذب لنفس "زينة الملكة " ومنطلق استرجاعها لذكرياتها وتفاصيل حياتها ، ومكانة زوجها في وجدانها ، وقد عمق علي أبو الريش تلك العلاقة الرائعة بين الزوجين ، فقد تحابا إلى حد الذوبان وتكللت حياتهما بالسعادة رغم فقرها واتكائها على هبات الجيران ، وعاشا معا التجربة الحسية بكل عشق وامتلاء إلى حد التوحد والالتحام . " فقد سلب منها النوخذا متآمرا مع البحر الدماء التي كانت تلون بها وجهها عند الصباح " ( ص42 ) .ولم تنس زينة كلماته الحانية :" أنت الروح التي ينبض بها قلبي ، والدماء التي تسري في جسدي " ( ً 96 ) .
ويمثل فقدان زينة لزوجها "يوسف الراوي" بداية وعيها بمفهوم الموت ومنطلق بحثها عن الحقيقة الكبرى: " ظلت زينة مسلوبة باتجاه حقيقة مطلقة واحدة ألا وهي الموت ...والكائنات على أرض البسيطة تولد ومن ثم تموت وتنتهي إلى لاشيء دون أن تتوقف لحظة للتأمل في أصل الغياب الأبدي ، بينما هي الوحيدة التي انشغلت منذ غياب يوسف الراوي بأمر الموت ، بل هي ليست مقتنعة أبدا بأسرار الموت التي يجترها الآخرون
( ص123 ) . إن موت زوجها سبب لها الشعور بالتيه والضياع وموته هو موتها ، و صارت تتجرع مرارة الخواء واليأس .
وتظل زينة بعد موت زوجها تشعر بوجوده ، وتراه في أحلامها و في يقظتها ، رافضة فكرة الموت ، حالمة بانبعاث روحه ، لذلك فهي تصورته في صورة الرجل العملاق الخرافي الذي شاهدته في المقبرة . كما تصورته في صورة القمر ، ثم في صورة الجبل العملاق ، الذي حققت به الصعود والانعتاق بعد أن جربت صعودها الأول مع القمر .
" قالت في لحظة استجلاء الحقيقة ، لم يخرج الرجل الخرافي ، من أجل إخافة امرأة وحيدة ضعيفة ، إنما هو ظهر هكذا كصورة مثلى للموت الجميل الذي يعانق الأرواح ويمنحها زهو الخلود، وهو نفسه يوسف الراوي " ( ص 112 )
إن زوجها لم يمت وخاصة ، كان قبل وفاته يحدثها :" لا تخشي شيئا يا زينة ، لن أموت ...لأنني أحببت امرأة رائعة مثلك أنت يا زينة ساكنة قلبي و أنا على يقين من أنني أستعمر فؤادك ... لذلك الذين يحبون لا يموتون " ( ص 94 ) . " و أن الناس النبلاء لا يموتون " " إن أمثال يوسف الراوي لا يموتون فهم قابضون على الحياة ، متمسكون بقيمها الرفيعة ، لا تفارقهم الأنفاس أينما كانوا ، سواء كانوا تحت التراب أو فوقه
( ص 121 ) . إنها فكرة الخلود وانبعاث روح يوسف الراوي ، فكرة تواترت عبر الرواية وزينة " مقتنعة بأن زوجها جاءها في ذاك المساء ليؤكد قناعتها أنه لم يمت ، وأن ما نقل عن وفاته ليس إلا مجرد حيلة رسمها أحمد بن السلطان النوخذا.."( ص 100 ) .
ومن هنا تكشف الرواية عن صورة عميقة للموت ، تجلت بعد انتقام النوخذا من زوج زينة وهو الحدث الذي ينسج خيوط الرواية وتتمحور حوله باقي الأحداث وهو العمود والأساس الذي بني عليه هيكل الرواية ، موت زوج زينة " يوسف الراوي " ، بالرغم من قدرته المهنية وكونه الذراع الأيمن للنوخذا والخبير في مهنة البحر ، إلا أنه لتمرده على ظلم النوخذا الذي يمارس جبروته على الفقراء ، لقي حتفه ودبر له مؤامرة لغرقه، إنها صورة للموت العقاب لكل من تسول له نفسه المطالبة بحقه .
و هنا يوثق علي أبو الريش لمرحلة ما قبل اكتشاف النفط ، حين كان القوي يأكل الضعيف والمالك يملك مصائر الفقراء ، وتعكس الرواية طموح الفرد لتحقيق التوازن الاجتماعي والانسجام بين شرائحه وفئاته .
إن صورة الموت الانتقام فيها إدانة الكاتب للظلم .
ولعل يوسف الراوي الذي دفع حياته ثمنا لتمرده هو صورة الفرد الواعي بقضيته وبمنزلته والرافض للممارسات الجائرة وقد رسم علي أبو الريش على لسان زينة ملامحه رسما فنيا فبدت شخصيته غير عادية ، فيها من الدهشة والإبهار، فهو رجل لغير هذا الزمان ، لما في روحه من جلال الأخلاق ورفعتها * ( صورة يوسف الراوي في دراسة سابقة بالخليج)
ومن خلال رسمه ليوسف الراوي فهو يستنهض همة الضعفاء المتخاذلين للثورة على الاستبداد ويطمح أن تمثل هذه الشريحة المسحوقة جبهة الرفض والتحدي ومقاومة الواقع المتردي والمساهمة في تصحيح الواقع بصورة إيجابية وفاعلة والوصول إلى التوازن الاجتماعي وتحويل العلاقات القائمة بين الفئات الاجتماعية من الشكل الصدامي والعدائي إلى علاقة أساسها الانسجام والوئام .
ويدق جرس الموت مرة ثانية :" قي صباح وغد عبوس ، صحت المرأة المفجوعة على الهول فتحت عينيها على الكارثة ...لا تملك إلا الصرخة تقاوم بها أنياب الفجيعة المباغتة تلوب في فناء البيت كالمجنونة وتطوف بالزوايا في تيه المفاجآت المذهلة وتهرول في الاتجاهات بلا هدى لا تعرف سبيل الأسباب التي أدت إلى موت قطتها الصغيرة سلوى"
( ص22 ) .
لقد عمق علي أبو الريش أثر موت القطة على زينة ، فهو شبيه بحزن الأم على وليدها وهي القطة المدللة التي دأبت على الاحتماء بصدر زينة " بكت زينة بمرارة الحرمان والعدوان الهمجي ... ارتجفت رفعت بصرها إلى السماء ظلت شاهقة واجمة تنوء بوزر حزن أثقل صدرها المتعب "
كان موت القطة سلوى نكبة عظيمة في حياة زينة ، ألح علي أبو الريش على دراميته و صرح به قائلا :" رحيل سلوى فتح فوهة نار حامية ، طالت ألسنتها اللاهبة شغاف من ألفها ،، في هذا النهار انشقت الأرض وابتلعت دماء الجسد الناحل ،واستدارت السماء لتكنس الرائحة الطيبة التي خلفتها سلوى " ( ص28 ) . كما هيج موت القطة ذكرى موت زوجها يوسف واسترجعت حنوه الفائق عليها .
وعكس حزن زينة على قطتها تمردا على الموت ، وهي المرحلة الوجودية التي تعكس الخوف من هذا السر وكان عزاؤها الأمل في عودة الروح إليها . ويمثل هذا الحدث بداية التفكير في مسألة الانبعاث . " زينة لا تريد أن ترى القطة جثة هامدة ... هذه قيامة الله في أرضه هذه الساعة الأخيرة لهيام الأرواح " . و قرب الخيمة تدفن زينة قطتها سلوى بعناية ورفق وتعي زينة بحزنها الشديد هذا فتحدث نفسها : " مات يوسف الراوي وانتزعه الموت من كبدي ، وبقيت وحدي تصفعني الزوايا بوحشية الوحدة القاتمة ، إلا أنني لم أشهد حزنا كهذا الذي أنا فيه رحيل سلوى فتح أمام عيني نفقا أسود لا أستطيع مقاومته " ( ص24 ) .
ولعل هذا الجزع الكبير على موت القطة سلوى تبرره دلالتها ، ألا تكن القطة رمزا للأمل وشعاع النور و الفرحة بالحياة الطليقة الخالصة من أوجاع الواقع ؟ :" رائحة سلوى تملأ زوايا البيت " و" سلوى قطة رائعة عظيمة بعظمة الموت النبيل " .
وصور علي أبو الريش موقف الإنسان المؤمن من تصرف زينة المتبرم من الموت وذلك من خلال شخصية مهرة قارئة القرآن :" همهمت مهرة بضحكة مبهمة ساخرة ساخطة ثم أردفت :" لكن ما تفعلينه شرك ، فهناك نساء ورجال فقدوا فلذات أكبادهم فلم يفعلوا ما تفعلينه ، بل استخاروا الصبر مؤمنين أن الموت حق ، دعك من هذا الإسفاف إنه شرك عظيم " .
وبقدر ما تنظر مهرة للحيوانات نظرة اشمئزاز وتراها رمزا للنجاسة ، فإن زينة تنظر لحيواناتها نظرة مخالفة ، نظرة إنسانية وكثيرا ما فضلت حيواناتها على الناس المنافقين المستبدين ،الفاقدين للقيم .
وترى زينة في قططها وفي كلبها فهد معنى لوجودها ، وقد رددت مرارا إن :" الحياة بدون هذه الكائنات بلهاء جافة " ( ص 26) .
ومثل موت القطة مرحلة جديدة في وعي زينة بمشكلة الموت فصار مفهومه عندها :" رحلة الغياب الطويلة " ووصف علي أبو الريش نظرتها له بقوله " لا يمكن لزينة أن تفكر في الموت سوى أنه كائن حي ، يسير على قدمين يتحدث معها ، ويؤنبها أحيانا .. و أحيانا يغبطها"
( ص30 ) ، واقتنعت زينة أنه لا ضرورة للحزن على سلوى ما دام الأمر مجرد انتقال من عالم إلى عالم آخر " ( ص 30 ) .و هذه خطوة جديدة في وعي زينة بقضية الموت ، والاقتراب إلى منبع الإيمان، وما يدل على هذا التحول ،اعتبارها للموت مجرد تحول من مكان محدود إلى مكان مطلق وقولها :" ربما لا تكون سلوى أحبت عالم الخيمة المزدحم ففكرت في الرحيل ...و هكذا تفعل الكائنات عندما تضيق الأرض وتعيش فإنها تلوذ بالعالم الأوسع ، هكذا يصبح مفهوم الموت تخلصا من المقيد وارتقاء نحو المطلق . وتتبع علي أبو الريش تدرج هذا الوعي بقوله :" نمت الفكرة في رأس زينة ، صارت كبيرة بحجم الغياب ومقدار حبها لسلوى واقتنعت تماما أن الموت ليس فناء أبديا بل هو الاقتراب من مثل أعلى ، سلوى كانت ليست كسائر القطط، كانت تنحو باتجاه النساء ولم تلبث يوما أ ن سقطت في رذيلة التهافت كان ملاذها صدر زينة تستلهم منه خلجات النفس العليا ... الموت ليس معناه إزهاق الروح بل هو الإطلاق والتحرر" ( ص 31 ) .
وتستخلص زينة أن الموت يختار الأرواح النقية ، وعبر الكاتب عن هذه الفكرة بقوله :" إن الله سعيد بمجاورة سلوى لبنيانه الرفيع، وهي قطة فاضلة لا تسقط عيناها إلا على المثل العليا " ( ص 32 ) .
" لا أعتقد الموت كائنا بغيضا ...إنه عندما يأخذ الأرواح يميز بين اللئيم والحليم ...لقد انتزع روح النوخذا ليذهب إلى جحيم مؤكد ، بينما رافق روح الراوي وكذلك القطط إلى حيث أعيش هنا...لا يمكن أن يذهب يوسف الراوي بعيدا وكذلك القطط.... لا شيء أذكر عن الموت ، إنه الفطنة الوحيدة على هذه الأرض .." ( ص 184 ) .
إن هذا التحول غير حزن زينة إلى سعادة باعتبار الموت هو خلود في الفضاء الأعلى :" انفرجت أساريرها ...فكرت مليا وبصرت القبر جليا وانداحت أمام عينيها فكرة جديدة ربما تكون غريبة لكنها الأقرب إلى قناعتها ، الغياب مسألة رائعة أن يغيب الإنسان ، يذهب بهدوء كما جاء ،
بهدوء تفتقت السماء عن وميض كان أشبه بالبهاء الذي ينزل على العينين ثم يسرق الحقيقة ليضعها على كتف المشتاق للمثل "
ويصرح علي أبو الريش بالمفهوم الجديد للموت في تصور زينة :" الموت ليس معناه إزهاق الروح بل هو الانطلاق والتحرر والدخول في بهاء أوسع " ( ص 31 ) .
وإذا كان النوخذا قتل يوسف الراوي دفاعا عن مكاسبه المادية وتمسكا بمستواه المادي وقد تضمنت الرواية العديد من الإشارات الكاشفة ل تقديس النوخذا للمال ، فإن موت الفتاة سلمى على يدي والدها ، دفاعا عن شرفه تعكس صورة أخرى للموت الانتقام وهو تجسيد للظلم الاجتماعي في أبشع صوره و أضراها ، ظلم يمارس داخل الأسرة ، الشريحة الخلية للمجتمع ظلم يمارسه الوالد على المولود ومن هنا يبرز لنا الكاتب مواطن الخلل في المجتمع والقطيعة بين الآباء والأبناء والصراع الدموي بينهما.
وإذا صور علي أبو الريش انبعاث الفتاة المقتولة على يدي والدها وإعلانها عن براءتها وإفصاحها بجريمة والدها فهذا احتجاج منه على هذا السلوك اللاإنساني وإن هذا الانتقام ليس هو الحل وإنما الحل يكمن في التخلص من الأسباب والظروف التي تصنع الصراع وتمضي به إلى النهاية المأساوية . وعلى الجيل القديم أن يتفهم طبيعة الواقع الجديد ويتخلص من رواسب العادات المتحجرة ويسلك طريق التعقل والخيار الإنساني الأفضل .وما شعور الأب بالندم بعد قتله لابنته غير صراعه مع واقع العادات المتحجرة . ما انبعاث الفتاة في المقبرة أمام عيني زينة إلا ـأكيدا على فكرة خلود الروح ، وأن الموت ليس نهاية الحياة .
وتصبغ أحداث الموت المتكرر المكان بمسحة الحزن حتى في المناسبات السعيدة التي يفترض أن يفرح فيها الناس ، أيام العيد وكذلك في المكان الذي تعود الناس أن يكون مصدر سعادتهم وألفتهم وهو سدرة بيت أبو حميد :" في الصباح الباكر كانت سدرة بيت أبو حميد تشهد حدثا دراميا
أسيفا ومحزنا ... كانت بنات معيريض يتجمعن من كل حدب وصوب وبملابس العيد المنقوشة والمزركشة والمنقطة بدوائر الزري ... جل البنات بخضاب العيد ورائحة الحناء وزعفران الفرح ... قفزت الذاكرة نحو نواح مزر ألهب فؤاد المرأة ، تذكرت تلك الفتاة التي انزلقت من حبل الأرجوحة لتقع على التراب الحجري مغشيا عليها فاستحال فرح العيد إلى نكبة "
( ص103 ) .

الموت الفلسفي الرمزي في الرواية والتجربة الروحية :
بعد رحلة طويلة من التأملات، وبعد تكرر أحداث الموت المحدقة بحياة زينة ، وبعد صراعات حادة مع الذات ومع الناس وتناقضاتهم ، تحول مفهوم الموت في تفكير زينة إلى معنى جميل ، فهو لا يتعارض مع الحياة بل هو القيمة الإيجابية لها ، وبعد أن سيطرت فكرة الموت على تفكيرها وتسربلت حياتها بالخوف وعدم القدرة على التكيف مع المجتمع ،وقوي إحساسها بالغربة والتهميش ، في خيمة مظلمة ، متعفنة، ينيرها مصباح خافت ، والمعاناة من العزلة وانعدام تواصلها مع الناس ، أصبح وضعها مأزوما وقوي إحساسها بالإحباط و تكثفت نظرتها السوداوية للوجود ، وبلغت ذروة اللاتوازن مع العالم ، فظهرت أمامها علاقة الحب والموت
:" هذا الجبل الشامخ الذي يقطن بجواري ، ليس إلا جبل الحب ..آه ..الحب هو الموت بعينه ...الذي يحب لا يموت .." ( ص 184 ) .
ولا يخفى على أحد علاقة الحب بالموت في التصوف الإسلامي، سواء على مستوى الحب الحسي أو على مستوى الحب الروحي ، فمن علامات تلك العلاقة أنها علاقة تدل على المشاعر النبيلة الصادقة أثر من آثار هذا العالم الفاني تنقل صاحبها إلى العالم الباقي ، فالمحبة هي الوصل بين الأرواح ، ورمز البقاء الأصدق في هذا الوجود . وحب زينة رمز لصفاء روحها ،وخلو نفسها من عفن البدن ، وحبها الصادق للمثل ولزوجها ولحيواناتها مكنها من الوصول إلى حب الله ،وهيّأها لتفهم أسرار الكون
هذا الحب أمد زينة بوجود أعلى و أشرف من الوجود المحسوس .
ومن دلالة هذا الحب إرادة الحياة التي لا يمكن أن تنتهي بالموت بل تتواصل بوجود لا ينغصه الفناء ، وفي إرادة الموت تذوب الفردية ،
ويبقى المطلق ، أعلى صور الإرادة و أكملها وهذا أبدع ما في التصوف الإسلامي .
وهذا الحب جعل زينة تختار الموت الجميل الذي ترى فيه خلاصها من واقعها المتردي . وكان فقدانها لزوجها ثم لحيواناتها تلك الروابط الوحيدة التي تعطي معنى لوجودها سببا في اختيارها الموت، الذي نفذت لجوهره وتخطت معناه السطحي بوعيها لزيف الحياة :" الحياة تشبه الناس الغادرين المنافقين الماكرين ، تصنع الأشياء جميلة ، رائعة ، براقة ، ثم تتخلى عنها لتسلمها لقبضة الموت ...الموت هو الكائن الوحيد الشفاف ، الجريء الصادق ، المحنك الذي لا يعرف الخديعة ولا يرتكب الرذيلة ...إنه يأخذ الأشياء إلى العميق ، المعتم ، يحفظها ويهيل عليها التراب كي يستر فقرها وعجزها ، ثم يلتفت إلى أشياء أخرى ،الناس يخشون الموت وكأنه الغاصب المحتل ، بيد أنهم لا يعون أن ما تقدمه الحياة هو ضوء كاذب .." ( ص 120 ) .
" إن الموت حياة أخرى أجمل ، وأروع ، وأكثر صدقا " ( ص 121 )
وهو الخلاص لها من عذاباتها والمطهر لآلامها ولحالة الانتظار القاسية التي تعيش عليها . وصار الموت في هذه المرحلة محققا لكرامتها بعد أن كان مدمرا لها . وألح الكاتب على هذا التحول الجذري في صورة الموت بقوله :"الموت الذي كانت تعتقده كائنا مخيفا يقتحم الأجساد فجأة ويذهب بأرواحها إلى المجهول ويدع الأجساد هامدة ، تغيب بعد وقت كثير من زوال الروح تحت ركام الرمل بلا رجعة ، أصبحت الآن تقرأ ملامحه بروح شقية ، حية، تحدثه ، تبتسم في وجهه ، تستقبله بمزاج رائع لا تشوبه دمعات الأنين " ( ص 60 ) .
وجسد علي أبو الريش شوقها إلى الموت بقوله :" هي الآن لا تفكر في هذا العمر لا تفكر في الموت كونه نهاية بقدر ما تفكر به ككائن حي ، تريد أن يقبل عليها في ليلة ليحدثها عن سيرة الذين رافقوه :" ( ص 188 ) .
لقد جسد علي أبو الريش في روايته هذه صراع الإنسان مع الموت وهو خيار أمامه لحياة غير مجدية ، حياة أبشع من الموت وقد عاشت زينة ضربين من الموت موتا داخليا نفسيا ينخر فكرها وموتا خارجيا يصبغ وجودها بالقتامة ، موت مركب في صورة ظاهرة وأخرى لامرئية .
إن الحيرة الوجودية التي مرت بها زينة جعلتها تتساءل هل تواصل الموت في الحياة راضية بالعذاب ؟ أم تغتال هذه الحياة المريرة وترحب بالموت الجميل وتستعجله بشوق لتلحق بزوجها يوسف الراوي .
إن هذا المعنى الفلسفي للموت الذي صوره علي أبو الريش في رواية "زينة الملكة "عكس فيه وعي الإنسان المتمرد غير المقتنع بجدوى وجوده ، موقف الرفض والاحتجاج على كل الممارسات اللاإنسانية وذلك بالهروب والاعتزال وقد عمق الحس العبثي التشاؤمي مما جعل الشخصية بهروبها من واقعها شخصية انهزامية وسلبية ، تهرب من الواقع إلى عالم الحلم والخيال وتحقق ما حرمت منه بعد فقدان زوجها ، كأن تتزوج من القمر وتنجب منه ولكن هروبها هذا ملاذ أخير للتطهر من أدران الحياة وسرابها الخلب :" لا يخطر ببال أحد لو قالت زينة لجار أو جاره
إنها تزوجت في ذات يوم القمر، وأنجبت مكنه البنات والبنين ، وكانت تضاهي الشمس في حميتها وسعيرها ..كان القمر يقول فيها شعرا حزينا ...هذه الحكاية سرية ولم تسردها لأحد خشية أن توصف بالجنون ...أرسل القمر إشارته الأولى ، كانت رسالة عبارة عن قطرة ماء عذبة تلقفتها زينة بشفتين ناشفتين ...بعد ذلك أصبحت زينة مسكونة بهذا الحب معلقة بين السماء والأرض " ( ص 133 ) .
أو تتخيل بعلها يوسف في صورة الجبل الذي حط أمام خيمتها وتلتحم به غائبة معه في عالمه بعيدة عن الأرض :"نظرت إلى العراء ، لكن الجبل يدوي هو أشبه برجل الشريشة ؟ يذكرني هذا بيوسف الراوي ، كان رقيقا شفافا ...لكنه في صلابة الجبال وشموخ الدوح الأشم ...صمتت لكن الجبل يدوي يهدر، ويهز صخوره كأنه الزلزال ... تشوقت شعرت أن الخيمة الوضيعة ، لا تسع مشاعرها المتوقدة ... بهتت زينة قالت هذا هو يوسف الراوي هذا الشفق المنشق عن ومضة الحلم ... أنا لا أحلم بل أنا يقظة ... صارت يداها جناحين ، وصار جناحاها شراعا يسبح في الفضاء .. يا إلهي ! ما أسعد الإنسان عندما يغادر الأرض الملعونة ... حلقت زينة كان " باب سلامة "ينشق عن موجات وأعماق ، زرقاء تغوص في ألوان حقيقتها أسرار وألغاز .. كان الناس يحكون عن باب سلامة القصص المرعبة وعن الموت الذي يتربص بالأشرعة والرؤوس ، هنا في هذا المدخل الضيق المحتشد بزرقة الضجيج وعتمة الخوف .. بدا الجبل باسما .. بعد مضي زمن ، فتحت زينة عينيها ، نظرت إلى أسفل قدميها ، لمحت بئرا عميقة تبتلع فرحتها .. حدثت الكلب قالت : ما أريد أن ألمسه هو هذا الموت الجميل ، لولاه لما حلم الناس بالحياة ولما فكروا في مقايضته بالحلم ، ما بين الموت والحياة حلم كل الأشياء التي تبدو رائعة هي من صنيع الموت .." ( ص 200 )
وفي هذه المرحلة تحققت زينة "أن الوصول إلى ذروة الموت هو أقصى حالات النشوة " ( ص 204 ) ويصور علي أبو الريش معانقتها للموت في لغة شاعرية شفافة صافية في صفاء الفضاء الذي حلقت فيه وبتفاصيل دقيقة :" لا أحد هنا في الملكوت سواها ويوسف الراوي يبتسم للموت ... تحمل فرحتها على صفحة قلب أخضر ... صمتت زينة ، غابت أجهضت الوعي نافرة صوب الرحاب الواسعة ... صمتت وكل شيء سكن متكئة على الغياب في صحبة الموت ..وهي في السفر الأخير في سطوة الغياب الجميل ، في زرقة النهاية.. لا ضير أن أفتح عيني لأرى يوسف الراوي وقد نام في مهد قيلولته الحالمة يضع يدي على وجهه
ثم يقبل وجهي ويقول : لا تجزعي يا زينة، يا ملكة ، لا يفزعك الغياب فخلودك هذا يكفيني ... كانت الغفوة العميقة تسيطر على زينة وكانت سطوتها الرائعة تمنحها نشوة الخلق الجديد ... " ( ص211 ) .
لقد حققت زينة ولادة جديدة وانبعاثا ، فيه لذة الذوق ، وأمّنت راحتها بالرجوع إلى الوطن الأصل ، حضن الجبل ، رمز الطبيعة البكر، بعيدا عن زيف الدنيا وسعار التهافت والغرور والشهوات والفناء الجميل في ذات المحبوب . و نلاحظ بوضوح ، المرجعية الصوفية الإسلامية ، في أحسن توظيف ، تتجلى في بروز خصائص الأحوال الصوفية كالشعور بالخلود وتلاشي الخوف من الموت والإحساس بالسعادة ، والشعور بالفناء التام في الحقيقة المطلقة وخرق حواجز الزمان والمكان وصورة المحبة الشاملة تلميحا إلى وحدة الوجود ، وهو مفهوم متفق عليه عند المتصوفة ، والإشارة إلى أن الموت لا يصيب إلا صورنا المحسوسة الفانية كما عبر عن هذا ابن عربي :" و إن فسدت الصورة في الحس فإن الحد يضبطها والخيال لا يزيلها " .
إنّ علي أبو الريش من منطلق المرجعية الصوفية تصدى للوجود الروحي لحل معضلة الموت، الذي فيه خلاص الإنسان من أزمته الوجودية .
وقد استطاعت زينة بلوغ هذه المرتبة لأن قلبها خرق أستار الحجب وكثافة الحواجز نحو إدراك السر، ولأن روحها تعطرت بشذى التبتل العميق و لم تدرك هذا المقام بمدد من العقل فقط ، بل وإنما أدركته بمرتقى لا يدرك بالأبصار ، وإنما عن طريق الحدس وهو المرقى الذي يعرج فيه الإنسان بروحه صعدا في طراز رفيع من النفحات العلوية ، طراز الروح الصافية .
لقد خلص علي أبو الريش إلى أن الموت ليس مشكلة ، لأنه شيء يرد إلى الشعور بالذات ، كما أنه شيء متناقض في ذاته عصي على الفهم لا يفهم إلا بالمكابدة وترويض النفس ، ولكن في الحقيقة مشكلة الإيمان الذي يقبله وجدان ويرفضه وجدان المنكر ، هو الحل لهذه القضية .
لقد بين الكاتب أنه عندما تختفي صفة الذاتية يصير الموت وصلا مع الكون و مع الله واتصالا جوهريا تكمن فيه الصفة الأساسية التي ينشدها صاحب الحقيقة ، علاقة مباشرة مع المطلق وهذا تأكيد على القيمة الروحية ، فالوجود الحقيقي هو الوجود الروحي وهو العالم الأفضل و الأبقى .إنه حل لمشكلة الموت حلا صوفيا عن طريق الإيمان ومن هنا تعلن الرواية عن فلسفة وجودية إسلامية

ايوب صابر 02-16-2012 04:36 PM

علي أبو الريش

أهم الأحداث التي صنعت عبقرية ابو الريش الإبداعية:
- علي أبو الريش هو روائي وشاعر وإعلامي إماراتي كبير وإن كانت شهرته الروائية أكبر من شهرته الشِعرية.
- ولد علي عبد الله محمد أبو الريش في 9/6/1956م في منطقة معيرض في إمارة رأس الخيمة.
- تخرج من جامعة عين شمس قسم علم النفس، وبعد تخرجة سنة 1979م انضم إلى عالم الصحافة وإلى جريدة الإتحاد حيث عمل في القسم الثقافي فيها، وأخذ يترقى في المناصب حتى وصل في 2007 إلى منصب مدير التحرير. له عمود يومي بالجريدة.
- يعمل حالياً مدير لمشروع (قلم) بهيئة أبوظبي للثقافة والتراث.
- الاعتراف 1982. (اختارها اتحاد الكتاب العرب كإحدى أهم الروايات العربية في القرن العشرين)
- يقول في رده على سؤال :أن أعظم الروايات نبعت من العذاباتكما يقال، هل على الكاتب حقاً أن يكون معذباً حتى يبدع؟ فيجب على الكاتبالحقيقي أن يعيش مأساة وجودية، مأساة داخلية، فحينذاك يلامس الكاتب الإنسان الآخر،مع ملايين الأسئلة. هذه المأساة هي التي تجعل الروايات خالدة أو لها لمسة خاصة بلاشك، وإن لم تكن تلك المأساة حاضرة لدى الروائي المبدع فهو يكون طافياً حاله حال أيقشة.
- وفي رده على سؤال لماذا هو مناصر للمرأة دائما؟ يقول: أولاً إني تربيت على يد امرأة، احترمتها وقدرتها كثيراً، والدتي التي رأيت خلالهاالجوهر المذهل للمرأة.
- وفر رد على سؤال لماذا يكتب يقول: كانت غايتي أن أشبع هذهالذات العطشى. كتبت حتى اليوم أربع عشرة رواية، لكني أشعر أن مازال لدي الكثير،الكثير مما لم أبح به ولم أقله، وإذا كان في العمر بقية، فسأنهي ذلك البوح ثمأموت.
- واضح أن إشكالية الموت في " رواية زينة الملكة " والتي كتبت عنها (ريم العيساوي) لم تأت من الفراغ وإنما هي تأتي من اختباره الشخصي ومعايشته للموت.
- يطرح علي أبو الريش في رواية " زينة الملكة " معاناته إزاء إشكالية الموت ، وذلك من خلال الشخصية المحورية "زينة الملكة " ويتناول قضية الموت بأبعادها الاجتماعية والفلسفية كما تقول ريم العيساوي.
- يعتبر البعض إن رواية " زينة الملكة " من الروايات العربية المعاصرة المندرجة تحت تيار الرواية الوجودية يطرح فيها كاتبها قضية الموت بوجوهها المتعددة وقد كان الموت جرسا مرعبا يدق عبر نسيج الرواية ويعكس الواقع الدرامي المهدد للإنسان والحيوان على السواء ويسلب الكائنات شعورها بالأمان كما تقول ريم العيساوي.
- تنفتح الرواية بعبارة مشحونة بدلالات الموت :" ( زينة ) البهية الزهية ، في زرقة الموت ، انتعلت خسارتها ، ووضعت جسدها المنهك عند ناحية الفجيعة وانتظرت زيارة الصباح.
- يعمق في روايته ( زينة الملكة ) الوجه الدرامي للموت ويكثف سوداويته والكلام ل ريم العيساوي.
- يدق جرس الموت ضربات موجعة منذ الصفحات الأولى ( ص 8) يعلن عن موت " يوسف الراوي " زوج زينة وهو الحدث الفاجعة المعذب لنفس "زينة الملكة " ومنطلق استرجاعها لذكرياتها وتفاصيل حياتها، ومكانة زوجها في وجدانها وفي ذلك ما يشير الى احتمالية بأن زينة الملكة هي في الواقع امه وهو يصف في هذه الرواية تجربة والدته في تعاملها وموجهتها للموت. ويرى على ابو الريش في الرواية المذكورة "إن موت زوجها سبب لها الشعور بالتيه والضياع وموته هو موتها، و صارت تتجرع مرارة الخواء واليأس" .
- تبدو الرواية وكأنها محاولة من قبل الروائي والذي هو متخصص في علم النفس لمعالجة اثر موت والده المبكر عليه وهي تمثل محاولة لفلسفة الموت وجعله خلود لكي يستعيد توازنه من خلال ما يقدمه من تبريرات.
- تعكس روايات علي أبو الريش طبيعة الحياة لمرحلة ما قبل اكتشاف النفط ، حين كان القوي يأكل الضعيف والمالك يملك مصائر الفقراء ، وتعكس الرواية طموح الفرد لتحقيق التوازن الفردي والاجتماعي والانسجام بين شرائحه وفئاته .
- صور الروائي موت القطة سلوى ( قطة البطلة ) على أنها نكبة عظيمة في حياة زينة ، ويبدو ان موت لاحقا لعزيز او قريب هيج ذكرى موت والده ( ان كان فعلا قد مات مبكرا ) كما هيج موت القطة ذكرى موت زوج البطلة يوسف.
- من خلال تصويره لاثر موت (يوسف الراوي) الذي انتزعه الموت على البطلة يصور الروائي علي اثر الموت بشكل عام على كل من يختبره. فهو يقول" بقيت وحدي تصفعني الزوايا بوحشية الوحدة القاتمة ، إلا أنني لم أشهد حزنا كهذا الذي أنا فيه رحيل سلوى فتح أمام عيني نفقا أسود لا أستطيع مقاومته " ( ص24 ) .- من مقال ريم العيساوي.
- يرى على ابو الريش ان خلاصه من الم الموت وحزنه لا يتم الا من خلال الايمان .
- لقد جعل ابو الريش بطلة قصته زينة تصل إلى وعي جديد بقضية الموت، والاقتراب إلى منبع الإيمان، وما يدل على هذا التحول، اعتبارها للموت مجرد تحول من مكان محدود إلى مكان مطلق وقولها :" ربما لا تكون سلوى أحبت عالم الخيمة المزدحم ففكرت في الرحيل ...و هكذا تفعل الكائنات عندما تضيق الأرض وتعيش فإنها تلوذ بالعالم الأوسع ، هكذا يصبح مفهوم الموت تخلصا من المقيد وارتقاء نحو المطلق . وتتبع علي أبو الريش تدرج هذا الوعي بقوله :" نمت الفكرة في رأس زينة – وهو ما يشير النفسية لتحقيق مثل ذلك الوعي ليساعده على التخلص من اثر ما اختبره من الموت.
- أيضا تأتي هذه الرواية وكأنها فلسفة تبريرية ابتدعها الكاتب لتحقيق التوازن المنشود وذلك من خلال جعل البطلة (تقتنع أن الموت ليس فناء أبديا بل هو الاقتراب من مثل أعلى موضحا أن الموت معنى الموت عنده .."الموت ليس معناه إزهاق الروح بل هو الإطلاق والتحرر" ( ص 31 ) . فهو أيضا بحاجة لذلك الوعي لتحقيق التوازن.
- ليصل إلى استنتاج يخفف ألمه الداخلي الذي يعصف به حيث يصف الموت على انه "إن الموت حياة أخرى أجمل ، وأروع ، وأكثر صدقا " ( ص 121 )
- واضح وكما تقول ريم العيسوي أن ابو الريش قد جسد في روايته هذه " صراع الإنسان مع الموت وهو خيار أمامه لحياة غير مجدية ، حياة أبشع من الموت وقد جعل بطلة الرواية زينة تعيش ضربين من الموت موتا داخليا نفسيا ينخر فكرها وموتا خارجيا يصبغ وجودها بالقتامة ، موت مركب في صورة ظاهرة وأخرى لامرئية" .
- ومن خلال هذه المعالجة للموت أراد الروائي أن يحقق مثل بطلة روايته زينة ولادة جديدة وانبعاثا بهدف تلاشي الخوف من الموت وتحقيق إحساس بالسعادة.
- تقول ريم العيساوي في قرائتها لرواية زينة والملك " لقد خلص علي أبو الريش إلى أن الموت ليس مشكلة، لأنه شيء يرد إلى الشعور بالذات، كما أنه شيء متناقض في ذاته عصي على الفهم لا يفهم إلا بالمكابدة وترويض النفس، ولكن في الحقيقة مشكلة الإيمان الذي يقبله وجدان ويرفضه وجدان المنكر، هو الحل لهذه القضية .
- ومن هنا نستطيع أن نفهم بأن سعي ابو الريش كان يهدف إلى الوصول إلى حل لمشكلة الموت وقد توصل إلى ذلك الحل عن طريق الإيمان.

