منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6821)

ايوب صابر 03-23-2012 12:43 AM

45- الرهينة زيد مطيع دماج اليمن

الرهينة
"جاءت الرهينة لتنقل الرواية اليمنية من المحلية الضيقة إلى العالمية الواسعة، وقد اعتبرت ضمن أفضل مائة رواية كتبت في القرن العشرين وطبع منها حوالي ثلاثة ملايين نسخة وترجمت إلى خمس لغات هي الإنجليزية والفرنسية والألمانية واليابانية والصينية، وتعتبر روايته الرهينة تعبيرا واقعيا لأوجاع اليمنيين في فترة من أحلك فترات الجبروت الإمامي والتسلط الملكي البائد.
استطاع زيد دماج التعبير وبصدق عن هموم ومعاناة شعب بأكمله من خلال " رهينته" التي ستظل مصدرا ومرجعا للباحثين والدارسين جمعت بين القصة الإجتماعية والمأساة وبين استعراض غير مباشر للتاريخ اليمني"...


تعريف بالمؤلف:

زيــد مطيــع دمـــاج<Ohttp://www.alsakher.com/vb2/images/smilies/tongue.gif></Ohttp://www.alsakher.com/vb2/images/smilies/tongue.gif>

يكتب زيد مطيع دماج كما يرى أو كما يتذكر وينقل أحاسيسه ومشاعره بحرفية من يضع في الكلمة كل شيء , فهي الجسد وهي المكان وهي الضائقة وهي الفرج وهي أخيرا الملجأ المطمئن الذي يأوي إليه ليحميه من كل أشكال المخاوف التي تحدق به في عالم غير مقتنع به يحاول مرعوبا مسحورا أن يكشف أسراره ويفك طلاسمه بروح طفل حذر جريء , عيناه تبرقان كشفرة خنجر يماني . <Ohttp://www.alsakher.com/vb2/images/smilies/tongue.gif></Ohttp://www.alsakher.com/vb2/images/smilies/tongue.gif>
إن دماج روائي النبرة الخافتة والصورة المتكاملة الأبعاد بكل نتوآتها وظلالها والتي لا يمكن لنا , مع ذلك تسميتها بالفوتوغرافية , لأنها تنأى بكل مضامينها وطقوسها عن هذه الصفة الجادة خاصة وإنها منجزة في ذاكرة اللغة قبل مخيلة الكاتب , الذي وهو ينقلها لنا , لا يجرؤ على أن يخدش صفو إصغائه لها وعذوبة انسياقه وراءها لا بوعي أيديولوجي ولا بتقنية مركبة ومعقدة ولا حتى بتداعيات حلمية أو سواها .
هكذا يقودنا دماج إلى قصور الخرافة العربية حيث النساء والجواري والغلمان والحرس المفتون بالأسرار والملوك المؤطرين بالحجاب والحواشي والشعراء المداحين في قصر الإمام اليمني كاشفا خباياه , متسللا إلى دهاليزه وتحت أردية نسائه الملونة بالشهوة والخوف .
الرهينة واقع حكاية لا حكاية واقع يمكن أن يتحقق أو هو قد تحقق , عاشه المؤلف أو كاد . أهميتها أنها تخرج من خزائن الذاكرة العربية السحيقة وهي بنت سنواتنا ومعاصرتنا هنا في جنوب الجزيرة العربية في بلد عربي هو اليمن . هذا اليمن الذي يدخل الألف الثالث الميلادي وعلى كتفه جلباب الجبل المطرز ببهاء العمارة العربية الأصيلة والموشى بالمدرجات الزراعية الألفية التي تغسل أقدامها في بحيرة سبأ وسدها الأسطوري تحرس قيلولته أشجار القات في انتظار عودة الأمطار الموسمية والأبناء المهاجرين في كل أنحاء المعمورة . بين ملامح المعاش / المتخيل اليمني وبين إيماءات واختلاجات الموروث العربي الإسلامي ترتسم مثل شريحة عمودية لحالة عربية تتجاوز حدود اللغة والأدب والاجتماع لتعكس بمراياها الداخلية سؤال الزمن العربي الإسلامي بين الماضي والحاضر , هذا الأخير الذي صار يدير ظهره كليا عن المستقبل ليستقبل صورة ماضيه وحدها لا منازع , مفتونا بها تاركا شعوبا ومصاير في وحل المعاش وانهيار العالم حواليه . إنها تطرح السؤال بشكل جديد وكأنها لا تريد جوابا . تلك عفوية دماج في هز جدران الحاضرة العربية واليمنية بالذات . <Ohttp://www.alsakher.com/vb2/images/smilies/tongue.gif></Ohttp://www.alsakher.com/vb2/images/smilies/tongue.gif>
ولكن , تبقى يمنية بسلاسلها وملامحها وجدرانها وشبقها وسطوتها وبندقيتها وإمامها وقمرها " الحالي " المفتون بسهولها وسفوحها .


سيـــرة حيـــاة<Ohttp://www.alsakher.com/vb2/images/smilies/tongue.gif></Ohttp://www.alsakher.com/vb2/images/smilies/tongue.gif>

- ولد زيد مطيع دماج عام 1943 في لواء آب في اليمن وبدأ تعليمه لدى الكتاب " المعلمة " حيث حفظ القرآن الكريم .
- درس الحقوق في جامعة القاهرة والصحافة في جامعة صنعاء .
- انتخب عضوا في أول برلمان يمني عام 1970 ومن ثم رئيسا للجنة الثقافة فيه .
- عين محافظا للواء المحويت وانتقل إلى العمل الدبلوماسي حيث يعمل حاليا دبلوماسيا في سفارة اليمن في لندن .
صدرت له المؤلفات التالية :
1 - طاهش الحوبان (قصص) 1973
2 - العقرب (قصص) 1982
3 - الرهينة (رواية)1984
4 - الجسد (قصص)
5 - أحزان البنت مياسة

==

أسلوبية الرواية في الرهينة - طه حسين الحضرمي
2009-08-23 04:04:45


الأمة برس -
مقــدمة
أثارت رواية الرهينة للروائي اليمني زيد مطيع دمّاج (1943-2000م) جدلاً كبيراً سواءً في الأوساط اليمنية أم على مستوى الوطن العربي، فقد اُحتفِيَ بها محلياً وعربياً وعالمياً، نقلت هذه الروايةُ، الروايةَ اليمنيةَ من المحلية الضيقة إلى العالمية الواسعة ، كما عُدَّتْ ضمن أفضل مائة رواية كتبت في القرن العشرين وطُبع منها حوالي ثلاثة ملايين نسخة، وتُرجمت إلى سبع لغات هي(الانكليزية)و(الفرنسية) و(الألمانية)و(اليابانية) و(الصينية) و(الهندية) و(الصربية)، وتُعدُّ هذه الرواية تمثيلاً واقعيا لأوجاع اليمنيين في فترة من أحلك فترات تاريخهم في ظل التسلط الإمامي البائد، فقمينٌ بنا نحن - اليمنيين- أن نحتفيَ بها تحليلاً ودراسةً؛ لهذا ارتأى الباحث أن يتخذ أطروحات النقد السردي الحديث مركبا نقديا لاستكناه النسيج الداخلي لهذه الرواية؛ لأن النقد الروائي لم يعد يتكئ كثيرا على مضمون الخطاب السردي واتجاهاته المذهبية، بل تخطى كل ذلك بالولوج إلى مكونات النص وأنسجته الداخلية المتداخلة، ممتطيا لذلك مراكب عدة، منها علوم اللغة ودلالاتها، ومباحث الأسلوب بأدواته الإجرائية، كما أفاد من معطيات الفنون البصرية الحركية ولاسيما السينما في ضبط مصطلحاته وقياس مسافاته وتحديد التقنيات الموظفة فيه، وقد كان للشكلانيين الروس إسهام جليل في الاهتمام بقضايا الشكل والبناء في السرد، فمضى النقاد السرديون يمتحون من هذا الإسهام زمنا طويلا، لتتشكل من ذلك كله- بعدئذ - آراء واجتهادات أصبحت رافدا من روافد تقنيات السرد الحديثة،التي بلغت ذروتها على يد جريماس وتودوروف وجينيت وبارت وغيرهم، وبهذا تداخل الإبداع والتنظير له، فتبادلا التأثير في بعضهما البعض.
حاول الباحث الإفادة من هذه التقنيات ، ولاسيما من مجمل أطروحات عالم اللغويات الروسي بوريس أوسبنسكي المبثوثة في كتابه(شعرية التأليف)، والإفادة من كتاب (أسلوبية الرواية) لحميد لحمداني؛ في إطار نظرية ميخائيل باختين المبثوثة في كتاباته النقدية عن فن الرواية ولاسيما كتابه القيم (الكلمة في الرواية)؛ وذلك للولوج إلى عالم رواية (الرهينة) المفعم بالغرائبية ، لاستكناه تجليات الأسلوب الروائيّ في أحشائها.
بين يدي أسلوبية الرواية
يثير مصطلح (أسلوبية الرواية) عدة تساؤلات، ماذا نعني بالأسلوب هاهنا ؟ و هل له صلة بالبلاغة التقليدية -عربية كانت أم غربية- ؟ وهل له صلة بالأسلوبية الحديثة وريثة البلاغة التقليدية ؟ وهل للرواية أسلوب مثل الشعر ؟ وكيف يتشكّل هذا الأسلوب في الرواية ؟ وهكذا تتابع الأسئلة ؟ ولسنا في مقام تفنيد هذا المصطلح، فلذلك مقام آخر تتقاصر دونه جهودنا، وإنما نحن في مقام تطبيق منهجية تمتح من هذا المصطلح على رواية (الرهينة) نبحر من خلالها في خضم تشكّل الأسلوبية فيها، بيد أنه يجدر بنا –قبل هذا الإبحار- أن نستنطق شيئا من أسس هذه الأسلوبية، حتى تستبين السبيل أمامنا.
هناك مصطلحات كثيرة تعاورتها أقلام بعض دارسي الرواية العربية بشأن جلاء جمالياتها، من مثل شعرية السرد وبلاغة السرد وإنشائية الرواية وغيرها، بيد أنها مصطلحات تخضع في الغالب لذائقة هؤلاء الدارسين النقدية، دون تسويغ تنظيري لاختيارها، وإن كانت في معظمها تدور في إطار بلاغة الرواية بمفهومها العام، ولكن « بلاغة الرواية إذا أريد لها أن تصبح علما قادراً على استيعاب تقنية الرواية ومقوماتها الجمالية، عليها أن تتحول إلى استيعاب ما يمكن تسميته بأسلوبية الرواية» ، غير أننا ينبغي أن نتوخى الحذر عند استخدام مصطلح (الأسلوبية)؛ لأنه جرت العادة في النظر إلى مفهومه بوصفه منهجا يعالج قضايا الشكل والصياغة الصورية ، في حين أن فن الرواية يقتضى نظرة أكثر شمولية من القضايا الشكلية البحتة؛ لهذا ينبغي على دارسي أسلوبية الرواية أن يضعوها « في إطار التلفظ وفي طليعتها نوعية الوعي الذي يتحكم في صياغة العمل الروائيّ شكلا ومضمونا» .

