منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6821)

ايوب صابر 11-26-2011 12:18 PM

عبد الرحمن مجيد الربيعي.. الرواية والوطن

ضيوف الحلقة:
- عبد الرحمن مجيد الربيعي/ روائي عراقي
- رشيدة الشارني/ قاصة تونسية
تاريخ الحلقة: 12/3/2005
- بداية المشوار.. ثراء التجربة
- السياسة وتأثيرها على الروائي
- الزوجة والوطن والهمّ الأدبي

[
من بغداد إلى قرطاج رحلة طويلة قادت خطوات الروائي والقاص العراقي إلى تونس بعيدا عن الوطن الذي شهد تفتح الوردة في منتصف الستينيات، بعيداً عن بغداد الألم والدوائر المغلقة والملاحقات السياسية التي برع الربيعي في تصويرها في روايته الوشم ومن بعدها الوكر وما بينهما الأنهار والقمر والأسوار.
بداية المشوار.. ثراء التجربة
عبد الرحمن مجيد الربيعي– روائي عراقي: يعني أنا على صعيدي الشخصي والإبداعي والإنساني وكل شيء.. يعني أنا أقول بأن تونس هي العراق والعراق هو تونس وهما متوحدان في ضميري ومتوحدان في حياتي ولا أستطيع أن أقول هذا بلدي الأول وذاك بلدي الثاني وأيضا لي كتاب أنت الآن عرضته أمامي هو من سُمر إلى قرطاج ،هذا أيضا يمثل قراءاتي في الأدب التونسي التي جمعتها في هذا الكتاب وصرت أقدم حتى في الندوات التي تعقد ككاتب تونسي، باعتبار أن هذه الست عشرة سنة ليست فترة قصيرة وهي فترة تواصل يومي، أيضا من خلال قراءتي ومن خلال تواجدي مع أسرة تحرير المجلة الرئيسية في تونس.. الحياة الثقافية أنا يعني على تواصل مع كل النصوص التي تكتب، حتى التي لا تنشر يعني أنا على تواصل معها وتونس كانت كريمة معي قلبها كبير وواسع وأنا أحبها وأظن جدا أن تونس تحبني هي أيضا.
البداية كانت مع القصة القصيرة في الستينيات، الجنون الإبداعي في العالم كله، آنذاك كان التجريب على أشده في الساحة الثقافية العربية، آنذاك نشر الربيعي مجموعته القصصية الأولى السيف والسفينة ومنذ ذلك الوقت وإلى أيامنا هذه نشر الربيعي اثنتي عشرة مجموعة قصصية إضافة إلى إبداعاته في الرواية والشعر.
عبد الرحمن مجيد الربيعي: الأمر اللي أقوله بأنني لم أكتب الرواية إلا بعد أن نشرت أربع مجاميع قصصية، أما كيف امتلكت جرأة أن أنشر كتابي الأول هذه مسألة يعني مهمة لأنك كما تعرف بأن المسألة اليوم أصبحت سهلة جدا، أصبح بإمكان أيا من يكتب كتابا أو يظن أن هذا كتاب بإمكانه أن يطبعه ولكن نحن كنا في المرحلة الصعبة والفترة الصعبة، كنا نخشى نشر الكتاب، كانت عملية نشر الكتاب عملية مخيفة بالنسبة لنا وليست وسهلة، كيف تمتلك جرأة أن تنشر كتاب وتضعه في المكتبة وهناك أسماء كبيرة سبقتك ووضعت كتبها في المكتبات؟ إذاً عندما نشرت مجموعتي السيف والسفينة كنت أنطلق من نقطة هل هذه المجموعة تستطيع أن تقدم ما تضيفه أو تقدم الإضافة لما هو منشور في المدوَّنة القصصية العراقية أو العربية أو حتى العالمية لأننا يعني غير معزولين عن كل ما حولنا؟
تتداخل الأجناس في كتاباته، الشعر ينهض في تجربته كلها، في الشعر والرواية والقصة القصيرة ما يجعل كتابته أقرب إلى المختبر الإبداعي منها إلى المنجز المطمئن إلى حدوده وتصنيفاته، الشعر كرؤية للكون بعيدا عن التجنيس في جدل متواصل بين الحقول الإبداعية كافة داخل نص واحد هو نص الربيعي بامتياز.
عبد الرحمن مجيد الربيعي: شوف هو ليس هناك كاتب عربي، إلا في حالات قليلة.. إلا وبدأ شاعرا، كلنا نبدأ شعراء وحتى الذين هم لم يكونوا أدباء يعني ولم يتوجهوا نحو الأدب في.. بين أوراقهم وفي دفاترهم هناك محاولات يعني أقرب إلى الشعر وأنا أحد هؤلاء يعني لي قصائد كثيرة وكنت من أوائل العراقيين.. على فكرة ربما يعني الذين نشروا في مجلة شعر لصاحبها المرحوم يوسف الخال، نشرت فيها في عددها 22 وعددها 23 وعددها 24 قصائد النثر التي كنت أنا مهتما بها ولي حوالي ستة كتب مطبوعة في هذا المجال ولكني اعتبره ليس اشتغالي الأساسي أو الرئيسي لكني اشتغلت على اللغة الشعرية في نصوصي السردية وأيضا اشتغلت على مسألة أخرى وأنا كمختص بالرسم، تقنية الرسم كيف طبقتها على الكتابة.
غادر الوطن، غير أن تلك البلاد لم تغادره، ظلت تقيم فيه وفي حروفه وفي تونس حيث تزوج ويقيم، ظلت بغداد تتجول معه في الشوارع والليالي المعتمة وتقيم في صمته وكلامه، في تونس التي يحب يرى بغداد وقد أصبحت أقرب.. معتِمة ربما لكن مشعة في رواية ضخمة يسرد فيها الربيعي كلام الليل الطويل الذي لف بلاده ردحا طويلا من الزمن.
عبد الرحمن مجيد الربيعي: هذه رواية أنا اشتغل عليها منذ التسعينات وهي تقريبا اكتملت، سميتها أنا الاسم اللي أطلقته عليها كلام ليل مع عنوان آخر استطرادات روائية في صميم المحنة العراقية.. ربما ستكون في ثلاثة أجزاء، أنا لم أجزئها بعد لأنها أصبحت رواية طويلة ولكني وجدت أن هذه الرواية لا يمكن أن أحذف منها شيئا لأنني كتبتها عن عراق الثمانينات، العراق وهو يعيش الحرب العراقية الإيرانية ودخلت في تفاصيل وأعطيت رأيي في أمور ربما كان نشرها في ذلك الوقت صعبا وبقيت أرجئ نشر هذه الراوية إلى يومنا هذا لكني أنا الآن مُصر خاصة بعد أن نشرت سيرتي الذاتية عن دار الآداب في لبنان وهو مشروع كان جاهز، أصبحت الآن يعني المشروع الذي بين يدي هذه الراوية وربما سأطبعها في تونس لسبب أني أريد أن أراجعها بنفسي.. ولكني لا أرى في هذا الذي جرى ويجري رغم تفاؤل البعض يعني بالانتخابات أو.. أنا لا أرى فيها يعني ومضة أمل، أرى أننا ماضون نحو العتمة أكثر، الانتخابات لم تكن قرارا عراقيا كانت قرارا مفروضا والانتخابات تمت تحت الاحتلال، البلد فيه مائة وخمسين ألف جندي أميركي عدا الجنود الآخرين بدباباتهم وطائراتهم في الجو يملئون شوارع كل المدن والقرى، فكيف يمكن أن تكون انتخابات.. وهذا زائد الذين جنّدوا في المجموعات التي عسكرها النظام الحالي.. يعني المنصّب، فيعني كيف يمكن للناس أن ينتخبوا؟ ثم أننا أمام معادلة، هناك مثل عراقي شعبي يقول "لو تريد أرنب خذ أرنب، تريد غزال خذ أرنب" يعني المسألة إحنا كلها بالنتيجة خذ أرنب يعني ليس هناك اختيار آخر، هؤلاء الذين ترأسوا القوائم الانتخابية معظمهم أو القوائم الانتخابية الرئيسية هم الذين جاؤوا مع الاحتلال، جاؤوا بدباباته وهم الذين كانوا في مجلس الحكم وهم الذين وزعوا المناصب الوزارية وهم الذين انتُخبوا فيما سمي بالمجلس الوطني ثم هم الآن الذين سيتم انتخابهم أو تم انتخابهم في هذا البرلمان الجديد.
السياسة وتأثيرها على الروائي
عبد الرحمن مجيد الربيعي: أما بالنسبة للسياسة فنحن يعني من جيل بدأنا.. يعني وجدنا أنفسنا في خضم السياسة حتى دون أن يكون لنا خيار سياسي، يعني نحن بدأنا نعي هذه السياسة من حولنا ونجده فينا حتى بدون أن نكون منتمين إلى أحزاب أو تكون لنا اهتمامات سياسية أصلا لأن كل ما حولنا هو سياسي أو يمضي بنا نحو السياسة، ماذا يفعل مثلا طلبة هم في المدرسة الابتدائية يجدون البوليس يلاحقهم أينما ذهبوا حتى وهم يقرؤون في كتبهم المدرسية وأحيانا يأتينا ويقلب هذه الدفاتر لعل فيها منشورا سريا يندس بينها، هذا حصل كثيرا وذلك لأن هذا البوليس أو الشرطي كما نسميه هو مطالب بأن يلاحق هؤلاء الفتية لأن هناك منشورات توزع وكانت فترة غليان سياسي في الفترة الملكية في العراق وأنا أحدثك يعني عن أواخر الخمسينات لذلك.. يعني عندما بدأنا نكتب وجدنا أنفسنا يعني في السياسة ولسنا خارجها.. دعنا من نهب الآثار العراقية وحرق المكتبات، هذا كله.. هذا كله ليس عمليات من صنع غوغاء أو ناس عابرين وإنما هي عمليات مخطط لها والغاية منها هو تدمير هذا البلد الذي اسمه العراق.
في مغتربه التونسي يرى العراق ويأسى، هل ابتعد كثيرا عن الوطن وأية كتابة تلك التي ستعكس المآلات التي وصلت إليها بلاده؟ يتساءل الربيعي وكله حنين إلى مسقط الرأس وبلاد الرافدين هل سيعود إلى بلاده بعد كل ما حدث؟
عبد الرحمن مجيد الربيعي: عندما أرى الصور وأحيانا أربط هذه الصور التي أراها، صور الخراب بالأماكن التي كنت أعرفها والخراب الذي لحق بالأماكن التي كنت أعرفها أُصاب بالذهول، يعني ولا أدري كيف يمكن أن يبقى المرء متماسك وهو يرى ما حصل ولا أدري كيف يمكن للإنسان أن.. حتى الكتابة الآن أصبحت لا تستطيع مهما كانت عبقريتك الكتابية لا تستطيع أن تستوعب هذا الذي يجري في العراق الآن، شيء أكبر من التصور وأكبر من الكتابة ولكن مع هذا، لنا يعني أمل في العراق وفي العراقيين.. تونس هي بلدي.. يعني الآن أنا حياتي أصبحت في تونس وارتباطي في تونس، كل حياتي صارت في تونس ولكن أنا كنت أتمنى يعني لو أن العراق على غير ما هو عليه الآن لذهبت لزيارته ولذهبت لزيارة الأهل والأصدقاء والأقرباء، يعني أنا بي حنين كبير يعني للعراق ولكن لأي عراق أعود هل أستطيع أنا أن أمشي في شارع الرشيني أو في شارع المتنبي أو أمشي في شوارع الناصرية أو في شارع الحبوبي والدبابات أكثر من السيارات، الدبابات الغازية أكثر من السيارات الموجودة فيه، هذا مشهد أنا لا أحتمله شخصيا ولذلك أنا مثلا على قطيعة مع كل ما يُكتب وما يُنشر داخل العراق الآن رغم أن هناك من دعاني لأن أكتب في هذه الجريدة أو تلك المجلة لكني أقول أنا لن أكتب في أي جريدة أو مجلة تصدر بنظر الاحتلال حتى وإن كان خطابها معارضا له.
الزوجة والوطن والهمّ الأدبي
في تونس أيضا الزوجة والولد، أسرة هي الوطن الصغير وهمُّ أدبيُّ مشترك فالزوجة رفيقة الأدب والحياة، كاتبة هي الأخرى وقارئته الأولى ومرآته قبل أن يدفع بنصوصه إلى النشر، مسافة العين الأخرى ربما ولقاء جميل للمشرق بالمغرب في تقاطيع الحياة والكتابة وثنايا القصص.
رشيدة الشارني– قاصة تونسية: يعني أن يكون هناك شيء يجمع بين الزوجين، ميولات تجمع بين الزوجين هذا شيء جميل وشيء مهم جدا يعني هذا يسمح لكلا الطرفين أن يتفهم الآخر، قلت لك منذ حين أنني لا اضغط عليه كثيرا فيما يتعلق بالكتابة وفيما يتعلق بالمواضيع التي يتركها ولكني في المقابل لا أتناقش معه بشكل عفوي عن كثير من الأعمال الأدبية العالمية أو حتى عن الكتب الصادرة، كثير من الكتب لا يجد هو وقتا ليقرأها واقرؤها أنا وأعطيه رأيي بها أو أنقل له فكرة عنها وهو كذلك ينقل لي أفكارا حول بعض الكتابات، حياتنا فيها هذه؛ ديناميكية الأدب.. المكان يؤثر كثيرا على الكاتب، لديه كتابات قصصية تناولت المكان التونسي والشخصية التونسية وزواجه مني أيضا قرّبه من هذه الشخصيات، هو يعايش هذه، مثلا عادتنا وتقاليدنا في أكلنا في لباسنا في أشياء كثيرة وحتى في بعض المفردات التي ننطق بها يحاول حتى أن يكيف لغته مع.. يعني لهجته العراقية مع اللهجة التونسية، فهذه كلها أثرت به ككاتب.
عبد الرحمن مجيد الربيعي: ثم ما هذه النغمة الكريهة المقيتة المستفزة التي أشعر بالتقيؤ كلما سمعتها عندما يظهر كل واحد ويتحدث أنا شيعي أو أنا سُنّي أو أنا كردي أو أنا مش عارف إيه على قد ما هذه النغمة.. صدقني بأننا لم نكن نتحدث بهذا الموضوع، كنا نخجل أن نطرح هذا الموضوع بيننا حتى بيننا وبين أنفسنا، كنا نحس بعراقيتنا وبانتمائنا لهذه الأمة العربية، هذه العظيمة التي تمتد من المحيط إلى الخليج، يا أخي وصل الحد إلى أنني رأيت برنامجا يناقش فيه العراق؛ هل يصح أن نقول العراق عربي أو لا يصح والجواب ثاني يجاوب يقول لا يصح أن نقول العراق عربي لأن في العراق أكراد وتركمان.. يعني كأنما بلدان عربية أخرى يجب أن تكون بيور عربية حتى تصير عربية فما هو العراق إذاً؟ العراق باكستاني، العراق عربي وسيبقى عربي وكان عربي وكان مؤسسا للجامعة العربية، إذاً هذه المسائل كلها.. وماذا بعد؟ صحيح أنا معك أنا لم أستطع أن أعيش في ظل نظام صدام حسين وكانت لي الملاحظات الكثيرة لكني أنا تركت العراق بهدوء ثم أنني لم أنتمي لأي تجمع سياسي خارج العراق، انتميت إلى قلمي وإلى كتابتي وانتميت إلى ضميري وإلى وفائي لهذا البلد العظيم الذي ولدت فيه، لكني.. وكنت أتمنى أن يبدل هذا النظام، نظام صدام حسين ولكن ليس بالطريقة التي تمت فيها لم أكن أريد أن يبَدّل العراق، كنت أريد أن يبَدّل النظام الذي فيه لكن ما حصل أن العراق دُمر، العراق الآن مجزأ يا أخي، وصل الحد إلى أن يظهر أحدهم في البصرة، فيحاء العظيمة ويقول: أنا.. يتحدث عن إقليم جنوبي، يريد أن يصنع دولة يعني في جنوب العراق

ايوب صابر 12-01-2011 03:59 PM

- لم يعرف عن الربيعي إلا الدماثة والخلق .. هو محب للناس ، معارفه كثيرون لكن أصدقائه قليلون.
- عاش غربته الطويلة في تونس وهو يغني لوطنه ..
- قال انه كان حكّاء وأنه لم يرو سيرة آخرين بل سيرته هو.
- إنه كاتب عراقي وفنان تشكيلي
- ولد سنة1942 بالناصرية جنوبالعراق.
- . بدأ الكتابة فيالعشرينات من عمره، وذلك سنة1962 بقصة"الخدر"، ومجموعة قصصيةبعنوان"السيف والسفينة" سنة1966، تلتها رواية"الوشم" ثم"وجوهمرت" مجموعة بورتريهاتعراقية.
- كان من جيل الستيناتالذي لم يكن قطريا، وإنما يكاد يكون عربيا، فكل الذين كتبوا في تلك الفترة كانوا متقاربين فيأعمارهم وهمومهم، ومعاناتهم من أجل طرح تجاربهم، التي كانت تئن تحت ثقل الرقابةالاجتماعية من جهة، ورقابة النقد الماركسي من جهة ثانية.
- مجيد الربيعيتساءل مبكرا حول الذات والهوية.
- يقيم الروائي العراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي في تونس منذ عام 1976. فقد اتخذها مقرا له بعد رحلة في العمل الإبداعي والإداري الحكومي بين بغداد وبيروت.
- يصف حياته في العراق بقوله انه كان يشعر بالخوف وهو لا يدري لماذا.
- يصف نفسه بقوله " أنا من الكتاب الخارجين على التبويب تحت عناوين معينة والمنتمين إلى أنفسهم وإلى همومهم".
- ينحدر الربيعي من عائلة، أو كما يحلو له أن يقول قبيلة فلاحية شأنها شأن العديد من عائلات الجنوب العراقي. فعائلته سكنت وما زالت تسكن في قرية أبو هاون وهي من بين القرى المتوزعة في الجنوب على امتداد نهر الغراف المتفرع من دجلة عند مدينة الكوت.
- من بغداد إلى قرطاج رحلة طويلة قادت خطوات الروائي والقاص العراقي إلى تونس بعيدا عن الوطن الذي شهد تفتح الوردة في منتصف الستينيات، بعيداً عن بغداد الألم والدوائر المغلقة والملاحقات السياسية التي برع الربيعي في تصويرها في روايته الوشم ومن بعدها الوكر وما بينهما الأنهار والقمر والأسوار.
- يقول "نحن من جيل بدأنا.. وجدنا أنفسنا في خضم السياسة حتى دون أن يكون لنا خيار سياسي، يعني نحن بدأنا نعي هذه السياسة من حولنا ونجده فينا حتى بدون أن نكون منتمين إلى أحزاب أو تكون لنا اهتمامات سياسية أصلا لأن كل ما حولنا هو سياسي أو يمضي بنا نحو السياسة، ماذا يفعل مثلا طلبة هم في المدرسة الابتدائية يجدون البوليس يلاحقهم أينما ذهبوا حتى وهم يقرؤون في كتبهم المدرسية وأحيانا يأتينا ويقلب هذه الدفاتر لعل فيها منشورا سريا يندس بينها، هذا حصل كثيرا وذلك لأن هذا البوليس أو الشرطي كما نسميه هو مطالب بأن يلاحق هؤلاء الفتية لأن هناك منشورات توزع وكانت فترة غليان سياسي في الفترة الملكية في العراق وأنا أحدثك يعني عن أواخر الخمسينات لذلك..
الظروف التي مرت بها العراق خلال النصف الثاني من القرن العشرين لا شك صعبة للغاية كما أن الغربية تضاعف حجم الألم. لا يعرف شيء عن طفولة الربيعي على المستوى الشخصي لكن لا شك انه عاني الكثير لأسباب عدة يمكن أن نستشفها مما كتب ومما قال عن طفولته.

لكننا ولعدم وضوح أسباب المعاناة والألم سنعتبره لغرض هذه الدراسة مجهول الطفولة.

ايوب صابر 12-04-2011 08:56 AM

13- الرجع البعيدفؤاد التكرليالعراق
دخل الروائي فؤاد التكرلي عالم الأدب من بعد خبرة طويلة في مجال القضاء، وذاع صيته مع رواية الرجع البعيد التي تعد من قمم الروايات العراقية في عقد الستينات وقد تمركزت حول حياة الطبقة الوسطى في بغداد.
عاش التكرلي الحاصل على العديد من الجوائز الأدبية المعتبرة في الدول العربية سنوات عديدة من حياته في تونس وسوريا والأردن، دون إن يستطيع التغلب على حنينه إلى الحياة البغدادية في مناخ حضاري يكفل للفرد كرامته وللمبدع حريته، هذا ما أفصح عنه في محاضرة قدمها في مدينة لاهاي، وربما هذا الحنين هو الذي دفعه لاختيار بلد قريب من مسقط رأسه في السنوات الأخيرة من حياته.
باب الشيخ
ثمة ظلال لمحلة باب الشيخ وهي من الأحياء الشهيرة في بغداد في أغلب روايات التكرلي، وهي إما من الطبقات الفقيرة الآخذة في طريقها نحو الطبقة الوسطى أو من أبناء الطبقة الوسطى المنحدرة الى الطبقة الفقيرة مع تلميحات لشخصيات في طريقها لتجاوز الطبقة الوسطى نحو الأرستقراطية وبالعكس. يقول فؤاد التكرلي: "اعتقد أن المكان الذي حملته دائماً، وعشت فيه مجازاً حتى اليوم هو محلة "باب الشيخ"، فكل رواياتي وقصصي تقريباً تستند إليه، وحتى حديقته الصغيرة بقيت للآن جزءا من تاريخي الشخصي".

في خاتم الرمل نحن إزاء بيوتات بغدادية تتغلب على ضجرها بإقامة حفلات البنكو، صالت فخمة، تنزه على الكورنيش، حدائق، بساتين نخيل محاذية للشوارع العامة، تشغيل اسطوانات لشوبان ،نواد وبارات ليلية حفلات ومصابيح حمراء وزرقاء تضفي أجواء من البهجة على ليل المدينة ومفردات عديدة كانت في صلب الحياة المدنية البغدادية ، ولا يمكن أن تعود إلا من باب الحنين .
وغير خال من الدلالة هذه الفقرة التي يصف فيها التكرلي المرأة التي تحظى باهتمام البطل: "إنها فتاة لها ميول ثقافية واسعة وهي من عائلة محترمة، نشأت نشأة طيبة، وهذا بالطبع هو ملخص ما كان يمكن أن يقال آنذاك عن كل فتيات بغداد غير المتزوجات."


==
فؤاد التكرلي(22 أغسطس 1927م - 11 فبراير 2008م روائي عراقي استطاع أن يحصد أوقات نجاحه بحرية وبلا صخب روايات قليلة، إلا أن مساحة تأثيرها كانت أكبر انها نموذج للروايات الكلاسيكية الحديثة ببنائها. روائي عراقي أسهم في تطور الثقافة العربية وأثرى المكتبة العربية بالكثير من قصصه الأدبية،
ولد التكرلي في بغداد عام 1927 ودرس في مدارسها، تخرج من كلية الحقوق عام 1949 ثم عمل ككاتب تحقيق وبعدها محاميا، ثم قاضيا، وتولى عدة مناصب في الدولة ومنها في القضاء العراقي حيث تم تعيينه قاضيا في محكمة بداءة بغداد عام 1964، وبعدها سافر إلى فرنسا ثم عاد ليعين خبيرا قانونيا في وزارة العدل العراقية. وعاش في تونس لسنوات بعد تقاعده، وعمل في سفارة العراق بعد حرب الخليج عام 1991، وألف القصص بأسلوب أبداعي متميز.
ينتمي التكرلي إلى عائلة ذات حظوة دينية ومكانة اجتماعيّة متميزة، وإذا كانت هذه العائلة بتفرّعاتها المختلفة قد تمتّعت بمباهج السلطة في بداية الحكم الملكي في العراق، فإنّها سرعان ما تخلّت عن الدور الذي أنيط بها موقتاً لجيل جديد من السياسيّين نشؤوا تحت الراية العثمانية وتعلّموا صرامة عسكرها، لكنّهم تعلموا أيضاً من الاحتلال البريطاني بعض عناصر الحداثة الأوروبية. وقد أدى ذلك إلى فترة انفراج نسبي اجتماعيّاً أسهمت في إظهار ذلك الجيل الذي لا يتكرّر من المبدعين أو ساعدته على إنضاج تجاربه.
نشر التكرلي أولى قصصه القصيرة في عام 1951 في مجلة الأديب اللبنانية، ولم ينقطع عن نشر قصصه في الصحف والمجلات العراقية والعربية، كما صدرت له في تونس عام 1991 مجموعة قصصية بعنوان (موعد النار). وفي عام 1995 صدرت له رواية (خاتم الرمل). وكتب روايته الأخيرة (اللاسؤال واللاجواب) عام 2007. كانت له أيضا مؤلفات أخرى مثل خزين اللامرئيات والرجع البعيد التي أسست لخطاب روائي متميز وأرخت لحقبة تاريخية مهمة في الحياة العراقية وكانت مفعمة بالروح والأعراف الشعبية ونكهة كل وجبة وبهاء كل طقس اجتماعي لأهل بغداد العجيبين. الأعمال الكاملة 1و القصص الأعمال الكاملة – 5و

ايوب صابر 12-04-2011 08:57 AM

غربال الذاكرة : فؤاد التكرلي

فيصل الياسري

غربال ذاكرتي هذه المرة يختلف عن سابقاتها ، فقد كنت كل مرة اكتب عن معايشة ذاتية عن قرب لمبدع غادر الدنيا قبل سنوات او اشهر على الاقل ، هذه المرة اكتب عن مبدع عرفته عن قرب : الروائي فؤاد التكرلي (1927 ) وغادر الدنيا قبل ايام قليلة وما زال صوته يرن في اذني وذكرياتي الودودة معه ما زالت متجسدة في مخيلتي ، وقبل ساعات فقط من وفاته كانت هند كامل تجلس جوار سريره برفقة زوجته التونسية السيدة حياة !!
وعادت هند الى البيت لتنقل لي تحيات فؤاد التكرلي وتأكيده انه مستعد لتصوير البرنامج التلفزيوني الذي خططنا له ، في اقرب وقت ، وربما الاسبوع القادم ..
لم يعش فؤاد التكرلي حتى الاسبوع القادم .. فقد رن الهاتف في منزلنا صباح يوم الاثنين 11 شباط 2008 وكانت المتحدثة صديقة مشتركة ابلغت هند بان فؤاد قد غادر هذه الدنيا التي لم يمل منها ولم يكرهها ابدا بالرغم من كل الاحباطات وخيبات الامل الكثيرة ،!!
اسرعنا هند وانا لنكون بجانب زوجته حياة التي روت لنا كيف كانت ساعاته الاخيرة ، وكان حديثها مؤثرا ومتقطعا بسبب الدموع تارة والرد على الهاتف تارة اخرى بينما كان ولده الشاب عبد الرحمن يستقبل بعض الاشخاص الذين سيرتب معهم مراسيم الدفن في مقبرة سحاب في عمان !! كان عبد الرحمن يرغب في نقل جثمان ابيه الى بغداد ليدفن في مقبرة العائلة ولكن ظروف العراق الامنية الحالية تحول حتى دون دفن موتانا في تربة الوطن !!



التقيت فؤاد التكرلي اول مرة عام 1982 وكنت قد قرأت روايته ( الرجع البعيد) التي سحرتني بسردها المحكم واحداثها المتشابكة وبنائها المعماري ، وبحوارها الصادق والمتنامي باللهجة العراقية الرشيقة وكأنه مكتوب للمسرح اوالسينما ، وعرضت عليه ان نتعاون في تحويلها الى فيلم روائي او مسلسل تلفزيوني ، فطلب مني ان نتريث حتى يتفرغ من مهنة القاضي التى امضى فيها 27 عاما ( اصبح قاضيا عام 1956 ) .. وفعلا تمت احالته على التقاعد عام 1983
ولسبب ما ، لم يتحقق مشروعنا السينمائي ولم التق فؤاد التكرلي الا بعد عشر سنوات عندما زارني في منزلي بحي الجامعة في بغداد في امسية جمعت الكاتب جبرا ابراهيم جبرا والشعراء يوسف الصايغ وعبد الرزاق عبد الواحد وحميد سعيد واخرين ..
فاجأني فؤاد التكرلي بنسخة معه من روايته ( الرجع البعيد ) قدمها لي ليذكرني بمشروعنا القديم بتحويلها الى فيلم ، وتحمس الحاضرون للفكرة ، وشجعونا كثيرا ، وتطوع جبرا لتولي مهمة الدراماتورج ( المستشار الدرامي ) ...
ولم يتحقق المشروع هذه المرة ايضا ، فقد دفعت الاحباطات وخيبات الامل ، والانزعاج مما اصاب العراقيين جراء خطيئة اقتحام الكويت ، دفعت التكرلي الى النزوح الى تونس .. ليعيش ظروفاً نفسية واقتصادية صعبة،اثرت سليبيا على الكتابة والإبداع ، فقد كان يجدحسب قوله- صعوبة وعسرا في عملية الخلق بعيدا عن الوطن !!
ولكن هذا العسر تمخض عن عمل فني عملاق هو رواية (المسرات والأوجاع) عام 1998 التي تناول فيها بجرأة وادراك الوضع السياسي في العراقي ... من خلال تجسيد الهم الاجتماعي للمواطن العراقي – وقد اعتبر الناقد صبري حافظ رواية ( المسرات والاوجاع) من الروايات العربية النادرة التي نستطيع ان نضعها في مصاف الروايات العالمية الكبرى ..ويضيف (.. فالمسرات والاوجاع رواية انسانية كبيرة باي معيار من المعايير وهي في الوقت نفسه رواية عربية خالصة ، او بالاحرى رواية عراقية حتى النخاع )
قبل ايام من وفاة فؤاد التكرلي ، وفي موجة البرد والصقيع في عمان ، اتصل بي المخرج محمد شكري جميل وعرض علي ان نذهب لزيارة فؤاد التكرلي ، وعندما عرف انني كنت عنده قبل يومين طلب ان اكرر الزيارة اليوم ، وجوابا عن استفساري عن سبب الحاحه للقيام بالزيارة قال انه بحاجة الى ان يشكر التكرلي ويعبر له عن اعجابه بروايته الرائعة (المسرات والاوجاع ) فقد قضى معها ايام البرد الاربعة فشعر بدفئ المشاعر الانسانية ومتعة اكتشاف عمل فني كبير ..
كانت هند كامل قد سبقت محمد شكري جميل في اطراء الرواية عندما اعادت قرأتها في غمرة التحضير لبرنامج تلفزيوني كان سيجمعها مع فؤاد التكرلي في حوار فكري حول ملامح السرد الروائي عربيا وعالميا ، وتاثير وسائل المولتيميديا على الكتاب المقروء ورواج روايات حكايات الفنتازيا التي تجنح الى الخيال والغرابة وتجمع التاريخ بالحاضر والعلم بالخرافة .. وقد تحمس صديقنا فؤاد التكرلي للموضوع واغناه بافكاره وكان من المفروض ان نصور هذه الايام كاول حلقة من برنامج ( على ضفاف الفكر ) .. ولكن كان للموت حسابات اخرى فاقتلع فؤاد التكرلي من بيننا تاركا فراغا في دنيا الرواية العربية لن يعوض بسهولة .



==
اسمه : هو فؤاد عبد الرحمن محمد سعيد التكرلي ( 1927 – 2008 )

مولده :
ولد ببغداد سنة 1927

تعليمه :
وكان جده محمد سعيد التكرلي ، كما يقول الاستاذ حميد المطبعي في ( موسوعة اعلام العراق في القرن العشرين) ، نقيبا لاشراف بغداد . وفي محلة باب الشيخ ( عبد القادر الكيلاني) المعروفة ببغداد ، بدأ يتلقى علومه فدخل المدرسة الابتدائية ، واكمل الاعدادية ، وتخرج في كلية الحقوق ( القانون حاليا) سنة 1949 . وبعد تخرجه عين ( كاتبا اولا) في محكمة بداءة بعقوبة .

ظهرت اهتمامات فؤاد التكرلي الادبية منذ وقت مبكر من حياته ، وراح يلتقي عددا من زملائه ومجايليه المعروفين بحبهم للادب والشعر والقصة امثال عبد الملك نوري ، وعبد الوهاب البياتي، وشقيقه نهاد التكرلي . وقد نشر اول قصة له سنة 1951 في مجلة الاديب ( البيروتية) بعنوان : ((همس مبهم)) .

كما ابتدأ سنة 1948 بكتابة روايته (بصقة في وجه الحياة) .. وقد سبق ان اشرنا آنفا انه اكملها سنة 1949 ، لكنه لم ينشرها قائلا فيما بعد ان مجتمع العراق آنذاك لم يكن يستوعب نشر مثل هذه الرواية لما تضمنته من افكار ورؤى وتفسيرات كانت تضر بسمعته هو قبل غيره ، وقد نشرت الرواية في بيروت بعد ربع قرن (1980) .

تولى مناصب قضائية كثيرة خاصة بعد عودته من بعقوبة ( محافظة ديالى) الى بغداد، ومن ذلك تعيينه قاضيا في محكمة بداءة بغداد سنة 1964 لكنه لم يلبث في هذا المنصب طويلا ، اذ حصل على اجازة دراسية لمدة سنتين وسافر الى فرنسا ثم عاد ليعين خبيرا قانونيا في وزارة العدل .

لم ينقطع فؤاد التكرلي عن نشر قصصه في الصحف والمجلات العراقية والعربية، فلقد استطاع سنة 1960 من اصدار مجموعة قصصية بعنوان : ( الوجه الاخر) . وفي سنة 1980 صدرت روايته (الرجع البعيد) ، وبعد ذلك بست سنوات أصدر مجموعة حواريات بعنوان : ( الصخرة) . كما صدرت له في تونس سنة 1991 مجموعة قصصية بعنوان : ( موعد النار). وفي سنة 1995 صدرت له رواية (خاتم الرمل)

محطات :
في مقابلة نشرتها مجلة المدى (البغدادية )يوم 16 اذار 2004 )) : كل اعمالي هي ضد السلطة ،ومع ذلك كتبت وانا في العراق وبقيت فيه ... ،ويضيف : كنت أعيش في العراق بشكل طبيعي ... ركزت في كتاباتي على المشاكل الحقيقية لدى الشعب العراقي ،ولم اكن أشتم أو احتج بطريقة فجة ،بل اخترت الكتابة العميقة ....

- والتكرلي، وهو ينهي السنة الثمانين من عمره لايزال صادقا في التعبير عن كل خلجة من خلجات الانسان العراقي ، وهو يواجه التحديات الجديدة ، ويصر على ان يوفق لفترة يحاول العالم ، كما قال ، محوها من تاريخ العراق مع انها من أقسى المراحل التي مر بها تلك هي مرحلة الحصار الظالم البشع ، والذي لم يقتصر على الجوانب الاقتصادية وحسب بل تعداها لتشمل الحصار العلمي والحصار النفسي ، لذلك جاءت روايته الجديدة الموسومة : ( اللاسؤال واللاجواب) لتعكس حالة الانسان العراقي وهو يواجه تلك السنوات القاسية، ومع انه يحس بوطأة الاحتلال ولا معقولية ما يشهده العراق من اوضاع راهنة ، الا ان التكرلي يعترف ، وهو في هذه السن ، بانه لايستطيع:التعبير عن فصول المأساة المستمرة ...فالوضع في العراق يستعصي على أي روائي مهما كانت عبقريته ، انه غير معقول ، ولا ينطبق عليه حتى وصف العبثية ، افكار السرياليين تبدو ساذجة تجاه ما يجري!!

- أن الأديب "فؤاد التكرلي" يفضل ألا تسمى كتاباته المسرحية بالمسرحيات بالمعنى الفعلي للكلمة، حيث يقول في تعريفه على غلاف كتاب المسرحيات الذي يضم تلك الأعمال ضمن سلسلة أعماله الكاملة : " هذه ليست مسرحيات بالمعنى الحرفي والمتفق عليه للكلمة، إنها بالأحرى محاولات في الحوار، استغلت بعض قابليات المسرح لتقديم الواقع منظوراً إليه من زاوية نظر مختلفة وغير مألوفة، إن فيها بحثاً مخلصاً عن الحقائق عبر طرائق ملتوية، ظهرت أحياناً، وكأنها تضمن الوصول إلى الهدف، إلا أنها، في أغلب الأحيان، تبدت غير جديرة بذلك وأشبه بمن ضيع هدفه قبل الخطوة الأخيرة.

من أقواله :
-عندما أتوصّل الى الشكل، أبدأ الكتابة فوراً. فكرة «الرجع البعيد» (1980) جاءتني عام 1963 وبقيت أفكر حتى عام 1969 في كيفية إخراجها فنياً. أنا نادم على الوقت الطويل الذي استغرقته في كتابتها. كان يُمكن اختصار الوقت لو بذلت جهداً أكبر. لا طقوس استثنائية لدي أثناء الكتابة، بضع أوراق وقلم حبر أخضر سيّال، وشيء من الموسيقى الكلاسيكية. أمّا القراءة فمسألة أخرى، قضية حياة… لا يمنعني عنها إلّا المرض.

- لقد أعطت الكتابة معنىً لحياتي… ولم تأخذ مني شيئاً. كانت حبل نجاة من بحيرة الحياة التافهة، وأنقذتني من طموحات الوظيفة. وجعلتني أؤمن بأنّ حياتي لم تكن عبثاً.

ما قاله النقاد :
يقول (ا.د.ابراهيم خليل العلاف) في موضوع أعده بمركز الدراسات الاقليمية -جامعة الموصل

قلة من الكتاب العراقيين ، هم من انصرفوا لتوثيق تاريخ العراق المعاصر ، قصصيا ، وروائيا ، ومسرحيا ،ولعل ذو النون ايوب ، وفؤاد التكرلي ، وعبد الخالق الركابي أبرزهم على الاطلاق .. فؤاد التكرلي ، كتب روايته الاولى (بصقة في وجه الحياة) سنة 1949 ، وكتب روايته الاخيرة (اللاسؤال واللاجواب) سنة2007 ، وبين 1949 و2007 ،وقعت في العراق الكثير من الاحداث .. في الرواية الاولى أرخ لاوضاع الحرب العالمية الثانية وانعكاساتها على نفسية المواطن العراقي وواقع مجتمعه . وفي الرواية الاخيرة أرخ لسنوات العراق الصعبة ايام الحصار القاسي الذي شهده العراق طيلة المدة من 1990 وحتى 2003 . ولم يتورع التكرلي من ان ينتقد السلطة في العراق ومشاكلها ايا كانت ..

وكل اعماله دعوة الى التمرد على سبئات المجتمع .

فعلى سبيل المثال كان التكرلي جريئا في روايته (المسرات والاوجاع) ، هذه الرواية التي صدرت سنة 1999 . والتكرلي في تشريحه للمجتمع العراقي ووضعه اليد على معايبه ومشكلاته ، كان أديبا واقعيا صادقا لهذا لم يتعرض لاي مضايقة او ملاحقة ، هذا فضلا عن ان السلطة في كل مراحل تاريخ العراق كانت تعرف بان التكرلي ، وهو قاض نبيل ومعروف ، واحد من رجالات القصة والرواية والابداع لذلك لم يكن من الصواب ان تتعرض له لأي سبب من الاسباب ،لابالعكس كانت تقدره وتضعه في المكان الذي يستحق.

وقد كتب عنه الناقد الادبي الكبير الاستاذ الدكتور (علي جواد الطاهر )فقال : ان التكرلي ليس قصاصا حسب ، انه مثقف في فن القصة ،وفي علمها : قواعدها ، قوانينها ، سماتها . أما القاص والروائي (محمد خضير)، فقد قال عند تكريم جريدة المدى (البغدادية) للتكرلي ، معقبا على بعض أحداث وشخوص روايته ( الوجه الاخر) نحن الان نشم فيه النسمات الاخيرة لشارع الرشيد . ولم ينس الروائي (علي بدر) ان يؤكد حقيقة مهمة في ما قدمه التكرلي حين قال : بأن الاجيال القادمة ستتذكر بأن ملامح الشخصية العراقية موجودة في اعمال فؤاد التكرلي. كما اشار الناقد والشاعر فاروق سلوم في مقال له منشور على موقع كتابات (الالكتروني) يوم 6 ايلول 2007 الى ان فؤاد التكرلي أصر على النزعة البغدادية المدينية.. مقابل أي اتجاه آخر، كان رهانه العالمي على هويته فشخصياته كلها من الواقع العراقي المعاصر الرافض لكل قيد .. فتوفيق بطل رواية ( المسرات والاوجاع) فاسد لكنه نتيجة حياة مرة ومجتمع صعب ، اما عدنان ومدحت بطلا روايته ( الرجع البعيد) فهما علامة فارقة لمجتمع متنوع ومتوافق يقبل الفساد .. ويقبل العفة . لقد عاصر التكرلي اجيالا من السياسيين ، وشهد تقلبات العراق السياسية ، لحقب ثكلى ومحملة بالاسى .. وكان مسؤولا في قاعة المحكمة عن الظلم والمظلومين ، لكنه ظل ، يقول سلوم ، يريد كشف جوهر الصراع ، وخباياه النفسية والاجتماعية والتربوية ، ويلتقط الباحث (كرم نعمة ) الخيط في موقع جريدة البينة (2005) ليقرأ بعضا مما جاء في ( المسرات والاوجاع) ، هذه الرواية التي وصفها الناقد (صبري حافظ )بانها (رواية العصر الكبرى) ، قائلا : انه عندما نستذكر بطل هذه الرواية في الخاتمة، وقد نزل عليه مبلغ هائل من المال ،وهو يتجول في الكرادة ، ويقتني قطعة حلوى ...نشعر ان المكان في ذاكرة التكرلي قائم ومخلص لعراقيته.

أما (اسماعيل زاير ) الناقد والصحفي المعروف ، فأكد في تقديمه لملف كامل عن التكرلي نشرته جريدة الصباح الجديد في عددها الصادر يوم (10 ايلول 2007) : ان التكرلي من أفضل وأجمل تعبيرات الذات العراقية الحرة والمنطلقة على هواها وبما تمليه سجيتها .

قال الناقد (ماجد السامرائي )في حوار له مع التكرلي نشرته الحياة (البيروتية) يوم 26 تشرين الاول 2003: ان الرؤية الاجتماعية الواقعية هي التي أطرت ادب التكرلي القصصي والروائي والمسرحي كما انها كانت دافعا لاحداث التنوع فيه.

أما الناقد( ناطق خلوصي )فكتب مقالة بعنوان : مدرسة التكرلي في الابداع منشورة على موقع قناة الشرقية ( الفضائية) جاء فيها ان التكرلي أول من تناول موضوعة الجنس في روايته تناولا مباشرا وصريحا احيانا ، مع ان الاقتراب من هذه الموضوعة كان يصطدم بالمحرمات الدينية والاخلاقية والاجتماعية .. ويقينا انه استفاد من عمله ، كقاض ومن هنا فان تعامله مع شخصياته ، كان تعاملا وفق منظور نفسي ـ اجتماعي ..

فهو يعطي للعوامل والظروف الاجتماعية والاقتصادية ما تستحقه من اهتمام ، ويسعى للتوغل في أعماق الشخصيات .. ويضيف( خلوصي )الى ذلك قوله ان التكرلي في مجمل أعماله الروائية كان يحرص على تقديم استقراء لتاريخ العراق المعاصر وخاصة في ال50 سنة الاخيرة .. ويبدو ان التكرلي ، وهو ابن الطبقة الوسطى ، مع أنه عد يساريا في افكاره ، كان على علم ببواطن وخفايا واسرار هذه الطبقة لهذا حرص على اختيار شخصياته منها مع رغبة متناهية في ادانة كل انواع الظلم الاجتماعي ، والسياسي ، والاقتصادي .كان التكرلي يعد كتابة الرواية عملية غامضة وممتعة ،ومحاطة بالمعاناة، والحرية الداخلية ،بنظره ،تطلق طاقة الابداع .

ويضع الناقد والشاعر (ياسين طه حافظ )، فؤاد التكرلي ضمن سياق زمنه وعصره ، فيقول : ( ان فؤادا ، وقد بلغ الثمانين من العمر طوى عصورا ثقافية ، وازمنة انسانية وهو يتابع حركة الانسان وعذاباته في طريق الشمس . ويضيف : فؤاد كاتب كبير فنا ، وفؤاد قبل هذا وبعده انسان اخلاقي كبير .

أما الناقد( جمال كريم ) :فيؤكد في الملف انف الذكر ان التكرلي وثق للمكان والاحداث في حقب جد مهمة وشائكة في تاريخ العراق المعاصر السياسي والاجتماعي ولكن من وجهة نظر روائي محايد ومتمكن من أدوات فنه السردي .ويضرب على ذلك مثلا فيضيف الى ذلك قوله انه في مرحلة ما بعد ثورة 14 تموز 1958 ،وما خلفت من تداعيات على صعد حياة المجتمع العراقي انذاك ،بل وما رافقها من صراعات سياسية على دفة الحكم وخزائن الثروة ،فالاحداث والشخصيات المحورية ،بمختلف انتمائاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية تتحرك على فضاءات مكانية عراقية وخاصة في بغداد العاصمة وضمن جغرافية الاحياء (المحلات ) الشعبية ومنها محلة باب الشيخ وما يتبعها من ازقة أو شارع الكفاح (غازي )وما يتماس أو يتقاطع معه من شوارع ،يحاول التكرلي ،تبعا لخصوصية هذه الامكنة، من حيث المشكلات الاجتماعية ومستويات الفقر، وعمق معاناتها ،وحدة صراعاتها ،ان يتعامل معها بمنتهى الواقعية.

مؤلفاته :

قصة :

-العيون الخضر

روايات :

- خاتم الرمل
- بصقة في وجه الحياة
- المسرات والأوجاع

مسرحيات :

- أوديب الملك السعيد / ملهاة مأسوية في منظر واحد
- مسرحية "الصخرة

وفاته :
توفي يوم الاثنين 11 شباط فبراير 2008 في العاصمة الأردنية عن عمر ناهز 81 عاما بعد صراع طويل مع السرطان



ايوب صابر 12-04-2011 08:59 AM

The writer's novel "Tree Talk" was our readers' club selection for April 2009. Visit our Readers Club main page Find more information on our April 2009 selection: the book,the author and his work through our Readers Club Archives.
One of the pioneering writers of his generation, the Iraqi novelist Fuad al-Takarli was renowned as the authentic voice of modern Iraqi society. Informed by a long career within his country’s judiciary, al-Takarli broke with the literary conventions of Arabic fiction in the 1950s and 1960s to develop his own personal style. His journalism and fiction gained attention and accolades as much for his idiosyncratic writing as for his vivid evocations of a rich and articulate culture now teetering on the brink of civil war.

His literary career began in the 1950s with The Green Eyes, a collection of short stories, but it was with the publication of The Long Way Back (published in Arabic in 1980 as al-Rajea al-Baeed; in English in 2001) in the 1970s that he made his name. An ambitious and unusual novel for its time, it depicts, through the eyes of four generations of a Baghdad family, the tumultuous events within Iraq leading up to the overthrow of the republican regime of Abd al-Karim Qasim in 1963 by a group of Baathist civilians and soldiers. The book was particularly audacious in its criticism of the regimes, especially that of Saddam Hussein, that followed the political unrest provoked by Qasim’s assassination. Publication in Iraq was denied after al-Takarli refused the Iraqi censor’s request to remove a leading character who represented the Baath party. Consequently, the novel was published in Beirut, and only in 1980 was it finally brought out in Iraq.

Al-Takarli turned to writing full time after pursuing a highly successful legal career. He graduated in law from Baghdad University in 1949 and worked at the Iraqi Ministry of Justice for 35 years, where he was respected for his honesty. In 1956 he became a judge and went on to head Baghdad’s Court of Appeals before leaving for Paris in 1964 for postgraduate study. He continued in the legal field until 1983 when he decided to concentrate exclusively on writing, leaving for Tunis in 1990 with his second wife.

Within the canon of Iraqi literature, al-Takarli was the natural successor to Abdul Malik Nouri. Nouri, unlike his fellow authors in the 1940s, preferred to examine the role of the individual in society and the impacts of colonialism and class struggle on society rather than deliver the sociorealist fiction in vogue at the time which he and others dismissed as little more than creative reportage by a “katib maqala”, an essay writer. Nouri’s fiction reflected an interest in sociology and psychoanalysis, shared by al-Takarli, as both men also shared a deep admiration for the novels of Fyodor Dostoevsky.

Although this sociorealist style prevailed in the 1950s, al-Takarli placed himself beyond its limitations, concentrating on the development of his personal style, doubtless influenced also by his boyhood friend, the poet Abdul Wahab al-Bayati who was hailed by The New York Times as “a major innovator in his art form” in breaking with more than 15 centuries of Arabic poetic convention to write in free verse.

The publication and distribution in Iraq of The Long Way Back in 1980 came at a time when an interest in Arabic literature in translation was just beginning to emerge. Historically, few books by Arabic authors were translated into English, resulting in Western perceptions of Arabic culture and society as being shaped mainly by books written by Westerners, a subject addressed at length by the late Edward Said in Orientalism (1978), and elsewhere. The popularity of writers such as Naguib Mahfouz, Yusuf Idris, Tahar ben Jelloun and Tayeb Salih did not extend much beyond the Arab world until in 1988 Mahfouz became the first Arabic author to win the Nobel Prize for Literature.

This was the catalyst for a small boom in the publication of Arabic fiction in translation, with the field opening up for Mahfouz’s contemporaries, among them al-Takarli. He would later be awarded the United Arab Emirates Sultan bin Ali Owais Cultural Foundation Award for his contribution to modern Arab fiction.

In other works, among them The Other Face, The Sandy Ring and Spit in the Face of Life, al-Takarli continued to explore the social changes brought about under the Baathist regime, and contributed articles to London’s Arabic press, including al-Hayat and al-Sharq al-Awsat.

In 1985 The Long Way Back was translated into French: the English-language edition appeared in September 2001. A Sunni with no particular political affiliation, al-Takarli was concerned about the power struggle between Sunni and Shia factions. Just as violence had given him the subject for the novel that brought about his literary success, so it was the backdrop (albeit at some remove) for his death from pancreatic cancer. “There is no place for me in Baghdad.” He said. “It is not my Baghdad, not my Iraq.” For the past three years he had been living in Amman, Jordan, where he was buried.

Al-Takarli is survived by his second wife and their son, and by three daughters from his first marriage.

Fuad al-Takarli was born in 1927. He died on February 11, 2008, aged 81
Source: The Times 28 February 2008.

فؤاد التكرلي
رواية االكاتب " حديث الأشجار" كانت اختيار شهر ابريل 2009 في نادي القراء
تجد ملفا كاملا عن الكتاب وكاتبه والحوار الذي دار حوله في صفحة كتاب شهر ابريل 2009
أنظر أرشيف نادي القراء
التكرلي روائي وقاص ومسرحي له الكثير من الأعمال الأدبية التي بدأ في نشرها منذ الخمسنيات.

ولد التكرلي في بغداد عام 1927، ودرس القانون في كلية الحقوق وتخرج عام 1949، وعمل في البداية كاتبا في إحدى محاكم بعقوبة، ثم محاميا وقاضيا ومستشارا قانونيا، وظل يتنقل بين عدد من الوظائف العامة إلى أن تقاعد.

وقد ظهرت اهتمامات التكرلي الأدبية في وقت مبكر من حياته ربما قبل تخرجه مباشرة في عام 1949 حينما أنهى كتابة روايته الأولى "بصقة في وجه الحياة".

إلا أنه لم يجرؤ، كما صرح فيما بعد، على نشر هذه الرواية لأنه اعتبرها "سابقة لعصرها" وأن جراتها كانت كفيلة بخلق الكثير من المتاعب له ولناشريها. وظلت تلك الرواية حبيسة الأدراج إلى أن نشرها عام 1980 عقب نشر روايته "الرجع البعيد".

أما مجموعته القصصية الأولى "الوجه الآخر" فقد نشرها عام 1960. وكانت قصته القصيرة الأولى قد نشرت في مجلة "الآداب" البيروتية عام 1951 بعنوان "همس مبهم".

وأصدر بعد ذلك عددا من الروايات والمجموعات القصصية والمسرحيات منها "خاتم الرمل" و"موعد النار" و"الصخرة" و"الكف" و"خزين اللامرئيات" المسرات والأوجاع".
أدب اجتماعي

ويتفق الكثير من النقاد على اعتبار أدب التكرلي أدبا اجتماعيا سياسيا يهتم بالإنسان في محيطه السياسي الاجتماعي، ويمنح الاهتمام لسيكولوجيته الاجتماعية، لكنه من زاوية أكثر شمولا، يعد ادبا تاريخيا لقسم من تاريخ العراق المعاصر.

وفي روايته "اللاسؤال واللاجواب" وهي آخر رواياته وقد صدرت عام 2007، يتناول التكرلي سنوات الحصار التي عاشها العراق من عام 1990 إلى 2003.