ليس معروفا إن كان ابو الريش قد مر بتجربة الفقد في طفولته رغم أن كلماته بأن إمرأة هي التي ربته تشير إلى فقدانه لوالده في الطفولة. على كل حال إن وصفه للموت في روايته هذه ثم تطويره لهذه الفلسفة التبريرية لجعل الموت مقبول لدى البطلة لا يمكن الا أن يفهم إلا انه حاجة نفسية عند ابو الريش نفسه للتعامل مع فجيعة الموت واثرها النفسي بهدف تحقيق التوازن خاصة انه خبير نفسي.

لن نقول أن ابو الريش عاش يتيما حتى تتوفر المعلومة بكش قطعي ولكن يمكننا القول بأن ابو الريش عاش مأزوما بخوفه من الموت سواء كان ذلك الشعور مجرد شعور وجودي أم هو نتاج مروره بتجارب موت مبكرة ثم متكررة.

وعليه سنعتبره مأزوم.

ايوب صابر 02-17-2012 06:23 PM

34- النخلة والجبران غائب طعمة فرمانالعراق

النخلة والجيران


ياسر عيسى الياسري
سينما الصورة الذهنية في الرواية العراقية واستمرار الرؤيا

علم واثر.. سلسلة دأبت دار الشؤون الثقافية على اصدارها حيث اهتمت بنشر أهم الأعمال الأدبية التي لم تعد طبعاتها متاحة أمام القراء ولعل أهم الروايات التي أعيد طبعها في تلك السلسلة رواية النخلة والجيران للروائي العراقي الكبير غائب طعمه فرمان كنت قد قرأت الرواية منذ زمن بعيد نسبيا و لا اذكر تماما أنني أكملت مشاهدة المسرحية لأنها عرضت أيام الوفاق والتصالح السياسي الذي انفكت عراه عندما دخل التلفزيون الى بيوتنا المتواضعة وهكذا وجدت نفسي محلقا بشكل لا إرادي في عوالم سليمة الخبازة وأحلام العصافير لحسين ومصير صاحب ابو البايسكلات وبطولات ابن الحولة وتحايلات مصطفى أفندي للحصول على ثقة الانكليز وهكذا كان لابد لي من ان أعايش تلك الشخصيات على طول الخط القرائي للرواية وعلى الرغم من استحضاري كل المهارات في التلقي وعدم الانجرار الى ما يرده الكاتب من ان يجعلني اضحك او أتابع دون انقطاع او انفعال وجدتني عاجزا أمام قدرة هائلة ومذهلة في تكوين الصورة السينمائية الذهنية التي لا يمكن الفكاك عنها بسهولة، لذا كنت اشعر أنني أمام رواية اقرأها للمرة الأولى وأتفاعل معها للمرة الأولى وللمرة الأولى أجد الغبن يطال عملاق آخر من عمالقة الفن الروائي العراقي الذين تجاوزوا كل المقاييس العالمية، ولكن لأن غائب طعمه فرمان عراقي ومات غريبا ووحيدا بعيدا عن شمس العراق قريبا من ثلوج سيبريا لم يحظ بالاهتمام الكامل الذي يليق به، ولكنه عراقي كما أسلفت القول لا يحتفى به الا بعد موته ولكنه لم يحتفى به لا حيا ولاميتا الا في قلوب محبيه ومثقفو العراق وبعيدا عن تلك الآهات التي لا تجدي.
أقف أمام رواية تميزت بدقة السرد الوصفي الذي يخرج من إطار الكلمة المحددة بمجموعة من الحروف الا صورة ذهنية سينمائية داخل التكوين العام لهيكل الرواية. . . تخرج الكلمة من إطارها المقروء المحدد بحروف سوداء تعكس تلك الصور الدقيقة التي عمل على إخراجها المؤلف لا برؤية الكاتب وإنما برؤى متعددة منها ما عكس المرحلة الزمنية التي كان يمر بها العراق فالرواية تقع بين زمنين من القلق والتحول يمر بها العراق ككل وبغداد بشكل خاص فالحرب العالمية الثانية على وشك النهاية او لنقل انتهت وجيوش الانكليز تستعد لمغادرة بغداد ومعها لا بد ان تتغير الخارطة الاجتماعية والمكانية في بغداد حيث هناك مئات من العاطلين عن العمل بسبب رحيل الانكليز وهناك المئات من الأسر التي فقدت مصدر رزقها وان كان ملوث بالطين العالق بجزم الغزاة الثقيلة الطين الذي يسميه المؤلف السريافه التي لا يدخلها احد الا ويتلوث مهما حرص على البقاء نظيفا، هذا بالنسبة للزمن القلق التي تدور فيها الأحداث أما المكان فكان من أبدع الصور المرئية على شكل لوحات بحروف وكلمات استفاض المؤلف في قراءة تفاصيل المكان الرئيس للحدث بيت سليمة الخبازة والنخلة التي تقبع وسط الدار الكئيب وهسيس الحطب المحترق في قعر التنور الأسود والجيران من الخان والطولة فكان المؤلف غائبا عن المكان لأنه ترك المكان يتحدث عن نفسه دون ان يعمل على التدخل بشكل واضح بحيث لا يتدخل في التزويق الداخلي او وضع رموز بشكل قسري وسط المكان المعد كمسرح للإحداث. . .
باحة داخلية غير مضاءة بشكل كامل تنور محطم الأطراف ياون مهمل لا يستعمل لغرضه الأساس في تحضير الرز الخام وطحن الحبوب وإنما دائما منكفئ على وجهه الذي لم يعد يتذكره احد والنخلة التي تشكل الجزء الأول من اسم الرواية والرمز الذي ينبغي على القارئ تأويله او على الأقل تفسيره ولو بشكل أولي فالنخلة مرتبطة بالحكمة ومرتبطة بأرض العراق ومرتبطة بشكل لا يقبل الفكاك مع شخصية إنسان هذا البلد. النخلة الشجرة الصابرة بغض النظر ان كان الجار طيب أم شرير نخلة دائما يدخل إليها المؤلف بلقطات فريبة بل وبعدسات زوم دقيقة تعكس التغضنات الدقيقة للسعف الجاف الذي ينتظر ربما موسما ما من مواسم الخضرة لا الجفاف ولكنها بقيت جافه وبالقرب من جذعها كانت هناك بقايا مياه قذرة لبقايا التنور وفتات الخبز المخلوط بذرات الغبار الأسود مضاف الى هذا الجو الكابوسي هناك شتائم تكال الى النخلة ربما غير مسموعة في معظم الأحيان لان النخلة يجب ان تكون لها فائدة ولكن نخلة سليمة لا فائدة منها فهي لا تمنح الظل او تمنح الرطب او تصلح لأعشاش العصافير او القبرات نخلة يصفها المؤلف قميئة قصيرة متيبسة لم تحمل طلعا، او بشارة لعذوق التمر فلماذا هذا التركيز المستمر من قبل المؤلف على تلك النخلة.
من جانب نستطيع ان نربط ما بين سليمة الخبازة العاقر ونخلتها ولكن من بين أيدي سليمة يخرج الخبز الساخن على الرغم من كونه اسود بسبب طحين الحصة التموينية الا انه كان يمد هذا السكون بحياة لا مثيل لها داخل هذا البيت وعلى الرغم من ان تلك النخلة وبشكلها المادي المرئي في الرواية نخله بحكم الميتة الا ان الروائي يصر على ان يذكرنا بها بين الفينة والفينة مثيرا ذلك صورة ذهنية قد تكون لا مرئية للشخصيات الرواية ولكنها تشكل صورة مرئية في ذهن القارئ الذي يتلقى تلك الصورة التي تخفي في داخلها رمزا من الرموز التي يسهل تلقيها لعامة القراء، ولكن لماذا هذا العقم وتكمن الإجابة خارج البيت انه عقم تلك الفترة على جميع الصعد الاجتماعية والسياسية حيث هناك تكمن بداية عمليات بيع الأرض للرأسماليات الجديدة التي وعلى الرغم من خروج القوات الأجنبية الا أنها زرعت نظاما اجتماعيا جديدا تمثل في نهاية عصر وبداية عصر آخر الطولة التي بيعت وبيت سليمة ونخلتها الذي بيع كذلك صاحب ابو البايسكلات الذي قتل وتحول حسين من إنسان مسالم الى قاتل بعد ضياع تماضر ولكن هل استطاع المؤلف ان يقنعنا ان المجتمع العراقي متكون من هذه الشرائح فقط ولماذا غابت صورة المثقف المغير للاتجاهات وهنا تكمن روعة تلك الرواية وسرها الذي جعلها تعيش كل تلك العقود من السنوات، وهي ان المؤلف كان هو الذي يوجه القارئ نحو الصور السينمائية التي تنتجها عينه الشبيه بكاميرا، فلولا تلك العين الكاميرا لم تكن لتصل الينا تلك الشخصيات التي ابدع المؤلف في دقة الوصف الذي قد تعجز عن ايصاله الكاميرا السينمائية. لذا كانت عينه بمثابة الراصد لهذا التغير الاجتماعي والسياسي وكان هو ذاته صوت التغير صوت الثورة على هذا الواقع المرير الذي كان يقبع تحت ثقله العراقيين جميعا.
ولكن يبدو أننا كعراقيين وعلى الرغم من شدة وضوح ودقة الصورة السينمائية الذهنية التي قدمها غائب طعمه فرمان إلا أننا لم نكن لا نحن ولا الجيل الذي سبقنا و لا الجيل الذي سيأتي أحسنا قراءة تلك الرواية التي ان قرأها هذا الجيل لشعر ان غائب كان حاضرا معنا في هذه الظروف التي مرت بالعراق من حروب وحصارات أكلنا فيها الخبز الأسود من يد أكثر سليمة الخبازة وماتت الملايين من النخلات وتهجر آلاف من الجيران وأحيطت بغداد بالجدران وانتشر الجنود الأجانب في الطرقات، لذا لم تكن تلك الرواية رواية فترة زمنية محددة وإنما رواية مستمرة تشبه المسلسلات الطويلة ولكنها طويلة أكثر مما ينبغي طويلة وهي تسجل عذابات العراق وأهله وموت نخيله وتهجير الجيران، منذ ان كانت الصورة شمسية الى عصر الصورة الرقمية وبذلك لا أجدني قد انتهيت من قراءة رواية النخلة والجيران لان صورها ما تزال مستمرة مؤسسة بذلك اتجاها خاصا في الرواية العراقية يحول الصورة الذهنية الى صورة سينمائية مما يمنح فرادة لأسلوب قل نظيره في الرواية العربية. ولكن كل مشكلة الكبير غائب طعمه فرمان انه عراقي حقيقي ولاشيء آخر

ايوب صابر 02-17-2012 06:25 PM

عن النخلة والجيران
د.عبدالله إبراهيم
15/08/2010
بُنيتْ أحداث رواية "النخلة والجيران" لـلروائي العراقي "غائب طعمة فرمان" على خلفية آثار الحرب العالمية الثانية في العراق، إذ صيغ نظام الحياة اليومية لشخصياتها في ضوء تداعيات تلك الحرب في بغداد، فظهرت منزوعة الإرادة، ومجرّدة عن أي فعل إيجابي، وما لبثت أن مضت في حال يكتنفها اليأس إلى نهايات مقفلة أدّت بها إما إلى الموت أو القتل أو الغياب، وبذلك تكون الرواية قد طرحت قضية التاريخ الراكد للأمة حيث يتلاشى الأمل بالتغيير، فكل شيء في تراجع مطّرد، إذ تستسلم معظم الشخصيات ليأس عام يخيّم عليها من كل جانب، وتذوي النخلة الوحيدة، وتباع الدار، ويهدم الإسطبل، وتكاد الحواري الطينية الضيقة تخلو من الحركة، وتبدو المشاركة الاجتماعية مشلولة، بل معطّلة، فقد انسدت الآفاق أمام شخصيات مهمّشة جرى تقييد إرادتها من طرف غامض، وأصبحت طيّ النسيان. فشرعت في الاقتصاص من بعضها بالطمع والقتل والخداع.
وحينما أطبق اليأس على مجتمع "النخلة والجيران" انفلت العنف ليمارس دوره بدواعي تحقيق عدالة غائبة، أو رغبة في الامتثال إلى عرف اجتماعي أو قبلي، فالقتل نزوة عارضة مدعومة بفرضية أخلاقية مبهمة، يمكن أن يقابل بتقدير اجتماعي يرفع من شأن القاتل في ظل انهيار سلطة الدولة، فلا يحتاج إلى سبب كبير لحدوثه إنما تدفع به مشاجرة تافهة، وخصومة عابرة، لأن الأرواح البشرية فقدت قيمتها في المجتمع المتخيّل للرواية، وهو مجتمع يحيل بالتمثيل السردي على عالم بغداد في أربعينيات القرن العشرين في ظل الاحتلال الإنجليزي، وحينما يبلغ الإحباط العام مداه الأقصى تلوح فكرة العنف، ثم تتبلور، وتصبح ممارسة فعلية، فلم ينتبه "حسين" إلى جرائم "ابن الحولة" وإهاناته، إلا حينما فقد "تماضر" وباع الدار التي ورثها عن أبيه، فجاء اغتياله للمجرم تخلّصا من فشل ذاتي أكثر مما هو انتصاف لصديقه القتيل "صاحب"، فالعنف ذو مسار لولبي يتدفّق في وسط أخلاقيات رخوة، ثم يصبح سلوكا اجتماعيا محمودا، دون أن يقع التفكير بتداعياته.
انحسرت الروح المدنية لبغداد حينما انخرطت شريحة من العراقيين في مضاربات ممنوعة مع جيش الاحتلال، فذهب بها الظن إلى أن الإنجليز باقون في البلاد إلى الأبد، وكفّت فئة أخرى يدها عن أية مسؤولية فراحت تتبرم يائسة، وانحسرت الأفعال الإيجابية من فضاء السرد، فمضى الرجال يدورون في حلقات مفرغة من الإحباط والبطالة، وجرى العبث بالنساء اللواتي خدعن، ووقع استغلالهن عاطفيا وماليا، وامتد ذلك إلى النخلة والبيت، وهما شاهدان على التراجع الثابت في نظام القيم، فكأن زمن الرواية يمضي إلى الوراء بعد أن تفكّكت الأواصر الاجتماعية، وبها استبدل سلوك اجتماعي خديج لا هوية له، فترك الشخصيات تنزلق إلى آثام سلوكية قاعدتها الخداع والطمع، فلا تكاد تظهر شخصية سوية، حتى "سليمة الخبازة" لم يوفّر لها السرد حصانة الاستقامة، فابتكر لها سذاجة دفعتها إلى الوقوع في أحابيل "مصطفى" المخادع الذي كان يتاجر بالممنوعات مع الجيش الانجليزي.
وخضعت رواية "النخلة والجيران" إلى زمن شبه راكد في نظام أحداثها، فالبشر والأشياء والأمكنة تتردّى ببطء، وظل وعي الشخصيات بذاتها وعلاقاتها ساكنا لم يتعرّض للتغيير، فاكتسى كل فعل بعدمية، وانتهى بإخفاق، وفيما كان يخيّل للمتلقّي بأن خبز "سليمة" علامة إنتاج مفيدة في مجتمع استهلاكي، مثل حب "تماضر" في بيئة خلت من الحميمية، فإنهما - الخبز والحب- أصبحا ذريعة للخداع والاستغلال، فحلم الإنسان المجرّد عن الوعي يقوده إلى الوراء في حركة لا نهاية لها، فيتعثّر بما هو أسوأ مما كان عليه، وكأن الحياة متاهة كبيرة نزعت عنها العلامات الدالّة على النهاية.
تضافرت البيوت الخربة، والأزقة الموحلة، والشخصيات الضالة، والحركة الرتيبة، والسرد التفسيري، فيما بينها، فأصبحت أدلّة على أفول عالم، وتعذّر انبثاق آخر بديل، فمشهد القتل العنيف الذي ختمت به الرواية رسم في أفق السرد حلا مبهما لنهاية عالم؛ حيث يريد "حسين" أن يتخطّى إخفاقاته على مستوى الحب، والمال، والبنوّة، بالقتل، فابتاع مدية حادة، وراح يلاحق "ابن الحولة" مترددا وخائفا دون أن يجد سببا مقنعا للقتل، فبحث عن أية ذريعة كي يتراجع عن رغبته القاتلة إلى أن عرض له "ابن الحولة" في حالة سكر شديد، فكأنه يدعوه لقتله، فيترنح المجرم الأصلي قتيلا دونما سبب مباشر سوى أن البطل الجديد رغب في إرسال السكين إلى جسده المخمور ليمارس دوره، فكأنه ضحية بريئة، فقد قُتل المجرم القديم لأن المجرم الجديد راوده حلم بدوره اجتماعي يرهب به الآخرين بوصفه قاتلا أكثر مما كان يريد الاقتصاص من المجرم بسبب جريمة قتل صديقه "صاحب".
أصبحت الجريمة الثانية مكافئا لدور بطولي مقترح، وليس عقابا عن جريمة سابقة، ومهما كان فلا يمكن التورط في جريمة بسبب جريمة أخرى، فتلك متاهة من العنف لا تفضي إلا إلى مزيد من أعمال القتل. لكن القتل في مجتمع راكد بدواعي الشرف أو الثأر أو البحث عن دور جديد له معنى عرفي يتعارض مع الدلالة المدنية لمفهوم العقاب، فغالبا ما يتولّد عنه نوع من الترقية الاعتبارية العامة، فيحتفى بالقاتل لأنه عرض معنى مضافا لبطولة فردية تصون العلاقات التقليدية، فالتكافل السلبي بين الجماعات والأفراد ينتج معاني متحيّزة للقتل بدواعي الشرف والهيبة والثأر، فيصبح ممارسة محمودة يراد بها الحفاظ على الروابط التقليدية، وصون القيم الجماعية، وهو أمر يلاقي دعما قويا في مجتمع الرواية الذي يعاني من العوز، ويفتقر للإرادة، ويساوي بين القتلة والضحايا، والمخادعين والمخدوعين، فينعدم التمييز بين الشرّ والخير، وبين الخطأ والصواب، فكلما جرى محو الحدود الفاصلة بين الآمال والإخفاقات انكشفت هوة خطيرة أمام الجميع، فيصبح انزلاقهم إليها محتملا. وهو أمر جنته شخصيات الرواية كلها، فلم تتفاعل فيما بينها، ولم تعد النظر بعلاقاتها، ونزع عنها الوعي بعالمها، فظهرت عائمة على سطح السرد.


د. عبد الله ابراهيم
ناقد واستاذ جامعي عراقي مقيم في الامارات
abdullah_ibrahem@yahoo.com

ايوب صابر 02-17-2012 06:27 PM


تعتبر مرحلة السبعينيات من اهم مراحل حياة غائب طعمة فرمان بموسكو حيث بدأ فجأة وبدون سابق انذار بكتابة روايته " النخلة والجيران". حدث ذلك بعد ان اجريت له عملية استصال الرئة المصابة بالتدرن. وخرج من المستشفى بروح جديدة اذ كان غالبا ما يتذكر والدته واخيه علي واشتد حنينه الى الوطن الذي لم يستطع الرجوع عليه بسبب الظروف السياسية. ولدى كتابة الرواية كان يلح ايامذاك في توجيه الاسئلة على العراقيين المحيطين به حول القضايا المتعلقة بالحياة في بغداد وازقتها ومحلاتها. وكان لصدورها صدى كبير في الاوساط الادبية العراقية والعربية. لأنها اعلنت عن مولد روائي عراقي من المستوى الرفيع. وتعتبر هذه الرواية بحق اول رواية عراقية صميمية ذات بنية ادبية متينة ورسم دقيق للشخصيات وسلوكياتها.واعقبت هذه الرواية الاعمال الروائية الاخرى . اعتمد الكاتب نهج تصوير واقع المجتمع العراقي على حقيقته وكتب بهذا الصدد يقول:" اذكر انني سألت ذات مرة احد القصاصين المصريين الكبار : لماذا لم تعد تكتب يافلان؟ فأدجابني مندهشا : الله .. كيف اكتب عن الفاقة والجهل والحياة البائسة ، كما كنت في الماضي بينما أرى حكومتي الآن تكافح ضده. ذلك سيكون طعنة في صدر حكومتي".ويومها (في عام 1956) جادلته قائلا : "لو اخذ بنظريتك ادباء العالم ، لمحي نصف الادب العالمي". وكتب د.عبدالعظيم انيس عن قصص غائب طعمة فرمان يقول " ان قراءتي لقصص غائب طعمة فرمان مع حوراها العامي قد زادتني فهما للمجمتع العراقي ومستقبله".
مكتبة خالد

==

روايـــــة «النخلــــة والجيــــران» إلــــى التلفزيـــــون






أعلن الكاتب العراقي علي حسين عن تحويل رواية الكاتب غائب طعمةفرمان «النخلة والجيران» الى عمل درامي من ثلاثين حلقة. وأشار الى إن الفنان ساميعبدالحميد سيؤدي دور البطولة في المسلسل الى جانـــب مجموعة من أبرز الممثلينالعراقيين. يذكر أن «النخلة والجيران» قدمتها «فرقة المسرح الفني الحديث» أواخرستينات القرن الماضي، ولعب الأدوار الرئيسة فيها الفنانون يوسف العاني وساميعبدالحميد وخليل شوقي وناهدة الرماح.

وكانت صدرت هذه الرواية منتصف ستينــيات القرن العشرين، وكانت العمل الكبيـر الذي اطلق اسم فرمان في عالم الرواية في العراق. وهي تتناول طرفاً من الحياة في حي شعبي من أحياء بغداد هو الحي ذاته الذي ولد فيه الكاتب وترعرع وعاش حياته الاولى، رابطاً الأحداث فيها بالوضع الاجتماعي والسياسي القائم آنذاك.
والجدير بالذكر ان مؤسسة المدى للثقافة والفنون قد عرضتها في احدى نهاراتها في شارع المتنبي احتفائا بالكاتب غائب طعمه فرمان على شكل مسرحية في فضاء مفتوح وسط جمهرة من المثقفين العراقيين.