فما هي إذن مقومات أسلوبية الرواية ؟ علمنا فيما سبق أن التعدد الأسلوبي في الفن الروائيّ – سواء أكانت الرواية مونولوجية أم حوارية- يقتضي قيام أسلوبية مخالفة لأسلوبية الشعر؛ لهذا كان لهذه الأسلوبية طبيعة مغايرة، ومن هنا كان لأطروحات ميخائيل باختين في شعرية الرواية وفنيتها أهميتها البارزة، التي أنتجت مصطلحات مثل، تعددية اللغة وتعددية الأصوات والحوارية، فكان اهتمامه منصباً على علاقة الذات المبدعة بإبداعها، وعلاقة الصوت الفردي بالأصوات الأسلوبية للشخصيات المختلفة، من خلال أسلبتها وإدماجها في نظام عام يأتلفها ، فمن هنا تخفت نغمة بافون الشهيرة القائلة بأن (الأسلوب هو الرجل)؛ لأن هذه المقولة لا يمكن تطبيقها إلا على أنواع أدبية محددة، الرواية بمنأى عنها؛ لهذا كانت أغلب التطبيقات الأسلوبية التي تناولت فن الرواية في العالم العربي تنطلق من « مبدأ إخضاع الرواية للقوانين الأسلوبية للشعر، في الاهتمام بالصورة واختيار أجود الأساليب وأسماها مع الحرص على المطابقة التامة بين الكاتب وأسلوبه » ، في حين أن طبيعة النوع الأدبي للرواية تقتضي تعاملا خاصاً تنطلق من التعددية الأسلوبية التي تمثل الخاصية الجوهرية للجنس الروائيّ، سواء أكانت الرواية ذات صوت رئيس مهيمن على بقية الأصوات (مونولوجية) أم كانت تعتمد على أصوات متعددة كلها رئيسة (حوارية)، فمن هنا كان باختين يشير دائما إلى هذه الخاصية الجوهرية، فهو يرى أن الرواية ترفض مطلقية اللغة الواحدة أو الوحيدة ، فمن هنا كانت الرواية في مجموعها « ظاهرة متعددة في أساليبها، متنوعة في أنماطها الكلامية، متباينة في أصواتها، يقع الباحث فيها على عدة وحدات أسلوبية غير متجانسة توجد أحيانا في مستويات لغوية مختلفة وتخضع لقوانين أسلوبية مختلفة» ، ثم يشير باختين إلى أبرز الأنماط التأليفية الأسلوبية التي تكتنف العمل الروائي في الغالب على النحو الآتي:
1- السرد المباشر للمؤلف بكل أشكاله وصوره المتنوعة.
2- سرد المؤلف عن قصد بصوت آخر غير صوته الخاص، مثلما هو الحال في المونولوجات المؤسلبة المتمثلة في الـskaz .
3- كلام الشخصيات المتفرد أسلوبيا والمتميز الذي يعكس نمط تفكيرها ووجهة نظرها، فـ«هذه الوحدات الأسلوبية غير المتجانسة تأتلف فيما بينها، حين تدخل في الرواية، في نظام فني محكم وتخضع لوحدة أسلوبية عليا هي وحدة الكل، وهذه الوحدة العليا لا يمكن مطابقتها مع أيّ من الوحدات التابعة لها أو معادلتها بها» ؛ لهذا لا معنى لدراسة الوحدة الأسلوبية بمعزل عن موقعها الخاص ، وهكذا نجد أن الرواية هي حصيلة أنماط أسلوبية متعددة، ولا يعني هذا الأمر أن الروائي يكتب بأساليب متعددة « ولكنه على الأصح يوظف هذه الأساليب، ويتقمصها، ويمكن أن يُدخل أسلوبه الخاص إلى الرواية في السرد، غير أنه سيكون واحدا من الأساليب الموجودة في الرواية » ؛ لهذا كان اهتمام باختين بالأمر الجوهري في هذه المسألة وهي« من أيّ زاوية حوارية وضعت هذه الأساليب جنبا إلى جنب أو الواحد في وجه الآخر داخل العمل الأدبي» ؛ لهذا سيحاول الباحث تلمس هذه الحوارية في رواية (الرهينة) قدر الإمكان ومدى تنظيمها للأساليب المتنوعة في أحشائها من خلال العناصر الأسلوبية الآتية:
أولا: بنية عنوان(الرهينة):

باقي الدراسة

http://www.thenationpress.net/news.p...1&newsid=10346

ايوب صابر 03-23-2012 01:04 AM

الرهينة

الرهينة هي اسم رواية يمنية اختيرت ضمن أحسن مائة رواية عربية في القرن العشرين.

كاتب هذه الرواية هو الكاتب اليمني الراحل زيد مطيع دماج(1943-2000) والتي صادفت ذكرى وفاته في 20 من شهر مارس الماضي.
رواية الرهينة:
ان الرهينة رواية عربية جريئة بكل المقاييس هتك بها زيد قصور الأئمة وكشف ما يحدث في داخلها من ممارسات لاأخلاقية تتعارض مع الصورة المعلنة عن تقواهم وورعهم،وأبطال الرواية هم من الأطفال أبناء المشايخ (المرتهنين)في قصر الأمام ويلقبون بدويدار-كاد زيد أن يكون واحدا منهم- مهمتهم الخدمة في بادئ الأمر ثم سرعان مايتحولون الى متعة يتلهى بها الجميع الرجال والنساءالاتي يمنع دخول الدويدار عليهن عند بلوغه الحلم وتفضح الرهينةبأنها تكشف عمّا يحدث خلف الأبواب المغلقة في غرفهن وحفلاتهن.
ولم يكتفي دماج بفضح ما وقع على الخدم (أبناء الشيوخ والقبائل)من قهر وتعذيب واستغلال جنسي، بل قام بفضح العلاقات المخزية القائمة بين رموز النظام وأتباعه،وبين نساء القصر وحراسه.


وقد طبع من هذه الرواية حوالي ثلاثة ملايين نسخة وترجمت الى خمس لغات الانجليزية والفرنسية والألمانية واليابانية والصينية، ونشرت 1998ضمن مشروع اليونسكو(كتاب في جريدة) وهذا الرابط لقراءة الرواية

==
مقالات نقدية عن دماج:
http://www.dammaj.net/files/critics_page.htm


موقع عن الدماج :
http://www.dammaj.net/


==





الرهينة
تعد الرهينة أشهر رواية في اليمن وواحدة من أهم 100 رواية عربية خلال القرن العشرين، حسب استطلاعات اتحاد الأدباء والكتاب المصريين عام 2000م.




وهي العمل الروائي الوحيدالمنشور حتى الآن للأديب زيد مطيع دماج. صدرت الطبعة الأولى من الرواية عن دار الآداب في بيروت عام 1984م ومنذ ذلك الوقت لم تتوقف الرواية عن حصد الكثير من الاهتمام سواء من جمهور القراء أو من النقاد المختصين. فقد تم إعادة طباعتها أكثر من خمس مرات وتم ترجمتها إلى عدة لغات منها الفرنسية والانجليزية والألمانية والروسية والصربية والهندية. كما تم اختيارها ضمن بواكير الأعمال الإبداعية المنشورة في مشروع اليونسكو ((كتاب في جريدة)) - العدد الرابع.
الرهينة مكتوبة بلغة بسيطة جذابة ومختصرة كانت ولازالت محل اهتمام النقاد وكتاب الرواية العربية. وحول الرهينة كتبت الكثير من الدراسات والمقالات الأدبية والأطروحات الأكاديمية في اليمن و خارجه. والرهينة هي التي أعطت الأديب زيد مطيع دماج شهرته العربية والعالمية مما حدى ببعض النقاد إلى القول أن الرهينة بقدر ما أنصفت لدماج موهبته الروائية بقدر ما أثرت سلباً على ظهور نتاجه القصصي الذي لا يقل تميزاً عن الرهينة.






http://www.dammaj.net/sora/book_the_hostage_5th_s.jpg

الرهينة صدرت في عدة طبعات عربية:
الطبعة الأولى- دار الآداب (بيروت) 1984م
الطبعة الثانية - دار الشؤون الثقافية (بغداد) 1988م
الطبعة الثالثة - دار رياض الريس (بيروت) 1997م
الطبعة الرابعة - مشروع مهرجان القراءة للجميع (القاهرة) 1999م
الطبعة الخامسة - اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين (صنعاء) 2010م



لقراءة الرهينة:





مقطع من الرهينة:

وقد تهدل يمامة أو يزقزق عصفور ليذكرني بأنكِ الملجأ والملاذ البارد الحنون. إيه.. شريفتي الحبيبة ذات الصوت المبحوح! منذ فترة لم يطرق أذني ذلك الرنين الصادر منكِ...! كم هو رائع...! في بلادي التي حكيت لكِ عنها العجاب، استضعفوني، واعتدوا عليَّ، ومسخوني رهينة، ودويداراً في بلاطك، لكأن صوتك الرنان ينزلق في رفق، يحول الصدى إلى موسيقى ذات إيقاع حالم و"حالي"!

