منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   (سامر) (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=27548)

ماجد عبدالله العلي 12-21-2020 02:10 PM

(سامر)
 
قصة قصيرة


غاب القمر وانكسر وجه المرايا فيك،،،
حتى المدينة حزينة عينها تبكيك،،،

أغنية لخالد عبدالرحمن

مات سامر ، سامر مات ياااخوانه على ذكرى لوعة عادل امام على مقتل بلبل في فيلم رجب فوق صفيح ساخن . سامر مااات ، مااات علشان بيحلم ، ماعملش حاقة، أيضا على ذكرى لوعة الامام على مقتل محمود الجندي في فيلم اللعب مع الكبار . مزقته سيارة جيمس تسير بسرعة خرافية . لقد مزقته اربا اربا . هذا الحالم المليح قليلا، والعذب روحا، بلكنته البدوية الواضحة، والتي لم يستطع ان يعدلها على الرغم من جهوده الخرافية ليتكلم لكنة اهل الرياض كما يسمعها بالمدرسة والتلفزيون . من اين نبدأ قصة سامر بادي العرتاني الذي طوح بنفسه بلحظة كره وفصام عميقة لحياته ، وللدنيا كلها على سيارة الجيمس منتحرا، تقبله الله بروليتاريا زكيا شهيدا مع الملاء الاعلى، قادر يارب النعمة وفضلك واسع. نبدأ قصة سامر بالتعريف به . هو سامر العرتاني الابن الخامس من ثمانية ، خمس بنات وثلاث ذكور لوالدين كادحان من الطبقة التي تكاد تكون مسحوقة وليست مهمشة فقط. والد سامر يقارب الستون من عمره يعمل على سيارته التاكسي الصفراء العتيقة مايقارب الخمسة عشر ساعة يوميا لتوفير لقمة العيش لاسرته الكثيرة. تعيش العائلة في بيت متداعي يكاد يكون خرابة في حي العود العتيق وهو احد الاحياء التي هجرها اكثر السعوديين بشكل تدريجي وانطلقوا الى احياء الطفرة ومابعد الطفرة لمن اغدقت عليهم هذه الفترة خيراتها من البسطاء. الروضة ، الشفاء ،النسيم ،السلام ، الربوة احيانا لمن كانت الطفرة ومابعدها اكثر كرما معهم. عائلة ابو سامر بقيت في الحي القديم ولم تستطع ان تغادر الحي الذي اصبح يضج بروائح العمالة الوافدة ، عزاب وعوائل. سامر واهله مثلهم مثل شريحة لايستهان بعددها في انحاء السعودية مرت الطفرة ومابعدها ولم يتغير حالها أبدأ ، بقيت لسوء الحظ تعاني شظف العيش . سامر واهله ينتمون لقبيلة العرتة المعروفة في السعودية والخليج وذات التأثير والصيت في حياة هذا القطر ، ولكن سامر واهله ينتمون لعائلة ضعيفة ومهمشة من هذه القبيلة ، ومعارفهم واقاربهم محدودون، وظروفهم تقارب ظروف سامر وعائلته . ولكن هذه الظروف لم تمنع ابو سامر من غرس الفخر بالقبيلة في نفوس ابنائه المنهكين فقرا ، والذين قليلا مايهمهم ويعون معنى الانتساب للعتارنة.