ايوب صابر 02-17-2012 06:28 PM

غائب طعمه فرمان
بدأ غائب طعمه فرمان سيرتهُ الأدبية بقرض الشعر في مرحلة المتوسطة , فقد تعرف بتلك الفترة بكل من "بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي" وفي عام 1947 تعرف بالشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري , وهو مازال في الصف الرابع الثانوي .
لقد كان ذو عقل مبدع وخلاق , يزخر دائماً بالأفكار والتطورات الجديدة المبتكرة ذو الحدًس والبصيرة النفاذة, حيث التصورات من الواقع ثم أعاد صياغتها في أعماله الأدبية ضمن وعي حرفي كامل وفن راسخ , إذ تكون انعكاساً لأحداث بدأت منذ الطفولة ومضى عليها عشرات السنين أو أقل أو أكثر , لقد كان هو الوطن بكل ناسه من المسحوقين الذين عربد الزمن بمصائرهم ومقدراتهم وأحلامهم الصغيرة وأنماط حياتهم الصغيرة الرتيبة , فقد صدرت مجموعته القصصية الأولى " حصيد الرحى" سنة 1954 , حيث كانت مرحلة خصبة في تناول الحياة الاجتماعية , في أعمال الكتاًب والشعراء والفنانين , وكانت الحركات السياسية آنذاك قد استقطبت أبرز مبدعي تلك الحقبة , "عبد الملك نوري ومجموعتهُ (نشيد الأرض) وخالد الرحال وبدر شاكر السياب وعبد الرزاق الشيخ علي وعبد الوهاب البياتي وعبد الرزاق عبد الواحد وناظم توفيق وسعدي يوسف ورشيد ياسين وكاظم جواد وزهير القيسي ويوسف العاني وكاظم السماوي ورشدي العامل والفريد سمعان وغيرهم , ومن نقاد تلك الفترة صلاح خالص وجبرا إبراهيم جبرا ونهاد التكرلي ومجيد الونداوي وعلي جواد الطاهر.
لقد كان للرأي النقدي تأثير على كتاب الرواية في تلك الفترة ويؤكد الراحل غائب طعمه فرمان بهذا : ( إن للرأي النقدي تأثير علي ً, وأنا لا أسخر من الآراء النقدية , لكني عندما أكتب رواية لا أفكر برد فعل الجماعات والأحزاب والنقاد , المهم عندي أن أكون صادقاً ) .
يذكر الأستاذ جلال الماشطه في مقالتهِ ( النخلة المرتجاة والمخاض المؤجل) إن : ( غائب فرمان جعل النخلة رمزاً للوطن وللذات في آن , وعاين في رشاقة الحبلى في موسم الخير وبشاعة العذوق الذاوية عندما تدب إلى أصلها عقارب تضيف إلى سقائها سماً أو حينما ينقطع حبل السرًة) , وقد عشق غائب عبارة التوحيدي في حياته وكان يرددها مع بعض أغاني الموسيقار محمد عبد الوهاب: (( إنى للغريب لا سبيل لهُ إلا الأوطان, ولا طاقة به على الأوطان ),لكن التساق غائب بالسياسة فقد كوفيء من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة على إسقاط الجنسية العراقية مرتين , فضلً غائب مشدود للوطن, وقد عشق اللهجة العامية العراقية كلغة في قصصه ومنها( النخلة والجيران ) عن قناعة , وهذا ما استخدمهٌ في عملهُ في دار التقدم بموسكو عندما كان يترجم القصص والكتب الأدبية , فقد منح وسام الشرف لقاء ترجماته التي كان يعتز بها ومنها ( بطرس الأول) لألكسي تولستوي.
فقد رأى غائب فرمان هنالك قاسم مشترك بين روسيا القيصرية وعراق صدام مع فارق بسيط هو إن الدكتاتورية في زمن الطاغية حققت ( قفزه حضارية إلى الوراء) . وقد ظلت مؤلفات غائب عراقية رغم إنهُ استند إلى أرضية مركبة جمعت بين التراث العربي والأدب العالمي , فقد كان نهماً في قراءاته.
عمل غائب فرمان منذ بداية الخمسينات من القرن الماضي في الصحافة الأدبية بشكل خاص , وأصبح محرراً أدبياً بارزاً في صحيفة الأهالي للحزب الوطني الديمقراطي , يصفهُ الأدباء والصحفيين بالإنسان الهاديء المتواضع بالفطرة والبعيد عن كل نزعة مشاكسة , وقد كان حتى أيامهُ الأخيرة ينظر إلى العالم بعيني طفل بريء , كان لا يطيق الرياء ولا يحبه , لا لنفسه و لا للآخرين , ميالاً للصمت , حتى عدم الاكتراث لما يدور حوله , فقد كان متميزاً في مجموعته الثانية (مولود آخر) التي صدرت عام1959 , ثم كتب سبع روايات بعد مجموعتيه القصصيتين, ثم قصة" آلام السيد معروف" عام1982 , وقد وضع الحد الفاصل بين الرواية اللارؤية في روايتهُ (النخلة والجيران) عام1966 حيث أرسى اللبنة المتحدية الأولى في صرحها.
إلا إننا لو استرجعنا ماضي غائب طعمه فرمان منذ منتصف الأربعينات , كان غائب أحد الشباب الديمقراطيين الطامحين إلى التغيير في العراق , لأنهُ نشأ في أسره فقيرة أصيب في وقت مبكر من حياته بالسل الرئوي , وأرسل بطريقة من الطرق إلى مصر للاستشفاء ولمواصلة الدراسة , وقد تسنى لهُ الاتصال بالوسط الأدبي المصري وقتذاك, قارئاً وكاتباً , لكنهُ اكتسب النفي السياسي منذ الخمسينات بسبب دافعهٌ السياسي اليساري للتغيير , فقد ساهم في إعداد كتاب ( من أعماق السجون في العراق) وهو كتاب يتحدث عما كان يجري في السجون العراقية آنذاك, كما أن نشاطهُ قبل ثورة تموز 1958 فقد أصدر كتاباً بعنوان ( الحكم الأسود في العراق) وهو كتاب مكرس لوضع الحكم الملكي في العراق , ثم عاد بعد ثورة تموز1958إلى العراق حيث شغل قبل قيام الثورة مترجماً في موسكو والصين , ثم عاد للعمل مترجماً في موسكو بعد تحول العراق إلى تجارب إرهابية من كل صنف ولون ضد الديمقراطيين عام1963 والانقلاب الأسود ,انضم غائب لحركة الدفاع عن الشعب العراقي وهو في الصفوف الأمامية للحركة مطالبه بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان .
صدرت لهُ رواية( خمس أصوات) عام 1967 , فقد كرسها لأجواء بغداد للنصف الأول من الخمسينات ودور المثقفين ومكانتهم في الحياة العامة , ثم صدرت رواية ( المخاض) عام1974 وتعقبها ( القربان) عام1975 , ويذكر الدكتور أحمد النعمان في كتابه( غائب طعمة فرمان, أدب المنفى والحنين إلى الوطن) ص81 : ( أراد المنتج كمال العاني أن يحول رواية ( خمسة أصوات ) إلى فلم وذلك بعد النجاح الباهر الذي لعبتهُ ( النخلة والجيران) في وقتها ... وإن يوسف جرجيس هو الذي أخذ على عاتقه إخراج فلم خمسة أصوات ... ولكن المحاولة باءت بالفشل " ثم يعقب د. أحمد نعمان" وهنا شعرت الحكومة العراقية بنقطة الضعف , عدم وجود الأموال الكافية للعرض والضرائب الباهظة , فبدأت تلعب ورقة المساومة ... وبدأت تتبجح بهذا السبب وذاك! وتماطل " لغاية في نفس يعقوب" كما يقال ,أما وزارة الاعلام فقد اعترضت على المخرج - السينارست – الذي أراد إدخال وثبة 1948 كتذكير للناس بأن أحداث ( خمسة أصوات) تمتد جذورها إلى الوثبة , هنا بيت القصيد , ... الوزارة طالبت ( بالمقايضة) فجراء إبقاء الوثبة في الفيلم اشترطت الوزارة أن تعلوا المتظاهرين( متظاهري الوثبة) لافته كبيرة مكتوب عليها ( حزب البعث العربي الاشتراكي) لإثبات انهُ كان يقود الوثبة أو هو متواجد فيها بشكل بارز , إلا إن يوسف جرجيس برهن للوزارة بأن حزب البعث تأسس بعد الوثبة , وهنا استشاطت الوزارة غضباً وأصرت على موقفها , ورفض يوسف جرجيس العمل ) .
لقد كانت ميزة كتابات غائب طعمه فرمان لأحداث التأريخ اليومية الحياتية للناس البسطاء وعلاقاتهم وأفعالهم ودوافعهم وهذه ما تؤكده روايتهُ ( القربان) حين يموت فجأه ملاًك ميسور الحال نسبياً ( صاحب قهوه) ويترك وراءهُ قاصراً هي فتاة صغيرة ؟ وفي ( ظلال على النافذه) حينما تتمرد كنًة شيخ من أهالي بغداد وتهرب من منزل العائلة إلى غير رجعة , فهذه العلاقات بين الأفراد والفئات والطبقات ترتبط بالأفراد وتظهر كأفراد, فالحوار الروائي تلتصق بالأفراد أو تجسد خصائص وسمات وسلوكية الأفراد أنفسهم وأفكارهم , قيمهم ونواياهم , ويؤكد الفنان التشكيلي محمود صبري إن غائب طعمه فرمان طلب منهُ قبل صدور رواية ( خمسة أصوات) برسم غلاف الرواية إلا انهُ : ( أصبحت بعد نشرها إحدى أهم رواياته , غير إن بقي عالقاً في ذهني هو فقرة الإهداء التي يفتتح بها الكتاب , " إلى أصدقائي في صراعهم مع أنفسهم ومع الآخرين" . فهي تلخص حقاً الديالكتيك الأساس لعلاقة الاإنسان مع عالمه الاجتماعي ) .
كانت حياة غائب تمور بالعطاء ومسكونة بذات النبع الصافي الذي التصق وارتوى منه على الدوام ولكن كان الوطن لا يغيب عن رواياته بأناسهُ ومسحوقيه, ويصفهُ المفكر الراحل هادي العلوي بمقالته " قلت لك لا تمت" : ( غايب كتب الفصل المفقود من تاريخ الأدب في العراق . حدث هذا دون ضجيج , لأن غائب لا يحب الطبول وينفرد من ضوضاء المجالس ولم يكن يعنيه أن يكرًم أو يقيًم ما دام جمهوره الذي يصونهُ من ضجيج الإعلام الثقافي والثقافة الإعلامية ويغنيهً عن الأوسمة والجوائز , كانت جائزتهُ أن يكتب رواية يقرأها الناس , وهمهُ الوحيد أن يتواصل مع جمهورهُ , فجمهورهُ هو جائزتهُ ووسامه! ).
بقيت روايات غائب فرمان العراقية رغم أن مؤلفها عاش في المنفى ثلاثين عاماً , فقد استندت هذه الروايات إلى أرضيه مركبه جمعت بين التراث العراقي والعربي , فقد كان همهُ بتحقيق مشروع روائي لتدوين تأريخ العراق , لكنهُ أراد أن يدون انقلاب شباط 1963 ويعتبرها عودة محاكم التفتيش في أوربا القرون الوسطى وهي مشابهه لها التي وقعت على رؤوس العراقيين والكارثة العظمى , إلا إن المرض داهمهُ ولم يتمكن من تحقيق ذلك.
أما رواية المخاض فهي تتحدث عن شخص مغترب أراد أن يعود إلى وطنه فبعث إلى أهله رسالة لكي يكونوا في استقباله في المطار,ولما وصل لم يجد أحداً في استقباله , تمثل هذه الرواية المنفي والفجوع من أهل العراق بوطنه وأهله وهي تمثل عودة غائب فرمان بداية السبعينات وخلال بحثه عن أهله وضعف الأمل في استقرار العراق وفترة حكم عبد الكريم قاسم وما بعدها ورافقتها للمغترب عن الوطن والشيء المؤلم هو أن يحس المغترب بالغربة في وطنه.
كانت شخصيات غائب فرمان في الرواية أغلبها إيجابية عدا رواية ( المرتجى والمؤجل) سلبيون , وذلك لأن المنفى سلبي والسلبي لا يمكن أن يولد إلا سلبياً آخر , فيعتبر البطل الايجابي حسب المدرسة الواقعية الاشتراكية ورائدها الفكري مكسيم غوركي ونجد أسطورة البطل الايجابي والبطل الثوري والطليعي من المصطلحات السياسية البحتة , ولتأكيد ذلك إن جميع من قرأ رواية ( الجريمة والعقاب ) لدستوفسكي كانوا متعاطفين مع البطل راسكوليكوف الذي قتل العجوز المرابية , وهذا يدلل على إن كل القراء المتعاطفين معهُ سلبيون لأنهم مع القاتل وضد القتيلة , وفي (آنا كارنينا )لتولستوي الذي وقع آنا تحت عجلة القطار هكذا فعل ,وانتحار زنوبة في ( القربان) عملاً سلبياً ؟
ونعود لأبطال ( المرتجى والمؤجل) فهل هم سلبيون حقاً ؟ نلاحظ صالح جميل المدمن على الكحول , رغم ثقافته الموسوعية لم يستطع إنهاء معهد واحد من المعاهد الستة التي درس فيها في خمس دول من دول العالم , فهل يمكن اعتبارهُ إيجابي , أما في كل الروايات هو من الخطأ تعطيل المواهب الكثيرة والتقسيم الطبقي الذي يخلق بطل إيجابي وبطل سلبي في الواقع الاجتماعي, فرواية ( المرتجى والمؤجل) هي الرواية الوحيدة التي عكست المنفى والازدواجية التي عاشها فرمان كونهُ عاش في المنفى وهو يرنوا للوطن ومفارقتهُ للمكان والبيئة المحلية , إذ كتب أغلب رواياته خارج الوطن والمكان, ومن هنا بدأ بافتراق المكان الذي استهلك الذاكرة فيها , ولكن برواية ( المخاض) يضيع المكان ليجد كريم الداوود بعد خمس أصوات إن بيتهم قد اختفى ومحلتهُ القديمة ولكن استحضار المكان ينشط الفعل والمخيلة والذاكرة , فالذاكرة الفعلية كالشكل المخروطي يشبههًا برجسون , إذ تنهض لملاقاة الطرف المدبب والحاضر يوجه النداء ليستجيب للذكريات , ويؤكد الناقد زهير الجزائري بمقالتهُ ( ذاكرة المكان عن غائب طعمه فرمان) المنشورة في مجلة البديل العدد 17 لسنة1991 إن : ( غائب يستخدم المخروط بالمقلوب في رواياته .. فرغم إنهُ يغلًب الفعل والحركة على المنلًوج الداخلي في رواياته إلا إن الفعل عنده وسيلة وليس غاية , والهدف هو تنشيط الذاكره), فيندمج المكان مع الحركة والفعل الصالح المكان وأحياناً تسبق الذاكرة عين التحرك ولكن التجربة لغائب خير لقاء بين المكان والزمان وهذه تقاليد القصة الواقعية, ولكن تناول المكان في المنفى ( المرتجى والمؤجل) أماكن افتراضية فيها قيمة الرمز بسبب انفصال غائب عن بيئتهُ التي كان يتجول فيها من أماكن شعبية وأزقة وأحاديث ساكنيها , فغائب يتمتع بذاكرة أدبية وجدانية لكن المنفى والاغتراب عن البيئة قد فقد المثقف رأسهُ والغربة مخالب تنبش الذكريات وتثير الشجون , ذكريات العراق البعيد القريب , لقد عاش غائب أكثر أيام عمرة في المنفى ومات ودفن بعيداً عن الوطن الذي أحبهُ.

ايوب صابر 02-17-2012 06:30 PM

غائب طعمة فرمان

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

روائي عراقي، ولد في بغداد عام 1927 وتوفي في موسكو في العام 1990.

محتويات



حياته

أصيب غائب طعمة فرمان بالدرن في وقت مبكر، فسافر إلى مصر للعلاج ليكمل دراسته في كلية الآداب، وقد أتاح له وجوده في مصر الاحتكاك المباشر في الواقع الثقافي القاهري فكان يحضر مجالس أشهر الأدباء المصريين، مجلس الزيات ومجلس سلامة موسى ومجلس نجيب محفوظ ظهيرة كل جمعة في مقهى الأوبرا. مارس كتابة الشعر أولا...لكنه أخفق فيه، فعمل منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين في الصحافة الأدبية.
  • يلخص غائب طعمة فرمان مراحل حياته الأدبية كالأتي :
1 – مرحلة التراث العربي : الشعر، النثر، الكتب والدواوين الأربعة التي كان ابن خلدون يعدها أصولا وما سواها توابع وفروع : أدب الكاتب، الكامل ، البيان والتبيين، وكتاب النوادر.
2 – حركة الترجمة التي بدأت أثناء الحرب العالمية الثانية الوافدة من مصر أو سوريا تعزف على نغمات من الأدب الفرنسي والإنكليزي والروسي.
3 – الذهاب إلى مصر في فترة أعدها من أنشط ألازمان للحركة الأدبية في هذا البلد.
غائب طعمة فرمان عربيا
حظيت كتابات غائب طعمة فرمان باهتماما وتقديرا عاليين من لدن النقاد والكتاب العرب... فجبرا إبراهيم جبرا يقول عنه (يكاد يكون غائب طعمة فرمان الكاتب العراقي الوحيد الذي يركب أشخاصه وأحداثه في رواياته تركيبا حقيقيا). وقد دافع الدكتور زهير ياسين شليبه عن أطروحة دكتوراه في معهد الاستشراق الروسي عام 1984 مكرسة لنتاجات غائب طعمه فرمان، وقال عن النخلة والجيران (رائعة الأدب العربي الحديث) معتبراً إياها أول عراقية فنية تتوفر فيها مقومات النوع الروائي بمواصفاته الأوروربية الحديثة. صَدرت كتب مكرسة لأعماله مثل كتاب الدكتور زهير ياسين شليبه "غائب طعمه فرمان. دراسه نقديه مقارنه عن الرواية العراقية"، دار الكنوز الأدبية، بيروت 1996 وكتاب الأستاذ أحمد النعمان "غائب طعمه فرمان. أدب المنفى والحنين إلى الوطن".1996، الذي يضم مقالات عدة كتّاب عراقيين معروفين مكرسة للأديب الراحل غائب وذكرياتهم عنه. وقال عنه محمد باروت (كان غائب عراقيا في كل شيء حتى في الرواية التي رآها " برلمان الحياة الحقيقي" إذ كثف في هذه الرواية كل فهمه لطبيعة الرواة ووظيفتها، ففي قاع الحياة الشعبي، وقائعه وأحداثه وعلاقاته وتفاصيله ومشاهده، تنهض رواية غائب وتتكون، وكأنها ترتقي بنثر الحياة اليومي، هذا الذي يبدو معادا ومكرورا وأليفا إلى مستوى الملحمة والتاريخ، أي إلى مستوى الكلية). وقال عبد الرحمن منيف عن غربة غائب (لا أعتقد أن كاتبا عراقيا كتب عنها كما كتب غائب، كتب عنها من الداخل في جميع الفصول وفي كل الأوقات، وربما إذا أردنا أن نعود للتعرف على أواخر الأربعينات والخمسينات لابد أن نعود إلى ما كتبه غائب) وتقول د. يمنى العيد عن رواية المركب (المركب وسيلة عبور وعنوان مرحلة للمدينة التي غادرها غائب ولم يعد إليها، المركب لا تحكي الماضي بل الحاضر المكتظ بالمعاناة التي تدفع راكبيه إلى الالتفات إلى ماضيهم بحسرة). ونشر محمد دكروب ذكرياته مع غائب طعمة فرمان، وكذلك فعل سعد الله ونوس.
الأعمال الروائية والقصصية
- حصاد الرحى ( مجموعة قصص ) 1954
- مولود آخر ( مجموعة قصص ) 1959
- النخلة والجيران ( رواية ) 1966
- خمسة أصوات ( رواية ) 1967
- المخاض ( رواية ) 1973
- القربان ( رواية ) 1975
- ظلال على النافذة ( رواية ) 1979
- آلام السيد معروف ( رواية ) 1980
- المرتجى والمؤجل ( رواية ) 1986
- المركب ( رواية ) 1989
ترجماته
ترجم نحو ثلاثين كتابا ونال جائزة رفيعة على جهده في هذا الجانب ومن ترجماته






خلد أسم غائب طعمة فرمان (1927- 17/8/1990) بما أبدعه وأنتجه، وما تركه عند قرائه ومحبيه من ذكريات وتذكر واستلهام للتاريخ والحنين إلى الوطن من منفاه واعتزازه الواضح بتراث وانتساب ولغة وعلاقات إنسانية تسجل له ولأدبه.
درس عدد من الباحثين والنقاد نتاجه المتنوع والمتعدد المجالات في اطروحات وندوات أكاديمية وأدبية، وتظل الحاجة باستمرار داعية إلى العودة إلى نتاجه الإبداعي والاستزادة منه في قراءة نصه وانعكاساته واقعيا ورؤيته في الواقع العراقي والعربي، روائيا وثقافيا.
ومن بين آخر الاطاريح البارزة عنه، أطروحة الناقدة فاطمة عيسى التي أعدتها في العراق ونشرتها في سلسلة رسائل جامعية ببغداد بعنوان: غائب طعمة فرمان روائيا.
المعروف أن غائب ولد ببغداد عام 1927 في أحد أحيائها الشعبية الفقيرة، من أسرة معدومة كانت تعاني الحرمان وشظف العيش، وأكمل دراسته الابتدائية والثانوية ببغداد وأصيب بمرض السل الرئوي في وقت مبكر، وسافر إلى القاهرة لدراسة اللغة الإنجليزية وآدابها وعاش حياتها الأدبية والثقافية المعروفة، حسب تمهيد الكتاب.
ولخص الكاتب الروائي تجربته هذه بمراحل ثلاث هي: مرحلة التراث العربي، الشعر، النثر، الكتب والدواوين الأربعة التي كان ابن خلدون يعدها أصولا وما سواها توابع وفروع... أدب الكاتب، كتاب الكامل، البيان والتبيين، وكتاب النوادر، وأنا ما أزال ارجع إلى هذا التراث، كلما أحس بضائقة نفسية، وأية متعة في الدنيا تعادل هذه المتعة.
والمرحلة الثانية: حركة الترجمة التي بدأت أثناء الحرب العالمية الثانية الوافدة من مصر وسوريا تعزف على نغمات من الأدب الفرنسي والإنجليزي والروسي.
والمرحلة الثالثة: ذهابي إلى مصر في مدة أعدها من انشط الأزمان للحركة الأدبية في هذا البلد الشقيق، وتصوروا طالبا في السنة الأولى من كلية الآداب في جامعة القاهرة قادما من العراق، يشهد مجلس الزيات في يوم الأربعاء، وفي يوم السبت كنت اشهد مجلس سلامة موسى في جمعية الشباب المسيحيين، وفي ظهيرة كل يوم جمعة كنت اشهد المجلس الطليق الطليعي، مجلس الأدباء الشبان الواعد المبشر بكل خير، مجلس نجيب محفوظ في مقهى الأوبرا.
نقلت الدكتورة فاطمة عيسى عن حوار مع غائب عن موضوع تأثره بالكتاب قوله: نعم أنا أتأثر بما اقرأ وأبحث وأتعايش وأستفيد وأوظف ذلك ضمن اجتهاداتي وأسلوبي والقاسم المشترك الذي أثر في جيلي من الأدباء العرب هم: همنغواي، فوكنر، تولستوي، ديستوفسكي، تورجنيف، وغيرهم. تأثرنا بأساليبهم، وحتى في رسم الشخصيات حسب ما أرادت في أعمالهم وشخصياتهم. وتأثرت بنجيب محفوظ بناحيتي السرد والمعالجة القصصية، ولا زلت مستمرا في قراءة نتاجات الكتاب العرب، كيوسف إدريس، وجبرا إبراهيم جبرا، وحنا مينا وغيرهم. فان جيلنا من الروائيين والقصاصين قد دخل معترك التجريب والتجديد في البناء القصصي والروائي في الخمسينات أيضا.
هذه المقدمة ضرورية للتعريف بالروائي الراحل ومعرفة أساليبه وقدراته ومصادرها الإبداعية وتنوعها وتوزعها وتأثيراتها على نصه وأقرانه والعلاقات الأدبية في زمنه الإبداعي والحياتي من الحركة الأدبية العربية، وفي المنفى حيث عاش ومات


ايوب صابر 02-17-2012 06:32 PM

حوار قديم مع الاديب الراحل.....غائب طعمة فرمان



بغداد ـ نهرين نيوز 12/2/2012 منذ نهاية عام 1981 أخذت التقي بكاتبنا العزيز غائب طعمه فرمان باستمرار، وكنت أحاول في هذه اللقاءات "الاصطياد بالماء العكر"كما يقال فاطرح له أسئلة فيها نوع من الاستفزاز رغبة مني في الحصول منه على أجوبة شافيه. وكان من الصعب على أن أحصل على ما في روح هذا الكاتب الصموت لاسيما وأن الأسئلة الموجهة تختلف كثيرا عن أسئلة الصحفيين التي يطرحونها له في المقالات الصحفية الكثيرة جدا. غائب طعمه فرمان يضيق ذرعا من الأحاديث الطويلة، وخاصة الأحاديث التي تتناول أعماله بالذات، ولهذا كنت أعطى لنفسي وقتا قليلا للغاية لتحقيق "مآربي"، واكرس الوقت الأكبر للأحاديث أيضا إن حصلت إجابة على استفسار معين أطرحه على غائب طعمه فرمان "بالاقساط"!!، فكنت أسجل "دفعات"الإجابة وأجمعها لتكون جوابا كاملا يعكس رأي الكاتب فعلا.
قبل فترة قصيرة سجلت بعض هذه الأحاديث مع فرمان، وقررت أن أطلعه على "حصاد" جلساتنا. تركته يقرا الحوار، وعندما رجعت قال لي وهو ينظر إلى بعينين ضاحكين:
- متى كان هذا؟ هل صحيح أنا حدثتك بكل هذه الأمور؟ أنت الظاهر استدرجتني في جلسات السمر.
فقلت له:
- طيب المهم أنا عندى نية نشرها فما هو رأيك؟
- أنا شخصيا لا مانع لدي.
وهكذا قررت نشرها لإطلاع القراء العرب على جوانب من أعمال غائب طعمه فرمان، وسنقوم في مرة أخرى بإعداد مادة أخرى من هذا الطراز.
- أرجو أن تحدثنا عن مطالعتك الأولى
أذكر إني قرأت رواية "في روسيا"أو "في الناس"أو "بين الناس"لمكسيم غوركي. وأنا طبعا لا أذكر بالضبط عناوين هذه الكتب، واعتقد أن مترجمها هو عبد المجيد المويلحي، بل قد يكون اسمه المليجي.كذلك أذكر أني قرأت "أهوال الاستبداد" لالكسى تولستوى، وهي ترجمة لروايته "بطرس الأول".وأنا تأثرت بهذه الكتب، وما زالت انطباعاتي الأولى عنها باقية حتى الآن في ذاكرتي.
- بمناسبة الحديث عن مكسيم غوركي هل لك أن تحدثنا عن تأثيرأعماله عليكم.
اعتقد أن مكسيم غوركي أثر تأثيرا كبيرا عليّ لأسباب ثلاثة:
أولاً أن الكتب التي يقرأها الإنسان في بداية حياته المبكرة تبقى عالقة في الذاكرة، وتصمد الانطباعات المتكونة عنها أمام النسيان. ثانيا:أن مكسيم غوركي طرح عالما جديدا بالنسبة للحياة القديمة التي كنا نألفها. مكسيم غوركي قدم لنا أمثلة نموذجية أخرى من نوع آخر، إضافة إلى عظمته الأسلوبية.أقصد عظمة لغته، وأسلوبه المليء بالتشابية، وتعابيره التي كانت جديدة بالنسبة لنا.كذلك يجب ألا ننسى ذخيرته العميقة، ومعرفته القوية بالحياة، ولهذا يحركك غوركي عندما يتحدث عن شخصية معينة، وتحس بحب كبير لها، وتتعاطف معها، ذلك لأن شخصياته مستمدة من الواقع، يأخذها من المجتمع الذي عرف كل تفصيلاته. غوركي لا يلفق بأعماله وهذا سر نجاحه.
إنه يجمع ماده دقيقة وكبيرة عن المجتمع والناس ويبني على هذه المادة ما يريد أن يقدمه من الشخصيات الاجتماعية في أعماله الأدبية.اعتقد أن التأثير برز من هذا المنطلق.
- لابد أنك أعدت قراءة مكسيم غوركي فما هي الانطباعات الجديدة؟
أعتقد أن مجموعتي الأولى "حصيد الرحى"، تتجسد فيها تأثيرات غوركي، تأثيرات مباشرة من أعمال غوركي..أقصد تأثير غوركي من حيث اختيار الشرائح الاجتماعية والمادة الحياتية.والتأثير واضح من حيث الموضوعات التي تطرقت إليها في قصص هذه المجموعة.حتى أسلوب "حصيد الرحى"في التعبير، والوصف والتشبيهات، فيه الكثير من أسلوب غوركي.. من الممكن ملاحظة تشابيه ومقارنات وعبارات معينه في "حصيد الرحى" تشبه كثيرا مقارنات غوركي. مكسيم غوركي يفرط باستخدام التشابية، ويفرط بالأسلوب، الذي يحاول فيه أن يرتفع إلى مستوى رفيع جدا، مكسيم غوركي متمكن من اللغة الأدبية وأنا الآن أنظر إلى مسألة تأثير مكسيم غوركي بطريقة أخرى، أو بالأحرى من زاوية أخرى.. فأنا الآن – أقصد بعد فترة الشباب المبكرة –أهتم بصنعة غوركي الأدبية الإبداعية، الصنعة بمعناها العربي، أقصد بالصنعة الأستاذية، وفيها نوع من التكلّف والاهتمام والدقة والجديه والحذاقه اللغوية والتشابيه الحياتية التي استنبطها من تجاربه الشخصية الخاصة به، من تجواله في روسيا ومعايشته لأهلها وطبيعتها.
- هناك رأى مفاده أن ثقافة الخمسينات كانت محدودة، وأن تكنيك القصة آنذاك كان ضعيفا. هل يمكن أن تحدثنا عن مدى دقة هذا الرأى باعتبارك واحدا من أبرز كتاب الخمسينات؟
في أوائل الخمسينات، أقصد حتى 1953تقريبا، كانت المعلومات في العراق عن تكنيك القصه بشكل عام والقصة القصيرة بالذات قليلة جدا. وأحب أن أؤكد لك في هذه المناسبة أن سنة واحدة كفترة زمنية كانت تلعب دورا كبيرا في تطور الثقافة والأدب والحياة بشكل عام والقصة بشكل خاص.أقصد أن أعوام ما بعد الـ1953 شهدت تطورات كبيرة في مفاهيمنا الأدبية، وفي الطرق الإبداعية، وأخيرا في تبلور شخصياتنا. فمثلا أن السياب تطور بقفزات كبيرة، فهو يختلف كثيرا عن سياب بداية الخمسينات ومنتصفها. قصيدته "أنشودة المطر" التي كتبها عام 1953، حصل بعد نشرها على شهرة كبيرة، وكانت حالتنا كما لو كنا نتبارى مع بعض. كان يتملكنا شعور الانبهار والدهشة..الانبهار أمام شيء جديد، مثلا "امرأة من روما" اندهشنا بها، لأنها تطرح قضية اجتماعية كبيرة من خلال امرأة مومس.خذ مثلا كتاب "الخبز والنبيذ" للكاتب الإيطالي اينازيو سيلوني، الذي قرأته باللغة الإنكليزية، وهو عمل روائي بطله قس، كنت معجبًا به للغاية، كنت معجبًا بأعمال هذا الكاتب الإيطالي المعادي للفاشيه.
- قرأت في الصفحة الثانية من غلاف مسرحية "موت بائع جوال" للكاتب الأمريكي آرثر ميلر الإعلان التالي:
"فونتمارا: قصة صراع الشعب الإيطالي المرير ضد الفاشية والإرهاب والاستبداد: بقلم اينازى سيلوني – تعريب غائب طعمه فرمان. مقدمه بقلم الدكتور عبد العظيم أنيس". هلا حدثتنا عن "قصة" هذا الإعلان، وعن تأثير هذه الرواية على أعمالك، وبالذات على روايتك الأولى "النخلة والجيران"؟.
فعلا أنا ترجمت رواية "فرنتمارا"إلى العربية، وكان ذلك في عام 1956 في مصر، وأعطيت النسخة المترجمة الأولى والوحيدة لدار "المكتب الدولي للنشر والتوزيع"، الذي نشر الإعلان المذكور، ومن المؤسف حقا أنني فقدت النسخة المترجمة، ولم احتفظ بنسخة أخرى، في الحقيقة لا اذكر كيف فقدتها، وصدرت فيما بعد بترجمة عيسى الناعوري(*)، عن الإيطاليه، بينما أنا ترجمتها عن الإنكليزية. كما سبق وأن ذكرت لك في هذا اللقاء بأني كنت معجبا بأعمال إينازى سيلوني، وتأثرت كثيرا بروايته "فونتمارا"، وقد انعكس هذا التأثير في روايتى الأولى "النخلة والجيران". كتب اينازى سيلوني "فونتمارا" بلغة مليئة بالعبارات الشعبية المحلية. أن أجواء هذه الراية لا تختلف كثيرا عن أجواء رواية "النخلة والجيران"، ما عدا أن الأخيرة كتبت عن أحداث كانت تدور في المدينة وأزقتها، بينما أحداث الأولى مأخوذة من الريف، من قرية إيطالية، أما أنا فقد كتبت عن أحداث دارت في بغداد. واتسمت أعمال اينازى سيلونى بموضوعة العداء للفاشية، وله رواية أخرى غير "فونتمارا"و"الخبز والنبيذ"، لا أذكر عنوانها الآن ولكنها هي ايضاً عن الدكتاتورية.وبالمناسبة أن "فونتمارا"تعتبر من الأعمال الأولى، التي كتبها سيلوني.
أبطال "فونتمارا"بسطاء وأنا أحببتهم وتأثرت بهم، بشكل خاص بشخصية الطالب المزمن، ذلك الإنسان البسيط والطيب ولكنه فاشل، فيه شبه كبير لشخصية حسين بطل "النخلة والجيران" فهوأيضاً طالب مزمن. أنا مازلت حتى الآن أذكر الكثير من تفصيلات مضمون هذه الرواية، وصفات شخصياتها وما عانوه من آلام ومتاعب كثيرة من أجل الحصول على لقمة العيش.أنا لا ارفض تأثير أحد الكتاب على وخاصة إذا كان من أولئك الكتاب الذين أحبهم سواء كانوا من الأجانب، أو من العرب، إلا أني أرفض الآراء التعسفية، التي يطلقها أحيانا بعض النقاد. من ذلك أن أحدهم أخبرني بأن روايتي "ظلال على النافذة"متأثرة "بالصخب والعنف"، فقلت له:أذهلتني برأيك هذا لأنك ذكرت هذا الرأي، عفارم عليك، إلا أنني عندما راجعت نفسي وسألتها:هل من المعقول أن تكون "ظلال على النافذة"الرواية العراقية الصميمة شبيهة بـ"الصخب والعنف"؟.وأخيرا توصلت إلى عدم وجود أوجه شبه بين هاتين الروايتين، لا بالأسلوب ولا بالشخصيات ولا بالأفكار، فـ"ظلال على النافذة" لا تشبه إطلاقا "الصخب والعنف".
أنا قرأت "الصخب والعنف"قبل نقلها إلى العربية، وقرأت كل أعمال فولكنر باللغة الإنكليزية، ولا يعجبني عالمه لأنه ليس قريبا روحيا من شخصيتي، لا أنكر إعجابي بأسلوبه وتكنيكه، ومع ذلك كنت أقرأه على مضض، لمجرد الإطلاع، هذا هو هدفي الوحيد من قرائته.طبعا أنا لا أنفي اللحظات الإنسانية الموجودة في أعمال فولكنر، ولكن أنفي الاستيعاب للجو العام، أنفي معرفته الدقيقة لشخصيات واقعية، حقيقية عاشت في الجنوب. فولكنر ذو أسلوب خاص به، ولهذا يمكن أن نقول: هذا أسلوب فولكنر، وهو واحد من كتاب عديدين قرأت أعمالهم ولم أتأثر بها، لا يعجبني أن أقلد أسلوبهم. قد أكون تأثرت بطريقة فولكنر في بناء الرواية وتكنيكها.
- كيف تنظر إلى الفكرالوجودي؟
في تلك الفترة كان من الصعب الاعتقاد بأن كاتبا عراقيا يكتب عن عوالم الوجودية. كتاب "دروب الحرية" لجان بول سارتر مثلا لم يكن مترجمًا إلى العربية، وأنا قرأته آنذاك بكامل أجزائه الثلاثة باللغة الإنكليزية، وبلا شك أن الكاتب العراقي الموهوب وصديقي فؤاد التكرلي قرأها أيضا، ولكن السؤال الذي فاجأني هو: هل يفكر فؤاد التكرلي بنفس طريقة تفكير سارترو يتأثر به. هذا ما كنت أريد أن أقوله في معرض حديثي عن مجموعة فؤاد التكرلي "الوجه الآخر"، الذي قرأت لي مقطعا منه الآن.
-كثيرا ما نسمع في اللقاءات الشخصية والصحفية معك عن حبك الكبير للكاتب العربي المعروف نجيب محفوظ. أرجو أن تحدثنا عن تأثير محفوظ عليك.
أنا فعلا معجب بنجيب محفوظ شخصًا وصديقًا وكاتبًا، ولاأزال أذكر لقاءاتنا في مقهى الأوبرا في القاهرة، وأنا معجب بأعماله، ولكن ليس بالضرورة أن أكون قد تأثرت به، بل وقلدته كما ذهب بعيدا بعض النقاد العراقيين.كتبت "النخلة والجيران" وكنت أعيش أجوائها العراقية والبغدادية الصميمه، ولم أتذكر عند كتابتي هذه الرواية أي عمل أدبي آخر.حين يأتي ناقد ويطرح رأى مفاده أن "النخلة والجيران" تشبه كثيرا بتفصيلاتها رواية "زقاق المدق" فأنا أرفض هذا الرأى رفضا قاطعا، لأن كل ما في "النخلة والجيران"عراقي أصيل بدون تزوير، لا بسمات الشخصيات، ولا بتصرفاتها، ولا بلغتها.وقد أشار الدكتور علي الراعي في مقالته الأخيرة عن "النخلة والجيران"إلى هذه المسألة، ولم يتطرق حتى إلى موضوع شبهها برواية "زقاق المدق" أو رواية أخرى. الطريف أن أحد المستعربين السوفييت هنا ذكر في إحدى مقالاته بأن نجيب محفوظ كتب "ميرامار"تأثرا منه بروايتي "خمسة أصوات" وهذا غير صحيح إطلاقا لأن "خمسة أصوات" صدرت بنفس العام الذي صدرت فيه "ميرامار" فتصور!!
وهناك رأى آخر مفاده أن روايتي "القربان"متأثرة برواية نجيب محفوظ "أولاد حارتنا"، وهذا الرأى هو أيضا لا يخرج عن دائرة الآراء التعسفية، لأنه يلغي كل التجارب الشخصية للكتاب، ويلغي حضور الشخصيات العراقية البحته والتقاليد. هذا ظلم صارخ، إذ لمجرد لمس أوجه شبه بين هذه الرواية أو تلك ترى النقاد يصرخون:إنها متأثرة برواية فلان بن فلان.كنت أرغب في "القربان"تصوير مرحله معينة من مراحل العراق، أما "أولاد حارتنا"فإن نجيب محفوظ يصور أجيال الأنبياء.الرمز موجود في أي أدب بكثرة.من غير المعقول أن يتخلى الناقد عن كل تفصيلات الحياة العراقية في "القربان"ويقول إنها متأثرة بـ"أولاد حارتنا".أنا شخصيا لا أجد أوجه شبه بينهما، واعتقد أن هذا تجني.في "القربان"يتجسد الشعب العراقي بشخصية مظلومة البطلة الرئيسية للرواية، وأن كل الناس يتحدثون عن هموم الشعب العراقي، ولكنه يبقى مظلوما في كل الفترات، حتى جاء شخص أبله، غبي وقال:إنني أستطيع أن أحل المشكلة المستعصية بتغيير الاسم، فبدلا من مظلومة نسميها مسعودة.
- أنا اعتقد أن الشكل الاليجوري الاستعاري المجازى الذي اتخذته في كتابة "القربان" هو نفس الشكل الذي اعتمد عليه نجيب محفوظ في "ميرامار"، مع ضرورة الأخذ بنظر الاعتبار أن الأولى طرحت الواقع العراقي لا من خلال السياسة فقط، بل من خلال الواقع الاجتماعي المعاش، بينما طرحت الثانية واجهات سياسية تعبر عنها شخصيات الرواية."القربان تطرح الحياة العراقية وهي في الشوارع والمقاهي"، بينما "ميرامار"تعيش حياة الفندق ولهذا فهي تخلو من أهم سمات النوع الروائي ألا وهو كشف الواقع. هل تحدثنا عن سبب اختيارك لهذا الشكل؟
في الحقيقة أنا لا أتذكر "ميرامار"الآن ولا عند كتابتي "القربان"، أما عن سبب اختياري لهذا الشكل الذي اسميته بالاليجوريا، أو الرمز المجازي فهو يكمن بتجنب مشاكل الرقابه.
- هل لك أن تحدثنا عن محمود أحمد السيد وأنور شاؤول وذو النون أيوب؟
اعتقد أني قرأت ذو النون أيوب أكثر من غيره، وهو كان يدرسنا مادة الجبر في المدرسة المتوسطة التي كنت أدرس فيها.ثم تعرفت عليه وعرفني هو ككاتب، وأخذنا نتبادل الآراء عن مختلف المسائل. أما محمود أحمد السيد وأنور شاؤول فلم أقرأ لهما شيئا يذكر لعدم توفر كتب الأول في العراق، أما الثاني فلا أذكر أني احتفظت بكتاب له. لا أذكر له أي عمل. في تلك الفترة تأثرت فقط بأعمال ذو النون أيوب، ثم تخليت عنه قبل إصدار "حصيد الرحى".
- هل لك أن تحدثنا عن البداية؟ هل بدأت بمقال صحفي أم بقصة أو قصيدة شعرية؟
أذكر أني كتبت أول مقالة لي في عام 1942باسم مستعار في باب بعنوان "منبر الشعب" في جريدة "الشعب". مازلت أذكر ذلك اليوم، وكان من أسعد الأيام بالنسبة لي، لا لأنه أحد ايام العيد، بل لأن مقالتي نشرت يومها وفرحت بها فرحا كبيرا، وهي في الحقيقة خاطرة أكثر مما هو مقاله.وأذكر لحد الآن أنني ذهبت إلى زميل لي من محلتنا، وكنت فخورا وسعيدا وأردت أن احتفل بهذه المناسبة رغم أن ملابسي كانت عتيقة.
- كيف انتقلت من المقال إلى القصة؟
أعتقد أن لغة هذه المقالة التي حدثتك عنها كانت قصصية، كنت أفكر بصورة قصصية، أو بلمحة قصصية. ويبدو أن أول قصة كتبتها تعود إلى عام 1946 أو عام 1945، ونشرتها في إحدى المجلات العربية الصادرة آنذاك في القدس، أي قبل ذهابي إلى مصر عام 1947.ولا أعرف فيما إذا سبق وأن نشر قاص عراقي غيري في هذه المجلة أو لا.أما الشعر فلي أيضًا قصه معه، لكنها قصه ليست طويلة.