ويعتبره النقاد أحد أبرز كتاب "جيل الخمسنيات" أو ما يطلقون عليه جيل الريادة الحقيقية في القصة العراقية إلى جانب غائب طعمة فرمان (1927-1990) وعبد الملك نوري (1921-1998) ومهدي عيسى الصقر(1927-2006).

وقد حاول هؤلاء على اختلاف رؤاهم ومشاربهم الفكرية والسياسية تأسيس شكل جديد في النثر العراقي يوازي ما صنعه مجايلوهم في الرسم والنحت والشعر.
حزمة واحدة

عن هذا الجيل تحدث التكرلي ذات مرة فقال إنم يشكلون "حزمة واحدة متكاملة، يتشابهون في التعبير الواقعي عن المجتمع" لكنه يشعر أنه مختلف عنهم فيما يتعلق بالتعبير عن الفرد.

ويمضي موضحا: " نشترك برسم لوحة بانورامية واسعة لمجتمع تلك الفترة، ما أنجزه الخمسينيون في القصة يفوق ما أنجزه زملاؤهم الشعراء والذي كتب عنه الكثير، أما لماذا لم يتم الإهتمام به عربيا؟ فلأن للشعر سطوة أقوى من القصة القصيرة، الشاعر المجد هو الأعلى، بينما يأتي كاتب القصة خلفه بمراحل".

لم يتعرض التكرلي لبطش السلطة في عهد صدام حسين كما تعرض كتاب عراقيون غيره، بل حاول النظام السابق دائما استمالته و"تحييده".

وقد اشتغل طويلا بوظائف عامة في الدولة وعين في مناصب رسمية. وربما يكون هذا الموقف وراء ما تعرض له من انتقادات قبل وفاته بعدة أشهر عندما قبل العمل كمستشار للرئيس العراقي، جلال طالباني، لشؤون الثقافة والأدب.

هذا الموقف دفع بعض نقاد التكرلي إلى مهاجمته واتهامه بـ "التقاعس عن ابداء أي اشارة احتجاج على احتلال العراق" بل وحاولوا ايضا التقليل من شأن موهبته الأدبية.

وقد انتقل التكرلي بعد سقوط نظام صدام عام 2003، إلى سورية ومنها إلى تونس حتى استقر في عمان حتى وفاته
.

ايوب صابر 12-04-2011 09:28 AM

حوار مع الروائي فؤاد التكرلي



أجرى الحوار : فراس عبد المجيد

بعض ما جاء في حوار سبق وأن أجريناه مع الكاتب الكبير ، وتحديدا في سنة 2003 في ندوة الرواية العربية التي عقدت في العاصمة المغربية في إطار الاحتفال بالرباط عاصمة للثقافة العربية

س : الأدب ( والرواية خصوصا ) كان يطمح إلى واقع أكثر جمالا و أكثر عدالة .. وثعرجات السياسة حالت دون تحقيق هذا الطموح. كيف تصف لنا هذه العلاقة ؟

ج : الأدباء دائما يحلمون ، والأدباء يعتبرون الأدب تعبيرا عن تمنيات وأحلام . الأديب يريد الخير لشعبه .. وكانت السلطة تتدخل باستمرار في إبداعه ، وخاصة في مرحلة الانقلابات العسكرية . في الخمسينات لم تكن الحكومات تتدخل إلا بشكل طفيف وبصورة غير مباشرة ، ونسبيا كانت لدينا حرية داخلية كنا نمتلكها . بعد ذلك جاءت الثورات ، وجاءت الأيديولوجيات ، صارت الرقابة صارمة . فقد زاد تدخل السلطات ، وهو ما أدى إلى انحرافات في الأدب بشكل من الأشكال . فالأديب الذي يريد أن يعبر عن بعض الأفكار التي يظنها مرفوضة من قبل السلطة ، يلجأ إما إلى الرموز ، أو إلى تبريرات أخرى . من هذه الناحية فأن الأدب في البلاد العربية خاصة ، لا يسير في الاتجاه الصحيح ، ولا يؤخذ وكأنه وسيلة من أجل الإصلاح ، بل كوسيلة من أجل مقاومة السلطة . وهذا خطأ .. فالأدب ينبغي أن يعامل بحسن نية . فالأدباء ليسوا ثوارا ، بل هم كتاب مسالمون
، وقصدهم هو لفت النظر الى المظالم التي تحصل في المجتمع .. لا أكثر ولا أقل .


ج : أنا لم يكن لي موقع في الستينات ، هذا الجيل الذي جاء بعد ثورة تموز 1958 والتطورات والمتاهات التي أعقبتها اضطرابات ، وكان بعض كتاب هذه المرحلة أنتجوا أعمالا مهمة تختلف عما أنتجه الخمسينيون ، وأمسكوا بشخصيتهم بسرعة ، مثل محمد خضير وموسى كريدي وعائد خصباك وعبد الستار ناصر الذي كانت بداياته جيدة . لقد أصبنا ، نحن الخمسينيين ،
بنوع من الذهول المستديم ن بحيث بقينا صامتين فترات طويلة ، ولم أكن أكتب خلال عام إلا قصة واحدة .. أو لا أكتب أصلا . وهذا بسبب تغير الجو الفكري . كنا نشعر بأن الجو أصبحت تسوده الفوضى .

س : وهل هذا الذهول بسبب التقلبات السياسية ؟

ج :
بالتأكيد بسبب التقلبات السياسية وما رافقها . بالنسبة إلي لا أشعر بأن الستينيين لهم علاقة بي بقدر ما كانت علاقتهم بعبد الملك نوري ومهدي عيسى الصقر . ولم يكمل أحد منهم الخط الذي بدأته في تجربتي .

س : هناك ملاحظة حول روايتك " الرجع البعيد " تقول أنها ، وبرغم دقة تصويرها الذي تضمنته ، لم تكن حاسمة في إدانتها ، مما يعكس شيئا من المهادنة . وقرأت مؤخرا نفس الملاحظة حول روايتك الأخيرة " الأوجاع والمسرات " .. كيف ترد على ذلك ؟

ج : أنا لست محاربا .. وحكاية المهادنة هذه في غير مكانها ، أنا كاتب وأديب ، وأعتبر نفسي فنانا بالدرجة الأولى أكثر مما أنا أديب ، فأكتب أشياء مرتبة فنيا . وللذين يعتبرونني مهادنا أقول : أنا ربما كنت الكاتب الوحيد الذي كتب ضد حزب البعث وهو في السلطة ، وكنت حينها في العراق . أما من يطلقون أحكامهم بالمهادنة وهم خارج العراق فهذه مسألة أخرى.. بالنسبة
لرواية " الرجع البعيد "" لا يوجد – حسب اعتقادي – أي عراقي قرأها ولم يفهم مقاصدها ، فالجميع فهموا ما أقصد إليه
. بل وزادوا من رموزها أكثر مما تحمل . المهم أنه لا مجال للمزايدة في مثل هذه المواضيع . إن ما قادني إلى كتابة الرواية هي الناحية الفنية ، وطبعا شعوري كأديب ، مثلها مثل " المسرات والأوجاع " ، ليست لدي حمولات سياسية بقدر ما أحمل من إدانة فنية . لقد فضحت الحكام واعتبرتهم مجرمين بطريقتي الخاصة . أما أن أظهر على شاشة التلفزيون وأشتم ، فهذه ليست مهمتي .

س : ولو أعدنا السؤال بشكل آخر ، وهو : هل أنك ، عندما تكتب ، تضع في اعتبارك أن ثمة سلطة تجب إدانتها ؟
ج : أنا لا أضع شيئا أمامي سوى أنني أملك حريتي الداخلية ، وهل أني أكتب ما أريد أم لا أستطيع ذلك ؟ كنت دائما أطمئن إلى أنني أكتب ما أريد دون زيادة أو نقصان . ولو افترضنا أنني ، في ظل هذه الظروف ، أكتب رواية " الرجع البعد " لكتبتها كما هي دون تغيير ، ودون اهتمام بالاتهام بالمهادنة .

س : ...إذن فشكل الرواية جاء متطابقا مع مضمونها . وهذا يحيلنا على منهجيتك في الكتابة ، فقد دعوت في مداخلتك ، في ملتقى الرواية العربية في الرباط إلى إقامة الصلة بين الكاتب والقارئ إلى جانب العمل على التأثير فيه . كيف توضح ذلك ؟ هل هي دعوة إلى تكريس الواقعية كمنهج في الرواية ؟

ج : لا .. أبدا . ليس ذلك تكريسا للواقعية . أنا تركت الموضوع لبصيرة الكاتب وكيف يجد قراءه . المهم انه يجب أن يشعر أن ثمة صلة تبقى حية بينه وبين القارئ . أما إذا كان ثمة كاتب عربي ( مغربي أو عراقي أو مصري مثلا ) يفكر في أن أمامه قارئا فرنسيا أو ألمانيا فهذه حماقة . فلهذا القارئ جو آخر وثقافة أخرى وماض آخر . هو يمكن أن يفهم منك بعض الأشياء ، إلا أن القارئ العربي لا يستسيغ ذلك ، لا يمكن أن يحتمل ذلك ولا يمكن أن يفهمه .
فالتواصل هو المهم ، والتأثير يأتي بالدرجة الثانية . فإذا أنت لم تستطع التواصل مع القارئ العربي ، ولا يمكنك التأثير فيه ، فمن الأفضل لك ألا تكتب
. فحدود التجديد ( وكنت في مداخلتي أتحدث عن التجديد و ليس عن مبدأ معين ينبغي التمسك به ) تتطلب الإتيان بقوالب جديدة ، أو بتغيير بعض القوالب الروائية ، أو باختراق بعض الحدود الروائية . هذه الأمور إذا تم التفكير فيها ، فينبغي أن يتم ذلك بالموازاة مع التفكير بالقارئ . لابد من المحافظة على الصلة بالقارئ ومحاولة التأثير فيه . ولا يمكن الحديث في أشياء لا يمكن أن يتواصل معها القارئ أو لا تؤثر فيه .

س : في الأخير : بم تنصح الكاتب الشاب ؟

ج : أهم شيء هو التواضع . فليس كل من كتب سطرين يتخيل أن على العالم أن ينحني له .. أغلب الأدباء الذين اشتهروا بدؤوا متواضعين . خاصة وإنهم يقدرون أعمالهم ، ويقيمونها قبل أن يتناولها النقاد ، ويعتبرونها وصلت حدا معينا من الجودة . الكاتب الشاب ينبغي أن يعمل على تطوير عمله ، فلا يمكن أن يصدر الكاتب مجموعة قصصية صغيرة ، ويريد من النقاد أن يصفقوا له ، وأن تقام له طقوس الاحتفال .. هذا غير ممكن . فالتواضع مطلوب ، وكذلك الانتظار والصبر. إضافة إلى أن الكاتب الشاب لابد أن يلتفت الى بيئته المحلية . فالمحلية مسألة أساسية ، وخاصة في موضوع الرواية . وأنا شخصيا أعتبر تجربتي قائمة على المحلية . فإذا كنت نحيا في بيئة تعرفها وتعايشها ، يمكنك أن تكتب عنها عملا ذا قيمة .



ايوب صابر 12-04-2011 12:32 PM

المجتمع اللا اجتماعي..دراسة في أدب فؤاد التكرلي
عن دار التنويرفي بيروت صدرللناقد علي حاكم صالح كتاباً نقدياً جديداً بعنوان ( المجتمع اللا اجتماعي / دراسة في ادب فؤاد التكرلي ) وتضمن الكتاب قراءة نقدية في قصص وروايات الروائي العراقي الراحل فؤاد التكرلي وابتدأ الكتاب بمقدمة كتبها الناقد حسن ناظم جاء فيها “ الناقد الذي كتب هذا الكتاب والروائي الذي درست رواياته درسا خاصا يتشاركان هنا في رؤية واحدة ومزاجا واحدا.

ففي عصر يعج بالروايات العربية التي تعسر ملاحقتها كلها، ينتخب علي حاكم صالح روايات فؤاد التكرلي لغاية خاصة في نفسه. فهو يوجه عبرها، في كتابة تحليلية تليق بمجتمع لا اجتماعي، بصفة آخرى في وجه الحياة، بعد ان فعل ذلك فؤاد التكرلي نفسه قبل نصف قرن في رواياته (بصقة في وجه الحياة) المنشورة في العام 2000. ومن المؤكد ان بصقة الرواية غيرها بصقة الكتابة النقدية. لقد وجد علي حاكم صالح نفسه وعزلته (كتب الكتاب في الدنمارك)، وعجزه وغربته في مجتمعه اللا اجتماعي في بغداد الثمانينيات والتسعينيات، مثلما وجد فؤاد التكرلي نفسه غريبا على مجتمعه اللا اجتماعي في بغداد الخمسينيات ، فكتب تلك الرواية ولم ينشرها الا بعد خمسين عاما. هذا الوضع يثير سؤالين محددين: الاول: الم يتغير ذلك المجتمع اللا اجتماعي عبر نصف قرن من الزمان؟ والثاني: الم يكن نفي الكاتب نفسه، طوعا او كرها، نوعا من الحل للخلاص من المجتمع اللا اجتماعي؟ ان الكتابة الروائية التكرلية هي “كتابه انتهاكية” لكنها ايضا “ترياق” والكتابة النقديه لدى على حاكم صالح كتابة تحليلية، وهي ايضا ترياقا. وحين انقذت الكتابة الروائية صانعها الروائي من مجتمعه اللا اجتماعي في خمسينيات بغداد القاسيه، انقذت الكتابة النقدية صانعها الناقد من مجتمعين لا اجتماعيون في الواقع: الاول هو المجتمع اللا اجتماعي العراقي ابان الثمانينيات والتسعينيات، والثاني هو المجتمع اللا اجتماعي الدنماركي من العام 2000 حتى العام 2010؛ والعام الاخير هو عام عودة الكاتب الى العراق، وذلك بالانهماك بالبحث والقراءة والكتابة والترجمه، طاويا تحت كل ذلك احساسا فريدا بما يجري وقدرة على تحويله الى كتابه. وفي هذه العودة الى العراق، وضع علي حاكم صالح حداً لهذه الكتابة المعلق بوضع حد لذاته المعلقة، فوضع خلاصته وهو في خضم مجتمع العراق الغاطس في اللا اجتماعية حد الجنون، مجتمع تشظى نسيجه المتهرئ اشد التشظي، وتحول من مجتمع الارتياب الخائف والتفسخ المطلي بطلاء الانسجام الى مجتمع الكراهية الصارخة والعفونة البادية، مجتمع عراق ما بعد سقوط الدكتاتورية وكشف المكبوت والمكتوب من “طبيعة المجتمع العراقي”.
فالذي دفع الروائي التكرلي الى موقفه ذاك، والذي شكل ازمته الروحية هو عينه ما عاشه الناقد وشكل ازمته الروحية :”حرمان، واستلاب، وقهر، وكبت اجتماعي وسياسي” ، واذا كانت الثمرة الوحيدة التي جناها الروائي من كتابة عمله “بصقة في وجه الحياة” ابان الخمسينيات، حين قرر عدم نشره، هي “حفظ توازن شخصية كاتبه”، فان علي حاكم حفظ توازن شخصيته في كتابته النقدية ايضا “.

كما كتب مؤلف الكتاب مقدمة آخرى مهد من خلالها للكتاب جاء فيها “ بدأً بروايته بصقة في وجه الحياة المكتوبة بين عامي 1948 – 1949 وانتهاء بروايته اللا سؤال واللاجواب المكتوبة بين عامي 205 – 2006، تتوارت في ادب التكرلي بثبات بضع موضوع (تيمات).
ويأتي الجنس، السوي منه والشاذ (سفاح المحارم) في مقدمة هذه الموضوعات. وسأكتفي بالتنويه هنا الى ان حضور هذه الموضوعة لم يكن بنفس الدلالة. فدلالاتها، وابعادها الترميزية، تتغير من عمل الى آخر، ولكن مع ذلك يظل هناك خيطا دلاليا واحدا ينتضم بعض الاعمال التي ترد فيها. وهناك موضوعات آخرى، كموضوعة اثر التكوين الثقافي على الفرد، تحمل الدلالة نفسها تماما في كل ما كتبه التكرلي. اما موضوعة فساد العائلة كوحدة اجتماعية فهي الاكثر اثارة والاكثف دلالة على موضوعة الحياة الاجتماعية غير السوي، او غير الانسانية، او بحسب تعبير هذا الكتاب حياة لا اجتماعية. ان العائلة في جميع اعماله تقريبا عالما زائفا مبنيا على علاقات التواجد المكاني لا اكثر، لان اصل قيامها، الزواج، لم ينبن على علاقة حب حقيقية. والمفارقة التي تضعها امامنا اعماله هي ان شرط البناء السليم للعائلة اعني الحب، لم يتحقق في جميع اعماله الا خارج “مؤسسة العائلة” بالضبط. وهذا ما يسلمنا الى موضوعة مركزية آخرى في نتاجه؛ اعني اللذة الحسية الصرفة، التي تبلغ احيانا عند بعض شخصياته حد الانتهاك الصارخ لكل قيمة اجتماعية، حتى انها في الغالب تأتي في صورة منحرفة لا تكترث باي قيمة اجتماعية كافعال سفاح المحارم، او محاولة الشروع فيها “.


ايوب صابر 12-04-2011 12:32 PM

تابع،،
اماالفصل الاول من الكتاب فقد تضمن دراسة بعنوان ( الكتابة والجنس المحرم ) وجاء فيهيستهل فؤاد التكرلي رحلته في الكتابة بنص انتهاكي للقيم الاجتماعية السائدة. وسيظلهذا النص محتفظا بانتهاكه لاخلاقيات المجتمع الذي ولد فيه. وبسبب من هذا الانتهاك،بالتأكيد، لم يقدم على نشر نص “بصقة في وجه الحياة” المكتوب في العام 1948 الا بعداكثر من خمسين عاما. وهو النص الوحيد الذي خصه الكاتب من بين جميع اعماله بمقدمةتناولت الشروط المتنوعة التي ولد فيها؛ وليس تأخير النشر السبب الوحيد الذي دفعهالى كتابة مقدمته هذه، فالرسالة الانتهاكية التي ينقلها النص جعلت من هذه المقدمةامرا ضروريا ايضا” ، ويعود ليؤكد المؤلف ان النص كان متكوناً من نصين حيث يقوليتكون النص “بصقة في وجه الحياة”، بهذا الحساب من نصين : النص التخييلي المكتوب عام 1948، والمقدمة التي تصدرته عندما نشر. ويجب ان نثبت اولا ان هذه المسافة الزمنيةمثلومة ان صح التعبير، لان النص المكتوب في العام 1948، لم ير “النور” الا في العام 2000؛ اي مثلومة من جهة تواصلها مع القارئ. فلقد ظل حبيس درج المؤلف وبعيدا عنتداول القراء، رغم ان بعض النقاد تسنى لهم الاطلاع عليه بحكم علاقاتهم الشخصيةبالمؤلف. ولكنه مع ذلك لم يعش زمان القراءة طوال تلك الفترة الطويلة التي هي عمرالثقافة العراقية الحديثة تقريبا “.
وفي الفصل الثاني من الكتاب والذي جاء تحتعنوان ( العائلة والمجتمع ) فقد قال فيه الناقد “ كانت العائلة الميدان الرئيسوالاثير الذي اراده التكرلي في كل مشواره الادبي، وبالنسبة لي ستكون هذه المؤسسةالاجتماعية من جهة علاقتها بالعالم الاجتماعي السياسي دليلا الى تقسيم مسيرة كتابةالتكرلي على مرحلتين، الاولى: مرحلة الكتابة الاجتماعية الخالصة، المنكبة على تناولالعلاقات الاجتماعية والعائلية دون الخوض، صراحة ام ضمنا، بالحاضنة التاريخيةالسياسية التي تنمو فيها شبكة العلاقاتهذه.
اما المرحلة الثانية فسوف تشهدكتابته انعطافة لترتيب علاقة قدرية بين السياسي والاجتماعي. ان للسلطة السياسية فيالمجتمع العراقي اثرها الكبير على طبيعة العلاقات الاجتماعية والعائلية وعلى كتابةنفسها.
حدث هذا التغير الجوهري في كتابته بعد العام 1966. ففي هذا العام سيبدأرائعته الرجع البعيد وسينهيها ببطء سلحفاتي في العام 1977، لتنشر في العام 1980. وسيكتب في غضون ذلك ثلاث قصص “الصمت واللصوص” (1968)، و”التنور” (1972)، و”سيمباثي” (1972)، وثلاث مسرحيات؛ وهي “الصخرة” و”هروب او متهمون سياسيون”، و”الطواف” وجميعهاكتبت في العام 1969. ومن حيث السبق الزمني ارى ان قصة “الصمت واللصوص” اول عمل يلمعالى بعد جديد لم نعهده في كتابته من قبل. وتحتاج هذه القصة وقفة خاصة هنا “.
فيما حمل الفصل الثالث قراءة آخرى لنصوص التكرلي وتحت عنوان ( القراءة ) حيثيقول المؤلف “ نوهت فيما تقدم الى ما يمكن ان تفعله القراءة في بعض شخصيات التكرلي،والنتيجة التي تنهض امامنا من كل ذلك هي ان القراءة، لا سيما قراءة الرواية والادبعموما، تجتث صلة الفرد القارئ بمن حوله، وبالمجتمع الذي يعيش فيه. كانت هذه موضوعةاساسية في معظم ما كتبه التكرلي، وستبلغ امثل صورة لها في رواية المسراتوالاوجاع.
تزخر هذه الرواية بمستويات عديدة، متداخلة، ومتناسجة، يفضي كل واحدمنها الى الآخر، يمنحه ابعادا ودلالات تنتثر عبر القراءة واعادة القراءة اكثر منمرة. ولعل فرز احد هذه المستويات، بعد ان تناولنا في الفصل السابق بعض اوجهها،وتسليط الضوء عليه، للكشف عن بعض الوسائل والاساليب الفنية التي تضمنتها هذهالرواية، يساعد على الكشف عن اسلوب جديد في الكتابه ينتهجه التكرلي في بناء الشخصيةالرئيسةز فكان بناء هذه الشخصية ثمرة تطور وتبلور لهذه الموضوعة نفسها توفر عليهماالتكرلي بمرور الزمن “.
اما خاتمة الكتاب فقد جاءت بتساؤل للمؤلف اتى تحت عنوان ( اللا سؤال واللا جواب ) حيث قال فيها “ لقد كان ادب التكرلي عن حال هذا الفردالمقهور سياسيا واجتماعيا كما جسدتها رواياته وبعض قصصه في ما اسميته بالمرحلةالثانية من كتابته الادبية. فجميع شخصياته لم تكن تريد اكثر من الاستمرار في العيشوالبقاء، مجرد البقاء، مكتفية بذلك من دون الدخول في مغامرة التفكر في نوع ومنزلةوجودها، لان تفكيرا كهذا سوف يورطها في سؤال وجواب في مجتمع متقلب لا يبعث علىالطمأنينة. وعلى الرغم من كل الحذر الذي تنشأ عليه هذه الشخصيات، فانها تذهب ضحيةهذه التقلبات الجذرية. بل يحاسب هذا الفرد حتى على احلامه.
ولهذا الغرض بالذاتكتب التكرلي مسرحيته: تتمة (خزعبلة في حوار) في العام 1992”. ويعد هذا الكتاب مهماًنظراً لما احتواه من تحليل نفسي وادبي لاغلب نصوص الناقد الراحل فؤاد التكرلي ، كماانه كتاب سيغني المكتبة العراقية ، التي افتقدت في الفترة الاخيرة الكتاب النقديالعراقي الحقيقي.

==

الرجع البعيد
في "الرجع البعيد" صدى يستدعيك لاجتياز تخدم الوجدان العراقي، التغلغل فيه عبارات، كلمات، ومشاهد تصبح من خلالها واحداً من الأسرة العراقية التي اختارها فؤاد التكرلي لتكون وقائع حياتها محور روائية، يصدر من خلالها الواقع الحياتي العراقي بكل أبعاده الاجتماعية السياسية الاقتصادية... رواية لم تقف على أعتاب الكلمات، بل تجاوزتها لتقف على أعتاب الإحساس الإنساني المتفاعل مع محيطه أينما كان وحيثما كان.


ايوب صابر 12-04-2011 12:34 PM

بصقة في وجه الحياة ----رواية فؤاد التكرلي
إنّ أولى الإشكاليات التي تثيرها رواية المبدع الراحل «فؤاد التكرلي»: «بصقة في وجه الحياة» – منشورات الجمل، 2006- هي مسألة الريادة الفنية في الرواية العراقية، فقد اتفق النقاد العراقيون على أن الريادة الفنية في مسيرة الرواية العراقية الناضجة قد رفع لواءها الروائي العراقي الراحل «غائب طعمة فرحان» عندما أصدر روايته: «النخلة والجيران» و«خمسة أصوات» ببغداد عامي 1965 و1967 على التوالي.. فقد وفرّ «غائب» الشروط الفنية لرواية عراقية مقتدرة تجاوزت السرد الحكائي الكلاسيكي الأولي الذي كان يقترب من السذاجة أحياناً، والذي تجسد في النماذج التي كتبها «جلال أحمد السيّد» و«ذنون أيوب» و«عبد الحق فاضل». ورغم أنني قد دعوت في دراسة سابقة إلى ضرورة التوقف عند رواية «الرسائل المنسية» لـ «ذنون أيوب» والتي تختلف عن كل ما كتبه الأخير من روايات بفنّيتها العالية وحبكتها المحكمة ومدخلها الجديد وتقدمها في الرؤية على الواقع وتكثيفها السردي وتخلصها من الاستطالات، إلاّ أنني أجد الآن – وبصورة لا تقبل اللبس – أنّ الريادة الفنية ينبغي أن تمنح للمبدع «فؤاد التكرلي» عن روايته هذه «بصقة في وجه الحياة» والتي بدأ بكتابتها في حزيران عام 1948 وانتهى منها في آب سنة 1949، أي قبل ما يقارب العقدين من صدور رواية «غائب» «النخلة والجيران». فرواية «التكرلي» رواية متكاملة فنياً تقريباً رغم أن «التكرلي» نفسه يعتبر نصّه هذا فجّاً فنياً وسوقياً وذا لغة ركيكة (ولا يوجد سند لأي من أحكام الكاتب هذه، وهو أمر لابدّ أن يتوقف عنده الناقد المحلل). نحن نقف الآن، أمام رواية نفسية مركبة غير مسبوقة في السرد العراقي حتى ذلك الحين، رواية يسيطر عليها تيار من صراعات اللاّشعور وتستكشف فيها أغوار المكبوت في أعماق الشخصية المركزيّة، التي يوظف الكاتب، من أجل تصعيد توتر الوقائع الدرامي، تقنيات فنّية متفردة آنذاك مثل المونولوج الداخلي والأحلام والاستعادات السريعة والمديدة وتداخل الأزمان وإهمال المكان (كان بلزاك يصف كل المقاهي والشوارع والمحلات التي يمر بها بطله حين يسير لشراء فرشاة أسنان مثلاً) وإثراء السرد الفكري وثانوية الحوار الذي كان يعتبر سرداً ووصفاً خارجياً بدلاً من أن يكون أداة في تنمية واستثارة صراع الإرادات وإضاءة العوالم الداخلية المعقدة بمركباتها المحتدمة، لكن الأهم من ذلك كلّه هو أنها تصدت وبجسارة لمعالجة واحدة من أخطر التابوات في مجتمعاتنا وهي عقدة السفاح بالمحارم. ومن يعالج تاريخ القصّة العراقية سيجد هذه المعالجات المبكرة، خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، للدوافع المحارميّة، ويتجلى ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، في قصص «يوسف متّى» قبل أن يعتزل النشاط الأدبي ويتفرغ للنشاط السياسي – بصورة عامة، وهذا الانهمام الواسع، نوعاً وكماً، من قبل «فؤاد التكرلي» في التناول المكثف ومتعدد المقتربات لموضوعة العلاقات الجنسية المحرّمة بصورة خاصّة.
ويمكننا القول إن «التكرلي» هو أكثر الكتّاب العراقيين والعرب اقتداراً وجرأة في طرح هذه المسألة الشائكة التي تعدّ من المحرمات الدينية والاجتماعية. في قصصه القصيرة هو أكثر مَنْ عالج هذا الأمر كما هـو الحال في قصص مثل: (همس مبهم، الدملة، المجرى، التنور، أمسية خريف، القنديل المنطفئ، الغراب…وغيرها). أمّا في مجال الرواية ففوق أنه صاحب الكم الأكبر في الإنتاج الروائي العراقي في هذا المجال: (الرجع البعيد، خاتم الرمل، المسرّات والأوجاع)، فإنه صاحب السبق في مجال الريادة على المستوى العربي، كما أشار إلى ذلك الناقد الراحل «د. عبد الإله أحمد» في كتابه «الأدب القصصي في العراق» وذلك في معرض حديثه عن رواية «التكرلي» هذه «بصقة في وجه الحياة»، حيث قال : (( إننا لا نعتقد أن عملا قصصيا يتناول هذه العلاقات الجنسية الشاذة على النحو الذي تناولتها قصة ( بصقة في وجه الحياة ) يمكن أن يتقبله واقع المجتمع العراقي، إن لم نقل واقع المجتمع العربي الحديث عامة، في الفترة التي كتب فيها. فنحن لم نجد عملاً قصصياً في أدبنا العربي الحديث، بجرأته في تناول هذه العلاقات ومحاولة إيجاد المبرّرات لها، حتى تاريخ كتابته، ولعل ذلك يكفي سبباً لدراسته (…) بالإضافة إلى ما أشرنا إليه من جرأتها على طرح مضمون يتناول الجنس بشكل لم يجرؤ عمل قصصي على طرحه في الأدب العربي الحديث حتى تاريخ كتابتها.. قد نجد ذلك في الشعر، في بعض قصائد «إلياس أبي شبكة» التي نشرها في ديوانه: «أفاعي الفردوس». لكن من الهام الإشارة إلى أن ريادة «التكرلي» العربية في طرح موضوعة المحارم لم تكن تاريخية وفنيّة حسب بل فكرية أيضاً حيث حاول تسريب قناعاته الفلسفية المسمومة التي تبغي تجاوز جسارة، بل شراسة كشف أغطية المكبوت المحرّم إلى وضع تأصيل نظري صادم ينسف القناعات القائمة ويؤسس لمقدّس جديد يبزغ بمخادعة تخديرية من رحم المدنّس. ويمكن القول إنّ «الـتـكرلي» قد رسم مسار روايته هذه لتكون الخطوة التنظيرية والمدخل الفلسفي لمشروعه التعرضي هذا، وهي خطوة لم يكررها بعد ذلك لا في قصصه ولا في رواياته وكأنه قد نفض يديه من مسؤولية (الإقناع) وتأسيـس ركـائز الـديانة المحارمية الجديدة إذا جاز التعبير، ففي جميع نتاجاته التي أعقبت هذا النصّ، وهذا ما لاحظه الناقد المبدع «عبد الإله أحمد»، نجد أن أبطاله يندفعون في تيار ممارسة العلاقات الآثمة أو الانحدار المذعن مع مجرى دوافعها حتى الخراب النهائي دون أن يناقشوا، ولو للحظة، ما تعنيه هذه العلاقات والدوافع من خرق لما هو قائم وتدنيس لما هو قابع في حياتهم وحياة المجتمع الذي يحيط بهم.
إنّه أي «التكرلي» يبدو وكأنه قد أنجز – وباقتدار كما يرى هو نفسه – بلورة الصيغة الفلسفية للديانة الجديدة وحدّة الملامح الدقيقة لقوانينها العلائقية في روايته هذه؛ وعليه فإنّ النصوص اللاّحقة ستكون تشخيصاً لسلوك (مؤمنيه) الجدد ووصفاً أميناً لحياة مريديه الذين كانوا أقوياء صلبي الإرادة في تنفيذ اختياراتهم المحارمية وممارستها بلا تردّد رغم معرفتهم بالنتائج الكارثية التي تترتب على ممارسة هذه الاختيارات الجحيمية لأنهم يستمدون أسباب قوتهم من معين قوة (خالقهم) الذي عبّر عن مشاعر (الانتصار) والقوّة التي تملكته عندما أنهى نصّه المحارمي هذا وذلك في المقدّمة التي كتبها له: «أنهيت هذا النصّ في آب سنة 1949، وكنت منتصراً قبل أن أدخل المعركة، نجحت في امتحاني العسير لأنني كنت قوياً خلاله. وكنت قوياً لأنني أكملت عملاً استثنائياً من أعمال تصفية الذات».

ايوب صابر 12-04-2011 12:36 PM

في آخر لقاء صحفي قبل رحيله : فؤاد التكرلي يروي سيرته

عبد اللطيف السعدون


تاريخ النشر 22/02/2008 06:00 am

• مرحلة الخمسينيات في العراق تشبه النهضة الايطالية في القرون الوسطى

• على الكاتب أن يتفادى السقوط في هوة المباشرة !



يخطر بذهن المحاور وهو يجالس فؤاد التكرلي الروائي الذي أقترن اسمه في مطلع خمسينيات القرن الراحل بتيار التجديد في القصة العراقية المعاصرة , أن التكرلي لو لم يكن روائيا لكان شاعرا مع أنه لم يجرب كتابة الشعر , والذي يقربه من الشعر دائما تدفق أحاسيسه واكتمال رؤيته الفنية , واتضاح نوازعه وخلجاته الانسانية . وهو بهدوئه ومثابرته وصبره وتسامحه مع الذين يحاولون النيل منه , وكذا بجسده النحيف وطوله الفارع وعينيه الثاقبتين يصبح شاعرا في نظر من يجالسه أو يحاوره , وقد التقيناه في منزله في العاصمة الأردنية عمان في شهر آب ( أغسطس ) 2007 على مدى أكثر من ثلاث جلسات , وكان يستعد للاحتفال بعيد ميلاده الثمانين , اذ ولد في الثاني والعشرين من آب عام 1927 وقطع مسيرة طويلة قبل أن ينضم الى جيل الرواد في القصة والرواية العراقية والعربية , على حد سواء .

لكننا ونحن نعد هذا الحوار للنشر , وفي انتظار أن يرسل الينا التكرلي مجموعة من الصور والرسائل والوثائق الشخصية , حسب وعده لنا , صدمنا خبر رحيله الى مثواه الأخير فلم نجد سوى أن نستعين بالصبر وبالعزاء . وبتذكر الفقيد الراحل وآرائه وكتاباته .
* * *

محطات حياته شملت أماكن شتى في الشرق والغرب , لكنه ظل ملتصقا بمكانه الأول في محلة (باب الشيخ ) في بغداد , وهو في حواره معنا يبدأ من هذا المكان وينتهي اليه , لكن زمانه يظل مفتوحا على امتداد العقود الثمانية التي مرت :


* ماذا تعني محلة "باب الشيخ" بالنسبة إليك اليوم؟

- محلة "باب الشيخ" مسكونة في نفسي لحد اليوم، وقد تجاوز عمري الثمانين، مسكونة في حياتي كلها، بمعنى أني ما زلت عائشا فيها رغم مغادرتي لها، وقد كتبت عنها وأنا بعيد عنها، كانت هاجسي الأول والأخير في التعبير عما يشبه رمزها، وجذرها المعنوي في نفسي.
في هذه المحلة ولدت في 22/8/1927 ، وعشت فيها طفولتي، وقد صادف أن تركنا البيت الذي ولدت فيه وأنا في الخامسة أو السادسة، ولكن نفسي بقيت عالقة به، وما زلت أتذكر كل تفاصيله، حتى الصغيرة منها، كل حجارة من أحجاره .. كل محجر من محجراته العتيقة ، حتى " دلكاته " ، أعمدته والنقوش التي حملتها .

وحتى حديقته الصغيرة بقيت للآن جزءا من تاريخي الشخصي ، ولم يكن فيها سوى شجرة زيتون واحدة وشجرة رمان واحدة وشجرة ليمون واحدة ، ما زلت أتذكر كيف كنت أجري فيها ، أقلد فيها " طرزان " الذي شاهدته في السينما .. أتسلق أشجارها وأقفز بين شجرة وشجرة ، وأختفي فيها كما كان يفعل " طرزان " في أفلام السينما , ومازلت للآن أشعر بوجودها الحي في أعماقي !


* ظهر " البيت " الأول في أكثر من رواية وقصة لك ، كيف ترى " المكان " في الرواية؟

- المكان في الرواية والقصة هو الأساس ، اذا ما اعتبرناه يحدد " المحلية " ، أي الانطلاقة الحقيقية للجو الروائي أو للجو القصصي .

لقد كتبت " الرجع البعيد" بدءاً من مكان بيتنا القديم، أنك عندما تختار المكان فإنك تختار، ضمنه أو معه، عناصر كثيرة: الشخصيات ، المشاكل التي يعيشونها ، الأحداث التي تمر من خلالهم .. وهو يشكل أهم عناصر الرواية أوالقصة.


* تعددت الأمكنة بالنسبة إليك، حيث تنقلت بين بغداد ومدن أخرى في العراق، ثم مدن أخرى في العالم: باريس، تونس، ودمشق وأخيراً عمان، كيف تنظر إلى كل هذه الأماكن من ناحية ارتباطها برواياتك وقصصك؟

- في الحقيقة تختلف النظرة الى مكان وآخر، هناك مكان تعيش فيه ويدخل نفسك، مكان تنسجم معه وينسجم معك، مكان تتدمج فيه، وآخر لا تشعر برغبة في الاندماج فيه.

أما بالنسبة لي فاعتقد أن المكان الذي حملته دائماً، وعشت فيه مجازاً حتى اليوم هو محلة " باب الشيخ " ، فكل رواياتي وقصصي تقريباً تستند إليه، ولكن بعض الأماكن الأخرى التي أشرت إليها مرت بي، ومررت بها من دونما علامة فارقة تتركها علي، ربما اشعر أنني قضيت فيها وقتاً ممتعاً لا أكثر.. اذكر أنني عندما كنت في تونس مثلاً، على بعد آلاف الكيلومترات من " باب الشيخ " كنت استرجع " باب الشيخ " بكل تفاصيلها وادخلها في رواياتي.


* قضيت 20 عاماً تقريباً في "باب الشيخ" من الطفولة الى المراهقة وما بعدها، هل جعلت من معارفك فيها أبطالاً في قصصك؟


- في الحقيقة لا، رغم أن شخصياتهم ظلت في ذاكرتي واضحة الملامح، لكنني اخترت غيرهم من نفس المرحلة الزمنية ، وحسب حاجتي إليهم في رواياتي ، اخترتهم لضرورة التشكيل الفني للرواية.


* يقال إن الروائي ينتقي البطل، لكن يحدث أن البطل هو الذي ينتقي الروائي، هل واجهت هذا الصنف من الأبطال؟


- انني أنتقي أبطالي، كما قلت، حسب حاجتي إليهم، ولكن في "خاتم الرمل" البطل هو الذي انتقاني، وهو الذي طلب مني أن اكتب سيرته. كذلك في "المسرات والأوجاع" البطل هو الذي عرض علي حياته، أما في " الوجه الأخر" فأبطالها كانوا في دائرة الوسط ، هناك شخصية اخترتها من حادثة رواها أحد معارفي ، لأنها كانت توحي لي بأشياء كثيرة .


* كيف كان تأثير محيط الأسرة عليك؟


- عندما ولدت كان أبي في الرابعة والستين ، وحين أصبح عمري 6 سنوات كان قد اقترب أبي من السبعين ، تلك كانت مفارقة، وكان عندي خشية من المستقبل، فقد شعرت أن الحياة أوقعتني بين عجوزين : والدي الهرم وبيتنا القديم ، وقد كان والدي يدللني ويحبني كثيراً، وكان احساسي أن هذا الوضع لن يدوم لفترة طويلة.


كنت الأصغر في الأسرة، وأبي متزوج من اثنتين، أنجب من الأولى أخوين لي، ثم تزوج والدتي عام 1902 لكنها لم تنجب إلا بعد عشرين عاماً ، ولذلك فان الفارق بيننا نحن وبين أخوتنا من الأولى يصل لأكثر من 30 عاماً ، تلك كانت مفارقة أخرى ..


المفارقة الثالثة أنني وجدت نفسي وسط عائلة كبيرة ، أنا وأخي نهاد ، وشقيقتان وأمي، وجدتي وآخرون من أقارب قريبين ، بعبارة أخرى أن البيت كان مليئاً بالبشر، وكان والدي قد تقاعد من عمله كمأمور كمرك في العهد العثماني، وبراتب بسيط 5-6 دنانير شهرياً ، ومعيشتنا كانت أقل من متوسطة، لكنني لم أكن أشعر وأنا صغير بالمشاكل المالية التي تواجهها الأسرة ، على العكس كنت أحس أحياناً برفاهية غريبة .


لكن عندما بدأت الحرب العالمية الثانية أخذت حياتنا تضيق شيئا فشيئا , وحين توفي والدي عام 1942 ضربنا سيف الفقر والحرمان كثيرا .( توفي والده وعمره 15 سنة).



* ربما كان هذا هو السبب في أن تصبح في رواياتك صوتا للفقراء والمحرومين , حتى وأنت تتقدم صاعدا الى طبقة أعلى .



- لا أعتقد ان هذا هو وحده السبب فقد كانت مشاكل الفقراء تجذبني منذ بدايات عمري , وكنت أشعر بنوع من التعاطف معهم , ووفر لي عملي في سلك القضاء اطلاعا أكثر على تلك المشاكل ومعرفة مباشرة بها , وعندما بدأت أكتب الرواية كان لدي احساس بأنني لو كتبت عن أجواء الطبقات المترفة لما أمكنني أن أقدم شيئا ذا جدوى .




* متى بدأ اهتمامك بالقراءة ؟

- اهتمامي بالقراءة بدأ من السادس الابتدائي ، عام 1939 ، و بداية اهتمامي بالقراءة تؤشره حادثة طريقة فقد كان لنهاد صديق يقرأ " روايات الجيب" التي كانت تصدر آنذاك ويجمعها بعناية، ويهتم بها كثيراً ، وكان يسارع لاقتناء كل عدد يصدر منها ويصل إلى العراق من مصر .. لكنه مع قراءاته هذه كان لا يهتم بدروسه، كان كسولاً ونادراً ما ينجح في الامتحانات ، فاضطر والده أن يهدده بأنه إذا ما رسب فسيحرق كل هذه الروايات التي جمعها , وخوفاً من أن يقدم والده على تنفيذ تهديده نقل مجموعته من الروايات إلى أخي نهاد وطلب منه حفظها لديه إلى أن يجد حلاً للقضية مع أبيه .

وهكذا وضع نهاد مجموعة كتب صديقه في خزان صغير وحفظها فيه ، وشرعت من جانبي أختار يومياً أحد الكتب لاقرأه ، كان عمري 12 عاماً، وهكذا تملكتني وفي عمر مبكر، هواية القراءة .. قراءة الروايات بالذات ، وتعرفت إلى أرسين لوبين، واجاثا كريستي وستيفان زفايج وسومرست موم... وغيرهم.. كنت اقرأ أحياناً روايتين في اليوم الواحد.. وأكملت في فترة العطلة وما بعدها بشهور قليلة قراءة أكثر من 150 رواية .


* ربما كانت هذه القراءات العامل الذي شدك إلى التفكبر في كتابة الرواية ؟


- قراءاتي لتلك الروايات أعطتني القدرة على التمييز المبكر بين كتابات أجاثا كريستي مثلاً وديستويفسكي أو ستيفان زفايج أو سومرست موم أو غيرهم، كما أنها تركت تأثيرها علي، و شدتني أكثر لخوض مجال الكتابة .


* شهدت مرحلة الخمسينات تألقاً لك وظهوراً على صفحات الصحف والمجلات، كيف تراها اليوم؟

- مرحلة الخمسينات كانت مرحلة غنية بأشياء كثيرة ليس في القصة والشعر فحسب، إنما في الفنون التشكيلية ، وفن العمارة ، وفي المجالات الأخرى أيضاً .. كان ثمة نهضة غريبة تشبه النهضة الإيطالية في القرون الوسطى ، ولو أنها لم تستمر سوى فترة قصيرة ..
في تلك الفترة لم يكن يخطر ببالي أن أكون كاتباً كبيراً أو روائياً مشهوراً ، كل ما كنت أسعى اليه أن اكتب قصة مكتملة فنيا ومؤثرة ، كان شاغلي الوحيد هو التفكير في اختبار اللغة .. اختيار المضمون .. الحوار.. الشخصيات .. إلخ .

ولذلك كنت اكتب واكتب ثم أرمي في سلال المهملات ، وكتبت أكثر من 50 قصة قبل أن أشعر أن بإمكاني أن أقدم ما أكتبه إلى القارئ .


* هل كنت ترى أن ما تكتبه غير مكتمل فنيا ؟


- نعم .. وكنت أشعر أن قصصي التي اكتبها ضعيفة، لا تليق بأن تنشر، أو أن أضعها تحت أنظار الآخرين .. واستمر ذلك إلى أن كتبت رواية " العيون الخضر " عام 1950 .


* في تلك الفترة كنت ضمن شلة تكتب وتقرأ وكنتم تتبادلون الأفكار والحوارات.. إذا استعرضنا أسماء أفراد هذه الشلة كيف كنت ترى كل واحد منهم.. لنبدأ بعبد الملك نوري.

- عبد الملك نوري شخصية مهمة في حياتي ، كنت تعرفت إليه عام 1949 ربما بالصدفة ، فقد كنت في حينها قد أنجزت (10) قصص قصيرة وقدمتها إلى صديقي نزار سليم (الفنان والروائي ) لمعرفة رأيه فيها ، إلا أنه سلمها إلى صديقها المشترك ساطع عبد الرزاق لإعاداتها لي بعد أن قرر السفر إلى سوريا لإكمال دراسته اثر اخفاقه في الدراسة في بغداد ،
ومن الصدف أن يكون ساطع على معرفة بعبد الملك وأن تصل مجموعتي القصصية إلى يد عبد الملك عن هذا الطريق ، وعند اطلاعه عليها عرض أن يلتقيني في " كافيه سويس " في شارع الرشيد وقد نشأ بيننا منذ اللقاء الأول نوع من المودة، فقد أحببت صراحته وحبه للحياة رغم أنه كان خارجاً للتو من مأساة شخصية بعد افتراقه عن زوجته. وأصبحنا نتبادل قراءة كتابات أحدنا الآخر، وكان قد سبقني بالكتابة والنشر ، واشتهر في الأوساط الأدبية بقصصه التي كانت تنشرها له مجلة " الأديب" .
واستمرت علاقتنا على هذا النحو حتى وفاته رحمه الله، عام 1998 ، وكنت كلما نشرت رواية جديدة فإن النسخة الأولى منها تذهب لعبد الملك .
وآخر رسالة وردتني منه قبل أسبوع من وفاته ، كنت في حينها في تونس وقد شعرت أنني فقدت صديقاً حميماً قل أن يجد المرء مثيله .
والثاني الذي كان ضمن شلتنا هو الشاعر عبد الوهاب البياتي الذي ارتبطت به منذ زمالتنا في الصف الأول الابتدائي ، اذ كانت أسرته تسكن في نفس محلتنا " باب الشيخ " ، وبقينا سوية على مقاعد الدراسة حتى نهاية الإعدادية .
كان يبدو على عبد الوهاب ، منذ ذلك الوقت ، طابع الميل إلى العزلة والانطواء على النفس ، ولم يكن لديه أصدقاء ، وربما كنت صديقه من بين أصدقاء معدودين.
وأتذكر أن عبد الوهاب كتب أول قصيدة له عام 1943، وكانت عن بغداد، وهي من الشعر العمودي وقد عرضها علي، من باب المودة لقرائتها، وقد بقينا على علاقة عندما تخرج من كلية الآداب عام 1950 وعين مدرسا في مدرسة ثانوية بمدينة الرمادي، في حين كنت أنا أعمل قاضيا يمدينة بعقوبة، وواضبنا على التراسل فيما بيننا، وكلما كان يكتب قصيدة كان يبعثها لي، وفي حينها أصدر ديوانه الأول " أباريق مهشمة " .

وطيلة سنوات النصف الأول من عقد الخمسينات كنا، أنا وعبد الملك وعبد الوهاب وأخي نهاد ، نلتقي مساء كل خميس في " كافيه سويس " ومنها ننتقل إلى " مشرب غاردينيا " " المطل على شارع أبي نؤاس لنكمل السهرة ، التي كانت مفعمة بالحوار، والنقاش، وتبادل الآراء في الشعر والأدب والسياسة .


* هل كنتم تشعرون، في حينه، أنكم متجهون نحو حركة تجديد وريادة سواء في الشعر أو الرواية أو غيرهما ؟

- كان يسكنني هاجس أننا نحاول التجديد ، ونحاول أن نتغلب على ما يواجهنا من صعوبات.. اي أننا كنا في مرحلة تجريب لتقديم شيء مختلف عما ألفناه .

كان أخي نهاد يحدثنا باستمرار عن حركات التجديد على الساحة الفرنسية، حيث كان باستطاعته متابعتها بحكم قراءاته باللغة الفرنسية، آنذاك كانت الحركة الوجودية، طاغية سواء كأدب أو كفلسفة، وكان هناك تجديد ومراجعة داخل حركات اليسار كلها ..


* هل كنتم جزءاً من حركة يسار أو من تيار وجودي، أو كان لكل منكم اتجاهه الخاص؟


- كان لكل منا اتجاهه الخاص .. عبد الملك كان ماركسياً ، أما البياتي فأنا منذ ذلك الوقت لا أأخذ أفكاره ووجهات نظره مأخذ الجد فهو، كما عرفته دائما ، يسخر كل طاقته وعلاقاته الشخصية والسياسية لصالح إبرازه كشاعر، وللدعاية لشعره ، كان يريد أن ينسج من حوله أسطورة " الشاعر العظيم ، وقد نجح في ذلك .


* وحسين مردا ن ؟

- حسين مردان كان من أصدقاء عبد الملك ، ولم ارتح إليه في البداية وعاملته بجفاء عند تعارفنا ، وقد التقيت به للمرة الأولى بعد خروجه من السجن اثر الحكم عليه بسبب ديوانه " قصائد عارية" . بعد فترة ، أصبحنا أكثر معرفة، لكن علاقتنا ظلت فاترة .
لكنني أراه اليوم نمطاً آخر، كان متمرداً وشجاعاً حين نشر " قصائد عارية " فيما لم أمتلك أنا الشجاعة لنشر " بصقة في وجه الحياة " في حينه ، كنت أخشى أن أحاكم وأسجن ، وكنت أخاف أيضاً من الفضيحة !
+.. والآن بعد هذه السنوات الطويلة هل أنت راض عن كل ما كتبته ؟

- كنت راضياً عندما كتبته في حينه ، وأشعر الآن أن كل عمل كتبته يمثل إنجازاً فنياً، في مرحلة معينة ، والكاتب يتطلع إلى إنجاز جديد في كل مرحلة ، مختلف عما سبقه ، وهذا ما أحاوله باستمرار، فقد كتبت مثلاً " خاتم الرمل " و " المسرات والأوجاع " بسهولة كبيرة، وشعرت أنني نضجت فنياً أكثر، بينما كتابتي لرواية " الرجع البعيد " استغرقت 11 سنة، وكنت أشعر، اثناء كتابتها، أنني باستمرار أمام مشاكل وعقد علي حلها قبل أن انتقل إلى صفحات جديدة ..


* كيف تستقبل النقد بشكل عام ؟

- أغلب النقد الذي وجه لكتاباتي كان إلى جانبي ، وأنا شخصياً اشعر بالارتياح حينما أجد صدى لكتاباتي، لكنني أحياناً أواجه انتقادات جزئية صغيرة ، أو حكما مجردا بجملة واحدة ، ومن دون حيثيات على عمل بكامله ، كأن يقول شخص ما "إن هذه الرواية تافهة!"، أو أن يهاجمني شخصياً... وهذا طبعاً لا استسيغه ولا اعتبره نقداً بأي حال !.

والنقد بشكل عام يشجع الكاتب على مواصلة الكتابة وتجاوز أخطائه .


* إذا اعتبرنا كتاباتك صورة للوضع السياسي والاجتماعي العراقي، فيها خيبات وانكسارات واحباطات كتلك التي يعاني منها الوضع العراقي، ما الذين تحمله الآن بخصوص المستقبل.. أي مستقبل تراه للعراق ؟


- أرى ان الوضع الكارثي الماثل لا يمكن أن يدوم ، وهذا البلد مهم في المنطقة، لا يمكن أن يترك على حالة الحاضر، فهو اليوم أشبه بمساحة خضراء تلعب فيها الكلاب كما تشاء ... إنه أمر غير معقول، أنا أشعر بقدر من التفاؤل في أن الوضع لن يستمر هكذا!.


* هل ضمنت هذه الرؤية في عمل روائي جديد، أو ادخرت ذلك للمستقبل؟


- الواقع أنني نشرت ثلاث حواريات عن الوضع الماثل، واعتقد أن عملاً روائياً كبيراً بهذا الخصوص يحتاج زمناً أطول، لكي يتفادى الكاتب السقوط في هوة المباشرة. والكتابة بشكل وصفي عن العنف والقتل والدم... أن الروائي عليه أن يعثر على ثيمة كبيرة، وأن يخطط لعمل كبير ينجزه لاحقاً ..