كان سامر طالبا نبيها وذكيا منذ دخل المدرسة الابتدائية عام 1409ه 1988م . وفي احد الايام وقد كان بالصف الاول متوسط سمع زميله المصري في النباهة والتفوق محمد يتحدث بحماس شديد عن روايات وقصص رجل المستحيل وملف المستقبل والمكتب رقم 19 ونوفا وماوراء الطبيعة . شد هذا الحديث سامر وطلب من محمد ان يعيره مجموعة من هذه القصص فوافق محمد الذي لايخفى عليه رقة حال سامر ، وكيف لا يعرف، وبيتهم ليس بعيدا كثيرا عن بيت سامر، وشاهده مع والده في سيارتهم التاكسي الصفراء العتيقة . كانت هذه الروايات كنزا انفتح على سامر فبهرته باحداثها وشخصياتها واغرم بكتابها الاطباء مثل نبيل فاروق واحمد خالد توفيق . كان المناخ الذي يشع ببهاء ونور العلم وبالذات الطب الذي تصوره هذه القصص عالمًا خلابًا لسامر، وقد قرر منذ تلك الايام ان يجتهد اكثر واكثر في الدراسة حتى يصبح طبيبًا. سحره عالم الطب وسيطر عليه واصبح هذا حلمه، وكلما زادت قراءته لاعداد هذه السلاسل، والتي نادرا مايشتريها، بل كان يستعيرها من محمد او آخرين صمم اكثر ان الطب هو مستقبله ومستقبل اهله الذي لن يحيد عنه . وتمضي الايام والسنوات ويكبر حلم سامر بدراسة الطب ، وقد كبر حنينه لهذا الحلم مع برنامج الطب والحياة الذي تعرضه القناة الاولى السعودية . لقد خلبت لبه ارستقراطية البرنامج واناقة وشخصيات الضيوف والمقدمين والذين كلهم اطباء في مختلف التخصصات سعوديين واجانب.

لم يكن مشوار سامر الدراسي في المتوسطة والثانوية عندما بدا يتبلور حلمه بالطب سهلًا ، بل كان محفوفًا بالاشواك المحرقة ، وقد اخبر والده وهو في الصف الثالث متوسط بحلمه بدراسة الطب ، وكان رد ابو سامر : يدبره ربك ،ورقبتي يولدي لك علشان تصير طبيب . لم ينسى سامر وحتى مزقته سيارة الجيمس تهكم وسخرية احد ابناء قبيلته منه والذي كانت ظروفهم المادية افضل من ظروف عائلة سامر ولابد انها ناتجة عن حقد وحسد شديدين لتفوق سامر الدراسي . كان هذا الموقف الذي ظل يرافق سامر ماتبقى من عمره في الاجازة الصيفية في احد السنوات عندما كانو في زيارة لقريتهم على طريق الحجاز مركز مليحان وكان سامر يمرح مع بعض اقاربه عندما قال له بجاد احد معارف ابناء عمه من نفس القبيلة ومن فرع مغاير والذي كان كسولا جدا ومن الواضح ان له مستقبل في الاجرام واللصوصية: يابو سمرة وش فايدة الدفارة اللي انت فيها آخرتك عسكرية ولا تمسك تاكسي الشايب خله يرتاح هههه ههههه وظل يقهقه وملامحه تشع في ما بدا لسامر الرقيق والمهادن والمكسور الجناح وحشية وهمجية وعقربية.