أقرأ:

لهذه الأسباب تكون الرهينة أهم الرويات. (مقابلة مع همدان دماج، صحيفة النداء، 25 مايو 2010م)





-===



لماذا وحده زيد نقرأ له فنستمتع بما نقرأ؟ ولماذا هو الوحيد يمتلك القدرة على ترميم شروخ الذاكرة وإثارة شجون القلب "عبد الكريم الرازحي

زيد مطيع دماج هو ابن المناضل السياسي المعروف مطيع دماج ، من مواليد قرية " المحمر " بمنطقة "السياني" محافظة إب .
عندما كان طفلا في الشهر السادس من عمره اضطرت أمه لتهريبه واخفائه من الإمام في مكان داخل المنزل يسمى " السفل " وهو مكان خاص للأحطاب والأغنام خوفا عليه من الإمام الذي كان يترقب أي مولود للشيخ مطيع دماج لأخذه رهينة مثله مثل باقي أبناء المشائخ الذين كانوا يؤخذون رهائن لضمان ولائهم وطاعتهم له والسيطرة على مناطقهم .. وظلت أمه تتنقل به من مكان إلى مكان عدة سنوات مخفية مولده واكتفى الإمام بأخذ (أحمد قاسم دماج) رهينة عن "آل دماج" وهو ابن السابعة من عمره وكان ذلك في العام 43م .
تعلم على يد والده ثم انتقل للدراسة في مدينة تعز بمدرسة الأحمدية ثم سافر إلى القاهرة ودرس في مدينة طنطا وبني سويف في العام 58م وقد بدأ في دراسة الحقوق ثم تحول إلى الإعلام ..
بدأ زيد مطيع دماج كتابة القصة منذ وقت مبكر وهو طالب في الثانوية العامة في مصر وأثار بكتاباته كثيرا من الجدل وأيقض الضمائر بروايته التي تعتبر شاهدا حيا على واحدة من الصفحات المظلمة في تاريخ الشعب اليمني ، فقد بدأ بكتابة قصة "طاهش الحوبان" ثم "الجسر" و(أحزان البنت مياسة) و(العقرب) ثم جاءت (الرهينة) لتنقل الرواية اليمنية من المحلية الضيقة إلى العالمية الواسعة وقد أعتبرت ضمن أفضل مائة رواية كتبت في القرن العشرين وطبع منها حوالى ثلاثة ملايين نسخة وترجمت إلى خمس لغات هي (الانكليزية)و(الفرنسية)و(الالمانية)و(اليابانية)و(ا لصينية) ، وتعتبر روايته (الرهينة) تعبيرا واقعيا لأوجاع اليمنيين في فترة من أحلك فترات الجبروت الإمامي والتسلط الملكي البائد .
استطاع زيد دماج التعبير وبصدق عن هموم ومعاناة شعب بأكمله من خلال "رهينته" التي ستظل مصدرا ومرجعا للباحثين والدارسين جمعت بين القصة الإجتماعية والمأساة وبين استعراض غير مباشر للتاريخ اليمني ..ورغم المرض الذي عصف بحياة المبدع (دماج) إلا أنه منذ إصابته قبل 15 عاما بسرطان الدم لم يسلم نفسه له بل ظل في تواصل مستمر مع الإبداع الأدبي متأثرا ومؤثرا بمواقف انسانية قريبة عنه أو بعيدة لم يترك القلم والكتاب لحظة واحدة إلا إذا أضطره المرض.





صدر له العديد من الروايات والقصص القصيرة منها :

طاهش الحوبان (مجموعة قصص)
الجسر (مجموعة قصص)
أحزان البنت مياسة





العقرب (مجموعة قصص)


الرهينة (رواية)


ترجمت روايته الرهينة إلى خمس لغات وطبع منها ثلاثة ملايين نسخة

من أعماله التي لم تنشر بعد (إغتيال شجرة) و (جسر إلى الليل) و (ملك الخبت) و (من سعيد اليمن) .
عن صحيفة 26 سبتمبر


=-\==
الفضاء الروائي في الرهينة "

http://www.alnoor.se/article.asp?id=11748


==
سر الرهينة:
إن عوامل شهرة الكتّاب متعددة. يعود بعضها إلى كتابتهم نفسها فناً ومحتوى، ويعود بعضها إلى عوامل خارجية. ويمكن للعوامل الخارجية أن تزيد من تسليط الأضواء على كاتب دون آخر، غير أنه من النادر النادر أن يصل كاتب إلى الشهرة إذا كانت كتابته عادية مفتقرة إلى الموهبة. وفيما يخص زيد، لا يهمنا البحث عن الأسباب الخارجية التي لن تلبث أن تنحسر رويداً رويداً، لا سيما بعد أن يتلاشى الانفعال الذي يخلفه الغياب. أما الأسباب المتعلقة بأعماله نفسها، فهي برأيي ستضمن له الحضور المستمر في تاريخ الأدب اليمني، والعربي أيضاً. لقد حمل زيد ضمير الأمة في صراعها مع العبودية والتخلف، وفي سعيها إلى الحرية والتقدم، وهذا يعني أنه سيمس أحاسيسنا ووعينا باستمرار، لأن المعركة مستمرة وإن تغيرت تسميات الأعداء. ولما كانت المعركة واحدة من المحيط إلى الخليج، فإن الرهينة لا تمثل للقارئ العربي حالاً فرداً معزولاً مكاناً وزماناً، بل واقعاً اجتماعياً وسياسياً متفشياً في أرجاء الوطن العربي. وإن نهاية الرهينة بانتقال الرهينة من مرحلة الأسير إلى مرحلة الآبق تمثل الأمل في نهاية وردية للواقع الكابوسي. وظني أن المكانة التي حظي بها زيد لن يزحزحها التقدم المنتظر في الرواية اليمنية، ذلك أن له فضل الريادة، ولأنه كتب بحرارة فائضة جعلت بعض مسلمات النقد الأدبي قليلة الفاعلية في عملية تقييمه. إن الأعمال الأخرى القائمة أو المقبلة، مهما بلغت من التحليل والنضج الفني، لن تستطيع أن تنسينا مواقف إنسانية تنحفر في الوجدان كدفن الدويدار الحالي وسط جو من الحزن العابر الذي انتاب الشريفات المحترمات.
تحية للرهينة،

ايوب صابر 03-23-2012 01:07 AM

زيد مطيع دماج
السيرة الذاتية
(2000 - 1943)


http://www.dammaj.net/images/dia_green.gif ولد زيد مطيع دمّاج عام 1943 م في عزلة النقيلين، ناحية السياني، لواء إب - اليمن.
http://www.dammaj.net/images/dia_green.gifفي 14 مايو 1944م فر والده الشيخ المناضل مطيع بن عبدالله دمّاج من سجن "الشبكة" في تعز إلى عدن وبدأ يكتب مقالاته الشهيرة في صحيفة "فتاة الجزيرة" ضد نظام حكم الإمام يحيى وبنيه وأسس مع رفاقه فيما بعد "حزب الأحرار".http://www.dammaj.net/sora/zaid_damm...onal001_s2.jpg
http://www.dammaj.net/images/dia_green.gifتلقى تعليمه الأولي في المعلامة "الكتّاب" مع أقرانه في القرية فحفظ القرآن الكريم وبعد ذلك تولى والده عملية تعليمه وتثقيفه من مكتبته الخاصة التي عاد بها من عدن فقرأ كتب الأدب والتاريخ والسياسة وكان من أهمها "روايات الإسلام" لجرجي زيدان.
http://www.dammaj.net/images/dia_green.gifألحقه والده بالمدرسة الأحمدية في تعز وحصل فيها على الشهادة الابتدائية سنة 1957م.
http://www.dammaj.net/images/dia_green.gifاستطاع والده بواسطة صديق له إرساله إلى مصر عام 1958م فحصل على الشهادة الإعدادية من مدينة "بني سويف" بصعيد مصر عام 1960م والشهادة الثانوية من مدرسة "المقاصد" بطنطا عام 1963م.
http://www.dammaj.net/images/dia_green.gifالتحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة سنة 1964م لكنه تركها بعد سنتين والتحق بكلية الآداب، قسم صحافة، بعد أن برز توجهه الأدبي.
http://www.dammaj.net/images/dia_green.gifبدأ يكتب المقالات السياسية وبواكير أعماله القصصية في مجلة "اليمن الجديدة".
http://www.dammaj.net/images/dia_green.gifفي عام 1968م استدعاه والده إلى أرض الوطن، فغادر مصر إلى اليمن للمشاركة في العمل الوطني وبقائه مع والده الذي كان رافضاً التنازل عن أهداف الثورة اليمنية والصلح مع الملكيين. ولم يكمل دراسته لظروف والده الصحية واعتكافه للعمل السياسي.
http://www.dammaj.net/images/dia_green.gifتم انتخابه عضواً في مجلس الشورى أول برلمان منتخب في البلاد سنة 1970م عن ناحية السياني وكان رئيساً للجنة الاقتراحات والعرائض وتقصي المظالم.
http://www.dammaj.net/images/dia_green.gifفي 14 يناير 1972م رحل والده إلى مثواه الأخير، وكان لذلك أثر كبير في حياته الشخصية والأدبية والسياسية.
http://www.dammaj.net/images/dia_green.gifفي يناير 1976م عين محافظاً للواء المحويت وعضواً في مجلس الشعب لفترتين متتاليتين منذ عام 1979م.
http://www.dammaj.net/images/dia_green.gifعين وزيراً مفوضاً وقائماً بالأعمال في دولة الكويتعام 1980م.
http://www.dammaj.net/images/dia_green.gifفي عام 1982م أنتخب عضواً في اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام ومقرراً للجنة السياسية فيه.
http://www.dammaj.net/images/dia_green.gifعضو إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، عضو إتحاد الأدباء والكتاب العرب، عضوإتحاد كتاب آسيا وأفريقيا، سكرتير عام مجلس السلم والتضامن اليمني، عضو مجلس السلم العالمي.
http://www.dammaj.net/images/dia_green.gifعين مستشاراً لوزير الخارجية ثم وزيراً مفوضاً في بريطانيا عام 1997م.
صدر له:
1.طاهش الحوبان – مجموعة قصصية صدرت عام 1973م
( الطبعة الثانية 1979م)، (الطبعة الثالثة 1980م).
2.العقربمجموعة قصصية صدرت عام 1982م.
3.الرهينة – رواية (صدرت عام 1984م عن دار الآداب في بيروت)،
(ط2-1988م عن دار الشؤون الثقافية – بغداد
(ط3-1997م عن دار رياض الريس – بيروت)،
(ط4-1999م- مهرجان القراءة للجميع – القاهرة)،
(ط5-2010م- اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين - صنعاء)،
-ترجمت إلى الفرنسية عام 1991م عن دار EDIFRA
-ترجمت إلى الإنجليزية عام 1994م عن دار INTERLINK BOOK
-ترجمت إلى الألمانية عام 1999م
- ترجمت إلى لروسية واليابانية والأسبانية (1988م-2003م).
- ترجمت إلى الهندية عام 2006م
- ترجمت إلى الصربية عام 2007م
-اختيرت ضمن مشروع اليونسكو "كتاب في جريدة" عام 1998م.
-في أوائل 2000م اختيرت من قبل إتحاد الكتاب المصريين واحدة من أفضل مائة رواية عربية في القرن العشرين.