ايوب صابر 02-17-2012 06:47 PM

غائب طعمة فرمان.. المنفى والغربة علّماه أن يحبّ وطنه أكثر؟!..
بصمت لا يليق برجل مثل الأديب والمترجم العراقي غائب طعمة فرمان (1927-1990) مرّت الذكرى العشرون لوفاة مؤسس الرواية العراقية، تماماً كما كان نجيب محفوظ مؤسسها في مصر، وحنا مينة رائدها في سورية..
© "أنباء موسكو"19:25 | 2010 / 09 / 24
"أنباء موسكو" - كريم راشد
وهذا الصمت ربما يكون نتيجةً منطقيةً للإهمال الذي ناله أديبنا الراحل في حياته، وفي مماته، رغم إنجازاته الكبيرة في الرواية والترجمة الأدبية..
ينتمي الراحل إلى جيل من الأدباء العراقيين الذين تفتحت مداركهم على الحياة والأدب إبّان، وبعد، الحرب العالمية الثانية، كبدر شاكر السياب، عبد الوهاب البياتي، فؤاد التكرلي، نازك الملائكة وغيرهم ممن غيروا في بنية الرواية والشعر العربيين بعدما تشربوا بمناهل التراثين العربي والغربي ليقدموا أدباً رفيع المستوى، وقابلاً للصمود أمام مصفاة الزمن التي لا تعترف إلا بما هو نفيس حقاً.. وهذه الفترة التي نتحدث عنها هي زمان العراق الجميل، زمن خمسينيات القرن الماضي، حين كان شعار المثقفين العرب، والناشرين أيضاً، "بيروت والقاهرة تطبعان والعراقيون يقرؤون". وعن هذه الفترة كتب أديبنا قائلاً: "أنا من الجيل الذي فتح عينيه والحرب العالمية قائمة بكل ما تحمله من مدلولات، النضال ضد الفاشية والتطلع إلى جلاء الجيوش من بلاده، والاستفادة من الانفتاح العام وفتح نوافذ ثقافية على كل الاتجاهات للنهل منها".
هجران الشعر
رغم أن بداية حياته الأدبية كانت من خلال كتابة الشعر -وقد نشر فعلاً قصائد متميزة في الدوريات العربية والعراقية- إلا أن لا أحد يعرف بالضبط لماذا اتجه فجأة إلى كتابة القصة القصيرة، وتالياً الرواية التي برع فيها كثيراً.. وبظني أن السبب الرئيس لحدوث هذا الأمر يكمن في ذهابه إلى القاهرة لدراسة الأدب الإنكليزي هناك، ومعلوم أن قاهرة أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي أنجبت كتاب رواية ومسرح وقصة قصيرة كثراً لكنها لم تنجب إلا عدداً قليلاً من الشعراء.. ويذهب بعض دارسي أدبه إلى أن اتجاهه إلى القصة والرواية يعود إلى تتلمذه على يد الأديب نجيب محفوظ فترة طويلة عندما كان يدرس في القاهرة خلال سنوات شبابه.. ولعل في مزاولته لمهنة الصحافة في مصر، وتالياً في العراق، يكمن سبب آخر، ذلك أن الصحافة هي عدوة الشعر الذي يتخذ من الخيال والمشاعر أجنحةً له بينما نقيضه الصحافة تعنى بالحقيقة وبالأرقام والتحليلات المنطقية.. وعن سبب دخوله عالم الصحافة صرح أديبنا ذات مرة: "لا بأس في العمل الصحفي في مطلع حياة الأديب كما يقول أرنست همنغواي"، ولكنه يعترف أيضاً أن العمل الصحفي مقتصر على الكتابة ونقطة التقاء بالحياة المعاشة. ورغم ذلك كان يراه محفزاً له شرط إلا ينهمك الأديب ويستنفذ كل طاقاته.
حمل وطنه في منفاه
إذا أضفنا سنوات دراسة أديبنا في مصر (أربع سنوات) إلى 33 سنة قضاها في منفاه الروسي فإننا نرى أنه أمضى أكثر من نصف عمره في المنفى، وأن حياته كانت سفراً بلا نهاية في مدن غريبة عن بغداد التي عشقها وظل محروماً من العودة إليها.. يقول فرمان في وصف غربته: "الغربة بالنسبة لي كانت حباً وشوقاً إلى وطني، وكانت امتحاناً قاسياً للوطنية عندي". وفي مقابلة أخرى يعترف أديبنا (أنا في الغربة يعجبني أن أكتب عن بغداد، وأجواء بغداد، ربما يكون ذلك سلاحاً ضد الذوبان والضياع، نوعاً من الدفاع عن النفس والمغامرة والاتصال الروحي بالوطن.. الوطن الذي كلما أُوغل في البعد عنه أزداد تعلقاً به". وعن هذا كتب صديقه الأديب الراحل سعيد حورانية الذي شاركه منفاه الروسي: "لم يحمل مغترب وطنه كهمٍّ يومي، وحنين دائم، كما حمل غائب وطنه العراق، وإنه لمن المدهش أن يكتب غائب جميع رواياته بدءاً من (النخلة والجيران) وانتهاءً بروايته (المركب) باستثناء (المرتجى والمؤجل) عن مدينته بغداد، كأنه لا يزال يعيش بشوارعها وأزقتها ومحلاتها القديمة، ويتنفس هواءها، وهو في منفاه الروسي البعيد منذ عقود".
ويلاحظ قارئ رواياته أن مناخات الغربة والحنين إلى العراق والعودة إلى الجذور تخيم على رواياته الثماني التي نشرها في حياته.. وعن هذا كتب الأديب الراحل عبد الرحمن منيف الذي عانى كغائب طعمة فرمان من الغربة والحرمان من جواز السفر والجنسية لسنوات طويلة: "هذا البغدادي الذي يحمل بغداده معه أينما ذهب ولا يتعب من النظر إليها كما ينظر الطفل إلى لعبته هو بحاجة إلى رائحة بغداد وشمسها، وكلما أوغل في البعد عن وطنه استحضره في أدبه بقوة لا تضاهى، وهو لا يستطيع منها فراراً، فقد صارت جزءاً من ضميره، وذاكرته ولا مهرب منها ولا منجى وعزاؤه هو أن من لا ذكريات له لا ذاكرة له".
ومن شدة حضور بغداد في رواياته يعتقد بعض النقاد عدم وجود كاتب عراقي كتب عن هذه المدينة كما فعل صاحب "آلام السيد معروف" و"النخلة والجيران"، ويرون أنه كتب من الداخل في جميع الفصول وفي كل الأوقات، كما أنه يكتب تاريخاً لحياة ناسها الذين صاروا ذكريات بالنسبة له، لا يستطيع رؤيتهم إلا من خلال سيرته معهم، سيرة عكست مراحل مضطربة من تاريخ العراق المعاصر، إلى درجة أننا إذا أردنا أن نعود للتعرف على عراق أواخر الأربعينيات والخمسينيات لا بدَّ أن نعود إلى ما كتبه أديبنا..
وعدا عن انشغالاته في كتابة الرواية والقصص القصيرة فقد قام الراحل بترجمة ما يزيد عن مئة كتاب عن اللغة الروسية، ومنها عيون الأدب الروسي، ليصبح واحداً من أساطين العرب الذين ترجموا الأدب الروسي إلى العربية، وصاحب فضل كبير في تعريف القارئ العربي بتجارب أدبية لم تتوفر له بالعربية من قبل..

ايوب صابر 02-17-2012 06:48 PM

آلام السيد معروف

للغروب فتنة لدى السيد معروف لا تعادلها فتنة في الدنيا كلها".
هكذا تبدأ رواية "آلام السيد معروف"... بداية بسيطة، ولكن مع تتابع صفحات الرواية وتطوراتها تبدو تلك البداية سطوراً غامضة أو ساذجة، وربما موجعة، وينبغي لنا أن نتابع هذا السيد معروف، غير المعروف إلا عند نفسه، وعند قلة من معارفه غير الموجودين في الرواية، وعلى رأسهم مبدعه غائب طعمة فرمان العارف بال...more</SPAN>للغروب فتنة لدى السيد معروف لا تعادلها فتنة في الدنيا كلها".
هكذا تبدأ رواية "آلام السيد معروف"... بداية بسيطة، ولكن مع تتابع صفحات الرواية وتطوراتها تبدو تلك البداية سطوراً غامضة أو ساذجة، وربما موجعة، وينبغي لنا أن نتابع هذا السيد معروف، غير المعروف إلا عند نفسه، وعند قلة من معارفه غير الموجودين في الرواية، وعلى رأسهم مبدعه غائب طعمة فرمان العارف بالسيد معروف، أكثر من السيد معروف ذاته؟
...
ويتابع (فرمان) غروب السيد معروف، كما يتابعه معروف قائلاً: "... أما هذا الغروب الساجي فيظل يطوي الآماد، ويعانق الآفاق، ويظل يلازمها الى ما لا نهاية، هارباً من ظلامية الليل التي كان السيد معروف يكرهها كرهاً شديداً، فيود لو يلاحقه الى الأبد. معانقاً مثله الآفاق، دون أن يشهد الليل الكئيب" حتى يبلغ به الأمر أن (يردد، أحياناً، مستغفراً الله عن تحريفه لكلامه المنزَّل: "ولكم في الغروب حياة يا أولي الألباب").
عالَم باطني خاص
إن الرواية تقول لنا، من بدايتها، بأن السيد معروف أيقن بأن لا شروق في حياته، ولا راحة، ولا سعادة، فلجأ الى الغروب إكسيراً يتابع به الحياة مع أمه المقعدة بسبب ضعف بصرها، وأختيه: الكبرى العانس، والصغرى التي عنّسوها بسبب عنوس الكبرى، وهو العانس الثالث بسبب وجع معدته الدائم، والتجائه للغروب ولا شيء سوى الغروب.
إن للسيد معرف عالمه الباطني الخاص الذي يشيع في روحه الارتياح مثلما يؤجج الآلام والأوجاع. وحين يفلت من باطنه شيء الى لسانه فإنه يسبب له المتاعب. ذلك أنه ـ وبسبب موهبته في تدبيج الرسائل والكتب الرسمية ـ صار قوالاً أكثر منه فعالاً، وانه ليمارس ذلك بينه وبين نفسه. فهو مع روحه دائم الخوض في الصياغات، وأبيات الشعر والأمثال المشهورة، وما يحيط بها، أو يلامسها من تحريفات، وما يدخله هو عليها من إضافات أو استنتاجات.، وهو دائم الخوض في ذلك، في لاوعيه، وفي وعيه، وفي كلامه الظاهر أحياناً (وسيورده ذلك المهالك بعد حين) ولا فعل له سوى تدبيج الرسائل والكتب الرسمية، ومعالجة أحلامه حول الغروب وانتقاله على كل البلدان دون توقف، ولا تعفن... إنه يناجي نفسه في ذلك فيقول:
"
شيء في الغروب شجي وبهيج وفاتن وعنود فيه سحر الديمومة، وفتنة الأزل ومطال الأجل، لا مثل الشروق الخاطف سرعان ما يسلم زمامه الى شمس لاهبة، وهواء وغر...".


"
للكاتب مهدي محمد علي

ايوب صابر 02-17-2012 06:53 PM

مقالات: وائل المرعب: غائب طعمه فرمان.. خمسة أصوات ..خمسة نداءات أستغاثة

http://www.iraqiwritersunion.com/use...aa--khamsa.jpgحين ألتقيته أوّل مرّة نهاية ستينات القرن الماضي , وكنتُ قد قرأتُ روايتيه (النخلة والجيران) و (خمسة أصوات) , لم أتمالك نفسي فبكيت في سري .. أذن هذا الكائن الأسمر النحيل الذي يختبيء خلف نظـّارته لفرط حياءه ويتحسّس كرسيه قبل الجلوس هو (غائب طعمه فرمان) , الذي أعتصر قلبي وأسرني بسحر كلماته ونقاء سريرته وترفـّعه عن صغائر الأحقاد وصدقه وتصالحه مع نفسه وما فاضت به روايتيه من المشاعر الأنسانية النبيلة التي كان عليها الكاتب وأبطاله ؟!

حينها كان قد عاد من مغتربه حاله حال الكثيرين من أصحاب المباديء الذين أختاروا المهجر هروباً من قساوة الوطن وعسفه , والذين خدعوا بالأجراءات التي أتخذتها حكومة أنقلاب تموز 1968 بأطلاق سراح السجناء السياسيين وأعادة كافة المفصولين منهم الى وظائفهم , كما أنطلت عليهم وعودها التي تؤكد رغبتها في أقامة جبهة وطنية تضم كل القوى التقدمية والديمقراطية , لكنّه بذكائه الفطري وقدرته على رؤية الأشياء بوضوح أكثر من سواه , تأكـّد من خواء وأكاذيب هذه الوعود , فلم يمكث طويلاً وعاد الى منفاه البارد مسرعاً مخلـّفاً حسرة في قلوب محبيه وأصدقائه وقبل أن يناله آذى لا يحتمله فيخسر نفسه وهذا ما كان يخيفه .
(غائب طعمه فرمان) ينتمي الى الجيل الذهبي الذي يمتد من (1920 ــ 1930) الذي شهد ولادة أهم مبدعي العراق على صعيد الشعر والقصة والتشكيل والموسيقى والمسرح , الذين رسموا الملامح الأولى للثقافة العراقية المعاصرة وأسّسوا منهجاً حداثوياً رائداً تجاوز المألوف والنقل الحكائي والمباشر في شتى المجالات المعرفية, فالسياب والملائكة والبياتي والحيدري ومردان ولميعة عمارة والبريكان وعبد الرزاق عبد الواحدوعبد الملك نوري وفؤاد التكرلي ونهاد التكرلي ومهدي عيسى الصقر وعبد المجيد الونداوي وعبد الجبار وهبي وجواد سليم والشيخلي والجادر والرحال وفريد الله ويردي ومنير بشير وجميل بشير وسلمان شكر وسالم حسين ويوسف العاني وخليل شوقي وزينب وبدري حسون فريد وأسعد عبد الرزاق والعشرات غيرهم ينتمون الى نفس الجيل , وهي مفارقة غريبة تستحق التوقف والتأمل والدراسة .
(غائب طعمه فرمان) ولد في أحد أزقـّة بغداد القديمة والمثقلة دفـّتيه بالبيوتات الصغيرة المتلاصقة التي تعلوها (الشناشيل) الملوّنة , والتي توفّر ظلاًّ تتمتع ببرودته النسوة الجميلات اللاتي يتلصّصن من خلف الأبواب الخشبية لعلّهنّ يأسرن أبن الجيران أو أحد المارة فيفزن به ..ظلاً يحتضن شقاوة الأطفال وعبثهم ويتيح لهم كتابة أحلامهم على الجدران التي تآكل بعضها بفعل الهم الأنساني الذي تنفثه صدور العابرين تنفيساً لعذاباتهم .. أذن هو ينتمي الى هذه المحليّة الحميمية وهذا الدفء المجتمعي الذي أفاده كثيراً حين كتب روايته ذائعة الصيت (النخلة والجيران) التي تمثـّل مرحلة طفولته وبداية وعيه وأنتباهاته البكر الأولى , والتي اعتبرت المرآة التي عكست الصورة الحقيقية لقاع المجتمع البغدادي في الأربعينات , وأضاءت النور حتى في الزوايا المعتمة والدهاليز التي يجري فيها الكثير من العلاقات الانسانية التي تخشى العلن..انها بحق دراسة سوسيولوجية لبست رداء الرواية وكشفت طبيعة الأرهاصات الأنسانية في تلك الحقبة التي كانت تمور بالسخط السياسي والمجتمعي .
كان الوعي السياسي ل (غائب طعمة فرمان) في البدأ ديمقراطياً , يهمّه حرية الأنسان ضمن الخيمة الدستورية التي توفـّرها مؤسسّة البرلمان والتي تعطيه الحق في تحديد اختياراته الوطنية , فأنتمى الى صحيفة (الأهالي) صوت الديمقراطيين في العراق كمحرّر في شؤون الناس و وقد تعرّف من خلال عمله بالصحفي المرموق مدير تحرير الصحيفة (عبد المجيد الونداوي) الذي عرّفه بدوره بالقاص الرائد (عبد الملك نوري) والشاعر المتمرّد (حسين مردان) والشاب المصرفي (محمد حسين الهنداوي) , الذين كوّنوا معه الأصوات الخمسة التي نجح غائب في فك صلتها بالواقع المادي ليدلف بها الى باحة الخيال ومضماره الرحب ويخرج بها بروايته الشهيرة (خمسة أصوات) بعد مرور (12) عام على زمن احداثها التي دارت قبل وبعد الفيضان الذي هدّد بغداد عام 1954 .. لقد كانت (خمسة أصوات) هي بمثابة خمسة نداءات أستغاثة أطلقها هؤلاء المبتلون بهمومهم الأنسانية والأبداعية وبشغفهم بالحياة التي تخبو حماسته بسبب العوز المادي أحياناً أو بسبب المثال السياسي الذي لم يحقق ما كانوا يحلمون به أو بسبب حاجات الجسد المأزومة .
أصدر (غائب) روايته (المخاض) بداية السبعينات وهي الجزء الأخير من ثلاثيته التي أجمع النقـّاد على أعتبارها البداية الحقيقية لنشؤ الرواية العراقية المستوفية كامل الشروط الفنية , التي تؤهّلها أن تقارن بثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة بالرغم من عمق وقدِم التجربة المصرية في أنتاج المشاريع الروائية الضخمة والخبرات المتراكمة للكتاب المصريين في هذا المجال . تدور أحداث الرواية بعد عودة الكاتب الى العراق بعد أكثر من عام على ثورة 14 تموز 1958 عندما كان الصراع السياسي على أشدّه بين قوى اليسار وتحالف قوى اليمين القومي والرجعي, وكان (غائب) قد حسم أمر أنتمائه فكريّاً الى اليسار الذي طغت مغرياته الأنسانية وتحليلاته الطبقية وشمولية نظريته العلمية والجمالية وتفسيراته المادية للتأريخ ومنطقه الجدلي على عموم الحركات الثورية في العالم أبّان تلك الحقبة , وبالمقابل شهدت تلك الفترة بروز شخصية (عبد الناصر) الذي أستقطب الكثير من القوى والحركات القومية والعروبية الحالمة بنشؤ دولة الوحدة من المحيط الى الخليج .
كشفت رواية (المخاض) تأثيرات التناحر والتصادم السياسي المصحوب بشحنات الكراهية على طبيعة العلاقات الأجتماعية وصولاً الى العلاقات بين أفراد العائلة الواحدة , وبروز نوايا ومشاعر الأنتقام من الضد الفكري لم تكن مألوفة أبان الحكم الملكي , كما أنشغلت بعض فصول الرواية بهموم الكاتب الشخصية وخيباته العاطفية خاصة عندما أشتغل محرّراً في وكالة أنباء الصين , ممّا اكسب الرواية بعداً بكائياً مصحوباً بالمرارة يحمل في أفقه البعيد نبؤة ما آل اليه العراق من كوارث أصطبغت بلون النجيع وما تركه المعادل العنفي من جروح في النفس العراقية التي حلم (غائب) وناضل طيلة حياته في أشاعة الأمل فيها .
أخيراً ..لقد أستمكن الكاتب القدير (غائب طعمه فرمان) من الأمساك حتى باللحظات الهاربة من ذاكرته طيلة عمر السرد الذي أستغرقته أزمان ثلاثيته , اضافة الى نجاحه في تطعيم حوارات أبطاله ببعض المفردات العامّية البغدادية ممّا اكسب هذا السفر الروائي العراقي المهم النكهة المحليّة المحببة , حتى أثار فضول القاريء العربي لمعرفة اسرار ومقاصد هذه المفردات التي تقرّبه من طبيعة الشخصية العراقية المتوتـّرة والمنفعلة حتى في أوقات الضحك والمرح الكذوب .

ايوب صابر 02-17-2012 07:07 PM

غائب طعمة فرمان .. بين المرتجى والمؤجل

حملت الاقدار الروائي العراقي الكبير غائب طعمة فرمان الى موسكو عقب فترة اغتراب طويلة تنقل فيها ما بين القاهرة وبيروت ودمشق وبكين لدى اضطراره للنزوح من العراق ونشره كتابه " الحكم الاسود في العراق" في عام 1956 . وعاد اليها في عام 1958 لكنه غادر البلاد مرة اخرى في مطلع الستينيات حيث استقر به المقام في موسكو حين بدأ العمل مترجما في دار النشر السوفيتية"التقدم" ومن ثم في دار " رادوغا".
ويعتبر الابداع الادبي لغائب طعمة فرمان ظاهرة فريدة من نوعها حيث ان الكاتب كتب رواياته الرائعة بعيدا عن الوطن وفي موسكو بالذات، وبالرغم من اجواء الغربة فقد نجح في تصوير المجتمع العراقي بصورة دقيقة وعميقة ربما لم يفلح بتصويرها مثله من عاش في داخل العراق. علما ان الكاتب بدأ مسيرته الابداعية بكتابة القصص القصيرة في الفترة بين عامي 1949 و1960 ، واعترف في حينه بتأثره بأعمال الكاتبين الروسيين مكسيم غوركي وانطون تشيخوف، ونشر مجموعتي قصص هما "حصاد الرحى " و" مولود آخر". وكتب فرمان عن مجموعة القصص الاخيرة: "انني كتبتها بعيدا عن العراق في اعوام 55 و56 و57 .. وفرغت من كتابة احداها على مصطبة في احد شوارع دمشق ..... في يوم من يناير القارس البرد، وانا شبه متشرد. وعملت في قصة " دجاجة وادميون اربعة" وانا عائد الى رومانيا بعد ان توسط خليل كنة(وزير عراقي في ايام حكم نوري السعيد) لمنعي من دخول سورية ثم اكملت القصة في قصر الطلائع في بخارست".
وقد اعتمد الكاتب نهج تصوير واقع المجتمع العراقي على حقيقته وكتب بهذا الصدد يقول:" اذكر انني سألت ذات مرة احد القصاصين المصريين الكبار : لماذا لم تعد تكتب يافلان؟ فأدجابني مندهشا : الله .. كيف اكتب عن الفاقة والجهل والحياة البائسة ، كما كنت في الماضي بينما أرى حكومتي الآن تكافح ضده. ذلك سيكون طعنة في صدر حكومتي".ويومها (في عام 1956) جادلته قائلا : "لو اخذ بنظريتك ادباء العالم ، لمحي نصف الادب العالمي". وكتب د.عبدالعظيم انيس عن قصص غائب طعمة فرمان يقول " ان قراءتي لقصص غائب طعمة فرمان مع حوراها العامي قد زادتني فهما للمجمتع العراقي ومستقبله".
ولم تكن حياة غائب نبضا فحسب له ايقاعاته عن " حياته في العراق" التي بقيت تلازمه حتى النفس الاخير.ولم يكن هذا الكاتب روائيا كبيرا فقط بل كان ايضا انسانا كبيرا . وعرف ذلك كل من خالطه من ابناء جلدته في اللقاءات مع " الخرفان " – حسب تعبيره تحببا لهم ، فقد كان يعتز بكل عراقي يلتقي به في مقهى فندق " موسكفا" بوسط العاصمة العراقية. وكان يصغي بأهتمام الى احاديثهم عن همومهم ومشاكلهم واخبار الوطن. فأن حنينه الى هذا الوطن وحياته هناك كان يزداد كلما امتدت به الغربة. كما كان يتعاطف مع كل من يعاني من المشاكل في هذه الغربة.
ولد غائب طعمة فرمان في بغداد في عام 1927 في اسرة متواضعة في حي المربعة الفقير. وقد اصيب بمرض التدرن الرئوي في سن مبكرة، وسافر فيما بعد الى القاهرة للعلاج . وهناك تأثر كثيرا بالحركة الادبية في مصر وحضر مجالس الزيات وسلامة موسى ونجيب محفوظ في مقهى الاوبرا. ونشر اولى قصصه في العراق(مصرية في العراق) في مجلة " الجزيرة" ، ثم نشر ثلاث قصص في مجلة "الرسالة" المصرية لأحمد الزيات منها (قلب محروم) و( بيت الذكريات). وتخرج غائب من كلية الاداب ببغداد في عام 1954. وعمل في قسم " شكاوي الناس" في جريدة " الاهالي" لسان حال الحزب الوطني الديمقراطي حتى اغلاقها في عام 1954.وقد ساعده ذلك على معرفة احوال بسطاء الناس ومشاكلهم والتي استخدمها في قصصه ورواياته لاحقا. وغادر العراق في العام نفسه الى لبنان حيث عمل مدرسا للغة العربية. وفي فترة وجوده في الصين حيث عمل مترجما في دار للنشر هناك ترجم مجموعة من اعمال الشاعر الصيني لو شين. وبعد قيام ثورة 14 تموز/يوليو 1958 في العراق شارك في نشاط اتحاد الادباء العراقيين وفي اصدار الصفحة الادبية لجريدة " اتحاد الشعب". وفي مطلع الستينيات بدأت حياة غائب في موسكو حيث خصصت له شقة من غرفة واحدة بالقرب من محطة مترو" الجامعة". وكان يقضي صباح كل يوم في ترجمة شتى النصوص من اجل دار النشر " التقدم" واغلبها لم يكن من الاعمال الادبية.
وذكر لأحد اصدقائه مرة وهو يقلب الاوراق على طاولته : انا لا افهم شيئا في تربية الاغنام فكيف اترجم مثل هذا الكلام؟ علما ان لغته الروسية كانت ضعيفة واعتمد كثيرا على المعاجم او المقارنة مع النصوص الانكليزية. وكان يفعل ذلك حتى لدى ترجمة اعمال الادباء الروس مثل بوشكين وتولستوي ودوستويفسكي. وكان يلتقي مع الشخصيات الثقافية الموجودة بموسكو او تزور روسيا ومنها الرسام محمود صبري وعبدالوهاب البياتي وفريدالله ويردي ومحمود درويش وعبدالرحمن الخميسي وسعيد حورانية. كما لم يكن غائب يفوت اية مناسبة يقيمها العراقيون او العرب سواء امسية ثقافية او مجرد لقاء في المناسبات الوطنية.وشارك بنشاط في جمعية الكتاب والفنانين العراقيين في الاتحاد السوفيتي التي تولى رئاستها. وفي تلك الاعوام من الستينيات تعرف غائب على رفيقة حياته في المستقبل اينغا فرمان التي كانت طالبة دراسات عليا متخصصة بالادب الالماني. وتم التعارف في احدى قاعات مكتبة لينين كما روى غائب لأصدقائه. ورزقا فيما بعد بولد هو سمير غائب فرمان . وكان غائب غالبا ما يزور المكتبات بموسكو لمطالعة كتب التراث العربي مثل " الاغاني" و"مقامات الحريري" وغيرها بالاضافة الى الكتب التاريخية والاجتماعية.
وتعتبر مرحلة السبعينيات من اهم مراحل حياة غائب طعمة فرمان بموسكو حيث بدأ فجأة وبدون سابق انذار بكتابة روايته " النخلة والجيران".وحدث ذلك بعد ان اجريت له عملية استصال الرئة المصابة بالتدرن. وخرج من المستشفى بروح جديدة اذ كان غالبا ما يتذكر والدته واخيه علي واشتد حنينه الى الوطن الذي لم يستطع الرجوع عليه بسبب الظروف السياسية. ولدى كتابة الرواية كان يلح ايامذاك في توجيه الاسئلة على العراقيين المحيطين به حول القضايا المتعلقة بالحياة في بغداد وازقتها ومحلاتها. وكان لصدورها صدى كبير في الاوساط الادبية العراقية والعربية.
لأنها اعلنت عن مولد روائي عراقي من المستوى الرفيع. وتعتبر هذه الرواية بحق اول رواية عراقية صميمية ذات بنية ادبية متينة ورسم دقيق للشخصيات وسلوكياتها.واعقبت هذه الرواية الاعمال الروائية الاخرى . علما ان احداث جميع الروايات تجري في العراق وليس في روسيا، وعندما سئل مرة لماذا لا يمكتب رواية او مسرحية عن الحياة في الغربة اجاب بأن السلبيات في مجتمع المغتربين كثيرة ولا يريد استثارة احد. علما ان جميع شخصيات روايات غائب تقريبا مستوحاة من شخصيات واحداث حقيقية عاشها او عرفها الكاتب.
وقد انتقل غائب طعمة فرمان الى جوار ربه في 17 أغسطس/آب عام 1990 ودفن في مقبرة " تريوكوروفا" بضواحي موسكو .
أعمال غائب طعمة فرمان القصصية والروائية :
- حصاد الرحى / مجموعة قصص / 1954
- مولود آخر / مجموعة قصص / 1955
- النخلة والجيران / رواية / 1966
- خمسة أصوات / رواية / 1967
- المخاض / رواية / 1973
- القربان / رواية / 1975
- ظلال على النافذة / رواية / 1979
- آلام السيد معروف / رواية / 1980
- المرتجى والمؤجل / رواية / 1986
- المركب / رواية / 1989