واتت ساعة الحقيقة وتخرج سامر من الثانوية العامة القسم العلمي بتقدير امتياز وبمعدل مرتفع . لم يستطع سامر ان ينتظر حتى يبدا التسجيل في الجامعة بل ذهب مع والده الى الجامعة في اليوم التالي لاستلامه وثيقة التخرج . كانت الجامعة شبه خالية وهو ماجعل قلب سامر ينقبض بشدة . وجد احد موظفي قسم التسجيل والذي استقبله ببرودة ولامبالاة وهو يقاطع سامر الذي يريد بحماسة وتلعثم ان يريه شهاداته الدراسية والتي كلها ومنذ الصف الاول ابتدائي امتياز وجيد جدا . لم يأبه الموظف بل كان قاطعا وصارما وشبه مستهزءا بسامر وهو يطلب منه ان ياتي عندما يبدأ التسجيل، ويله لو سمحت عندنا شغل
وردد يابو طب . خرج سامر محبطا وحزينا وقد قرر ان يذهب الى قلب الحلم ، كلية الطب نفسها . وقد وجدها ايضا شبه خاوية .وهو يتجول مبهورًا باروقة الكلية استوقفه شخص بدا عليه الاناقة والرقي وكاد قلب سامر يقفز من مكانه عندما اخبره اسمه والذي كان من قبيلة صديقة لقبيلته ، و بدت له لكنته البدوية المقاربة للكنته كالماء البارد وان كانت يفوح منها التمدن . قام دخيل وهو معيد في الكلية وكان معيدا فاشلا باستجواب شامل لسامر : وين درست ووين تسكنون ومن اي فرع من القبيلة وتعرف فلان وفلان وفلان وغيرها من الاسئلة التي زادات لخبطة ولعثمة سامر . كان دخيل يتفحص سامر من فوق لتحت ومن تحت لفوق باستهانة وهو يحقق معه وقد قال له في النهاية وبمنتهى الاحتقار واللقافة والتطفل : ليش مافكرت تدخل تمريض ترى يعطون مكافات حلوة ورواتبهم زينة بعد التخرج وقد طلب دعم والد سامر لمثل هذا الكلام . رد سامر بتخاذل وهو يعلق بصره بهذا الوجه الذي علق عليه آمالًا كثيرة : ابغا ادرس طب ياولد العم وهقوتي انك تساعدني مو تحبط بي ! رد دخيل بلوءم: نصيحة ، صدقني كلية الطب ماتناسبك ومصاريفها كثيرة وسبع سنوات ومشوار طويل وفوق كذا طلابها وطالباتها هاي هاي وماراح تتأقلم ( وضغط على كلمة طالباتها وبدت منه نظرة استهتار بسامر وحقد ايضا فلم تكن تنقص سامر الملاحة التي اضفت عذوبة على شخصيته البسيطة ) ورد سامر مرة اخرى : يدبره ربك بالنسبة للمصاريف ولاتنسى فيه مكافأة فقال دخيل بتعالي : المكافأة ماراح توفي ياخوي وع العموم انا مالي دخل بالتسجيل والتسجيل توه بدري عليه فقال سامر : طيب كلم احد قلهم اني متفوق والثانوية كل السنوات امتياز هقوتي ياولد العم تساعدني …تكفى ، فقال دخيل بسرعة وتأفف : ماااقدر يله مع السلامة وبالتوفيق يادكتور وابتسم بسخرية وهو يتامل بساطة ورقة حال سامر ووالده . كان سامر رقيقا جدا ولم يتحمل طعنات مثل دخيل واحس بالارض تميد به وخجل من ان يذهب ويبحث عن مكتب مسؤول أكبر ويحدثه برغبته . لذا قرر العمل بما اخبروه ، ان ياتي وقت التسجيل والامر لله وتجرع غصص المرارة عندما تذكر الاحتقار الواضح من دخيل لثانوية العود التي تخرج منها ،، باللهي العود مرة وحدة وش يوديك هناك ،،، حنا ساكنين هناك ،،،ساكنين هناااك قلتلي .

عندما بدا القبول والتسجيل ذهب سامر للجامعة وقيد الرغبات الثلاث طب ! وقد اتصل به بعد اسبوع احد موظفي القبول والتسجيل واخبره انه لديه مقابلة بكلية الطب وابدى تذمره من هذا الغباء بوضع الرغبات الثلاث طب، ونوه عن ذلك في تأفف واضح. في اليوم الموعود ، يوم المقابلة الشخصية كان سامر مستثارا بشدة ولم ينم بعد صلاة الفجر وذهب قبل المقابلة بساعتين . هبطت عليه المقابلة كدلو ماء بارد في ليلة شتاء قارص ، كانت المقابلة مع دكتور ودكتورة من أساتذة الكلية . انتهت المقابلة ببرود ووعدوه خيرا ولم يخف عليه تعاطف الدكتورة الممتحنة معه ورقتها وادبها، اما الدكتور وكان يبدو له حجازيا يذكره بمن يراهم بمسلسلات التلفزيون فقد لوح له بما جعله يرتاع بالتفكير بكلية اخرى. انتهت فترة القبول والتسجيل وكانت النتيجة صدمة لسامر فقد تم قبوله بكلية العلوم . ارتاع وذهب بما يشبه المشي للجامعة ، ومن القبول والتسجيل لكلية الطب وتم ابعاده عن مكتب مدير الجامعة . كان سامر رقيقا جدا ولم يستطع استيعاب الصدمة ووعده احد المسؤولين في كلية الطب خيرا في الفصل الثاني وفي نفس الوقت اودع حلمه الانعاش بقوله : ليش ماتشوف كلية الطب في جدة! اما المسؤولين في القبول والتسجيل في الجامعة فقد كان الناتج النهائي لجهوده معهم ، احمد ربك جتك كلية العلوم . هكذا اودت الظروف بحلم سامر ، سامر بشخصيته البسيطة المكافحة الذي سهر الليالي سنوات وسنوات من اجل الطب ولاشيء غير الطب!