4.الجسرمجموعة قصصية صدرت عام 1986م.
5.أحزان البنت مياسةمجموعة قصصية صدرت عام 1990م.
6.الانبهار والدهشةكتاب سردي من الذاكرة صدر عام 2000م.
7.المدفع الأصفرمجموعة قصصية صدرت عام 2001م.
8.المدرسة الأحمدية – رواية (تحت الطبع).
إلى جانب عدد كبير من المقالات السياسية والإجتماعية التي نشرت في الصحف والمجلات المحلية والعربية وتدرس معظم أعماله الإبداعية في المدارس والجامعات.
http://www.dammaj.net/images/dia_green.gifفي 20 مارس 2000م وافته المنية في المستشفى الجامعي MIDDLESEX في لندن عن عمر ناهز السبعة والخمسين عاماً قضاها دفاعاً عن قضايا الإنسان والوطن ومستقبله بعد أن أثرى الساحة اليمنية والعربية بأعمال إبداعية أوصلته إلى العالمية.

ايوب صابر 03-23-2012 10:25 PM

زيد مطيع دماج وازدواجية الرمز

جونتر أورت


زيد مطيع دماج من أشهر الكتاب اليمنيين وإن لم تشتهر القصة اليمنية المعاصرة كثيرًا على العموم. من أهم أعماله رواية الرهينة التي ترجمت إلى لغتين، والتي تعالج في أحداثها زمن الإمامة اليمنية قبل ثورة 1962، كما أن تركيز الكاتب على فترة ما قبل الثورة اليمنية واضح في كثير من قصصه، حيث أنه يُعتبر "كاتبًا يمنيًا أصيلاً" بسبب اهتمامه الكبير بظلم الإمامة اليمنية وأيضًا لتصويره الأماكن اليمنية القديمة والتقليدية مثل "السمسرة" و"المقهاية" والأسواق الشعبية في العديد من قصصه.
اليمن عند زيد مطيع دماج إذن "كوليس أدبي" متكرر يتحرك أمامه أبطاله القصصيون. وإذا دخلنا في التفاصيل فنرى أن قصص دماج التالية تندرج تحت هذا الصنف، وهي متناثرة في مجموعات طاهش الحوبان، والعقرب، والجسر: "العسكري ذبح الدجاجة"، "بياع من برط"، "ثورة بغلة"، "المجنون"، "الفتى مبخوت"، "بائعة الذرة"، "امرأة"، و"البدة". ولا نتطرق هنا إلى رواية الرهينة، بل سنركز على قصص دماج القصيرة. وفي هذه القصص تظهر موضوعات ظلم الإمامة والإشكاليات الاجتماعية (قصص ناقدة) وقصص رمزية تدور في صنعاء القديمة.
مثال على محتوى بعض هذه القصص:
العسكري ذبح الدجاجة: كان الإمام يرسل جنوده بين الحين والآخر إلى الفلاحين لتحصيل المال، خاصة في المناطق الجنوبية (الشافعية)، وعُرف العساكر بقساوتهم وغطرستهم، وفي هذه القصة يأتي عسكري إلى فلاح فقير ويبتزه ويأكل ويشرب عنده رغم أنفه، كل ذلك بسبب تهمة ملفقة وتافهة هي أن دجاجته نقرت ابن جاره. تكتفي هذه القصة المبكرة بتصوير ظلم السلطات، ولا يحصل تغيير للوضع في القصة، أي لا يحاول أحد الأبطال أن يثور على الوضع القائم.
في إحدى القصص الأخرى يظهر الأمام نفسه، وهو يخادع جزارًا في صنعاء، فيدعي أن ثوره إنسان ممسوخ، ويأخذه منه بهذه الحجة. بل يخادع الشعب كله بزعمه أن "البدة" (الساحرة) مسخت هذا الإنسان، وأنه يجب محاربتها، وهكذا يشغل الناس عن مشاكلهم الحقيقية.
أما قصة بياع من برط فهي تدور حول ابن شيخ قبيلة يحاول أن يتحرر من تقاليد القبائل الضيقة وأن يصبح تاجرًا في المدينة. لكنه لا ينجح في تحرره ذلك، إذ أنه يقع ضحية لثأر إحدى القبائل الأخرى التي قُتل أحد أفرادها، دون أن يكون للبطل علم أو يد بذلك. قانون القبيلة إذن ظل هو الغالب وحال دون التغيير، وإن كان تغييرًا بسيطًا وشخصيًّا لا غير.
وربما كانت قصص صنعاء القديمة (لا سيما "بائعة الذرة" و"امرأة") هي الأكثر غموضًا في عمل دماج، حيث لا نجد هنا حدثًا أو خبرًا واضحًا، إنما يحلق الراوي الذي يتحدث بصيغة الـ(أنا) بأفكاره وعواطفه بعيدًا عن الأماكن التي يصفها. موضوع كل من القصتين هو امرأة يراقبها الراوي من بعيد، يحبها أو يتعلق بها بصورة ما. لكن القصتين غير واقعيتين، والمرأة في "امرأة" تشبه طيفًا أكثر من أن تشبه امرأة حقيقية. والأرجح أن بائعة الذرة ترمز إلى اليمن، فتتحول أخلاقها تدريجيًّا، وتجمع أدوات حديثة حولها، الأمر الذي يسمح بتفسير دورها كرمز لليمن. ولكن لا ينطبق ذلك على "امرأة"، حيث للبطلة هناك جاذبية جنسية تجاه الراوي، وهي نشيطة جنسياً حسب ملاحظاته. ولا تشكل المرأة هنا برأينا إلا خيالات الكاتب، ويصعب العثور على مغزى كبير للأحداث التي تتشعب أحينًا وتهمد أحيانًا أخرى.

ايوب صابر 03-23-2012 10:28 PM

زيد مطيع دماج: مورخ المشاعر البشرية وعذابها
إبراهيم الجرادي
عندما تقرأ زيد مطيع دماج، قاصاً وروائياً، تستولي عليك الآلية السردية التي تلغي، فوراً، حالة الوهم عند القارئ باستبعاد فكرة الافتراض السردي، فالسرد لديه يحدث شعوراً ضاغطاً بالزمان والمكان، من حيث هما محمولان دراميان لدلالتين دراميتين، وهو في أغلب إنتاجه، يستجر القارئ للاندماج في الزمن المضاد من خلال شخصيات لا تحتمل التأويل، فهو لا يضحي بالخصائص التي تضحي تحدد هوية أبطاله الإنسانية والطبقية.. من حيث هي حيوات مقموعة، مضطهدة، هامشية، تتعرض لظلم مزدوج، ومصائر تصل بها إلى منطقة الغرابة، وتظل تحمل مرموزيتها بنفسها. ألا تحمل [الرهينة] حقيقتين واضحتين في آن واحد: واقعيتها الصارمة، التي تحمل دلالاتها الواقعية من خلال أحداثها المُدركة والمعيشية والمعروفة، ورمزيتها التي تشير لشعب كامل في فترة معتمة من تاريخه؟ ألا نستطيع أن نجعل من [طاهش الحوبان] صفةً، رمزاً، مدلولاً، علامة لجماعته البشرية، وصورة لواقع حالها؟
إن من مزايا أسلوب زيد مطيع دماج تحقيقه شوط الإحساس بالمكان والزمان ومعادلهما الاجتماعي، فهو لا يهيئ بديلاً للواقع، ولا يعطي لأبطاله أدواراً غير أدوارهم الحقيقية، وبذلك يخلق نوعاً من التوازن الضدي لعالمين متضادين مدفوعاً برغبة حقيقية في أن يجعل الاضطهاد أشد وقعاً بجعله علنياً، ولهذا رأى بعضهم في [الرهينة]، وثيقة كشف لا تتستر على القائم، نصاً يعري ويفضح ويفصل في المستور، الذي تتحاشاه قيم المهادنة العربية ودماثة مبدعيها الكاذبة! إن زيد مطيع دماج في سلوكه السردي، يغلب المعيار الخارجي، الموضوعي، التوصيفي، على المعيار الداخلي [السايكلوجي]، - على حد توصيف مندلاو – لأن الأول كاف لشحن طاقة الحدث وتعمير بنيان القص، بما هو أشد تأثيراً، لأنه بالنتيجة النهائية، تحصيل حاصل للضغوط القائمة، المتصارعة، التي تجعلنا نتقبل سلوكيات شخوص السرد من خلال معرفة أفعالها، ودوافعها، وحركتها، وتعرضها المستمر لصور من الاستغلال الروحي والجسدي، تكسب القارئ الفطن وعياً خاصاً متفرداً وتحريضياً، لأن المعيش لا المفترض، هو الدافع، الأساس، في تحديد الزمن الاجتماعي: سلوك الشخصيات، انفعالاتها، رغباتها المقموعة. وهو في تعاقبه يخلق إحساساً عادلاً بتعاطفه مع المصائر البشرية المعذبة.
زيد مطيع دماج يكتب الماضي لا بصفته زمناً عابراً تتداعى وحداته بمقياس الوقت، بقدر ما يستعيده حاضراً ومستقبلاً، كشهادة غير تجريدية أبداً، تحمل توصيفاً لواقع حال فظيع، يستدعي أسباباً مشروعة، لتوثيقه توثيقاً جمالياً، يأخذ ما للتاريخ من دور، حيناً، وما لعلم الاجتماع والسياسة أحياناً أخرى، وفي كل ذلك، يظل نصاً إبداعياً محكوماً بقيم السرد وامتيازاته.
زيد مطيع دماج مؤرخ المشاعر البشرية، مؤرخ المكان في ظلامة أيامه المستشرية بالعذاب الإنساني، والظلم، وفقدان شروط الوجود والسعي لفتح نوافذ البيت المهجور لهواء الحرية والإبداع والأمل.
إن المُبْدَع المرتبط بمصير جماعته البشرية، وثائق جمالية في أرشيف القيم التي لا تموت، وإذا تسنى له مسلكية إنسانية عالية، كما تشير إلى نفسها حياة زيد مطيع دماج، تصبح وثيقة شعب، وشهادة جمالية له وعليه.