ايوب صابر 02-19-2012 01:03 PM

اهم احداث حياته المؤثره:
- المعروفأن غائب ولد ببغداد عام 1927 في أحد أحيائها الشعبية الفقيرة، من أسرة معدومة كانتتعاني الحرمان وشظف العيش.
- أكمل دراسته الابتدائية والثانوية ببغداد.
- نشأ في أسرهفقيرة أصيب في وقت مبكر من حياته بالسل الرئوي , وأرسل بطريقة من الطرق إلى مصرللاستشفاء ولمواصلة الدراسة.
- توفي في موسكو في العام 1990.
- تعتبر مرحلة السبعينيات من اهم مراحل حياة غائب طعمة فرمان بموسكو حيثبدأ فجأة وبدون سابق انذار بكتابة روايته " النخلة والجيران". حدث ذلك بعد ان اجريتله عملية استصال الرئة المصابة بالتدرن.
- وخرج من المستشفى بروح جديدة اذ كان غالباما يتذكر والدته واخيه علي.
- اشتد حنينه الى الوطن الذي لم يستطع الرجوع عليه بسببالظروف السياسية.
- اعتمد الكاتب نهج تصوير واقع المجتمع العراقي على حقيقته وكتببهذا الصدد يقول:" اذكر انني سألت ذات مرة احد القصاصين المصريين الكبار : لماذا لمتعد تكتب يافلان؟ فأدجابني مندهشا : الله .. كيف اكتب عن الفاقة والجهل والحياةالبائسة ، كما كنت في الماضي بينما أرى حكومتي الآن تكافح ضده. ذلك سيكون طعنة فيصدر حكومتي".ويومها (في عام 1956) جادلته قائلا : "لو اخذ بنظريتك ادباء العالم ،لمحي نصف الادب العالمي". وكتب د.عبدالعظيم انيس عن قصص غائب طعمة فرمان يقول " انقراءتي لقصص غائب طعمة فرمان مع حوراها العامي قد زادتني فهما للمجمتع العراقيومستقبله".
- روايته هذه تتناول طرفاً من الحياة في حي شعبي من أحياء بغدادهو الحي ذاته الذي ولد فيه الكاتب وترعرع وعاش حياته الاولى، رابطاً الأحداث فيهابالوضع الاجتماعي والسياسي القائم آنذاك.
- كان حتى أيامهُ الأخيرة ينظر إلىالعالم بعيني طفل بريء , كان لا يطيق الرياء ولا يحبه , لا لنفسه و لا للآخرين , ميالاً للصمت
- لكنهُ اكتسب النفي السياسي منذ الخمسينات بسبب دافعهٌ السياسياليساري للتغيير , فقد ساهم في إعداد كتاب ( من أعماق السجون في العراق) وهو كتابيتحدث عما كان يجري في السجون العراقية آنذاك, كما أن نشاطهُ قبل ثورة تموز 1958فقد أصدر كتاباً بعنوان ( الحكم الأسود في العراق) وهو كتاب مكرس لوضع الحكم الملكيفي
- انضم غائب لحركةالدفاع عن الشعب العراقي وهو في الصفوف الأمامية للحركة مطالبه بالحريةوالديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان
- لقد كانت ميزة كتابات غائب طعمه فرمانلأحداث التأريخ اليومية الحياتية للناس البسطاء وعلاقاتهم وأفعالهم ودوافعهم وهذهما تؤكده روايتهُ ( القربان) حين يموت فجأه ملاًك ميسور الحال نسبياً ( صاحب قهوه) ويترك وراءهُ قاصراً هي فتاة صغيرة ؟
- كانت حياة غائب تمور بالعطاء ومسكونة بذات النبع الصافيالذي التصق وارتوى منه على الدوام ولكن كان الوطن لا يغيب عن رواياته بأناسهُومسحوقيه, ويصفهُ المفكر الراحل هادي العلوي بمقالته " قلت لك لا تمت" : ( غايب كتبالفصل المفقود من تاريخ الأدب في العراق .
- عاش في المنفى ثلاثين عاماً
- لقد عاش غائب أكثر أيامعمرة في المنفى ومات ودفن بعيداً عن الوطن الذيأحبهُ.
==
طفولة قاسية ، عانى من الحرمان والفقر وشظف العيش لكنه ايضا مرض بمرض الدرن، تغرب في سن مبكرة وعاش معظم حياته في الغربة ومات فيها. وهناك كان يتذكر امه واخاه وفي ذلك ما يشير الى انه كان قد فقد الاب في سن مبكرة لكن التاريخ غير محدد.

سنعتبره مأزوم بسبب مرض الدرن.

ايوب صابر 02-20-2012 10:08 AM

35- عودة الغائب منذر القباني السعودية
رواية عودة الغائب
رواية للمؤلف السعودي منذر القباني صاحب رواية حكومة الظل التي تصدرت في عام ٢٠٠7 قائمة الروايات العربية الأكثر مبيعا.



تعتبر رواية عودة الغائب من أكثر الروايات العربية انتظارا من قبل القراء لما تحتويه من إجابات على بعض التساؤلات التي تركت مفتوحة في رواية حكومة الظل التي لاقت نجاحا مذهلا واهتماما كبيرا من قبل القراء والإعلام العربي.
  • صدرت الرواية في عام ٢٠٠٨ عن الدار العربية للعلوم وهي الرواية الثانية للروائي السعودي منذر القباني الذي يعتبره الكثيرون من أبرز الوجوه الروائية الشابة في المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج.
==
قراءة في رواية عودة الغائب
بقلم مدون : weyer
ذهبت كعادتي إلي معرض الكتاب بالرياض في أول أيامه وأخذت أتجول بين دور النشر حتى وصلت إلى ركن الدار العربية للعلوم. سمعت عددا منالزوار يسألون البائع عن رواية منذر القباني الجديدة عودة الغائب فتوقفت لحظة حيثأني لم أكن أعلم أن روايته هذه التي سمعت أنها على وشك الصدور، قد صدرت بالفعل وجاءت إلى معرض الكتاب. بل ما أدهشني هو عدد الذين أتوا خصيصا إلى الدار العربيةللعلوم قاصدين هذه الرواية و قد علموا بصدورها بالرغم من أني لم أقرأ خبرا واحداعنها في أي من الصحف، و أنا أحسب نفسي متتبعا جيدا للصفحات الثقافية. سألت البائعالشاب عن رواية عودة الغائب و إن كانت في مستوى رواية حكومة الظل فأخبرني صادقابأنه لم يقرأها بعد حيث أنها قد وصلت للتو من بيروت متزامنة مع معرض الكتاب و لكنمما لا شك فيه أن إقبال القراء عليها يفوق باقي الكتب المعروضة و أنه إذا استمر حالالاقبال على الرواية على هذا الحد إلى نهاية المعرض فستنفذ الطبعة الأولى!
طبعةبأكملها تنفذ في أيام! لم أسمع بمثل هذا الأمر لرواية عربية!
إقتنيت طبعتي ثمبدأت قرآتها فورما وصلت إلى بيتي و إليكم قرآتي للرواية:

أزعم أني من أوائلالذين كتبوا عن منذر القباني و روايته حكومة الظل. بل أزعم أني من أوائل الذينتنبؤوا بنجاح تلك الرواية في الوقت الذي لم يكن قد سمع فيه أحد لا بمنذر القباني ولا بروايته حكومة الظل، و مع أني مقل بشكل عام في كتابة القراءات إلا أن حكومة الظلقد إستفزتني لكتابة موضوع عنها وقد نشرته هنا في الموقع
أعترف بأن عودة الغائبقد إستفزتني للكتابة هي الأخرى

الرواية تبدأ أحداثها في عام 1909 حيث يكتشفرجل في غابة جعيتا كهفا يأوي إجتماعا غريبا لجماعة أغرب. تدور أحداث سريعا ( سأحاولأن لا أبوح بكثير من التفاصيل حتى لا أفسد الرواية على من لم يقرأها) في هذا الفصلثم تنتقل بنا الأحداث إلى عام 2006 و رحلة رومانسية على ظهر سفينة في البحر المتوسطبطلتها هي دانيال جولد ( من قرأ رواية حكومة الظل سيكتشف أن أحداث هذا الفصلمتزامنة مع أحداثها) التي تفاجأ بما لم تكن تتوقعه!
تنتقل بنا الأحداث إلى شخصيةشاب سعودي إسمه جمال جداوي و هو يزف إلى حبيبته دلال رحال ثم في أثناء شهر العسل فيمدينة لندن تحدث المفاجأة الكبرى
ثم ينتقل بنا المؤلف إلى العام 2009 أي بعدثلاثة أعوام ( و هي أيضا بالمناسبة بعد ثلاثة أعوام من نهاية أحداث رواية حكومةالظل)
و هنا فحوى الرواية و يعود نعيم الوزان من ماليزايا بتكليف من جماعةالعروة الوثقى ( التي لديها هي أجندتها الخاصة و التي هي على حساب نعيم الوزان دونأن يدري) للبحث في أمر ما يتعلق بذلك الرجل الذي ورد ذكره في بداية الرواية ( 1909)
تتنقل الرواية ما بين عدة شخصيات و عدة أحداث يبدو في البداية أن لا رابطايجمعها جميعا لنكتشف مع مرور الرواية أن هناك أكثر من رابط يجمع بين كل تلك الأحداثو الشخصيات.

منذر القباني في هذه الرواية يستعرض لنا قدرات سردية تجعلني أقفمشدوها. الحقيقة من كان يعتقد بأن حكومة الظل كانت مشوقة فعليه أن يقرأ عودة الغائبلأن كلمة تشويق لا تعطيها حقها. فنحن هنا أمام مرحلة جديدة لا أعلم كيف أصفها! بللا أعلم كيف سيأتي لنا القباني برواية بعد هذه حيث أخشى أن يكون قد إستنفذ كل مالديه في هذه الرواية!

فالرواية كما وصفها لي أحد الأصدقاء تحبسالأنفاس!

الأمر الآخر الذي أدهشني هو كيفية ربط جميع أحداث و شخصيات الروايةببعضها بشكل فيه حرفية ماهرة و بسلاسة و دون تكلف. فمن السهل أن يكتب روائي أحداثعدة في رواية واحدة تربطها المكان كما فعل علاء الأسواني في روايتي عمارة يعقوبيانو شيكاغو، و لكن أن تربط هذه الأحداث ببعضها البعض و تجعلها تتقاطع كما فعل القبانيفي عودة الغائب فهذا أمر آخر لا تشاهده إلى مع روائي محترف و متمكن منأدواته.

كنت قد عبت في قرآتي لحكومة الظل على شخصيات الرواية التي وجدتهاسطحية و لم يكن فيها عمق. و لكن في عودة الغائب قد تدارك المؤلف هذا الأمر و جاءتالشخصيات الرئيسية أكثر عمقا بحيث إستطعت أنا كقارئ أن أتقرب منها أكثر و أتعرف علىدوافعها.

لا أريد أن أطيل فهناك الكثير ما يمكن قوله و لكني أختم بأن فيإعتقادي البسيط أن رواية عودة الغائب تستحق أن يقف أمامها الناقد كعلامة فارقة ليسفقط في الرواية السعودية بل في الرواية العربية. نحن فعلا أمام عمل أكثر من متميزلروائي عربي لم أشهد له مثيلا!

==




الرواية تدور حول حدث دار قبل قرن من الزمان وما تبعه من محاولة فك طلاسم رسالة لنجم الدين غول، والذي قتل بسبب ما توصل إليه؟! بشأن حقيقة “حكومة الظل”، ولكنه مات قبل أن يوصل إلينا التفاصيل!” “حكومة الظل” عنوان للرواية الأولى لنفس كاتب رواية “عودة الغائب” وهي تحكي احداث قد ترتبط جزئياً بعودة الغائب

ايوب صابر 02-20-2012 12:56 PM

منذر القباني
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

منذر القباني من مواليد مدينة الرياض عام 1970
طبيب وروائي سعودي أبرز اعماله رواية حكومة الظل التي صدرت عام 2006 عن مركز الراية ثم أعيد طباعتها عام 2007 عن الدار العربية للعلوم.
تعد رواية حكومة الظل من انجح الروايات العربية التي صدرت في السنوات الأخيرة وقد لاقت صدا كبيرا في ما بين المنتديات والمدونات كما أن الصحافة تناقلتها كظاهرة روائية سعودية جديدة مختلفة عن باقي الروايات السعودية التي شهدتها الطفرة الروائية الأخيرة.
  • في عام ٢٠٠7 تصدرت رواية حكومة الظل قائمة الروايات العربية الأكثر مبيعا حسب موقع النيل والفرات
  • كما صدر للمؤلف في عام ٢٠٠٨ رواية عودة الغائب وتصدرت هي الأخرى قائمة الكتب العربية الأكثر مبيعا في أول أسبوع من صدورها.
==
مواليد مدينة الرياض سنة ١٩٧٠</SPAN>
حصل على شهادة الباكلريوس في الطب من جامعة الملك سعود بالرياض سنة ١٩٩٤
حصل على البورد الكندي في الجراحة العامة من جامعة تورنتو سنة ٢٠٠١
حصل على شهادة التخصص الدقيق في مجال جراحة الكبد و البنكرياس و القناة الصفراوية من جامعة برتش كولومبيا في فانكوفر سنة ٢٠٠٣
ألقى مجموعة من المحاضرات الصحية و الثقافية في مختلف مدن العالم
لديه مجموعة من الأوراق العلمية المنشورة في العديد من المجلات الطبية المحكمة
نشر مجموعة من المقالات الثقافية في الصحف المحلية

لديهمن الأعمال المطبوعة:
رواية حكومة الظل سنة ٢٠٠٦
رواية عودة الغائب سنة ٢٠٠٨

للمراسلة:


http://web.mac.com/alkabbani/Site/Welcome.html

ايوب صابر 02-20-2012 01:06 PM

منذر قباني: أحمل مؤسساتنا الثقافية سبب حالة العزلة
عبدالله السمطي


gmt 16:00:00 2009 الجمعة 3 يوليو



مازالت روايته الأولى "حكومة الظل" الأكثر رواجا
منذر قباني: أحمل مؤسساتنا الثقافية سبب حالة العزلة التي يشعر بها جيل كامل من الأدباء السعوديين.
* نجاح روايتي الأولى حكومة الظل لعب فيه القارئ عبر الإنترنت دورا كبيرا،
* من المؤسف أن يكون أعضاء الغرف التجارية في السعودية منتخبين، ولا يحدث ذلك في الأندية الأدبية.
* الرهان الحقيقي يجب أن يكون على الرواية التي تحترم عقل القارئ الواعي
عبدالله السمطي من الرياض: يجزم الروائي السعودي منذر قباني بوجود طفرة روائية في السعودية، وعلى الرغم من ذلك فإن هناك ضعفا في الحالة النقدية والثقافية في رأيه ، ويشخص قباني هذا الضعف بوجود بعض النقاد و المثقفين "يهاجمون الإنتاج الثقافي من دون إبداء أسباب منطقية و علمية قائمة على تحليل منهجي". أصدر الروائي منذر قباني روايتين، هما:" حكومة الظل" 2006 و" عودة الغائب" 2008 وقد حققتا نسبة مقروئية عالية بين القراء وطبعتا غير مرة، مع ذلك لم تلفت الروايتان أنظار النقاد السعوديين، بل كتب عنه عدد من النقاد العرب، وهو في حديثه لإيلاف يكشف أسباب هذا التجاهل النقدي ويعزوه إلى "الأهواء الشخصية" و"عدم القراءة". قباني المولود بالرياض في العام 1970 والذي يعمل بالأساس طبيبا جراحا، يشكل صورة للجيل الروائي الجديد الذي يكتب بدقة كتابة مختلفة على مستوى الأسلوب الروائي وعلى مستوى النسق الدلالي يؤكد على أن هناك شعورا عاما لدى عدد كبير من الأدباء وخاصة الشباب بالعزلة عن المؤسسات الثقافية وبعدم الشعور بالتضامن من قبل الأجيال السابقة من الأدباء والنقاد. في هذا الحوار تطرق قباني إلى توصيف حالة الرواية السعودية، وموقف المؤسسة الأدبية من المبدع السعودي وغيرها من القضايا الأدبية، وهذا نص الحوار:
* حققت روايتاك:"حكومة الظل" و"عودة الغائب" نسبة مقروئية عالية بالمقارنة بالروايات السعودية التي واكبتها في الصدور، فما مدى استجابة النقاد لهما؟
- لا شك أن رواية حكومة الظل إستطاعت أن تحقق نجاحا كبيرا منذ صدورها في عام ٢٠٠٦ ولا يزال الإقبال عليها كبيرا إلى اليوم بعد مرور ثلاث سنوات، حتى أنها كانت من أكثر الكتب مبيعا في معرض الكتاب الدولي الأخير بالرياض، و كذلك الحال بالنسبة لرواية عودة الغائب التي صدرت في عام ٢٠٠٨. بل أن بفضل من الله لم يكن هذا النجاح على المستوى المحلي فقط، بل تجاوزه إلى كثير من الأقطار العربية، ولكن بالرغم من هذا ستجد أن من تناول هاتين الروايتين، إما بالتحليل أو عن طريق الكتابة الإنطباعية، هم في الغالب من غير النقاد السعوديين. لا أعتقد بأن هذا الأمر من قبيل المصادفة، أو أنها مسألة تخصني أنا وحدي دونا عن غيري، بل أراه إنعكاسا لضعف الحالة الثقافية في المشهد المحلي بشكل عام بالرغم من الطفرة الروائية التي نشهدها اليوم في السعودية. بل أنه من المؤسف أنك تجد بعض النقاد والمثقفين يهاجمون الإنتاج الثقافي من دون إبداء أسباب منطقية وعلمية قائمة على تحليل منهجي لتلك الأعمال، حتى أنه منذ فترة قريبة صرح أحد هؤلاء النقاد، تعليقا على عدم وصول أية رواية سعودية للقائمة القصيرة أو الطويلة لجائزة بوكر العربية، بأن الرواية السعودية لا تصلح للنشر وغير مؤهلة للترشيح!! لا شك أن مثل هذه التصريحات هي أقرب للأهواء الشخصية منها للرأي النقدي التحليلي، و صدقني عندما أقول لك بأني لن أكون مندهشا إن لم يكن يعلم صاحب ذلك التصريح ما هي الروايات السعودية التي رشحت للجائزة ناهيك عن قراءته لتلك الأعمال.
ولكن بالرغم من هذا فهناك من النقاد والكتاب من تناول أعمالي بالنقد والتحليل من أمثال عبود عطية و عبدالحفيظ الشمري ، و محمد العشري و سلطان الزعابي و غيرهم كثير. كما أن ما يكتبه القراء عبر المنتديات الثقافية لا يقل أهمية عندي حيث أن تلك الكتابات تشكل مقياسا حيا لمدى تجاوب القارئ مع الكاتب، وأنا شخصيا أستفيد كثيرا منها. ولله الحمد فقد حظيت أعمالي على قدر كبير من التغطية عبر الإنترنت، حتي أني لا أبالغ إن قلت بأن نجاح روايتي الأولى حكومة الظل لعب فيه القارئ عبر الإنترنت دور كبير، حتى أنه بعد صدور الرواية بأشهر قليلة كانت تأتيني رسائل من عدد كبير من أشخاص لا أعرفهم من كافة الأقطار العربية تستفسر عن كيفية الحصول على العمل الذي قرأوا عنه عبر الإنترنت.

* لأنك آت من مجال علمي طبي .. كيف هي علاقتك بعالم الأدباء السعوديين هل تشعر بالعزلة أم بالغربة أم بالتضامن؟
تربطني علاقة جيدة مع عدد من الأدباء و المثقفين السعوديين، و لكن لا أخفيك القول بأن هناك شعورا عاما لدى عدد كبير من الأدباء و خاصة الشباب بالعزلة عن مؤسساتنا الثقافية وبعدم الشعور بالتضامن من قبل الأجيال السابقة من الأدباء و النقاد. مع الأسف النوادي الأدبية لا تقوم بدورها كما يجب، وهذا أمر غير مستغرب من أعضاء مجالس إدارة معينين وغير منتخبين، حيث أنهم يدركون بأن بقائهم في مناصبهم هو رهن علاقتهم الجيدة مع المسؤول الذي عينهم و ليس مع المثقفين والأدباء الذين هم من المفترض المعنيين في المقام الأول من قبل النوادي الأدبية. ومن المؤسف حقا أن يكون أعضاء مجالس الغرف التجارية في السعودية منتخبين، في حين أن الحال ليس كذلك بالنسبة للنوادي الأدبية التي من المفترض أنها تمثل النخبة الثقافية للبلاد، والتي تقود حركة التنوير والتطوير والإصلاح. لذلك أنا أحمل مؤسساتنا الثقافية سبب حالة العزلة وعدم التضامن التي يشعر بها جيل كامل من الأدباء السعوديين.
ومن المفارقات العجيبة أنه في السنوات الثلاث الأخيرة أتتني دعوات لأقامة أمسيات ثقافية حول أعمالي من خارج بلادي أكثر مما أتاني من داخلها. وهذا أمر مؤسف حقا، فهل يعقل على سبيل المثال وليس الحصر بأن أتلقى دعوة من قبل أدباء من الإمارات ولا أتلقى ولو مرة واحدة دعوة من النادي الأدبي بالشرقية التي هي أقرب إلي!
وفي المقابل أنظر إلى مدى الحفاوة التي يتلقاها الأديب في دولة مجاورة مثل مصر عندما يبرز له عمل و يحقق نجاحا ما. ألا تتفق معي بأن هناك فرقا كبيرا؟

* في رأيك هل قطعت الرواية السعودية شوطا باتجاه الأعلى أم أنها مازالت تراوح مكانها الاجتماعي المضموني الإيروتيكي أحيانا؟
لا شك أنه في السنوات الأخيرة الرواية السعودية تطورت بشكل جيد و ملموس خارج المضمون الإجتماعي والفضائحي. فهناك أعمال لمؤلفين مثل عبد الوهاب آل مرعي، وسيف الإسلام آل سعود، وعبد الواحد الأنصاري وغيرهم تحاول شق بحار جديدة في الرواية المحلية، و لكن مع الأسف الإعلام لا يسلط الضوء الكافي لمثل هذه الأعمال الجادة، بل كل ما يعنيه الرواية الفضائحية، ولذلك يبدو للقارئ خارج مشهدنا الثقافي وكأن كل ما ينشر من روايات سعودية لا تعدو الرواية الإروتيكية الإجتماعية علي حد تعبيرك. وهذا مثال آخر على ضعف المناخ النقدي والثقافي في المشهد المحلي الذي لا يبرز مثل تلك المحاولات الجادة والجيدة لمؤلفين يستحقون عناية وإهتمام أكثر بكثير مما يتلقونه اليوم.

* من المفارقات الحادثة أن هناك من أصدر رواية واحدة وبدأ يملأ الدنيا ويشغل الناس ، هل هي سطوة الإعلام والنشر أم تشوق الناس لهذا العالم البولوفوني الجديد في الساحة السعودية؟
لا شك أن للإعلام دورا كبيرا في رواج أي عمل روائي، و بعض الروائيين يتعمدون مصادمة فئة من فئات المجتمع و خاصة الفئة المحافظة على أمل أن تستقطب تلك الفئة أقلامها للتنبيه من ذلك العمل فيكون الأثر عكسيا و يقبل القراء علي ذلك العمل من باب الفضول. وهناك أمثلة كثيرة لمثل تلك الروايات التي نالت شهرة ورواج بفضل مثل تلك الضجة المفتعلة، ولكن سرعان ما يخفت بريق تلك الأعمال، و في الغالب هي لا تترك أثرا إيجابيا في نفس القارئ.
أنا شخصيا أؤمن بأن العمل الجيد كفيل بأن يفرض نفسه على الإعلام و هو قادر على صنع الرواج من خلال القارئ الواعي. و هذا ما حدث بالفعل مع رواية حكومة الظل ومن ثم مع رواية عودة الغائب. رواية حكومة الظل عندما صدرت في ٢٠٠٦ لم يهتم بها الإعلام في بادئ الأمر. لم يحم حولها أي ضجة إعلامية مثلما حدث مع روايات أخري صدرت في ذات الفترة. و لكن مع ذلك بدأت مع مرور الوقت تحتل قائمة الكتب الأكثر مبيعا، وكان الرواج قائما على ما تداوله القراء عبر منتديات ومدونات الإنترنت. و بعد أن نفذت الطبعة الأولى بدأ الإعلام يلتفت إلى الرواية ويتساءل عن مؤلفها. اليوم و بعد ثلاثة أعوام لا تزال رواية حكومة الظل هي من أكثر الروايات رواجا في العالم العربي، في حين أن كثيرا من الروايات التي صدرت في ذات العام و نالت ضجة إعلامية مفتعلة، لا يذكرها أحد اليوم. لذلك أنا دائما ما أقول بأن الرهان الحقيقي يجب أن يكون على الرواية التي تحترم عقل القارئ الواعي، والتي تقدم له أسلوبا جديدا وماتعا ممزوجا بفكر و ثقافة، بحيث تجعل علاقة القارئ لا تنتهي معها حتى بعد أن يطوي آخر صفحاتها.
* ما الجديد السردي عند منذر قباني؟
أحضر حاليا لرواية جديدة، أصدقك القول، لا أدري متى ستكون جاهزة للطباعة، لأني لا أزال في المراحل الأولى من العمل. ولكن أعدك وأعد القراء بأنه إن شاء الله ستتوافر المزيد من الأخبار حول عملي الجديد عبر موقعي في الفيسبوك

ايوب صابر 02-20-2012 01:43 PM

الأديب الدكتور منذر قباني لـ "الاقتصادية":

بعض النقاد أصبحوا مسؤولي "علاقات عامة" لدى بعض الروائيات!

- حوار: هيثم السيد - 11/11/1428هـ
رغم صدورها ضمن العام الأكثر انهمارا روائيا إلا أن "حكومة الظل" نجحت في تكوين شخصية مستقلة جعلت البعض يصنفها كنسق روائي له سماته الفنية الخاصة, وربما هذا ما جعل الجمهور يصوت لها بالثقة حتى قبل تقديمها عبر المنبر الإعلامي.

ورغم تفاوت الرؤى الانطباعية والنقدية التي استقبلت القباني وعمله الأول "حكومة الظل" والتي تراوحت بين الرفض التام والاتهام بالتبعية والتقليد للرواية الشهيرة "شفرة دافنشي" للروائي الأمريكي دان براون، إلى الإعجاب المخلص واعتبار العمل نقلة نوعية نحو تجديد الرواية السعودية والعربية، إلا أن القباني يكشف عن ثقة ذاتية متناهية في مشواره الأدبي واستعداده لطرح رواية جديدة في الأشهر القادمة كشف عنها في هذا الحوار، ورؤى القراء وطريقة استقبالهم لعمله الأول وتفاعله مع هذا الاستقبال.
الإطلالة الأدبية الأولى كانت مشجعة بما يكفي لاستضافة الدكتور منذر قباني في حوار صريح تناول فيه روايته والمشهد الأدبي والثقافي داخليا وعربيا, كما انتقد كبار النقاد في المملكة, معتبرا إياهم أنهم لم يواكبوا تطور الحركة السردية المحلية.