* ما هي عاداتك الحميمة وطقوسك الخاصة في الكتابة .. كيف تكتب ومتى ؟

لا عادات كثيرة لدي أثناء الكتابة ولا طقوس ، وجدت دائما أن الفكرة الروائية او القصصية هي التي تقودني للجلوس والامساك بالقلم . ما يهمني غالبا ، ان أكون وحيدا وأن يكون بمقدوري الاستماع الى موسيقى هادئة ، كذلك أحب أن أكتب على ورق صقيل ، لا يهم ان كان مخططا أم لا ، وبقلم حبر رقيق الريشة .
أما وقتي المفضل فهو الليل ، منذ ساعاته المتأخرة قليلا حتى ما بعد منتصفه ، سكون الليل يمنحني هدوءا نفسيا وقابلية على التركيز .
---------------
* أجزاء مقتطعة من حوار مطول مع رائد الرواية العراقية الراحل فؤاد التكرلي , سينشر كاملا في كتاب ( حوارات ) المعد للطبع .


حسب آخر مقابلة له لقد كشف التكرلي بوضوح عن سر عبقريته الادبية فهو هذا الطفل الذي يولد لاب في عمر الرابعة والستين بعد عشرين عام زواج ، كان الموت ينتظر على الباب في تصور التكرلي الطفل يترصد والده، وكانت الحياة اقرب الى العدم وعندما سقط الوالد وعمر الولد 15 عاما ، اصبحت الحياة اكثر قساوة فصهره البؤس كما صهر غيره من المبدعين، وليس من الغريب والحال كذلك ان تكون اول رواياه " بصقه في وجه الحياة".


يتيم في سن الخامسة عشرة.

ايوب صابر 12-05-2011 12:56 PM

والان مع سر الروعة والافضلية في رواية:
14- الشراع والعاصفة – حنا مينه سوريا
الشراع والعاصفة
هذه الرواية
الشراع والعاصفة، قصة مدينة سورية ساحلية أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث صور فيها حنا مينا ببراعة مدهشة اثر الحرب وما تركته من عواصف في بلاد يحتلها الفرنسيون وابرز التناقضات التي كانت تفترس مجتمعا غير متجانس ولكنها اولا قصة رجال البحر قصة الانتصار على الطبيعة القاسية قصة الارادة البشرية والمغامرة.
وهذه الرواية تعد من أفضل 105 روايات عربية، وتحديدا بالمرتبة ال 14.
حنا مينا
في الرواية العربية، لا يذكر البحر إلا ويذكر حنا مينه، وكأنهما توأمان بل هما كذلك، انبثقا من رحم الساحل السوري، ليبلورا معاً أدباً خالداً في الزمان
و عن البحر يقول اديبنا مــيــنا :
"إن البحر كان دائما مصدر إلهامي حتى إن معظم أعمالي مبللة بمياه موجه الصاخب، لحمي سمك البحر، دمي ماؤه المالح، صراعي مع القروش كان صراع حياة، أما العواصف فقد نقشت وشما على جلدي لا أدعي الفروسية، المغامرة نعم! أجدادي بحارة هذه مهنتهم، الابن يتعلم حرفة أهله، احترفت العمل في الميناء كحمّال، وكنت كذلك بحارا ورأيت الموت في اللجة الزرقاء ولم اهبه لأن الموت جبان فأنا ولدت وفي فمي هذا الماء المالح، لكنه هذه المرة كان ملح الشقاء وملح التجارب وملح العذاب جسديا وروحيا في سبيل الحرية المقدسة صبوة البشرية إلى الخلاص ولذلك كان بديهيا ان اطرح منذ وعيي الوجود اسئلتي على هذا الوجود وان اتعمد في البحر بماء العاصفة وان اعاني الموت كفاحا في البر والبحر معا وما الحياة قولة الطروسي بطل الشراع والعاصفة الا كفاح في البحر والبر وبغير انقطاع لأن ذلك قانونا من قوانين الطبيعة امنا جميعا "
==
نبذة النيل والفرات:
حنا مينه، كانت حياته أسطورة ملهية. لقد قرأ كثيراً، ولكنه عاش أكثر. وكانت الحياة على حد تعبير أحد الأدباء تنضح من جلده. هذا الرجل الذي عاش المأساة أكثر مما عاشها أي أديب سوري هو الأكثر فرحاً وانتصاراً وأملاً. وكان يقول أبداً: "يجب أن نفرح وإلا انهزم الإنسان فينا". على شاطئ "اللاذقية". المدينة السورية الخضراء التي تستحم في البحر، وتندي ضفائرها بصنوبر جبال العلويين، ولد حنا مينه. تعرف حنا مينه على دنيا النشر وهو حلاق، صار يرسل بعض القصص إلى الصحف الدمشقية، وصار اسمه معروفاً ومحبوباً لدى القرّاء الذين افتنوا بهذا النفس الجديد الحنون، وهذا الروح الشعبي الأخّاذ. وروايته الأولى "المصابيح الزرق" كانت شيئاً جديداً في الأدب السوري، خط فيها الأسس الواقعية للرواية السورية.
وقد أثارت مناقشات حامية في سورية ولبنان ومصر. لقد كانت روحها الشعبية الآسرة وأسلوبها الحي البسيط يعطيانها نكهة خاصة، ولكن ما فيها من انقطاع النفس حيناً، وتقصد السخرية أحياناً أخرى، والاندفاع في وصف الطبيعة بشكل يقطع حيوية الحادث، ثم بعض اللوحات التقريرية التي تأثر فيها حنا من عدائه لنظرية الفن للفن، فانصرف فيها إلى تأكيد التزامه السياسي دون كبير نجاح... كل هذه الأشياء كان انتقادها تجربة تنمية لحنا الذي اكتشف أبعاده بصورة أعمق.
لم تكن "المصابيح الزرق" لتمثل حنا الحقيقي، لم تكن لتجسد حقاً ما يعرفه عن اللاذقية: مجرها وأحلامها وصياديها وطبقاتها الشعبية، فانصرف لكتابة روايته التي بين يدي القارئ "الشراع والعاصفة".
التي هي قصة رجال البحر المردة، في صراعهم اليومي المرير مع الموت المتمثل في البحر الهائج، والعواصف الغادرة، يقابلونها بأشرعتهم الممزقة، وقواربهم العتيقة، وعزمهم المستمد من صخور الشطآن. إن فيها لروحاً أسطورياً حنوناً، ولكنه غائص الجذور بالأرض "البحر ملك" تلك هي صيحة الاحترام العميقة التي يطلقها كل بحار، والطروسي، بطل القصة الأول يؤمن بسلطنة البحر كما يؤمن بسلطنة المرأة، ولكنه، في عنفوان شعوره برجولته، يعرف كيف يكون ترويض النمور.
إن البحر، صديقه اللدود، ليجتذبه بعيونه الرمادية الباردة ليبحر نحو جزر مهجورة، يغتض عذريتها بفتوة الفارس، لقد اكتشف معنى حياته، ولذلك أحس بثقل وقع أقدامه على الأرض.
الشراع والعاصفة، قصة مدينة سورية ساحلية أثناء الحرب العالمية الثانية. لقد صور حنا مينه، وببراعة مدهشة، أثر هذه الحرب وما تركته من عواصف في بلاد يحتلها الفرنسيون، وأبرز التناقضات التي كانت تفترس مجتمعاً غير متجانس، ولكنها أولاً قصة رجال البحر، قصة الانتصار على عوامل الطبيعة القاسية، قصة الإرادة البشرية والمغامرة.
إن حنا مينه من رواد البحر في الأدب العربي، وفي رواياته كل فتوة الريادة، وكل تعجلها أيضاً وحسبه هذا العطاء الرائع.

ايوب صابر 12-05-2011 12:57 PM

حنا مينه
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
حنا مينه روائي سوري ولد في مدينة اللاذقية في 9 اذار 1924. ساهم في تأسيس رابطة الكتاب السوريين واتحاد الكتاب العرب. يعد حنا مينه أحد كبار كتاب الرواية العربية.[1] وتتميز رواياته بالواقعية [2]
حياته

عاش حنا طفولته في إحدى قرى لواء الاسكندرون علي الساحل السوري. وفي عام 1939 عاد مع عائلته إلى مدينة اللاذقية وهي عشقه وملهمته بجبالها وبحرها. كافح كثيراً في بداية حياته وعمل حلاقاً وحمالاً في ميناء اللاذقية، ثم كبحار على السفن والمراكب. اشتغل في مهن كثيرة أخرى منها مصلّح دراجات، ومربّي أطفال في بيت سيد غني، إلى عامل في صيدلية إلى صحفي أحيانا، ثم إلى كاتب مسلسلات إذاعية للاذاعة السورية باللغة العامية، إلى موظف في الحكومة، إلى روائي.
بداياته مع الكتابة

البداية الادبية كانت متواضعة، تدرج في كتابة العرائض للحكومة ثم في كتابة المقالات والأخبار الصغيرة للصحف في سوريا ولبنان ثم تطور إلى كتابة المقالات الكبيرة والقصص القصيرة.
أرسل قصصه الأولى إلى الصحف السورية في دمشق بعد استقلال سوريا اخذ يبحث عن عمل وفي عام 1947 استقر به الحال بالعاصمة دمشق وعمل في جريدة الانشاء الدمشقية حتى أصبح رئيس تحريرها .
بدأت حياته الأدبية بكتابة مسرحية دونكيشوتية وللآسف ضاعت من مكتبته فتهيب من الكتابة للمسرح، كتب الروايات والقصص الكثيرة بعد ذلك والتي زادت على 30 رواية أدبية طويلة غير القصص القصيرة منها عدة روايات خصصها للبحر التي عشقة وأحبه، كتب القصص القصيرة في البداية في الاربعينات من القرن العشرين ونشرها في صحف دمشقية كان يراسلها، أولى رواياته الطويلة التي كتبتها كانت ( المصابيح الزرق ) في عام 1954 وتوالت إبداعاته وكتاباته بعد ذلك، ويذكر ان الكثير من روايات حنا مينه تحولت إلى أفلام سينمائية سورية ومسلسلات تلفزيونية.
مساهمته في رابطة الكتاب السوريين

ساهم حنا مينه مع لفيف من الكتاب اليساريين في سوريا عام (1951) بتأسيس رابطة الكتاب السوريين، نظمت الرابطة عام (1954) المؤتمر الأول للكتاب العرب بمشاركة عدد من الكتاب الوطنين والديمقراطيين في سوريا والبلاد العربية وكان لحنا مينه دوراا كبير في التواصل مع الكتاب العرب في كل أنحاء الوطن العربي.
تأسيس اتحاد الكتاب العرب

ساهم بشكل كبير في تأسيس اتحاد الكتاب العرب، وفي مؤتمر الاعداد للاتحاد العربي التي عقد في مصيف بلودان في سوريا عام 1956 كان لحنا مينه الدور الواضح في الدعوة إلى ايجاد وإنشاء اتحاد عربي للكتاب، وتم تأسيس اتحاد الكتاب العرب عام 1969 وكان حنا مينا أحد مؤسسيه.
حنا مينا أب لخمسة أولاد، بينهم صبيان، هما سليم، توفي في الخمسينيات، في ظروف النضال والحرمان والشقاء، والآخر سعد، أصغر أولاده، وهو ممثل ناجح ومعروف الآن. شارك في بطولة المسلسل التلفزيوني (نهاية رجل شجاع) المأخوذة عن رواية والده وبالمسلسل الشهير (الجوارح) و(الطير) وشارك في العديد من المسلسلات السورية، ولديه ثلاث بنات: سلوى (طبيبة)، سوسن ( وتحمل شهادة الأدب الفرنسي)، وأمل (مهندسة مدنية) .
من أقواله

يقول حنا مينا: أنا كاتب الكفاح والفرح الإنسانيين) فالكفاح له فرحه، له سعادته، له لذّته القصوى ، عندما تعرف أنك تمنح حياتك فداء لحياة الآخرين، هؤلاء الذين قد لا تعرف لبعضهم وجهاً، لكنك تؤمن في أعماقك، أن إنقاذهم من براثن الخوف والمرض والجوع والذل، جدير بأن يضحى في سبيله، ليس بالهناءة وحدها، بل بالمفاداة حتى الموت معها أيضاً.إن وعي الوجود عندي، ترافق مع تحويل التجربة إلى وعي، وكانت التجربة الأولى في حي (المستنقع) الذي نشأت فيه في اسكندرونة، مثل التجربة الأخيرة، حين أرحل عن هذه الدنيا ، ومثل تجربة الكفاح ما بينهما، منذورة كلها لمنح الرؤية للناس، لمساعدتهم على الخلاص من حمأة الجهل ، والسير بهم ومعهم نحو المعرفة، هذه التي هي الخطوة الأولى في (المسيرة الكبرى) نحو الغد الأفضل.
كما يقول عن مهنته الأخيرة: مهنة الكاتب ليست سواراً من ذهب، بل هي أقصر طريق إلى التعاسة الكاملة. لا تفهموني خطأ، الحياة أعطتني، وبسخاء، يقال إنني أوسع الكتّاب العرب انتشاراً، مع نجيب محفوظ بعد نوبل ، ومع نزار قباني وغزلياته التي أعطته أن يكون عمر بن أبي ربيعة القرن العشرين. يطالبونني، في الوقت الحاضر، بمحاولاتي الأدبية الأولى، التي تنفع الباحثين والنقاد والدارسين، لكنها، بالنسبة إلي، ورقة خريف اسقطت مصابيح زرق.
ويقول عن البحر: إن البحر كان دائماً مصدر إلهامي، حتى إن معظم أعمالي مبللة بمياه موجه الصاخب، وأسأل: هل قصدت ذلك متعمّدا؟ في الجواب أقول:في البدء لم أقصد شيئاً، لحمي سمك البحر، دمي ماؤه المالح، صراعي مع القروش كان صراع حياة،أما العواصف فقد نُقشت وشماً على جلدي، إذا نادوا: يا بحر أجبت أنا! البحر أنا، فيه وُلدت، وفيه أرغب أن أموت.. تعرفون معنى أن يكون المرء بحّاراً؟
إنه يتعمّد بماء اللجة لا بماء نهر الأردن، على طريقة يوحنا! أسألكم: أليس عجيباً، ونحن على شواطئ البحار،ألا نعرف البحر؟ ألا نكتب عنه؟ ألا نغامر والمغامرة احتجاج؟ أن يخلو أدبنا العربي، جديده والقديم، من صور هذا العالم الذي هو العالم، وما عداه، اليابسة، جزء منه؟! البحّار لا يصطاد من المقلاة! وكذلك لا يقعد على الشاطئ، بانتظار سمكة السردين التافهة. إنه أكبر، أكبر بكثير، وأنا هنا أتحدث عن البحّار لا عن فتى الميناء!
الأدباء العرب، أكثرهم لم يكتبوا عن البحر لأنهم خافوا معاينة الموت في جبهة الموج الصاخب. لا أدّعي الفروسية، المغامرة نعم! أجدادي بحّارة، هذه مهنتهم، الابن يتعلم حرفة أهله، احترفت العمل في الميناء كحمّال، واحترفت البحر كبحّار على المراكب.
كان ذلك في الماضي الشقي والماجد من حياتي ، هذه المسيرة الطويلة كانت مشياً ، وبأقدام حافية، في حقول من مسامير، دمي سال في مواقع خطواتي، أنظر الآن إلى الماضي، نظرة تأمل حيادية، فأرتعش. كيف، كيف؟!
أين، أين؟! هناك البحر وأنا على اليابسة؟! أمنيتي الدائمة أن تنتقل دمشق إلى البحر، أو ينتقل البحر إلى دمشق، أليس هذا حلماً جميلاً؟! السبب أنني مربوط بسلك خفي إلى الغوطة ، ومشدود بقلادة ياسمين إلى ليالي دمشق الصيفية الفاتنة، وحارس مؤتمن على جبل قاسيون ، ومغرم متيّم ببردى، لذلك أحب فيروز والشاميات.
الأديب والروائي

حنا مينه أحد عمالقة الرواية في سوريا والوطن العربي، وقف في وجه الاستعمار الفرنسي وعمره 12 عاما وعاش حياة قاسية، وتنقل بين عدة بلدان سافر إلى أوروبا ثم إلى الصين لسنوات لكنه عاد.
حنا مينه الروائي، أديب الحقيقة والصدق، عصامي ساهم في إغناء الرواية العربية وعمل باجتهاد حتى أجاد وأبدع. كتب الكثير من الروايات والقصص يتحدث في معظمها عن البحر ويصف حياة البحارة في مدينة اللاذقية وصراعهم على متن المراكب والسفن ومع اخطار البحر. لقد أبدع في الكتابة عن البحر بروايات فيها الكثير من الصدق والعمق والمعاناة والكفاح والواقعية والحب والجمال.
رواياته ومؤلفاته

معظم رواياته تدور حول البحر وأهله، دلالة على تأثره بحياة البحارة أثتاء حياته في اللاذقية.
  1. المصابيح الزرق
  2. الشراع والعاصفة
  3. الياطر
  4. الأبنوسة البيضاء
  5. حكاية بحار
  6. نهاية رجل شجاع
  7. الثلج يأتي من النافذه
  8. الشمس في يوم غائم
  9. بقايا صور
  10. المستنقع
  11. القطاف
  12. الربيع والخريف
  13. حمامة زرقاء في السحب
  14. الولاعة
  15. فوق الجبل وتحت الثلج
  16. حدث في بيتاخو
  17. النجوم تحاكي القمر
  18. القمر في المحاق
  19. عروس الموجة السوداء
  20. الرجل الذى يكره نفسه
  21. الفم الكرزى
  22. الذئب الاسود
  23. الاقرش والغجرية
  24. حين مات النهد
  25. صراع امرأتين
  26. حارة الشحادين
  27. البحر والسفينة وهي
  28. طفولة مغتصبة
  29. المرصد
  30. الدقل
  31. المرفأ البعيد
  32. مأساة ديمترو
  33. الرحيل عند الغروب
  34. المرأة ذات الثوب الأسود
  35. المغامرة الأخيرة
  36. هواجس في التجربة الرواءية
  37. كيف حملت القلم؟
  38. امرأة تجهل أنها امرأة
  39. النار بين أصابع امرأة
  40. عاهرة ونصف مجنون
  41. شرف قاطع طريق

ايوب صابر 12-05-2011 12:58 PM

حنا مينه
- ولد في اللاذقية 1924 لعائلة فقيرة، وعاش طفولته في حي (المستنقع) في إحدى قرى لواء اسكندرون. بعد ضم اللواء لتركيا عام 1939، عاد مع عائلته إلى اللاذقية حيث عمل حلاقاً.
* احترف العمل بداية في الميناء كحمّال ثم احترف البحر كبحّار على المراكب.
* اشتغل في مهن كثيرة ، من أجير مصلّح دراجات، إلى مربّي أطفال في بيت سيد غني، إلى عامل في صيدلية، إلى حلاّق، إلى صحفي، إلى كاتب مسلسلات إذاعية باللغة العامية، إلى موظف في الحكومة ، إلى روائي، وهنا المحطة قبل الأخيرة،
* أرسل قصصه الأولى إلى الصحف الدمشقية.
* انتقل إلى بيروت عام 1946 بحثاً عن عمل ثم إلى دمشق عام 1947 حيث استقر فيها، وعمل في جريدة الإنشاء حتى أصبح رئيساً لتحريرها.
* البداية لأدبية الأولى كانت متواضعة جداً ، فقد أخذ بكتابة الرسائل للجيران، وكتابة العرائض للحكومة
* ثم تدرّج، من كتابة الأخبار والمقالات الصغيرة، في صحف سوريا ولبنان، إلى كتابة القصص القصيرة.
* بدأت حياته الأدبية بكتابة مسرحية دونكيشوتية ولما ضاعت تهيب من المسرح
* أولى رواياته التي كتبتها كانت (المصابيح الزرق)
*الأعمال الأدبية (30 رواية حتى الآن) منها حوالي الثمان خصصها للبحر الذي عشقه
* من روايته الشهيرة (النجوم تحاكم القمر)، و(القمر في المحاق ) ، ( نهاية رجل شجاع ) ، ( بقايا صور ) .. ومنها ما تحول إلى أعمال تلفزيونية .
*دخل المعترك السياسي الحزبي مبكرا وهو فتى في الثانية عشرة من عمره وناضل ضد الانتداب الفرنسي، ثم هجر الانتماء الحزبي في منتصف الستينيات، وكرّس حياته للأدب، وللرواية تخصيصاً

* عاش رحلة اغتراب قاسية بين المدن : انطلق من اللاذقية إلى سهل أرسوز قرب أنطاكية، مروراً باسكندرونة ، ثم اللاذقية من جديد، وبيروت، ودمشق، وبعد ذلك تزوج، وتشرد مع عائلته لظروف قاهرة، عبر أوربا وصولاً إلى الصين، حيث أقام خمس سنوات، وكان هذا هو المنفى الاضطراري الثالث، وقد دام العشرة من الأعوام..


من أشهر رواياته
"المصابيح الزرق" و"الشراع والعاصفة" و"الياطر" و"الأبنوسة البيضاء" و"حكاية بحار" و"نهاية رجل شجاع".

==
أضواء على السيرة الذاتية
لم أكن أتصور بأنني سأصبح كاتبا

لم أكن أتصور حتي في الأربعين من عمري أنني سأصبح كاتباً معروفاً، بدأت رحلة التشرد وأنا في الثالثة من عمري، وهذه الرحلة من حيث هي ترحال مأساوي في المكان، عمرها الآن ثمانون عاماً، أما رحلتي في الزمان فهي أبعد من ذلك وستبقي ما بقيت .

كان أبي رحمة الله رحالة من طراز خاص، لم ينفع ولم ينتفع برحلاته كلها، أراد الرحيل تلبية للمجهول، تاركاً العائلة أغلب الأحيان، وفي الأرياف للخوف والظلمة والجوع، ولطالما تساءلت وراء أي هدف كان يسعي؟ لا جواب طبعاً، انه بوهيمي بالفطرة .

كنت عليلاً، أمي وأخواتي الثلاث عملن خادمات، عملت أنا الصبي الوحيد، الناحل، أجيراً .

بداياتي الأدبية كانت متواضعة جداً، فقد أخذت منذ تركت المدرسة الابتدائية بكتابة الرسائل للجيران، وكتابة العرائض للحكومة، كنت لسان الحي الي ذويه، وسفيره المعتمد لدي الدوائر، أقدّم لها بدلاً من أوراق الاعتماد عرائض تتضمن شكاوي المدينة ومطالبها، هنا كنت صدامياً

ومنذ يفاعتي: اننا جياع، عاطلون عن العمل، مرضي، أميون، فماذا يريد أمثالنا؟ العمل، الخبز، المدرسة، المستشفي، رحيل الانتداب الفرنسي ومطالبة الحكومة في فجر الاستقلال أن تفي بوعودها المقطوعة لأمثالنا...

بدأت حياتي الأدبية بكتابة مسرحية دونكيشوتية، صرخت فيها علي كيفي، غيرت العالم علي كيفي، أقمت الدنيا ولم أقعدها، ضاعت المسرحية ومنذئذ تهيبت الكتابة للمسرح ولم أزل، القصص ضاعت أيضاً، لم اشعر بالأسف وكيف أشعر به وحياتي نفسها ضائعة؟

ثمّ انني لم أفكر وأنا حلاق وسياسي مطارد بأنني سأصبح كاتباً، كان هذا فوق طموحي رغم رحابة هذا الطموح صدقوني انني حتي الآن كاتب دخيل علي المهنة وأفكر بعد هذا العمر الطويل بتصحيح الوضع والكف عن الكتابة، فمهنة الكتابة ليست سواراً من ذهب بل أقصر طريق الي التعاسة الكاملة .

لقد كتبت عن مصادفات في حياتي كنت فيها قريباً من البحر وقادراً أن أكون بجواره، ولكنني لا أقبل أن أقيم الا في بيتي في دمشق التي أحبها جداً وأتغزل بها حيثما ذهبت.

حملت صليبي منذ ستين عاماً ولم أجد من يصلبني لعلني أستريح، لقد بت أكره الكتابة بت أكره هذه المهنة الحزينة التي لا فكاك منها الا بالموت وقد بت أخاف ألا أموت وكان ذلك عقابا لي علي اختراقي للمألوف، أعيش في قلق، وأبارك هذا القلق ثلاثاً وألعن الطمأنينة، دودة الفكر التي تنقب في دماغي لا تتركني أستريح والنفس تأبي أن تستريح، الروح المجروحة المدماة لا تشيخ بل تنزل مع صاحبها الي القبر، الجسد هو الذي يخون وقد خانني جسدي .

عشت عمري كلّه مع المغامرة، كنت علي موعد مع الموت ولم أهبه، الموت جبان لمن ينذر له نفسه. ثمانون عاماً تضعني علي مزلقها والموت الذي أسعي اليه يفرّ مني !

==
من أي جامعة تخرجت


الراحل الدكتور عادل العوا، استاذ الفلسفة في جامعة دمشق، سألني وأنا إلى جانبه في احدى المناسبات: "دكتور حنا، من أي جامعة تخرّجت؟" أجبته بغير قليل من الجدية "من جامعة الفقر الأسود!" قال: "عجيب، أنا لم اسمع بهذه الجامعة!".

الدكتور العوا كان طيباً، درس الفلسفة وعلّمها في جامعة دمشق، لكنه، كما يبدو، انصرف إلى قراءة الفلسفة، وتعليمها، وكتب بعض المؤلفات، ومنها كتابه المعروف "الكرامة"، ولم يكن لديه وقت لقراءة الأدب، وهذا مؤسف، إلا انه واقع، فالطبقة الليبرالية في سورية، وربما في الوطن العربي أيضاً، لا تقرأ الأدب، ولماذا تقرأه، وهي تسعى إلى ما هو أنفع، فمتاع الدنيا الغرور، ينفع كثيراً، سواء في الوجاهة، أو جمع ما يؤكد هذه الوجاهة، ويثبتها، ويجعلها بريقاً أصفر، يسطع كنور الشمس في أيام الصيف، وتبقى قراءة الأدب ترفاً، يمارسه من ليس له ترف، في الوجاهة أو السيادة، أو المكانة المرموقة في المجتمع، مثل بعض المثقفين، والطلاب الجامعيين، والشرائح التي تسعى إلى المعرفة، لإدراك ما يجري في العالم من حولها، عربياً ودولياً!

بالنسبة لي، أنا خريج جامعة الفقر الأسود، الفقر نوعان: أبيض كالذي اعيشه الآن، وأسود كالذي عشته في طفولتي، حين كنت جائعاً، حافياً، عارياً، حرصت أمي، على ادخالي المدرسة، كي يتعلم "فكّ الحرف"، وأن أصبح، بعد فكّه، كاهناً أو شرطياً، ولا توسط بينهما، وبعد ان كبرت، وألقيت بنفسي في التيار الهادر لمقاومة الاحتلال الفرنسي، تمنت الأم لو لم ترسلني إلى المدرسة، وان أكون راعياً، بدل ان أكون مكافحاً في سبيل الاستقلال،

وما عانيته في السجون الفرنسية، وحتى السجون الوطنية، على امتداد عهد الاقطاع، بعد الاستقلال، كان يؤرقها.

آمال الأم خابت كلها، فلم ارتسم كاهناً، ولا دخلت سلك الشرطة، أو قدّر لي ان أكون راعياً، مع انني مارست من المهن ما هو أبشع منها وأفظع،
فقد عملت، كما هو معروف من سيرة حياتي، أجيراً واجيراً وأجيراً،
وتطوعت في البحرية بعد دخول قوات فرنسا الحرة إلى سوريا، في الحرب العالمية الثانية، ولما لم يكن لي حظ التعبئة والتسويق إلى العلمين، لقتال جيش رومل، ذئب الصحراء،
فقد تركت الخدمة كجندي في البحرية، لأصبح بحاراً، لمدة قصيرة، على المراكب الشراعية، التي تنتقل بين مرافئ المتوسط العربية، وعلى هذه المراكب، خلال العواصف، عاينت الموت، في نظرات باردة، لأفعى اللجة، ومن هنا كان ولعي بالبحر، ثم الكتابة عنه، عندما تعاطيت مهنة الحرف الحزينة، القذرة واللذيذة، حسب تعبير ارنست همنغواي، والتي لا انفكاك منها سوى بالموت.

لقد قلت، صادقاً، انني ولدت بالخطأ، ونشأت بالخطأ، وكتبت بالخطأ، فالطفل العليل، الذي تنوس حياته كذبالة الشمعة الواهنة، لم تطفئ ريح المتون ذبالة شمعته، وبعد الابحار على المراكب، غدا الرغيف خيَّالاً، وعلي، سداً لجوع العائلة، ان اركض وراءه، ولا أزال، وفي مزدلف الشوط، لم يكن لي، بعدُ، شرف الفروسية، فقد اضطررت للعمل حمالاً في المرفأ، ثم حلاقاً على باب ثكنة في مدينة اللاذقية، ومن الحلاقة إلى الصحافة، ومن الصحافة إلى كتابة المسلسلات الاذاعية، بالفصحى والعامية، ومنها إلى الوظيفة في وزارة الثقافة، وقبل ذلك إلى المنافي، لأسباب قاهرة، حيث التشرد في أوروبا، والنوم تحت الجسور في سويسرا، وطلب العمل، لا العلم، في الصين، وكل هذا، أو أكثره، معروف من القراء الأعزاء، اذكره للشكر لا لعرض الحال، والشكر، هنا، لأن حياتي الحافلة بالتجارب القاسية، قد نفعتني "أنا الحديدة التي تفولذت بالنار" في المقبل من أيامي، عندما بدأت بالكتابة الفعلية في الأربعين من عمري.

إن العمل في البحر، افادني في كتابة الشراع والعاصفة" والعتالة في المرفأ، اتاحت لي ان اكتب "نهاية رجل شجاع" والاختباء في الغابات، أيام مطاردة الفرنسيين، وفر لي المادة لكتابة "الياطر" أي مرساة السفينة، التي ستغدو أشهر رواياتي، رغم اني لم اكتب الجزء الثاني منها، والناشر لأعمالي يلاحقني كي اكتب هذا الجزء، وأعد، ويتلو الوعد وعداً، والوفاء، منذ ثلاثين عاماً، في مطاوي السحب الأبيض، الارجوانية عند الغروب، حتى بلغت من العمر عتياً، وصار الجزء الثاني نسياً منسياً، ويئس القراء مني، فاسترحت كما لم استرح من قبل، وادرك من حولي، انني نصف عاقل نصف مجنون، وانني، كما أقول، أفضّل نصفي المجنون على نصفي العاقل!

المشكلة ان "من شبّ على شيء شاب عليه" كما يقول المثل، وقد شببت على حب المغامرة حتى صارت في دمي، وصرت على موعد معها، فحيث تكون أكون، ولأنها كائنة في حلق الردى، فإنني من هذا الحلق امرق، فارداً جناحي، في تحليق كتحليق المغامر عباس بن فرناس، دون ان اسقط أو تدق رقبتي، إلا ان هذا التحليق، بحثاً عن المغامرة وفيها، سيتكرر، فالمرء الذي اختاره القدر ليكون كاتباً، أمامه خياران: جنح عصفور أم جنح نسر، وفي الشعر لابد أن يختار الشاعر جنيح نسر، وإلا ظل خائباً كبعض الذين يرفرفون بأجنحتهم فوق مستنقع الكتابة، دون ان يطيروا، ان يحلقوا، فالتحليق في الابداع له شروطه، وفي رأسها ألا يخاف الموت، فالموت، رغم ارتهانه لمشيئة الله، جبان في رأيي، وهو يأتي الحذَر من مكمنه، وأكثر الذين يخافون الموت، ويحتاطون في أمره، في الطعام والشراب والتغامر، أو بحثاً عما يقتل رتابة العيش، يموتون في رتابة عيشهم، وقبلاً يموتون، في الخوف من الموت، في موت أشد إيلاماً، تماماً كالذين هم، في الخوف من الفقر، في فقر، رغم اكتنازهم المال، لأن ما يصرف منه، هو وحده ملك صاحبه، أما ما يتبقى فإنه ملك الورثة، يبعثرونه، غالباً، في وجوه غير مستقيمة، انتقاماً من المورّث الذي حرمهم، في حياته، بعض ما يجعل عيشهم هنيئاً، أو أقل قتامة وادقاعاً.

وإذا كان الشعر، في التوسط، لا شعر، وان الشاعر، بغير تحليق، بغير حلم في هذا التحليق، يسقط في العدم، فإن القاص، مثل تشيكوف، أو مثل يوسف ادريس، له ايضاً سبب، وحتى ضرورة، في ان يرتفع بفنه، ومعه، إلى أعلى، ودائماً إلى أعلى، فالغمام الابداعي في الأعالي يكون، ومنها ينهمر عطراً على شباك فيروز، سفيرتنا إلى النجوم حسب تسمية سعيد عقل، وما يقال عن القاص، يقال بقدر أكبر، عن الروائي، الذي دون تغامر في التجارب، ولو فيها هلاكه، لن يبلغ أن يكون روائياً من لحم ودم، أو حتى ان يتوصل إلى جعل شخوص رواياته من لحم ودم، وبذلك يفقد قارؤه نشوة الانجذاب إليه، أو التحليق معه في الفضاءات التي ينبغي أن يحلق فيها، انطلاقاً من الواقع، وفي صيرورة هذا الواقع واقعاً فنياً، من خلال الانعكاس، في الذات الابداعية، والصدور عنها في معالجة ابداعية، تتطلب الخلق والخيال والتخييل والابتكار في السرد والحوار معاً.
نعم! أنا خريج جامعة الفقر الأسود أو لم يكن لي خيار، في دخول جامعة سواها، أو حتى مدرسة اعدادية، كي اعرف ان اكتب عن الجامعات والمدارس!
الخميس 2003/08/28 م

ايوب صابر 12-05-2011 12:59 PM

حنه مينه


أنتم تسألون عن حياتي.. وأنا أجيبكم!


بلغت الثمانين من عمري، في 9 آذار 2004م وحتى هذا التاريخ كنت أخدع نفسي، أو تخدعني نفسي، فأقول للناس، وللقراء الأعزاء أيضاً، ان السبب في شهرتي كروائي، وسعة انتشاري في وطني العربي، وفي العالم كله، مردّه إلى الحظ، فأنا محظوظ جداً، يقرؤني الفقير والأمير، وانني، في سعة الانتشار، أكاد أقترب من سعة انتشار الشاعر المرحوم نزار قباني، وفق بيانات دار الآداب، العريقة بين دور النشر في لبنان كله، وربما في الوطن العربي كله.

وقد سألتني سيدة مليحة، تحمل شهادة دكتوراة في تربية الأطفال، وهي رئيسة قسم الأطفال في وزارة الثقافة السورية، عن الانتشار الواسع هذا، فأجبتها:
- الحظ يا سيدتي!
قالت:
- وبعد الحظ؟
- الحظ ولا شيء آخر!
- لا! هناك شيء آخر فما هو؟ أجبني بصدق.
قلت بغرور:
- ما أريده أن يكون، يكون فعلاً!
سكتت السيدة، بعد أن أدهشها جوابي، لكنني أنا، عند بلوغي الثمانين شتاء أدركت أنني كاذب في امرين: الأول أن ما يقال عن ذكائي تهمة باطلة ستكشف في يوم من الأيام، والأمر الثاني انني غير محظوظ، لأنني نكبت في ثلاثة أجيال من عائلتي، ولا ازال رازحاً تحت نير اخطائي الكثيرة، غير المبررة بأي وجه، وانني احمل همي في طريقي الى، وأتألم من ثلاث عاهات: أولها معدتي التي لا ينفع فيها دواء، لأن بها كسلاً في الأمعاء، وتشنجاً في الجهاز الهضمي، وثانيها نتوءات عظمية في ظهري، أكاد أصرخ من ألمها، وثالثها ركبتي اليمنى، وما فيها من جفاف، لهذا ينصحني الأطباء أن أكتب ساعة واحدة، أستريح بعدها، وأنا أعاند وأكتب ساعات متواصلة.

ماذا أسمي هذا كله!؟ وهل أحيلكم إلى رواياتي فاتعبكم!؟ الأفضل ان أعرض الأمور بإيجاز، قدر المستطاع، وأن أحدثكم عن حياتي الأدبية، وكيف بدأت، وعن نشئتي الأولى! إنني لم أكن أتصور، حتى في الأربعين من عمري، إني سأصبح كاتباً معروفاً، فقد ولدت، كما هو معروف عني، بالخطأ، ونشأت بالخطأ، وكتبت بالخطأ أيضاً، ولنبدأ بالكلام على حياة الطفولة، هذه التي أصبحت بعيدة جداً الآن، من حيث هي ترحال مأساوي في المكان، عمرها الآن ثمانون عاماً، أما رحلتي في الزمان، فهي أبعد من ذلك، وستبقى ما بقيت، بسبب أن التأمل، التلفت، الاستشراف، تمثل الوعي الأول للوجود، وكل هذه الذكريات التي تنثال في الخاطر، أصبحت مرنقة الآن، وأنا ألعنها لأنها تغتالني بلا رحمة!

والدتي اسمها مريانا ميخائيل زكور، وقد رُزقت بثلاث بنات كن، بالنسبة لذلك الزمان، ثلاث مصائب، عانت منهن الكثير الكثير، فالوسط الفقير الى حد التعاسة، كان يشكل عقلية سلفية بالغة القسوة، وقد تعاون هذا الوسط، وما فيه من ظلم ذوي القربى، على اذلال والدتي، باتهامها أنها لا تلد إلا البنات، وكان المطلوب أنه تلد المرأة الصبيان، وفي الأقل الأقل، أن تلد صبياً بعد بنت، لكن القدر شاء أن تحمل وتلد البنات الثلاث بالتتابع، الأمر الذي كان يحمل إليها مرارة الشقاء، بالتتابع أيضاً.

وستقول لي أمي، حين أكبر: «أسمع يا حنا! أنت ابن الشحادة، فقد شحدتك، منذ تزوجت أباك، وفي كل مرة كنت أحمل فيها، كانت تعاقبني، فأرزق ببنت، أنا التي كنت أسألها الصبي، أسألها أنت، وأنت لم تأت إلا في الحمل الرابع، الذي بكيت فيه من الفرح، بينما كنتُ، قبل ذلك، أبكي من الحزن.

لقد منحتني إياك بعد طول انتظار، وطول معاناة، لكن المنحة كانت، حتى مع الشكر، منحة مهددة بالأمراض، والخوف عليك منها، ثم الدعاء إلى الله، في أن تعيش، كرمي لي، حتى لا أعيش الخيبة من جديد، وهذ ما حدث،
فقد ولدت عليلاً، ونشأت عليلاً، وكان الموت والحياة يحومان حول فراشك، الذي كان طراحة على حصيرة في بيت فقير الى حد البؤس الحقيقي..

كنت شمعة تنوس ذبالتها في مهب ريح المرض، وكنت اسأل الله، وأنذر النذور، وأسأل الريح، بكل ما في الابتهال من ضراعة، ألا تنطفئ الشمعة التي كنتها، حتى لا أفجع فجيعة تودي بي إلى القبر، وشاء الله، سبحانه وتعالى، أن تعيش في قلب الخطر، وهذا الخطر لازمك حتى الشباب، وعندها تحول من خطر الموت إلى خطر الضياع، في السجون والمنافي، هذه التي أبكتني بكاءً مضاعفاً، خشية ألا أراك، وأنت تعطي نفسك للعذاب في سبيل ما كنت تسميه المتحرر من الاستعمار الفرنسي، وتحقيق العدالة الاجتماعية!».

هكذا ولدت في قلب الخطر، وترعرعت في جوف حوته أيضاً، وناضلت ضد هذا الخطر بلا هوادة، فكان المبدأ الذي شببت عليه، عاملاً أساسياً في شفائي الجسدي والنفسي، لذلك قلت يوماً، بعد أن صرت كاتباً: «أنا كاتب الكفاح والفرح الإنسانيين» فالكفاح له فرحة، له سعادته، له لذته القصوى، عندما تعرف أنك تمنح حياتك فداء لحياة الآخرين، هؤلاء الذين قد لا تعرف لبعضهم وجهاً، لكنك تؤمن، في أغماقك، أن انقاذهم من براثن الخوف والمرض والجوع والذل، جدير بأن يضحى في سبيله، ليس بالهناءة وحدها، بل بالمفاداة حتى الموت معها ايضاً.

إن وعي الوجود عندي، ترافق مع تحويل التجربة إلى وعي، وكانت التجربة الأولى، في حي «المستنقع» الذي نشأت فيه في اسكندرونة، مثل للتجربة الأخيرة، حين أرحل عن هذه الدنيا، ومثل تجربة الكفاح ما بينهما، منذورة كلها لمنح الرؤية للناس، لمساعدتهم على الخلاص من حمأة الجهل، والسير بهم ومعهم نحو المعرفة، هذه التي هي الخطوة الأولى في «المسيرة الكبرى» نحو الغد الأفضل.

لقد تقضى العمر، في حلقاته المتتابعة، بشيء وجوهري لدي: هو تحقيق إنسانيتي، من خلال تحقيق إنسانية الناس.
أنفقت طفولتي في الشقاء، وشبابي في السياسة، ولئن كان الشقاء قد فُرض علي من قبل المجتمع، فعشت حافياً، عارياً، جائعاً، محروماً من كل مباهج البراءة الأولى، فإن السياسة نقشت صورتها على أظافري بمنقاش الألم، فتعلمت، مبكراً، كيف أصعّد الألم الخاص إلى الألم العام، وكيف أنكر ذاتي، وأنتصر على رذيلة الأنانية، وكل اغراءات الراحة البليدة، التي توسوس بها النفس، فكان الإنسان في داخلي، إنساناً تواقاً الى ما يريد أن يكون، لا إلى ما يُراد له أن يكون.

وكان المحيط الاجتماعي الذي نشأت فيه، بتمام الكلمة، أمياً، متخلفاً، إلى درجة لا تصدق.. لم يكن في حي المستنقع كله، من يقرأ ويكتب. كان سكان هذا الحي، والأحياء المجاورة، من المعذبين في الأرض، الباحثين، دون جدوى، عن الخلاص، وعن العدالة الاجتماعية التي لا يعرفون اسمها بعد!

لكنهم سيتعلمون تدريجيا، سيعرفون الفقر ليس من الله جل جلاله، وسأقول لهم، ما قاله الصحابي عمر بن الخطاب «ما اغتنى غني الا بفقر فقير» وان الذين فوق ليسوا سيئين كلهم، وان الذين تحت ليسوا فضلاً كلهم بالمبدأ!

ايوب صابر 12-05-2011 01:04 PM

- حنا مينه روائي سوري ولد في 9 اذار 1924.
- عاش حنا طفولته في إحدى قرى لواء الاسكندرون علي الساحل السوري.
- وفي عام 1939 عاد مع عائلته إلى مدينة اللاذقية وهي عشقه وملهمته بجبالها وبحرها.
- كافح كثيراً في بداية حياته وعمل حلاقاً وحمالاً في ميناء اللاذقية، ثم كبحار على السفن والمراكب.
- اشتغل في مهن كثيرة أخرى منها مصلّح دراجات، ومربّي أطفال في بيت سيد غني، إلى عامل في صيدلية إلى صحفي أحيانا، ثم إلى كاتب مسلسلات إذاعية للاذاعة السورية باللغة العامية، إلى موظف في الحكومة، إلى روائي.
- في عام 1947 استقر به الحال بالعاصمة دمشق وعمل في جريدة الانشاء الدمشقية حتى أصبح رئيس تحريرها .
- حنا مينا أب لخمسة أولاد، بينهم صبيان، هما سليم، توفي في الخمسينيات، في ظروف النضال والحرمان والشقاء، والآخر سعد، أصغر أولاده، وهو ممثل ناجح ومعروف الآن.
- يقول أنا كاتب الكفاح والفرح الإنسانيين
- وكانت التجربة الأولى في حي (المستنقع) الذي نشأت فيه في اسكندرونة، مثل التجربة الأخيرة، حين أرحل عن هذه الدنيا
- يصف مسيرة حياته الطويلة بأنها كانت مشياً ، وبأقدام حافية، في حقول من مسامير، دمي سال في مواقع خطواتي، أنظر الآن إلى الماضي، نظرة تأمل حيادية، فأرتعش. كيف، كيف؟!
- وقف في وجه الاستعمار الفرنسي وعمره 12 عاما وعاش حياة قاسية، وتنقل بين عدة بلدان سافر إلى أوروبا ثم إلى الصين لسنوات لكنه عاد.
- دخل المعترك السياسي الحزبي مبكرا وهو فتى في الثانية عشرة من عمره وناضل ضد الانتداب الفرنسي، ثم هجر الانتماء الحزبي في منتصف الستينيات، وكرّس حياته للأدب، وللرواية تخصيصاً.
- عاش رحلة اغتراب قاسية بين المدن : انطلق من اللاذقية إلى سهل أرسوز قرب أنطاكية، مروراً باسكندرونة ، ثم اللاذقية من جديد، وبيروت، ودمشق، وبعد ذلك تزوج، وتشرد مع عائلته لظروف قاهرة، عبر أوربا وصولاً إلى الصين، حيث أقام خمس سنوات، وكان هذا هو المنفى الاضطراري الثالث، وقد دام العشرة من الأعوام..
- يقول بدأت رحلة التشرد وأنا في الثالثة من عمري، وهذه الرحلة من حيث هي ترحال مأساوي في المكان، عمرها الآن ثمانون عاماً، أما رحلتي في الزمان فهي أبعد من ذلك وستبقي ما بقيت .

- ويقول كان أبي رحمة الله رحالة من طراز خاص، لم ينفع ولم ينتفع برحلاته كلها، أراد الرحيل تلبية للمجهول، تاركاً العائلة أغلب الأحيان، وفي الأرياف للخوف والظلمة والجوع، ولطالما تساءلت وراء أي هدف كان يسعي؟ لا جواب طبعاً، انه بوهيمي بالفطرة .

- ويقول " كنت عليلاً، أمي وأخواتي الثلاث عملن خادمات، عملت أنا الصبي الوحيد، الناحل، أجيراً.

- ويقول " منذ يفاعتي: اننا جياع، عاطلون عن العمل، مرضي، أميون، فماذا يريد أمثالنا؟ العمل، الخبز، المدرسة، المستشفي، رحيل الانتداب الفرنسي ومطالبة الحكومة في فجر الاستقلال أن تفي بوعودها المقطوعة لأمثالنا...
- ويقول كيف اشعر بالأسف وكيف أشعر به وحياتي نفسها ضائعة؟
- اصبح سياسي مطارد
- يقول "عشت عمري كلّه مع المغامرة، كنت علي موعد مع الموت ولم أهبه، الموت جبان لمن ينذر له نفسه. ثمانون عاماً تضعني علي مزلقها والموت الذي أسعي اليه يفرّ مني !
- عندما سؤل ذات يوم من أي جامعة تخرجت اجاب " "من جامعة الفقر الأسود! والفقر نوعان: أبيض كالذي اعيشه الآن، وأسود كالذي عشته في طفولتي، حين كنت جائعاً، حافياً، عارياً،
- - يقول " ألقيت بنفسي في التيار الهادر لمقاومة الاحتلال الفرنسي، تمنت الأم لو لم ترسلني إلى المدرسة، وان أكون راعياً، بدل ان أكون مكافحاً في سبيل الاستقلال،
- يقول "ما عانيته في السجون الفرنسية، وحتى السجون الوطنية، على امتداد عهد الاقطاع، بعد الاستقلال، كان يؤرق امه.
- عمل أجيراً واجيراً وأجيراً،
- تطوع في البحرية بعد دخول قوات فرنسا الحرة إلى سوريا، في الحرب العالمية الثانية، ولما لم يكن له حظ التعبئة والتسويق إلى العلمين، لقتال جيش رومل، ذئب الصحراء، فقد تركت الخدمة كجندي في البحرية، ليصبح بحاراً، لمدة قصيرة، على المراكب الشراعية، التي تنتقل بين مرافئ المتوسط العربية،
- في البحر وعلى تلك المراكب واجهه العواصف، عاين الموت، في نظرات باردة، لأفعى اللجة، ومن هناك كان ولعه بالبحر، ثم الكتابة عنه، عندما تعاطى مهنة الحرف الحزينة، القذرة واللذيذة، حسب تعبير ارنست همنغواي، والتي لا انفكاك منها سوى بالموت.
- قال " انني ولدت بالخطأ، ونشأت بالخطأ، وكتبت بالخطأ، فالطفل العليل، الذي تنوس حياته كذبالة الشمعة الواهنة، لم تطفئ ريح المتون ذبالة شمعته، وبعد الابحار على المراكب، غدا الرغيف خيَّالاً، وعلي، سداً لجوع العائلة، ان اركض وراءه، ولا أزال، وفي مزدلف الشوط، لم يكن لي، بعدُ، شرف الفروسية، فقد اضطررت للعمل حمالاً في المرفأ، ثم حلاقاً على باب ثكنة في مدينة اللاذقية، ومن الحلاقة إلى الصحافة، ومن الصحافة إلى كتابة المسلسلات الاذاعية، بالفصحى والعامية، ومنها إلى الوظيفة في وزارة الثقافة،
- عانى المنافي، لأسباب قاهرة، حيث التشرد في أوروبا، والنوم تحت الجسور في سويسرا، وطلب العمل، لا العلم، في الصين،
- يقول " حياتي الحافلة بالتجارب القاسية، قد نفعتني "أنا الحديدة التي تفولذت بالنار" في المقبل من أيامي، عندما بدأت بالكتابة الفعلية في الأربعين من عمري.

- يقول "انني نصف عاقل نصف مجنون، وانني، كما أقول، أفضّل نصفي المجنون على نصفي العاقل!

- يقول " نكبت في ثلاثة أجيال من عائلتي، ولا ازال رازحاً تحت نير اخطائي الكثيرة، غير المبررة بأي وجه، وانني احمل همي في طريقي الى، وأتألم من ثلاث عاهات: أولها معدتي التي لا ينفع فيها دواء، لأن بها كسلاً في الأمعاء، وتشنجاً في الجهاز الهضمي، وثانيها نتوءات عظمية في ظهري، أكاد أصرخ من ألمها، وثالثها ركبتي اليمنى، وما فيها من جفاف، لهذا ينصحني الأطباء أن أكتب ساعة واحدة، أستريح بعدها، وأنا أعاند وأكتب ساعات متواصلة.

- ويقول " ولدت، كما هو معروف عني، بالخطأ، ونشأت بالخطأ، وكتبت بالخطأ أيضاً، ولنبدأ بالكلام على حياة الطفولة، هذه التي أصبحت بعيدة جداً الآن، من حيث هي ترحال مأساوي في المكان، عمرها الآن ثمانون عاماً، أما رحلتي في الزمان، فهي أبعد من ذلك، وستبقى ما بقيت، بسبب أن التأمل، التلفت، الاستشراف، تمثل الوعي الأول للوجود، وكل هذه الذكريات التي تنثال في الخاطر، أصبحت مرنقة الآن، وأنا ألعنها لأنها تغتالني بلا رحمة!

- ويقول "والدتي اسمها مريانا ميخائيل زكور، وقد رُزقت بثلاث بنات كن، بالنسبة لذلك الزمان، ثلاث مصائب، عانت منهن الكثير الكثير، فالوسط الفقير الى حد التعاسة، كان يشكل عقلية سلفية بالغة القسوة، وقد تعاون هذا الوسط، وما فيه من ظلم ذوي القربى، على اذلال والدتي، باتهامها أنها لا تلد إلا البنات، وكان المطلوب أنه تلد المرأة الصبيان، وفي الأقل الأقل، أن تلد صبياً بعد بنت، لكن القدر شاء أن تحمل وتلد البنات الثلاث بالتتابع، الأمر الذي كان يحمل إليها مرارة الشقاء، بالتتابع أيضاً.
- ويقول "ولدت عليلاً، ونشأت عليلاً، وكان الموت والحياة يحومان حول فراشك، الذي كان طراحة على حصيرة في بيت فقير الى حد البؤس الحقيقي..
- يقول ان امه كانت تقول له " كنت شمعة تنوس ذبالتها في مهب ريح المرض، وكنت اسأل الله، وأنذر النذور، وأسأل الريح، بكل ما في الابتهال من ضراعة، ألا تنطفئ الشمعة التي كنتها، حتى لا أفجع فجيعة تودي بي إلى القبر، وشاء الله، سبحانه وتعالى، أن تعيش في قلب الخطر، وهذا الخطر لازمك حتى الشباب، وعندها تحول من خطر الموت إلى خطر الضياع، في السجون والمنافي، هذه التي أبكتني بكاءً مضاعفاً، خشية ألا أراك، وأنت تعطي نفسك للعذاب في سبيل ما كنت تسميه المتحرر من الاستعمار الفرنسي، وتحقيق العدالة الاجتماعية!».
- ويقول أنفقت طفولتي في الشقاء، وشبابي في السياسة، ولئن كان الشقاء قد فُرض علي من قبل المجتمع، فعشت حافياً، عارياً، جائعاً، محروماً من كل مباهج البراءة الأولى، فإن السياسة نقشت صورتها على أظافري بمنقاش الألم، فتعلمت، مبكراً، كيف أصعّد الألم الخاص إلى الألم العام، وكيف أنكر ذاتي، وأنتصر على رذيلة الأنانية، وكل اغراءات الراحة البليدة، التي توسوس بها النفس، فكان الإنسان في داخلي، إنساناً تواقاً الى ما يريد أن يكون، لا إلى ما يُراد له أن يكون.
- ويقول كان المحيط الاجتماعي الذي نشأت فيه، بتمام الكلمة، أمياً، متخلفاً، إلى درجة لا تصدق.. لم يكن في حي المستنقع كله، من يقرأ ويكتب. كان سكان هذا الحي، والأحياء المجاورة، من المعذبين في الأرض، الباحثين، دون جدوى، عن الخلاص، وعن العدالة الاجتماعية التي لا يعرفون اسمها بعد!
- لا يعرف متى وات والديه .