ايوب صابر 03-23-2012 10:35 PM

زيد مطيع دماج

هناك كم هائل من الاوصاف لهذا الكاتب الفذ مثلا "مؤرخ المشاعر البشرية، مؤرخ المكان في ظلامة أيامه المستشرية بالعذاب الإنساني، والظلم، وفقدان شروط الوجود والسعي لفتح نوافذ البيت المهجور لهواء الحرية والإبداع والأمل.".

لكن التعمق في دراسة حياتة تشير الى انه عانى الكثير ويمكن القول دون تردد انها عاش يتما اجتماعيا.
- تم اخفاؤه بعد ولادته كي لا يأخذه السلطان رهينة كما اخذ اخاه الاكبر منه.
- سجن والده ثم هرب من السجن وقت مولده وبقي هو مع امه المشرده لحمايته من جور السلطان.
- سافر وهو طفل للدراسة في مصر زلا بد ان ذلك كان صعبا عليه.

يتيم اجتماعي

ايوب صابر 03-23-2012 10:40 PM

46- لعبة النسيان محمد برادة المغرب

لعبة النسيان هي رواية لمحمد برادة، صدرت سنة 1987 عن دار الأمان تعتبر من بين أهم أعمال برادة. صنفت في المركز 46 في قائمة أفضل مئة رواية عربية.
موضوعها فقدان إنسان عزيز وغال، وهي الأم، التي تحتل فيه مكانة كبيرة. الرواية تركز على لحظتين مركزيتين في حياة الهادي، الشخصية المحورية في الرواية: الأولى لحظة موت الأمّ: لالّة الغالية، تلك المرأة التي لا تعوّض ولا توصف، والثانية لحظة موت امرأة أخرى هي أول موضوع للحب والشهوة والرغبة المشتعلة: لالة ربيعة. ومناخها النفسي يخيّم عليه التوجّع والتفجّع والضيق والكآبة.

ويمارس الراوي لعبة النسيان، نسيان الآلام والأوجاع، ويدعو إلى استحضار الذكريات والشروع في تشخيص متخيّل للشيء العزيز المفقود والمفتقد.

«لماذا تريد أن تفتح بابا لن يأتيك منه إلا الوجع وصداع الرأس. مع أنك تريد الكتابة عن لعبة النسيان وطرائق تحاشي ما يؤلم النفس"»
نقد

منذ صدورها في طبعتها الأولى سنة 1987، كانت مثار جدل واسع على صفحات الجرائد والمجلات الثقافية ونشرت حولها دراسات جامعية ونقدية كثيرة. وساهم في ذلك اختيارها من طرف وزارة التربية الوطنية المغربية منذ 1995 إلى 2005، لتكون ضمن المؤلفات المقررة على تلاميذ الثانوي.

==

لعبة النسيان لمحمد برادة بين الزمن الضائع والتجريب البوليفوني




- عتـــــــــــبة الجــــــــــــــنـــس:

إن لعبة النسيان هي أول رواية لمحمد برادة، صدرت لأول مرة سنة 1987م عن دار الآمان بالرباط. وقد جنسها الكاتب بعنوان فرعي تعييني"نص روائي". ويعني هذا أن المؤلف رواية مادامت تشخص الذات والموضوع والرواية نفسها. وتتشابك في النص أحداث تخييلية وواقعية متنوعة، وتتناغم تيمات عديدة على إيقاعات درامية حدادية دائرية التركيب إلى جانب تفاعل عدة شخوص رئيسية وثانوية عبر حركية التاريخ وصيرورة الزمن وتناوب الأجيال مابين الاستعمار والاستقلال وما بعد الاستقلال.
وهذه الأحداث المتوجة غير منفصلة عن فضاءاتها الزمكانية التي تنفعل بالشخوص وتفعل فيها ما يمكن أن تفعل تحت ضغوط الجبرية وحتمية الواقع: تأثرا و تأثيرا. ولكن يبقى هذا النص الروائي سيرة ذاتية أو أطبيوغرافيا مادام يرتكز كثيرا على تشخيص الذات ( التذويت)، واستدعاء تاريخها عبر الصيرورة التاريخية، واسترجاع تاريخ الذوات الأخرى المتفاعلة معها؛ وذلك بسبر الموضوع الذي يؤثر فيها.
وخطاب الأطوبيوغرافيا حديث العهد، فقد نظر له الناقد الفرنسي فيليب لوجون. إذ يعرف النص الأوطوبيوغرافي بأنه:" محكي نثري استرجاعي ينصب على الوجود الشخصي لفرد ما، وذلك حينما يتم التركيز أساسا على الحياة الفردية وبالخصوص على تاريخ الشخصية". وهذا التعريف ينطبق إلى حد كبير على نص محمد برادة؛ لأن لعبة النسيان أولا نص سردي نثري ينبني على استرجاع ماضي الشخصية أو الذوات الفردية (الهادي)، في امتدادها الزمني وتعايشها مع الذوات الأخرى سلبا أو إيجابا في مواجهة الموضوع من أجل فهم الحياة الفردية وتاريخها وتفسيرها بما هو خارجي شعوري أو لا شعوري، مع حضور المؤلف المقنع بقناع السارد أو الشخصية ( السارد المشخصن)، كما هو الشأن في الرواية إذ يحضر في صورة ( الهادي) لوجود عدة تماثلات ذهنية ووجدانية واجتماعية بين محمد برادة والهادي ( انتقال الهادي ما بين فاس والرباط والقاهرة وباريس، الدراسة الجامعية، الصحافة، الكتابة السردية كاحتراف....).

- دلالات الروايـــــــــــــــــــــــــة:

تحضر عدة تيمات في هذه الرواية مثل: الحياة والموت والجنس وصراع الذات مع الموضوع والوطن والمكان والطفولة والوطن والنضال والحرية...
ويعتبر الموت أبرز حدث رئيسي في هذه الرواية، فعنه تتفرع الأحداث الدرامية الأخرى وعبره تترابط الإيقاعات والقصص السردية.
ويمكن اعتبار لعبة النسيان رواية استرجاع الزمن الضائع من خلال الشخوص ودورة الحياة والموت عبر الأمكنة والفضاءات المنغلقة والمنفتحة والداخلية والخارجية. وتحضر الأم باعتبارها شخصية رابطة مبئرة ومبأرة، عليها تتجمع الشخوص لتنسج خيوطها السردية لخلق حياتها وموتها. كما أنها تجمع هذه الشخوص لتخلق فيها الحياة والدفء والاستمرارية عبر الصيرورة التاريخية. وهذه الرواية كذلك رواية أجيال ثلاثة مختلفة الطباع والقسمات والرؤى تتحول مع المكان والزمان في تكيفها وصراعها مع الواقع المتميز بين الحماية والاستقلال:

الأجــــــــيال الــــــــــــــثلاثة:

الجيل الثالث الجيل الثاني الجيل الأول
جيل مابعد الاستقلال جيل مابين الاستعمار و الاستقلال جيل الحماية
عزيز- فتاح- نادية سي إبراهيم-لالة نجية- الهدي- الطايع لالة الغالية- سي الطيب- الشريف
وتتضمن رواية لعبة النسيان لمحمد برادة سبعة فصول على النحو التالي:

-1- في البدء كانت الكلمة:
يدور هذا الفصل حول حضور الأم في الدار الكبيرة بفاس وانتقالها إلى الرباط لمساعدة ابنتها التي تزوجها سي إبراهيم في تربية أولادها وتدبير شؤون المنزل وما أحدث وفاتها من أثر على الأبناء والأهل والأقارب و الجيران.

-2- سيد الطيب:
يستنطق هذا الفصل شخصية سيدالطيب العاقر وتناقضاته العديدة، ويحاول تفسيرها بعلل الموضوع ومنسيات الذات. ويرصد الحكي هذه الشخصية في طيبو بتها ودماثة أخلاقها وبعدها الديني والروحي إلى جانب انغماسها في اللذات والشهوات والميل إلى اللهو ولعب الكارطة وتبذير الأموال من أجل التلذذ بمفاتن الجسد.

-3- ما قبل تاريخنا:
يذكر هذا الفصل طفولة الهادي والطايع ومراهقتهما مابين فاس والرباط.