مشروعك الروائي الأول "حكومة الظل" قام على استعارات زمنية وحوارات درامية ذات تفاصيل خيالية, في حين صنفها البعض كرواية بوليسية, هل تعمدت "حكومة الظل" أن تكون بهذه التعددية على مستوى التحزب التصنيفي إن صح التعبير؟

أجيب عن سؤالك بنعم، تعمدت أن أجعل من "حكومة الظل" رواية متعددة التصنيف بحيث لا يمكن أن تعتبرها بالرواية البوليسية التقليدية أو التاريخية أو حتى الخيالية. وبهذا رغبت في أن أخرج من الدائرة التقليدية للرواية والمزج بين الأصناف المختلفة من أجل صنع مذاق خاص ومتميز؛ وستلاحظ أنه من خلال متابعة ما كتب عن "حكومة الظل"، ستجد أن هناك من أعجب بالجانب التشويقي في حين أن شخصا آخر أعجبته الزاوية التاريخية في حين أن شخصا ثالثا استوقفه الجانب التأملي الإسلامي, وهكذا.

بالنظر إلى الرواية وكونها تشكلت عبر قراءات متعددة وبعيداً عن زخم المشهد السردي الذي اكتظت شوارعه أخيرا بظاهرة الاختناق الروائي, ما الإضافة النوعية التي تقترحها "حكومة الظل" لهذا المشهد في نظرك؟

رواية "حكومة الظل" أتت إلى الساحة الروائية العربية بنمط جديد ومختلف عما هو سائد من خلال مزجها بين التشويق والفكر وغموض التاريخ وإسقاطه على الحاضر. مضمون الرواية كان مختلفا كما كان أسلوبها البسيط ذو الإيقاع السريع. هذا بجانب أن الرواية نجحت عبر إثارة التفكير وليس عبر إثارة الغرائز.

هل يمكن القول إن السمة التاريخية في عملك الروائي تجاوزت العامل الفني لتمثل كذلك منظرا يمكن من خلاله قراءة الواقع المعاصر والإسقاط عليه؟

السمة التاريخية للعمل كانت جزءا من طابعه الفني. وبالأخص الأسلوب الذي استخدمته في التنقلات السريعة بين الماضي والحاضر، واستخدام الحقائق التاريخية ومزجها مع الأحداث الخيالية في العمل؛ ومع هذا أنا كما أشرت جعلت من العنصر التاريخي في الرواية مرآة تعكس الواقع أو على أقل تقدير, مرشدا لفهم الحاضر من خلال ترابط الأحداث بين الجد والحفيد، وكأن ما كان يفعله الأول في الماضي يفسر للقارئ من خلال أحداث الرواية الألغاز التي تصادف الثاني في الحاضر. وهذا الأسلوب الذي استخدمته نابع من إيماني بأن مفتاح فهم الحاضر يكمن في فهم الإنسان للتاريخ، ولكن طبعا أنا أتحدث عن التاريخ الحقيقي وليس ذلك المشوه الذي يصنعه الغالبون.
على ماذا كنت تراهن للوصول للمتلقي في ظل غياب التقييم الفني لما يقدم من ناحية وما يمكن اعتباره غيابا لعناصر الجذب التقليدية في روايتك من ناحية أخرى؟

راهنت على القارئ الذكي الذي يبحث عن عمل جاد وماتع، خال من الإسفاف، وغير تقليدي. والحمد لله لقد صادفت رواية "حكومة الظل" نجاحا كبيرا غير متوقع وأصبح القراء هم من يروجون للعمل ثم أتى بعد ذلك دور الصحافة التي أسهمت هي الأخرى في تعريف الرواية. بالنسبة للنقاد، فباستثناء عدد بسيط منهم كعبد الحفيظ الشمري وعبد الواحد الأنصاري، كان أغلبهم في سبات عظيم، ليس فقط تجاه روايتي ولكن بشكل عام تجاه الأعمال السردية المحلية. والكل يتساءل: أين رموز النقد السعودي كعبد الله الغذامي ومعجب الزهراني وسعد البازعي؟ كان من المفترض أن يكونوا هم على رأس حركة نقدية جديدة تواكب الزخم السردي الحديث، ولكن على ما يبدو تركوا المجال لغيرهم لأسباب يجهلها الكثيرون.

قضت الرواية العربية أكثر من نصف قرن وهي تمارس فعل التجريب في الأسلوب التقني وفي المضمون, متى سيمكننا الحديث عن رواية عربيّة حديثة مظهرا وجوهرا؟

جزء من المشكلة هي غياب الحركة النقدية القوية التي كانت موجودة في الساحة منذ عدة عقود. هناك أعمال روائية تظهر في الساحة حديثة المظهر والجوهر ولكن المشكلة أنها لا تأخذ نصيبها من التقييم، وكما هو معلوم، فلا يمكن للكاتب أن يتطور إن لم يجد من يقيم أعماله ليظهر ما فيها من جوانب القوة والضعف. مع الأسف الحاصل اليوم في الساحة الثقافية أن بعض النقاد أصبحوا أشبه بمسؤولي علاقات عامة لدى بعض الروائيات. فتجد أحد النقاد مثلا لا يعترف في الساحة الأدبية إلا بروائية واحدة، على الرغم من كونها في رأي العديد من الكتاب متوسطة الموهبة. كيف يمكن لنا في ظل هذا أن نتوقع نشوء رواية عربية حديثة المظهر والجوهر؟ هذا من جانب، من جانب آخر هناك مشكلة كبيرة في عملية النشر. العديد من المبدعين الشباب لا يستطيعون نشر أعمالهم لأن الكثير من دور النشر ليست على استعداد على أن تغامر وتنشر لكاتب مجهول ما يضطر ذلك المؤلف الشاب إما لأن ينشر على حسابه الخاص إن كانت لديه المقدرة المادية، وأغلبهم لا يملكون، وإما أن يترك مؤلفَه في أدراج مكتبه إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

عرفت الآونة الأخيرة تداخلا واضحا بين الأجناس الأدبية ما برر الحديث عن الكتابة "عبر نوعية" كما يصفها الدكتور إدوارد خراط. هل ترى أن عودة الكتابة الأدبية إلى تمايزها النوعي أصبح يمثل ضرورة لمواجهة حالة فقر أدبي محتملة؟

تداخل أجناس الأدب أو الفنون, أو الكتابة عبر النوعية كما وصفها إدوارد الخراط، أسهم بشكل كبير في إثراء الساحة الأدبية وأخرجها من الرتابة، في اعتقادي. وهذا يدخل ضمن نطاق التجريب المطلوب من أجل تطوير العمل السردي. خذ على سبيل المثال رواية "ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي، فهي مزيج بين الشعر والسرد ولاقت نجاحا كبيرا في العالم العربي ووزع منها مئات الآلاف من النسخ؛ "حكومة الظل" أيضا مزجت بين الرواية والسينما كما وصف بعض الكتاب، ولاقت نجاحا كبيرا. مسألة وجود فقر أدبي في اعتقادي لا علاقة له بالكتابة عبر النوعية أو بعودة الكتابة الأدبية إلى تمايزها. أنا شخصيا أرى أن هذا وذاك مطلوب من أجل إثراء الساحة.

بناء على قراءاتك في الأدب الغربي. هل تعتقد وجود فارق شاسع بين فعل السرد كما وُجد عند الغرب وفعل "يُحكى أنّ.." كما وُجد في مدوّنتنا التراثيّة. إلى أيّ مدى يصحّ مثل هذا القول؟

من المعلوم أن العرب كانوا سباقين عن الغرب في الأعمال السردية منذ مئات السنين كما هو الحال في الكثير من الحقول المعرفية، ولكن مع الأسف تأخرنا نحن حضاريا وهذا ترك أثره في كل شيء بما فيها الفنون السردية. فمثلا نحن من أوائل من كتب في الخيال الصرف من خلال قصص ألف ليلة وليلة، وهذا العمل من المعلوم أنه ترك تأثيرا كبيرا عند الغرب بعد ترجمته وتأثر بها كبار الأدباء من أمثال بورخيس وباولو كويلو؛ القصة الأساسية في رواية الخيميائي, على سبيل المثال, مأخوذة من إحدى قصص ألف ليلة وليلة. وفي مجال الرمزية السياسية كان كتاب كليلة ودمنة سباقا لمزرعة الحيوان التي كتبها جورج أورويل. المشكلة تكمن في أننا لم نتطور بعد ذلك كثيرا في حين أن الغرب جاء من خلفنا وسبقنا وطور من أدواته. نحن أخيرا في القرن الماضي بدأنا رحلة الإفاقة من غيبوبتنا، وأتمنى أن تستمر هذه الرحلة وألا نصادف بانتكاسة ترجعنا إلى حالة الغيبوبة من جديد.

لنتناول ثنائية الأدب والطب التي يجمعها الدكتور الروائي منذر قباني والتي اجتمعت في نماذج عدة عبر التاريخ الثقافي بدءا من تشيكوف وليس انتهاء بإبراهيم ناجي, هل يمكن أن تعكس إحدى الشخصيتين طابعها على الأخرى أم أن لكل منهما خصوصيته الإنسانية المحضة؟

لا تنس أن منذر قباني الروائي هو ذاته منذر قباني الطبيب، وبطبيعة الحال كل جانب يترك تأثيره في الآخر. ثم إن مهنة الطب تكاد تكون هي المهنة الوحيدة التي ترى فيها الإنسان في لحظة ضعفه ولحظة عافيته؛ في لحظة حزنه ولحظة فرحه، بل نحن نرى الإنسان منذ أن يولد إلى أن يموت مرورا بجميع أطوار حياته بحلوها ومرها. كل هذا يعطي زخما كبيرا للأديب لكي يكتب متكئا على ما صادفه من مختلف الشخصيات والمواقف. ولذلك، كما ذكرت أنت، ظاهرة الطبيب الأديب ليست بالجديدة بل هي قديمة منذ أنطوان تشيكوف وأرثر كونان دويل، ومرورا بإبراهيم ناجي ويوسف إدريس ونجيب الكيلاني ومصطفى محمود وعلاء الأسواني وغيرهم سواء في الأدب الغربي أو العربي.
لكن الأمر الآخر الذي أريد التنويه إليه، الذي مع الأسف قلما يدرس في كليات الطب، هو أهمية أن يكون الطبيب مثقفا. نحن مع الأسف نغفل هذا الجانب في تعليمنا الطبي مع أنه في غاية من الأهمية، لأن الطبيب المثقف هو الأقدر على التواصل مع مرضاه، ومهنة الطب كما تعلم هي مهنة قائمة في الأساس عل تواصل الطبيب مع المريض.
أما بالنسبة للجانب الأدبي على وجه التحديد، فهو يضيف بعدا أكثر إنسانية للطبيب ويجعله أكثر تفهما لحال المريض في نظري. من الأمور التي يشتكي منها الكثير من المرضى اليوم هو شعورهم بعدم اهتمام الطبيب بهم، وبمعاملته لهم، في المستشفيات الحكومية، وكأنهم عبء يجب التخلص منه؛ وفي المستشفيات الخاصة وكأنهم سلعة يجب الاستفادة منها إلى أبعد حد. الطبيب عندما يكون إنسانا قبل أن يكون مجرد موظف أو رجل أعمال، يتفادى في نظري مثل هذه الأخطاء مع مرضاه.

كلمة أخيرة تحب توجيهها عبر "الاقتصادية".

أود أن أشكر جميع القراء الذين قرأوا وأعجبوا بـ "حكومة الظل"، والذين يعود إليهم الفضل بعد الله في إنجاح عملي الأول بهذا الشكل. وموعدنا المقبل, إن شاء الله, سيكون مع رواية "عودة الغائب" التي أتوقع لها أن تصدر في خلال أشهر قليلة, وكلي أمل أن تنال إعجاب القراء.

11/27/07

ايوب صابر 02-20-2012 11:47 PM

كيف هي طفولة الدكتور منذر؟

لقد اتصلت بالدكتور منذر لاسأله ان كان قد عاش يتيم او انه اختبر احداثا مهمة في طفولته ، فاخبرني مشكورا بأنه ليس يتيم ولم يكن في طفولته شيء خارج عن المألوف.


عدت وسألت الدكتور منذر برسالة بريد الكتروني عن سر الابداع لديه إذا؟ فرد مشكورا بما يلي :


"لعل في التالي تجد الإفادة:

بالرغم من أن لدي خمس أشقاء إلا أن أصغرهم يكبرني بعشرة أعوام. جميعهم أكملوا دراستهم الجامعية في الخارج و بذلك كانت فترة الصبا و المراهقة فترة فيها الكثير من الوحدة و الغربة. أقول غربة لأني في تلك الفترة كنت أعيش خارج بلدي السعودية في المغرب حيث كان والدي سفيرا هناك. كنت في تلك الحقبة من حياتي من سن العاشرة إلى الثامنة عشر بعيدا عن أشقائي و كذلك عن أقربائي من هم في مثل عمري. أذكر أني في تلك الفترة وجدتني أقترب من الكتب التي كانت من حولي أتصفحها و أقضي معها الكثير من الوقت فأصبح العقاد و طه حسين و نجيب محفوظ و توفيق الحكيم هم أشقائي و إن لم تلدهم أمي، و أصدقائي و إن لم ألتق بهم. إقتربت منهم من خلال أفكارهم فوجدت نفسي أرغب بأن أكون معهم في عالم الفكر و الأدب، أحلق حيث يحلقون.
عندما كنت صغيرا كان الخيال هو ملجئي من الوحدة، و عندما كبرت ترجمت ذلك الخيال إلى أعمالي الأدبية.".

د. منذر قباني.

Tue 21/02/2012 03:51 PM

ايوب صابر 02-20-2012 11:48 PM

36- قنديل أم هاشم يحيي حقي مصر

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

قنديل أم هاشم رواية للكاتب الروائي يحيي حقي (1905 - 1992) تم إنتاجها سينمائياً في 4 نوفمبر1968م بسيناريو لصبري موسي وإخراج كمال عطية وبطولة شكري سرحان.

احداث القصة

تدور أحداث قصة "قندیل أم ھاشم" للكاتب الكبیر الذي یعد من رواد الحداثھ في العصر الحدیث یحیى حقى حول عائلة الشیخ رجب التي ھاجرت من الریف إلى القاھرة بالتحدید في حارة المضیأه بالسیدة زینب. إستقر رب الأسرة ھناك وفتح متجرا وتوسعت تجارتھ وكان لھ ثلاثة أولاد، عمل الابن الأكبر بالمتجر بمجرد إنھائھ دراستھ في الكتاب ودرس إبنھ الأوسط في الأزھر فأخفق ثم رجع إلى الریف وأصبح مأذونا ھناك أما الابن الأصغر إسماعیل فقد تفوق في دراستھ تفوق ا ملحوظا مما جعل أسرتھ تھتم بتعلیمھ وتضع علیھ آمال بارزه وبعد إنھائھ حفظ القران في الكتاب دفع بھ أبوه إلى المدارس الأمیریة وتفوق فیھا تفوقا ملحوظا ومن ھنا وضعت علیھ الأسرة آمال كبیره فقد إھتم بھ الجمیع ونودي بسى إسماعیل رغم صغر سنھ وإھتم الجمیع بھ بالاخص فاطمة النبویة بنت عمھ. استمر تفوق إسماعیل في المدرسة عام بعد عام وبالطبع تأثرت شخصیتھ تأثرا بارزا بالحي الذي نشأ فیھ فأبرز ما یمیز ھذا المكان ھو وجود مسجد السیدة زینب وما یحیط بھ من شحاذین وبائعي الفول الحراتي والمسواك وغیرھا، على الجانب الآخر لم یخل الحي على الرغم من قدسیتھ من خمارة آنست وبعض المقاھي التي یضع الناس بھا ھمومھم عند ھبوط اللیل ،وفي فترة المراھقة أصبح صدیقا للشیخ دردیري الذي كان مسؤلا عن زیت أم ھاشم أو قندیل أم ھاشم الذي یقال أنھ فیھ شفاء لكل الأمراض المستعصیھ. واقتربت سنة البكالوری ا وخاب امل الاسره في اسماعیل حیث لم یكن من المتفوقین في ھذا العام وانما جاء في ذیل الناجحین ولم یعد بمقدوره الا الالتحاق بمدرسة المعلمین، لم یغمض للشیخ رجب جفن حتى اشار علیھ أحد الاصدقاء بان یسافر اسماعیل "لبلاد بره" لیدرس الطب ھناك وبالفعل ملأت الفكره رأس الشیخ رجب وھم بعمل الاجراءات للسفر وبالفعل سافر اسماعیل إلى انجلتر ا لدراسة الطب ولم یكن لاسماعیل في ظل انفتاح أوروبا في أسلوب التفكیر غیر ان ینخرط معھم ویعایشھم ویصبح منھم فنسى ھناك دینھ وتقالیده فلم یجد ھناك من یحتضنھ الا مارى زمیلتھ في الدراسھ التي احتضنتھ وساعدتھ في حیاتھ ھناك، فقد وجدت فیھ مارى براءه لم تجدھا في أحد من الغربیین لعل ھذا ما جعلھا تنجذب الیھ ھذا الانجذاب فقد كانت مارى عكس اسماعیل فاذا ما فكر اسماعیل في تنظیم مستقبلھ ووضع خطھ لھ تضحك مارى وتقول ان الحیاه لیست ثابتھ فلا بد من التجدد...... ورجع الدكتور اسماعیل إلى القاھره عن طریق الاسكندریھ ولم یشأ ان یخبر اھلھ حتى لا یكلفھم معانا ومشقة السفر إلى الاسكندریھ ووصل اسماعیل إلى السیده زینب غیر حاملا ایة ھدایا لاھلھ ولكن أي ھدایاي كانت تصلح لابیھ وامھ من أوروبا وصل اسماعیل ناقما على من یراه من شحاذین وغیرھم على الرغم من انھم ھم ھم الذین تركھم ھو عند رحیلھ، طرق اسماعیل باب البیت فقالت فاطمھ میییییییین بلھجھ مصریھ فقال ھو انا اسماعیل یا فاطمھ افتحى الباب فسیطرت حالھ من الغبطھ والسرور حتى كادت امھ یغشى علیھا من شدة الفرح فانعقد لسانھ واخذت تقبل فیھ وتعانقھ. التفت الاسره حول اسماعیل فرحین بعودتھ إلى بیتھ مره أخرى الذي أصبح یكاد یكون خالیا من الآثاث الذي بیع لدفع مصاریف دراستھ وقبل أن ینام اسماعیل في ھذه اللیلھ سمع امھ تقول لفاطمھ تعالى اقطر لك في عینیك قبل أن تنامى فقام اسماعیل وسالھا ماذا تقطر لھا فقالت انھ زیت قندیل ام ھاشم الذي یحضره الینا صدیقك الشیخ دردیرى ففك اسماعیل عصابة عینھا فوجد الرمد یلتھمھا وتزداد حالتھا سوءا بالماده الكاویھ فقام صارخا فیھم ووقف كالمجنون ثم انطلف إلى الباب واخذ عصاة ابیھ وذھب إلى قبر ام ھاشم وضرب القندیل بالعصاه فسقط وما ان رآه الناس حتى انھالو علیھ بالضرب حتى كادوا یقتلوه لولا ان انقذه الشخ دردیرى الذي تعرف علیھ. ظل اسماعیل في الفراش عدة أسابیع لا یكلم أحد ولا یطلب شيء حتى اتخذ قراره بالنھوض والعمل على علاج فاطمة واخذ یحضرالأدویھ ویقطر لھا ویساعدھا ولكن لا شيء یحدث أي نتیجة على الرغم من اتفاق أصدقائھ جمیعا على فعالیة الدواء وساءت حالة فاطمة أكثر على یدیھ حتى استیقظت في یوم وھى لا ترى. شعر اسماعیل بالاحباط وترك البیت وأقام بأحد البنسیونات ومرت الایام وجاء رمضان علیھ ولم یأت في ذھنھ ان یصوم حتى جاءت لیلة القدر وتذكر ھو الایام الخوالى والروحانیھ التي یكون فیھا الناس فأیقن منذ تلك اللحظھ اسماعیل انھ لا بد من الایمان بجانب الطب والعلم فأخذ من الشیخ دردیرى زجاجة من زیت ام ھاشم فملأھا بالدواء و ذھب بھا إلى فاطمھ واخذ یداویھا فشفیت ومن ھنا ایقن ان العلم لا یكتمل الا بالایمان وفتح اسماعیل عیاده بحى البغالھ في عیاده تصلح لاى شىء الا استقبال مرضى العیون ونجح اسماعیل في كثیر من العملیات وفى شفاء مرضاه وتزوج من فاطمھ وانجبا خمسا من البنین وستا من البنات وھكذا یتذكره اھل السیده زینب بالخیر إلى الآن.....