واضح ان هناك عوامل كثيرة جعلت حنه منيه ينصهر في بوتقة الالم كما قال مرة، ومن ذلك المرض والترتيب في الاسرة الفقر، والسفر والترحال الدائم، وغياب الاب الذي لم يكن منه نفع كما يقول الكاتب، والسجن ، والبحر، والموت الذي ظل يحوم منذ الطفولة المبكرة. وحيث اننا لا نعرف متى مات والداه يمكننا اعتباره مأزوما وهو حتما وحسب الوصف

يتيم اجتماعي.

ايوب صابر 12-06-2011 10:27 AM

والان مع الروعة في رواية :

15- الزيني بركات – جمال الغيطانيمصر
بقلم: ابراهيم عادل

تعد رواية" الزينيبركات لجمال الغيطاني من الروايات البارزة في الروايات العربية التي عالجت ظاهرةالقمع والخوف واتكأت على أسبابها وبينت مظاهرها المرعبة في الحياة العربية،فالغيطاني حين يحاصره الراهن بقمعه واستبداده وقهره، حين يمارس أقسى أشكال العنفوالرعب والقهر في السجن المعاصر يعود بنا مستنطقاً تاريخ ابن إياس بدائع الزهورليجد صورة مرعبة لكبير البصاصين الشهاب الأعظم زكريا بن راضي ووالي الحسبة الزينيبركات، ويكفي أن نقرأ عن تعذيب التاجر علي أبي الجود وتدرج الزيني في التفنن بتعذيبهليحصل من على المال، والأدهى أن وسيلة إرغامه على الإقرار كانت بتعذيب الفلاحينأمامه عذاباً منكراً بغية إخافته وترويعه،على مدى سبعة أيام منها تعذيب فلاح أمامعينيه:" أظهروا حدوتين محميتين لونهما أحمر لشدة سخونتهما، بدأ يدقهما في كعبالفلاح المذعور، نفذ صراخ الفلاح إلى ضلوع علي، وكلما حاول إغلاق عينه يصفعه عثمانبقطعة جلد على قفاه." وفي اليوم الرابع والخامس " ذبح ثلاثة من الفلاحين المنسيين،أسندت رقابهم إلى صدر علي بن أبي الجود والزيني يدخل ويخرج محموماً مغتاظاً يسأل" ألم يقر بعد؟" لا يجيب أحد. يضرب الحجر بيديه."


يسقطهذه الصورة على الحاضر بل يسقط الحاضر عليها فيبني منها ما هو أقل إيلاماً منالحاضر فقدمت لنا نماذج مرعبة ولكنها مشوهة منخورة في الوقت نفسه لأنها من وجهة نظرالرواية فيما أحسب لا تتسلح بقيم تجعلها قادرة على مواجهة التغيرات المحتملة.
من دراسة لإبراهيم السعافين .

ويذكر د. محمد رضوان : الزيني بركات"، تستخلص عبرةً من مرحلة تاريخية،أسّست لهزيمةٍ محققة، نتيجة للعسف والقمع والاستبداد، إنما أنتجتْ بنية روائية خاصةبها، تدخل في عداد التجارب الروائية العربية المتميزة، والمغايرة للتجربة الروائيةوخبراتها، المكتسبة من الغرب، مما يعيد إثارة السؤال المزمن حول الشكل الروائيللرواية العربية، ولعلّ رواية الغيطاني هذه- إلى جانب بعض أعماله الروائية الأخرى- قد ساهمت في تقديم إجابة ما، عملية، على أسئلة الرواية العربية، التي بدأت تشقطريقها نحو شكل متميز، يواكب الرواية العالمية، وربما يتفوق عليها.‏

إن موضوع القمع الذي تناوله الغيطاني في "الزينيبركات" ليس جديداً في الرواية العربية ، وإنّما الجديد المتميز الذي بناه الغيطاني،هو الشكل الذي يستعيد تاريخاً ثقافياً وسياسياً، يقرأ فيه الماضي بوعي راهن، أييجعل من ثقافة الماضي، بعد تحويلها فنياً، ثقافة راهنة، من أجل الحاضر.‏
أخيراً، يمكن القول أن الغيطاني قد أنجز روايةتاريخية تثير الحاضر، كما ترهّن الماضي. وهو بذلك يعيد ترتيب السلسلة التاريخية أوالاجتماعية، والثقافية، عبر المأساة الوجودية للراهن العربي، وطقوس القمع الشموليةالتي يخضع لها، لتكون حافزاً استفزازياً، لتغيير هذا الوجود وآلياته القاهرة.‏
==
ويتحدث عنها كاتبها (جمـالالغيـطـاني ) فيقول :

.......... جاءت (( الزينيبركات)) نتيجة لعوامل عديدة. أهمها في تقديري, تجربة معاناة القهر البوليسي في مصرخلال الستينيات.كانت هناك تجربة ضخمة تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية. تهدف إلىتحقيق أحلام البسطاء. يقودها زعيم كبير هو جمال عبد الناصر. ولكن كان مقتل هذهالتجربة في رأيي, هو الأسلوب الذي تعاملت به مع الديمقراطية. وأحيانا كنا نحجم عنالحديث بهذا الشكل لأن هذه التجربة بعد انتهائها, تعرضت وما تزال تتعرض لهجوم حادمن خصوم العدالة الاجتماعية, ومن خصوم إتاحة الفرص أمام الفقراء. ولكن أنا أتصور أنالشهادة يجب أن تكون دقيقة الآن, خاصة وأن جيلنا, جيل الستينات الذي ننتمي إليه أناوالأستاذ البساطي قد بدأ يدنو من مراحله الأخيرة. لذا يجب أن نترك كلمة حق حتى لاتتكرر تلك الأخطاء.

عانينا من الرقابة فيالستينيات. وأسلوب التعامل البوليسي. وأتصور أن هذا كان أحد أسباب علاقتي القويةبالتاريخ. كنت مهموما بالبحث في تاريخ مصر, وبقراءة هذا التاريخ خاصة الفترةالمملوكية, التي وجدت تشابها كبيرا بين تفاصيلها وبين الزمن الراهن الذي نعيش فيه. وأنا عندما أقول الفترة المملوكية, أعني الفترة المملوكية التي كانت مصر فيها سلطنةمستقلة تحمي البحرين والحرمين. وقد انتهت هذه السلطنة في عام 1517 بهزيمة عسكريةكبيرة في مرج دابق شمال حلب. وعندما طالعت مراجع شهود العيان الذين عاشوا هذهالفترة, ذهلت من تشابه الظرف بين هزيمة 67 والأسباب التي أدت إليها وبين هزيمةالقرن السادس عشر.
وأوصلني هذا فيما بعد, إلى ما يمكن أن يسمى باكتشاف وحدة التجربةالإنسانية في مراحل كثيرة من التاريخ حتى وإن بعدت المسافة. على سبيل المثال : الألم الإنساني واحد. فالشعور بالحزن هو نفسه الذي كان يعبر عنه المصري القديم أوالبابلي القديم.
ومصر نتيجة لاستمرارية تاريخها وعدم انقطاعه تتشابه فيها الظروف منفترة إلى أخرى. سياحتي في التاريخ استقرت في العصر المملوكي. وكنت مهموما بهاجسالرقابة وهاجس المطاردة قبل أن أدخل المعتقل إلى درجة أنني كتبت عددا من القصصالقصيرة عن السجن, نشرت منها قصة ؛رسالة فتاة من الشمال« في مجلة الآداب في يوليو 1964, وقصة أخرى اسمها ؛القلعة« في مجلة الأديب اللبنانية أيضا عام 1964. وكتبترواية كاملة عن فكرة المطاردة وظروف المطاردة, ف ق د ت عندما اعتقلت في عام 1966. والغريب أنني عندما دخلت المعتقل لم أفاجأ بالتفاصيل. فقد كنت أسمعها من زملائيالذين سبقوني في تلك التجربة.
ولكن عندما خرجت قبل وقوع الهزيمة بشهرين عام 1967 معزملائي, الذين يمثلون جيل الستينيات من الكتاب — فأكبر كتاب الستينيات كانوا في هذهالحبسة –, كتبت قصة اسمها »هداية أهل الورى لبعض ما جرى في المقشرة« وقد افترضتفيها أنني عثرت على مذكرات آمر سجن المقشرة. وهو من السجون الشديدة البشاعة فيالعصر المملوكي. وكنت قد وصلت بعض قراءة طويلة — بل لا أقول قراءة ولكن معايشةلابن إياس وابن زمبل الرمال والمقريزي وابن تغري بردي إلى اكتشاف بلاغة جديدة, لميكن الأدب العربي يتعامل معها. بلاغة يمكن الآن أن أقول إنها بلاغة مصرية, تجمع مابين الفصحى وخلفية العامية المصرية في التراكيب اللغوية. وهذه نجدها عند المؤرخينوليس عند الأدباء. عند المقريزي وابن إياس ثم الجبرتي فيما بعد. وربما يرجع ذلك إلىأنهم كانوا يكتبون الأحداث بسرعة, فلا يتأنقون ولا يغوصون في أساليب البلاغةالمستقرة من زمن قديم. هذه البلاغة شعرت أنها تمسك بالواقع أكثر من الأساليبالسردية السائدة.

ايوب صابر 12-06-2011 10:29 AM

الزيني بركات" لجمال الغيطاني:
بين التخييل التاريخي والتأصيل التراثي
د. جميل حمداوي - المغرب

يعد جمال الغيطاني من أبرز كتاب الرواية التراثية في العالم العربي بروايته "الزيني بركات " 1 إلى جانب كل من محمود المسعدي وبنسالم حميش وأحمد توفيق ورضوى عاشور وواسيني الأعرج وإميل حبيبي وشغموم الميلودي... ويتخذ جمال الغيطاني الشكل التاريخي نمطا للإبداع و التخييل لسد الثغرات ومساءلة الواقع والبحث عن الأسباب و النتائج بالغوص في أعماق الزمن واستقراء لحظات التاريخ و نبش أغواره العميقة واستنطاق ملامح الخارجية. إذاً، ماهي خصائص " الزيني بركات" لجمال الغيطاني المناصية والدلالية ؟ وما مقوماتها الفنية والمرجعية؟
1. البنيــــة المناصيـــــة:
ترتكز الرواية ذات العنونة الشخوصية على الزيني بركات باعتباره شخصية مركزية تحوم حولها الشخصيات الأخرى وتلتقي عندها الأحداث المتشابكة لتصوغ بنية روائية متوترة . وتنبني الأحداث السردية المتعلقة بالزيني بركات على النحو التالي:
أ- تعيين الزيني بركات واليا للحسبة الشريفة بعد إعدام علي بن أبي الجود .
ب- الزيني بركات يأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر .
ج- الزيني يخطب كل مرة في المسجد لتبرير ولايته و أعماله .
د- الزيني يعلق الفوانيس في القاهرة .
ه- الزيني ينضم بتنسيق مع منافسه زكرياء بن راضي إلى جهاز البصاصة.
و- حدة الصراع بين الزيني و نائب الحسبة و كبير البصاصين زكرياء بن راضي حول التفرد بالسلطات .
ز- مظالم الزيني بركات و قمعه للرعية لإرضاء السلطان والأمراء.
ح- ازدياد سلطات الزيني بركات الدينية و المدنية و العسكرية على حساب الشعب .
ط- هزيمة السلطان الغوري أمام السلطان سليم قائد الجيش العثماني .
ي- موالاة الزيني بركات للعثمانيين و مساندة الأمير خايربك خائن سلطان المماليك و الخروج عن طاعة الأمير طومانباي.
ك- تعيين الزيني بركات بن موسى محتسبا للقاهرة من جديد في عهد الدولة العثمانية و إحلال العملة العثمانية الجديدة بدل العملة المملوكية القديمة .
و يمكن تكثيف هذه اللحظات السردية في الأفعال الحدثية التالية : 1- تعيين 2- حكم 3- لقاء 4- صراع 5- ظلم 6- خيانة 7- تعيين 8- حكم .
و يحمل عنوان الرواية مفارقة بين الشعار الاسمي (الزيني بركات) و الممارسة الفعلية .فالزيني لقب أطلقه السلطان على موسى بن بركات ليصاحبه مدى حياته دلالة على ورعه و تقواه و تفانيه في خدمة السلطان و امتناعه عن تولية الحسبة إلا بتدخل علي بن أبي الجود باعتباره شيخا عارفا بالأصول و الفروع يمثل السلطة الدينية و الصوفية . و تعتبر تزكية علي بن أبي الجود شهادة كبرى في حق تعيين موسى بن بركات واليا للحسبة على القاهرة. و مع ذلك نجد أن هذا الامتناع الوهمي الذي شاع بين الناس يغطي حقيقة جوهرية و هي أن الزيني بركات اشترى هذا المنصب بثلاثة آلاف دينار رشوة بعد أن تدخل له أحد الأمراء عند السلطان . وبالتالي ، فكل أعماله الدالة في الظاهر على الخير كتعليق الفوانيس وتسعير البضائع ، والضرب على يد المحتكرين والوسطاء و إزالة الضرائب و تثبيت الاستقرار و الأمن .... و التي تزين صورته بين الخلق حتى اعتبر شخصية أسطورية خارقة مثالية ، انقلبت إلى الشر و الظلم و ايذاء الرعية و تخريب بيوت الأبرياء و تعذيب الفلاحين و نشر الرعب و الخوف بين الناس بجهازه الخطير في البصاصة و قمع المثقفين (سعيد الجهيني) والتنكيل بالمظلومين بدون قضاء ولا محاسبة . إنه رمز السلطة القمعية و الإرهاب السياسي و العنف والطغيان و الاستبداد والتضحية بالشعب من أجل خدمة السلطة والمصالح الشخصية.
وقد بني المتن الروائي على سبع سرادقات و مقدمة و خاتمة. والسرادق هو المكان الذي تعقد فيه الحفلات مثل خيمة يجمع فيها الناس، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على التركيب السينمائي لهذه الرواية ، إذ يمكن توزيعها إلى سبع مناظر مشهدية أو فصول درامية إما أنها متعلقة بالمكان (كوم الجارح في السرادق السابع ) أو الشخوص (ظهور الزيني بركات في السرادق الثاني و السرادق الأول و السرادق الرابع ) أو الأحداث (انعقاد مؤتمر البصاصين في القاهرة في السرادق الخامس ...).
و تتوالى السرادقات السبع على الشكل التالي:
- المقدمة: لكل أول آخر و لكل بداية نهاية (12 صفحة)؛
- السرادق الأول : ما جرى لعلي بن أبي الجود و بداية ظهور الزيني بركات بن موسى (شوال 912هـ)؛
- السرادق الثاني : شروق نجم الزيني بركات ، و ثبات أمره ، وطلوع سعده ، و اتساع حظه ( 58 صفحة ) .
- السرادق الثالث: و أوله: وقائع حبس علي بن أبي الجود (56 صفحة )؛
- السرادق الرابع: (بدون عنوان ) (36 صفحة )؛
- السرادق الخامس: (بدون عنوان ) ( 49 صفحة)؛
- السرادق السادس: ( كوم الجارح ) ( 7 صفحات )؛
- السرادق السابع : ( سعيد الجهيني : آه ، أعطبوني ، و هدموا حصوني ...)؛
- الخاتمة : خارج السرادقات : مقتطف أخير من مذكرات الرحالة البندقي فياسكونتي جانتي – 913 هــ ( ثلاث صفحات ).
و تبلغ عدد صفحات الرواية مائتين و سبعا و ثمانين (287) صفحة من الحجم المتوسط. و يتبين لنا أن الغيطاني لم يقسم روايته إلى فصول ، بل اختار السرادقات بمثابة لوحات فنية مستقلة يمكن بسهولة تقطيعها و تركيبها في مونتاج روائي يخلخل السرد ويكسر خطية الزمن واستمراريته الرتيبة لخلق أفق جديد لقارئ الرواية.
و قد أخذ الغيطاني طريقة تقسيم المتن إلى السرادقات من ابن إياس الذي وزع كتابه تاريخ مصر المشهور بـــاسم"بدائع الزهور في عجائب الدهور" حسب السرادقات . أما لماذا اختار الغيطاني ابن إياس دون غيره من المؤرخين لمحاكاته و التخييل من خلال ما كتبه؟ فيرجع ذلك إلى سببين ، الأول : إن ابن إياس كان يتمتع باستقلال الرأي نظرا لأنه ميسور الحال، كما أنه لم يتقلد وظيفة من وظائف السلطنة ، كما أنه كان ينحدر من أصل جركسي ما سهل له الاتصال برجال الدولة و كبرائها.2 و الثاني : أن ابن إياس " ينفرد عن غيره من مؤرخي ذلك العصر في أنه عاش عصرين وشهد أحداث جيلين : أواخر العصر المملوكي و مستهل العصر العثماني . و كان شاهد عيان لما وقع فيهما من أحداث، و تمتد الفترة التي أرخ وقائعها من سنة 872 م /1468هــ إلى سنة 928م/1522هــ "3.
إذاً، فقد اختار الغيطاني كتاب ابن إياس للتفاعل معه حوارا ومساءلة قصد بناء تاريخ حقيقي لفهم الحاضر و ذلك بالسفر إلى قلب الزمن المملوكي لتصوير المجتمع و الإنسان و التاريخ في علاقة بالسلطة لمعرفة أوجه التشابه و الاختلاف بين الماضي والحاضر . ومن هنا، يسقط المبدع الماضي على الحاضر و يقرأ الماضي بالحاضر و العكس صحيح أيضا ما دامت هناك جدلية الأزمنة و تقاطعها وظيفيا و فنيا.
و يستعير جمال الغيطاني من ابن إياس المادة التاريخية المتعلقة بالهزيمة و معركة مرج دابق كما يأخذ منه البنية السردية التراثية لغة و بناء و تركيبا و تفضية و تزامنا . و يقوم التفاعل بين النصين : النص الأصلي ( كتاب ابن إياس حول تاريخ الديار المصرية )، و النص الفرعي ( الزيني بركات لجمال الغيطاني ) على المحاكاة الساخرة والباروديا والتهجين و التناص و الحوارية و المفارقة والمعارضة و السخرية و التحويل و التشرب الإيديولوجي من خلال استعارة التركيب و الصيغ المسكوكة للبنية السردية التراثية . و هو بذلك لا يعيد كتابة تاريخ مصر المملوكية بل يسائل هذا التاريخ و يبين فجواته و ثغراته و يقرأ لا شعور السلطة و خلفيات الاستبداد و يفترض الأسئلة و الأجوبة من خلال منطق الافتراض و التصور و التقدير على الرغم من حقيقة الأحداث و الشخصيات التاريخية و دقة صحة المعلومات الواردة في متن الرواية. و يختلف هذا النمط من الكتابة عن الرواية التاريخية المعروفة كما تقول سيزا قاسم في أن هذا النص : " يقيم موازاة نصية من خلال المعارضة الشكلية اللغوية للنص التاريخي، فجمال الغيطاني يحاكي قول ابن إياس التاريخي ، أي إنه لا يلجأ إلى استخدام " محتوى" تاريخي يصوغه في لغة عصره ، بل ينتقل بنصه الخاص إلى الحقبة التاريخية السالفة"4 . و ترى سامية أحمد أن"الزيني بركات رواية – لا رواية تاريخية – (....) تتناول أحداثا وقعت في عهد السلطان قنصوه الغوري ". 5
هذا، و يصرح الغيطاني في شهاداته أنه لم يكتب " زيني بركات" كرواية تاريخية ، و هي لم تعتبر كذلك رواية تاريخية " في كل اللغات التي ترجمت إليها هذه الرواية سواء في الروسية أم الفرنسية أم الانگليزية، لم يعاملها أحد على أنها رواية تاريخية ، إنما عوملت على أساس أنها رواية ضد القمع و ضد قمع الإنسان في أي زمان و مكان "6. و من ثم ، فرواية ( الزيني بركات ) رواية التخييل التاريخي تستعير التاريخ مادة و صياغة لتحويله إلى أسئلة و أجوبة باستقراء العلاقة الموجودة بين المتسلط والمحكوم من النواحي النفسية و الاجتماعية و الإنسانية و افتراض مجموعة من العلاقات خاصة ما يتعلق بالجوانب الجنسية و الشذوذ و الحب و الإجرام وزيف الدين ، و فهم النواحي الخفية عند السلاطين والأمراء والمستبدين و نقط ضعفهم إلى غير ذلك من الأمور التي لا تذكر في التاريخ الرسمي ، و يركز عليها التاريخ الشعبي والمجتمعي على حد سواء .

استنتاج تركيبي:
و عليه ، فرواية "الزيني بركات" لجمال الغيطاني رواية تراثية تندرج ضمن التخييل التاريخي، وتتخذ من زمن المماليك قناعا رمزيا لإدانة حاضر الستينيات في مصر . و هي – بالتالي- رواية طليعية و جديدة لبنيتها السردية التراثية التي تقوم على خلخلة البناء المنطقي والزمني للأحداث و اللجوء إلى تعدد الرواة و الرؤى السردية والإثراء اللغوي الأسلوبي لخلق رواية بوليفونية ، وتوظيف الوثائق و الخطابات السردية و عتاقة الأسلوب التراثي لخلق حداثة سردية و صوت فني متميز .
ويبدو لنا أن الغيطاني لم يكتب رواية تاريخية حرفية أو موثقة من أجل التوثيق الموضوعي، بل استحضر التاريخ ليسائله و يحاوره ويبرز نقط ضعفه و يحدد الأسباب و يشخص المظاهر ليصل إلى النتائج بطريقة جمالية و فنية رائعة

ايوب صابر 12-06-2011 10:30 AM

جمال أحمد الغيطاني علي
  • ولد عام 1945، التاسع من مايو، في قرية جهينة محافظة جرجا (سوهاج حاليا).
  • نشأ في القاهرة القديمة، حيث عاشت الأسرة في منطقة الجمالية، وأمضى فيها ثلاثينعام.
  • تلقى تعليمه في مدرسة عبدالرحمن كتخدا الابتدائية، ومدرسة الجمالية الابتدائية.
  • تلقى تعليمه الاعدادي في مدرسة محمد علي الاعدادية.
  • بعد الشهادة الإعدادية التي حصل عليها عام 1959، التحق بمدرسة العباسيةالثانوية الفنية التي درس بها ثلاث سنوات فن تصميم السجاد الشرقي وصباغة الألوان.
  • تخرج عام 1962، وعمل في المؤسسة العامة للتعاون الانتاجي رساما للسجاد الشرقي،ومفتشا على مصانع السجاد الصغيرة في قرى مصر، أتاح له ذلك زيارة معظم أنحاءومقاطعات مصر في الوجهين القبلي والبحري.
  • أعتقل عام 1966 بتهمة الانتماء الى تنظيم ماركسي سري. وأمضى ستة شهور فيالمعتقل تعرض خلالها للتعذيب والحبس الإنفرادي. وخرج من المعتقل في مارس 1967.
  • عمل مديرا للجمعية التعاونية لخان الخليلي، وأتاح له ذلك معايشة العمالوالحرفيين الذين يعملون في الفنون التطبيقية الدقيقة.
  • بعد صدور كتابه الأول عرض عليه محمود أمين العالم المفكر الماركسي المعروف،والذي كان رئيسا لمؤسسة أخبار اليوم الصحفية أن يعمل معه فانتقل للعمل بالصحافة.
  • بعد أن عمل في الصحافة بدأ يتردد على جبهة القتال بين مصر واسرائيل بعد احتلالإسرائيل لسيناء، وكتب عدة تحقيقات صحفية تقرر بعدها تفرغه للعمل كمحرر عسكري لجريدةالأخبار اليومية واسعة الانتشار، وشغل هذا التخصص حتى عام 1976. شهد خلالها حربالاستنزاف 1969 – 1970 على الجبهة المصرية، وحرب أكتوبر 1973 على الجبهتين المصريةوالسورية. ثم زار فيما بعد بعض مناطق الصحراء في الشرق الأوسط، مثل شمال العراق عام 1975، ولبنان 1980، والجبهة العراقية خلال الحرب مع إيران (عام 1980- 1988).
  • منذ عام 1985 أصبح محررا أدبيا لجريدة الأخبار، وكاتبا بها. ثم رئيسا لتحرير (كتاب اليوم) السلسلة الشهرية الشعبية ثم رئيسا لتحرير أخبار الأدب مع صدورها عام 1993.
  • تزوج عام 1975، أب لمحمد وماجدة.
  • كتب أول قصة قصيرة عام 1959.
  • نشر أول قصة يوليو 1963. وعنوانها (زيارة) في مجلة الأديب اللبنانية. وفي نفسالشهر نشر مقالا في مجلة الأدب التي كان يحررها الشيخ أمين الخولي، وكان المقال حولكتاب مترجم عن القصة السيكولجية.
  • منذ يوليو 1963 وحتى فبراير 1969 نشر عشرات القصص القصيرة نشرت في الصحفوالمجلات المصرية والعربية، كما نشر قصتين طويلتين، الأولى بعنوان "حكايات موظفكبير جدا". نشرت في جريدة المحرر اللبنانية عام 1964، والثانية "حكايات موظف صغيرجدا". نشرت في مجلة "الجمهور الجديد" عام 1965.
  • كتب ثلاث روايات في الفترة من 1963 و1968.
    • رحيل الخريف الدامي لم تنشر
    • محكمة الأيام فقد المخطوط أثناء اعتفاله عام 1966
    • اعتقال المغيب فقد المخطوط أثناء اعتفاله عام 1966
صدر أول كتاب له عام 1969، "أوراق شاب عاش منذ ألف عام" صدر متضمنا لخمس قصصقصيرة كتبت كلها بعد هزيمة الجيش المصري في سيناء عام 1967. لاقى الكتاب ترحيباواسعا من القراء والنقاد.

ايوب صابر 12-07-2011 09:08 AM



أمنيتيالمستحيلة أن أمنح فرصة أخري للعيش أن أولد من جديد لكن في ظروف مغايرة أجئ مزوداًبتلك المعارف التي اكتسبتها من وجودي الأول الموشك علي النفاد .
كلمات بسيطة تعكسمضمونا عميقا كتبه روائي تفرعت جذوره الأدبية من أعماق التربة المصرية وقسمات وجههتعلن وحدها عن مصريته أنه الروائي والأديب الكبير جمال أحمد الغيطاني الذي تماعتقاله عام 1962 بتهمة الانتماء لتنظيم ماركسي سري وأمضي ستة أشهر في المعتقل تعرضخلالها للتعذيب والحبس الانفرادي .
وكان الغيطاني قد عمل كمحرر عسكري لجريدة الأخبارحتي عام 1976 شهد خلالها حرب الاستنزاف 1969 ثم حرب أكتوبر 1973 . ومنذ عام 1985 أصبحمحررا أدبيا لجريدة الأخبار ثم رئيسا لتحرير كتاب اليوم ثم رئيسا لتحرير أخبارالأدب مع صدورها في 1993 وقد التقته الغد فكان لنا معه هذا الحوار.





Gamal el-Ghitani, (Arabic: جمال الغيطانى‎, IPA (born May 9, 1945) is an Egyptian author of historical and political novels and cultural and political commentaries and was the editor-in-chief of the literary periodical Akhbar Al-Adab ("Cultural News")till 2011.

Biography

Gamal El-Ghitani was born to a poor family in the town of Guhayna, Sohag Governorate in Upper Egypt and moved with his family to Cairo as a child.
He began writing at a young age and had his first short story published when he was only 14. He was originally trained to be a carpet designer and received his diploma in 1962. He continued to write on the side and was imprisoned from October 1966 through March 1967 for his critical commentary on the regime of Gamal Abd el-Nasser. In 1969 he switched careers and became a journalist for the Egyptian newspaper Akhbar El Yom ("The Day's News").

ايوب صابر 12-07-2011 09:09 AM

مقابلة مع الكاتب جمال الغطاني يلقي فيها الضوء على كثير من جوانب حياته وطفولته:
روافد

27/04/2007
مقدم البرنامج: أحمد علي الزين
ضيف الحلقة: جمال الغيطاني



نص الحلقة

أحمد علي الزين: عندما تقرأ كاتباً روائياً لا تعرفه ترسم له صورةً ما، أو تتماهى صورته مع ملامح أبطال رواياته حتى تنسى المؤلف أحياناً وتصبح صورة البطل صورةً له أو شيئاً منها، "زيني بركات" أول رواية قرأتها لجمال الغيطاني صادرةً عن مطبعة وزارة الثقافة في دمشق عام 1974 تتحدث عن حقبة مملوكية في ظاهرها ورواية في كل حال هي حياة وتاريخ وأحداث وناس، بدا الكاتب لي حينها رحالةً أو مؤرخاً أو وثّاقاً لم أعثر على ملامحه تماماً، وكرّت الأيام كتب جمال الغيطاني خلالها ما يقارب الـ 50 عملاً كنت أرى صورته غائمةً تتوضح في جريدةٍ أحياناً أو مجلة أو كتاب على شاشةٍ أو في حوارٍ ما في أسفارٍ أو نثر أو مقالٍ أو شطحات خيال، ومرّ أكثر من 30 عاماً لم ألتقِ به سوى في الكتب يصف: الأمكنة، الحارات، المقاهي، الشوارع، الأبنية، يعيد بناء الصورة ويؤلف بشراً وأمكنةً ومصائر.
تظنه هو معمارياً لو قرأت "شطح المدينة" أو "المسافر خانة" وفي كتابٍ ثانٍ متصوفاً وفي كتابٍ آخر تشكيلياً. يبدو هو البلديٌّ الصعيدي المنبت مزيج من شغف وحنين ورغبات وحارات جمالية في الحسين وصندوق كتب جده.. أشياءٌ حولته إلى متأمل ونثّار نثر عمره في تجارب عديدة، وصرف جلّه في الكتاب حتى تظن إن دخلت بيته أنك في مكتبةٍ عامة شديدة الأناقة وعالية القيمة والنوع والتنوّع تحتوي على نفائس الأعمال، هي خلاصة حياته بما ضمته، خصّص جانباً منها لمؤلفاته الكثيرة، فهذا هو جمال الغيطاني متعددٌ في الكتابة والحكايات.


طيب جمال الغيطاني أكثر من 50 مؤلفاً وكتاباً بين رواية وأشياء أخرى. وأكثر تقريباً من 62 سنة - العمر كله طبعاً - عمّ كنت تبحث في هذه الرحلة من الحياة؟ يعني كنت تؤلف أمكنة وناس وأحداث وأمزجة وتتعامل معها ثم تذهب إلى مرآتك خاصة، عمّ كنت تبحث؟ عمّ.. يعني على شو عثرت إذا كنت عثرت على شيء؟


جمال الغيطاني: والله يعني أنت سؤالك بينفذ إلى الصميم، أنا أذكر في أثناء شبابي أو في فتوتي عندما كنت أعدّ حقيبة للسفر فكان الإحساس فيه توثب أنه أنك سترى شيئاً مجهولاً لم تره من قبل، وكان الرصيد أقصد رصيد الوقت أكثر فكان الإنسان بيتطلع إلى الأمام، منذ سنوات يراودني شعور نفس هذا الشعور ولكن شعور المقبل على رحلة غامضة، لأنني أنا فوجئت الحاجات طويت بسرعة فتسألني عماذا كنت أبحث؟ ربما عن للأسف الشديد سنخرج من هذه القصة بدون أن نعرف بالضبط..

أحمد علي الزين: إلى أين؟
جمال الغيطاني: ما البداية؟ وإلى أين المصير فيما بعد؟


أحمد علي الزين: يعني الكتابة كانت نوع من العزاء أو نوع من المقارعة مع الزمن؟


جمال الغيطاني: أو الكتابة الآن أنا لا أدعي أنني كنت أعرف ذلك منذ البداية الآن لكن في الأعوام الأخيرة أيضاً أكتشف أن الكتابة كانت مجاهدة ضد النسيان، ضد المحو ضد الطيّ لأنه لا شيء يبقى، والآن في حقب كاملة أنا عشتها أنا أحياناً أنظر إلى بعض الصورالتي التقطت في لحظات حميمة فأتعرف على بعض الوجوه التي كنت أرتبط بها بعلاقات، فيه ستائر بتنزل مع الزمن الزمن يطوي ما هو الشيء الوحيد الذي توصل إليه الإنسان لكي يحتفظ باللحظة التي تفنى هي الكتابة، الفوتوغرافيا هي نوع من الكتابة طبعاً الانشغال بالزمن بيقود إلى الانشغال بأمور أخرى منها قضية الموت ده عرض من أعراض الزمن يعني.. وأنا أعني الموت الطبيعي أو الموت.. لكن الكتابة هنا قيمتها تبرز أنها تسجّل مضمون اللحظة التي تفنى وبالتالي هي فعل مقاومة ضد النسيان..

أحمد علي الزين: يعني طالما هيك تحدتت عن الموت وعن.. ربما هالسؤال هذا يجرني لأسأل سؤال آخر يمكن نهرب من الوجود إلى السياسة اليومية يعني عن الموت العربي اليومي هذا الموت هذا القتل يعني هذا السبي والتخلف والعودة إلى الكهوف كهوف الفكر المظلمة، شو سببه هذا بتقديرك؟ ما الذي يحدث؟ ما الذي يحدث لهذا العالم؟ يعني إلى أين يذهب؟ عالمنا العربي تحديداً؟
جمال الغيطاني: يعني أنا لا أميل إلى منطق الضحية، ولكن قبل أن نفكر في مسؤولية الغير بالنسبة لما يجري يجب أنه نفحص أنفسنا أولاً، أنا أعتقد بـ"التخلف" هو مفتاح المأساة الموجود الآن في الساحة العربية، وهو السبب الذي يعطي الآخرين فرصة للتدخل، فرصة لمحاولة فرض المفاهيم أو الوجود، هناك أشياء لا بد من فحصها لا بد من مراجعتها..


أحمد علي الزين: وهي قائمة بثقافتنا وفي تراثنا؟
جمال الغيطاني: موجودة بثقافتنا، والآن أنا يعني أشاهد بعض الفضائيات هذا شيء مذهل في التخلف وفي.. يعني ولن يقبلك العالم بهذا المنطق، ولذلك نحن في حاجة إلى مجددين شجعان يدخلون بنا إلى صميم العصر، وإلا سيكون المصير مخيفاً.

أحمد علي الزين: يبدو ما عشنا كما ينبغي عصر تنوير أو هيك فترة ثانية..
جمال الغيطاني: لا والله كان كان في..


أحمد علي الزين: كانت محاولة وانتهت مع بداية القرن يعني.
جمال الغيطاني: أنا تصوري المشكلة في الأنظمة الدكتاتورية التي فرضت نوعاً من التخلف وفي صميم البنية..

أحمد علي الزين: صحيح. على سيرة الأنظمة أنت عايشت كذا مرحلة يعني ربما ولادتك بدأت مع العصر الملكي إلى حد ما عايشتها ثم مع الناصرية ثم مع تجربة السادات وحتى الآن، يعني عقدت شي مرة هيك بهالرحلة أملاً على تجربة ما..
جمال الغيطاني: طبعاً. على تجربة عبد الناصر رغم أنني كنت..

أحمد علي الزين: سجنت في أيامه؟
جمال الغيطاني: أنا اعتقلت لكن كان الاعتقال على أرضية مختلفة بمعنى كان عبد الناصر يقول أنه أنا أبني الإشتراكية وكنت أرى أنها أن ما يجري ليس بناءً للإشتراكية وكنت يعني مؤمن أن الإشتراكية هي الإشتراكية العلمية يعني بالمفهوم..


أحمد علي الزين: الماركسي.
جمال الغيطاني: الماركسي، طبعاً كان ممنوعاً أي تنظيم طبقاً للقانون في ذلك الوقت فاعتقلنا في عام 1966، وهذه مرحلة لم يُكشف عنها النقاب بعد، لأنه كان فيه ظروف سياسية كثيرة في مصر كان في الحزب الشيوعي الكبير حلّ نفسه في سنة 1964 راضياً مرضياً ودخل في طاعة الاتحاد الإشتراكي، ونحن كشباب كنا نرفض ذلك..

أحمد علي الزين: كنتم في أقصى اليسار.
جمال الغيطاني: نحن كنا نحلم بتغيير العالم يا سيدي، يظهر أن العالم هو اللي غيرنا (ضاحكاً).
أحمد علي الزين (يضحك): نعم..
جمال الغيطاني: ولذلك كانت فترة مليئة بالطموحات والآمال."عندما كنت أرى متسولاً كنت أبكي، ربما هذا دفعني إلى اعتناق الإشتراكية والذهاب للبحث عن حلول في الماركسية مثلاً كنت أبحث عن العدالة، البكاء شكل من أشكال الاحتجاج".

جمال الغيطاني: وأنا طفل كان عندي سبع سنوات كنت أقرأ أرسين لوبين وأحلم بأن آخذ من الأغنياء وأعطي للفقراء أصبح لصاً شريفاً، اللص الشريف أصبح إشتراكياً ماركسياً، ثم يعني فكرة العدالة الاجتماعية جمال عبد الناصر أنا بدأت التعلق به بعد رحيله، فقد أصبح..

ايوب صابر 12-07-2011 09:10 AM

تابع : مقابلة الكاتب الكبير جمال الغيطاني

أحمد علي الزين: بكي كثير من اليساريين والمثقفين..
جمال الغيطاني: ولكن خذ بال حضرتك أن جمال عبد الناصر لم يكن يكتمل العيد إلا برؤيته، هو كان يفضل صلاة العيد في سيدنا الحسين، فكنا نخرج لكي نقابله ونراه فجمال عبد الناصر لن يتكرر، وهو بالمناسبة أحد مآسي العالم العربي، أقول لك إزاي لأنه بعد رحيله تصور حكّام بعض الأقطار العربية وحتى الآن أنه يمكن أن يصبح جمال عبد الناصر، ونسوا أن عبد الناصر هو محصلة تاريخ زائد جغرافيا، يعني لو وجد عبد الناصر نفسه في العراق لم يكن سيصبح هو عبد الناصر الذي عرفته مصر، هذا الآن أصبح تاريخاً بعيداً ولذلك تجربة جيلي تجربة عنيفة، يعني نحن انتقلنا..

أحمد علي الزين: فيها مرارة وفيها أحلام وكذا.. هي مرحلة كلها كانت حاملة الكثير من الأحلام..
جمال الغيطاني: بالزبط ثم جاء أنور السادات فمع عبد الناصر أنت كنت تختلف على نفس الأرضية، وخلاف مع فتوة فتوة عادل كبير وجميل لكن مع أنور السادات أنا مرت عليّ أيام في حكم أنور السادات كانت أسوأ من أيام المعتقل أيام عبد الناصر.


أحمد علي الزين: أديش بت في المعتقل مش كثير.
جمال الغيطاني: فترة قصيرة حوالي ست شهور.


أحمد علي الزين: كانت تجربة..
جمال الغيطاني: نعم.


أحمد علي الزين: شو بتذكر من تلك المرحلة يعني؟
جمال الغيطاني: أنا ما أذكره طبعاً كان فيه يعني لا أريد أن أتحدث عن.. طبعاً كان فيه تحقيق والتحقيقات كان فيها نوع من الضغوط..


أحمد علي الزين: الجسدية..
جمال الغيطاني: الجسدية العنيفة، لكن اكتشفت أن الضغط النفسي أبشع..


أحمد علي الزين: أشد وطأةً.
جمال الغيطاني: يعني أن تسمع شخصاً يتألم بسبب التعذيب أكثر فداحةً بكثير جداً عندما يبدأ تعذيبك أنت ينتهي كل شيء، لأنه ماذا سيحدث أكثر من ذلك؟ فانتهت القصة، ولذلك كنت أحياناً بعد أن.. هو كان المطلوب أن أعترف أنه في تنظيم وكان الموقف هو عدم.. وحتى الآن لم نعترف، طبعاً مش حأعترف معاك.


أحمد علي الزين: "الكتابة هي جوهر حياتي اكتشفتها في نفسي كالغريزة علماً أن ظروف النشأة ما كانت لتنتج كاتباً على الإطلاق، وأستطيع القول أن لحظة البداية كانت عام 1959 عندما وجدت نفسي راغباً في تدوين قصةٍ سمعتها من والدي، كان جمال الغيطاني مفتوناً بالكتاب ولم يزل مفتوناً بالكتاب وبالكلمة يقرأ كل ما يقع بين يديه تقريباً وينسخ الكتب، كان نسّاخاً ينسخ الكتب التي لا يستطيع شرائها، يقرأ الترجمات وما تيسر من كتب التراث في صندوق جده، وشغفه هذا أدّى به في نهاية المطاف إلى دار الكتب حيث كان الكتاب باباً يفضي إلى باب آخر أو سؤال آخر بدأ يبحث عن إجابات له في مرآته الخاصة".....طيب خلينا نرجع شوي للكتابة أو لحي الحسين للمنطقة التي ولدت فيها ونشأت يعني كيف حبوت إلى السرد إلى الكتابة، يعني شو اللي خلاك تصير كاتب؟
جمال الغيطاني: مش عارف (يضحك)، يعني أنا طبعاً الأمور بدأت تلقائياً، بمعنى أنني كنت طفلاً أميل للانطواء، خياله واسع كنت أعود من المدرسة وأحكي لأمي عن أشياء لم تقع، بمعنى يعني مثلاً..

أحمد علي الزين: تؤلف كنت..
جمال الغيطاني: وهي كانت تقوم بعمل البيت أو تغسل الغسيل أجلس بجوارها وأؤلف لها حكايات عن سرداب انفتح فجأة فنزلت ووجدت مدينة تحت الأرض، فهي كانت تبدي..


أحمد علي الزين: بدأ معك الشطح من آنذاك يعني الشطح بالمدينة.
جمال الغيطاني: فبدأ هي كانت تبدي يعني توافقني وتسألني طيب هة وبعدين (تعبير عن انشداه)، وكانت تأخذني إلى قد عقلي أو كانت تجاريني وتسلي نفسها..


أحمد علي الزين: كانت القارئة الأولى لك..
جمال الغيطاني: هي القارئ الأول وهي المساعد الأول لأنه الوالد كان مصراً أن يعلمنا حتى النهاية، فكان رؤية رواية في يدي تزعجه، فهي كانت تتستر عليّ بالمدد المادي والمعنوي لأنها كانت تحب أن أفعل ما يسعدني، فاختلاق الحكايات اللي هو الكذب الأبيض ثم بدأ انفتح لي الباب عندما تعلمت القراءة لما دخلت المدرسة، أنا كنت أتمثل القراءة يعني ده العصر الذهبي للقراءة، يعني أضرب لك مثالاً عندما قرأت: "أحدب نوتردام" مشيت ثلاث أيام محدودب..


أحمد علي الزين: مثلت دور البطل.
جمال الغيطاني: أنا ماشي أنا أحدب.. ومثلاً كان في رواية اسمها: "الفرسان الثلاثة" لإسكندر ديماس وكان فيه تقليد المبارزة فيقول لك إيه يلقي القفاز في وجهه ويدعوه للمبارزة ويقول له: إحضر شاهدك، فكنت عندما أتشاجر مع زميل لي في المدرسة أقول له: أنا أقلت قفازي وجهك، أقسم لك ما كنت أعرف يعني إيه قفاز لأنه مكونتي ده كنا بنشوفه في السينما بس.


أحمد علي الزين: طبعاً.[فاصل إعلاني]
أحمد علي الزين: ولدت في جهينة بسهاج محفوفاً بنخيل الصعيد وظلاله وشموخه وأصالته، لكنني نموت وشببت في الخلاء القاهري ومنه أستمد أقدم صور لي، أقامت أسرتي في المنزل رقم واحد في عطفة متفرعة من درب الطبلاوي بيتٌ ربما بُني في القرن التاسع عشر مكوّن من 5 طوابق وهذا ارتفاع له شأن في الأربعينات عندما بدأ وعيي يلتقي أول مظاهر الوجود، كان الأفق القاهري رحيماً بالنظر: خلاء ممتد وتاريخ واضح الأهرام في الغرب ومآذن السلطان حسن والرفاعي ومحمد علي والمحمودي ومإذنة سيدنا ومولانا الحسين كلها تشمخ في الجنوب والمقطم الذي لم نعرف جبلاً أكثر من ارتفاعه يحد المدينة من الشرق، كنت أشبّ على قدمي لأتطلع إلى الأفق الفسيح وأصلح البيوت المجاورة والمعالم، ولو أنني اخترت من حياتي لحيظات حانية لكان أولها لحظات العصاني في المدينة القديمة، ومن العبارات التي تتردد كثيراً في ذاكرتي منذ الطفولة: "عايزة أشم الهوا يا سلام على نسمة العصاري".


أحمد علي الزين : أنت بلشت حياتك المهنية أو العملية مصمماً للسجاد صح؟
جمال الغيطاني: أنا لم أختر، يعني أنا بعد حصولي إتمامي لمرحلة الشهادة الإعدادية الوالد كان مصراً أن أواصل تعليمي حتى الشهادة الكبيرة كما نسميها، يعني الدكتوراه في الجامعة، لكنني شعرت أنه قد بدأ ينهك مالياً فقررت أن أختصر المسافة وأحقق رغبته وأتخرج في فترة مبكرة لكي أساعده، هكذا دخلت يعني اخترت التعليم الفني، ولكن هذا تم بشرط جعلني أقسم على المصحف أن أتم تعليمي..


أحمد علي الزين: لاحقاً.
جمال الغيطاني: لاحقاً، وفعلاً أنا دخلت.. أنا تخرجت عام 1962 وكان سني صغيراً جداً بالنسبة للتوظف فيعني حصلت على الثانوية العامة وقبلت في كلية الفنون التطبيقية لكن اكتشفت أنني أنا أكوّن نفسي بنفسي عن طريق القراءة والاطلاع والتكوين..


أحمد علي الزين: عمرت نفسك يعني؟
جمال الغيطاني: لم أوفِ بوعدي لأني كنت انطلقت في عالم التكوين الحرّ وطبعاً دراستي للسجاد أفادتني جداً، فهذا فن فيه فلسفة وفيه يعني أنا عندي مشروع كبير بيخص هذا الفن بالتحديد، أنا أعيد اكتشاف السجاد الآن، ليس كحرفة فقط ولكن كفن له رمزياته وله فلسفته.


أحمد علي الزين: جميل. طيب إلى الصحافة ربما أنت تقول أنه كان محمود أمين العالم هو سبب قدومك يمكن إلى أخبار اليوم.
جمال الغيطاني: نعم.


أحمد علي الزين: نتيجة قراءته لك أول كتاب نشرته يمكن بعد..
جمال الغيطاني: بعد صدور أول كتاب: "أوراق شاب عاش منذ ألف عام" صدر في بداية عام 1969 وقد طبعته بنقودي ونقود صديق العمر يوسف القعيد، والكتاب أحدث ضجة كبيرة جداً، في ذلك الوقت كانت الحياة الثقافية في مصر منظومة لها مقاييس، بمعنى يعني عندما صدر مثلاً أول كتاب ليوسف إدريس: "أرخص ليالي" عُمّد كاتباً كبيراً، بمن؟ بعدد من النقاد كانت لهم مصداقية كبيرة، فعندما يكتب "لويس عوض" عن كاتب بشكل إيجابي أو "لطيفة الزيات" أو "علي الراعي" أو "محمود أمين العالم" في ذلك الوقت فهذا ما نفتقده الآن، الكتاب أحدث ضجة كبيرة جداً بالإضافة أن الكتاب كان يتضمن نوعاً من الرد الروحي على هزيمة يونيو 1967 يعني ليس صدفةً أنه "أمل دنقل" كتب: "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" في نفس العام صدر: "أوراق شاب" في نفس العام اتجه الأبنودي إلى قناة السويس ليكتب: "وجوه على الشط"، الرد الروحي عالهزيمة نحن الذين قمنا به قبل المعركة العسكرية الكبيرة في حرب الاستنزاف، كتب الأستاذ محمود أمين العالم مقالاً عن كتابي وهو الذي أول من أطلق على ما قمت به: "القصة التاريخ" قلب النص أن جمال الغيطاني اكتشف شكلاً جديداً من أشكال القصة، طبعاً أنا قرأت المقال ويعني أنا في هذا الوقت كنت أدرب لكن صدقني لم أكن.. أنا كنت منقاداً لصوتي الخاص لكن عندما قرأته هل من معقول أنا اكتشفت شكل، طبعاً..
أحمد علي الزين: فأتيت إلى الأخبار.
جمال الغيطاني: أنا ذهبت لم أكن أعرفه، فذهبت إليه لأشكره فعرض عليّ العمل في أخبار اليوم، وهكذا دخلت الصحافة في عام 1969.


أحمد علي الزين: منذ حوالي 15 عاماً يعمل جمال الغيطاني في هذا المكان رئيساً لتحرير أخبار الأدب جريدة أدبية أسبوعية، ولكنه منذ عام 1969 بدأ حياته الصحفية بدأها مراسلاً حربياً في الجبهة، وكان آنذاك قد نشر أول تجربة له قصصية بعنوان: "أوراق شاب عاش منذ ألف عام" لفتت هذه المجموعة انتباه المفكر "محمود أمين العالم" فتناولها في مقالةٍ نقدية كانت فاتحةً لتجربةٍ أصبح عمرها ما يقارب الأربعين سنةً في عالم الصحافة والكتابة الإبداعية.طيب أستاذ جمال هيك من جملة التجارب المثيرة يمكن اللي اشتغلتها بحياتك هو بدأت حياتك الصحفية مراسل حربي بمعنى أنه فوراً إلى الجبهة، وقضيت سنوات طوال من الـ 1969 حتى الـ 1973 يمكن أو أكثر شوي..
جمال الغيطاني: لغاية الـ 1974.


أحمد علي الزين: طبعاً كنت تشهد.. يعني جاورت الموت إذا صح التعبير، جاورت الموت كان جارك الموت يومياً، ماذا يعني لك أن يعني هيك تشوف زميل لك أو جندي يسقط بالقرب منك؟

جمال الغيطاني: يعني أنا أعيش بالصدفة، مرة في مقهى في السويس كان مدينة السويس كلها كان فيها مقهى واحد هو بعد التهجير، فأنا جاء لي سكن بجواري جندي مطافي ولم يكن هناك حالة اشتباك، لكن سمي بعض القذائف من قرب، ففجأة وجدت الجندي بيميل وبينهار مرة وحدة على الأرض، فأنا استغربت يعني وبدأت مع زميلي مكرم جاد الكريم اللي هو يعتبر أشجع مصوّر صحفي في هو الذي التقط صورة المنصة يوم اغتيال الرئيس السادات، فبدأنا نقلبه ما فيش ثم وجدنا خيطاً رفيعاً من الدم خلف الأذن، شظية طايرة من بعيد تخيل لو غيرت المكان يعني هذا حدث كثيراً فهنا أنت ذكرت الموت، الموت في الجبهة مواجهته مرة يشجع على مواجهته في المرات التالية، وهذا ما يسمونه في العسكرية التطعيم يعني في البداية الواحد بيبقى خائف، وبعدين بواجه الموت فبيحصل إحساس غريب جداً عندي: الله ده أنا كان المفروض أموت يوم الأربعاء اللي فات الساعة واحدة في غارة الطيران ده أنا عايش وقت إضافي فده بيخليني أشجع على مواجهة.. يعني أنت عارف الواحد زي ما يقولوا قلبه بموت شوي بشوي، طبعاً هذا موت قادم من الخارج، لكن في فرق بين الموت الذي يأتي من الخارج والموت الذي يأتي من الداخل.

ايوب صابر 12-07-2011 09:12 AM

تابع : مقابلة الكاتب الغزير جمال الغيطاني
أحمد علي الزين: الكتابة فعل ضد النسيان أو محاولة على الأقل لتأبيد اللحظة أو تخليص الحياة من الإندثار من الإندثار الكلي، ولعل الصورة لاحقاً لبّت بشكل أدق هذه الرغبة، والحياة شريط طويل من الصور وكتاب يخطه الزمان، ونساهم به على قدر استطاعتنا. أول صورة تطالع الداخل إلى مكتب جمال الغيطاني صورة لنجيب محفوط التقطها الغيطاني بعدسته هاوياً.
جمال الغيطاني: أنا استمرت فترة غير مصدق، أنا كنت يعني أنا حملت نعشه وظلت بصحبته حتى وري الثرى، لكن كان عندي إحساس أنه اللي في الصندوق مش هو نجيب محفوظ، لأن نجيب محفوظ جزء من كياني أنا، يعني كان في محبة إنسانية غير الصلة ككاتب، وهو من الكتّاب الذين تعلمت منهم بالفعل، يعني العلاقة بالكتابة العلاقة بالوقت وبعدين الصحبة، أنا يعني مثلاً لقاء الثلاثاء ده كان لا يمنعني عنه إلا مرض أو سفر، فظللت فترة لعدة شهور في الفترة الأخيرة بدأت أتأكد أن نجيب محفوظ لم يعد في هذا العالم..