-4- ثم يكبر العالم في أعيننا:

تفكر الرواية في نفسها من خلال فضح اللعبة السردية والحوار مع المتلقي عبر تأسيس ميثاق سردي يشارك فيه المؤلف وراوي الرواة والمتقبل. وتكمن مهمة راوي الرواة في قول الحقيقة والبوح بها وتعرية لاشعور الشخصيات خاصة المشاهد الجنسية الطفولية ( الهادي)، أو الذكورية( واقعة السيد " الضب" الذي اغتصب فتاة المدرسة، وهي ما تزال صغيرة)، كما يتعرض الفصل للزوجين: سي إبراهيم ولالة نجية في تكيفهما مع الواقع وامتدادهما في الحاضر، واستعراض بعض النشرات الإعلامية والإذاعية والصحفية التي أدلى بها راوي الرواة لتشخيص التحولات الطارئة على مغرب الاستقلال وبعد الاستقلال.

-5- قلت وكم يهواك من عاشق:

ينصب هذا الفصل على عدة مشاهد شبقية وجنسية تبين الفلسفة العبثية لشخصية الهادي. هذه الشخصية التي لا تؤمن بالدين وتضعه دائما قاب قوسين، وتعيش حاضرها من خلال اللذة ومغازلة الحياة والثورة على الواقع والتمرد على الكائن.ويستعرض الفصل دفً الأجساد في باريس ( البيضاوية) والقاهرة ومدريد.

-6- زمن آخر:

يعود الهادي إلى فاس لاسترجاع الذكريات والبحث عن الأم في رحيلها ووجودها الحلمي وتأمل المكان وعبقه التاريخي والحضاري. كما يستعرض الفصل الجيل الجديد جيل عزيزوفتاح ونادية عبر حفل زواج عزيز بن سي إبراهيم ولالة نجية، حيث تتغير القيم المثلى وتتحول إلى قيم كمية ومادية، وتبرز كذلك ثورة الشباب على واقع مغرب ما بعد الاستقلال على كافة المستويات. ويشير الفصل إلى صراع راوي الرواة مع المؤلف حول قضايا سياسية واجتماعية لا يريد المؤلف إثباتها لما لها من تأثير سلبي على الراوي وعلى المؤلف نفسه مثل: المناقشة حول سرقة أموال الشعب وتبذير الملايير في الحفلات الخاصة والعامة، وظهور جماعة الملياردية أو التعريض ببعض كبار موظفي الدولة وتصدير فتيات المغرب إلى الخليج أو الخارج لبيع الجسد والحصول على العملة الصعبة والتخفيف من البطالة، ورصد ظاهرة المخدرات وضياع الشباب...
و إذا كان راوي الرواة يتمسك بالسلبي، فإن المؤلف ينصحه بذكر ما هو إيجابي؛ لأن الإيجابيات أكثر من السلبيات. ولكن هذا الحوار بلغ مأزقه عندما لم ينته إلى اتفاق بينهما.

-7- من يذكر منكم أمي:

يحاول الهادي استعادة ذكرى أمه واسترجاع وفاتها من جديد عبر التأملات ليخلق حضورها ويفلسف وجودها، وليتصالح الهادي في الأخير مع الكل، ومع أخيه الطايع الذي قاطعه أمدا طويلا عندما حضر مع أخته ( لالة نجية) وزوجها ( سي إبراهيم) لمواساة الطايع ومشاركته حزنه حول مآل فتاح بسبب نضاله الوطني والحزبي. وكانت " الأم" طيفا حاضرا لجمع الشمل مرة أخرى.