ايوب صابر 02-20-2012 11:54 PM

قنديل ام هاشم
صدرت قصة «قنديل أم هاشم» للأديب المصري الكبير يحيي حقي (1905 / 1992م) (1) في الأربعينيات من القرن الماضي؛ بيد أنّ الأعمال الأدبية الجيدة لا تخضع للتقادم ولا تشيخ بتوالي السنوات. ولا نعتبر أنفسنا مبالغين أو مهوِّلين حين نضعها في مركز متقدم ضمن قائمة تضم أفضل القصص والروايات الصادرة في القرن الماضي.
ويمكن تصنيف هذه القصة الطويلة (2) ضمن تيار قصصي ذي إطار موضوعي يعبر عن الصراع الحضاريّ، أو بمعنى أصح يعبر عن أزمة التفاعل مع الحضارة الغربية والموقف المذبذب منها. ويهدف هذا النوع من القصص والروايات إلى" الحفاظ على الذات العربيّة في خضم الموجة الغربية العاتية على الوطن العربي في العصر الحديث" (3).
تدور أحداث القصة حول الشاب إسماعيل الذي استوطن أبــوه التاجر الحاج رجب حي السيدة زينب، وكان يتمنى أن يكون ابنه طبيبـًا شهيرًا، لكن ابنه الذي كان دائم التفوق في سنوات الدراسة لم يوفّق في الحصول على مجموع كبير يؤهله لدخول كلية الطب التي تمنى أبوه أن يلتحق بها، وضحى الأب بقوت العائلة ليرسله إلى أوربا لكي يدرس الطب هناك.
ويرحل الابن إلى أوربا ليعيش هناك سبع سنوات، ويمهر في الطب لدرجة ينال بها إعجاب أساتذته جدًا، ويجري الكثير من العمليات الصعبة بنجاح. ويتعرف على الفتاة الجميلة: (ماري) التي تعرِّفه بمباهج الحضارة الأوربيّة، ولذاتها المحرمة عليه في بلاده، ويكتشف أن هناك عالمًا غريبًا عن عالمه الشرقي، وتتغير نظرته إلى الحياة، وتتأثر معتقداته الدينية، فبعد أن كان يؤمن بالله إيمانًا عميقًا أصبح مؤمنًا بالعلم فقط. ولم تعد الآخرة تشغله قدر انشغاله بالطبيعة والحياة، وما تقع عليه الحواس.
ويعود الابن ليكتشف أن مجتمعه غارقٌ في الجهل والخرافة، يكره هذا الشعب بتخلفه وقذارته، ويكره رضاه واستسلامه للعادات والتقاليد المتخلفة، ويغضب كثيرًا ؛ لأن الجهل والخرافة قد امتد ليطول ابنة عمه : فاطمة النبويّة التي تضع لها أمه قطرات من زيت البترول المأخوذ من قنديل أم هاشم في عينيها معتقدة أنه قادر على شفائها، وعندها يثور الشاب، ويحاول تحطيم قنديل أم هاشم، ويصطدم بالجماهير التي تضربه ضربًا عنيفًا كاد يفقده حياته.
وعلى جانب آخر يفشل في علاج ابنة عمه من المرض، بل ويسبب لها العمى التام ؛ رغم أنه عالج حالات أصعب منها في أوربا!
ويقرر الشاب اعتزال المجتمع، ويعيش فترة في تأملاته وأفكاره، ثم يقوده التفكير إلى طبيعة الشعب المصري الخالدة التي لا تتغير رغم مرور الكثير من الغزاة عليه، ويعود إليه إيمانه، ويتزايد إعجابه بهذا الشعب.
وبعد فترة يتظاهر هذا الشاب بالاندماج مع الخرافات التي يؤمن بها أهله، ويطلب كمية من الزيت يستخدمه في علاج فاطمة، وينجح بالفعل في علاجها، ثم يتزوج منها، ويعيشا سويـًا حياة سعيدة.
ويفتتح عيادة طبيّة يخصصها لعلاج الفقراء والبسطاء، ولا يتقاضى منهم أجرًا كبيرًا، ويكتسب حب الناس شيئًا فشيئًا، وبعد عمر مديد يموت، ويتذكره أهل الحي بالخير، ويستغفرون له، ويعلم راوي القصة (ابن أخي البطل إسماعيل) أن هذا الاستغفار بسبب العلاقات النسائية الكثيرة التي عرفها أهل الحي عن العم إسماعيل، والتي أجبرتهم طيبته ورقته على التغاضي عنها (4).
وقد لا يوافقنا دعاة (الفن للفن) أو (الفن الخالص) حين نبحث داخل كل قصة عن مغزى أخلاقي تقف من وراءه رؤية فكرية ما، فالعمل الأدبي – من خلال وجهة نظر هذه المدرسة – قطعة فنية لا ينبغي لنا أن نرهق أنفسنا في البحث عن مغزاها وما تعنيه، ويكفي أن يحقق قدرًا من الجمال الأدبي والمتعة. بينما يغالي دعاة النقد الاشتراكي (الماركسي) في البحث عن القيم الأخلاقية والنفعية التي يستطيع العمل الأدبي – من خلالها – أن يفيد المجتمع؛ وإلا فهو – من وجهة نظرهم – عمل ساقط وغير مُجْدٍ.
ونحب أن نقف موقفًا وسيطًا بين هذين الاتجاهين. فنقول: إن القصة لا بد أن تكون ذات رؤية فكرية واضحة، تتبلور في موضوع هادف ومغزى مقبول. بينما لا يجب أن تكون هذه الرؤية الفكرية سطحية ومباشرة في تعبيرها عن هذا المغزى؛ فتكشف عن مغزاها في سفور وجلاء. إنها – إذ ذاك – تكون أقرب ما تكون إلى الدروس الأخلاقية التعليمية. وهي عندئذٍ تكون قصة ساقطة، لا يشفع لها نبل مغزاها الفكريّ، ولا تنتفع بسمو مقاصدها الأخلاقية.
إن العمل القصصي الناجح يستطيع أن يوازن باقتدار بين رؤيته الفكرية وتعبيره الفني؛ بحيث لا يطغى أيٌ منهما على الآخر، وبحيث تنساب القيم الخُلُقيّة والمبادئ التي تحملها الرؤية الفكرية إلى المتلقي بشكل غير مباشر، ويتفهمها من وراء سديم فني راقٍ. وهو ما تنجح فيه قصة قنديل أم هاشم إلى حد كبير للغاية.
وقد لا يجوز أن نبحث في الرؤية الفكرية للقصة عن هدف وحيد، أو مغزى فردي مطلق. لا مانع من وجود قضية محورية، ولكن لا يمنع وجود هذه القضية المحورية من إثارة بعض القضايا الفرعية التي تتعلق بها.
والقضية المحورية في قنديل أم هاشم هو: الصراع بين الأصالة والمعاصرة؛ بين القيم الشرقية العتيقة بتبعاتها الثقيلة؛ والحضارة الأوربية المُبهرة بما تتضمنه من كرامة الإنسان وحريته؛ فضلاً عمّا تحمله من تقدم علمي لا مثيل له. وفي ركاب هذه القضية المحورية لا بأس من إثارة بعض القضايا الفرعية المتعلقة بما يعانيه الشرق من جهل وتخلف.
ويمكن اعتبار هذه الرواية رواية رمزية؛ لأن" السمة المميزة لقصة الحدث الرمزي أنها قصة تكتب أساسًا من أجل تقديم موضوع ما تقديمًا دراميًا" (5)، ولذا يسبك الكاتب موضوعه وفكرته قي إطار درامي قصصي رمزي من خلال الشخصيات التي تعبر كل منها عن جانب يرمز إلى جانب محدد من جوانب الفكرة الدلالية. ولذا يمكن أن نعتبر قنديل أم هاشم رمزًا للعادات والتقاليد الموروثة المتأصلة، أو رمزًا للثبات والتحجر أمام الموروث دون أدنى محاولة للتطور؛ ولذا يصف الكاتب القنديل بأنه أبدي ومتعالٍ على كل صراع، يقول يحيي حقي:" كل نور يفيد اصطدامًا بين ظلام يجثم، وضوء يدافع، إلا هذا القنديل بغير صراع" (6) . ويمكن أن ننظر – أيضًا – إلى شخصية رئيسية تشارك إسماعيل في بطولة القصة هي: شخصية: فاطمة النبويّة بشيء من الرمزية التي تعلو بها لتجعلها نموذجًا لمصر كلها. وفاطمة النبويّة هي ابنة عم إسماعيل التي انتظرته في غربته، وتطلعت إليه بكل حب، وصممت على أن يكون هو الذي ينقذها مما تعانيه من عمى. إنها مصر التي تتطلع إلى أولادها المثقفين لكي ينقذوها من عمى البصيرة، ومن الوقوع فريسة للجهل والتخلف. فشخصية إسماعيل" في علاقته الفاترة بابنة عمه ( فاطمة النبويّة ) ما يكفي ليرمز لمدى احتضانه لمشكلات وطنه" (7) . وقد كان الكاتب موفقًا جدًا عندما جعل فاطمة على قدر ضئيل من الجمال، فهي ليست فاتنة ولا ساحرة ولا جذابة، ومع ذلك سيحبها إسماعيل ويتعلق بها في النهاية، وهذه بالفعل رؤيتنا لوطننا، إننا لا نراه أجمل بلاد الدنيا، بل هناك الكثير من البلاد التي تفوقه علمًا وحضارةً وجمالاً؛ ومع ذلك نتعلق به، ولا نتخلى عنه، وحين عاد إسماعيل إلى إيمانه بالوطن، وتعايش مع عاداته وتقاليده كان شفاء فاطمة، وهذه رؤية فنية رمزية لتقدم الوطن وإصلاحه،" لقد آمنت فاطمة بإسماعيل بعد أن خَاطَبَهَا بلغتها فاستجابت له، وكان الشفاء، وهو ما لم يتحقق حين راح يسفِّه كل ما يخالفه من معتقدات" (8) .
ومن هذا المنطلق يمكن رؤية إصلاح إسماعيل لأحوال فاطمة هي إصلاحه الشباب المثقف لوطنه، وكل تقدم اجتماعي يحققه لها هو تقدم اجتماعي يحققه لوطنه.
وكثيرًا ما نرى في هذه القصة نقدًا مباشرًا للمجتمع الشرقي على لسان البطل إسماعيل؛ لكن ما بعينينا هو الصورة الرمزية غير المباشرة؛ حين يجعلنا الكاتب نصل إلى هذا النقد من تلقاء أنفسنا دون تدخل منه، فيكون العمل الروائي أدنى إلى الموضوعية. ومن ذلك نقد الازدواجية في الشخصية الشرقية، والتذبذب بين الإيمان المطلق من ناحية، والرغبة في التحرر من ناحية أخرى، ويمكن التمثيل لذلك بـ درديري خادم ضريح أم هاشم ، فهو من ناحية يجب أن يكون – تبعًا لموقعه الديني – مثالا للطهر والنقاء، ومع ذلك فهو من ناحية أخرى يعيش في حياة السكر والعربدة والحشيش والملذات؛ ولذا" لا تظهر عليه آثار النعمة، فجلبابه القذر هو هـو، وعمامته الغبراء هي هـي، ماذا يفعل بنقوده؟... إنه يحرقها في الحشيش... والحقيقة إنه مزواج، لا يمر العام إلا ويبني ببكر جديدة.." (9) .
وقد يجوز لنا أن نفهم أن هذا الأمر هو ازدواجية في التفكير، واعتبار المسألة الإيمانية في سلوكنا الشرقي مجرد غطاء شكليّ غير مدعوم بالعمل البناء والخلق القويم. كما يجوز أن يكون هذا السلوك غير الأخلاقي رمزًا للرغبة الدفينة في التحرر من القيود التراثية رغم خضوعنا لها!
وهذا السلوك الذي تنتقده القصة نراه – أيضـًا – في فتاة شعبية تستوقف إسماعيل وتثير تأملاته؛" مزججة الحواجب، مكحلة العينين، شدت ملاءتها لتبرز عجيزتها.. وتحجبت ببرقع يكشف عن وجهها" (10) ، وهو يرمز بالتبرج وإبراز المفاتن من ناحية إلى: الرغبة في التحرر، ويرمز بهذا النوع من الحجاب من ناحية أخرى إلى التعبير عن شكلية الإيمان، أو الانسياق نحو التراث الذي يمثله الحجاب بنوع من التقليد لا القناعة، فالحجاب رمز ديني تأخذ المرأة به انخراطًا في تيار اجتماعي عام لا تقوى على الوقوف ضده؛ لكنها – من ناحية أخرى – تتمرد على هذا التراث بطريقتها الخاصة؛ حين لا تجعل هذا الحجاب عائقًا يحول دون إبراز مفاتنها؛ أو بالأحرى يعوق تحررها.
ومن العناصر التي تنطوي عليها الرؤية الفكرية للصراع الحضاري بين الشرق والغرب فكرة ( الكراهية المتبادلة ). ويعبر الكاتب فنيًا عن هذا الجانب – بشكل موضوعي بحت – لتبدو هذه الرؤية مطروحة من خلال الشخصيات نفسها؛ ومن خلال الشخصيات الثانوية على الأصح؛ فهي" تعمل بشكل أكثر إثارة، حيث يأخذون دور المنازلين، أو المنافسين للشخصيات الرئيسية، فيتفاعلون معها، أو يصطدمون بها" (11) . ولنأخذ على سبيل المثال شخصية الأب (والد إسماعيل). لقد كانت شخصية الأب مهيأة منذ البداية لرفض القيم الغربية بقضها وقضيضها، فالأب رمز للأصالة والانتماء إلى الجذور. وهو حين ألحق ابنه بجامعة أوربية كان مضطرًا، ورأى أن هذا الأمر" إحسان من كافر لا مفر من قبوله" (12) لا مناص – إذن – من الصدام بين الأب وإسماعيل (وهو رمز للصدام بين القديم الأصيل والحديث الوافد من الغرب)، ولذلك لا يقبل الأب اتهام إسماعيل للمصريين بالتخلف، ولا يُسلم بانتقاده لزيت المصباح، ونراه يقول:" هل هذا هو كل ما تعلمته في بلاد بره؟ كل ما كسبناه أن تعود إلينا كافرًا" (13) .
وعلى الجانب الآخر نرى الأستاذ الأوربي الذي تلقى إسماعيل على يديه طبه يقول لتلميذه الشرقيّ العربيّ المسلم:" إن بلادك في حاجة إليك، فهي بلد العميان " (14) . إن العبارة تكاد تفصح عن كون العمى – من وجهة النظر الغربية – هو عمى البصيرة، الذي قاد الشرق إلى ما هو فيه من تخلف.
وإذا كانت" الغاية الأساسية من إبداع الشخصيّات الروائية هي أن تمكننا من فهم البشر ومعايشتهم" (15) فإن هذا الأمر قد لا يكون على هذا النحو تمامًا في قصة (قنديل أم هاشم) ؛ لأنها قصة رمزية، وبالتالي لن تعبر عن مضمونها بشكل مباشر، ولكن من خلال الرموز، أو الإيحاء غير المباشر، ولهذا لا تكون الشخصيات مجرد شخصيات نمطية مطابقة للواقع تمامًا؛ أو شخصيات تؤدي حدثًا اجتماعيًا معينًا دون دلالة؛ وإنما هي رموز لأفكار معينة ومقصودة يعبر عنها الكاتب بشكل غير مباشر. فإذا كانت الرؤية الفكرية لهذه القصة تقوم على إبراز الصراع بين الشرق والغرب فإن الكاتب حين يرى في الجانب الغربي ألوانًا من التقدم الحضاري لا يفوته أن يرصد الجانب الآخر؛ أو الوجه الثاني من العملة؛ وهو افتقاد الجانب الروحي والإنساني؛ ويعبر عن ذلك كله من خلال الشخصيات الثانوية أيضًا.
وتنعكس هذه الجوانب السلبية في الحضارة الأوربية من خلال شخصيتي: (ماري) البريطانية زميلته في الدراسة، و (مدام إفتالي) الإيطالية التي أقام في فندقها الصغير عقب صدامه مع مجتمعه، وفشله في علاج فاطمة النبوية، وانفراده بعيدًا عنهم ليعيد التفكير في واقعه المأزوم. وتشترك المرأتان في كونهما أجنبيتان، ومن ثم يجوز اعتبارهما رمزًا للحضارة الأوربية. وكل ما فيهما من مساوئ يمكن اعتبارها من عيوب الحضارة الأوربيّة.
أما ماري فقد فتحت عيني إسماعيل على عالم لم يكن يعرفه من قبل، لقد" وهبته نفسها، كانت هي التي فضّت براءته العذراء، أخرجته من الوخم والخمول إلى النشاط والوثوق، فتحت له آفاقًا يجهلها من الجمال، في الفن، في الجمال، في الموسيقى، في الطبيعة، بل في الروح الإنسانية العامة" (16) . لكن هذه الفتاة المتحررة تنتقد سلوك إسماعيل الشرقي البريء في عطفه على الفقراء والمحتاجين قائلةً:" أنت لست المسيح ابن مريم، من طلب أخلاق الملائكة غلبته أخلاق البهائم.. إن هذه العواطف الشرقيّة مرذولة مكروهة.." (17)
إن ماري هي" أوربا مختصرة في امرأة، استجمعت كل خصالها، وعلاقتها بإسماعيل، وعلاقته بها فيها الكفاية للكشف عن موقفه من الحضارة الأوربيّة" (18) . والحق أن المرأة الأوربيّة - بشكل عام - " هي أسرع وأقصر وسيلة للتعبير عن معنى الحريّة الشخصية التي يفتقر إليها البطل العربي" (19). وذلك لما يمكن أن نراه فيها من التحرر والفكاك من القيود، على عكس المرأة الشرقية التي تمتلئ حياتها بقائمة طويلة جدًا من القيود والمحرمات. ويمكن اعتبار الخلاص من القيود والتحرر والإباحية التي نجدها في ماري بعضًا من العيوب التي تمثلها الحضارة الغربيّة.
أما مدام إفتالي فهي:" تضع في كشف الحساب تحية الصباح، أو تستقضيه خطواتها إذا قامت وفتحت له الباب، حاسبته مرة على قطعة سكر استزادها في إفطاره، يحس بابتسامتها أصابع تفتش جيوبه. أهداها بعض الفطائر والسجائر فأخذتها نهمة متلهفة، وفي الصباح سألته ألا يطيل السهر في غرفته حرصا على الكهرباء" (20).
إنها صورة أخرى من صور الأنانية والجشع والطمع. لقد كان الكاتب موفقًا جدًا عندما جعل بطل الرواية يسكن عند (مدام إفتالي) التي تتصف بهذه الصفات عندما كان يمر بمرحلة القلق والبحث عن يقين وحل لمشكلته، لأن هذه سلوكيات هذه السيدة الأجنبيّة دفعته إلى إعادة تقييم موقفه من الحضارة الأوربية.
وأخيرًا نقول: إن التحمس الشديد للرؤية الفكرية قد يوقع الكاتب في بعض أوجه القصور، فيكون التعبير الفني على غير المستوى. خذ على سبيل المثال: تحول إسماعيل من الرفض المطلق للقيم الشرقية إلى الإيمان بها، أو المصالحة معها؛ كيف تم هذا التحوّل؟ لقد مرّ البطل بفترة عصيبة من الصراع النفسي، اعتزل فيها مقيمًا عند مدام إفتالي، ثم كان له في إحدى المناسبات الدينية أن" دار بعينه في الميدان.. وابتدأ يبتسم لبعض النكات.. ما يظن أن هناك شعبًا كالمصريين حافظ على طبعه وميزته رغم تقلب الحوادث وتغير الحاكمين، (ابن البلد) يمر أمامه كأنه خارج من صفحات الجبرتي،... اطمأنت نفس إسماعيل، وأحس أنه واقف على أرض صلبة" (21) . ولو أن البطل تعرض لمأزق شديد أو مَرض مثلاً، أو تجربة شخصية عنيفة أثرت فيه، وأعادته إلى الإيمان بالله وحب تراثه ووطنه بما هو عليه من عادت وتقاليد لكان الأمر أكثر واقعية. بيد أن هذا التحول المُباغت المُفْتَعَل كان ثمرة من ثمرات غلبة الرؤية الفكرية الذهنية على التعبير الفني.
ومن هذا القبيل – أيضًا – اختيار الراوي الذي يقص علينا قصة إسماعيل، فالراوي في هذه القصة هو: ابن أخي إسماعيل، وهو – بالطبع – يحكي لنا تجربة عمه لأنه عايشها وسمع بها من محيطه الاجتماعي. غير أن العلاقات النسائية المتعلقة بعَمِّه – خاصة في أوربا – هي بالأحرى من الأسرار التي لا يصح أن يُطْلَعَ عليها. وكذا بعض الخواطر التي تدور في عقل إسماعيل مما يعرضه الكاتب. إننا نشعر – في أغلب الأحيان – أن الكاتب ينسى الراوي ويتحدث هو عن إسماعيل حديث الراوي العليم العارف الملِّم بكل التفاصيل، ولا ضير في هذا الأمر – فكثير من الأعمال القصصية تنهج هذا النهج – غير أن الكاتب وقد اختار منذ البداية أن يكون الراوي شخصًا من محيط عائلة إسماعيل أن يلتزم بما تقتضيه هذه التقنية السردية من عدم خروج السرد عن دائرة المعرفة المتعلقة بالراوي السارد.
ثمة نقطة أخيرة نود الإلمام بها تتعلق بنهاية القصة. قال الكاتب (أو الراوي) عن إسماعيل: إن الناس قد أحبته جدًا، وبعد موته كانوا يطلبون له المغفرة، وعرف الراوي أن طلب المغفرة لعمه إسماعيل كان بسبب اشتهاره في الحي بحبه الشديد للنساء، ورغم أن الكاتب لم يشر إلى تورط إسماعيل في علاقات نسائية غير مشروعة إلا أن القارئ الحصيف يفهم ذلك بوضوح، يقول الراوي:" إلى الآن يذكره أهل السيدة بالخير، ثم يسألون الله له المغفرة. مم؟ لم يُفض لي أحد بشيء وذلك من فرط إعزازهم له. غير أني فهمت من اللحظات والابتسامات أن عمي ظل عمره يحب النساء، كأن حبه لهن مظهر من تفانيه وحبه للناس جميعًا... رحمه الله...." (22) . وهذه الخاتمة التي اختارها المؤلف كافيةُ تمامًا لهدم احترام القارئ لشخصية البطل – خاصة في مجتمعنا الشرقي الإسلامي – فنحن – الشرقيين والمسلمين – مهما أحببنا إنسانًا واحترمناه يسقط من احترامنا حين نعلم أن له علاقات نسائية.
غير أن الكاتب – في الأرجح – ربما يكون قاصدًا الرمز بتلك العلاقات النسائية التي تتطلب سؤال الله المغفرة لصاحبها إلى (التحرر من القيود على المستوى الشخصي بعيدًا عن الطابع الجماعي العام الذي فشل البطل في تحقيقه)، خاصة وأنه قد سبق للكاتب أن جعل حياته مع فتيات أوربا رمزًا لذلك التحرر من القيود الذي لم يجده في بلاده!!
ومع ذلك يمكن القول بأن هذا الجانب – في العلاقات غير الشرعيّة مع النساء – غير مقبول في حياتنا الشرقية، ومن ثمّ لا يتعاطف القارئ معه كثيرًا، حتى وإن استخدمه المؤلف على سبيل الرمز والإيحاء لا غير.

ايوب صابر 02-21-2012 08:53 PM

يحيى حقي

(7 يناير1905 - 9 ديسمبر1992) كاتب وروائي مصري. ولد يحيى حقي في أسرة ميسورة الحال في القاهرة وقد حصل على تعليم جيد حتى انخرط في المحاماة حيث درس في معهد الحقوق بالقاهرة وكان تخرجه منه في عام 1925. ويعتبر يحيى حقي علامة بارزة في الأدبوالسينما وهو من كبار الأدباء المصريين بجانب نجيب محفوظويوسف ادريس.
قضى يحيى حقي عمره كله في الخدمة المدنية ولم يكن له مصدر رزق سوى الكتابة يسد بها رمقه.ابتسم له الحظ حينما تسلم منصب مستشار في دار الكتب والوثائق القومية.
و أما في مجاله الأدبي فقد نشر اربعة مجموعات من القصص القصيرة. ومن أشهر روايته "قنديل أم هاشم". كتب العديد من المقالات والقصص القيرة الأخرى, وكما عمل محررا لمجلة أدبية وهي المجلة من عام 1961 إلى عام 1971 وقد منعت المجلة عن النشر في مصر.

مولده وعائلته

في بيت صغير متواضع،"من بيوت وزارة الأوقاف المصرية ب"درب الميضة" ـ الميضأة ـ وراء "المقام الزينبي" في حي السيدة زينببالقاهرة؛ ولد "يحي حقي" في يوم السبت الموافق 7 يناير سنة 1905 م، لأسرة تركية مسلمة متوسطة الحال؛غنية بثقافتها ومعارفها، هاجرت من (الأناضول) وأقامت حقبة في شبه جزيرة "المورة"، وقد نزح أحد أبناء هذه العائلة إلى مصر ـ في أوائل القرن التاسع عشر، قادما من اليونان، ـ هو " إبراهيم حقي " (توفي سنة 1890) وكانت خالته السيدة حفيظة المورالية (خازندارة) بقصور الخديوي إسماعيل ؛ فتمكنت من تعيين قريبها الوافد في خدمة الحكومة، فاشتغل زمناً في دمياط ثم تدرج في الوظائف حتى أصبح مديراً لمصلحة في بندر المحمودية بالبحيرة ؛ ثم وكيلاً لمدرية البحيرة ؛ هذا الرجل هو جد يحيى حقي. وقد كون "إبراهيم حقي" أسرة تركية المعدن تنصهر في بوتقة البيئة المصرية؛ فأنجب ثلاثة أبناء هم على الترتيب:محمد (والد يحيى حقي)، ومحمود طاهر حقي (ولد في دمياط سنة 1884م ،وتوفي في يناير 1965م، وهو الأديب المعروف)، وأخيراً كامل حقي (توفي في 2 من مايو سنة 1972 م).
وكان محمد إبراهيم حقي ـ والد يحيى ـ من بين أفراد تلك العائلة، الذين جروا على أعراف أبناء جلدتهم حيث حرص على الزواج من سيدة تركية الأصل تجيد القراءة والكتابة في زمن تفشت فيه الأمية بين نساء جيلها عامة، هذه الفتاة تدعى (سيدة هانم حسين) تنتمي إلى أب تركي وأم ألبانية، وقد التقت أسرتا "سيدة هانم " ومحمد حقي في بندر المحمودية بالبحيرة ،وزفت "سيدة" إلى "محمد" الموظف بنظارة الأوقاف ؛ وكان لمحمد ميل شديد للآداب والفنون يوافق ميل زوجه للتفقه في الدين وقراءة السير والمغازي؛ وقد أنجب محمد حقي عدداً كبيراً من الأبناء ؛هم على الترتيب :إبراهيم، إسماعيل، يحيى، زكريا، موسى، فاطمة، حمزة، مريم...،
وقد توفي حمزة ومريم وهما طفلان، كما توفي عدد آخر من الأطفال قبل أن يبلغوا من العمر شهوراً. كان والد يحيى حقي يقتني العديد من المجلات السيارة في مطلع هذا القرن ؛ أما والدته فكانت متعلمة لها حزم وبصر، وتصرف في الأمور ؛ فكانت تدير المنزل وتدبر شئونه ؛ ويبدو أن محمد إبراهيم حقي شأنه شأن كل رجال الأُسَرِ في ذلك الوقت يترك لزوجته تحمل مسئولية تربية أبنائها ـ خاصة إذا كانت ربة الأسرة لها قسط من التعليم ـ وقد كانت أم يحيى حقي ضليعة في تربية أبنائها ومراعاة مصالحهم وسد احتياجاتهم، وظلت حريصة على إلحاقهم بأعلى مستويات التعليم.
كان عمه محمود طاهر حقي:الأديب المعروف، صاحب مجلة "الجريدة الأسبوعية ". أما الأخ الأكبر ليحيى فهو الأستاذ "إبراهيم حقي" كان يعمل في الخاصة الملكية ثم انتقل بعد ذلك للعمل في إحدى الشركات التجارية الكبرى (فيلبس) وكان له ولع بالكتابة حيث إنه شارك في مطلع حياته بالكتابة في مجلة (السفور). ثاني اخوته الدكتور (إسماعيل حقي)، قضى زمناً في التدريس في المعاهد المصرية ثم أحيل إلى المعاش وسافر إلى الرياض ليعمل بجامعة الملك سعود، أما أخوه الذي يصغره وهو الرابع في الترتيب فهو " زكريا حقي " الذي درس الطب وعمل مديراً بإحدى مصالح وزارة الصحة، ثم الأستاذ "موسى حقي " الذي تخرج في كلية التجارة، ثم حصل على درجة (الماجستير) في السينما وكان يشغل وظيفة كبيرة بإحدى المؤسسات السينمائية ؛ أما فاطمة وزوجها الأستاذ "سيد شكري" فكانا قارئين نهمين للأدب. هذه هي عائلة يحيى حقي التي ولد بين أحضانها وتربى فوق مهاد أفكارها.
تعليمه

تلقى يحيى حقي تعليمه الأوليَّ في كُتَّاب "السيدة زينب"، وبعد أن انتقلت الأسرة من "السيدة زينب" لتعيش في "حي الخليفة"، التحق سنة 1912 بمدرسة "والدة عباس باشا الأول" الابتدائية بحي "الصليبية" بالقاهرة، وهذه المدرسة تتبع نفس الوقف الذي كان يتبعه (سبيل أم عباس) القائم حتى اليوم بحي "الصليبية"، وهي مدرسة مجانية للفقراء والعامة، وهذه المدرسة هي التي تعلم فيها مصطفى كامل باشا. قضى "يحيى حقي" فيها خمس سنوات غاية في التعاسة، خاصة بعد رسوبه في السنة الأولى إثر ما لقي من مدرسيه من رهبة وفزع ؛ لكنه استطاع ـ بعد صدمة التخلف عن أقرانه ـ أن يقهر إحساسه بالخوف وأن يجتهد محاولاً استرضاء والدته التي تكد وتكدح جاهدة للوصول بهم إلى بر السلامة، وفي عام 1917 حصل على الشهادة الابتدائية، فالتحق بالمدرسة السيوفية، ثم المدرسة الإلهامية الثانوية بنباقادان، وقد مكث بها سنتين حتى نال شهادة الكفاءة، ثم التحق عام 1920م بالمدرسة "السعيدية" ـ وكان يسكن حينئذ مع أسرته في شارع محمد على ـ عاماً واحداً، انتقل بعده إلى المدرسة "الخديوية" التي حصل منها على شهادة (البكالوريا)، ولما كان ترتيبه الأربعين من بين الخمسين الأوائل على مجموع المتقدمين في القطر كله، فقد التحق في أكتوبر 1921م بمدرسة الحقوق السلطانية العليا في جامعة فؤاد الأول، وكانت وقتئذٍ لا تقبل سوى المتفوقين، وتدقق في اختيارهم. وقد رافقه فيها أقران وزملاء مثل: توفيق الحكيم، وحلمي بهجت بدوي، والدكتور عبد الحكيم الرفاعي ؛ وقد حصل منها على درجة (الليسانس) في الحقوق عام 1925، وجاء ترتيبه الرابع عشر، وكان يتمنى أن يكون بين أولئك الذين سترسلهم مدرسة الحقوق في بعثات إلى جامعات أوروبا ؛ لإعدادهم لشغل مناصب الأساتذة تدعيماً لحركة تمصير مدرسة الحقوق العليا، وإحلال الأساتذة المصريين محل الأساتذة الأجانب، إلا أنه رسب في الكشف الطبي وخرج من دائرة المرشحين الأصليين إلى مرتبة المرشح الاحتياطي.
وإنني أشك في هذه الرواية التي كتبها الأستاذ "مجدي حسنين" بمجلة "الشاهد" في مقدمته لحوار أجراه مع يحيى حقي؛ فقد كان لدى يحيى حقي الطموح لذلك قبل أداء الامتحانات، لا بعده ؛ إذ أنه لم يوفق للتفوق في بعض المواد؛ فتأخر بترتيبه إلى المرتبة الرابعة عشرة. وأياً كان الأمر فقد كانت مدرسة الحقوق نهاية المطاف الرسمي للتعلُّم عند يحيى حقي، التعلّمُ المعتمد بشهادات رسمية، ليبدأ مراحل جديدة من التثقيف العلمي والمعرفي الذاتيين.
عمله

كا ببعثة إعداد خريجين لشغل منصب أساتذة بدلاً من الأجانب؛لكن "الكشف الطبي" حال دون بقاء هذا الأمل ؛ أو " أن الدور لم يأت عليه " مطلقاً ؛ فنـزل من مرتبة المرشح الأصلي إلى مرتبة الاحتياطي؛ لتصبح مدرسة الحقوق ـ كما قلت ـ هي نهاية المطاف الرسمي للتعلّم عنده.
لم يكن هناك بد من أن يقف في طابور طالبي الوظائف مثله في ذلك مثل جميع أفراد أسرته الذين لم يجرؤ أحد منهم على العمل في المهن الحرة ؛ فأصبح أمله أن يعينه ترتيبه المتقدم للحصول على وظيفة في قلم قضايا الحكومة، ولما أن كانت وظائف النيابة المختلفة حكراً على أولاد الذوات، وعلى من يجيد الحديث باللغة الفرنسية؛ اضطر ـ لذلك ـ أن يقدم طلباً للنيابة الأهلية ؛ فعمل بها فترة تحت التمرين؛ دون أن يكون راضياً عن عمله، وقد اختار العمل بمكتب نيابة " الخليفة " ومقرها شارع نور الظلام ـ (وذلك في مبنى المحكمة الشرعية) ـ لقربه من مسكنه، وبهذه الوظيفة بدأ يحيى حقي حياته العملية، وأصدق وصف لها هو " صبي وكيل النيابة" ـ على حد تعبيره ـ ما لبث أن ترك بعد مدة وجيزة هذه الوظيفة التي تجعل منه تابعاً، ولا تعطيه الحق في تحمل المسئولية؛ ليعمل بعدها بالمحاماة تلك المهنة التي تحتاج إلى معارف ومعاملات مع الناس، الأمر الذي لا يتوفر له أو لعائلته، والقاهرة بلد كبير يحتاج فيها المحامي الناشئ إلى شيء من ذلك؛ ولما تحقق له الفشل الذي توقعه سافر إلى الإسكندرية ليعمل في أول الأمر عند الأستاذ زكي عريبي، المحامي اليهودي المشهور وقتذاك (وقد أسلم هذا الرجل بعد ذلك)، بمرتب شهري قدره ستة جنيهات، لم يقبض منها شيئاً ثم انتقل إلى مكتب محام مصري بمرتب قدره ثمانية جنيهات شهرياً، وسرعان ما هجر الإسكندرية إلى مديرية البحيرة ليعمل فيها بمرتب شهري قدره اثنا عشر جنيهاً، وقد سمح له هذا العمل بالتنقل بين مراكز مدينة البحيرة، وكثيراً ما تعرض للخداع من قبل الوسطاء الذين يعملون بين المحامين والمتقاضين، هذا الأمر جعله يفقد الإحساس بالأمن والاستقرار، كما أغرقه في الشعور بالخوف من المستقبل، فلم يلبث في عمله بالمحاماة أكثر من ثمانية أشهر ؛ لأن القلق على مستقبله بدأ يساور أهله؛ فبدؤوا يبحثون له عن عمل بالوساطات والشفاعات حتى وجدوا له وظيفة معاون إدارة في منفلوط بالصعيد الأوسط؛ وبعد وفاة والده عام 1926، لم يجد بُداً من الخضوع لأوامر العائلة وقبول تلك الوظيفة ؛ التي تسلم عمله بها في الأول من يناير عام 1927.
كانت الوظيفة الجديدة أقل كرامة من وظيفة النيابة ؛ فلم يقبل المنصب إلا صاغراً مستسلماً. وقد عانى فيه مشقة كبرى وامتحن فيه امتحاناً عسيراً وعرف الغم والهم والحسرة والألم. ولكنه ـ من جهة أخرى غنم من تلك الوظيفة مغانم كثيرة لا تحصى ؛ بالنسبة لمستقبله ككاتب.
عاش يحيى حقي في الصعيد، عامين كان يتطلع خلالهما للخلاص من تلك الحياة القاسية، حتى أتاه بالمصادفة المحضة ـ كما يقول ـ إذ قرأ إعلانا من وزارة الخارجية عن مسابقة لأمناء المحفوظات في (القنصليات)، و(المفوضيات)؛ فحرص على التقدم إلى تلك المسابقة التي نجح فيها، فعين أمينا لمحفوظات القنصلية المصرية في جدة، عام 1929 ثم نقل منها إلى استنبول عام 1930م، حيث عمل في القنصلية المصرية هناك، حتى عام 1934؛ بعدها نقل إلى القنصلية المصرية في روما، التي ظل بها حتى إعلان الحرب العالمية الثانية في سبتمبر عام 1939م؛ إذ عاد بعد ذلك إلى القاهرة في الشهر نفسه، ليعين سكرتيراً ثالثاً في الإدارة الاقتصادية بوزارة الخارجية المصرية، وقد مكث بالوزارة عشر سنوات رقي خلالها حتى درجة سكرتير أول حيث شغل منصب مدير مكتب وزير الخارجية، وقد ظل يشغله حتى عام 1949م ؛ وتحول بعد ذلك إلى السلك السياسي إذ عمل سكرتيراً أول للسفارة المصرية في باريس، ثم مستشاراً في سفارة مصر بأنقرة من عام 1951 إلى عام 1952، فوزيراً مفوضاً في ليبيا عام 1953.
أُقِيلَ من العمل الديبلوماسي عام 1954 عندما تزوج (في 22/9/1953م) من أجنبية، وعاد إلى مصر ليستقر فيها ؛ فعين مديراً عاماً لمصلحة التجارة الداخلية بوزارة التجارة ؛ ثم أنشئت مصلحة الفنون سنة 1955 فكان "أول وآخر مدير لها، إذ ألغيت سنة 1958 "، فنقل مستشاراً لدار الكتب، وبعد أقل من سنة واحدة أي عام 1959 قدم استقالته من العمل الحكومي، لكنه ما لبث أن عاد في أبريل عام 1962 رئيساً لتحرير مجلة " المجلة " التي ظل يتولى مسئوليتها حتى ديسمبر سنة 1970، وبعدها بقليل أعلن اعتزاله الكتابة والحياة الثقافية.
حياته الاجتماعية

عاش يحيى حقي حياته محايداً ؛ مكشوف الطوية ؛ "من تعرف عليه ولو في كهولته، فكأنما عرفه منذ كان طفلاً في المهد ؛ إذ بقي معه ـ حتى نهاية حياته ـ شيء من طفولته، وقليل من صباه، وأَثَارَةً من شبابه، وهذا في جملته يدل على أنه كاتب عظيم ".
صفاته الجسمية

كان يحيى حقي قصير القامة، " لايزيد طوله عن المتر " إلا (بِلُكَّمِيَّة) ـ على حد تعبيره ـ له وجه طفل سمح، وردي اللون؛ ورأس كبير، زحفت جبهته حتى منتصفه، وفم لا تفارقه البسمة الخجول الغامضة، الودود المتوددة، في عينيه بريق حاد يجعلهما كعيني صقر، يشع منهما ذكاء فريد نصفه دهاء ونصفه حياء، ونفاذ بريقهما لا يكاد يتخلله سوى رعشة الخجل، ينكفئ بين العينين أنف ليس صغيراً، ترتاح على جانبيه وفوق كرسيي خديه، عدستا (منظار) كجناحي فراشة، تزيد مسحة الذكاء إشعاعاً وانطلاقاً، ذلك (المنظار) الذي اعتاد عليه منذ وقت مبكر جداً من طفولته، مثله في ذلك مثل كل أفراد عائلته؛ في يده اليمنى يمسك عصاً معقوفة من الأعلى، قد يغطي مقبضها أحيانا بمنديل من قماش أبيض، كما يغطي رأسه بـ (بيريه).
تربيته وشخصيته

كان زملاء يحيى حقي يتندرون عليه بدعوى أنه مؤدب أكثر مما يجب، وأنه يستخدم كلمة (أفندم) التركية، في كل كبيرة وصغيرة؛ وكانت هذه الكلمة رمز الأدب وحسن التربية عند الطبقة الوسطى وما فوقها، هذا الخلق لم يكتسبه يحيى حقي من صحبته للديبلوماسيين ؛ لكن ذلك كان غرس أمه، التي هي منبع ذلك الخلق ؛ أدبته فأحسنت تأديبه، وعلمته ـ كما قال ـ كيف يجب أن يجلس ويتكلم، وكانت تقيد عليه وعلى إخوته الخمسة كل زلة لسان ينبو بها القصد ـ وإن كانت بريئة ـ فتنبههم إليها إذا انفض الجمع، و"انتهت طفولته، ومضى صباه وسارت حياته كسلسلة من حديد في قوانين صارمة لا يستطيع أن يتعداها". إن البيت الذي نشأ فيه يحيى حقي لم يعرف الفروق الطبقية أو الجنسية، في وقت كان الأتراك يتميزون فيه ويتصفون بالكبر والاستعلاء، ويحار المرء في كنه هذا الأمر؛ هل هو مكتسب بالفقر، أو هو طبع أصيل ؟ ؛ " وسواء أكان الأمر هذا أم ذاك ؛ فإنه هو الذي نشأ عليه ذلك الطفل الغريب"، الذي عاش حياته كلها في ظل ألفة اجتماعية جعلته قريباً من كل قلب ؛ تخلل تلك الألفة بارقات من الضجر الاجتماعي الذي كان يعتوره أحياناً، وقد رصدته بعض المصادر بينما غفل عنه الكثيرون من دارسيه ورفقائه.
الائتلاف الاجتماعي

منذ عرف يحيى حقي الطريق إلى الشارع وإلى المدرسة، أصبحت "الصداقة" هي عصب حياته، وأهم عناصرها على الإطلاق... وبدءاً بأيام مدرسة (أم عباس)، ظل يحتفظ ببعضها حتى نهاية حياته... وقد شكلت صداقته ـ طوال حياته ـ ثلاثة تجمعات رئيسة ؛ لكل واحدة منها اهتماماتها الخاصة
أولاً: جمعية الأخلاق الفاضلة

أولى التشكيلات الاجتماعية التي انخرط يحيى حقي فيها هي: "جمعية الأخلاق الفاضلة" في المدرسة الإلزامية، هذه الجمعية مهمتها أن تحمي الأخلاق وتحافظ عليها وعلى القيم الاجتماعية، والالتزام بها... ؛ ولكن ما أعظم خيبة الأمل عندما اكتشف يحيى حقي أن أعضاء تلك الجمعية أنفسهم هم الذين لا يحمون خلقاً، ولا يحافظون عليه أو يلتزمون به، فتركهم ليعيش الأخلاق الفاضلة في حياته، سجية وطبعا، دون أن ينضوي بها تحت شعار براق لا يحميه من يشرعه في وجوه الآخرين.
ثانياً : جماعة الحقوقيين

في مدرسة الحقوق انغمس يحيى حقي في دراسة القانون، وزامل وصادق والتقى ـ فيها ـ بنخبة من العباقرة الذين عرفتهم مصر بعدئذ، وكانت الجماعة التي انضم إليها ؛ جماعة من المجدين المجتهدين، أخذ أفرادها الدرس أخذ حياة ومنهج، كان منهم المرحوم حلمي بهجت بدوي، وعبد الحكيم الرفاعي، وسامي مازن ؛ كان اجتماعهم حلبة ساخنة للمناقشة ؛ يزكي أوارها نخبة من الأساتذة العظماء مثل عبد الحميد أبو هيف، ونجيب الهلالي، وأحمد أمين... وغيرهم.
في اجتماعه مع هؤلاء، لم يكن للأدب نصيب وافر من المدارسة أو المناقشة، فلم تكن جماعتهم تناقش إلا القانون ،ولا تهتم بشيء قدر اهتمامها بما يدور في إطاره من ثقافات ومعارف، وكان القانون وثقافته ـ وقتئذ ـ يشغل يحيى حقي؛ فدخل في سباق رهيب، كان وطيسه يشتد كلما مضت السنوات واقترب موعد التخرج؛ لكنه في تلك الأيام استطاع أن يتلمس من خلال معطياتها الدوافع الأولى للكتابة في حياته.