أحمد علي الزين: على أساس هو راح مشوار وبده يرجع وما رجع..
جمال الغيطاني: بالزبط، وأنك لن تلتقي به فجأة في تلك الفترة كنت يخيل رغم أنه لم يكن يمشي في الشارع من عام 94..

أحمد علي الزين: بس كان ظلاله أو طيفه بالمقهى..
جمال الغيطاني: دا صحيح، الأستاذ نجيب قدر لي أن أكون آخر من يراه لترتيب في الظروف ليس لميزة، ويخيل إلي أنه ظل يكتب حتى توقف عن الحياة.

أحمد علي الزين: يبدو في مكان حميم على قلبك هو المقهى مقهى الفيشاوي بعدك ترتاد هذا المقهى بشكل رسمي أو بشكل دايم مثل ما كنت ترتاده بالسابق؟ أم أن حلقة الأصدقاء تفرفطت..
جمال الغيطاني: شوف حضرتك القاهرة القديمة تكون يعني المحصورة ما بين باب النصر وصولاً إلى ميدان القلعة، أنا أحفظها ليس شبراً شبراً ولكن حجراً حجراً، وكما رأيت أنا اعتبر يعني فيه علاقة حميمة جداً مع الناس ومع المكان، هذا المكان أنا عشت فيه ثلاثين سنة، نصف عمري قُضي هناك والنصف الآخر أنا لم أعش فيه فقط لكن عشت رأسياً وأفقياً، جزء من بحثي أو همي الأساسي في الكتابة ألا هو تحقيق الخصوصية علاقتي بالجمالية، فطبعاً دي منظومة من المشاعر ومن العمر لها علاقة بقضية الزمن، الزمن كثيف في هذه المنطقة نتيجة القدم ونتيجة عدد ضخم من المباني والفنون مرتبطة بالعصور السابقة.


أحمد علي الزين: على مستوى التجليات التي كتبتها.. طيب بتقديرك الواحد مع تراكم التجربة وتراكم العمر يعني بيصير ميال أكثر للتأمل والحكمة..
جمال الغيطاني: أكيد طبعاً..
أحمد علي الزين: وأنت هلأ على كل حال بمعظم أعمالك فيه منسوب من التأمل هيك.. الكتابة نوع من التأمل لكن عندك الدوز شوي عالي؟
جمال الغيطاني: شوف أستاذ أحمد لما بدأت الكتابة، أنت طبعاً تكتب في ظل أشكال معينة يحددها النقد تحددها المدارس الفنية المختلفة، أنا لم أكن أشعر براحة، يعني على سبيل المثال كانوا من ضمن قوانين الرواية يُشترط أن يختفي المؤلف طيب أختفي إزاي وأنا اللي كتبت! يعني كيف.. لم أكن مقتنعاً بذلك، وعندما كنت أقرأ كتاباً مثل الحيوان للجاحظ أجده يوقف السرد في لحظة معينة ويورد شعراً أو يفتح هامش أو يذكر حكاية قديمة، لماذا لا أستمتع أنا بهذه الحرية؟ هذا ما بدأت يعني كانت الانطلاقة في الزيني بركات تأكدت أكثر في كتاب التجليات الآن لا يعنيني أي قانون مسبّق، العمل يولد قانونه معه، فأحياناً..



أحمد علي الزين: من الصعب أن توجز حياة وتجارب الناس بسطور، فكيف إذا كانت حياة هؤلاء متقاطعة مع أحداث ومراحل دراماتيكية وشاهدة على تجارب غيرت في الرؤى والمفاهيم والمسارات، لعلنا مع جمال الغيطاني أضأنا بعض نواحي في مسار عمره وتجربته.

ايوب صابر 12-07-2011 10:06 AM

ابرز عناصر التأثير في حياة الكاتب الفذ غزير الانتاج جمال أحمد الغيطاني
  • ولد عام 1945، التاسع من مايو، في قرية جهينة محافظة جرجا (سوهاج حاليا).
  • نشأ في القاهرة القديمة، حيث عاشت الأسرة في منطقة الجمالية، وأمضى فيها ثلاثينعاما
  • . تلقى تعليمه في مدرسة عبدالرحمن كتخدا الابتدائية، ومدرسة الجمالية الابتدائية.
  • تلقى تعليمه الاعدادي في مدرسة محمد علي الاعدادية.
  • بعد الشهادة الإعدادية التي حصل عليها عام 1959، التحق بمدرسة العباسيةالثانوية الفنية التي درس بها ثلاث سنوات فن تصميم السجاد الشرقي وصباغة الألوان.
  • تخرج عام 1962، وعمل في المؤسسة العامة للتعاون الانتاجي رساما للسجاد الشرقي،ومفتشا على مصانع السجاد الصغيرة في قرى مصر، أتاح له ذلك زيارة معظم أنحاءومقاطعات مصر في الوجهين القبلي والبحري.
  • أعتقل عام 1966 بتهمة الانتماء الى تنظيم ماركسي سري. وأمضى ستة شهور فيالمعتقل تعرض خلالها للتعذيب والحبس الإنفرادي. وخرج من المعتقل في مارس 1967.
  • عمل مديرا للجمعية التعاونية لخان الخليلي، وأتاح له ذلك معايشة العمالوالحرفيين الذين يعملون في الفنون التطبيقية الدقيقة.
  • بعد صدور كتابه الأول عرض عليه محمود أمين العالم المفكر الماركسي المعروف،والذي كان رئيسا لمؤسسة أخبار اليوم الصحفية أن يعمل معه فانتقل للعمل بالصحافة.
  • بعد أن عمل في الصحافة بدأ يتردد على جبهة القتال بين مصر واسرائيل بعد احتلالإسرائيل لسيناء، وكتب عدة تحقيقات صحفية تقرر بعدها تفرغه للعمل كمحرر عسكري لجريدةالأخبار اليومية واسعة الانتشار، وشغل هذا التخصص حتى عام 1976. شهد خلالها حربالاستنزاف 1969 – 1970 على الجبهة المصرية، وحرب أكتوبر 1973 على الجبهتين المصريةوالسورية. ثم زار فيما بعد بعض مناطق الصحراء في الشرق الأوسط، مثل شمال العراق عام 1975، ولبنان 1980، والجبهة العراقية خلال الحرب مع إيران (عام 1980- 1988).
  • منذ عام 1985 أصبح محررا أدبيا لجريدة الأخبار، وكاتبا بها. ثم رئيسا لتحرير (كتاب اليوم) السلسلة الشهرية الشعبية ثم رئيسا لتحرير أخبار الأدب مع صدورها عام 1993.
  • تزوج عام 1975، أب لمحمد وماجدة.
  • كتب أول قصة قصيرة عام 1959.
  • نشر أول قصة يوليو 1963. وعنوانها (زيارة) في مجلة الأديب اللبنانية. وفي نفسالشهر نشر مقالا في مجلة الأدب التي كان يحررها الشيخ أمين الخولي، وكان المقال حولكتاب مترجم عن القصة السيكولجية.
  • منذ يوليو 1963 وحتى فبراير 1969 نشر عشرات القصص القصيرة نشرت في الصحفوالمجلات المصرية والعربية، كما نشر قصتين طويلتين، الأولى بعنوان "حكايات موظفكبير جدا". نشرت في جريدة المحرر اللبنانية عام 1964، والثانية "حكايات موظف صغيرجدا". نشرت في مجلة "الجمهور الجديد" عام 1965.
  • كتب ثلاث روايات في الفترة من 1963 و1968) رحيل الخريف الدامي لم تنشر)، (محكمة الأيام فقد المخطوط أثناء اعتفاله عام 1966)، اعتقال المغيب فقد المخطوط أثناء اعتفاله عام 1966.
-صدر أول كتاب له عام 1969، "أوراق شاب عاش منذ ألف عام" صدر متضمنا لخمس قصصقصيرة كتبت كلها بعد هزيمة الجيش المصري في سيناء عام 1967. لاقى الكتاب ترحيباواسعا من القراء والنقاد.

- أمنيتيالمستحيلة أن أمنح فرصة أخري للعيش أن أولد من جديد لكن في ظروف مغايرة أجئ مزوداًبتلك المعارف التي اكتسبتها من وجودي الأول الموشك علي النفاد .
- في رده على سؤال عما كنت تبحث في رحلت حياتك؟ اجاب الغيطاني: ربما عن للأسف الشديد سنخرج من هذه القصة بدون أن نعرف بالضبط
- وفي رده على سؤال ان كانت الكتابة نوع من العزاء؟ اجاب الغيطاني : أو الكتابة الآن أنا لا أدعي أنني كنت أعرف ذلك منذ البداية الآن لكن في الأعوام الأخيرة أيضاً أكتشف أن الكتابة كانت مجاهدة ضد النسيان، ضد المحو ضد الطيّ لأنه لا شيء يبقى.
- ويقول "الانشغال بالزمن بيقود إلى الانشغال بأمور أخرى منها قضية الموت ده عرض من أعراض الزمن يعني.. وأنا أعني الموت الطبيعي أو الموت.. لكن الكتابة هنا قيمتها تبرز أنها تسجّل مضمون اللحظة التي تفنى وبالتالي هي فعل مقاومة ضد النسيان..".
- ويقول : عندما كنت أرى متسولاً كنت أبكي، ربما هذا دفعني إلى اعتناق الإشتراكية والذهاب للبحث عن حلول في الماركسية مثلاً كنت أبحث عن العدالة، البكاء شكل من أشكال الاحتجاج

-ويقول : وأنا طفل كان عندي سبع سنوات كنت أقرأ أرسين لوبين وأحلم بأن آخذ من الأغنياء وأعطي للفقراء أصبح لصاً شريفاً، اللص الشريف أصبح إشتراكياً ماركسياً، ثم يعني فكرة العدالة الاجتماعية ..............جمال عبد الناصر أنا بدأت التعلق به بعد رحيله، فقد أصبح..
- يقول ايضا: مرت عليّ أيام في حكم أنور السادات كانت أسوأ من أيام المعتقل أيام عبد الناصر.
يقول : أن تسمع شخصاً يتألم بسبب التعذيب أكثر فداحةً بكثير جداً عندما يبدأ تعذيبك أنت ينتهي كل شيء.
-يقول: أنني كنت طفلاً أميل للانطواء، خياله واسع كنت أعود من المدرسة وأحكي لأمي عن أشياء لم تقع، وهي كانت تقوم بعمل البيت أو تغسل الغسيل أجلس بجوارها وأؤلف لها حكايات عن سرداب انفتح فجأة فنزلت ووجدت مدينة تحت الأرض، فهي كانت تبدي..
- يقول : بعد حصولي إتمامي لمرحلة الشهادة الإعدادية الوالد كان مصراً أن أواصل تعليمي حتى الشهادة الكبيرة كما نسميها، يعني الدكتوراه في الجامعة، لكنني شعرت أنه قد بدأ ينهك مالياً فقررت أن أختصر المسافة وأحقق رغبته وأتخرج في فترة مبكرة لكي أساعده، هكذا دخلت يعني اخترت التعليم الفني، ولكن هذا تم بشرط جعلني أقسم على المصحف أن أتم تعليمي..
- اول كتاب له أحدث ضجة كبيرة جداً كونه كان يتضمن نوعاً من الرد الروحي على هزيمة يونيو 1967
- بدأ حياته الصحفية مراسل حربي بمعنى أنه ارسل فوراً إلى الجبهة، وقضى سنوات طوال من الـ 1969 حتى الـ 1974 يمكن أو أكثر شوي..وجاور الموت يوميا إذا صح التعبير ووصف سقوط زميل له على انه "يعني أنا أعيش بالصدفة يعني أنا عايش وقت إضافي ، يعني زي ما يقولوا قلبه بموت شوي بشوي، طبعاً هذا موت قادم من الخارج، لكن في فرق بين الموت الذي يأتي من الخارج والموت الذي يأتي من الداخل.
- يصف أحمد علي الزين حياة جمال الغظاني بقوله "من الصعب أن توجز حياة وتجارب الناس بسطور، فكيف إذا كانت حياة هؤلاء متقاطعة مع أحداث ومراحل دراماتيكية وشاهدة على تجارب غيرت في الرؤى والمفاهيم والمسارات، لعلنا مع جمال الغيطاني أضأنا بعض نواحي في مسار عمره وتجربته".

للأسف لا يعرف تفصيلا تاريخ طفولة الغيطاني لكن واضح أن أهم العوامل التي أثرت فيه هي انتقاله من الصعيد إلى القاهرة، حياة الفقر واضطراره للتعليم المهني لمساعدة الوالد، ثم ألمه لمشاهدة الفقر والظلم الاجتماعي حتى انه كان يحلم بأن يتحول الى لص يسرق من الأغنياء ليعطي الفقراء، ثم انضمامه إلى الحزب الشيوعي، ورفضه للاشتراكية الناصرية على اعتبار إنها غير كافية مما أدى إلى سجنه ، وربما أن أهم عناصر التأثير هي مجاورته للموت على الجبهة ومشاهدته للموت عن قرب....ولا شك أن كلامه بأن الموت الداخلي أعظم أثرا من الموت الذي يأتي من الخارج مؤشر إلى أن الذي صنع عبقرية الغياطني الفذة هو الموت ولكننا لا نعرف طبيعة ذلك الموت اختبره الغيطاني صغيرا وتحدث عنه بوصفه الموت الداخلي ربما بصورة غير واعية.

سنعتبره مأزوم لاغراض هذه الدراسة وسبب ازمته هو السجن ومن ثم العمل بجوار الموت.

ايوب صابر 12-07-2011 10:07 AM

جمال أحمد الغيطاني
  • ولد عام 1945، التاسع من مايو، في قرية جهينة محافظة جرجا (سوهاج حاليا).
  • نشأ في القاهرة القديمة، حيث عاشت الأسرة في منطقة الجمالية، وأمضى فيها ثلاثينعاما
  • . تلقى تعليمه في مدرسة عبدالرحمن كتخدا الابتدائية، ومدرسة الجمالية الابتدائية.
  • تلقى تعليمه الاعدادي في مدرسة محمد علي الاعدادية.
  • بعد الشهادة الإعدادية التي حصل عليها عام 1959، التحق بمدرسة العباسيةالثانوية الفنية التي درس بها ثلاث سنوات فن تصميم السجاد الشرقي وصباغة الألوان.
  • تخرج عام 1962، وعمل في المؤسسة العامة للتعاون الانتاجي رساما للسجاد الشرقي،ومفتشا على مصانع السجاد الصغيرة في قرى مصر، أتاح له ذلك زيارة معظم أنحاءومقاطعات مصر في الوجهين القبلي والبحري.
  • أعتقل عام 1966 بتهمة الانتماء الى تنظيم ماركسي سري. وأمضى ستة شهور فيالمعتقل تعرض خلالها للتعذيب والحبس الإنفرادي. وخرج من المعتقل في مارس 1967.
  • عمل مديرا للجمعية التعاونية لخان الخليلي، وأتاح له ذلك معايشة العمالوالحرفيين الذين يعملون في الفنون التطبيقية الدقيقة.
  • بعد صدور كتابه الأول عرض عليه محمود أمين العالم المفكر الماركسي المعروف،والذي كان رئيسا لمؤسسة أخبار اليوم الصحفية أن يعمل معه فانتقل للعمل بالصحافة.
  • بعد أن عمل في الصحافة بدأ يتردد على جبهة القتال بين مصر واسرائيل بعد احتلالإسرائيل لسيناء، وكتب عدة تحقيقات صحفية تقرر بعدها تفرغه للعمل كمحرر عسكري لجريدةالأخبار اليومية واسعة الانتشار، وشغل هذا التخصص حتى عام 1976. شهد خلالها حربالاستنزاف 1969 – 1970 على الجبهة المصرية، وحرب أكتوبر 1973 على الجبهتين المصريةوالسورية. ثم زار فيما بعد بعض مناطق الصحراء في الشرق الأوسط، مثل شمال العراق عام 1975، ولبنان 1980، والجبهة العراقية خلال الحرب مع إيران (عام 1980- 1988).
  • منذ عام 1985 أصبح محررا أدبيا لجريدة الأخبار، وكاتبا بها. ثم رئيسا لتحرير (كتاب اليوم) السلسلة الشهرية الشعبية ثم رئيسا لتحرير أخبار الأدب مع صدورها عام 1993.
  • تزوج عام 1975، أب لمحمد وماجدة.
  • كتب أول قصة قصيرة عام 1959.
  • نشر أول قصة يوليو 1963. وعنوانها (زيارة) في مجلة الأديب اللبنانية. وفي نفسالشهر نشر مقالا في مجلة الأدب التي كان يحررها الشيخ أمين الخولي، وكان المقال حولكتاب مترجم عن القصة السيكولجية.
  • منذ يوليو 1963 وحتى فبراير 1969 نشر عشرات القصص القصيرة نشرت في الصحفوالمجلات المصرية والعربية، كما نشر قصتين طويلتين، الأولى بعنوان "حكايات موظفكبير جدا". نشرت في جريدة المحرر اللبنانية عام 1964، والثانية "حكايات موظف صغيرجدا". نشرت في مجلة "الجمهور الجديد" عام 1965.
  • كتب ثلاث روايات في الفترة من 1963 و1968) رحيل الخريف الدامي لم تنشر)، (محكمة الأيام فقد المخطوط أثناء اعتفاله عام 1966)، اعتقال المغيب فقد المخطوط أثناء اعتفاله عام 1966.
- صدر أول كتاب له عام 1969، "أوراق شاب عاش منذ ألف عام" صدر متضمنا لخمس قصصقصيرة كتبت كلها بعد هزيمة الجيش المصري في سيناء عام 1967. لاقى الكتاب ترحيباواسعا من القراء والنقاد.


- أمنيتي المستحيلة أن أمنح فرصة أخري للعيش أن أولد من جديد لكن في ظروف مغايرة أجئ مزوداًبتلك المعارف التي اكتسبتها من وجودي الأول الموشك علي النفاد .

- في رده على سؤال عما كنت تبحث في رحلت حياتك؟ اجاب الغيطاني: ربما عن للأسف الشديد سنخرج من هذه القصة بدون أن نعرف بالضبط
- وفي رده على سؤال ان كانت الكتابة نوع من العزاء؟ اجاب الغيطاني : أو الكتابة الآن أنا لا أدعي أنني كنت أعرف ذلك منذ البداية الآن لكن في الأعوام الأخيرة أيضاً أكتشف أن الكتابة كانت مجاهدة ضد النسيان، ضد المحو ضد الطيّ لأنه لا شيء يبقى.
- ويقول "الانشغال بالزمن بيقود إلى الانشغال بأمور أخرى منها قضية الموت ده عرض من أعراض الزمن يعني.. وأنا أعني الموت الطبيعي أو الموت.. لكن الكتابة هنا قيمتها تبرز أنها تسجّل مضمون اللحظة التي تفنى وبالتالي هي فعل مقاومة ضد النسيان..".
- ويقول : عندما كنت أرى متسولاً كنت أبكي، ربما هذا دفعني إلى اعتناق الإشتراكية والذهاب للبحث عن حلول في الماركسية مثلاً كنت أبحث عن العدالة، البكاء شكل من أشكال الاحتجاج


- ويقول : وأنا طفل كان عندي سبع سنوات كنت أقرأ أرسين لوبين وأحلم بأن آخذ من الأغنياء وأعطي للفقراء أصبح لصاً شريفاً، اللص الشريف أصبح إشتراكياً ماركسياً، ثم يعني فكرة العدالة الاجتماعية ..............جمال عبد الناصر أنا بدأت التعلق به بعد رحيله، فقد أصبح..

- يقول ايضا: مرت عليّ أيام في حكم أنور السادات كانت أسوأ من أيام المعتقل أيام عبد الناصر.

يقول : أن تسمع شخصاً يتألم بسبب التعذيب أكثر فداحةً بكثير جداً عندما يبدأ تعذيبك أنت ينتهي كل شيء.
-يقول: أنني كنت طفلاً أميل للانطواء، خياله واسع كنت أعود من المدرسة وأحكي لأمي عن أشياء لم تقع، وهي كانت تقوم بعمل البيت أو تغسل الغسيل أجلس بجوارها وأؤلف لها حكايات عن سرداب انفتح فجأة فنزلت ووجدت مدينة تحت الأرض، فهي كانت تبدي..
- يقول : بعد حصولي إتمامي لمرحلة الشهادة الإعدادية الوالد كان مصراً أن أواصل تعليمي حتى الشهادة الكبيرة كما نسميها، يعني الدكتوراه في الجامعة، لكنني شعرت أنه قد بدأ ينهك مالياً فقررت أن أختصر المسافة وأحقق رغبته وأتخرج في فترة مبكرة لكي أساعده، هكذا دخلت يعني اخترت التعليم الفني، ولكن هذا تم بشرط جعلني أقسم على المصحف أن أتم تعليمي..
- اول كتاب له أحدث ضجة كبيرة جداً كونه كان يتضمن نوعاً من الرد الروحي على هزيمة يونيو 1967
- بدأ حياته الصحفية مراسل حربي بمعنى أنه ارسل فوراً إلى الجبهة، وقضى سنوات طوال من الـ 1969 حتى الـ 1974 يمكن أو أكثر شوي..وجاور الموت يوميا إذا صح التعبير ووصف سقوط زميل له على انه "يعني أنا أعيش بالصدفة يعني أنا عايش وقت إضافي ، يعني زي ما يقولوا قلبه بموت شوي بشوي، طبعاً هذا موت قادم من الخارج، لكن في فرق بين الموت الذي يأتي من الخارج والموت الذي يأتي من الداخل.
- يصف أحمد علي الزين حياة جمال الغظاني بقوله "من الصعب أن توجز حياة وتجارب الناس بسطور، فكيف إذا كانت حياة هؤلاء متقاطعة مع أحداث ومراحل دراماتيكية وشاهدة على تجارب غيرت في الرؤى والمفاهيم والمسارات، لعلنا مع جمال الغيطاني أضأنا بعض نواحي في مسار عمره وتجربته".



للأسف لا يعرف تفصيلا تاريخ طفولة الغيطاني لكن واضح أن أهم العوامل التي أثرت فيه هي انتقاله من الصعيد إلى القاهرة، حياة الفقر واضطراره للتعليم المهني لمساعدة الوالد، ثم ألمه لمشاهدة الفقر والظلم الاجتماعي حتى انه كان يحلم بأن يتحول الى لص يسرق من الأغنياء ليعطي الفقراء، ثم انضمامه إلى الحزب الشيوعي، ورفضه للاشتراكية الناصرية على اعتبار إنها غير كافية مما أدى إلى سجنه ، وربما أن أهم عناصر التأثير هي مجاورته للموت على الجبهة ومشاهدته للموت عن قرب....ولا شك أن كلامه بأن الموت الداخلي أعظم أثرا من الموت الذي يأتي من الخارج مؤشر إلى أن الذي صنع عبقرية الغياطني الفذة هو الموت ولكننا لا نعرف طبيعة ذلك الموت اختبره الغيطاني صغيرا وتحدث عنه بوصفه الموت الداخلي ربما بصورة غير واعية.

سنعتبره مأزوم لاغراض هذه الدراسة وسبب ازمته هو السجن ومن ثم العمل بجوار الموت.

ايوب صابر 12-08-2011 08:55 AM

وألان مع سر الأفضلية في رواية:
16- ثلاثية سأهبك مدينة أخرى – أحمد إبراهيم الفقيه – ليبيا
الثلاثية الروائية -الدكتور أحمد إبراهيمالفقيه
كاتب من ليبيا

صدرت هذه الرواية عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ..الروايةعبارة عن كتاب واحد في 516 صفحة يضم ثلاثة أجزاء:
1-سأهبك مدينة أخرى
2- هذه تخوممملكتي
3 – نفق تضيئه إمرأة واحدة.
سأحدثكم عنها ليس من باب النقد والتخصصوالتحليل والتعمق في الكتابة عن أي نص أقرأه بالطبع لا فأنا كما كتبت في أول موضوعصغير لي معكم عن رواية قرأتها قلت بأني لست متخصصة بل متذوقة وأحب أن أعبر بعفويةعن ما أشعر به تجاه ما أقرأه ويبقى في النهاية رأي شخصي يستطيع أن يضيفه المتصفحإلى مجموعة الآراء الشخصية حيال أمر ما والمتنوعة بتنوع مظاهر الحياة ومن ثم يختارما يروق له منها بالإضافة إلى إني أُعجبت بمكتبة الجسد ولا أود أن أبخل عليها بماوقع في يدي من كتب

أحببت هذه الحكاية وعلمت في الحال لما أحببتها ؟ لطالماشدتني الحكايات التي تسبح في عالم الخيال .. تطيب لي المتعة الروحية والبهجة التيأستمدها منها بالرغم من إنها لا تقدم أية فائدة أو ثقافة على خلاف الروايات التيتستند على خلفية واقعية من أحداث سابقة أو حالية.

وجدتها شاعرية وحالمة .. تتغذى على موائد الحلم ..تسكن مُدن الأساطير.. ترتدي حُلة الخرافة.. تعدو خلفالسراب.. تخاطب الخيال

خليل بطل الحكاية مسكون بهاجس البحث عن المرأة الحلم ..

مُشبعة إلى حد ما .. هي الأحلام عندما نقتات عليها لحين بزوغ فجرالواقععندما يأتي كما نحب ونشتهي .. أحببت جانب الحُلم في الحكاية لكن بطلها خذلني وشعرتبالخيبة كنت أظن بأنه سيكون رجل مختلف .. وفي .. رومانسي.. كون خط الرواية في جزءكبير منها قد نُقش بأحرف حالمة .. لم يعجبني خليل لم أتعاطف معه .. رجل يقنعك بأنهمتشبث بصورة جميلة لفتاة أحلامه وحتى عندما يجدها يخونها مع أية فتاة عابثة تطفىءنيران حاجاته البيولوجية كما يقول .. رأيته شخص حسي لأبعد حد وصورة الحب لديهبروازها الجسد ثم الجسد ثم الجسد .. عندما يتحدث ويقول أحببت أعلم بأن حبه يتمحورفي تضاريس الجسد ليس إلا ..ربما هذا فقط هو الحب في نظر خليل أو في نظر معظم الرجالأو بالتحديد في نظر الكاتب أحمد الفقية

الجزءالأول : سأهبك مدينة أخرى
هنا خليل في أدنبرة يحضر إطروحته ..يختلط بالمجتمع الإسكوتلندي ..يقيم عدة علاقات مع الشقراوات بدايةً مع صاحبةالمنزل الذي يسكن فيه وبعلم زوجها

مقطع من الروايةفي هذا الجزء :
خليل :
جئت أول ما جئت ملفوفاً بقماطي المشرقي فوجدتنفسي جسماً غريباً لا يحقق توافقاً مع ما حوله. إجتهدت في أن أشتري قبولاًبالمبالغة في التشبه بهؤلاء الناس وإظهار الولاء لقيمهم وأساليبهم. كنت كمن يأتيمن أفريقيا بقشرته السوداء ويضع فوق رأسه باروكة من الشعر الأشقر الناعم الطويلويمضي في الشارع متباهياً بها ، مدعياً أنها شعره الحقيقي. ثم إهتديت بعد ذلك إلىحل يضمن لي تحقيق هذا المقدار من التواصل الذي أحتاجه لعافيتي النفسية. فصرت لاأرى نفسي إلا حجراً متدحرجاً لا تنبت حوله الأعشاب. لا أطرح أسئلة حول ما يجب أنأفعله أو لا أفعله ....



الجزء الثاني : هذهتخوم مملكتي
يعود إلى ليبيا.. يذهب ليزور الحي القديم المهجورالذي نشأ فيه ..يدخل بيت رجل دين توفى منذ قرابة الـ 20 سنة لكنه يحدثه وكأنه موجودويرسله لمدينة نحن نسبقها بـ 1000 سنة .. أعجبني كثيراً هذا الجزء من الرواية .. يجد فتاة أحلامه ..تدور الأحداث وتنتهي بمأساة

مقطعمن الرواية في هذا الجزء :
خليل :
وجدت حباً لا أدري إن كان بإستطاعتي أنأنساه ، لأن المرأة التي إلتقيت بها لم تكن إمرأة عادية نلتقي بها كل يوم ، إنهاالمرأة الإستثناء التي جاءت مطابقة لإمرأة ترقد صورتها في قاع الذاكرة ...

الجزء الثالث : نفق تضيئه إمرأةواحدة
يعود إلى الواقع إلى بيته وزوجته التي لم يحببها يوماً كانزواجاً بترتيب عائلي لكن بموافقته .. ثم من جديد يجد في الواقع فتاة أحلامه التيتشبه فتاة أحلامة في المدينة التي سبق وعاش فيها من 1000 سنة ..

مقطع من الرواية في هذا الجزء :
خليل :
إنني مهما بذلت منجهد لتأكيد إنتمائي لهؤلاء الناس وهذه المدينة فإن ولائي الحقيقي يبقى لتلك العوالمالتي باحت لي بأسرارها عندما تحررت من قيود الزمان والمكان . حتى لو أنكرت هذاالإحساس وحاولت أن أنشغل عنه بالإنهماك في ممارسة الحياة ففي مكان ما من عقلي يضلذلك العالم يناديني وأحس إحساساً غامضاً إنني سأجد ذات يوم من الأيام سبيلاً إلىالنفاذ إليه .

ومقطع آخر :
رفعت رأسي ولا أدري لماذا أحسست حين رأيتهابأنها المرأة التي تصورت إنني عشت عمراً أنتظر ظهورها وأهيىء نفسي لإستقبالها وأزرعحقولاً من العشب في قلبي لتكون متنزهاً لها . طال غيابها وإنقضى الجزء الجميل منالعمر دون إشارة منها أو علامة توحي بقدومها . تيبست أعشاب القلب وأنا أنتظر زمناًلا يأتي وأعلق بصري بشرفات ونوافذ ظلت مغلقة لا تعد بأية مسرات . فأعدت ترتيب حياتيوحددت علاقتي بالكون على أساس إنها إمرأة لا وجود لها . رأيتها فإرتعشت. جاء الألمكماشة تعصر صدري .. ها هي تظهر بعد أن فات الأوان ..أمطار تأتي بعد موعدها ..

*
لم تكن نهاية الرواية مُرضية بالنسبة لي .. إذ كيف لنا بعدأن نجد الحلم يتجسد واقعاً نتهاون في الحفاظ عليه ؟

ايوب صابر 12-08-2011 08:56 AM

الاغتراب والحلم ...في أدب أحمد إبراهيم الفقيه القصصي
بقلم: د . شعبان عبد الحكيم محمد
*
مقدمه
يعد الاغتراب والحلم ملمحين بارزين فى أدب أحمد إبراهيم الفقيه القصصى وقد جاء الاغتراب تعبيرا عنتصدع الذات فى مواجهتها الواقع المعيش خاصة الجيل الذى نشأ بين زمنين (يمثله خليل الأمام فى الثلاثية ) زمن ما قبل الطفرة الاقتصادية (فى السبعينيات) وزمن ما بعد هذه الفترة فقد احدثت (هذه الطفرة) زلزلة فى كيان المجتمع العربى لأخذنا بالقشور من هذه المنجزات وافتقادنا الجوهر اضافة إلى اختلاف البيئة الحضارية التى أنجزت هذه المعطيات عن البيئة العربية وعدم تهيؤ مجتمعنا لارتداء زى هذه الحضارة .

يجسد لنا خليل الإمام فى الثلاثية ظاهرة اغتراب المثقف العربى فى وطنه وخارجه لأنه كما تروى الأحداث عاش بين زمنين زمن الماضى بمفاهيم وقيمة البالية هذه التقاليد والقيم شكلت وجدانه واستعداده النفسى بمفاهيم معينة وزمن الحاضر بمبادئه التى شكلتها المعطيات الفكرية والحضارية والأخلاقية هنا كان التصدع حيث التردى الاخلاقى والتمزق الاجتماعى وقد وجد (خليل الامام) فى الحلم الهروب من الواقع علاجا وإن كان غير ناجع لأنه يتجاوز عمل المسكن فالحلم لا يدوم ولابد من العيش فى الواقع بكل ضراوته وبحثا عن حل لعدم الانسجام وتجاوزا للاغتراب كان الهروب من هذا الواقع فى صور ثلاثة فى ثلاثيته لتأخذ كل رواية صورة من هذه الصور ما بين الابحار فى ذاكرة الماضى أو الحلم بعالم مثالى او قصة حب تغسل أدران النفس.
هكذا اقترن الاغتراب بالحلم واضافة إلى هويس ابطال قصص الفقيه بالبحث عن المرأة المثالية والمثال موضوعه عالم الحلم لا الواقع فأبطال قصص الفقيه يلهثون فى عالم الواقع جريا رواء المرأة (المثال) التى تشبه المرأة الحلم فى اعماق وجدانهم ولهوسهم تصوروا أنه بإمكان نقل الحلم إلى واقع (نقل امرأة الحلم فى عالم الواقع) ولكن هيهات بين الحلم والواقع فلم يتحقق لهم ما كانوا يتمنونه ليعود البطل من اوهامه مهزوما مكسور الوجدان.



بناء على ذلك هدفت الدراسة تناول ملمحى ( الاغتراب والحلم) فى التصور الأتى



الفصل الأول : أتناول بالدراسة لاغتراب خليل الإمام فى الثلاثية بحثه عن الزمن الذى لا يأتى تارة فى الابحار فى الذاكرة حيث رحلته العلمية إلى أوربا للحصول إلى درجة الدكتوراه (فى رواية سأهبك مدينة أخرى ) وتارة أخرى بالحلم بمدينة مثالية (فى رواية هذه تخوم مملكتي) وتارة ثالثة بالحلم بقصة حب (فى رواية نفق تضيئه امرأة واحدة)

الفصل الثانى : أتناول بالدراسة للحلم والمرأة فى محورين المحور الأول :الحلم قالب فنى للتعبير عن رؤية الكاتب لقضية الاغتراب المحور الثانى : المرأة الحلم وهى المرأة المثال التى شغلت وجدان أبطال قصص الكاتب وأخذوا يبحثون عنها فى عالم الواقع
الفصل الثالث : أتناول بالدراسة لتقنيات السرد فى روايات وقصص الكاتب التى عالجت هذين الملمحين فى أربعة محاور هى السرد والوصف مسرح الأحداث (المكان والزمان) ملامح شخصية البطل جماليات التشكيل اللغوى ، أتبع فى دراستى منهجا فنيا يتعامل مع النص كتشكيل فنى يهدف إلى أحداث المتعة النفسية قبل أن يكون النص انعكاسا لواقع أو مجتمع أو شخصية معينة واقتصر فى ابداع الكاتب على القصص والروايات التى تجسد هذين الملمحين فقط والتزام الموضوعية فلا ثناء مفرط ولا ذم مغرض فأنا أتعامل مع نص أدبى له ايجابياته وسلبياته وكلمتى كأى باحث ليست الكلمة الأخيرة إنما هى محاولة لاضاءة النص وسير أغواره

د. شعبان عبد الحكيم محمد
العوايسة فى 5/12/2001م


.............

-3-
وإذا كنا قد أرخنا للقصة والرواية الليبية فوجدنا الفقيه ينتمى للجيل الثالث صاحب مرحلة الازدهار فى هذين الفنيين والسؤال الذى طرح نفسه هنا ما مكانه الفقيه فى الرواية الليبية ؟ هل هذه المكانة تصل إلى مرتبة مكانته فى القصة القصيرة؟!

الاجابة عن هذا السؤال لابد أن نتعرف على طبيعة النتاج الروائى فى الأدب الليبى الذى اجمع غير واحد على تواضع هذا المستوى وأن هذه الرواية ما هى إلا قصة قصيرة نفخ فيها فامتدت عبر الزمان والمكان فى كم من الورق فى فكرة محدودة الحجم والقيمة فعلى سبيل المثال خلفية حسين مصطفى الذى أثنى عليه احدهم وتوقع أن يكون فارس الرواية الليبية(26)



يحلل الناقد الليبى رمضان سليم روايته ( المطر وخيول الطين) وينتهى بحكمه بأنها اقرب إلى مضمون القصة القصيرة إلى تلك الدرجة التى نستطيع فيها استقطاع الكثير من الجمل الجزئية والاضافات الزائدة المتراكمة على جوهر القصة المحدودة بدون أن يتأثر الغرض العام(27) ناهيك عن فشله فى رسم شخصياته وتعمق أغوارها وإجادة الحبكة والإقناع الفنى فى احتمالية وقوع الأحداث إضافة إلى كم هائل من الأخطاء اللغوية والأسلوبية وهذه العيوب نجدها عند غير واحد من القصاصين الليبيين ويكفى الرجوع إلى دراسة سمر روحى الفيصل السابقة فى تحليله لست روايات (على حد تعبيره ) لا نجد سوى كم من العيوب الفنية والأسلوبية نتصل بالسرد والوصف ورسم الشخصيات وضحالة الفكرة وضعف الحوار والأخطاء النحوية والأسلوبية.



مما يؤكد لنا محدودية هذا الفن القصص فى ليبيا شهادة الأديب القصصى خليفة حسين مصطفى (شهادة شاهد من أهلها ) التى يقول فيها الرواية لم تظهر عندنا بعد كفن ناضج وأكثر استيعابا لحركة المجتمع وتطوره(28)

أما عن أدب الفقه وان كان محدودا فى مجال الرواية (أربع روايات) حقول الرماد والثلاثية فلا ننظر إلى هذه الأعمال بمقياس الكم ولكن بما يتركه العمل الأدبى من اثر فاعل فى نفوسنا وما يثيره لدينا من أفكار وما يتضمنه من قيم فنية وروحية فى أعماقه نستشفها استشفافا فالعمل الأدبى الجيد كالبحر المعطاء كلما غضنا فى أعماقه عثرنا على اللآلئ والدرر التى لم نعثر عليها من قبل فمن يقرأ حقول الرماد لا ينسى قرية قرن الغزال (رمز الوطن الأيل للسقوط) حيث الفساد السياسى الذى يتجلى فى أمر الوالى يهدم هذه القرية وبناء قاعدة عسكرية للأمريكان والفساد الاقتصادى ما حل بها من فقر ومجاعة وتخلف والفساد الاجتماعى الذى يعكسه الجهل والنفاق وتقاعس كثير من أبنائها الوصوليين أننا نستشف عند قراءتنا
وليست هذه قراءة نهائية أن الكاتب يريد أن يوحى بفكرة مفادها إذا لم يتجاوز الوطن هذه الأمراض التى تنخر فى عظامه سيكون مصيره مصير قرية قرن الغزال وبذلك يستثير الروح فى شعبه ليتمسكوا ببلدهم ويتصدوا للمتصرف واعوانه لتبقى قرن الغزال رمزا لوطن تضرب حضارته فى أعماق التاريخ لتبقى شامخة رغم الكوارث والمحن متجاوزة لها من أجل مستقبل مشرق وكأن الكاتب يبرر لقيام ثورة الفاتح عام 1969 م لبقاء شموخ هذا الوطن وبناء مستقبله المشرق .
أما الثلاثية فهى تحفه أديبة بحق أنها تجسد لنا أزمة المفكر العرب فى مجتمع تفسحت فيه القيم وضاعت فيه المبادئ وسط الزحف الاقتصادى الذى ترك أثارا سلبية فى طباع الناس ومشاعرهم تجمدت ومات النبع الجميل فى نفوسهم انها أزمة فكرية وحضارية وأخلاقية أفقدت الإنسان الانسجام مع نفسه ومع مجتمعه مما ادى إلى شيوع الأمراض النفسية وموات الروح حتى الذين تظاهروا بالانسجام كان انسجامهم ظاهريا لم يتجاوز القشور إلى اللباب أننى لا أبالغ حيث أقول إلى ثلاثية الفقيه من أفضل الأعمال الروائية التى صورت أزمة المفكر وأمراضه فى عصرنا كل ذلك فى بناء فنى ونسيج قصصى محكم تتآزر عناصره فى منظومة متجانسة شخصيات وأحداث وحبكه ولغة شاعرية تجعلنا نشيد بصاحبها كفنان أصيل متميز بذلك يترك الفقيه بصمة واضحة فى تاريخ الرواية الليبية فلا يمكن أن نذكر الفن الروائى الليبى إلا وذكرنا أحمد الفقيه وانجازاته الخلافة انه بحق عنوان للرواية الليبية التى تتجاوز حدود الزمان والمكان ورائد من روادها البارزين الذين تركوا بصمة ستظل مدى الأيام دليلا على مكانته وعطائه المميز.

الدارسة كاملة هنا:
http://www.arabicstory.net/forum/index.php?showtopic=1051

ايوب صابر 12-08-2011 08:57 AM

عرض لثلاثية الكاتب الليبي أحمد إبراهيم الفقيه
سأهبك مدينة أخرى – هذه تخوم مملكتي – نفق تضيئه امرأة واحدة
صدرت ثلاثية الدكتور الفقيه (سأهبك مدينة أخرى – هذه تخوم مملكتي – نفق تضيئه امرأة واحدة ) عن دار (رياض الريس ) عام (1991 ) ..وقد حصلت هذه الرواية الثلاثية على شهرة واسعة وفازت بجائزة الإبداع التي يقدمها معرض الكتاب العربي ببيروت لأفضل عمل إبداعي ..وأستلم الكاتب الجائزة من الرئيس عمر كرامي …وترجمت الرواية إلى عدد من لغات العالم لتضع اسم ليبيا على خارطة الأدب العالمي …وقد صنفها إتحاد الكتاب العرب من ضمن أفضل مائة رواية عربية ..وترجمت الثلاثية إلى العديد من لغات العالم وحظيت باهتمام كبير في الأوساط الأدبية العالمية …
وللكاتب الليبي د.الفقيه عدة روايات منها ..رواية (فئران بلا جحور) صدرت عام 1967 ورواية (حقول الرماد ) الصادرة عام 1985 وأخر رواياته ((خرائط الروح )) التي تعتبر أطول رواية عربية معاصرة ..حيث يبلغ عدد صفحاتها أكثر من ألفي صفحة من القطع الكبير ..وقد تحصل الكاتب على العديد من الجوائز عربيا وعالميا …منها حصوله على شهادة البراءة مع أرفع وسام ليبي وسام الفاتح الذي منح للكاتب عام 1989 وسلمه له العقيد القذافي …وحصوله على أفضل عمل إبداعي في مجال القصة القصيرة عن مجموعته القصصية (البحر لا ماء فيه ) من اللجنة العليا للآداب والفنون ..وغيرها الكثير …
قرأت الرواية للمرة الأولى وأنا بالصف الثاني الثانوي ..وعاودت قرأتها ثلاث مرات متتالية ..وفي كل مرة كنت أجد فيها رؤية إنسانية جديدة..وكانت هديتي المفضلة في تلك الفترة للأشخاص المميزين عندي …

تمتاز الرواية بالسرد الممتع والسلس ..المليء بالأحداث المترابطة ..المشوقة ,,التي ترغمك على عدم ترك الكتب الثلاثة حتى تلتهما كوجبة لذيذة من البداية للنهاية …وتحصل خلال ذلك على متعة لا نظير لها تماثل متعتك بالنظر إلى لوحة جميلة تحمل من المشاعر والملامح والأفكار ما تحمل من جمال وفن وذوق …ولا تشعر خلال قراءتك لها بأي ملل أو سأم …وتجد في الرواية انسيابية تامة وشفافية مطلقة …رواية تجعلك بعمقها ..تحلل وتفكر وتستنتج وتتعاطف ..وتحب …وأحيانا ……….تبكي ؟؟؟؟!!!!
وظهرت في هذه الثلاثية قدرة الفقيه في السرد الروائي الحديث .. وتمكن الكاتب من شدنا لشخصية خليل الإمام وبحثه عن الزمن الذي لا يأتي تارة في الغوص في استرجاع ذكريات رحلته لأوربا للحصول على الدكتوراه في رواية (سأهبك مدينة أخرى )وتارة أخرى في الحلم باليوتوبيا والمدينة الفاضلة المثالية في رواية ( هذه تخوم مملكتي ) وتارة ثالثة بالحلم بقصة حب مختلفة في رواية ( نفق تضيئه امرأة واحدة ) .
في الجزء الأول من الثلاثية نقرا في نفسية خليل الإمام ذلك الرجل الشرقي الذي ذهب للغرب بمفاهيم وأفكار وقيم معينة …ثم هناك يظهر الجانب الخفي من شخصيته ..الجزء المخبئ خلف قناع فرضه عليه المجتمع …ونرى في سرد مشوق ماذا يحدث عندما ظهرت شخصية هذا الرجل على حقيقتها ونرى خلال هذه الأحداث الصراع وأوجه الخلاف بين الشرق المحافظ والغرب الذي يصل لحد الانحلال غالبا …
وتمتلئ الرواية بجمل عميقة تغوص في النفس البشرية وتحللها وتكتشف مواطن القبح والجمال ..الخير والشر ..الضعف والقوة ..مثل ..
((تسطع فى قلب الظلام أضواء مدينة بعيدة . وأستعيد مع تراتيل الموج ذكرى تلك الأيام التي
حاولت أن أمحوها من تاريخي . فإذا بها تطفو على سطح الذاكرة ، حلقة من حلقات زمن بهيج تقوض وانتهى . أملأ صدري من هواء البحر وأنا أحس بشيء من الارتياح لأنني منحت ذاكرتي مدينة أخرى تهرب إليها ، من قسوة المدن التي تطاردها رياح الصحراء))
وهنا يصف البطل ليندا ..المرأة الغربية التي أحبها بدفء وعاطفة العربي ..وحرارته
((السوية . وما أن جاءت ليندا ، حتى أذابت هذا الإحساس . كشطت كل الأتربة التي
تراكمت فوق الأنسجة والخلايا ، وطردت الأشباح التي تنوح في خرائب الروح . عاطفة ساخنة ،تبخرت معها الهواجس والتحفظات ، وتهاوت تلك الأسوار التى نقيمها حول أنفسنا لكى لا ينتهك الآخرون شيئاً ثميناً

ايوب صابر 12-08-2011 08:58 AM

أحمد إبراهيم الفقيه
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
(مواليد 28 ديسمبر1942). كاتب وأستاذ جامعي ليبي في الأدب العربي الحديث، يقوم بالقاء المحاضرات في عدد من الجامعات الليبية والمصرية والمغربية وله ترجمات لعدد من الأعمال الأدبية إلى لغات متعددة.
ولد أحمد إبراهيم الفقيه في 28 ديسمبر 1942 في بلدة مزده جنوبي طرابلس، ليبيا. غادرها إلى طرابلس حيث درس ليحصل لاحقا على درجة الدكتواره في الأدب العربي الحديث من جامعة إدنبرة في إسكتلندا.
بدأ ينشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية بدأ من العام 1959، اتفوز مجموعته القصصية "البحر لا ماء فيه" بالمركز الأول في جوائز اللجنة العليا للآداب والفنون بليبيا. عمل في عدد من المؤسسات الصحفية كما عمل سفيرا لليبيا في أثيناوبوخارست.
مؤلفات</SPAN>

صدر له ما يزيد عن ثلاثين كتابا، بعضها صدر في طرابلس وبعضها الآخر عن كبرى دور النشر العربية. زمن مؤلفاته:
  • الجراد
  • فئران بلا جحور
  • حقول الرماد (1985)
  • الثلاثية الروائية (1991)

==
الكاتب الدكتور أحمد إبراهيمالفقيه
• ولد في مزدة عام 1941م ودرس المرحلة الإبتدائية والإعدادية ثم انتقل إلى مدينة طرابلس لإستكمال دراسته.
المناصب التي تقلدها :
• ترأس تحرير صحيفة الأسبوع الثقافي التي صدرت في بداية السبعينات وهي أول صحيفة ثقافية عربية متخصصة تصدر في الوطن العربي وتوقفت في بداية الثمانينات.
• تولى رئاسة تحرير مجلة الثقافة العربية وأمانة رابطة الأدباء والكتاب.
• تولى إدارة الفنون والآداب وكذلك المعهد الوطني للتمثيل والموسيقى وهي المؤسس لفرقة مسرح المسرح الحديث.

مؤلفاته:
1- مجموعة قصصية بعنوان (البحر لا ماء فيه) وهي القصة الحائزة على الجائزة الأولى للآداب عام 1965 ثم رواية فئران بلا جحور في عام 1967
2- أربطوا أحزمة المقاعد – دار الكتاب اللبناني بيروت 1968م.
3- اختفت النجوم فأين أنت ؟ - طرابلس – تونس – الدار العربية للكتاب 1976م.
4- أمرأة من ضوء – طرابلس الدار الجماهيرية 1985م ورواية حقول الرماد الصادرة عام 1985.
5- مجموعات قصصية – طرابلس الدار الجماهيرية 1981-
6- مرايا فينيسا – القاهرة دار الشروق 1997م
7- الثلاثية الروائية (سأهبك مدينة أخرى - هذه تخوم مملكتي – نفق تضيئه إمرأة واحدة) ترجمت إلى الانجليزية تحت عنوان (حدائق الليل) نالت شهرة واسعة ، وفازت بجائزة أفضل عمل إبداعى من معرض بيروت للكتاب ، وترجمت إلى عدد من لغات العالم لتضع اسم ليبيا على خارطة الأدب العالمى .

==

أحمد إبراهيم الفقيه

أديب ليبى كتب القصة القصيرة والرواية والمسرحية والمقال. ولد بقريرة مزدة (جنوب غرب طرابلس بمائتى كليو متر) فى 28 ديسمبر 1942 وترك القرية مع أبيه وعمره خمسة عشر عاما إلى طرابلس حيث عمل أبوه فى التجارة وكان أبوه يأمل أن يراه مثل جده الفقيه الذى كان مدرسا فى القرية وترك مؤلفات مخطوطة احترقت فى إحدى الهجمات الإيطالية على المدرسة القرآنية (التى كان يعمل بها مدرسا) وحقق لأبيه مجد الشهرة الذى كان يتمناه وذلك بنبوغه فى الأدب فكرمته الدولة بالجائزة الأولى للقصة عن مجموعته القصصية الأولى (البحر لا ماء فيه) عام 1965 م.
والتحق بالمعهد الدولى للتنمية المجتمعات التابع لليونسكو بالقاهرة عام 1962م وبعد حصوله على المؤهل سافر إلى انجلترا للحصول على درجة الدكتوراه فى الأدب الحديث من جامعة أدنبرة وكان ذلك فى الخامسة والعشرين من عمره عام 1967 .
وبعد عودته تولى مناصب ثقافية عدة منها انه عمل مديرا لإدارة الفنون والآداب فى ليبيا ومدير للمعهد الوطنى للتمثيل الموسيقى ورئيسا لتحرير الأسبوع الثقافى ورئيسا لتحرير مجلة الثقافة العربية وعمل مستشارا اعلاميا فى السفارة الليبية بلندن عام 1976 وحاز على عدد كبير من الشهادات التقديرية أرفعها وسام الفاتح العظيم فى مجال الانجاز الأدبى فى مجال الانجاز الادبى من أشهر أعماله فى مجال الرواية حقول الرماد عام 1986 والثلاثية عام 1991م وفى القصة القصيرة البحر لا ماء فيه عام 1965 واربطوا أحزمة المقاعد عام 1968 واختفت النجوم فأين أنت ؟ عام 1974 ومرايا فينسيا وخمس خنافس تحاكم شجرة عام 1997 م ومن أعماله المسرحية مسرحية هند ومنصور عام 1972 ومسرحية الغزالات عام 1984 إضافة إلى كما هائل من المقالات الاجتماعية والسياسية نشر فى صحف ليبية وعربية عدة جميعها فى كتب منها (كلمات من ليل سليمان) عام 1979 كما كتب العدد من الكتب النقدية والخواطر مثل (معارك الغد) 1975 وتجيئين كالماء وتذهبين كالريح 1979 والصحراء وأشجار النفط 1980 وأبناء الماء وأبناء النار 1982م وبدايات القصة الليبية 1984م وشوف الأجنحة إلى الرحيل 1985 والبحث عن ليلى العامرية 1987 انظر مجلة العربى العدد 483 فبراير 1999 وجها لوجه حوار أجراه مع الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه الدكتور الهادى عبد العلى حنيش من ص 68: 75 وانظر د . صبرى حافظ تقنيات القصة القصيرة لدى احمد إبراهيم الفقيه سلطة الخيال التعزيمية مقدمة مجموعة مرايا فينسيا ط دار الشروق ط1 1997 ص11.