ايوب صابر 03-23-2012 10:46 PM

تابع ،،


وعليه، فلعبة النسيان تتكون من سبعة فصول تتجاذبها ثنائية الإضاءة والتعتيم. وتتخذ الرواية طابعا واقعيا وذاتيا ووطنيا وفلسفيا. ويمكن إجمال دلالات هذا العمل الإبداعي في المضامين الموالية حسب الفصول السالفة الذكر:
يرسم الكاتب في الفصل الأول( في البدء كانت الأم) صورة مثالية للأم، هي لالة الغالية سيدة الدار الكبيرة بفاس القديمة. وسميت بهذا الاسم؛ لأنها غالية لدى كل الناس ولدى الجيران ونساء الدار بالخصوص لمركزها وأهميتها الاجتماعية ودماثة أخلاقها وطيبوبتها. وهي أم الجميع بلا استثناء. هي أرملة غادرها زوجها قبل الخمسين، تزوجته لالة الغالية وهي صغيرة السن. وكان بعلها يتاجر في الكتان والملف، وربحه وفير؛ بيد أنه ينفق معظمه في الثياب والأكل والتعطر بأحسن العطور، ويكثر من الأفراح والولائم. وكان الزوج من أصل أندلسي استوطنت عائلته فاس منذ القديم. أما أب الغالية فهو فلاح بدوي معروف بالورع والتقوى. ولالة الغالية أم لولدين: الهادي والطايع وبنت أكبرهما سنا( نجية). رفضت الأم الزواج مرة أخرى لتربي أولادها وتعلمهم. ولم يترك لها الزوج سوى قبض كراء البيت والدكان الذي كان أخوها الطيب يأخذ منه ما هو في حاجة إليه دون أن تحتج عليه أو تنتقده في ذلك.
كان وجه لالة الغالية مدورا صبوحا، وبسمته ذكية، وجه ممتلىء بالحياء. إذ تحترم لالة الغالية العادات والتقاليد والشرائع، تكثر من الزيارات وصلات الرحم، طيبة ومؤمنة تزور الأهل والجيران والأقارب والأولياء الصالحين وتتبرك بالأضرحة وتتوسل بالشرفاء، كما أنها تحب كثيرا أولادها وأخاها سي الطيب وأمها العجوز. وهي كثيرة الإحسان والكرم والسخاء، ودودة مع الأهل والآخرين وبشوشة ومواسية وناصحة ومحترمة؛ ولا ننسى كذلك أنها مثال للصبر والتجلد ومواجهة الأمور والمصائب، تحملت مسؤولية الأسرة منذ أن ترملت واعتنت بالتدبير المنزلي، وعلمت ولديها: الطايع والهادي، بينما تكلفت ابنتها نجية بالطبخ والكنس والخياطة.
وكانت الأم كذلك مواسية لجيران الدار الكبيرة حيث أصبحت فيها هي الكل في الكل، وسيدة الدار تعطف على الجميع وتحن عليهم وتنصح النساء وتدعوهن للفطور وقضاء الوقت في الحديث، ولاسيما أمر انتقالها إلى الرباط لتزويج ابنتها نجية ومساعدتها في تربية أولادها وإنجاز الأمور المنزلية بعد اختيارها زوجة من قبل الشاب السوسي بفضل وساطة الشريف الصديق الوفي لزوج لالة الغالية وصديقا مخلصا كذلك للسوسي في الرباط.
وقد شكلت الأم ذكرى عظيمة بالنسبة لابنها الهادي بعد وفاتها إذ لم يعد يطيق الحياة بعد فقدانها؛ لأنها رحم الدفء والأمومة والطفولة والحياة السعيدة. وبعد موتها أصبح يحس الهادي بالاكتئاب والوحدة والضياع والاغتراب الذاتي والمكاني. وصارت مشاهد الأم وذكرياتها تلازم الهادي أينما حل وارتحل، يحس بحضورها وحنينها الخفي ووجودها في حياته. إنها ذلك الطائر النادر والواحة الظليلة. وكانت الأم كذلك نبراسا وضاء ينير حياة نساء الدار الكبيرة، ويدخل عليهن الفرحة والسعادة وحيوية العيش ودفء الطيبوبة. بيد أن وفاة الأم أثر على كل أفراد الدار الكبيرة ومزق القلوب وأثار الأشجان بعد دفنها في التراب لتحضر لديهم في شكل ذكريات ومشاهد واستيهامات وأطياف.
ويتعرض الفصل الثاني لشخصية " سي الطيب "، وهو أخ لالة الغالية، كان يقطن معها الدار الكبيرة، تزوج مرتين: الأولى توفيت وكانت طيبة مع الهادي. ويعد ذلك تزوج من " فاختة" التي جعل الهادي حياتها تعاسة وشقاء، ولم ترتح منه إلا حينما سافر مع أمه إلى الرباط. وسمي سيدالطيب بهذا الاسم لطيبوبته ودماثة أخلاقه. فهو ذو قامة مديدة وجسد ممتلىء ورجل فحل يلبس جلبابا شفافا في الصيف وجلبابين صوفيين خلال الشتاء. وهو عاقر لذلك تبنى ابن أخته لالة الغالية( الهادي) وأحبه كثيرا. وكان سي الطيب مسؤولا عن لالة الغالية. وهو الذي يقبض الكراء ويراعي الأولاد. ومهمته هي الحياكة والإتقان في العمل. وسهراته مابين المساجد وحلقات ترتيل الأمداح النبوية ورياض الجنان للنزهة والاستمتاع والمقاهي للعب الورق والتلذذ بالحياة وعطر الأشياء والأجساد. وقد اشتغل مع ابن الأخت الكبيرة لالة عايشة في تهريب القماش والكتان من الدار البيضاء بعد أن كسدت سوق الحياكة في فترة الحرب. وبعد ذلك صار بائعا للثياب في حانوت ملأها له ابن أخته بحي فاس الجديدة؛ إلا أن سي الطيب أدى به الإفلاس إلى أن يضحي بالربح ورأس المال بسبب مغامراته النسائية خاصة مع المرأة اليهودية المكتنزة التي أنفق عليها كل ما يملكه وجعلته يميل على اللذة وشرب كؤوس المتعة وسهرات الملحون والأندلسي.
ويلاحظ على سلوكيات سي الطيب التناقض؛ إذ يجمع بين عبادة الله وتقواه واللهو والمجون. فإلى جانب الجذبة الصوفية والمروءة ودماثة الأخلاق ومعاملة الجيران الحسنة واتصافه بالكرم والسخاء وحبه الشديد للوطن وميله إلى الفكاهة والنادرة. وكان في المقابل ماجنا ومغامرا يقبل على الحياة مختلسا منها لحظات الزهو بعيدا عن زوجته التي حولت حياته وحيات الهادي إلى جحيم. وبعد أن أخذ يحبو فوق الخمسين عاد إلى البيت وغدا أكثر استقرارا ورجع إلى مهنته الأولى، وجعل يداوم على المسجد وحلقات الذكر والأمداح.ويستدعي في نفس الوقت أصدقاءه للعب الكارطة. ولا يكون في أوج السعادة حتى تحضر أخته لالة الغالية وابنها الهادي لزيارته من الرباط. كل زيارة تكون احتفالا يغمر جميع سكان الدار. وتعترف كل نساء هذه الدار بطيبوبة الرجل ووداعته وملاطفته ومشاكسته لهن، والتوادد مع أولادهن وأزواجهن، ويتعاطف مع الجميع ،ويساعد الكل، ويقاسم جيرانه فرجة التلفزة، ويقدم لهم النصائح والتوجيهات السديدة.
أما الهادي فمكانة الطيب في نفسه كبيرة جدا، إذ أحبه حبا شديدا ولم يحس بهذا الحب إلا بعد وفاة خاله، فكانت وفاته فاجعة مأساوية. وأصبحت صورة " سي الطيب" لا تفارق الهادي، وتحضر مرتبطة دائما بالطفولة والأحلام عبر لحظات التذكر والاسترجاع. فثلاثون سنة مازالت صورة سي الطيب تغرس بطيبويتها في ذاكرة الهادي أروع المشاهد وأعظم المواقف الإنسانية.
وفي الفصل الثالث( ما قبل تاريخنا) يستعيد الهادي ما قبل تاريخه أي ما ورثه منذ طفولته من أحداث وذكريات شكلت تطور حياته الفردية عبر عمليات الاسترجاع والتذكر واستعادة لحظات المدرسة واللعب والمغامرات والمظاهرات. وعلى الرغم من كون الهادي في العقد الثالث من عمره، فهو مازال يتذكر طفولته في فاس أولا، والرباط ثانيا، لايمكن أن يتخلص منها لما تركته من رواسب في لاشعوره وذاكرته الحية؛ لأنها مثل الدم في الشرايين والحضور المستمر في إيقاع الغياب الأمومي.
منذ سنيه الأولى عرف الهادي بالدلال والشيطنة والمشاكسة خاصة عندما تبناه سي الطيب وزوجته الطيبة الأولى لكونهما عاقرين، فاحتضناه وعاملاه بحنان ودفء ودفء العطف ولبيا له كل ما يرغب فيه، وأصبح ولد الدار الكبيرة الأول، فلا يمكن لأحد أن يغضبه أو يزعجه حتى أمه لالة الغالية.
ويتسم الهادي بالوسامة وشعره المدلل ( الفريزي) على عكس أخيه الطايع الذي لم يحظ في أول الأمر بتلك التسريحة الشعرية الإفرنجية الجديدة، وأصبح الهادي مثار إعجاب بنات الدار يحاولن تقبيله واللعب معه. وكم كانت للهادي من مغامرات صبيانية مع بنات الحي ( مثل بنت أحد الفقهاء المتزمتين، وبنات الدار الكبيرة، والبنت الملثمة التي أخذت منه جلابية" لملف" ومغامرات شيطانية في " المسيد" والمدرسة والحومة. وكان يقضي معظم وقته في لعب الكرة أو الصراع مع أبناء الحي والعراك معهم بالأيدي أو الحجارة. وعندما رحل الهادي إلى الرباط حمل ولعه بالعراك والتحدي. لكن سي إبراهيم فرض عليه وعلى أخيه الطايع تربية صارمة تتمثل في العمل والاجتهاد والعبادة. وكان الهادي يقضي أوقاته في المراجعة والقراءة. إذ اطلع على أعمال جورجي زيدان والمنفلوطي والفونس دوديه. ولا ننسى أن نذكر اهتمامه بالشؤون الحزبية وحضور دروس الدين في الجامع الكبير وإعجابه بالفقيه العلامة المدني بالحسني أثناء إلقائه لدروس الحديث وتمكنه من الإلقاء وإفادة الناس. وشارك الهادي مع أخيه الطايع في المظاهرات والإضرابات الوطنية بعد نفي جلالة الملك محمد الخامس إلى مدغشقر وكورسيكا بحماس وطني لا نظير له.
وبعد مرور سنوات الطفولة والمراهقة مازال يتذكر وفاة أمه الثانية زوجة سي الطيب عندما كانت جسدا أبيض يغسل ليوارى في التراب. وكثيرا ما كان إيقاع الجسد أو بياضه الناصع يذكره بالموت ومغسل المرأة الطيبة التي دللته كثيرا كأنه أمه الحقيقية وليست لالة الغالية، ولاسيما أن هذا التذكر ينتابه أثناء قضاء لحظات المتعة الجسدية مع المراة الأجنبية التي لقيها بالمكتبة، وكان حديثها حول العالم الثالث والذي أدى إلى التجاذب الجسدي. وكان هذا الجسد الأبيض يوحي للهادي- الضائع بين الخمرة وشهوة الخطيئة- بالموت وطفولته بفاس بين أحضان سي الطيب وحنان فاس، وسكانها المنشرحين الذين يقضون أوقاتهم في العمل ولعب الكارطة والغناء والمرح والنزهة في الحدائق العمومية. إنها طفولة مدينة الرحم والأمومة والعطاء والسخاء. وهكذا، فمن خلال الجسد والذاكرة تستعاد الطفولة والتاريخ والمراهقة، ويتداخل الحاضر مع الماضي وينجذب الشعور إلى اللاشعور، ويتقاطع العبث مع الوجود الطفو لي والأمومي من خلال ثنائية الموت والحياة.
ويحيل عنوان الفصل الرابع ( ثم يكبر العالم في أعيننا) على التغير الذي طرأ على شخوص الرواية ولاسيما الهادي الذي انتقل من فاس الطفولة، المدينة الرحم أو الواحدة الموحدة إلى الرباط حيث سيكتشف عالما آخر مليئا بالمتناقضات، عالم الأشخاص والأشياء قوامه الاختلاف والتنوع والتعقيد، وبعد ذلك يبدأ الفصل بتمرد السارد أو راوي الرواة على الكاتب، إذ أراد أن يتدخل في السرد ليقوم بمهمة التنسيق والتوجيه والتحكم في دفة السرد وإضاءة الأحداث أو إخفاءها وتعتيمها وتصحيح الأخطاء التي قد يرتكبها الكاتب أو تشويه الصورة التي يريد تزيينها، أي أن راوي الرواة سيتدخل ليفضح اللعبة السردية بكشف ألغاز البناء الروائي والتعددية الأسلوبية ويبرز الجوانب الشعورية واللاشعوريةالتي تنطوي عليها الشخصيات الروائية من خلال الربط الخاص بالعام. وبذلك يفرض راوي الرواة شروطه على الكاتب لمواصلة الحكي عبر التدخل في المسار الحكائي لتقويم الشخصية وفهم أبعادها الذاتية وظروفها الموضوعية.