ايوب صابر 02-21-2012 08:54 PM

تابع ...يحيى حقي

ثالثاً: جماعة الأدباء

انخرط يحيى حقي في جماعة موازية لجماعة الحقوقيين الذين لم يهتموا إلا بالقانون، هذه الجماعة هي "جماعة الأدباء"، يجتمعون بمقهى "الفن" الشهير في عماد الدين، أمام مسرح رمسيس ـ (مسرح الريحاني الآن) ـ وعن طريق شقيقه إبراهيم حقي التقى بزملاء الشباب الواعد، وعلى مقهى "الفن"، كان أقرب الأصدقاء إلى نفسه المهندس محمود طاهر لاشين (1894 ـ 1954م)، والدكتور حسين فوزي (1900 ـ 1988) إلى جانب أنواع وأنواع من الفنانين والكتاب الذين التقى بهم يحيى حقي في مقهى "الفن".
هذه ثلاثة أنواع من التجمعات التي انتمى إليها يحيى حقي ؛ لكل تجمع منها أهدافه وتوجهاته ورؤاه وطموحاته الخاصة، وكل هذه الطموحات والتوجهات كانت تجتمع في شخصية يحيى حقي ؛ الذي لم يكن يألف ـ على الرغم من تسامحه الفياض ـ غير أصدقائه المقربين، بل كانت تنتابه أحياناً حالة نفسية في تعامله مع المجتمع من حوله، لنا أن نسميها "ضجراً اجتماعياً"، وقد رصدت بعض المصادر هذه الحالة النفسية الصعبة، التي كانت تنتابه لكنها لم تلفت الانتباه إليها بعد ؛ فهو كثيراً ما كان يبدو "غريب الأطوار ".
الضجر الاجتماعي

هذا النوع من القلق لم يكن وليد نبع واحد، بل كان مصباً لتيارات مختلفة؛ نشأت عن جذور راسخة في أغوار يحيى حقي بعضها نتيجة مباشرة للتربية، وبعضها وليد "الحاجات الإنسانية". ويمكننا توزيع مظاهر هذا الشعور إلى نقاط من أهمها:
[ 1 ] فرط خجله

فالخجل من أكثر المكتسبات التربوية حضورا في شخصية يحيى حقي، وقد وجدت في كلام للدكتور على شلش ما يشير إلى ذلك، في معرض حديثه عن يحيى حقي، بعد أن التقى به في إحدى الندوات التي نظمتها رابطة الأدب الحديث لمناقشة كتاب " فجر القصة المصرية" ؛ فيصفه قائلا : "راح ينظر إلى الحاضرين في وداعة ـ تارة ـ ثم ينظر تارة أخرى إلى الأرض ويده اليسرى تقبض على عصاه القصيرة في قلق ظاهر، وكأنما يقول في نفسه : ماذا جنيت حتى يتفرج علي الناس هكذا ؟".
[ 2 ] النـزعة التركية

عاش يحيى حقي صراعا باطنيا عنيفا بين انتماء الأصل إلى الأتراك وانتماء الفرع إلى المصريين، ذلك الانتماء البديل المفروض عليه، وقد صدر هذا الصراع عن حاجته الإنسانية إلى الارتباط بالجذور، وتحديد هوية صريحة غير مزدوجة ؛ إضافة إلى حاجته إلى "انتماء " ؛ فهذه الحاجات تعارضت بين بعضها البعض ؛ فحاجته إلى الانتماء دفعته للذوبان في المجتمع المصري، الذي ولد ونشأ وتربى وعاش تحت ظلته وفي أحضانه ؛ بينما كانت حاجته إلى الارتباط بالجذور وتحديد هويته: عوامل مناهضة لمصريته، فكانت تطرق عليه بشدة من الداخل، ودفعته للنظر إلى المجتمع المصري نظرة مصلح، نافذة ناقدة، ليتحول من نقد الذات إلى جلدها كمحاولة لتعويض ما افتقده بسبب هذا الانتماء المفروض عليه لمصر، من انفصام ارتباطه بجذوره، ومن هذا المنظور وقف يحيى حقي في تشكيل شعوره عند نقطتين مهمتين هما في الحقيقة وجها العملة ؛ فتارة يعلي من قدر الأتراك، وتارة أخرى يذم المصريين؛ فهو عندما يتحدث عن " محمد علي "، العصامي الذي وطد عرشه في مصر، يمتدحه لأنه " ظل مخلصاً لفن وطنه "، ويحمد له إخلاصه لهذا الوطن وتواصله معه " فلم تفصمه عنه الحروب المتتالية، ولا نية التوطن في بلد غريب يباين عادات وطنه الأصلي " ؛ فالفرق بين مصر وتركيا قائم في وجدان يحيى حقي الذي يتطلع للالتحام وترك ذلك الانتماء البديل المفروض عليه بحكم المولد والنشأة، وقد أسبغ هذا الاحساس على شخصياته وحركها بوازع من رغباته الدفينة ؛ بعد أن أضاف إليها آراءه في المصريين؛ فشخصية (سرنديل هانم) " تعالت على المصريين وأقامت من نفسها دليلاً ناطقاً حياً، على عدم صلاحية المصريين للحياة..! والمصريون ـ عفا الله عنهم ـ لا يحبون من أحد أن يذكرهم بخطئهم، لذلك انقطعت الصلة بينها وبين جيرانها … وبرهنت بذلك على أن التركية والمصرية لا تأتلفان..! ".
وقد ينطق ـ في مواضع أخرى ـ المصريين بذم أنفسهم أو يشير إلى ذلك ؛ فهذا متطوع لفض اشتباك نشب في الطريق " يحاول ـ بعد خطبة قصيرة في ذم خلق المصريين ـ أن يرفع العربة قليلاً " ؛ كما أن بطله " إسماعيل " في (قنديل أم هاشم) لا يرى في المصريين سوى جنس سمج ثرثار، أقرع أرمد، عارٍ حافٍ، بوله دم وبرازه ديدان، يتلقى الصفعة بابتسامة ذليلة تطفح على وجهه... فمصر والمصريون عاشوا في الذل قرونا طويلة فتذاوقوه واستعذبوه.. ومصر نفسها ما هي إلا قطعة (مبرطشة) من الطين، أسنت في الصحراء، تطن عليها أسراب من الذباب والبعوض، ويغوص فيها ـ إلى قوائمه ـ قطيع من جاموس نحيل".
فلا يخفى ما في هذا التوجه الفكري والنفسي من مشاعر احباط، ثم عدائية ودونية ينظر من خلالهما إلى بلد لها تاريخها الضارب بجذوره في أعماق التاريخ، فكانت منارة يُهْتدي بها علماً وحكمة وسياسة وفناً، في الماضي والحاضر، في آونة لم تكن فيها تركيا، أو كانت ترسف في أغلال ظلمات القرون الوسطى، واكتفى يحيى حقي بالنظر إليها في عصر الضعف والانحلال، وحقبة الانكسار، عندما كانت مكبلة بقيود الاستعمار ؛ فلم تكن نظرته إليها إلا نظرة اعتقاد لا مجرد معايشة ونقد ذات، كما يدعي، بل هي محاولة "جلد الآخر" تلميحاً وتصريحاً في آن واحد.
رد على النزعة التركية عند يحيى حقي بقلم / صلاح معاطي لم يظهر ذلك الصراع الباطني مطلقا عند يحيى حقي لا في كتاباته فلم يكن انتماء الأصل للأتراك وانتماء الفرع للمصرين كما أشار الكاتب.. فليس يحيى حقي الذي يشغله هذا التناقض المحدود فقد كان انتماؤه مصريا خالصا أصلا، وفرعا ولو أنني أرى أن جنسية الأديب وانتماءه لا يعيبانه ككاتب فكلنا عشق تشيكوف وترجنيف وتولستوي وبراندللو وجوجول وهوجو وغيرهم وغيرهم دون النظر إلى بلدانهم وانتماءاتهم حتى من كانت لهم جذور غير مصرية مثل علي أحمد باكثير حتى الجبرتي مؤرخ الحملة الفرنسية له جذور حبشية ومع ذلك نقل بكل أمانة وصدق الأحداث بمصرية صميمة ولكن بالنسبة ليحيى حقي فالأمر يختلف فقد كان مصريا خالصا مصري المولد والمنشأ والممات ولم يكن يعرف من التركية سوى كلمات قليلة تلك التي كان ينهر بها مثل أدب سيس، خرسيس، سكتر برة. وقد تعلمها على كبر..
كما كان يقول لو عصرتموني في معصرة قصب فلن تجدوا بداخلي نقطة تركية واحدة وكان يقول أيضا لو قسمتم أي زلطة في مصر ستجدون فيها يحيى حقي.. لقد ذاب يحيى حقي في المجتمع المصري الذي وجد فيه وصار فكره وانتماؤه وعقله موجها إليه فهو عندما ينقد فهو ينقد للأصلح.. أما صراعه الأزلي فكان ذلك الصراع الذي أصاب كل من خرج من مصر ليصطدم بالحضارة الغربية وكان هناك صراع آخر خفي هو صراع الإنسان بين مثله وغرائزه.. أما ما جاء على لسان إسماعيل في قنديل أم هاشم من وصف المصريين أنه جنس سمج ثرثار، أقرع أرمد، عارٍ حافٍ، بوله دم وبرازه ديدان ،... إلخ.. فقد جاء على لسان بطل الرواية الذي كان في لحظة ما خصما للكاتب يحيى حقي فهو بهذه الصورة يرسم وجها آخر لشخصية إسماعيل الذي أصبح يرى المصريين على هذه الصورة وليس يحيى حقي..
المصادر
  • صفحات من تاريخ مصر – يحيى حقي
  • قنديل أم هاشم – يحيى حقي
  • وصية صاحب القنديل.. صلاح معاطي
  • من يحيى حقي إلى ابنته نهى – نهى حقي
[ 3 ] العواطف الطارئة

إلى جانب ما تتسم به شخصية يحيى حقي من خجل ونزوع نحو الانتماء التركي، كانت عواطفه الطارئة تتحكم فيه أشد التحكم، ويتضح ذلك جلياً لمن يجلس إليه ؛ فيذكر الاستاذ أحمد عباس صالح أنه :"كثيراً ما يقبل عليك بشغف شديد وينطلق في حديث طويل.. طويل، ثم فجأة تتغير ملامح وجهه دون سبب ظاهر، ويقطع هذا كله وينصرف عنك"؛ فهو كثيراً ما كان يشعر بالمرارة والانكسار المباغتين ؛ فيشعر مجالسيه بها ؛ فيذكر " أحمد عباس " ـ في هذا الصدد ـ أنه التقى بصحافي (يوغسلافي) ترجم بعض قصص يحيى حقي ونشرها في (يوغوسلافيا)، فأحدثت ضجة ودهشة هناك، وإعجاباً كبيراً لما لهذه الأعمال من مستوى فني راق، وهذا الصحافي (اليوغسلافي) كان يريد مقابلة حقي ؛ لكن " الأستاذ صالح " لم يوفق في جمع الصحافي الأجنبي بالكاتب الكبير، يذكر أحمد عباس صالح أنه حينما أبلغ يحيى حقي الخبر ؛ ابتسم ابتسامة مشرقة، ثم عاد فتجهم وجهه ؛ وهذا التعبير الذي كان يطفر على وجه يحيى حقي رغماً عنه، هو وليد شعور دفين بأنه لم يظفر بالشهرة اللائقة، لأنه كان لا يجيد أسلوب الدعاية عن نفسه، ويعلم ــ في الوقت ذاته ــ أنه لا يجيد ذلك ؛ كما كانت ليحيى حقي لحظات خاصة يعيشها، ويجد لذته الغريبة فيها، إذ يشعر نفسه خلالها بالظلم الاجتماعي والانكسار النفسي.
كما رصد الأستاذ أحمد عباس صالح طائفة من الأمثلة والمواقف التي تدعم رؤيته هذه ؛ لكن الذي نريد التأكيد عليه أن الأستاذ "أحمد عباس" هو الوحيد الذي لاحظ على يحيى حقي هذه الملاحظة، وصرح بها، هذا إذا أخذنا كلام الدكتور "على شلش" على أنه مجرد وصف عفوي قشري، لرجل يجلس في حياء التواضع على منصة الرفعة والتكريم. وقد حاولت الاهتمام بهذه النقطة لتأكيدها عنده أو نفيها عنه ؛ فإذا بي أجدها حالة مسيطرة عليه، تنتابه غالباً ؛ يقول الروائي "صالح مرسي" عنه :"عذبني كما لم يعذبني أحد من كتابنا ؛ أَمَضَّني وجعلني أسهر الليل بحثاً عنه، ثمة شيء غامض فيه، ومستور بكثافة الكتمان والصمت، ألقاه في شوق، وأفترق عنه بثورة، ويلقاني بعتاب ويتركني دائماً بغضب".
ويذكر الأستاذ "صالح مرسي" أنه حينما شرع في كتابة مقالته عن حياة يحيى حقي ؛ تلك التي نشرت بمجلة الهلال، لم يجد من يحيى حقي سوى الضجر من تلك اللقاءات، بل إنه في الجلسة الرابعة تحديداً نهض من مكانه أثناء الحديث وسار إلى الباب وفتحه قائلاً : "كفى.. تعال في وقت آخر..!!"
هذا جانب " الفعل " Action، وهناك جانب آخر يجعل الصورة أكثر وضوحاً وجلاءً هو جانب "رد الفعل Reaction"، نلتمسه في موقف، من مواقف أصدقائه المقربين، ضده ؛ فربما كان تلاشي طبيعته السمحة حينما يخشوشن في معاملة أصدقائه ؛ تصيبهم بصدمة عنيفة غير متوقعة، فمثلاً ظلت علاقته بصديقه "محمود محمد شاكر" (1909 ـ 1997)، قرابة ثلاثة وخمسين عاماً ؛ لكنه حينما كان الأستاذ "صلاح معاطي" يعد مادة كتابه "وصية صاحب القنديل" ـ الذي يتحدث فيه يحيى حقي عن أصدقائه ثم يتحدث هؤلاء الأصدقاء عنه وعن ذكرياتهم معه ـ كشف النقاب عن أبعاد خفية في علاقة يحيى حقي بأصدقائه المقربين ؛ إذ أن الأستاذ " معاطي" عندما بدأ في استكمال دائرة الكتاب، بجمع أحاديث هؤلاء الأصدقاء عن يحيى حقي ؛ وكانت الشخصية الثانية التي تحدث عنها يحيى حقي هي شخصية الأستاذ محمود محمد شاكر ؛ فحاول "معاطي" الاتصال به مرات عديدة ؛ " لكنه اعتذر عن الحديث حول يحيى حقي ؛ بدعوى أنه مريض، وأنه لا يريد أن يتحدث عن أصدقائه الذين يحبهم" ؛ وهكذا تخلص الأستاذ محمود محمد شاكر ـ بشكل مدهش ومثير للشك ـ من الحديث عن يحيى حقي ؛ لكن الأستاذ "فؤاد دوارة" وجه الأستاذ صلاح معاطي إلى بابين يستطيع أن يصل من أحدهما إلى محمود شاكر ؛ أولهما السيدة "عايدة الشريف" ؛ التي تحمست للفكرة وحاولت جهدها مع الأستاذ محمود شاكر ؛ لكن دون جدوى، فلم يبق أمام "معاطي" سوى الباب الثاني، وهو "فهر"، ابن الأستاذ محمود شاكر ؛ لكنه هو الآخر لم يستطع إقناع والده، وذهبت محاولاته كلها أدراج الرياح؛ يقول الأستاذ صلاح معاطي : "لم أسترح إلى عدم مشاركة الأستاذ محمود شاكر في الحديث عن يحيى، وقررت أن أحاول ثانية فذهبت للقائه في المجمع اللغوي ـ مستعيناً بالأستاذ "إبراهيم الترزي"ـ وانتظرت حتى خرج "محمود شاكر" من جلسة المجمع معتمداً على عصاته؛ فعرضتُ عليه الأمر، وقبل أن أكمل كلامي فوجئت به يحتد قائلاً : " يحيى حقي..ليس لي علاقة به، ولا أعرف عنه شيئاً"
هل يتخيل امرؤ أن يصدر هذا الكلام عن رجل ربطته علاقة صداقة غير تقليدية بيحيى حقي، دامت نحو ثلاثة وخمسين عاماً، إلا إذا كانت هناك خلافات في الرأي وتباين في الأمزجة تفاقمت آثارهما لحد وصل بهما لحد إنكار الصديق لصديقه ؟. لقد كتب الأستاذ محمود محمد شاكر ـ قبل جملته التي قالها لصلاح معاطى ـ مقالة في الأهرام ـ عقب وفاة يحيى حقي ـ عنوانها "يحيى حقي:صديق الحياة الذي افتقدته"، تحمل إرهاصات ذلك التصريح الذي صدر عن الأستاذ محمود شاكر رغما عنه، في ثورته، فمما جاء في هذه المقالة حديثه حول علاقته بيحيى حقي يقول فيها: "كانت علاقتي بيحيى حقي مزيجاً من صلات العمل العلمي والأدبي، وخلافات في الرأي ووجهات النظر، مع تباين واضح في الأمزجة والطباع، وتبادل لمحات الفكر وجوانب المعرفة".
ويبقى السؤال: ترى هل وصلت بهما خلافات الرأي وتفرق وجهات النظر وتباين الأمزجة والطباع، لحد ينكر فيه الصديق صديقه ؟ أنا لا أحاول التشكيك في طبيعة يحيى حقي ولا في طبيعة الأستاذ شاكر، أو وفاء الأخير ؛ لكني أرصد فقط ـ ههنا ـ صوراً لحالة الضجر الاجتماعي التي كان يمر بها يحيى حقي، وأثر تلك الحالة في علاقته ببعض أصدقائه المقربين وانعكاسها عليهم.
شخصيته (الديبلوماسية)

ظل يحيى حقي موظفاً جل حياته ؛ لكن وظيفته كانت في السلك (الديبلوماسي)، فأبعدته عن جمود العمل الحكومي، كما أبعدته عن الخضوع المباشر لسلطان الإدارة في مصر، وأفسحت له فرصة التنقل بين العواصم ومدارس الثقافة والفن المختلفة، وأن يستمتع بالفراغ الذي توفره مثل هذه الوظائف لأصحابها، فتلك الوظائف لا يجد شاغلوها ـ في لأغلب الأعم ـ ما يشغلهم، فلما عاد إلى مصر عاد ظل محتفظاً بطابعه، طابع التنقل الحر بين التداعيات المختلفة، والاسترسال مع السليقة..، وعندما انقطع للأدب والكتابة، خلع عنه البقية الضحلة من مظهر الرسمية فأصبح "الأديب الخالص، المخلص للأدب، من منبت الشعر إلى أخمص القدم.. الأديب الفنان حتى أطراف الأصابع؛ وزاحم أكبر أدبائنا المتحررين من قيود المجتمع، الذين استعبدتهم (الرتابة) وأزلتهم الألقاب والصلات التقليدية بين الحاكم الذي لا تهدأ له نفس ولا يسكت عنه غضب، حتي يصبح الناس جميعاً أرقاماً في عملية حسابية أو مسامير في آلة بخارية".
إن يحيى حقي عقد معاهدة مع السلطة، فلا هو من طراز عبد الله النديم، الذي لا تطيب له نفس، ولا يهدأ له لسان إلا إذا أصلى السلطان شواظاً من نار فنه، وحرض عليه الأمة، وفضح سوءاته ؛ ولا هو من طراز "بيرم التونسي"، الذي يمكن أن ينفجر ضد السلطان في لحظة غضب، ينسى معها النتائج والعواقب، ثم يهيم على وجهه ؛ لكن يحيى حقي التزم من جانبه ألا يؤرق سلطة ولا يخيفها، ولا يستعصي عليها، وأن يمنح السلطان كل الظاهر بلا نفاق ولا ملق، مع احتفاظه بكل الباطن ؛ فهو لا ينفك يسخر من متناقضات الحاكمين وادعاءاتهم المكشوفة والمستورة، والتماسهم الرأي الحسن بالأسلوب الرديء، ورغبتهم في العطاء مع المن، والإقبال مع التهديد المستمر بالإدبار.. وسخريته ـ مع ذلك ـ هادئة خالية من الحرارة، بريئة من العنف.
[عدل] زواجه

تقلب يحيى حقي في وظائف كثيرة، كل واحدة منهما ارتبطت بمجتمع مغاير، لما كان يعيشه من قبل، حتى استقر به المقام في القاهرة سنة 1939م عندما عمل مديرا لمكتب وزير الخارجية، بعد مدة طويلة من العمل في السلك (الديبلوماسي)، تشبع خلالها بكل أعراف السلك السياسي، خاصة في نظرته إلى من تشاركه الحياة؛ كان حينئذ يعيش عزباً وحيداً، قد بلغ السابعة والثلاثين من عمره.
كان (الديبلوماسيون) ـ قبل ذلك ـ لا يتزوجون سوى أجنبيات، حتى "صدور قانون يمنع السياسيين من الزواج بأجنبيات؛ فاضطر بعضهم للتحايل على القانون، وبعضهم تزوج من مصريات الأب أمهاتهن أجنبيات، يجدن لغات أجنبية تتيح لهن مشاركة أزواجهن في الحفلات والتجمعات الرسمية ؛ فإذا أراد الرجل (الديبلوماسي) أن يتزوج فعليه أن يبحث عن الفتاة التي تتوافر فيها هذه الصفات، لكن بعض (الديبلوماسيين) كان يبحث فقط عن المال، ومن ناحية أخرى كانت تلك العائلات تعتز اعتزازاً شديداً بأن بناتهم سيتزوجن من (ديبلوماسيين).."
في عام 1942م، قرر يحيى حقي الزواج، فلم يجد في أسرته من تناسبه ؛ لأن شروطه لم تتوفر في واحدة منهن، فجعل يشيع ذلك في مكتبه بالإدارة الاقتصادية بوزارة الخارجية المصرية، فجاءه زميل له أنبأه بأنه عثر له على فتاة من منطقة "المعادي"، اسمها "نبيلة"، وهي ابنة الأستاذ عبد اللطيف سعودي المحامي النسابة، عضو مجلس النواب بالفيوم، الذي درس الحقوق في سن متأخرة، فكافح حتى نال إجازة علمية من (مونبيلييه) بفرنسا، والتقى يحيى حقي بالفتاة، كانت مرحة ذات بسمة دائمة يبدو عليها سمت الطيبة والوداعة، لها منظر بهي جميل..، وتمت مراسم الخطبة فالزواج، وتزوج يحيى حقي من "نبيلة" التي كان يختلط في عروقها الدم المصري الفلاحي بالدم العربي الإنجليزي، وسكن بمنـزله في حجرتين عاليتين ؛ ثلاثة أشهر فقط عاشتها معه "نبيلة"، قبل أن يدهمها المرض، على غير انتظار، مرض غريب متوحش مؤلم راح يسحب النور من عينها اليسرى يوماً بعد يوم ثم بدأ المرض يزحف إلى اليمنى، وفي أحشائها تكبر "نهى" التي ما إن خرجت إلى الدنيا، عام 1944 ؛ حتى أحست أمها بارتفاع في درجة الحرارة تبين بعدها أنها مصابة بمرض "التهاب العضلة القلبية" الذي لا علاج له، ـ وقتئذ ـ إلا (البنسلين) الذي كان يصرف من الجيش البريطاني، وبصعوبة بالغة، استطاع يحيى حقي أن يحصل على كميات منه بفضل عمله في وزارة الخارجية ؛ لكن دون جدوى، فلم يمض على وضع وليدتها "نهى" سوى شهر واحد، حتى توفيت السيدة "نبيلة"، تاركة زوجها مع وليدتها إلى وحدته الأولى من جديد ؛ وقد رثاها بمقال مؤثر نشرته مجلة"الثقافة" وقتذاك، عنوانه: "الموت.. إلى نبيلة" ؛ فقد كانت وفاة زوجته ـ بعد عشرة أشهر من زواجهما ـ صدمة كبيرة له ؛ عنيفة وقاسية، لكنه احتمل، وظل وفياً لذكراها لعشر سنوات كاملة حتى عام 1954، حيث تزوج للمرة الثانية من الفنانة التشكيلية الفرنسية(جان ميري جيهو)، التي تعرف عليها من تردده على المراسم والمتاحف مع صديقه (ميشيل ماصيا) معلم اللغة الفرنسية، الذي دعاه إلى التعرف ببعض أصدقائه، فكانت من بينهم السيدة (جان) ابنة مقاطعة (بريتانيا) الفرنسية، وبعد عامين من التعارف والصداقة بينهما نقل يحيى حقي من باريس إلى أنقرة التي ظل بها مدة عامين كاملين، شبت إبانهما الثورة المصرية عام 1952؛ وبعد قيامها بعامين تبوأ مكانة رفيعة في السلك (الديبلوماسي) المصري ؛ حيث عين وزيراً مفوضاً في ليبيا، التي عاش فيها عاماً عصيباً بين اضطراب السياسة الديبلوماسية المصرية ؛ وبين رغبته الملحة في العودة إلى السيدة "جان" والزواج منها ؛ الأمر الذي يحول دونه وضعه كديبلوماسي ؛ لكنه في عام 1954 قرر ترك عمله السياسي، وتوجه إلى فرنسا ليرتبط بالسيدة "جان ميري جيهو" ؛ وظلا معاً يدبان إلى مرحلة الشيخوخة حتي وافته المنية عام 1992.
الجوائز التي حصل عليها

حصل يحيى حقي في يناير عام 1969 على جائزة الدولة التقديرية في الآداب، وهي أرفع الجوائز التي تقدمها الحكومة المصرية للعلماء والمفكرين والأدباء المصريين ؛ تقديراً لما بذله يحيى حقي من دور ثقافي عام، منذ بدأ يكتب، ولكونه واحداً ممن أسهموا مساهمةً واضحةً في حركة الفكر والآداب والثقافة في مصر، بدءاً من الربع الأول من القرن العشرين.
كما منحته الحكومة الفرنسية عام 1983 م، وسام الفارس من الطبقة الأولى، ومنحته جامعة المنيا عام 1983 الدكتوراه الفخرية؛ اعترافا من الجامعة بريادته وقيمته الفنية الكبيرة.
ثم كان يحيى حقي واحداً ممن حصلوا على جائزة الملك فيصل العالمية ـ فرع الأدب العربي ـ لكونه رائداً من رواد القصة العربية الحديثة، عام 1990م.
وفاته

في ضحى يوم الأربعاء، التاسع من ديسمبر، عام 1992 م توفي يحيى حقي في القاهرة، عن عمر يناهز سبعة وثمانين عاماً؛ بعد أن أعقب تراثاً كبيراً من الفكر والأدب؛ إبداعا ونقداً.
سينمائيات يحيى حقي

قطع يحيى حقي في علاقته بالسينما شوطاً بعيداً، وتنوعت اتجاهات تلك العلاقة وأوجهها، فهو أولاً متفرج من داخل صالة السينما، وقد ظل حريصاً على تلك العادة حتى نهاية حياته، كما أنه ناقد متابع للأفلام المعروضة في دور السينما وله بعض الآراء المهمة المقدرة التي تمتلك إلى جانب الذوق الشخصي خبرة ذاتية كبيرة اكتسبها من جولاتها في المعاقل السينمائية الكبرى في أوروبا، ثم توجت السينما المصرية عام 1968 علاقتها بيحيى حقي بالالتفات إلى أعماله الأدبية والاستقاء منها، فأنتجت أربعة من الأعمال السينمائية المميزة التي رسخت في وجدان المشاهدين ومن أبرزها (البوسطجي)، ثم (قنديل أم هاشم)، وهما أهم ما أنتجت السينما المصرية بعامة، وقد سبقهما من أعمال يحيى حقي فيلم (إفلاس خاطبة)، ووليهما فيلم (امرأة ورجل).
أعماله

ايوب صابر 02-21-2012 08:57 PM

احداث بارزه في طفولة يحيى حقي:

واضح ان هناك ثلاث عوامل ربما تكون اثرت كثيرا في شخصية يحيى حقي وهي اولا موت اثنان من اخوته وهو صغير وثانيا قصر قامتة وثالثا مزاجتية التي هي مؤشر ربما على حالة نفسية اقرب الى الكآبة بغض النظر عن السبب.

مأزوم.

ايوب صابر 02-22-2012 10:06 PM



37- العودة الي المنفي أبو المعاطي أبو النجا مصر


عن الرواية وكاتبها :

- تحتل روايتنا المركز السابع والثلاثين في القائمة التي أصدرها اتحاد الكتاب العرب لأفضل مائة رواية عربية عن القرن المنصرم ، والرواية تخليد لذكرى سيرة ابن مصر المجاهد عبد الله النديم .

- أبو المعاطي أبو النجا من أبرز الأدباء العرب الذين يكتبون القصة النفسية ويعبرون بدقة عن المشاعر الداخلية للإنسان وتحمل أعماله الإبداعية سواء القصصية او الروائية تجارب حافلة بكل ما هو إنساني فهو يرصد الواقع بمفرداته الحسية ويتوغل في التفصيلات الدقيقة للشخصية الإنسانية ولم يقع أسير الواقع الحرفي ولم يهرب إلى عالم الفانتازيا بتهاويله الخرافية لذا نجح في نسج خيوط تجربته الإبداعية فوصفه النقاد بأنه أبرع أديب عربي كتب القصة النفسية.
صدرت للأديب ابو المعاطي ابو النجا ثماني مجموعات قصصية منها (فتاة المدينة، ابتسامة غامضة، الناس والحب، مهمة غير عادية، الجميع يربحون الجائرة), وأصدر روايتين هما (العودة الى المنفى، ضد مجهول), واصدر كتاباً نقدياً واحداً بعنوان (طرق متعددة لمدينة واحدة).


الساعة الآن 11:56 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team