ايوب صابر 12-08-2011 08:59 AM

الروائي أحمد الفقيه ينقش ليبيا في خرائط روحه
لندن- فيحاء السامرائي- 7/1/2011 - أقام غاليري آرك في لندن، أمسية إحتفاء بالروائي أحمد ابراهيم الفقيه، تحدث فيها بكل تواضع، عن صرح أدبي ملحمي تمثّل في رباعيته (خرائط الروح) (2007)، راسماً فيها بريشة أديب بارع، تاريخاً أدبياً موثقاً لبلاده ليبيا، من منتصف الثلاثينات حتى منتصف الخمسينات، تلك الرواية الإثنى عشرية، التي وسمت بدراما الحب والحرب، والتي بلغت صفحاتها ثلاث آلاف صفحة...
وقبل أن يتحدث عن عمله وشاهق معماره الأدبي، وموضوعة ذلك العمل النازعة الى تجسيد واقع عاشته بلاده في مرحلة تاريخية متقلبة، مزح الفقيه عند تقديمه قائلاً:
- يا أخي قل عني أنا غني عن التعريف وكفى...
غير أن جمهور الحاضرين لم يكتف.
سلّط الروائي الفقيه في بادئ كلامه الضوء على طبيعة روايته، التي لا ترتكز على عرض جامد لوقائع تاريخية حدثت في تاريخ بلاده في مرحلة ما، بل جعلت من ذلك التاريخ حاضنة لفكر كاتبها وخياله، واتكأت على أحداث وقعت لفترة عشرين عام من تاريخ ليبيا الحديث، زمناً مفعماً بصراعات وتقلبات، واحتلال أجنبي ومقاومة شعبية... أما تجنيس الرواية وجعلها رواية تاريخية، فانه يظلمها، لانها لا تحمل وقائع وحقائق بسردية مرتبة في عقلية وسطور لمؤرخ، بل تكتنز برؤى وانفعالات كاتب فنان ينطلق من واقع حاصل دون تزييفه أو اسقاطه، يحلّق عالياً في فضاءات لغة وخيال، يتماهيان مع روح منبعثة من أرضه وناسها، فيدمج بصورة متناغمة وببراعة فنية، بين الحدث التاريخي والسرد الروائي، لتكون بالتالي تضاريس لروح ليبي، مسكون بعشق أرض نشأ عليها وصحراء تمرغ على رمالها...انها ملامح طاغية وواضحة، ترسّخ ذاكرة المكان و تأثيره سلباً وايجاباً على بني البشر، وتسرد تاريخ وتراث وعالم وتقاليد وأساطير وثقافة وذائقة شعب عربي، وطبيعة وحجم مشاكله، كل ذلك في محيط أفريقي.
تمتد خرائط الروح في 12جزء، كل جزء يتكون من أربع وحدات وكل وحدة تتألف من ثلاث روايات، وكل جزء يشّكل عملا قائماً بحد ذاته، يتمكن القارئ من قراءته مفرداً، أو يتواصل معه ليعرف المزيد عن حياة بطله ومراحل تاريخه وتطوره وخلاصة ذاته،
الوحدة الاولى، هي روايات (خبز المدينة، أفراح آثمة، عارية تركض الروح)،
والثانية ( غبرة المسك، و زغاريد لأعراس الموت، وذئاب ترقص في الغابة)،
والثالثة ( العودة الى مدن الرمل، ودوائر الحب المغلقة، والخروج من المتاهة)،
و الرابعة ( هكذا غنت الجنيات، وقلت وداعاً للريح، و نار في الصحراء)...
كل جزء يحتوي على مرحلة من حياة شخصية الرواية الأولى(عثمان الشيخ) ، بين أفراد قبيلته، ثم انتقاله للمدينة واندلاع الحرب العالمية وانخراطه في حياة عسكرية مع محتل، ونزوحه للحبشة، ورجوعه الى الصحراء وقيامه بمقارعة المحتل، ونهايته كبطل وطني بعد ذلك.
تتغير شخصية بطل الرواية (عثمان الشيخ) بين طيّات مديات الحدث الروائي، من شخصية قروي بسيط قضى جلّ حياته في صحراء، الى آخر ابن مدينة، ويؤثر المكان عليه فيخضع له، ينبهر بفضاء المدينة وعمرانها، وتتغير ملامحه النفسية بشكل متعرج واقعي، ليس كبعض الروائين الذين يصورون شخصيات أبطالهم بخط مستقيم وفي حالة نبل ونزاهة وشكيمة دائمة، بل يبلورها بمديات انسانية طبيعية، فيها ضعف يصل حد الخضوع، وعلاء حتى التضحية، كما طبيعة النفس البشرية حينما تُوضع في واقع مختلف ومتنوع، وتُضغط بين رغبات وأحلام وإغراءات وطموحات متاحة أو ربما عصية...
يتأرجح البطل بين ازدهار ونكوص، وانكسار وانتصار، بين هبوط وارتقاء، وجمال وقبح، مثقلا بمحن وأزمات ذاته أينما حلّ...ترافق ذلك فترات شرود نتيجة فقدان قدرة على اتخذا قرارات جوهرية...عثمان الشيخ أو الحبشي، انسان قد نجده في داخل أي منا في فترة ما، فيه بذرة خير تثمر لما يلتحق بالمقاومة، ونزعة شر لما تنبذه قريته أو حين يتجند مع المحتل...ليس هناك مطلق لحالة شر أو مطلق لحالة خيرفي عالمه الرحب...حالة انسحبت حتى على المحتل، متمثلة بشخصية بالبو الطلياني...
أن عثمان، كما وصفه نقاد، بطلاً إشكالياً تراجيدياً، تقلّب بين الوصولية والواقعية والبراغماتية، يحب ويرحل ويتغرب ويتطور فكراً ويتحول من حال الى حال، تتنقل روحه بين تكوينه الأول كقروي بسيط في قرية لا وجود لها على أرض الواقع، وفي بيت مهجور يختلي فيه، وفي تعليمه للقرآن وعشقه للمرأة الزنجية، وبين هروبه الى الحبشه، وتجنيده وبعد ذلك انسلاخه عن كل ذلك وارتباطه بالمقاومة الشعبية، وتالياً موته شهيداً تخلد الناس ذكراه، كل ذلك بصورة ذات ألوان متغيرة ومتمازجة...
أنه ضمير ليبيا وناطق حي لسيرتها الوطنية، بطل عالم صحراوي ثرّ بحركته وأصالته، زاخر بحركته وبطولاته اليومية، بعيداً عن بطولة الفرد السوبرمانية الخارقة، المتفرد بذكاء وتميز عن الآخرين...تكتنفه لحظات ضعف انساني وتعثرات وأزمات أخلاقية وروحية، تتماثل مع ما تمور به حياة الكثيرين منا، للحد الذي نتعلق فيه بنجاة شخصية لنا على حساب آخرين...
الروائي الفقيه يلجأ الى تنويعات اسلوبية في أغلب أعماله الأدبية وفي الخصوص في الاثنى عشرية، فيستخدم تقنية الرواية البولوفونية، في اللجوء الى الضمائر المتعددة من مخاطب ومتكلم وغائب، وتعدد رواة الحدث وسارديه، صوت شيخ أو إمرأة صحفية، بغرض الابتعاد عن ميكانيكية مملة، وتكسير لايقاع معيب ولرتابة مضجرة، نظراً لكثافة العمل وطوله... والحبكة اتخذت طريقاً متصاعداً حيناً، وحيناً آخر منفرجاً، يهبط بحسب الحدث، وببراعة متمكنة من أدواتها الفنية، الشيء الذي جعل أكثر من ستين ناقد وكاتب، يقّيمون تلك الأعمال برصانة وموضوعية، وينعتونها بالرواية الملحمية، لما يكتنفها من حدس مبهر ورؤيا بعيدة، وحلم فانتازي يلازم السرد واستراتيجيته وعناصره.
ويذخر عمل الفقيه الملحمي برموز ودلالات غير مقحمة بافتعال أو صنعة، فالذهاب الى الصحراء، دليل على الرغبة لإكتشاف الذات في بيئة نقية، والصحراء ترمز في الوقت نفسه الى الجذر الذي نبع منه الانسان الليبي والبطل عثمان نفسه، وشكّل ذلك الهروب ضرورة تدل على ابتداء مرحلة جديدة من تكوين شخصية عثمان متمثلة بالتطهر والبداية السليمة، تكللت بتكوين فكر ثوري لديه، يقوده الى وضوح رؤية، واختيار درب لا بد منه، كما وتشيرالى انطلاق المقاومة من هناك، من الجذر والأصل.
ويعزو الروائي عدم ازدهار الرواية في بلد مثل ليبيا الى كونها مجتمعاً بدوياً سريع التنقل، يتلاقى أفراده عند بئر ماء، أو خيمة أو في واحة صغيرة، أو قرب موقد نار، يتبادلون مع بعضهم نزر الكلام ويرحلون...انه مجتمع قصة قصيرة أكثر منه مجتمع رواية الذي من شروطه، حسب ما ذكره الروائي، أن يكون مجتمعاً مدنياً، وربما هذا هو السبب في جعل ليبيا "بلداً مجهولاً أدبياً" كما أوضح نقّاد، فالمدينة وعمرانها وثقافتها حديثة وطارئة الى حد ما، على المجتمع الليبي، والصحراء هي عمق البلد وروحه، وسلطة القبيلة متوارثة منذ القدم...وهذا أيضاً قد يكون أحد أسباب بروز أسماء لروائين من خارج البلد أو مدينيين خلّص كابراهيم الكوني، وخليفة حسين مصطفى وصالح السنوسي، كما وأن عالم الرواية بنظره يتمثل بالكيف وليست بكم المؤلفين وعددهم في بلد ما.
سأل الحاضرون الروائي القدير أحمد الفقيه، عن مرجعية نصّه وهل ولادته كانت من رحم سيرة ذاتية له، أم من سعة تبصر وموسوعية معرفة، بكل ما يخص بلده من أحداث وتاريخ ومعرفة بانورامية دقيقة ممزوجة بخيال لكاتب موهوب،
ورجّح الفقيه العامل الثاني...أما أين هو مِن بطل روايته عثمان، فأجاب انه في روحه وفي خرائط خيال وحس مبثوثة في النص وأحداثه...واستطرد الروائي مرة أخرى الى موضوعة الرواية التاريخية ورواية التاريخ والفرق بينهما، مشيراً الى أمثلة من أدب عربي كمدن ملح عبد الرحمن منيف وثلاثية نجيب محفوظ، التي ترسم بأنامل من زهر، بورتريه خالداً للمجتمع المصري في وقتها، مقارناً بها بأعمال جرجي زيدان التاريخية، وكذلك الأدب العالمي، كوولتر سكوت في اسكتلندا...
وعن سؤال تعمد حجم المنجز الأدبي، وخطة سبقت كتابته، قد تكون نشأت في باله عن طوله، يجيب الفقيه بانه لم تكن لديه سابق نية في جعل جحم الأثنى عشرية بهذا الطول وبهذا العدد الهائل من الصفحات، بل جاءت دون تخطيط وبدون سابق نيّة حتى انتهت الى هذا الشكل...
وتطرق الفقيه بعد ذلك الى أسماء لامعة في أدب القصة القصيرة في ليبيا كبشير الهاشمي وعبد الله الكَويري، وأعطى صورة مختصرة عن المقاومة الشعبية الليبية ضد المحتل، ولأساليب وقواعد أخلاقية تميزت بها، وأورد أسماء قادة لها، مروراً بعمر المختار حتى بشير السعداوي ورمضان سويحلي والشيخ علي مصراتي وغيرهم الكثير، ممن خلدهم نضالهم في تاريخ وطنهم ليبيا.
يتميز الروائي أحمد الفقيه بآراء راقية وحضارية يتبناها ويؤمن بها، وبشخصيه المثقف الحقيقية بتواضعه، رغم سعة معرفة وعبقرية خيال وجموح حلم وإشراقة أمل، تفوح بها أعماله التي، كما ذكرت عنها صحيفة الغارديان، بانها
" تبعث على الاحساس بالعبقرية"، ويشبّهها البعض بروايتي الحرب والسلام و الدون الهادئ ...
ينهل المؤلف من قواعد الجماعة والمجتمع، غير انه لا يحبس روحه فيها، ولا يستهتر بها أيضاً...يحترم ويعشق المرأة ويكتب عن لسانها باعتبارها حجر أساس في كل مجتمع ينشد رقياً...يعتبر الثقافة ركيزة جوهرية في نهوض أية أمة...يستوعب باهتمام وعدم انزعاج، آراء نقاد لمّحوا الى هنّات في عمله، كاسهاب في وصف يؤدي الى بطئ في انسيابية سرد...ويوغل في التواضع وهو صاحب جهد مكثف لجدارية أطول عمل أدبي، رغم أنه ينوّه بأن طول الرواية ليس بالضرورة دليلاً على جودتها وقيمتها...الاّ ان ابداع الفقيه يؤشر الى قيمتها وليس الى طول نتاج أدب وزمن عشر سنوات كتبها فيه، ناهيك عن مؤلفات عديدة أخرى له، تندرج في مجال الرواية والقصة والمقالة والمسرح، وكتب يترجمها، و درجات وشهادات علمية عالية نالها، ومجلات وصحف أدبية يكتب فيها، ومجالس ثقافية يترأسها...ومازال نشاطه متواصلا في الكتابة، ويكتنف تركيبته ونفسه حب لوطنه وللإنسان وللغناء، كما قال:" أجمل الأوطان وطن تزدهر فيه الأغاني".
بامكان القارئ الاطلاع على أعمال الروائي ألكترونياً من خلال موقعه
www.ahmadfagih.com*

أو الحصول عليها من ليبيا بوكس.

ايوب صابر 12-08-2011 09:01 AM

السيرة الذاتية للأديب الليبي د.احمد ابراهيم الفقيه



الكاتب العربي الكبير الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه ولد في مزده جنوب طرابلس في ليبيا في 28/12/1942م وأكمل تعليمه الجامعي وتحصل على درجة الدكتوراه من بريطانيا من جامعة أد نبره وكانت أبحاث دراسته عن الأدب العربي الحديث.
هو أحد الكتاب العرب المعروفين والذين قدموا مساهمات كبيرة في القصة والرواية والدراسات العربية المختلفة، وقدم العديد من الدراسات والأبحاث الهامة في الندوات والمؤتمرات ذات الاهتمامات الأدبية، وهو لا يزال يشارك فيها ويعمل من أجلها.
ولا تتوقف إبداعات الدكتور الفقيه على الكتابة والرواية بل كتب بعض المسرحيات وأخرجها وكان بعضها يعرض في لندن، وقد نال في عام 1991م لقب أديب العالم العربي، ونال العديد من الجوائز على أعماله الأدبية وخاصة ثلاثيته المشهورة التى ترجمت إلى اللغة الإنجليزية تحت مسمى " حدائق الليل ". كما نال جائزة أحسن عمل فني في معرض بيروت الدولي للكتاب.





كرمته الحكومة الليبية بالعديد من الميداليات والأوسمة تقديرا له ولأعماله الأدبية وإبداعاته الفنية المتعددة. وقد قامت عدة أبحاث دراسية على أعماله الأدبية في كبرى الجامعات العربية في مصر وليبيا والمغرب.


بدأ النشر في الصحف الليبية منذ عام 1959
أول كتاب أصدره هو المجموعة الفصصية الفائزة بالجائزة الأولى في كتابة القصة القصيرة من اللجنة العليا للآداب والفنون في ليبيا عام 1965
توالى بعد ذلك انتاجه الادبي فاصدر في مجال الرواية والقصة القصيرة والمسرحية والمقالة الادبية ما يزيد عن ثلاثين كتابا و خمسة وعشرين كتابا في مجال القصص للفتيان، ويواصل مقالاته في الصحف، فهو يكتب بانتظام في صحيفة الاهرام بابا اسبوعيا هو كل خميس كما كان يكتب في الشرق الاوسط بابا يوميا كل يوم .
تولى مسئوليات قيادية في المجال الثقافي حيث كان رئيسا لتحرير مجلة الثقافة العريبة، التى صدرت في بيروت، وصحيفة الاسبوع الثقافي في ليبيا.
كان مديرا لادارة الاداب والفنون وعميدا للمعهد الوطني للتمثيل والموسيقي
مؤسس رابطة الادباء والكتاب الليبيين
شارك في عشرات المؤتمرات الادبية في مختلف دول العام وحاضر في عدد من الجامعات العربية والاجنبية
قامت جامعات كثيرة باعداد ندوات عن اعماله الادبية في لندن وبكين والقاهرة وطرابلس وبيروت والرباط وبراغ وغيرها. ترجمت أعماله الى عدد من لغات العالم فله باللغة الانجليزية ثمانية كتب وهناك كتاب تاسع تحث الطبع وهي. الثلاثية الروائية/ سأهبك مدينة اخرى/ نفق تضيئه امرأة واحدة/ هذه تخوم مملكتى/ وهناك رواية حقول الرماد . ومجموعة مسرحيات: الغزالات ومسرحيات اخرى وثلاث مجموعات قصصية... وهناك رواية (فئران بلا جحو ).
قدمت مسرحيات الغزالات وزائر المساء على المسرح في بريطانيا . تولى الكاتب رئاسة تحرير مجلة صدرت في لندن باللغة الانجليزية هي مجلة azure. وقد ترجمت الثلاثية وحقول الرماد الى الصينية ايضا وهناك كتاب صدر في الصين عن الكاتب بعنوان احمد الفقيه والادب الليبي المعاصر.
صدرت عنه كتب باللغة العربية لكل من الدكتور عبد الحكيم شعبان والاستاذ فاطمة الحاجي والاستاذ عبدالحكيم عامر الاول بعنوان الرؤية والحلم في ادب احمد ابراهيم الفقيه.
والثاني اطروحة جامعية عن الزمن في الثلاثية والثالث اطروحة جامعية عن المأثور الشعبي في الثلاثية وهناك ثلاثة كتب اخرى شارك في كتابتها عدد من الكتاب ...



قائمة بأسماء الكتب والروايات والدراسات التي ألفها الدكتور أحمد إبراهيم الفقيه :
البحر لا ماء فيه
اربطوا أحزمة المقاعد
اختفت النجوم فأين أنت
امرأة من ضوء
مرايا فينيسيا
خمس خنافس تحاكم الشجرة
سأهبك مدينة أخرى
هذه تخوم مملكتي
نفق تضيئه امرأة واحدة
حقول الرماد
فئران بلا جحور
شوق الأجنحة إلى الرحيل
هند ومنصور
الغزالات
غناء النجوم
لعبة الرجل والمرأة
كاتب لم يكتب شيئا
معارك الغد
تجيئين كالماء وتذهبين كالريح
كلمات من ليلى سليمان
البحث عن ليلى العامرية
أبناء الماء و أبناء النار
بدايات القصة الليبية القصيرة
العودة الدائمة إلى خانة الصفر
هاجس الكتابة
حصاد الذاكرة
تحديات عصر جديد

ايوب صابر 12-08-2011 09:03 AM

حوار مع الروائي العربي الكبير ... احمد إبراهيم الفقيه



حاوره : كـريـم الـهـزاع
لا شك في أن الكثير يعرفون الروائي الرائع الدكتور احمد إبراهيم الفقيه من ليبيا . أديب مثل هذا قدم الكثير للأدب العربي و اشهرها الثلاثية التي اثارت الكثير من التساؤلات في الوسط الثقافي حيث الصراع النفسي الذي يعيشه المغترب و استلابه من الحياة عبر اختلافات الشرق و الغرب ومحاولة البحث عن حالة التوازن.
و قد اسهم أيضا في النقد حيث كتب كتاباً نقديا باسم هاجس الكتابة تحدث به بشكل مثري عن تكوين الكاتب و كيف يمارس الكاتب فعل القراءة و الكتابة و الابداع
• بماذا تشعر أثناء الكتابة و أثناء ولادة العمل ؟
- الحقيقة هذه قضية تختلف من مرحلة إلى مرحلة و من عمر إلى عمر، كلنا ابتدأنا هواة ، كنا نكتب تحت إلحاح الشعور بأنه عندك شيء تريد أن تقوله أو قصة تريد أن تكتبها، و أعتقد أن هذه اللحظة تنمو مع العمر والتجربة وتصبح الكتابة بالنسبة لك نوع من المهنة تمارسها يومياً، و أيضا تتعامل مع أشكال أخرى من الكتابة غير الأشكال المعتادة سواء كانت قصة أو رواية أو شعر.. ، يبقى تنظيم الوقت والاستعداد الدائم للكتابة جزء من عملية الحرفية في الكتابة فتأتي لتمارس الكتابة كل يوم مثل ما يفعل نجيب محفوظ و غيره من الكتاب ، فالكتابة عمل يومي بالنسبة لي و ليست مجرد استجابة للحظات الإلحاح التي تأتي بعواطف مجهولة و بالنسبة لي الآن جزء من نهاري و ليلي ، و ليس شرط بالنسبة لي أن اكتب في الوقت المخصص للكتابة حيث إنني قد أقرا أو اكتب أعمدة صحفية و ما إلى ذلك ، و اعتقد عندما أمارس الكتابة لفترة طويلة من الزمن تكون عندي عادات تكبر معي و تصبح جزء من برنامجك اليومي فتعد نفسك لهذه المهنة و ليس بانتظار الوحي و الإلهام لكي يأتي ، و هناك فترة من الوقت تتغير فيها كتابتك لأنك كرست حياتك و انتظمت لهذا الطريق، و صرت ملك للكتابة و تحت سيطرة هاجس الكتابة .

• هل نحن كحركة ثقافية عربية على وعي بما يدور في العالم من حولنا ؟
- اعتقد أن دورة الوعي تزداد كل يوم و في العالم من حولنا، ليس طواعية و ليس اجتهاداً وليس استجابة لإلحاح، أما نحن مرغمين، الآن العالم يطاردك بإحداثه نتيجة للثورة الكبرى في التقنية الإعلامية ، تقنية الاتصالات التي جعلت أحداث العالم تصل إليك وقت حدوثها تنقلها إليك بالفضائيات العربية و الصحيفة المطبوعة عشرات الأماكن في نفس الوقت و بالكمبيوتر والإنترنت ، فالآن كله متاح أمامك، و اعتقد أن شبكات مثل الإنترنت أنهت بالضرورة احتكار المعلومة ، الآن هذه الشبكة وسيلة يملكها كل الناس فبمثل ما تلقى كلام عن دولة من الدول حتى لو كان نظامها فردي دكتاتوري ما يمنع صدور المعلومة تلقى أيضا ناس معارضين لها ،
• في زمن السرعة هل ستفقد الرواية بريقها ؟
- إطلاقا ، بل هي تزداد قوة، لأن الرواية بعكس كل الإبداعات فهي ارتبطت بالتطور، كلما تطورت المجتمعات على مدى الزمن ارتبط هذا التطور بالرواية والنشر فتبقى الشعورية فطرية لا تحتاج لتعقيد ولا لتراكيب، فالإنسان بالمراهقة كتب الشعر وأؤكد لك أن شعراء كثيرين بدأ قوياً ثم فقد قوته، فالرواية تحتوي على تركيبة ذهنية وليس فقط شعورية، فجاءت الرواية تاجا لكل العصور وستبقى فهي لم تنتهي إلى الآن ولن تنتهي، فكما يحتاج الإنسان للراحة يحتاج للرواية. فالرواية تخاطب الوجدان و الوعي و هي تغني الأدب و لا غنى عنها .

• هل تأثر الرواية على حياتك الخاصة ؟
- جداً، جداً، فهي أرقى هبة تسعدني في الحياة و هي نعمة من الواهب. و هي اجمل رفاهية لي و لأولادي، فالكتابة تحتل جزء كبير من الحياة و العقل. أنها صدى المجتمع بصوت الكاتب .

• من أين تستمد روح الكتابة ؟
- سؤال مهم ، أولا : الكتابة تأتي مبكرة دون وعي و تجد نفسك في طريق الكتابة واستجابة لنداء الوعي و الفطرة فجأة، و لكن هذا لا ينفع وحده، فهناك موارد كثيرة أخرى:
- فإحساس هذا الإنسان الكاتب بمآسي الشارع هو من أحد الدوافع. انه الحس بالمسؤولية و هو دافع العمل وهناك دوافع نفسيه أخرى . المتعة بالإحساس براحة، فالكاتب كلاعب السيرك لا يقفز في النار هكذا فقط بل للمتعة أيضا،واللعب بالحياة و كلماتها كذلك،وهناك عامل ضعيف موجود في الدول العربية و هو أن الكتابة مصدر للرزق، فالكتابة باعتقادي ليس لها مكاسب صراحة في الوطن العربي، وحتى لو كان كما يحدث في الغرب لا يجب ربط الكتابة بالمال أبدا، فمثلاً ماذا تقاضى شكسبير من أعماله الرائعة، و ظلم أن تحسب هذه الروائع بأموال البنوك وهناك مثال آخر مثل رسومات بانغو فهو منها لم يحصل إلا على أجرة لطبيب فقط .

• ما هو الأفضل لخلاص الإنسان : الديانة ، الوطنية ، القومية ، الفكرة ؟
- اعتقد أن الفكر الإنساني لكي يكون فوق الخيارات الأخرى ولكن ليحتوي و يتجاوز هذه الخيارات، فلا يكون متعصب بل يكون موف لمكان أو بلاد فنحن نرى الإنسان عندما يأخذ شيئاً من النعم مثل الزرع فيعبده إلى أن اهتد إلى الله ، إذا أن هذه الفكرة تحتوي الخيارات الأخرى ، فجوهر الدين واحد و التوحد الإنساني وبوسائل الاتصال أيضا للتواصل سيصنع المودة والتحاب وبهذه الطريقة تنتهي الحواجز الدينية والوطنية و....

• بعد هذا المشوار الطويل و الشهرة هل ما زلت تمشي في حقول الألغام و تحاول ضربالتابو؟
- حقول الألغام لا تنتهي في الكتابة باعتقادي فالذي يحدث أن الخبرة في الطريق تُظهر سهولة الرحلة، فنرى الكثير من الكتاب تضرروا مثل الجزائريين والإيرانيين بسبب الإشكاليات والحروب، ربما ثقة الإنسان بنفسه و لمساحة التي تتسع للرأي، و مع أننا مقيدين بقيود نحن العرب، يجب علينا أن ندخل العالم، لا أن نتأخر بسبب النزاعات العربية مما أخر العرب عقود وعقود، إذا يجب استنفار هذه القاعدة، و الإنسان لن يكون إنسان إلا بعقله، فأنا لا أخاف من اقتحام التابو، ومشي في حقول الألغام، و المساحة المتاحة للرأي تجبرنا على المشي في هذا الطريق .

• ما هو الشيء الذي يحسس الإنسان بذاته الحقيقية؟
- أنا اعتقد أن اثمن شيء هو الحرية ، بكل مستوياتها و ملامحها ، التي تتيح المعرفة و الاختيار، فحب الامتلاك و مصادرة الآخر تمسح شخصية الإنسان .

• أهم قرار اتخذته في حياتك؟
- لا ادري بالضبط . ربما الإنسان كل يوم له قرار فلا اعلم بالضبط . فكل يوم تتغير الأحداث والمصادفات . فقراري بالسير في طريق الكتابة قرارا مهم. فأنا قد كتبت في إحدى مقالاتي ، وكأنني ذهبت لمحطة القطار لأجد قطار جميل و مريح و سريع لكنه لا يوصلني للمكان الذي أريده أما القطار الآخر الرديء والبطيء يوصلني إلى ما أريده لذا استوجب علي ركوبه و أنا قصدت به طريق الكتابة بالنسبة لي .

• المقاومة بالحيلة باعتقادك ما الذي دعا هذا الإنسان للجوء لهذا الشعار؟
- أنها ضرورة بالحياة و هي تستخدم من بداية خلق الإنسان ، فمثلاً الإنسان كان في الغابة فاستخدم هذا السلاح لقتل العدو الآخر، و هو برأيي سلاح مشروع للإنسان ، لمواجهة التخلف و ما إلى ذلك ، و لتنوير الآخرين حتى .

• حدثنا عن المجلات الثقافية التي ساهمت في صدورها ؟
- الثقافة العربية صدرت في بيروت و لكن للأسف بمستوى ضعيف ، أما الأسبوع الثقافي فقد استمرت لأربع سنوات و أكملت لمدة عامان ثم توقفت ليس لقرار سياسي بل لأن البيئة الثقافية المحدودة لهذه الجريدة الأسبوعية خنقتها، و مسألة المساهمة و البحث عنها و مشاكل مع الدولة ، كل هذا صعبت المسألة جداً و للأسف صراحة توقفت و ليس عيباً أنها توقفت فهي عبرت عن مرحلة و اعتقد أنها أدت وظيفة أو شغل .

• تكلمنا عن الحيلة ، ما هي الحيلة التي نرتكبها لقراءة الكتاب الليبي في الوطن العربي والكتاب العربي في ليبيا ؟
- شكراً لك لهذا السؤال ، و أنا اعتقد أنها مسؤولية كل مثقف للمثابرة لخرق هذه المصاعب ، ويجب صراحة إيجاد وسيلة تواصل فهناك وسائل اتصال كثيرة لكن لا اعلم لماذا لا تستغل كثيراً ، يعني من مصلحة كل مثقف إيصال هذا الكتاب وهذا و هذا ، فمثلاً يطبع 1000 نسخة للكتاب العربي أما في الغرب فأن الكتاب تصل عدد نسخه إلى ملايين النسخ ، لذلك يجب أن نتضامن نحن المثقفين للتواصل مع بعضنا البعض .

• ما هو المعتقد الذي تمارس من خلاله الإيحاء لنفسك ؟
- هو جمال الأيام القادمة واتيان الأفضل في اعتقادي .

• يقول البعض كن واقعياً و لا تضيع الوقت في متاهة تمني الديمقراطية فماذا تقول أنت ؟
- أقول كن واقعيا واطلب المستحيل ، و أطلق لعنانك الخيال لك ولشعبك وامسك النجوم .

• ما هي القضايا التي ترى أنها تشغل الكتابة في الوقت الحالي؟
- القضايا المطروحة الآن منها مستمرة منذ زمن مثل الأصالة و المعاصرة، و الشرق والغرب، والقديم و الجديد، فهي رسالات مستمرة، فالحرية مثلاً يدفع لإيجاد المزيد منها، والشعبية والديمقراطية والبعد العالمي لما نقول ونفعل وهو الموجود كثيراً الآن، يجب مثلاً أن لا ننكر شيء مثل العولمة فنحن مرغمين بها، وأن لا نكون كالإنسان الذي يكره الشتاء فماذا ستفعل بكرهك؟ يجب أن يكون هناك أسلوب لحماية نفسك و معاملة بوجود وليس بالكره أو الحب .

• بعد هذا المشوار الناجح ما الذي يشغل احمد الفقيه ؟
- مواصلة الإنسان لعمله ومجاله الذي اختاره بأمانة وصدق .

• ما الخط الفاصل بين الطموح والوهم؟
- يجب بصراحة أن يكون هناك وعي ، مثلاً هناك كاتب عندما يكتب مقالة يعتقد أنها يجب أن تحدث تغيير في العقل العربي ، هذا هو الوهم المضر.

• لماذا توسعت دائرة ثقافة الأبراج و الشعوذة في العالم العربي كلما ازدادت التكنولوجيا توسعاً هل هو الانكسار أم الهروب من الواقع أو الخروج عن العصر و من هو المسئول ؟
- أنا مثلا عندما كنت في بريطانيا وجدت قاعات وجمعيات كبيرة للشعوذة أكثر من الوطن العربي ولكنها لها حرية محدودة وهي بصراحة ممكن أن تكون ملجأ أو شيء لمصارعة المحن، وطبعاً الترويج لهذه الثقافة التي سيطرت على أجهزة الإعلام له اثر كبير، فأغلب العرب يذهبون للمشعوذين أما عند الغرب فهم يذهبون للطبيب، أن الشعوذة ليست سيئة جداً ولكن الخطأ أن تكون عادة ملازمة .

• ما هو تقييمك للواقع الثقافي العربي اليوم ؟
- أنا اليوم متفائل جداً بهذا الواقع و أراه واقع صار يعالج القضايا السياسية والاجتماعية وغيرها ، المثقف مسؤول بالاندماج مع الواقع العربي ، اندماج كبير بكل مستوياته ومن مسئوليته معالجة هذا الواقع و مشاكله العويصة جداً .

• كيف يحب الإنسان و يبدع تحت وطأة هذا الاجتياح أو هذا الاستهلاك و في ظل تلك الضغوط؟
- نحن ذكرنا في البداية مسئولية المثقف و هو المسئول باعتقادي لقتل هذه الأشياء ، وهم يستطيعون قتل هذه الأشياء بحلول تبعد هذه الاستهلاكات .

• كيف يمكن تطوير حرية الإنسان وكيف نستطيع أن نشعره بهذه الحرية؟
- هذه القضية مقدسة ، ونحن نعاني منها ومن اكبر مثقفيها : طه حسين ، الشيخ محمد عبده من الجانب الديني وآخرون ، فيجب علينا أن ندافع عن الحرية وبكل تواجهاتها .

• أين يكمن الأمل ، وأين يوجد وكيف نقبض عليه؟
- في الدعوة للديمقراطية والحوار وترك الإنسان للأنانية ، وبالتعاون، فحين نقول حرية يعني تقديس الإنسان ، ديمقراطية يعني تقديس المسئولية ، تعايش أي تحمل الآخر والدعوة للحرية بكل جوانبها والأيمان بالآخر كونه جزء من الفكر العربي المعنى أن الحرية والديمقراطية يجب أن تحترم عند الجميع .

• كيف يتعامل المثقف مع المقدس والمدنس، والمسكوت عنه ، والمكبوت؟
- طبعاً حين ننادي بالحرية يجب أن نعالج واقعنا المريض تقريبا بما يلائمها أما المدنس يختلف من شخص لآخر، يجب أن نضعه في تعريف ، لماذا نخاف من المدنس إذا كان مذكور بالقرآن هل هو مقدس أما لا ويجب أن نعالجه بالفكر الفني والأدبي .

• كيف نتعامل مع الخطاب العرفاني أو الرموز و إذا قلنا أن الكلمات طيور فكيف يتم القبض على هذه الطيور؟
- أن الطيور هي تشبيه المبدع بالطائر الحر، فالطائر يعبر عن الحرية و التواصل مهما كانت الصعاب .

• هل تؤيد مقولة حوار الحضارات ؟
- حين ندعو للحرية ندعو للحوار، أن هذا الحوار بنية للحضارة و الحضارة بنية للحوار، انهما مرتبطان .

• هل على الكاتب أن ينسى ما كتبه لكي يواصل الكتابة؟
- التحدي الذي يواجه الكاتب ليس فقط أن عليه أن ينسى ما كتبه حتى لو كان يواصل الكتابة بشكل يومي منذ خمسين عاما، و لكن عليه أن ينسى أيضاً كل ما كتبه و كتبه الآخرون ، أن ينسى ملايين الصفحات المطبوعة التي تصدر كل يوم، ما وصل منها إليه ، و ما لم يصل . ويمضي في رحلته مع الصفحة البيضاء باعتقاد واحد هو أن يقول شيئاً جديدا ويقدم إضافة لكل ما سبقه من أفكار وكتابات، قد لا يكون هذا الاعتقاد صحيحا، و قد يكون فيما يكتبه صدى أو ترديدا أو تكرارا لآراء و أفكار و ابداعات أدبية سبقته، ولكنه لابد أن يمضي مع الكتابة و هو صادق في اعتقاده بأن ما يقوله ليس نسخاً و تكرارا لما سبق قوله، مؤمن بقدرته على الابداع و الابتكار و الاضافة. وإلا فقد أي مبرر لأن يمسك القلم أو يسطر كلمة واحدة. بل ولفقدت كل هذه الاصدارات الجديدة من كتب و مطبوعات مبرر صدورها، لأن جميعها تأتي بحجة أنها تضيف وعياً إلى وعينا تقدم و تقدم لنا شيئا جديداً يختلف عن كل ما سبق تسطيره من آراء و أفكارو معالجات . واذا كانت هناك موضوعات قديمة قدم الكون نتعامل معها ونعيد صياغتها وانتاجها، فإن هناك شيئا في الاسلوب والرؤية و طريقة التناول والمعالجة يجعل هذه الموضوعات القديمة مواضيع جديدة نقرأها فنحس بأننا ندخل تجربة جديدة وعالما جديدا برغم تشابه الموضوعات . و اذا أخذنا مثالا على هذه الموضوعات علاقة حب تنشأ بين رجل وامرأة ، فكم سترانا سنجد من القصص و الروايات و الحكايات و الاساطير و القصائد و الاغاني والمقالات التي تناولت هذه العلاقة ؟ كميات هائلة بدأت منذ أن بدأت الكتابة و الرواية الشفهية ، ولكن هل ينتهي الحديث عن هذه العلاقة لان تراث البشرية يمتلئ بقصص الحب و أشعاره ، سوف لن ينتهي بطبيعة الحال، وسوف لن تتوقف الاغاني التي تتحدث عن الحب أو القصص التي تصور مشاعر العشاق والمحبين، وبرغم اننا نحب اليوم بمثل ما كان يحب الانسان منذ بداية الحياة البشرية فوق الارض ، فإن كل كاتب أو فنان سوف يضيف شيئاً من ذاته و أسلوبه ورؤيته وخبرته ومعاناته وشيئا من قيم العصر الذي ينتمي اليه والبيئة التي يعرفها، الى هذه المعالجة التي يقدمها ، لتصبح شيئا جديدا ومختلفا عن المعالجات الاخرى ، وهكذا مع كل الموضوعات التي تتعامل مع حقائق الحياة الكبرى مثل الموت و الميلاد و الصراع من أجل المعيشة و البقاء، كلها موضوعات بدأت مع بداية رحلة الانسان فوق الأرض، و هموم شغلت البشرية منذ بدء الخليقة، و مع ذلك فإن ما نكتبه حولها من أدب سوف يستمر و يتواصل و يرافق مسيرة الانسان على مدى الدهر. وليس معنى ذلك أن هذا الاختلاف و التمايز بين نص و آخر معالجة و أخرى يأتي تلقائيا و دون جهد أو عناء، فما أكثر النصوص و المعالجات المتكررة المتشابهة التي تنسخ بعضها بعضا، ولكنها لا تكون ابداعا لأنها لا تبدع أو تبتكر جديدا و فقدت بالتالي أهم شروط الابداع . ولذلك فإن التحدي يبقى قائما يواجه الكاتب كلما أمسك بالقلم وأراد الكتابة و مع كل صفحة بيضاء عليه أن ينسى بأنه لا جديد تحت الشمس و يثبت أن هناك دائما لحظة هاربة لم يستطع أحد الامساك بها، سوف يسمى بقوة و مثابرة للقبض عليها و استحضارها، و ان هناك شيئا جديدا مدهشاً سوف يستخدم كل ملكاته و مواهبه للعثور عليه . يبدأ الكتابة و كأن ما سيقوله تدشين لعصر جديد من عصور التدوين.

ايوب صابر 12-08-2011 09:05 AM

الأديب الليبي أحمد إبراهيم الفقيه‏:‏ القذافي هددني بالقتل‏!
استطاع أن يهرب من مقصلة القذافي‏,‏ وأن يبدع بعيدا عن سمائه‏,‏ ويحتل مكانة مرموقة في أرض غير الأرض التي ولد فيها‏, وعبر رحلة طويلة وصعبة من الإبداع لم يترك لونا أدبيا إلا وكان له نصيب فيه, فاستطاع أن يخرج للمثقف العربي عشرات الكتب ما بين قصة ومسرحية ورواية إضافة إلي مئات المقالات التأملية والبحوث الأدبية والفكرية, وترجم العديد من أعماله إلي لغات عدة لتصل آفاقه الإبداعية إلي عواصم عالمية غير قليلة, فصار رمزا من رموز ثقافتنا العربية, وعلما من أعلامها, وصفت الجارديان البريطانية كتاباته بأن فيها شيئا من العبقرية, وقال عنه يوسف إدريس: إنه عبقرية قصصية وإنسانية لا اعترف بغيرها في عالمنا العربي, إنه الأديب والمفكر الكبير الليبي دكتور أحمد إبراهيم الفقيه, الذي نعود معه في هذا الحوار إلي رحلة طويلة في عالم الإبداع وذكرياته فيها, فإلي نص الحوار..

س- هل لنا أن نبدأ أولا بذكرياتك وتكوينك الإبداعي ولتكن البداية منذ مولدك بقرية مزده ؟
- بدايتي لا تختلف كثيرا عن بداية أي أحد في دولنا العربية, فأنا ولدت بقرية مزده عام1942, وهي قرية تقع علي تخوم الصحراء, وتستطيع أن تقول إنها واحة, وكانت تتميز بأنها حلقة وصل بين أهل البادية والعمران, حيث كانت تبعد نحو160 كيلو مترا جنوب العاصمة طرابلس, فكانت أشبه بالمركز التجاري, وكان مصدر رزق الواحة هو الاشتغال بالتجارة مع أهل البادية, إلي جانب بعض الموارد الأخري التي تعينهم علي الرزق كزراعة القمح والشعير وجني التمور, وكانت القرية تخلو تماما من أي متع الحياة,
ولم يكن المكان وقتها يساعد علي الاستمتاع بالحياة وممارسة ألعاب الطفولة الموجودة في البلاد الأخري أو توافر فرص للتعليم والتثقيف والتحصيل العلمي.
ولكن برغم ذلك كان أهم ما يميز القرية هو وجود فقهاء بها, وكانت عائلتي إحدي العائلات التي قدمت للقرية عددا من هؤلاء الفقهاء, أو ما يعرف وقتها بمعلمي ومحفظي القرآن, ولقبت عائلتي باسم الفقيه, وهذا اللقب لقب به جدي المباشر, وتصادف وقت اشتغال جدي بهذه المهنة أن حدث تطور في طريقة التعليم علي يد محمد علي السنوسي صاحب الطريقة السنوسية فأنشأ زاوية في مزده( مدرسة قرآن) بدلا من الطريقة البدائية في تعليم الأولاد تحت شجرة في العراء, بعدما وجد السنوسي البؤس والجهل والاحتياج يعم المجتمع الليبي, فبدأ بإنشاء الزوايا السنوسية بليبيا, وكانت مزده هي ثاني مركز لهذه المدارس, وصار جدي أحد مدرسي هذه الزاوية ثم أحد مسئوليها.


ولكن القدر لم يمهل جدي أن يعلم أولاده كلهم, وكان أبي أصغر أبنائه, فلم ينل حظه من التعليم إلا لماما, أي ما يعينه علي القراءة والكتابة, وتزامنت وفاة جدي مع مجيء الإيطاليين إلي ليبيا, فعمل والدي بالتجارة وأنشأ حانوتا اي محلا لبيع ما يحتاجه أهل البادية.

ثم أنشأ الإيطاليون مدرسة ابتدائية حديثة بالقرية, غير أن الناس انفضوا من حولها, نظرا لأن التعليم فيها كان باللغة الإيطالية, فخاف الناس علي أولادهم من هذا النهج, فلم يقبلوا عليها, حتي عدل الإيطاليون من طريقتهم لإغراء الأهالي فأدخلوا فيها المناهج العربية بجانب الإيطالية, وانتهي الأمر إلي أن صارت تعلم العربية فقط, وكان ذلك في أواخر الأربعينيات, وكانت المدرسة تقتصر علي المرحلة الابتدائية فقط.


هل تعتبر أن وفاة الجد شكلت مرحلة مفصلية في حياتكم ؟
لا أستطيع أن أجزم بذلك, ولكن كما قلت لك من قبل إن وفاة الجد تزامنت مع دخول الإيطاليين إلي ليبيا, فانصرف الناس عن التعليم نتيجة عدم الاستقرار, ومع ذلك فلم يتغير وضعنا أو مركزنا بالقرية, حيث كان عمي الأكبر هو شيخ القرية إلي أن اصطدم بالإيطاليين فعزلوه من منصبه.


كم استمرت فترة إقامتك بالقرية ؟
ظلت فترة إقامتي بالقرية منذ مولدي وحتي إتمام المرحلة الابتدائية, وهي المرحلة التي أعتبرها فترة التكوين الأدبي والإبداعي لي, واتذكر عام1949 وعمري7 سنوات أن بالمدرسة مكتبة لم أجد مثيلا لها حتي الآن, فلم يكن هناك كتاب للأطفال صدر إلا ويكون موجودا فيها, أو حتي أمهات الكتب, وهذه المكتبة أسهمت في تكويني الأدبي إسهاما كبيرا, وفي هذه الفترة كنت نهما للقراءة بشكل كبير, فأتذكر أني دخلت المدرسة وأنا أقرأ القرآن, وفي السنة الأولي بالمدرسة الابتدائية كنت أستعير كتبا كثيرة, لكامل الكيلاني, والمكتبة الخضراء التي كانت تصدرها دار المعارف, وروايات الهلال لجورجي زيدان, ثم بعد ذلك المنفلوطي, إلي ان وصلت في السنة النهائية وكنت قد قرأت كل الروايات التي صدرت من روايات تاريخ الاسلام وبدات أقرأ كتب احسان عبد القدوس ويوسف السباعي ومحمد عبدالحليم عبدالله أو ما يسمي بالرومانسية المصرية, ولعلك تندهش حين تعلم أن المكتبة التي كانت رافدا مهما في تكويني الأدبي لي ولغيري لم يعد لها اي أثر الآن لا الكتب ولا المكتبة, لا يوجد بها كتاب واحد علي الإطلاق.

- ذهبت إلي طرابلس وعمرك15 عاما فهل نعتبرها البداية الحقيقية لك ؟
الحقيقة أن ذهابي إلي طرابلس تأخر كثيرا, وذلك نظرا لظروف المكان, إذ كان يأتينا فصل الربيع محملا بالرزق وكان والدي يضطر إلي الاستعانة بي, وكان ذلك يتسبب في تركي الدراسة, وحدث ذلك في عامين, مما دفع مدير المدرسة إلي مناشدة والدي بتركي للتفرغ للدراسة وعدم التسبب في ضياع مستقبله, وذهبت إلي طرابلس عام1957, للبحث عن مدرسة بعد الدراسة الابتدائية, وكانت توجد المدارس التقليدية كالأعدادي والثانوي, ولكن في ذلك الوقت ونتيجة لحداثة الدولة الليبية أنشأوا معاهد لاكتساب مهارات إدارية وذلك لملء فراغ المؤسسات الإدارية المنشأة حديثا, فكان المعهد الفني التجاري, وتزامن ذلك مع عشقي للكتابة, فأنشأت صحيفة مدرسية وفرقة مسرحية وشاركت أيضا في التمثيل والنشاط الكشفي, ثم انتقلت في السنة الأخيرة إلي الصحافة الحقيقية في عام1959 ونشرت بها أول مقالاتي, كما قدمت تمثيليات بالإذاعة الحكومية, ثم اتممت تعليمي بهذه المدرسة وتسلمت وظيفة حكومية فور تخرجي, وكان حظي أن أعمل في مجال قريب من الصحافة هو قسم الاعلام في إدارة الجمعيات التعاونية, وتعرفت علي مدير هذه الجمعيات وعرض علي الإشراف علي القسم الإعلامي مع وعد بإرسالي في بعثة تعليمية في أقرب وقت, وقد كان, فأرسلني في عام1962 إلي مصر, وأنا لم أكمل بعد العشرين, وذلك في معهد لتنمية المجتمع بسرس الليان بالمنوفية يشرف عليه اليونسكو, وكانت تجربة ثرية جدا, فكان الدارسون بالمعهد من كل الدول العربية, والمدرسون علي أعلي مستوي, أتذكر منهم العالم التربوي الكبير حامد عمار, والدكتور سعيد عبده, وكانت إقامتي بالقاهرة فرصة للاتصال بالكتاب والمفكرين وأساتذة المسرح سعد الدين وهبة وسعد أردش والأستاذ عبد الحميد يونس أستاذ الأدب الشعبي, والمفكر والكاتب العراقي عبدالرحمن البزاز الذي كان يعيش في مصر, وخلال هذه الفترة أيضا ربطتني علاقة قوية وعميقة برجاء النقاش, ويوسف إدريس.

كانت لك علاقة طيبة بالأديب يوسف إدريس, صف لنا هذه العلاقة وكيف بدأت ؟
أنا كنت عاشقا للقصة القصيرة, وعاشقا لأدب يوسف إدريس, وقد بدأت اكتب محاولاتي الأولي في هذا اللون الأدبي وكانت لدي رغبة كبيرة في التعرف إليه, فاتخذت الصحافة طريقا للوصول إليه من خلال إجراء حوار معه, وكان ذلك بداية علاقة ممتدة حتي توفاه الله عام1991, برغم ما شاب علاقة مصر وليبيا من توتر في الفترة من1977 وحتي1990, وقد دعوته إلي المغرب ولندن وأماكن اخري كثيرة, كما كان دائم الزيارة إلي لندن بطبيعة الحال فكانت فرصة للقاء, وكان أحد من كتب عني في آخر ساعة عام1966 حين صدر أول كتاب لي( البحر لا ماء فيه), فكتب في زاوية( كتاب بين يدي) يقول: بين يدي الآن كتاب ضم مجموعة من القصص القصيرة, وصاحبه من الكتاب الواعدين وموهبة كبيرة في عالم القصة القصيرة, وكان أن سبق ونشر لي قصة عام1964 برغم أنها منشورة من قبل, ولكن حين قرأها نشرها في مجلة الكاتب مرة أخري.

رصيدك الإبداعي إلي أين وصل ؟
رصيدي الإبداعي, والحمد الله, كبير, ففي المسرح لدي مالا يقل عن40 عملا مسرحيا تتنوع أشكاله بين الكبير والصغير, ونحو19 رواية و14 عملا قصصيا و40 كتابا في تأملات الحياة, ورصيدي هذا كله جاء خارج إطار العمل الرسمي فلم أكن متفرغا للعمل الروائي أو الإبداعي, حيث عملت طوال حياتي بالحكومة, وتدرجت بوظائفها من موظف إلي مدير إداري ومحرر صحفي ثم رئيس تحرير إلي العمل في المجال الدبلوماسي الذي خدمت فيه نحو20 عاما ومازلت امارسه حتي الآن.


أي درجة من العمل الدبلوماسي عملت ؟
عملت رئيسا لبعثة ليبيا في اليونان ثم رئيسا لبعثة ليبيا ورومانيا, وهي علي درجة سفير, واخيرا عضوا في الوفد الليبي بالجامعة العربية وكنت قد دخلت العمل الدبلوماسي من باب الإعلام, إذ بدأت مستشارا إعلاميا في لندن في السبعينيات, وثم انتقلت للعمل في المجلس القومي للثقافة العربية بالمغرب.
بصراحة كل من في ليبيا كان مسخرا لخدمة القذافي, فهل كانت المجلة التي ترأس تحريرها إحدي الأدوات المسخرة لخدمته ؟
أقسم بالله أن هناك كتابات وقصائد جاءتني تمدح في النظام ورفضت نشرها, ولكن هناك حالة وحيدة ندمت ندما شديدا أني لم أنشرها, هذه الحالة كانت لشاعر كتب قصيدة مدح في القذافي وقد توفي في هذه الفترة, حيث كان يشكو من مرض عضال, أراد أن يتوسل بها كنوع من المجاملة من أجل أن يأمر القذافي بعلاجه أو تسعي الدولة إلي ذلك, وللأسف لم أنشرها لأنني لم أكن أعرف بحالته, كما أنه لم يسع إلي أن يعرفني بذلك, أو حتي أسباب كتابته للقصيدة.

باستثناء بعض الشخصيات وأنت منهم كونك أديبا معروفا, ولكن لماذا لم نسمع عن نجوم وشخصيات معروفة في ليبيا ؟
النظام الليبي كان يحارب كل متألق وناجح علنا, وكان عنده شعار لا نجومية في المجتمع الجماهيري وكانت هناك إدارة في الأمن الداخلي اسمها إدارة مكافحة النجومية, وهي ادارة تقول بصريح العبارة إنه ممنوع التألق, ممنوع التحقق علي المستوي الذاتي, ممنوع الابداع, ممنوع النجاح, مما يثبت بلا جدال أننا كنا نعيش حالة استثنائية, حالة شاذة, حالة مرضية بكل المقاييس, استمرت للاسف الشديد اثنين وأربعين عاما.

كيف هربت من هذه المقصلة ؟
هم حاربونا وحاصرونا بكل الأساليب الممكنة, وكنت ضمن من تمت محاربتهم, وطاردوني في كل مكان ذهبت إليه, ويهمني أن أشكر الناس الذين ساندوني رغم التعليمات المستمرة والدائمة من رأس النظام بمحاربة من يصنع لنفسه اسما, لأنه يمارس سياسة محو كل الأسماء إلا اسمه هو فقط. وكان هناك صديق لم يكن بعيدا عن النظام يقول لي يجب أن تحترس لأن القذافي سوف يفتعل ذريعة لقتلك لأنك صنعت لنفسك صيتا وسمعة في المجال الأدبي والفكر أكبر من كل المعدلات التي يقبلها القذافي, وحصلت هذه السمعة وهذا الصيت, خارج مجال سيطرته, وباءت كل المحاولات التي قام بها لمنعي من الحضور الثقافي والإعلامي بالفشل, وامتلكت ناصية النشر في الصحافة العربية, وترجمت أعمالي الي لغات العالم الكبري, بشكل كبير, دون عونه ومساعدته, ووصلت كتبي التي ترجمت الي اللغة الانجليزية الي أكثر من عشرة كتب في مجال القصة والرواية والمسرحية, دون أي عون أو مساعدة من ليبيا, بل وبعيدا عن إدارته وأجهزته, وقدمت مسرحياتي في كثير من مسارح العالم, وكل هذا كان يمثل شيئا مناقضا للسياسات التي ينتهجها مع الليبيين. وسيأتي وقت أشرح فيه العقبات التي وضعها في طريقي وهو يراني أحقق هذا الحضور والانتشار, بل صرف مئات الآلاف من الدولارات لإيقافي ومنعي.