لاشك ان قبول سامر بكلية العلوم إنجاز لاباس به لمن هو في مثل ظروفه ، وقد يستطيع فيما بعد النقل لكلية الطب ولكن سامر وفي يوم استيقظ فيه من النوم بعد المغرب اتخذ القرار ولم يرى من الدنيا الا اللون الاسود . انصهر قلبه لمثل هذا القرار وبكى بدموع من دم حارق من اجل اهله بالذات ، والده الذي انهكه التجوال في طرقات المدينة بحثا عن زبون . في ذلك اليوم استعاد مرارة والده وهو يحدثهم عن صعوبة الحصول على زبائن ولا احد يريد السواقين السعوديين ناهيك عن سيارة عتيقة مثل سيارته.


كان سامر يسير على غير هدى في ليل الرياض ولم يعنه بنيانه النفسي المهدود اصلا فقرا وكدحا وكفاحا وشقاء. كان يريد العودة لمنزله فلا سبب يجعله يضحي بوالديه وشقيقاته وأشقاؤه ولكن القدر العجيب قد اصدر حكمه فطوح سامر بنفسه على سيارة الجيمس ودهسته السيارة واودت به بعيدا …بعيد عن نجد ، عن اهله ، عن غرفته الصغيرة التي يشاركه فيها اثنان من اخوانه ، عن التفوق والدراسة والاحلام . لقد مزقته السيارة الامريكية والتي كانت تسير بسرعة خرافية اربا اربا في بلد الحلم السعودي .


ماجد عبدالله العلي 12-26-2020 08:32 AM

https://images.app.goo.gl/BAX37WgN5NSxWcJn8

ماجد عبدالله العلي 01-15-2021 07:29 PM

رد: (سامر)
 
صياغة غير نهائية!

عبد الكريم الزين 01-15-2021 09:21 PM

رد: (سامر)
 
تحية طيبة
قصة معبرة للإحباط الذي يصيب الشباب بعد أن يصيبهم الفشل في تحقيق أحلامهم.
أسلوبك السردي جميل ، ولو أطلت في وصف الحادثة كان التأثير على القارىء سيكون أشد وأكبر.
تحياتي وتقديري لإبداعك.

ماجد عبدالله العلي 01-24-2021 05:43 AM

رد: (سامر)
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة متابع أول (المشاركة 279788)
تحية طيبة
قصة معبرة للإحباط الذي يصيب الشباب بعد أن يصيبهم الفشل في تحقيق أحلامهم.
أسلوبك السردي جميل ، ولو أطلت في وصف الحادثة كان التأثير على القارىء سيكون أشد وأكبر.
تحياتي وتقديري لإبداعك.

اهلا بالاخ الجميل،

الحادثة برأيي لا تحتاج الى اسهاب بل يكفي هذا التنويه البسيط وعلى العموم رأيك وجيه ويستحق التأمل بالذات ان القصة لا تزال بحاجة لصياغة اخرى برأيي.

تحياتي وصدقني اني على استعداد لتلميع حذاؤك على هذا الدعم والتشجيع لانتاجي الادبي ههه

نورت


الساعة الآن 11:14 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team