ايوب صابر 12-08-2011 09:06 AM

تابع ،،
كيف كانت علاقتك بالقذافي ؟
انظر, كنا نتعامل مع القذافي كواقع, فأنا كنت موظفا حكوميا, ومع ذلك فأنا لم أفعل شيئا مرغما عليه, فلم أفعل إلا ما يرضاه ضميري, إضافة إلي سبب آخر جعل النظام الليبي لا يفكر في كثيرا, هو أن القذافي كانت تحوطه مجموعة كبيرة تستفيد منه, وكان يقف علي بابه الكثيرون, ولقاءتي معه كانت كلها في إطار اللقاءات الرسمية المتعلقة بالأدب والثقافة.

ولكنك كتبت عنه في إحدي المرات ؟
هذا صحيح, ففي إحدي المرات جاءني سكرتيره وقال: إن الرئيس القذافي ألف مجموعة قصصية وقال أرسلوها إلي الفقيه يكتب لها مقدمة, وهذا أمر عادي فلو جاءني أي أحد حتي ولو لم اكن اعرفه وطلب ذلك سأكتب, وحينما قرأت ما أرسله قلت لسكرتيره إن هذا الكتاب ليس فيه إلا قصتان فقط والباقي مقالات, فذهب إليه وعاد ليقول انه سينشر الكتاب بهذه الصيغة ويطلب مني كتابة مقدمة للكتاب, فكتبت بتكليف منه وليس تطوعا مني, وكتبت عن القصتين اللتين تستحقان وهما: الموت والفرار إلي جهنم, وأعلم أنك في النهاية تكتب مقدمة ولا تقدم نقدا لهما, وما كتبته لا أعتذر عنه, كما أن ما كتبه القذافي يمثل حالة من حالات الكتابة, ليست متيسرة لكل احد, فقد كتب قصتيه اشبه شحنتين انفعالتيين لانسان يعاني حالة احتقان ورغبة في الفضفضة لم تكن متاحة لرجل مثله, حيت لم يكن متيسرا لمن يضع نفسه في موقع الزعيم المعني بادارة شئون البشر, ان يتحدث مع احد الاصدقاء القريبين عن شئونه الشخصية الحميمية. كان من الصعب أن يروي أي شيء فيه ضعف له امام احد من الناس, فجاء الي الورق وهو في حالة عطش او جوع للفضفضة, للتنفيس عن بعض مشاعره الشخصية وهو ما أباح به في قصتيه هاتين, حيث كانت شحنات الصدق فيهما عالية, وهي شحنات لا إرادية, ووقلت في المقدمة انهما قصتان تنفعان وثائق عن نفسية الكاتب يجب ان يعتني علم النفس بدراستهما وتحليل ما فيهما من مشاعر وانفعالات. وما زلت اقول ذلك الآن, ففي كثير من كتاباته مفاتيح لشخصيته المليئة بالاسرار والعقد.

من مفجر الثورة في ليبيا ؟
محمد البوعزيزي, هذا الرجل سوف ندعو له في كل صلاة بالرحمة, فهو قديس الثورات العربية, فهو أشعل جسده ليضيء الوطن العربي بأكمله, وأعلم أن هذه الثورات هي تدشين للعصر الحقيقي للثورة العربية, ودعك من أن القذافي قام بانقلاب أو علي عبدالله صالح ورث انقلابا أو الاسد أو .............
فعصر الثورات العربية هو الذي بدأ في تونس بثورة الياسمين ثم ثورة25 يناير في مصر ثم ثورة17 فبراير في ليبيا ثم ما حصل بعد ذلك من انفجار للثورة في اليمن ثم سوريا, ولاشك أن الشعب الليبي هو أكثر الشعوب التي ضحت بنفسها من أجل ليبيا, فهناك نحو60 ألف قتيل علي الجانبين, وما لايقل عن مائة ألف جريح وعشرات الآلاف من المفقودين.


تري ما هي أهم مميزات الثورات العربية ؟
أهم مميزاتها, انها أنهت التطرف الديني واسقطت الأيدولوجيا, كنا دائما نتحدث عن مرجعيات ثورية يتبناها الثوريون من مختلف الألوان والاتجاهات, فالثوريون اليساريون يتحدثون عن مرجعية يرونها في اعمال ماركس ولينين وانجلز, والقوميون يتحدثون عن مرجعيات في كتابات ميشيل عفلق أو صلاح البيطار, او قسطنطين زريق, بدءا من ساطع الحصري وغيره من كتاب القويمة العربية, والاسلاميون طبعا يبدأون من كتب ابن تيمية مروروا بالمودودي وسيد قطب وحسن البنا ومحمد الغزالي وغير هؤلاء من مرجعيات الاسلام السياسي الحديث, ويساريون آخرون يعتمدون تروتسكي مرجعية لهم أو كاسترو أو جيفارا, انتهي الآن هذا النوع من الأيدلوجيا.


في خضم الأحداث الجارية حاليا في ليبيا وتسارعها ما تعليقك ؟
علينا أن نطوي هذه الصفحة السوداء المؤلمة من التاريخ الليبي, التي استمرت اكثر من أربعة عقود, وذاق فيها شعبنا الويلات علي يد نظام دموي إجرامي متخلف, ونريد أن ننظر الي الأمام بأمل وتفاؤل وتصميم علي بناء ليبيا الجديدة مجتمع العلم والمساوة والحرية والكرامة والحضارة.
ومن الآن استطيع أن أري ليبيا جديدة تقلع نحو أرض النهوض والتقدم والحضارة وسينتهي الحجر الذي فرضه النظام علي تحررها ونهوضها وتقدمها
.

ايوب صابر 12-08-2011 10:28 AM

ابرز العناصر المؤثرة في طفولة وحياة الروائي الكبير احمد ابراهيم الفقيه:

- ولد أحمد إبراهيم الفقيه في 28 ديسمبر 1942 في بلدة مزده جنوبي طرابلس، ليبيا.

- ترك القرية مع أبيه وعمره خمسة عشر عاما إلى طرابلس حيث عمل أبوه فى التجارة وكان أبوه يأمل أن يراه مثل جده الفقيه الذى كان مدرسا فى القرية وترك مؤلفات مخطوطة احترقت فى إحدى الهجمات الإيطالية على المدرسة القرآنية (التى كان يعمل بها مدرسا.

- بدأ ينشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية بدأ من العام 1959، اتفوز مجموعته القصصية "البحر لا ماء فيه" بالمركز الأول في جوائز اللجنة العليا للآداب والفنون بليبيا.

- التحق بالمعهد الدولى للتنمية المجتمعات التابع لليونسكو بالقاهرة عام 1962م وبعد حصوله على المؤهل سافر إلى انجلترا للحصول على درجة الدكتوراه فى الأدب الحديث من جامعة أدنبرة وكان ذلك فى الخامسة والعشرين من عمره عام 1967 .

- عمل في عدد من المؤسسات الصحفية كما عمل سفيرا لليبيا في أثينا وبوخارست

- كان زمن الفقيه زمناً مفعماً بصراعات وتقلبات، واحتلال أجنبي ومقاومة شعبية...

- الفقيه مسكون بعشق أرض التي نشأ عليها وصحراء تمرغ على رمالها...

- روايته خرائط الروح المكونة من 12جزء، تؤرخ لمراحل من حياة شخصية الرواية الأولى(عثمان الشيخ) ، بين أفراد قبيلته، ثم انتقاله للمدينة واندلاع الحرب العالمية وانخراطه في حياة عسكرية مع محتل، ونزوحه للحبشة، ورجوعه إلى الصحراء وقيامه بمقارعة المحتل، ونهايته كبطل وطني بعد ذلك.... وكأن الفقيه يكتب في هذه الرواية شيئا عن سيرة حياة جده الذي يتحدث عنه في أمكان أخرى.

- ينظر الى بطل الرواية (عثمان الشيخ)، على انه بطلاً إشكالياً تراجيدياً، تقلّب بين الوصولية والواقعية والبراغماتية، يحب ويرحل ويتغرب ويتطور فكراً ويتحول من حال الى حال، تتنقل روحه بين تكوينه الأول كقروي بسيط في قرية لا وجود لها على أرض الواقع، وفي بيت مهجور يختلي فيه، وفي تعليمه للقرآن وعشقه للمرأة الزنجية، وبين هروبه الى الحبشه، وتجنيده وبعد ذلك انسلاخه عن كل ذلك وارتباطه بالمقاومة الشعبية، وتالياً موته شهيداً تخلد الناس ذكراه، ( يذكر ان جد الفقيه مات شهيدا في مقاومته للاحتلال الايطالي).

- عبر في روياتة الثلاثية عن الصراع النفسي الذي يعيشه المغترب و استلابه من الحياة عبر اختلافات الشرق و الغرب ومحاولة البحث عن حالة التوازن.

- في رده على سؤال : من أين تستمد روح الكتابة ؟ يقول الفقيه تأتي الكتابة من ناحية : " من إحساس الكاتب بمآسي الشارع ، وبهدف المتعة والإحساس براحة.

- استطاع أن يهرب من مقصلة القذافي‏,‏ وأن يبدع بعيدا عن سمائه‏,‏ ويحتل مكانة مرموقة في أرض غير الأرض التي ولد فيها‏, وعبر رحلة طويلة وصعبة من الإبداع .

- قول انه ولد في قرية تقع علي تخوم الصحراء, وهي اقرب ان تكون واحة وكان مصدر رزق الواحة هو الاشتغال بالتجارة مع أهل البادية, وكانت القرية تخلو تماما من أي متع الحياة.

- لم يكن المكان وقتها يساعد علي الاستمتاع بالحياة وممارسة ألعاب الطفولة الموجودة في البلاد الأخري أو توافر فرص للتعليم والتثقيف والتحصيل العلمي.

- يقول الفقيه عن طفولته "لقبت عائلتي باسم الفقيه, وهذا اللقب لقب به جدي المباشر, وتصادف وقت اشتغال جدي بهذه المهنة أن حدث تطور في طريقة التعليم علي يد محمد علي السنوسي صاحب الطريقة السنوسية فأنشأ زاوية في مزده( مدرسة قرآن) بدلا من الطريقة البدائية في تعليم الأولاد تحت شجرة في العراء, بعدما وجد السنوسي البؤس والجهل والاحتياج يعم المجتمع الليبي, فبدأ بإنشاء الزوايا السنوسية بليبيا, وكانت مزده هي ثاني مركز لهذه المدارس, وصار جدي أحد مدرسي هذه الزاوية ثم أحد مسئوليها".

- ويقول "لكن القدر لم يمهل جدي أن يعلم أولاده كلهم, وكان أبي أصغر أبنائه, فلم ينل حظه من التعليم إلا لماما, أي ما يعينه علي القراءة والكتابة, وتزامنت وفاة جدي مع مجيء الإيطاليين إلي ليبيا, فعمل والدي بالتجارة وأنشأ حانوتا اي محلا لبيع ما يحتاجه أهل البادية. ثم أنشأ الإيطاليون مدرسة ابتدائية حديثة بالقرية, غير أن الناس انفضوا من حولها, نظرا لأن التعليم فيها كان باللغة الإيطالية, فخاف الناس علي أولادهم من هذا النهج, فلم يقبلوا عليها, حتي عدل الإيطاليون من طريقتهم لإغراء الأهالي فأدخلوا فيها المناهج العربية بجانب الإيطالية, وانتهي الأمر إلي أن صارت تعلم العربية فقط, وكان ذلك في أواخر الأربعينيات, وكانت المدرسة تقتصر علي المرحلة الابتدائية فقط.

- وفي رده على سؤال : هل تعتبر أن وفاة الجد شكلت مرحلة مفصلية في حياتكم؟
- أجاب الفقيه : " لا أستطيع أن أجزم بذلك, ولكن كما قلت لك من قبل إن وفاة الجد تزامنت مع دخول الإيطاليين إلي ليبيا,فانصرف الناس عن التعليم نتيجة عدم الاستقرار, ومع ذلك فلم يتغير وضعنا أو مركزنا بالقرية, حيث كان عمي الأكبر هو شيخ القرية إلي أن اصطدم بالإيطاليين فعزلوه من منصبه".

- يقول عن انتقاله للدراسة إلى طرابلس "الحقيقة أن ذهابي إلي طرابلس تأخر كثيرا, وذلك نظرا لظروف المكان, إذ كان يأتينا فصل الربيع محملا بالرزق وكان والدي يضطر إلي الاستعانة بي, وكان ذلك يتسبب في تركي الدراسة, وحدث ذلك في عامين".

- ويقول فر رده على سؤال: كيف هربت من هذه المقصلة؟ "هم حاربونا وحاصرونا بكل الأساليب الممكنة, وكنت ضمن من تمت محاربتهم, وطاردوني في كل مكان ذهبت إليه, ويهمني أن أشكر الناس الذين ساندوني رغم التعليمات المستمرة والدائمة من رأس النظام بمحاربة من يصنع لنفسه اسما, لأنه يمارس سياسة محو كل الأسماء إلا اسمه هو فقط.

- يصف زمن حكم ألقذافي الذي في خضم الأحداث الجارية حاليا في ليبيا وتسارعها ما تعليقك؟ علينا أن نطوي هذه الصفحة السوداء المؤلمة من التاريخ الليبي, التي استمرت أكثر من أربعة عقود, وذاق فيها شعبنا الويلات علي يد نظام دموي إجرامي متخلف".

خلاصة،،،
واضح أن احمد إبراهيم الفقيه هو أيضا ابن الصحراء، أي انه ابن الشقاء والموت المصاحب لقساوة الحياة في تلك الصحراء كما يقول إبراهيم الكوني، لكن ربما أن هناك عوامل أخرى مهمة أثرت في صناعة احمد الفقيه بالإضافة إلى بيئة الصحراء القاسية وهي موت الجد ( الفقيه المربي والمختار والمدرس والشيخ) الذي تزامن مع دخول الايطاليين إلى ليبيا، أي بينما كان احمد طفلا، ثم حالة الفقر التي كانت تعيشها العائلة مما اضطره للانقطاع عن المدرسة لعامين كاملين لكي يساعد والده في تجارته مع أهل البادية، ثم اثر الاستعمار وإجراءاته ومن ثم بروز المقاومة وبالتالي انتشار الموت في كل مكان، ثم انتقاله وعمره 15 عام إلى طرابلس للدراسة هناك ثم استمرار المعاناة بسبب طبيعة النظام السياسي الذي تحكم في ليبيا والتي وصفها الفقيه بالصفحة السوداء التي امتدت أربعة عقود.

طبعا واضح إن تفاصيل دقيقة عن طفولة الفقيه المبكرة خاصة فيما يتعلق بموت الأب وألام ، والمرض النفسي او الجسدي والحوادث التي يمكن ان تكون قد تركت اثرا نفسيا او جسديا كل ذلك غير متوفر وللأسف، ولا يجود تسجيل تفصيلي لمثل تلك الأحداث التي يمكن أن تكون مؤثره لكن يمكننا ان نقول بأنه عاش حياة ازمة في طفولته المبكرة كنتيجة لكل تلك العوامل المذكورة ( الموت، والصحراء ، والفقر، والغربة الداخلية، والغربة الخارجية، وظلم ذوي القربى).

مأزوم.

ايوب صابر 12-10-2011 04:04 PM

والان مع سر الافضلية في رواية:

17- أنا أحيا - ليلي بعلبكيلبنان
خمسون عاماً على صدور «أنا

أحيا» الكتاب – الحدث في ستينات بيروت … ليلى بعلبكي أسست الرواية النسائية الحديثة و «اعتزلت»

عبده وازن الحياة - 02/03/08//




ليلى بعلبكي


في شتاء عام 1958 أعلنت مجلة «شعر» عن صدور رواية عنوانها «أنا أحيا» لكاتبة لبنانية شابة تدعى ليلى بعلبكي، وورد في الإعلان أن هذه الرواية «سيكون لها أثر بعيد في مستقبل الرواية العربية». كان الإعلان لافتاً جداً في مضمونه أولاً وفي تبني مجلة «شعر» لعمل روائي، هي التي لم يشغلها سوى الشعر وحده. ولم تمضِ أشهر حتى راجت الرواية ولقيت نجاحاً كبيراً في الأوساط النقدية وأضحت بمثابة حدث روائي في بيروت الستينات، مدينة الحداثة، وبعض العواصم العربية. ولم تلبث الرواية أن أصبحت أشبه بـ «الظاهرة»، وكان يكفي ذكر «أنا أحيا» حتى ترتسم صورة بطلتها لينا فياض في أذهان الكثيرين، نقاداً وأدباء وقرّاء.


تُرى كيف نقرأ اليوم هذه الرواية في الذكرى الخمسين لصدورها؟ هل ما فتئت تملك سحرها الذي مارسته على القرّاء أم ان الزمن أفقدها مقداراً من هذا السحر؟


في موسوعة «الكاتبة العربية» (المجلس الأعلى للثقافة في مصر) وفي الجزء الذي تناول الرواية النسائية اللبنانية اختارت الناقدة يمنى العيد «أنا أحيا» كأولى الروايات النسائية الحديثة واصفة إياها بأنها «شكّلت علامة بارزة على تطور الكتابة الروائية العربية في لبنان». هذه «المرتبة» التي احتلتها «أنا أحيا» سابقاً ما زالت تحتلها تاريخياً، فهي الرواية الأولى «الفضائحية» في المعنى الوجودي العميق التي تعلن تمرّدها أولاً على الإرث الروائي اللبناني (من زينب فواز الى توفيق يوسف عوّاد) جاعلة مدينة بيروت إطاراً مكانياً و «العصر» الحديث إطاراً زمنياً. وأعلنت ثانياً تمرّدها على الفن الروائي الكلاسيكي أو التقليدي وعلى مفهوم الشخصية الإيجابية وعلى النظام البنائي مانحة «الأنا» الراوية الفرصة لتتداعى بحرية وتوتر وتصبح المحور الرئيس الذي تدور حوله «الأحداث» وتنطلق منه.


إلا أن المستغرب أن هذه الكاتبة التي أطلّت بقوة ظلّت أسيرة هذه الرواية الفريدة واختتمت مسارها الروائي في عام 1960 عندما أصدرت روايتها الثانية «الإلهة الممسوخة» ولم تحظ بما حظيت به «أنا أحيا» من فرادة ونجاح. لكنها، هي التي لم تتوار لحظة عن المعترك الروائي، ما لبثت أن اختطفت الأضواء في عام 1964 عندما منعت وزارة الإعلام مجموعتها القصصية «سفينة حنان الى القمر»، وكانت القصة التي تحمل المجموعة عنوانها هي الحافز نظراً الى احتوائها مقطعاً أو جملة وصفت بـ «الإباحية». وحوكمت ليلى بعلبكي وأوقفت ثم تراجعت المحكمة عن قرار المنع مبرّئة الكاتبة والقصة على مضض. وتولى مهمة الدفاع عن الكاتبة قانونياً المحامي الراحل محسن سليم الذي كان صلباً في مرافعته الشهيرة. واليوم تبدو تلك الجملة الإباحية خفيفة جداً نظراً الى النزعة الأروسية التي تجتاح الأدب الراهن، شعراً ورواية.


لم تمتد تجربة ليلى بعلبكي أكثر من ستة أعوام عزفت بعدها عن الكتابة الروائية والقصصية منصرفة الى الصحافة. لكن روايتها «أنا أحيا» ظلّت تشغل النقد والإعلام. وكان جيل من الروائيات بدأ يبرز وفي طليعته منى جبور التي تأثرت بـ «أنا أحيا» كثيراً، وبدا هذا الأثر بيّناً في روايتها «فتاة تافهة» (1962) من نواح عدة: اللغة، التداعي، التوتر، بناء الشخصية الرئيسة» ندى» التي تشبه شخصية «لينا» في «أنا أحيا». ولم تتوان عن استخدام عبارة «أنا أحيا» في روايتها مستوحية أحوال التمرّد والاحتجاج التي حفلت بها رواية بعلبكي. ولم تكمل منى جبور مسارها إذ أقدمت على الانتحار في عام 1964 وكانت في مقتبل العشرين من عمرها. وفي هذا الجيل برزت إميلي نصرالله عبر روايتها الرومنطيقية «طيور أيلول « (1962) وليلى عسيران من خلال روايتها «لن نموت غداً» (1962).




خمسون عاماً إذاً على صدور الرواية – الحدث التي «اختفت» صاحبتها بدءاً من العام الأول للحرب اللبنانية ولم تنشر أي جديد. والعودة الآن الى «أنا أحيا» لا تخلو من المتعة وإن فقدت الرواية بعضاً من الجرأة التي تميزت بها لا سيما عبر شخصية البطلة – الراوية التي أعلنت أقصى تمرّدها على القيم والثوابت و «الأصنام» المعاصرة والعائلة والجامعة والأيديولوجيا… بحثاً عن الحرية، الحرية الفردية خصوصاً. شخصية سلبية بامتياز (في مفهوم البطل السلبي) عمرها بين التاسعة عشرة والعشرين، عنيفة وشرسة ورقيقة في آن واحد، تكره الحياة وتسعى إليها، تعيش في الواقع وتحلم… «بطلة» متناقضة، تعاني الوحدة و «القمع» العائلي، تكره والدها وتسخر منه، رجلاً ذكورياً وزوجاً وتاجراً ينتمي الى طبقة الأثرياء الجدد. علاقة «أوديبية» ولكن في الوجهة المعاكسة. تفضحه يتلصص على «الجارة المترهلة» هو الثري الذي يفيد من المآسي والأزمات ليتاجر بالقمح وسائر السلع بين لبنان ومصر وبريطانيا… وتبلغ بها الكراهية حتى لتصفه بـ «الأحمق» وتحتقره. أما الأم فلم توفرها بدورها من بغضائها. إنها في نظرها أنموذج عن المرأة التقليدية التي لا تعرف من الحياة إلا طهو الطعام وتربية الأبناء ومشاركة الزوج فراشه عندما يريد هو. امرأة خاضعة لسلطة «الذكر» تشفق عليها وتشمئز منها وتعاندها: «منظر لحم والدتي يثير قرفي منها»… ولعل هذا الموقف من الأم وبعض النماذج النسائية الأخرى يبعد الرواية عن مضارب الأدب النسوي. فقتل الذكر مجازاً يقابله قتل الأنثى مجازاً أيضاً ولم يقم في الرواية صراع صريح بين الذكورة والأنوثة كقطبين مضادّين. فالراوية تحتقر الرجل التقليدي مثلما تحتقر المرأة التقليدية.


إنها لينا فياض التي تتولى فعل السرد وتؤدي دور الأناالراوية. تخبر في المستهل أنها قصّت شعرها الجميل في موقف عدائي من «الأنظار» التي يلفتها هذا الشعر: «لمن الشعر الدافئ المنثور على كتفيّ؟ أليس هو لي…؟ ألست حرة في أن أسخط عليه…؟» تقول. عبارة «ألست حرة» ترددها دوماً ممارسة فعل الحرية وإن كان ثمنه باهظاً في أحيان. ولعل إصرارها على السير تحت المطر وعلى استقلال القطار (الترام) هي ابنة العائلة الثرية يمثل أحد وجوه الحرية التي تبحث عنها وتعجز عن تحقيقها. المطر يغسل جسدها من «وحول» السلطة بل «السلطات» التي طالما خضعت لها ويمنحها لحظات من التحرر.


التحقت بالجامعة الأميركية ثم تركتها من دون أن تنال أي شهادة. إنها تكره أيضاً الدروس وأفكار الأساتذة على رغم الأسئلة الكثيرة التي تطرحها على نفسها، أسئلة سياسية وفلسفية وفكرية. تحاول أن تعمل في مؤسسة وتفشل وسرعان ما تقدم استقالتها الى المدير «البصّاص» الذي ودّت ذات مرة أن تقطع ساقها التي كان ينظر إليها بشهوة وترميها في عينيه فيسيل دمها في فمه كما تعبّر. واللافت أن المؤسسة التي عملت فيها فترة هي «مكتب دعاية ضد الشيوعية»، لكنها لم تعر الأمر أي اهتمام هي التي تناهض الاستعمار وتدافع عن فلسطين والجزائر في حربها ومصر في مواجهتها الاعتداء


لا أدري إن كانت ليلى بعلبكي قرأت الأدب الوجودي في عمرها المبكّر والفتيّ وإن كانت اطلعت على أعمال سيمون دوبوفوار وفرانسواز ساغان التي عرفت بميلها الى البطالة واللامبالاة. هل قرأت ليلى بعلبكي كتاب دوبوفوار «الجنس الآخر» الذي أثار سجالاً كبيراً عند صدوره في عام 1949. تقول دوبوفوار في روايتها «مذكرات فتاة عاقلة»: «عندما أصبح عمري تسع عشرة سنة كتبت حواراً طويلاً تناوب فيه صوتان هما صوتي: صوت يقول هباء كل شيء، التقزز والوهن، وصوت آخر يؤكد أن الوجود جميل ولو عقيماً». المصادفة أن هذه «المذكرات» صدرت في عام 1958، عام صدور «أنا أحيا». هل تشبه لينا فياض ليلى بعلبكي؟ هذا سؤال لا تستطيع الإجابة عليه إلا الكاتبة نفسها! ليلى بعلبكي المتحدرة من عائلة شيعية جنوبية (مواليد 1934) درست في جامعة القديس يوسف ما يعني أنها تجيد الفرنسية على خلاف بطلتها التي درست في الجامعة الأميركية ولم تكن تجيد الفرنسية (كما تقول). وعملت في سكرتارية المجلس النيابي اللبناني بين 1957 و1960، وهذه وظيفة رسمية، ثم التحقت بالصحافة (الحوادث، الدستور، النهار، الأسبوع العربي…)… إلا أن البطلة – الراوية قد تحمل بعض سمات كاتبتها أو مبدعتها أو بعض أمانيها وأحلامها… مثلما قد تكون أيضاً خلواً من أي شبه بينها وبين مبدعتها. هذا إشكال قائم دوماً: «الأنا» التي تروي بجرأة وانفعال هي «أنا» مَن؟ الكاتبة أم الراوية؟


تقع لينا فياض في حبّ طالب عراقي يدرس في الجامعة الأميركية. مناضل شيوعي في الخامسة والعشرين يُدعى بهاء وتعيش معه حالاً من الصراع الداخلي. تلتقيه في مقهى «العم سام» الشهير حينذاك في منطقة رأس بيروت وتداوم على لقائه. لكن العلاقة تنتهي سلباً وهجراناً ويأساً وقد اكتشفت فيه وجهه الآخر، الوجه الذكوري التقليدي الذي ينظر الى المرأة مثل بقية الرجال الذين تكرههم. وكانت تكره فيه شخصية الحزبي الملتزم والمتناقض وقالت له مرة: «أنت عبد للحزب وأناحرة». إلا أن الهجران أثر فيها كثيراً وجعلها تكتشف وحدتها من جديد ومستقبلها الضائع وواقعها السلبي والفراغ الذي تخشاه. وتحاول في لحظة يأس أن تقدم على الانتحار لكنها كانت أجبن من أن تنتحر. رمت بنفسها أمام إحدى السيارات مدركة أن المارّة سيمسكون بها وهم فعلوا. ولم تقدم على هذه المحاولة إلا لأنها تعلم أنها عاجزة عن الانتحار: «أنا جيفة لا تموت»، تقول. وعلى رغم جرأتها لم تستطع أن تستسلم لرغبتها الدفينة في إقامة علاقة جنسية ولو خفيفة مع بهاء لكنها أعملت مخيلتها في هذا القبيل راحت تتخيل نفسها مضّجعة معه في السرير. إنه الجنس متخيلاً يمارسه الجسد المقموع، الجسد الذي لم يستطع أن يفك عقده الموروثة. هذه العلاقة المبتورة التي انتهت بالهجر، وهي أصلاً علاقة قصيرة وعابرة، توقع لينا فياض في حال من الخيبة. إنها خيبة العودة الى البيت، الى الأسرة والى سلطة الأب. تقول في ختام الرواية: «رجعت الى البيت، كأنني مجبرة على العودة الى البيت. دائماً يجب أن أعود الى البيت…». كانت تلك العلاقة أشبه بخشبة خلاص في بحر الفراغ الذي غرقت فيه، لكن الخشبة لم تنقذها من ذلك الغرق لأنها مكسورة أصلاً. أما الحصيلة فهي كما تقول: «لا بهاء، لا طفل، لا عمل، لا جامعة. مهازل. مهازل. مهازل».


تقرأ رواية «أنا أحيا» بمتعة وكأنها كتبت في الأمس القريب على رغم التفاصيل الكثيرة التي كان يمكن حذفها. وكان ممكناً تشذيب النص من الزوائد مع أن اللغة شديدة التوتر والدينامية مثل البطلة نفسها. وتتمثل الرواية جوّ بيروت الستينات، بيروت المنفتحة على الحداثة، بيروت المقاهي الجميلة والترامواي وساحة البرج وشارع الحمراء… بيروت الحلم الذي لم تلبث أن أحرقته نار الحرب الأهلية.


عندما اندلعت الحرب اللبنانية في عام 1975 هاجرت ليلى بعلبكي الى لندن وانقطعت عن الكتابة الصحافية وراح حضورها يخفت الى أن عزلت نفسها عن الوسط الأدبي والصحافي. وقيل إنها كانت ترفض أن تعقد أي لقاء مع الصحافة مؤثرة البقاء في الظل بعد كل تلك الضوضاء التي أحدثتها في الستينات والسبعينات. ولعل انقطاعها عن الكتابة الروائية في أوج شهرتها يمثل لغزاً: لماذا هجرت صاحبة «أنا أحيا» الكتابة باكراً؟ هل عانت أزمة مع الكتابة نفسها؟ أم تراها شعرت بأن ما كتبته على قلّته هو قدرها كروائية؟

ايوب صابر 12-10-2011 04:46 PM

أنا أحيا" كتاب ليلى بعلبكي العائد من الخمسينات / حسن داوود

الاحد 27 كانون الأول (ديسمبر) 2009
لا أعرف متى باتت رواية «أنا أحيا» إسما فقط. لا أعرف من كانوا آخر قارئيها. هل صدرت منها طبعات أعقبت صدور الطبعة الأولى في 1958، وإلى متى استمرّت هذه الطبعات قبل توقّفها؟ في أواخر الستينات كان إسم ليلى بعلبكي، وكذلك إسم روايتها، باقيين في التداول. بقي الإسم، أو الإسمان، لكن من دون ما يدلاّن إليهما، أي الشخص والنص. ليلى بعلبكي توارت، ولم يعد يُتداول عنها إلاّ ريادتها، في ما يسمّى الوسط الثقافي، وبعض حكايات دارت حول المشكلات العائليّة التي تسبّب بها صدور الكتاب، وهذه الأخيرة شاعت في أوساط الأقلّ تثقّفا، أو في ما يسمّى المجتمع البيروتي، الصغير آنذاك والذي، لصغره، لم يكن قد أقام فواصل بين الأشياء، فخلط الكاتب بكتابه وحياته بحياة أبطاله.
أحسب أنّ ليلى بعلبكي لم تبق، بعد انقضاء عقدين أو ثلاثة على صدور كتابها ذاك، إلا في ذاكرات قليلة. فعلى الرغم من الديناميّة المستمرّة والجِدّة الدائمة التي تتميّز بها الكتابات المتحدّية الرافضة لتقاليد زمنها وأعرافه، هناك ذلك الميل إلى الإغفال والمحو في البلد الذي يستهلك جدّته تماما في اللحظة التي يبلغها ويحطّ فيها. ولنضف إلى ذلك الحروب التي ما فتئت تغيّره عن نفسه، وهو قد شهد منها ما يمكن اعتباره إحدى بروفاتها في 1958، سنة صدورالرواية.
في «أنا أحيا» ذكر عابر للحرب لا يتعدّى مقطعا أو مقطعين من بين عدد صفحات بلغ 327 صفحة. لكن، سواء كانت «فتنة» 1958 هي المقصودة، أو كانت هذه حربا أخرى (1948 الفلسطينيّة مثلا أو حرب 1956 المصرية)، فإن بيروت آنذاك، وبحسب الرواية، لم تكن قد خسرت شيئا من هدوئها ولم تشوّش أهلَها مسائلُ تتجاوز روتين عيشهم. لينا فيّاض، بطلة الرواية، لم تكن تعاني إلا الملل وسكون الحياة وفراغها في البلد الذي يبدو قليل الأزمات، بل عديمها. ذلك المكتب الذي تكتشف لينا فيّاض، بعد أن تبدأ العمل موظّفة فيه، أنه مكتب لنشر الدعاية الرأسماليّة ومكافحة الشيوعيّة، بدا أقلّ وجودا وأهميّة مما ينبغي له أن يكون. كأنّه وكالة سفريّات أو وكالة عاديّة للدعاية. وفي نزاعها معه، ومع نفسها، بسبب وجودها فيه، لا تجد لينا فياض بواعث لذلك النزاع تختلف عما تشعر به تجاه منزل الأهل الذي تقيم فيه، أو تجاه الجمعة التي تنتسب إليها.
هذه المدينة، ودائما كما تظهر في «أنا أحيا»، خالية من كلّ ما هو مشكل يمكنه أن يكون محور رواية (على غرار ما جاءت به الحروب إلى الروايات التي صدرت خلال العقود التي تلت) . بهاء، الشاب غير اللبناني المنتسب إلى الجامعة الأميركية، لا تبدو مرارته مقنعة وكذلك حزبيته واضطراب شخصيته ونزوعه، في فقرات عابرة من الرواية، إلى الإنتحار. كما لا يبدو انتسابه إلى الجامعة الأميركيّة متوافقا مع فقره، في ماضيه وحاضره، وليس مقنعا أيضا احتفاظه بتقليديته جنبا إلى جنب مع عقائديّته، بمعايير ذلك الزمن أقصد. يبدو بهاء هذا شخصيّة مستعارة للرواية، خليطا من تصوّرات عابرة ومتداخلة لا تصنع شخصيّة. ففيما يخصّ نزوعه إلى الفعل، أو إلى «التغيير» بحسب تعبير حزبي، لم توفّق الروائيّة إلا في جعله يتوهّم ما سيقوم به توهّما، كما لو أنه مراهق طامح لأن يكون منتسبا ألى حزب وليست الحزبيّة أولى صفاته.
بيروت في «أنا أحيا» مدينة خالية مما اضطربت به في السنوات والعقود التي تلت. وهي على أيّ حال، قليلة الأمكنة على الرغم من كثرة الأجانب المقيمين فيها والقادمين إليها من مختلف البلدان. هناك المنزل طبعا، منزل الأهل الفخم، والوالد الذي يراكم ثروته من فساد تجارته، والوالدة والأختان اللتان ، باستثناء وصفهما الأوّلي، لم يُستدعيا مرّة أخرى للحضور في الرواية إلا من أجل أن يُعاد ما كان قد قيل في التعريف الأوّل بهما، وهذا كان شأن الأخ أيضا، الصغير المدلّل. إلى البيت هناك الجامعة، الموصوفة وصفا مقتضبا أيضا حيث تكتفي الروائيّة بأقلّ القليل منها مثل نظرات الطالبات لبعضهن البعض والمحادثات التي لا تكاد تصنع جُمَلا بينهن وبين سواهن من زملاء ومعلّمين. ثمّ هناك مكان العمل، أو مكان الوظيفة، المصنوعة تفاصيله كأنما من السماع العادي وليس من التعرّف والإختبار، كأن يُرمز إلى السرّية التي تقتضيها وكالات مثل هذه بصندوق أخضر موضوع في الطابق السفليّ يظلّ فارغا على الدوام.
كأن لم يكن يجري شيء في تلك السنوات. لا تقوم تجربة بين الأمكنة ولينا فيّاض المتنقّلة بينها، وهذه الأمكنة لا غاية لوجودها إلاّ إبعاد قاصدتها وردّها عنها. المقهى الذي تجري فيه اللقاءات بين لينا وبهاء يبدو أشبه بتصميم تخطيطي لمقهى إذ يقتصر فضاؤه الموصوف على جدار وكرسي واحد أو كرسيين وعلى جانب من طاولة. ولا يحدث شيء في تلك اللقاءات السريعة بين الإثنين، فقط كلمات مسرعة سرعان ما ينهيها الخصام، هكذا بما يجعل الحدث في الرواية مساوقا في ندرته لقلّة وجود الأمكنة. وأيضا في بيت العائلة الكبير أو الفخم لا يحدث فعلٌ. مرّتان ربّما تلقّت لينا صفعة من أمّها. تلك الثورة التي تقوم بها لينا فيّاض متحدّية بها عالمها كلّه لا ينتج عنها باب مخلوع أو مزهرية تحطّمت أو دمٌ سال من جرح. في النقد الروائي العادي يطلق على ذلك عبارة غياب الحدث، لكن ،هنا، علينا أن نضيف إلى ذلك الغياب غيابات أخرى جرى ذكر بعضها أعلاه.
ولنضف إلى ذلك الغياب اقتصار تمرّد لينا فيّاض وثورتها على أقلّ القليل من الفعل. فالرواية التي أحدثت ضجّة استمرّت لسنوات أعقبت صدورها، لسبب دعوتها إلى التحرّر من مختلف المحظورات المطبقة على خناق المرأة، لم تحدث فيها قُبلة واحدة، ولم يكشف فيها أحد لأحد عن شيء دعت الأعراف إلى ستره.
لكن ما هو حاضر، بل ويكاد يكون متفرّدا في حضوره، هو الكتابة. لايحتاج القارئ إلى كثير تأمّل ليدرك أن الرواية ليست أكثر من ذريعة لتلك الحاجة. الكتابة التي رأى فيها ميخائيل نعيمة، بعد أن أطلق عليها كلمة «أسلوب»، في تعليقه على الكتاب، «قيمة ليست لأيّ كتاب غيره في الأدب العربي_ قديمه وحديثه». جبرا ابراهيم جبرا قرأ الرواية أيضا بعين من يقرأ الشعر «.. فيها غنائيّة لفظيّة رائعة تدنيها من غنائيّة الشعر». وهذا على أيّ حال ما تكاد القراءة تعرّف به نفسها، حيث ينبغي التوقّف عند نهايات الجُمَل أو الفقرات والتأمّل في معناها من ثمّ، على غرار ما تُقرأ الفقرات الشعريّة. ولن تساعد القراءة المسرعة على متابعة القراءة إذ ستعترض سيولة المتابعة كلّ فقرة من الفقرات، كما أنها ستغفل عن ذلك الغنى والرغبة في قول ما لم تهتد كتابة تلك الأيام إلى قوله.
بعض قرّاء ذلك الزمن (الخمسينات) أدركوا ذلك الميل المتميّز بالمناجاة الشخصية وافتقاد الرواية للعناصر المكوّنة لفنّها، وهي، ليلى بعلبكي، ردّت على قائلي ذلك بالتقديم لروايتها « الآلهة الممسوخة» المؤرّخ في 10 نيسان1965، وفي المقدّمة هذه بدت كما لو أنّها تعد قرّاءها بالإقتراب أكثر من الرواية: « قصدت «بالآلهة الممسوخة» أن تكون تجربة أدبيّة جديدة لي، وأن تكون ردا على النقّاد وعلى الذين اعتبروا «أنا أحيا» «بيضة الديك» وفهموا أنّه خواطر فتاة صغيرة وتفاصيل حياة خاصّة أعيشها شخصيّا».
[دار الآداب في بيروت أعادت إصدار كتب ثلاثة لليلى بعلبكي هي، إضافة إلى «أنا أحيا»، «سفينة حنان إلى القمر» و« الآلهة الممسوخة».
عن جريدة المستقبل 27 كانون الأول

==

انا احيا
ما أهمية أن يكون لكل إنسان حكايته الخاصة، هل عي رحلة البحث عن الذات، أم أن الإنسان بحاجة دائماً إلى ما يميزه عن الآخرين، وهنا تختلف أقدارنا عن أقدار سوانا، حينها سيتحرك شيء ما بداخلنا لنحكيه، فماذا تحكي لنا بطلة روايتنا "لنية" ذات التسعة عشر ربيعاً، النضرة، التي بدأت رحلة البحث عن ذاتها على رغم كل ما يحيط بها من رغد العيش. ففي أسلوب خاص وسخرية مبطنة، وتعابير مختصر لصور متعددة من الحياة، كتبت "ليلى بعلبكي" عملها الروائي "أنا أحيا"، تصف فيه حالة الاغتراب المرة التي يحياها الإنسان داخل وطنه وبين أهله، ولكنه يبقى يجهل ذاته، يبحث عن ثمة مساحة في هذا العبث الملحمي الذي يعيش، تقول لينة بطلة الرواية: "هكذا أنا، عالم مستقل لا يمكن أن يتأثر مجرى الحياة فيه بأي حدث خارجي لا ينطلق من ذاتي، من مشكلة الإنسان في ذاتي، وصحيح أنني أسكن مع أمي وأبي وأختي، السمراء والشقراء، وأخي الدلوع بسام، لكنني لا أحسهم إنهم تماماً خارج السور في عالمي. إنهم حتى خارج قنوات المياه الطافحة، فبدأت تبحث عن عمل يعيد إليها توازنها بعيداً عن أسرتها التي تصفهم بأثرياء الحرب واشتعلت الأرض بنيران الحرب العالمية الثانية، فإذا الحياة تتبدل وتنطلق بسرعة جنونية، وإذا نحن أثرياء: نحن أغنياء حرب".

فهي ترفض القيم التي اتبعها والدها في جمع الثروة، وهنا تجسد الكاتبة التناقضات الطبقية التي وسمت بها مختلف البلدان العربية نتيجة الحروب وتركز الملكية بيد من كانوا موالين للانتداب: "لكل ومتاحة: يتباهى الانتداب. كأن هذه النعمة التي يضيع فيها ليست من حرمان ألوف الأسر التي أطعمها الفرنسيون طحيم الترمس والشعير والذرة البيضاء، على شكل إعاشات".

محطات كثيرة، وأحداث متعددة، تنتظرنا عند قراءتنا لهذه الرواية الرائعة لنكتشف معاً محطات تمثل صوراً لحياة الإنسان العربي الباحث عن هويته وعن حريته وعن أمته فلا فجده، فهل تمثل هذه الصغيرة "لينة" ما نريد أن نعبر عنه عن الكبار وما نرفضه في عصر مليء بالصراعات، والفقر، والحروب، والخروج إلى واقع جديد لم يعد ممكناً محاورته إلا بالذهاب بعيداً إلى مرحلة الحدود القصوى؟

ايوب صابر 12-10-2011 04:48 PM

تحية إلى ليلى بعلبكي: بطلتها لينا لا تزال تهـتف: أنا أحيا

لور عريب (بيروت
الأربعاء, 16-ديسمبر-2009 06:12 مساءا
أنا أحيا" هو عنوان الرواية الاولى التي كتبتها ليلى بعلبكي منذ 51سنة، فأثارت موجة من الاعجاب من جهة والتهجم من جهة اخرى، لأنها كانت تحاكي الأناوتتحدى التقاليد وتروي قصة فتاة قررت ان تعيش تجربة الحياة من دون ان تقيم وزنالأدبيات واخلاقيات لا تتجاوز الممنوعات والمحرمات التي كانت تشكل نوعا من السدود فيوجه الانزلاقات نحو الوجودية وسمومها التي قيل إنها مهلكة للنفس وللجسد.
كانتالاديبة الراحلة فرنسواز ساغان قد سبقتها بقليل وفتحت امام بنات جيلها الطريق التيتختصر المسافات بين المقبول والمحرّم في الحياة الاجتماعية الصارمة في حكمها علىالفتيات، أياً تكن الطبقة الاجتماعية التي ينتمين اليها. لقد كانت البادئة فياختراق القوانين والقواعد السائدة انذاك، فقلبت الموازين وسارت في اتجاه يتلاءم معرغباتها وميولها ومواقفها من كل شيء، وذلك من دون خجل او تردد او مراوغة. نشرتكتابها الشهير "مرحبا يا حزن" فأقام الدنيا ولم يقعدها إلاّ بعد مضيّ سنواتعدة.
ليلى بعلبكي لم ترو قصتها بل كتبت بصدق ووعي ما قد عانته صبية لبنانيةتحدّت الجميع وتجرأت على قول ما يتفاعل به جسدها من دون ان تخشى ردود الفعل فيالمجتمع الذي لم يتعوّد كتابة كهذه، ولا بوحاً واعترافاً وتعبيراً تعبّر كلها عناشياء جديدة لم يُقرأ سابقا مثلها.
كان ثمة ويلات كثيرة تنتظرها لأنها جاهرتولبّت واحترمت رغبات جديدة ومتطلبات كان عليها ان تراعيها وتتقبلها وتتفانى فيالدفاع عنها ضد كل من تجرأ واعتبر هذه الرواية ضربا من الاباحية غيرالمقبولة.
لكن الكاتبة الحقيقية لم تخف. لم يزعجها كل ما قيل ضدها. لم ترعبهاالحملات من اي جهة اتت. لم تحسب انها ستكون وحدها في مجابهة الجميع، أكانت الحملاتنسائية ام ذكورية. عرفت ان محاربيها فئتان: أولئك الذين وقفوا ضدها في المبدأ لأنهاجاهرت في حين أنهم اختاروا الرضوخ، وهؤلاء الذين فشلوا في حين أنها نجحت متسلحةًبموهبتها وحصانتها الروحية وقواها العقلية والجسدية.
لم تستسلم ليلى بعلبكي، ولمتقبل في أيّ لحظة بأن تُقهر، فمزّقت غشاء البكارة الثقافية والعقلية، وكسرت الجدار،جدار اللغة وجدار المحرَّم المجتمعي، ففتحت بذلك الطريق أمام الما لا يقال والما لايُعبَّر عنه عند المرأة.
لم يبق اديب أو باحث أو مثقف او شاعر او مسرحي او فنانتشكيلي او موسيقي او راقص كلاسيكي او ممثل الا حيّا الوجه الجديد في الادب اللبنانيوفي الادب العربي. الجميع طوّبوها اديبة فاتحةً الصفحة المجيدة التي ستتحرك ضمنهاوليس خارجها كل فتاة لم تكن لتجرؤ قبلا على البوح والاعتراف وعدم الخجل من المشاعروالرغبات والتصرفات التي تصادفها في حياتها الخاصة.
انهالت عليها الطلباتللمقابلات والعروض لترجمة التحفة الجديدة.
كانت الوجودية في عزّها في فرنسا. وكان جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار وسواهما يلتقون في مقهى "لي دو ماغو" في باريسالوجوه الشابة الوافدة الى العاصمة الفرنسية للانغماس في الاجواء الوجودية السائدة. وكنا جميعا في بيروت نقوم بالتبشير بالحرية وبحقوقنا في التصرف بأجسادنا كما يحلولنا. لم نعد نقبل بأن نكون "بوبيه دو لوكس" ولا اسيرات التقاليد ولا جاريات الامراءوالشيوخ. اصبحنا ننادي بحقنا في الحياة، وذلك خصوصاً لأن ليلى بعلبكي كتبت "انااحيا".
لن أستفيض في سرد ما تتضمنه هذه الرواية. فليقرأها الجميع. انا من ناحيتياعدت قراءتها وتمتعت بها. وأستطيع أن أقول إن الرواية لم تفقد نضارتها على رغم مرورهذا الزمن الطويل، بين الصدور الأول والصدور الثاني الآن، كما ان ملامح البطلةالرئيسية في الرواية، لينا، لم تبهت البتة. فهي لا تزال مندفعة، جسداً وكلمات،مشاعرها، أحاسيسها، جملها، سريعة، متدفقة، متوترة، حيوية. تتدحرج كالحصى فوق وادسحيق. لينا لا تضيّع وقتا كثيرا في الوصف او الحوار بل تختصر الاشياء بجمل خاطفة،مقطعة ومباشرة. تذهب بسرعة الى الهدف. لا لفّ عندها ولا دوران معها. انها حديثةومعاصرة ومتمردة ومالكة لجسدها وروحها وكل قواها العقلية، لتلبية ما تتفاعل معه ومايتوافق مع سجايا حواسها ومشاعرها.
على رغم الشهرة، لم تفقد ليلى بعلبكي صوابها. ولم يصعد البخار الى رأسها. بقيت واعية ومنسجمة مع نفسها. كتبت القصص القصيرة. نشرتها ونشرت عشرات المقالات والاحاديث هنا وهناك. ثم نشرت "سفينة حنان الى القمر" ومن بعدها " الالهة الممسوخة".
تجرأت وانتقدت في الصحف مواقف المسؤولين والوزراءوالنافذين. لكن هؤلاء وسواهم، من اهل الدنيا والدين، لم يتركوها تتطاول وتقول ما هيمقتنعة به. فجرّوها الى المحكمة. وقد أدى ذلك الى تفجير عاصفة من المواقف المؤيدةوالمضادة. وقد ربحت قضيتها لأنها كانت صادقة وحرة في كتاباتها وفي مواقفها وفيمجابهتها القمع والكبت والظلم والتعدي.
وفجأةً، من دون سابق انذار، دخلت في سباتعميق. فلم تعد تنشر ولا تكتب، اقله ظاهريا.
عندما كنا نسألها ماذا تفعلين، كانتتجيب بسرعة إنها تكتب. لكأنها لا تريد التحدث بهذه القضية.
كأنها كانت غائبة عنذاتها.
كأنها كانت رافضة لذاتها.
كانت تعاقب كل ما قامت به ليلى الشابةالثائرة المتمردة الجريئة الفاضحة لكل شيء لا يتماشى مع اقتناعاتها وسلوكهاوحاضرها.
ادارت ظهرها الى لينا والى جميع البطلات اللواتي اخترعتهن ومنحتهنالجسد والروح والعمر والقصص والاقدار والغياب. من دون سبب. حكمت عليهن بالاعدام مندون فرصة للأسباب التخفيفية.
نامت عنهن. صمتت عنهن. استقالت منهن.
لكنها،فجأةً أيضاً، ها هي تفيق اليوم. كلا ليس اليوم. فقد افاقت عندما ادركت ان الزمنيمشي بنا وبدوننا. شعرت ان 50 سنة مرت على ولادة لينا، بطلة "انا احيا". فأرادتاعادة الشباب اليها. اعادت قراءتها. فشعرت بأنها لا تزال طليعية. هكذا اخرجتها منسباتها واعادتها الى الحياة. وهي تحيا من جديد في معرض الكتاب الذي افتتح أخيرا فيبيروت. وتنتظرنا مساء غد في جناح "دار الاداب" مع "سفينة حنان الى القمر" و"الالهةالممسوخة".
نحن من جهتنا، ننتظر جديد ليلى بعلبكي قريبا. بل نتمنى ان يتحقق ذلكقريبا جدا

ايوب صابر 12-10-2011 04:53 PM

الروائية الغامضة ليلى بعلبكي في حوار لـ "الفجر الثقافي
الروائية الغامضة ليلى بعلبكي تعود عبر "الفجر الثقافي"
صحفيّة مصرية كانت وراء محاكمتي قبل 20 سنة وكاتب ياسين أنصفني
2010.04.18

وأنت تحاورها، يخيل إليك وكأن ذاكرة بيروت القديمة كلها قد عبرتك دفعة واحدة، لأنك تجلس مع امرأة تختزل في كل همسة منها روح بيروت، ببحرها الذي كاد أن يسرقها ذات صيف من أهلها وهي تحاول أن تعبر إلى الضفة الأخرى من الحلم، حلم الكتابة الذي قهروها باسمه ذات مساء بيروتي، وهي ترتشف قهوته الندية في أشهر مقاهيه وأعرقها..

المبدع العربي اليوم يقبع تحت سلطتين.. سلطة الناشر وسلطة الدولة
الذي عادت إليه بعد أكثر من 45 سنة من الغياب لتكشف لقرائها عبر صفحاتنا سرّ صمتها كل هذا الوقت..


السيدة ليلى بعلبكي من الثمانينيات إلى الآن.. ماذا تغير فيك وماذا بقي لك من ذلك الزمن الجميل الذي لازلت تحملينه بداخلك وكأنك تعيشن أحداثه اليوم؟
ما تغير..؟ سؤال صعب في بداية حديث أولي لي مع القارئ الذي لم ألتقيه منذ ما يزيد عن 20 سنة.. لكن دعيني أقول لك ولمن سيقرأ هذا الحوار إن الذي تغير هو يوم واحد.. أو بمعنى أصح حدث واحد تغير في حياتي وفي حياة هذه الأمة والجيل الذي كنا نحلم بغد مليء بالنجاحات والأمنيات السعيدة، عالم كله حب.. وسعادة.. وفرح.. إذا كان هناك شيء تغير فيَّ فهو ما حدث في الثمانينيات لهذا الوطن، والصدمة الكبرى لأبناء هذا الوطن، وبالتحديد مع بداية الحرب الأهلية بين اللبنانيين، يوم استيقظنا ووجدنا أن كل شيء من حولنا قد انفجر..
صحيح كما قلت؛ أنا لازلت أعيش تلك الأيام وكأن شمس ذلك اليوم الذي بعث فيه رئيس حزب الكتائب بجيوشه من جهة والمرابطون من جهة ثانية، وبدأ دم اللبنانيين ينزف على هذه الأرض.. أتدرين لماذا اخترت هذا المكان بالتحديد للقائي الأول بيني وبين القارئ؟


أسألها- ..لماذا؟
في هذا المكان بالتحديد الذي نجلس فيه أنا وأنت في شارع مي زيادة، نزلت الدبابات وبدأ اللبناني يقتل أخاه اللبناني الآخر الذي قد يختلف معه في العقيدة أو في الفكر.. لكنه بلا شك يشترك معه في أشياء كثيرة.. أهمها الوطن الواحد الذي ننتمي إليه.


أفهم من كلامك أن لا شيء تغير مذ ذاك اليوم إلى الآن، أم أن هناك بعض التفاصيل التي تغيرت، بعض الأحداث، أوالذكريات، مهما كانت سيئة أو جميلة؟
أتريدين الصدق..؟ وأنا على مشارف الـ75 سنة، لازلت لم أشهد بعد غروب شمس ذلك اليوم، ولا خمود تلك الشحنة من الألم والحزن الذي كان يعتصرني وأهلي ونحن نهرب من هذا المكان كي لا نقتل على يد هذا أو ذاك.. لهذا أقول لك بأن لا شيء تغير فيَّ ولا فينا.


وماذا تغير في الروائية ليلى بعلبكي بعد المحاكمة الشهيرة التي تعرضت لها منذ 20 سنة من الغياب عن المشهد الثقافي اللبناني والعربي ككل؟
بعيدا عن الذي تغير في الروائية التي تتحدثين عنها، دعيني أقول إن غيابي عن المشهد الثقافي اللبناني والعربي عامة، كانت له أسبابه الخاصة، والوجيهة أيضاً، فغيابي لم يكن نتيجة حتمية للذي حدث لي بعد المحاكمة التي تعرضت لها في قضية "سفينة حنان إلى القمر"، كما لم يكن هروباً أواختفاءً كما فسره الكثيرون منذ ما يزيد عن 20 سنة..


ما الذي كانه، إن لم يكن اختفاءً إذاً؟
الغياب، كما قلت سابقاً، له أسبابه الخاصة بطبيعة الحال، ولم يكن تعمدا مني عن سابق تصور وتصميم، وإن صوره البعض على كونه اختفاء فأنا أقول لهم اليوم من خلال جريدتكم المحترمة، أنّ بعد كل الذي حدث لي من قبل المثقفين قبل أن يكون من عامة الناس ومن المحكمة التي حاكمتني، كان عليّ أن أنسحب من الثرثرة الإعلامية التي لم تتوانى في التشهير بي ووصفي بأقبح الصفات وكأن بي كتبت عن الفسق و عن الأشياء التي يحرم الحديث فيها.
ما حدث بعد المحاكمة بالتحديد هو تعمد للصمت وتعمد لعدم النشر في أي وسيلة إعلامية عربية لم تحترمني، لكن هذا لم يمنعني من الكتابة أو مواصلة الحياة في عالمي الذي بدأته بصمت وأعتقدني سأنهيه بصمت أيضاً.

قد يفهم القارئ ما تقصدينه بمواصلة الكتابة بصمت أو الانتهاء منها بصمت، لكن ماذا تقصد ليلى من البداية بصمت؟
حين قررت أن أكتب، أو بمعنى أصح حين وجدتني ذات مرة أقترف فعل الكتابة، وأنا المنتمية إلى عائلة مثقفة تحترف الأدب والعلم والإبداع، كنت أخشى أن أقول للآخر الذي كان أخي أو أختي أو والدي الذي كان شاعر زجل معروف بالجنوب اللبناني حينها، بأنني سأكتب وسيكون لي مستقبل في الكتابة، وأني سأقترف بعد سنوات قليلة النشر والطباعة، لهذا أقول إنني كنت أكتب بصمت وبسرية تامة رغم يقيني التام بأن ما أكتبه هو فعل إبداعي محض، لكن كان لديّ نوع من الهاجس تجاه ما أكتبه.. ربما بعد ما حدث لي مع مجموعتي القصصية "سفينة حنان إلى القمر"، أدركت سرّ هواجسي تلك التي كانت تخالجني حينذاك.


ترى ما الموقف الذي دفع ليلى إلى كتابة مجموعتها القصصية "سفينة حنان إلى القمر"، أو بمعنى آخر ما اللحظة التي استدعت ليلى لكتابة مشاهد تلك المجموعة التي جعلتك فيم بعد تحاكمين بسببها؟
بعيدا عن أسباب المحاكمة التي لازلت لا أقتنع بشرعيتها بعد، هي أفكار تخالج أي مبدع في لحظة زمنية معينة دون أخرى.. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نسأل المبدع لماذا كتبت هذه المجموعة دون تلك، كما حدث معي في المحاكمة.


طيب لماذا لم تقتنعي بعد بأسباب المحاكمة التي تعرضت لها في الستينيات؟
أولا المحكمة بنت أحكامها وأقوالها على أساس إحدى المقالات الذي كتبته إحدى الصحفيات المصريات ونشر بجريدة مصرية آنذاك، حيث قامت كاتبة المقال باقتباس بعض الكلمات ووصفتها بأنها كلمات بذيئة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تدخل ضمن الأدب..!، وكأني بها تنصب نفسها ناقدة وحامية للإبداع والآمرة فيه والناهية.
في اعتقادي أنا لو كتبت شيئا مثيرا للغرائز أو فيه نوع من الإبتذال، لما وقفت أمام المحكمة ودافعت بكل قوتي عن نصوصي وأعمالي.. وأيضا لما نلت البراءة ذلك اليوم.
حين كنت أقترف الكتابة وأنا لم أتجاوز بعد سن الـ 15 سنة، كنت أردد بأني أنا أفكر بهذا الطريقة إذا لماذا لا أكتب هذه الأفكار والأحداث التي تخالجني، فكتبت "أنا أحيا"، ثم"سفينة حنان إلى القمر"، وبعدها "الآلهة الممسوخة"، أنا كتبت بكل براءة وسذاجة.. لكن هذا لا يعني بأني لم أكن أراقب ما أقوم بكتابته.. أنا حين أكتب لا يمكنني أن أفرض على نفسي أشياءً معينة وأقول إني يجب أن أكتب هذه الكلمة أو تلك.. الكاتب لا يمكن أن يراقب نفسه أو يفرض على ما يكتب رقابة، ففي مطلق الأحوال أصبح اليوم هناك أكثر من رقيب يفرض على المبدع العربي، الذي أصبح يقع بين مطرقة الناشر وسندان السلطة التي أضحت تفرض رقابة على الأعمال التي ستطبع.


ألهذا السبب توقفت ليلى بعلبكي عن الكتابة؟
مطلقاً.. أنا لازلت أكتب.. وفعل الكتابة هو الشيء الوحيد الذي لازال يجعلني أشعر وكأنني لازلت تلك الطفلة المفعمة بالبراءة وهي تكتب أولى أعمالها الإبداعية "أنا أحيا"، وهي ذاتها التي حملت ذات صباح عملها ودفعت به إلى دار الآداب، ومن ثمة "مجلة شعر"، لتخرجه إلى النور.


لماذا إذا لم نرَ أعمالك الجديدة، فحتى بعد اتخاذك لقرار العودة إلى المشهد الإبداعي من جديد عدت بإعادة إصدار مجموع أعمالك التي سبق لها أن صدرت من قبل وليس بعمل جديد؟
كما قلت لك من قبل.. الطفلة المتمردة بداخلي ترفض أن تمنح أعمالها لرقيب يقرر عنها ما يجب الإحتفاظ به وما يجب حذفه وما يجب تقديمه للقارئ.. لا يمكن أن يقبل أي مبدع حر هذا القرار، لهذا أنا اليوم لم أعد أنشر.


ماذا كتبت ليلى بعلبكي أثناء انقطاعها عن العالم لسنوات طويلة؟
كتبت كثيراً، هناك مجموعة قصصية، كما اشتغلت على كتابة سيرتي الذاتية التي أتوقع أنها تستحق أن تنشر ليطلع الآخرون على الأمور التي حدثت لي بعد محاكمتي والأسباب التي جعلتني أصمت طوال هذه السنوات، والتي أسرد عليك الآن بعضا منها.


متى نرى هذه الأعمال؟
لا أعرف متى بالتحديد ولكنها ستخرج اليوم أو بعد حين.


نلاحظ أن العملين "أنا أحيا"، و"سفينة حنان إلى القمر"، هي الأعمال التي فرضت نفسها على القارئ والإعلام على وجه الخصوص، فيم لم يلقى عملك "الآلهة الممسوخة" الصدى ذاته.. لماذا برأيك؟
أعتقد أن "الآلهة الممسوخة" لم تأخذ حقها بعد من الإهتمام، مع أنني أعتقد بأن فيها الكثير مم يكتب ومم يقال، لكن بدأت أشعر مؤخراً أن هناك نوعا من الرقابة يفرض على هذا العمل بدليل أنه لا يتواجد على واجهات المكتبات هنا بلبنان، على عكس أعمالي الأخرى.


لماذا يخالجك هذا الإعتقاد.. ولماذا قد يفرض على هذا العمل نوع من الرقابة في هذا الوقت بالذات؟
فيما مضى كانت الرقابة تفرض على العناوين التي تحمل الإباحية، ولكن ما شاء الله اليوم أغلب الأعمال توحي بذلك ذلك، وأصبحنا لا نقول إن الأعمال التي تفرض عليها الرقابة بشدة هي تلك التي تدخل ضمن المحرمات الثلاثة "الجنس، الدين، السياسية"، ربما الأعمال التي تتناول السياسة لازالت تلاقي بعض الإنتقادات لكن الأعمال التي تتناول موضوع الجنس لا، بدليل أن أغلب، إن لم أقل كل الأعمال الروائية التي طرحت في السنوات الأخيرة، تتناول الجنس بشكل أو بآخر، وطبعا هي بعيدة كل البعد عن الجمالية الإبداعية التي من المفروض أن يتناول بها هذا الموضوع، الذي أضحى يتناول بطريقة مبتذلة جداً.
أما اليوم فقد أصبح موضوع الدين يحظى لوحده بهذه الرقابة الشديدة، في ظل تفشي ظاهرة الأعمال الروائية التي تتناول موضوع الجنس. ثم إن عنوان المجموعة يوحي بأشياء خطيرة في اعتقاد الآخرين، مع أن القارئ للعمل لا يجد هذا الخطر مطلقاً، لهذا أصبح توزيع هذا العمل قليل جداً عكس"أنا أحيا"، أو"سفينة حنان إلى القمر".


هل أفهم من كلامك أنك تطالعين كل الأعمال الروائية التي تطرح الآن؟
ليس كلها.. لكني أطلع على الكثير منها، أنا قارئة أكثر للشعر وليس للرواية ولا للقصة، لكني قرأت أغلب الأعمال الروائية خاصة التي تكتبها الروائيات..


بم تفكرين وأنت تقرئين تلك الأعمال؟
ماذا كان سيحدث لهن لو صدرت هذه الأعمال في الستينيات؟ يعني بإمكانك يا سيدتي أن تكتشفي بأن الذي حوكمت لأجله هو مجرد كلمات.. فقط كلمات تم انتقاؤها من أعمالي.. كلمات لا هي إيحائية ولا هي مبتذلة.. ولا هي حاملة لدلالات جنسية كما قيل حينها، بل هي مجرد كلمات بريئة جداً.


ما علاقتك بالجزائر التي ظهرت في عمل الأول "أنا أحيا"، من خلال الأفكار التي كانت تدور في مخيلة بطل العمل لينا فياض، والأفكار التحررية التي كانت تنادي بها؟
الجزائر، كما قلت لك في أول لقاء جمع بيننا، وأنا أشكرك بالمناسبة على ما تفضلت بكتابته يوم حفل توقيع أعمالي بمعرض الكتاب، لا ترتبط فقط بأعمالي أو أبطال أعمالي، فقد كان الراحل كاتب ياسين الذي حال القدر بين لقائي به، رغم أنني وهو كنا ننتمي إلى ذات الناشر، إلا أننا لم نلتق قط، فيما دافع عني وعن قضيتي بعد قراءته لعملي، وهذا الموقف منه لم يكن محض دفاع عن كاتب آخر بقدر ما كان دفاعه نابعا من دفاعه عن كل القضايا العادلة في هذا العالم. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن أنسى ما كتبه عن عملي بعد ترجمته إلى الفرنسية فيما، بعد حيث قال "ليلى بعلبكي امرأة تكبدت مشقة الكتابة، وهذا شيء رهيب عندنا، حيث يمارسون على المرأة ضغطا خانقا، وينبغي الخروج من هذا، وأحيانا يحصل الخروج بالأدب، كما حدث لليلى بعلبكي''. هذا من جهة ومن جهة ثانية أنا أحب الشعب الجزائري الثائر والمناضل، لهذا أنا رحبت بك وبجريدتك في بداية لقائنا والآن وفي كل مرة، كما أنني حصلت على نسخة من جريدتكم من خلال مديرة أعمالي زينة مزهر، وأعجبني توجهكم وطرحكم الجميل للمواضيع.

حاورتها في بيروت: حياة سرتاح

ايوب صابر 12-10-2011 07:21 PM

ليلى بعلبكي : محاكمة في الستينات بسبب قصة
ليلى البعلبكي
سفينة حنان الى القمر
القصة المتهمة
وأنا اغمض عيني أستطيع أن أرى كل ما حولي، المقعد الطويل الذي يملأ حائطاً شاسعاً في الغرفة من الزاوية إلى الزاوية. والرفوف على الحيطان الباقية. والطاولة الصغيرة. والطراريح الملونة على السجادة. واللمبة البيضاء بشكل مصباح بترول كبير التي تتدلى من ثقب في الحائط وترتكز على البلاط. حتى الشبابيك تركناها بلا ستائر. وفي الغرفة الثانية صوفا عريضة. وطاولة عليها مرآة. وخزانة في الحائط. وكرسيان من قماش المخمل. لم نغير شيئاً في البيت منذ تزوجنا، ورفضت أن انقل أي شيء فيه إلى مكان أخر.
فتحت أجفاني قليلاً حين سمعت زوجي يتمتم أن (الضوء قد طلع، ووحدنا المستيقظان في المدينة). رأيته يرتفع أمام النافذة ونور الفجر الفضي ينهمر على وجهه وكل جسمه العاري. احب جسده عارياً.
عدت وأغمضت عيني، فأنا أيضاً أستطيع أن أرى كل ذرة فيه وكل تفصيل دقيق يتخفى: شعره الناعم وجبهته وانفه وشفتيه وذقنه وعروق رقبته وشعر صدره وبطنه وقدميه وأظافره. وناديته أن يرجع ويتمدد قربي: عندي رغبة في أن اقبله؛ فلم يتحرك عرفت انه يتهيأ لان يقول شيئاً هاماً، من انفصاله عني ووقوفه بعيداً. هكذا يصبح قاسياً عنيداً ينجح في اخذ القرارات وتنفيذها. وأنا على عكسه تماماً: لا ناقشه يجب أن أتمسك بيده، أو المس ثيابه. لهذا فتحت عيني، ورميت الطرحة التي كنت احتضنها، وانتشلت قميصه، وفرشته على صدري، وعلقت نظري في السقف، وسألته إن كان يرى البحر، فأجاب (أرى البحر). سألته ما لونه، قال (ازرق غامق من جهة ومن جهة ابيض رمادي). سألته هل أشجار السرو لا زالت هناك، أجاب (لا زالت بين البيوت الملتصقة ببعضها، وان على السطوح النباتات مياها راكدة). قلت إنني احب شجرة البلح الوحيدة التي تبدو من عندنا كأنها مزروعة في البحر، وان أشجار السرو تصور لي المقابر البيضاء.
صمت طويلاً وأنا لا زلت أحدق بالسقف، ثم ردد (الديوك تصيح). أسرعت اخبره أنني لا احب طيور الدجاج لأنها تعجز عن التحليق، وإنني كنت وأنا صغيرة احملها إلى سطح المنزل وارميها في الفضاء اجرب تعليمها كيف تطير، وكانت الديوك وما والدجاجات تتكوم على الأرض بلا حراك.
عاد وصمت قليلاً ثم قال انه (يرى ضوءاً اشتعل في نافذة بناية مقابلة). قلت مع هذا لازلنا وحدنا المستيقظان في المدينة، المتعانقان الوحيدان طوال الليل فيها. قال انه (شرب كثيراً الليلة). عجلت أقاطعه إنني اكره هذه العبارة - شربت كثيراً - شربت كثيراً - كأنه يندم على الجنون الذي احبني به واللهفة. شعر إنني بدأت أتنرفز. بدل الحديث، قال (تبدو المدينة ككومة من الأحجار الثمينة البراقة بكل الألوان والأحجام). أجبته أنني أتخيل المدينة الآن علباً من الكرتون الملون إذا نفخت فيها تهبط. وبيتنا وحده بغرفتيه يتعلق على غيمة، يسير في الفضاء. قال أن (الجفاف في فمه ويريد برتقالة). أكملت ومع أنني لم اسكن مدينة غير هذه المدينة كنت اكرهها، ولو لم احلم بأنني يوماً ما التقي برجل يأخذني بعيداً لمت كمداً من زمان زمان. تظاهر بأنه لم يسمع عبارتي الأخيرة. ردد (أريد برتقالة، نشف حلقي). أهملت طلبه، وأكملت أنني معه لا أكثرت للمكان، تحتفي اليابسة بأشجارها وجبالها وانهرها وحيواناتها وبشرها. لم يعد قادراً على الانتظار. انفجر يسألني (لماذا ترفضين إنجاب الطفل؟) حزنت وانعصر قلبي وصعدت الدموع إلى أذني فلم افتح فمي. ي سألني (منذ متى تزوجنا؟) لم انطق بحرف وأنا أتتبع دورانه. جمد وتابع (منذ سنة وعدة شهور تزوجنا وأنت ترفضين ترفضين، مع انك كنت مهووسة بالأطفال قبل أن نتزوج، كنت مريضة بهم). وزاغ يضرب المقعد بيديه ويردد (أتذكر أيها المقعد توسلاتها؟ وأنت أيتها اللمبة هل سمعت صوت نحيبها؟ وأنت أيتها المخدات كم جعلت منك أجساداً صغيرة تحتضنها وتغفو قربها؟ انطقي أيتها الجمادات. انطقي. أعيدي لها صوتها الغابر فيك). بهدوء قلت أن الجمادات لا تحس ولا تتكلم ولا تتحرك. غضب وشرح إن (من أين لك أن تعلمي إنها ميته؟)، أجبت أن الأشياء ليست ميته، أنها فقط تستمد نبضها من الأشخاص. فقاطعني انه (لن يجادل الآن في الأشياء ولن يتركني أتهرب من حل هذا الموضوع ككل مرة). شرحت له ساهية أن الأشياء حولي، هذه الأشياء بالذات: هذا المقعد، هذه السجادة، هذه الجدر، هذه اللمبة، هذه المزهرية والرفوف والسقف، أنها مرآة هائلة تعكس لي العالم الخارجي: البيوت، والبحر، والأشجار، والسماء، والشمس، والنجوم، والسحب. والمح فيها ماضي معه، ساعات التعاسة والكمد ولحظات اللقاء والحنين واللذة والهناء، ومنها الآن استمد صور الأيام آلاتية. وأنني لن أتخلى عنها. غضب وصرخ (عدنا إلى الأشياء. أريد أن افهم الآن والآن لماذا ترفضين الطفل). لم اعد احتمل. صرخت انه هو أيضا كان يرفضه في وقت من الأوقات. صمت برهة ثم قال انه (رفضه قبل أن نتزوج وكانت حماقة ان نأتي به). بسخرية قلت انه كان يخافهم، هؤلاء الآخرين المهرجين، في المدينة كان يستجدي رضاهم وبركتهم وموافقتهم ليراني واراه ويضمني وأضمه ويغرقني بالحب واغرق فيه. كانوا يحددون لنا أمكنة لقائنا، وعدد خطواتنا إليها، والزمن، ومرتبة ارتفاع صوتنا، وعدد أنفاسنا. وكنت أراقبهم أنا، كانوا يسخرون منا في سرهم، كانوا ينامون بوقاحة مع الأجساد التي يحبونها، ويأكلون ثلاث وجبات طعام في النهار، ويدخنون سجائرهم مع فناجين القهوة وبطحات العرق، ويقهقهون، يعلكون في ابتذالهم حكاياتنا، ويخترعون قواعد لنا للغد ننفذها لهم. أتاني صوته مختنقاً وهو يغمغم (لم اكن اكترث للآخرين. كنت مرتبطاً بامرأة أخرى). آه كيف يمكنني أن أتحمل كل هذا العذاب، كل هذا التمزق، كل هذا العشق له؟ تمتمت انه كان جباناً، كان يعجز عن الاعتراف لها بالحقيقة بأنه لم يحبها ولن يحبها). قال باختناق انه (لم يكن هينا، كان قاسيا عليه أن يحدق بوجه الإنسان ويقول له، بعد تسع سنوات كان ينهض فيها كل يوم، كل يوم، فيجده أمامه، يقول له: الآن انتهى المشهد. ويدير له ظهره ويبتعد). أمرته أن ينظر إلى يده اليمنى، وسألته إن كان دمي لا زال يقطر منها ساخناً على الأرض. غمغم (كنت مجنونة. مجنونة حين نفذت الفكرة. فتحت هذا الباب. دخلت هذه الغرفة. رأيتك أنت ممددة على هذا المقعد. شرايين يدك مذبوحة. تسبح أصابعك في بحيرتي دماء. كنت مجنونة. كان يمكن أن أفقدك). تبسمت بحزن، وأنا اشد قميصه إلى صدري، إلى وجهي، أشمه. وقلت إن دوري في المسرحية كان يقتضي الانسحاب في النهاية، وكان الغياب الممكن عندي الذي أتقبله وأستطيع احتماله هو الموت السريع، بدل الزحف البطيء القاسي، كضفدعة الماء التي ضلت طريقها في الرمال، في عين الشمس، في تفتيشها عن ضفة النهر، في فيلم (حياة كلاب). ردد حزينا انه (لم يكن يعلم أنني جادة في تعلقي به). سألته ساخرة وهل كان ينتظر أن اقتل نفسي ليتأكد من صدقي؟ وأخبرته إنني كنت ضائعة فيه، كنت عاصفة حب زائغة أتسلل بين أصابع الناس، والفح وجوههم، واخترق الشوارع غير منظورة. كنت أحس فقط ثقل الأجسام وارتفاع النباتات ويديه، وطلبت منه أن يقترب ويعطيني يديه لأنني اشتقت لهما. فظل بعيداً جامداً، وأسرع يتهمني (بعد كل هذا الشقاء والانتصار ارفض أن أحبل منه. وارفض. ارفض. ويفهم من رفضي إنني لم اعد احبه. ماذا؟ صرخت أن لا يمكنه أن يتهمني بذلك أبدا. البارحة فقط كنت ممددة قربه، كان يستسلم لنوم عميق وأنا مفتحة الأجفان، أحفحف وجني بذقنه، واقبل صدره، واندس تحت ذراعه، ابحث عبثاً عن النعاس. هنا صارحته أن يزعجني فيه سرعة الذهاب في النوم وتركي وحيدة صاحية بجانبه. أسرع مستنكراً يقول انه (لم ينتبه يوماً بأنني أظل ساهرة. كان يعتقد إنني أغفو لحظة يغفو هو). أبديت بخبث إنها ليست المرة الأولى التي يتركني فيها وحدي. ثم أكملت سرد حادثة البارحة، انه كان نائماً يتنفس بهدوء، وأنا مستلقية على جنبي التصق به، أدخن سيجارة، وفجأة رأيت في فضاء الغرفة بين الدخان قدماً هاربة من تحت الشرشف. حركتها فلم تتحرك، وسرت برودة في جسدي كله. حركتها فلم تتحرك. فخطر لي أن اصرخ. حركتها فلم تتحرك. فأسرعت أخبئ وجهي في شعره، خفت. خفت. فتحرك هو، وتحركت القدم. وبكيت بصمت. كنت احسب، كنت اشعر، كنت لا أستطيع التميز بين قدمه وقدمي. ردد بصوت خافت (في هذا العصر لا يموت الناس من الحب). أسرعت اغتنم الفرصة، فقلت وفي هذا العصر لا ينجب الناس أطفالاً: كانوا في القديم يعرفون أين يسقط رأس الطفل، ومن يمكن أن يشبه، وذكر هو أم أنثى، كانوا يغزلون له قمصاناً من الصوف وجوارب، وكانوا يطرزون له ذيول الفساتين والجيوب والقبات بعصافير ملونة وأزهار. كانوا يجمعون له الهدايا صلباناً من الذهب وما شاء الله وكفوفاً مرصعة بحجارة زرقاء وسلاسل حفر عليها اسمه. كانوا يحجزون له الداية ويحددون لها يوم الولادة. وكان يهجم الطفل من الظلام ويرتمي في النور في توقيته الدقيق المنتظم. وكانوا يسجلون باسم الطفل قطعة ارض. وكانوا يستأجرون له بيتاً، ويختارون له الرفاق، ويعرفون إلى أي مدرسة يرسلونه، والمهنة التي يتعلمها، والشخص الذي يمكن أن يحبه ويربط مصيره بمصيره. كان هذا من زمان بعيد بعيد، في عهد والدك ووالدي. أستفهمني (هل تعتقدين العشرين سنة الماضية دهراً؟ ماذا تغير الآن؟ ماذا تغير؟ ألا يمكنني ويمكنك إعداد كل ما يعد للطفل؟) لأخفف عنه شرحت أني قبل ان أتزوج كنت أنا كطفل يستلقي على ظهره أمام نافذة، يراقب النجوم، يمد ذراعه الصغيرة يود قطفها. كنت أتسلى بهذا الحلم، بهذا المستحيل، أتعلق به وأتمناه. سألني (إذاً كنت تخدعينني). ماذا؟ اكتشفت انه حور الحديث إلى هجوم علي لكسب المعركة. فأسرعت أصارحه إن المرأة المحرومة مع رجلها هي وحدها التي تلح في طلب الطفل لتغيب، وتتلذذ في اللقاء به، وتحرر. أسرع يقاطعني (وهل كنت غير مكتفية؟) أجبته إن كنا نخاف، كنا لا نسافر إلى أخر المجاهل الحلوة، كنا نرتعد، كنا نصطدم دوماً بوجوه الآخرين ونسمع أصواتهم. ومن اجله هو ومن اجلي أنا استقلت لاحيا. وانه يخطئ، يخطئ في شكه بجنوني به. تمتم (ضعت. لا أفهمك). هاجمته أن اجل أجل لن يفهمني أيضاً إذا أخبرته إنني لا اجرؤ ان أحبل. إنني لن اقترف هذا الخطأ. زعق: (خطأ؟ خطأ؟) تشبثت بقميصه اكثر، استمد قوة. وعلى مهل، وبصوت خافت، حكيت له كيف يرعبني مصير طفل نرميه في هذا العالم. كيف أتخيل طفلي انا، هذا الكائن الذي أطعمه من دمي واضعه في أحشائي وأقاسمه تنفسي ونبضات قلبي وطعامي اليومي وأعطيه ملامحي والأرض، كيف يحتمل في المستقبل أن يتخلى عني ويذهب في صاروخ إلى القمر يستوطن هناك. وهناك من يدري إن كان يسعد أو يشقى. أتخيل طفلي بأربطته البيضاء، يطفر الدم من وجهه الطري، مشدوداً إلى كرسي داخل كرة زجاجية مثبتة على رأس قضيب طويل من المعدن الكاكي ينتهي بطيات تشبه تنورة فستاني (الشارلستون). ويضغط على زر، وتهب عاصفة غبار، وينطلق سهم في الفضاء. لا يمكنني. لا يمكنني.
صمت طويلا طويلا، ونور الفجر يتسلل إلى زوايا الغرفة من وجهه، ووجهه ساه يفتش في السماء عن سهم ووجه الطفل. كان الشرس بين حاجبيه معقوداً. كان الاستغراب والتوتر على فمه. فصمت أنا أيضاً، وأغمضت عيني. وعندما اصبح قربي، واقفاً كبرج هائل في محطة إطلاق صواريخ، خفق قلبي وتمتمت له إنني اعشق جسده عارياً. عندما يرتدي ثيابه، خصوصاً عندما يعقد ربطة عنقه، أحسه شخصاً غريباً إلى البيت في زيارة لسيد البيت. فتح ذراعيه، وانحنى. فهجمت إلى حضنه اهذي: احبك. احبك. احبك. احبك. احبك. احبك. وهو يهمس في شعري (أنت لؤلؤتي). ثم نشر راحة يده على شفتي، وشدني إليه بيده الأخرى، وامرني (هيا لنصعد أنا وأنت إلى القمر).
نشرت في العدد الرابع من " حوار" 1966

ايوب صابر 12-10-2011 07:23 PM

محاكمة ليلى البعلبكي


دفاع عن الحرية


"إن محاكمة ليلى بعلبكي هي الأول من نوعها في تاريخ القضاء اللبناني، وهذه هي المرة الأولى التي يحكم كاتب عن كتاب ألفه".


هذا ما قاله محسن سليم، محامي الآنسة بعلبكي في قضية كتابها "سفينة حنان إلى القمر".


وكانت المؤلفة قد قدمت بمجموعتها (وقد نشرت إحدى قصصها، التي سمي الكتاب بكامله باسمها، أولاً في (حوار) إلى مسابقة جمعية أصدقاء الكاتب للقصة القصيرة في العالم الفائت، ولم تربح الجائزة. وقد شاعت آنذاك أقاويل كثيرة عن أسباب، لا علاقة لها بالأدب، حرمت هذه المجموعة من الجائزة. ألا أن قضية الكتاب طرحت الموضوع على بساط البحث من جديد، ونشر أحد أعضاء اللجنة المكلفة بمنح الجائزة مقالاً ذكر فيه أن اللجنة كانت قد قررت بالاجتماع منح الجائزة لليلى بعلبكي لكنها رأت إن تحجب الجائزة عنها لأن كتابها (فيه شيء من الحرية الأدبية لم تصبح مألوفة بعد في الأدب العربي إلى الحد الذي يسمح للجنة بتحميل الدولة مسؤولية الجائزة!)

ومضت ثمانية اشهر منذ صدور الكتاب، مرخصاً به من وزارة الأنباء (ومضت أشهر أطول منذ صدور القصص التي يضمها مبعثرة في المجلات)، وقيل فيه الكثير. وفجأة، قامت السلطات بمصادرة الكتاب من ناشره ومن المكتبات المختلفة، واحتجزت شرطة الأخلاق المؤلفة ثلاث ساعات ونصف الساعة واستجوبتها، وأحالتها إلى المحاكمة.

وكان السبب المباشر لذلك تعليقاً ورد في مجلة (صباح الخير) القاهرية بإمضاء معلقة اسمها (نادية). فاقتبست في تعليقها مقطعاً من أربعة اسطر ورد في الكتاب (وجاءت فيه كلمة (لحوس) التي لعبت فيما بعد دوراً رئيسياً في القضية) واختتمت كلمتها القصيرة بقولها: (شعرت بقشعريرة وبتقزز، وقلت لنفسي بضيق: ياست ليلى بعلبكي، لحوس إيه، وحام إيه، وطرية وناعمة إيه، وأدب إيه؟ ملعون هذا الأدب يا شيخة!)
وقد نقمت بعض الصحف في بيروت على اهتمام السلطات فيها بملاحقة الكتاب لمجرد نشر نقد له في مجلة (صباح الخير) بالذات. ووجدت نوعاً من (العدالة) في أن إحسان عبد القدوس نفسه، صاحب هذه المجلة، تعرض فيما بعد مشاكل مماثلة في القاهرة لروايته الجديدة (أنف وثلاث عيون)، التي قال المستشار في إدارة قضايا الحكومة في القاهرة في عريضة الدعوى أنها (تتضمن انحلالاً وتحطيماً لكل القيم الإنسانية والروحية والخلقية والدينية، فضلاً عن منافاتها لأبسط قواعد الآداب العامة). وربما كانت مثل هذه الملاحقات في بال الأستاذ عبد القدوس عندما كتب في زاوية له في (روز اليوسف): (كارثة على الأدب العربي على وشك أن تهب. وعندما تمتد يد غير المختصين وغير الفاهمين لتحاول أن تخنق إنتاجاً أدبياً، فهي كارثة. ليست كارثة على واحد من الأدباء، ولكنها كارثة على كل الأدباء، وعلى الأدب).

وقد وصفت الآنسة بعلبكي استجواب مفوض الشرطة لها:

لم أتمكن من إخفاء استغرابي وهو يسألني: لماذا تكتبين بهذه الطريقة؟ وسألت نفسي هل يحق لأحد أن يسأل فناناً لماذا يكتب هكذا؟ بصوت مرتفع أجبت: لأنني اعتبر نفسي أتمتع بحرية الرأي والفكر والعمل الممنوحة لكل شخص في لبنان.

سؤال: ألا يتهيج المراهقون بعد قراءة كتابك، ويجب مصادرته؟
جواب: الكتاب يتكلم عن البشر، عن الناس، عن الأشخاص، في هذا البلد. يصور الواقع بطريقة أدبية فنية. وإذا كانت تجب مصادرته فالأصح أن تصادر البشر هنا، لأنهم مادته…

سؤال: لماذا استعملتي هذه الكلمة بالذات؟ جواب. لم اجب. بماذا أجيب؟ هل علي أن أفسر لماذا استعملت هذه الكلمة بالذات، لا تلك، لحظة خلقي الفني؟ من هو الوصي على الموهبة هنا عندنا في لبنان؟ من؟ شرطة الأخلاق؟ من هو المحاسب؟ من هو المعاقب؟
ثم افتراء. افتراء أخذ كلمة واحدة ونزع ما قبلها وما بعدها وحصر التهمة بها.

وانتهى الاستجواب، والدقائق ثقيلة تزحف في عيني، والصمت يزيد غضبي واستنكاري الأخرس. كان المقصود أن يشعرني بالخجل مما اكتب، والذنب. أحسست فقط أنني وحدي في غابة، وكنت مليئة بالحزن، حزن كبير يغرق العالم.

وسرعان ما جاء ردود الفعل بين الأدباء والمفكرين والفنانين. وكان أبرز هذه الردود بيانين هامين، جاء في أولهما:

نحن الموقعين نؤكد أيماننا بحرية الفكر وتمسكنا بكرامة الكاتب، ونعتبر كل تعرض لهما أو تعد عليهما امتهاناً لحرمة الخلق والإبداع، ولذ استنكر مصادرة كتاب الأديبة ليلى بعلبكي، كما نستنكر استحضار الكاتبة واستجوابها أمام شرطة الأخلاق، ونرى في هذا التدبير ما يجاوز موضوع كاتب معين أو كاتبة معينة إلى صميم الحرية الفكرية التي هي القوام الحيوي لمختلف وجوه النشاط في لبنان… ونحن على يقين أن الحرية الفكرية التي نعلن تعلقنا بها إنما هي متنفس الأدب الحق، فضلاً عن كونها من أهم الأسباب لتبلور القيم الروحية ولتفجير الطاقات الخلاقة على مستوى الأفراد والجماعات.

وجاء في الثاني:

يعتبر مفهوم الحرية بأبعاده كافة، وخاصة حرية الفكر والرأي والتعبير الفني، جزاءاً لا يتجزأ من وجود لبنان. ولقد وقع بالأمس ما يعتبر تجاوزاً على حرية التعبير عندما قامت الدولة ممثلة بالمحقق وشرطة الأخلاق بمصادرة كتاب ليلى بعلبكي بتهمة الإخلال (بالأخلاق العامة) وبالتحقيق مع صاحبته من قبل شرطة الأخلاق في مركز الشرطة، وتلا ذلك مصادرة الكتاب من الناشر ومن المكتبات كافة.

إن هذا الأجراء يدعو إلى التساؤل عن ما هي الرقابة في لبنان، وعن الجهة المسؤولة عنها: أهي شرطة الأخلاق، ومسؤوليتها كما نعلم ذات (طبيعة خاصة)، أم جهاز للرقابة ملحق بوزارة الأنباء يقوم بمراقبة الأعمال الأدبية على أساس تقيمها فنياً والنظر إليها على ضوء ما تقتضيه المصلحة العامة؟

وقد وقع البيانين حوالي خمسين أديباً ومفكراً وفناناً.

وبالإضافة إلى هذين البيانين كتب الكثير من الأدباء في موضوع الكتاب بالذات والقضية بوجه عام. فبعث الأستاذ خليل تقي الدين، سفير لبنان في لندن، وهو أديب معروف، بتقرير إلى وزارة الخارجية جاء فيه:

ولا اخفي عليكم أنني استغربت كما استغرب الكثيرون في خارج لبنان وفي داخله أن تقدم شرطة الأخلاق والنيابة العامة على مصادرة كتاب كهذا وملاحقة مؤلفته بحجة أنه مخالف الأدب في بلد كلبنان كان ولا يزال يقدس الحرية الفكرية ويصونها ويقيم الدليل كل يوم على أنه بلد التحرر والتجديد لا بلد التحجر والجمود.

إن أدب ليلى بعلبكي ليس أدباً رخيصاً، ولا مبتذلاً، ولا إباحياً. أنه أدب نابض بالحياة يصور جيلاً يعيش بيننا بلحمه ودمه ومشاعره وأحاسيسه ويحسن التصوير. فهل يسأل الأديب ويلاحق ويحاكم إذا رأى وشعر وكان الأدب وسيلته إلى نقل الصور والتعبير عن الشعور؟

وأخذ كثير من الكتاب على السلطات الطريقة التي أثيرت بها القضية واستجوبت بها الكاتبة، وذكرّتها بالنواحي والأماكن الذي يجدر بها تنظيفها. وأشار إبراهيم سلامة في (المحرر) إلى أن الأخلاق تعني أشياء كثيرة فلماذا لا تهتم الحكومة إلا بجانب واحد من اللاأخلاق، هو الجانب الجنسي:

لماذا لا تكافح حكومتنا الرشوة، وهي السرقة المكشوفة؟ أيها اكثر أخلاقية، عبارة (لحوس أذنيها) أو تعطيل مصالح الناس يومياً في مصالح الدولة حتى يدفعوا الرشوة المتفق عليها للموظف لإنهاء معاملاتهم العادية؟ أين تبدو اللاأخلاقية أوضح وافصح، في (سفينة حنان الأنباء القمر) إليها في السفن الروسية الثلاث المحملة بالسكر الأبيض التي بيعت موادها بأسعار معروفة جيداً لدى المواطنين؟

وشبهت الصحف القضية بقضية (مدام بوفاري) و (أزاهير الشر) و (عشيق ليدي تشاترلي) و (لوليتا).

ورأى كتاب آخرون في القضية مغزى اشمل. فقال السي الحاج في (ملحق النهار):

مسالة ليلى بعلبكي حدثت وستحدث ما دام في العالم دول. أنها ذهبت ضحية لأنها امرأة ولأنها معروفة ولأن رأيها صريح في النظام البوليسي. الصراع بين الأدب والنظام ظاهرة روتينية لا جديد فيها. وأكاد أقول يجب أن يكافح النظام الأدباء، ففي وجود كل من الاثنين نفي الآخر.

ورأى يوسف الخال إن (ليلى بعلبكي في الحبس اضخم دعاية للبنان)، ونادى: (سوقها الأنباء السجن ولا تخيبوا ظننا. الماء ركدت وأسنت بما فيه الكفاية، وحان أن تحركها هذه الصخرة). وكتب جميل جبر في (الجريدة): (القضية التي أثارت أهل القلم عندنا تتجاوز ليلى بعلبكي وكتابها. إنها قضية كرامة كاتب واحترام رأي. إنه قضية الحرية فخر لبنان وركيزة مبررات وجوده. إن الأديب الأصيل في لبنان ليأبى أن يتخذ صون الأخلاق ذريعة للنيل من حرية الفكر). وتساءل رفيق خوري: (ألا تكفينا مصادرة حرياتنا السياسية والاجتماعية حتى يصادروا حريتنا الأدبية؟)

لكن رد الفعل لم يكن كله مدافعاً محبذاً. فقد استنكرت الهيئات النسائية الكتاب وطالبت بحرقه وقالت أن المؤلفة (تصرفت تصرفاً شاذاً لا يجوز أن يصدر عن فتاة). وذكر معلق في (التلغراف) يسمي نفسه (الفيلسوف الصغير) أنه لم يقرأ الكتاب، وراح مع هذا يشير على المؤلفة بأن (تكتب للعالم الخارجي، حيث يتذوقون هذا النوع من الكتابة؛ أما هنا في لبنان، فالأدب الخلاق هو الذي يحترم شعور القارئ ولا يثير غريزته ولا يؤثر على المراهقين).

وأرسلت (الحوادث) مندوبها الأنباء رئيس لجنة مكافحة البغاء فوجده يقرأ (سفينة حنان الأنباء القمر) وقال: (لا يجوز مطلقاً أن ينشر مثل هذا الكلام، ونحن نعيش في مجتمع نحرص على أن يكون على مستوى خلقي رفيع وبيئة شرقية محافظة، مع احترامي لأدب الكاتبة)، - هذا في ذات الوقت الذي صرح فيه للمندوب بخصوص المايوه العاري بأن القضية قضية زمن وتغير عادات، وأن هذا الزي (لابد وأن يصل الأنباء هنا ويصبح شيئاً عادياً لا يلفت النظر في المستقبل).

وتصدت السيدة ثريا ملحس للهجوم على الرجال في معرض دفاعها عن الفضيلة، فقالت في (الحسناء):

كان الرجل ولا يزال سبب هلاك المرأة. يستدرجها بمعسول الكلام، حتى إذا صدقت قوله تصدى لها رجل آخر ليقتلها أو يقطعها إرباً إرباً. الرجل العربي لم يتغير كثيراً ولو تغيرت أساليبه. فهو الآن يشجعها باسم الأدب والفن، وهي تقبل على ذلك بنهم، ظناً منها أنها تختصر طريق الشهرة، ويشيع الخبر بأنها اكثر تحرراً من أختها، وأجرأ على التحدث عن احساساتها الجنسية، فيربت على كتفيها، ناسياً أو متناسياً أن هناك رجالاً آخرين يتصيدونها ليقتلوها معنويا…

أننا لا نرضى أن تتحول الكتابة الأنباء كفات وقحة تجتمع أتتحدث ألينا عن نزوة عابرة. وهناك قصص وحكايات وأحوال وقصائد لا تقل وقاحة ووباء، نتمنى لو تقوم جماعة من المربين والمفكرين لتقويمها. فأن فشل الشعب فلماذا تلومون (شرطة الأخلاق للاستجواب)؟

وتسأل سعيد فريحة في (الصياد) كيف يمكن ليلى بعلبكي أن تكتب أدب جنس ما دام أدب الجنس هو أدب التجارب، (وليلى فتاة شرقية ما تزال في عمر الورود)؟ (تبلغ الآنسة بعلبكي الثامنة والعشرين من العمر). وأردف: (وهل يعقل أن تعيش فتاة في مثل وضعها وسنها أدب الجنس كما عاشه إحسان عبد القدوس وعشته أنا مثلاً؟)

لكن أحداً لم يصل في هجومه الدرك الذي وصله تعليق غير موقع في (الشعب):

إن كانت ليلى بعلبكي تريد أن تحيا، فلتحيا وحدها مع القذرات والكلاب. ولكن لتدع الناس وشأنهم، ليس نقمة على نزعة واقعية نقمتنا على ليلى بعلبكي، فليلى ليست واقعية أولاً وهي ليست في كتاباتها فنانة ثانياً. فالإنسان لا يعيش مع رعشات الكلاب والفن لا ينمو حول القذرات.
وأزف موعد المحاكمة. وصرحت الآنسة ليلى بعلبكي قبيل المحاكمة بقولها:

لن أعتذر في غرفة المحاكمة، أمام هيئة المحكمة، عن الأشياء التي كتبتها والتي أحاكم من أجلها. أنني جد فخورة بما كتبت.

إنني أسأل: هل العطاء هو جريمة؟ ذنب؟ خجل؟ أنني أؤكد واشعر أن هذه القضية تطال جميع الأدباء والفنانين وهي تحد من الخلق والفن.

إن هذا الشيء معيب بأن اقف أمام المحكمة واشرح لماذا كتبت. أنا اكتب بحرية. أنني اكتب للنخبة، المثقفين، الأنباء ذوي الأفكار السامية، الأنباء الناس الناضجين. أنا ارفض أن اكتب لمرضى الأخلاق وللمقعدين وللمتأخرين عقلياً.

إنني ذاهبة غداً الأنباء المحاكمة بكل فخر واعتزاز. على اعتقاد مني بأن الحق لي والقانون بجانبي. ولإيماني الوثيق بالعدالة. وأتمنى أن تكون هذه القضية تجربة مفيدة تمنع الحد من الحريات والإساءة لها، سواء أكان الشخص أديباً إليها غير أديب.

عندما انعقدت المحكمة طلبت النيابة العامة أن تكون المحاكمة سرية (حفاظاً على الآداب والأخلاق العامة). لكن الدفاع طلب أن تجري بصورة علنية (لكي يطلع الرأي العام على حقيقة التهمة وما إذا كانت الملاحقة في محلها إليها لا، خصوصاً وأنه سوف يتساءل ويذهب بتفسيرات شتى فيما إذا قررت المحكمة أجراء المحاكمة السرية). فأجيب الدفاع الأنباء طلبه.

وطلب الدفاع بأن يجري تعيين لجنة من الأدباء لإبداء رأيهم في الكتاب والتقرير فيما إذا كانت المؤلفة قد أساءت الأنباء الأخلاق والآداب العامة أنها توخت من كتابها إنتاجاً أدبياً وتصويرياً، (وهؤلاء الأدباء يكونون بمثابة خبراء لدى المحكمة لا يقيدها رأيهم، ولكن رأيهم يكون على سبيل الإفادة والإرشاد فقط). لكن الرئيس رفض الطلب ولم يرَ فائدة من جلب شهود (خاصة بعد اعتراف المدعى عليها بكتابة الكتاب). (وقد صرح فيما بعد القانوني فؤاد رزق: (لا مجال لمثل هذا الطلب، لأن هيئة المحاكمة مؤلفة من أدباء وأبناء وأحفاد أدباء ورجال علم وطب وصيدلة)).

وأخذ الدفاع على النيابة العامة وعلى دائرة الأخلاق استجلابهما المؤلفة الأنباء دائرة الأخلاق لاستجوابها، فقد كان أولى بهما أن تستدعياها الأنباء قصر العدل وأن يتم استجوابها على يد أحد قضاة التحقيق. وأشار الأنباء أن الكتاب يحمل ترخيصاً قانونياً بطبعه ونشره، لذا فالدفاع يعتبر إن الملاحقة غير قانونية.

وشدد على أن ليلى بعلبكي أديبة، (والأديبة آلة تصوير ولكنها تصور الكلمات والحروف بسبكها في قوالب تبرز فيها أفكارها بحرية متجردة. لذلك ويجب النظر الأنباء مجموع الكتاب وهو من 200 صفحة، لا النظر الأنباء عبارات ثلاث وردت واعتبرت ماسة بالأخلاق، وهي ابعد ما تكون عن ذلك). وطالب ببراءة المؤلفة.

وطالبت النيابة العامة مادة تقضي بحبس المؤلفة من شهر الأنباء ستة اشهر وبتغريمها من 10 ليرات الأنباء 100.

في هذه الأثناء كانت عدة صحف أجنبية كبيرة قد أخذت تهتم بالموضوع، فنشرت (الاوبزيرفر) مقالاً في صفحتها الأولى، وجعلتها (جان افريك) موضوع صورة الغلاف ومقال رئيسي فيها، وكتبت عنها (فرانس سوار) و (الديلي اكسبرس). ووصلها عرضان من داري نشر في بريطانيا وأمريكا. كما منحها نادي (الفوبور) في بيروت جائزته لتمسكها بحرية التعبير.

وفي 23 تموز (يوليو) التأمت المحكمة وأعطت قرارها في الدعوى. وقد جاء في قرارها ما يلي:

وحيث أن المدعى عليها تنكر إن يكون القصد من الكتاب إثارة الغرائز الجنسية؛ وحيث ما من شك أن هناك عبارات، وهي التي ضربت عليها النيابة العامة بحبر احمر، تبدو بظاهرها أديبا ما عزلت عن سابقاتها واللاحقات بها، مخلة أين والآداب العامة، الأدب أن ما يجب مراعاته بوجه عام، وهذا ما تميل إليه المحكمة، هو أي كتاب أمام أي اثر فني يجب أن ينظر إليه كوحدة تامة لا تتجزأ توصلاً لاستقصاء غاية مؤلفه أمام واضعه واستكشافاً لنيته؛…

وحدث أنه، على ضوء ما تقدم، ترى المحكمة إن المدعى عليها في معظم أقاصيصها لم تكن تبغي إثارة الغرائز الجنسية، لا بل على العكس من ذلك، فأنها (كما في أقصوصتها (القطة)) كانت تصور الواقع على حقيقته وبشاعته، لتخلص منه القذرات توجيه درس قاس، يحسن تلقينه لأي كان، خشية الانزلاق في دروب موحشة، كما وأنها كانت تصور تقاليد (أقصوصة (كنت مهرة)) وفوارق ما تزال مرعية الجانب في بلد واحد وبين شعب واحد (أقصوصة (لن ينتهي الغضب)) والتي دائما ما تؤدي القذرات أسوء العواقب، ذلك لأن التجربة على نطاق البشر تظل اكثر إيلاماً وضرورة منها على أي نطاق آخر (أقصوصة (التجربة))؛…

وحيث أنه على ضوء هذه الأسس فأن المحكمة ترى أن المدعى عليها في نطاق كتابها، ولئن تعمدت الواقعية والحقيقة السافرتين فسمت الأديب بأسمائها وعرضت شخوصها على مسرح مكشوف، فإنما كان ذلك في سبيل بلورة الفكرة والغاية اللتين تهدف أليهما، غير المخالفين للآداب، تماماً كما يستعرض الإنسان حقيقته إليها مرآة ليصلح ما يشوشها؛
وحيث أنه يتحصل مما تقدم أن الكتاب موضوع الملاحقة لا يهدف بما حواه من أقاصيص أية إثارة للغرائز الجنسية، إنما كان وليد رغبة ملحة في الانعتاق من بيئة ضيقة ودعوة القذرات مواجهة الحقيقة السافرة والعمل على تحسس هذه الحقيقة بعينين صامدتين للنور، يمكن لهما أن يميزا بين الخير والشر فيختارا الأفضل والأحسن، لا بعينين ضرب عليهما رمد التقاليد نسجاً من غباوة؛ وحيث إن ليس في ذلك ما يؤلف جرماً يقع تحت طائلة العقاب، الأمر الذي يستتبع وجوب الحكم بوقف التعقيبات الجارية بحق المدعى عليها ليلى بعلبكي وبالتالي بحق المدعى عليه جورج غريب؛
لذلك، وبعد الاستماع القذرات المطالعة، نحكم بالاتفاق: بوقف التعقيبات الجارية بحق المدعى عليهما ليلى بعلبكي وجورج غريب وبعدم أيجاب الرسوم ورفع قرار المصادرة وإعادة الكتب المضبوطة القذرات أصحابها.
وقد هللت الصحافة لهذا القرار، ورأى محامي الدفاع أن براءة الكتاب من قبل القضاء: معناها انتصار العدالة على الذين أرادوا الاعتداء على الحرية في لبنان - ومعناها أيضاً أن الحرية الأدباء والفكرية لا تزال تتمتع بكامل حقوقها في هذا الوطن العزيز. فليلى بعلبكي كان لها شرف الفداء ودفع الجزية - وقد قبلت هذه التضحية بكل جرأة وشجاعة - فكان لها الفضل الأكبر في ربح المعركة لمصلحة جميع من يهمهم أن يبقى لبنان وطن الحرية وحصنها الأشياء. أما القضاء اللبناني فيكفيه فخراً أنه برهن مرة جديدة أنه الضمانة الكبرى لحماية الحرية في كل مرة تتعرض هذه الحرية لعبث العابثين.

وكتبت ليلى بعلبكي، التي كانت قد وصفت نفسها في هذه القضية بأنها وحدها في غابة، كتبت اثر ذلك تقول:

جاء يوم خلاصنا. نعم خلاصنا نحن، الذين هي القضية قضيتهم. يشرفني أن أكون سبب هذا الحادث التاريخي. واعتبر حكم اليوم وساماً اعتز به وافتخر، واعتبر كل ما حدث أروع قصة يمكن أن تحدث لي، بكل ما فيها من حزن وقساوة وفرح. والآن يمكنني أن استمر اهتدي بشلال الضوء الذي يبهر.


"حوار" السنة الثانية عام 1066


الساعة الآن 08:45 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team