ومن المواضيع التي تم تسليط الضوء عليها من قبل راوي الرواة " الإغراءات الجنسية" التي كان محورها الهادي الوسيم أثناء طفولته، حيث كان الولدان يلاطفونه خاصة الفتى البقال السوسي بالقرب من الدار الكبيرة، وقصة " الضب" الذي فض بكارة تلميذة عند انصرافها من المدرسة بوحشية وفضاضة. وأصبحت صورة الفتاة العارية راسخة في ذاكرة الهادي تغيب وقتا وتحضر عندما يشاهد الأفلام الإيروسية كالفيلم الياباني بباريس الذي ذكره من خلال مشاهده الشبقية بالضب بعد عشرين سنة.
ومن شخصيات هذا الفصل "سي إبراهيم" الذي يناهز عمره الستين. وهو من مواليد " آيت باها"، لم يدخل المدرسة قط، ولكنه يداوم على الصلاة وارتياد المساجد. قضى سي إبراهيم حياته راعيا في سوس. وبعد سنوات الجفاف والقحط قرر السفر إلى الرباط وذلك بفضل الشريف الذي أقنع أباه ليتركه يرحل بحثا عن العمل والرزق. وقد نزل إبراهيم بالرباط وأقام عند ولد عمه. وأصبح ماسحا للأحذية، وبعد ذلك خادما في مقهى" بار هنريس" قرب محطة القطار. وبعد مدة تعارف سي إبراهيم على الشريف الذي زوجه لالة نجية، المرأة الطيبة الصبورة. وسي إبراهيم رجل مخلص لا يتدخل فيما لا يعنيه وساذج وطيب السريرة. بيد أنه شديد الصرامة في تربية أولاده وتعامله مع أولاد لالة الغالية( الطايع والهادي)، يكثر من النصائح والمواعظ ويتشدد مع النفس قبل الغير. وسي إبراهيم كذلك مثال للتقوى والعمل والجد. وقد اشترى منزلا وبدأ في استثمار مدخراته. وأنجب أحد عشر ولدا وبنتا. وبعد ثلاثين سنة من الدأب والكفاح، انتهى بحياة مستورة وشريفة. يتأقلم فيها مع الواقع على الرغم من المتناقضات وتنوعها المعقد.
هذا وإن سي إبراهيم يثير فضول الهادي والطايع خاصة عندما يقص عليهما سيرته وبطولاته وحكاياته، حيث يجنح كثيرا إلى التخريف والتخييل والتهويل بسبب استرجاعه لأفلام شاهدها أو أحلام منامية أو أحلام اليقظة ليثأر من المعتدي؛ ولكنه واقعي يحس بالعجز والضعف والجبن( مثال: ضربه للأمريكاني بالمطرقة أثناء وجوده بالبار). وهكذا أصبح سي إبراهيم عند أولاده رمزا للصرامة والغموض والدأب والبساطة في الحياة والاقتصاد في المعيشة.
أما عن لالة نجية فهي زوجة سي إبراهيم ابنة لالة الغالية، زوجها الشريف صديق أبيها الوفي من سي إبراهيم وسنها لم يجاوز الخامسة عشرة. ومن خصالها الحياء والخجل والرزانة والتعقل والصبر وطاعة الزوج والسهر على خدمة الأسرة بكل مافيها. وسي إبراهيم يعتني بها ويحرص على تعليم أولادها ومساعدة الطايع والهادي أخوي نجية. وكانت زوجة سي إبراهيم تشبه أمها في الطيبوبة ودماثة الأخلاق والصبر والرحمة والحنان وتدبير شؤون المنزل والإكثار من النسل والعمل على تربيتهم بمساعدة أمها التي لم تأت من فاس إلا لذلك.
ولالة نجية مثال للطف مع نساء الجيران خاصة لالة كنزة وأولادها. ولما انتقلت إلى منزلها الجديد حافظت على ذلك الوصال الحميمي وصلة الرحم وتبادل الزيارات. وكان الهادي يميل كثيرا إلى أخته نجية، إذ ينظر إليها على أنها أم ثانية تحمل قسمات الأم الحقيقية، بله الألفة التي تجمعها منذ الطفولة وحبه العميق لها حبا شعوريا غامضا ودفينا مبعثه طيبوبة الأخت ودماثة أخلاقها وحسن نيتها في الآخرين. وكم كان الهادي منبهرا بصورة أخته العظيمة وفلسفتها في الحياة القائمة على الرضى والقناعة والتضحية و التفاني في خدمة زوجها وأولادها وحب الآخرين.
أما الطايع فلا تختلف طفولته عن طفولة الهادي لاشتراكهما في اللعب والمدرسة والمغامرات والمظاهرات. فإذا كان الهادي مجدا في دراسته، والدليل على ذلك حصوله على شواهد جامعية عليا، فإن الطايع قضى عشرين سنة في النضال الحزبي والنقابي والكفاح الوطني ودافع كثيرا عن شعارات جماهيرية وشعبية. بيد أن هذه السنين التي كرسها الطايع للفعل داخل الميدان لم تعد عليه بالنفع ولا بالانتصار. فقد خان رؤساء الأحزاب والنقابات وأطرها الفاعلة القضية وغازلوا السلطة وضاع المناضلون الصغار. فيالها من نتائج مفجعة!ويالها من حسرة تنخر ذاكرة الطايع الذي ثار على نضاله وأوهامه واقتنع أخيرا بلا جدوى العمل السياسي واختار مهنة التدريس، وتزوج من معلمة كانت تشاركه همومه وآماله وطموحاته المستقبلية. وتخلى عن الماضي والذاكرة الوطنية بمفهومها السلبي، وبدأ في تجربة أخرى بمثابة خلاص حقيقي له من أزماته الذاتية والموضوعية يتمثل في قراءة الإسلام وعبادة الله وأداء الصلاة وانتظار الموت والاهتمام بشؤون المنزل والأولاد.
وكم كان الطايع مختلفا مع الهادي أخيه الصغير الذي أنفق عليه الكثير من أجل أن يتابع دراسته الجامعية على عكس الطايع لم يستكملها. إذ اكتفى بالشهادة الابتدائية لينخرط في العمل ليساعد أمه. وما يتذكر من طفولته حبه لخديجةابنة الجيران، بنت خالته كنزة كما يناديها حيث كانت له معها لحظات رومانسية انتهت بزواجها بفقيه تحت ضغط والدها.
هذا وقد ضحى الطايع بكل شيء من أجل الوطن والصالح العام. وكم كانت خلافاته حادة مع الهادي الأناني والعابث الذي لا يبالي بالدين ولا بفلسفة الزواج، يتكيف مع الواقع بعيدا عن الفعل والنضال. ويرى الهادي أن احتجاجات أخيه الطايع نتاج للفشل والأوهام التي عاش من أجاها دون أن يعرف حقيقة الأمور ويختبر الواقع عن قرب ليكشف زيف الادعاءات ونفاق الشعارات السياسية. وما الدين سوى ملجإ يهرب إليه الطايع لينسى كل شيء ويقطع صلته مع الماضي الدفين.
وتبين تطورات الظروف وتوالي العقود على مدى ثورة الهادي والطايع وتمردهما على الواقع المرير الذي انحرفت فيه القيم والمقاييس وتخلخلت العلاقات الإنسانية، بينما حاول سي إبراهيم ولالة نجية أن يمتصا هذا الواقع وأن يتكيفا معه" كأنهما اسفنجتان، فلا يبدوان على خلاف معه-على حد تعبير الكاتب – ظلا في أحشائه دوما، لكن كأنما عاشا مسورين داخل هذه الدنيا، تحرسها عناية خفية من أن تصيبهما شظايا الألم" .
وينتهي هذا الفصل برصد المتناقضات التي كان يعيشها مغرب السبعينيات على جميع المستويات حيث يحيل على القبضة الحديدية للسلطات الحاكمة والظلم وانعدام العدالة الاجتماعية وعبثية الحياة وترداد الشعارات السياسية الجوفاء وطغيان السلطة ونماء جبروتها على حساب حقوق الشعب وتلذذه بالفقر المدقع وأمله الخائب في صراخه السيزيفي الضائع.
ويستعرض الهادي في الفصل الخامس ( قلت وكم يهواك من عاشق) مراهقاته الشبقية واشتعال لغة الجسد والشهوة من خلال تحريك الذاكرة واستدعاء المشاهد الجنسية والحياة الأبيقورية التي انغمس فيها إلى أخمص قدميه. ثلاثة فضاءات تشكل مسيرة كينونته الوجودية، وهي تتمحور حول العطش الجسدي وإشباعه عبر الارتواء الجنسي وارتشاف خمر النسيان واللذة. وهذه الفضاءات هي: القاهرة ومدريد وباريس. وهي تشكل الخارج أو الفضاءات المفتوحة التي كان فيها الهادي يعاني من الاغتراب الذاتي والمكاني لمواصلة دراساته الجامعية والاسترواح النفسي كذلك.
إنها مشاهد جنسية مرتبطة بفضاءات معينة. وهي فضاءات عاصمية ( القاهرة – مدريد- باريس) إدارية وسياسية. ففي القاهرة ضاجع الهادي امرأة اعتقد أنها ليست جميلة؛ ولكنه وجدها مرعبة في بشاعتها مادامت تضاجع مراهقا ورجلا وسيما. وكان هذا المشهد الجنسي عاديا وطويلا؛ بيد أنه لم يتطور، لذلك تخلص منه الهادي ليبحث عن خياله من جديد في شوارع القاهرة الغاصة.
وفي مدريد يتكرر المشهد الجنسي حيث يتعرف الكاتب على فتاة أو امرأة من باريس، وجهها الأبيض واللثغة المحببة، عندما تتحدث بالعربية تذكر الهادي بالطفولة ومدينة فاس مدينة البدء. وكانت عشيقته سخية، إ ذ جعل الكاتب من بيت إحدى الراهبات مرتعا للصراع الشبقي والارتواء اللحظي وتداخل الجسدين وتشابكهما للتعبير عن العطشين الدفينين بلغة الجنس و الخمرة.
وفي باريس تعرف الكاتب على امرأة مغربية من الدار البيضاء. وهي طالبة جامعية فقدت أمها أثناء مغرب التحولات، ولم تستطع أن تعيش مع زوجة أبيها فاختارت العزلة والقراءة، وجعلها الهادي مطية أفكاره وفلسفاته الوجودية والماركسية والفرويدية، وميدانا للشبقية والتنفيس والتعويض واسترواحا نفسيا خاصة أثناء تواجده طالبا بباريس، وقضى معها حياته البوهيمية العبثية في الاستمتاع والارتواء. وكانت بينهما مراسلات تشخص حبهما والرغبة الدفينة في الإشباع واللذة وتذكر لحظات الانجذاب والتآلف والعناق والانطفاء.وتعبر كل هذه المشاهد عن مدى إحساس الهادي بالوحدة والغربة الذاتية والمكانية أثناء مغادرة الوطن بعد انفصاله عن مركز الطفولة وذاكرة الأمومة. إنه يعيش لحظات الضياع بعيدا عن لحظات الفعل والمسؤولية كالتي عاشها الطايع أخوها. إن الهادي لا يؤمن بهذا الفعل المؤدلج. إنه يبحث عن العلم واقتناص الهوى والفرص لتحقيق ذاته للانغراس في تربة الحياة مادامت تنتهي بالموت. لذا على الإنسان أن يعيش لحظات الحاضر ليحس بوجوده وكينونته.
ويحيل الفصل ما قبل الأخير( زمن آخر) على عودة الهادي إلى فاس عبر الاستذكار والاسترجاع واستدعاء الذاكرة لينقل لنا فضاء المدينة بأبعادها الحضارية والجغرافية والإثنوغرافية. كأن هذا الرسم المنقول صورة إشهارية أو لقطة سياحية. إنه يرسم تقاسيم المدينة ومظاهر العتاقة والأصالة فيها وما طرأ عليها من تمدين وتحديث وتحولات مست القيم والأخلاق والسلوكيات والناس بل الحيوانات كذلك. إذا انتقلت فاس من طابعها الفطري " البريء" الصافي إلى طابع التحديث المادي الاستهلاكي، كما تغيرت المرأة وأصبحت عصرية أكثر، كما تحول الشباب وتهافتوا على الموضات الجديدة المستوردة. فكل شيء تغير في فاس. إنه المكان في تفاعل جدلي مع تغير الزمان. ويستحضر الهادي وطنية فاس وصمودها في وجه الاستعمار وقراءة اللطيف في المساجد والكفاح الوطني ومظاهرات العمال من أجل الاستقلال، ويقارن كل هذا بفاس الحاضر، فاس الشعارات السياسية والأحزاب والبرلمان، بين فاس الصدق والأصالة، وفاس الزيف والكذب، وبين فاس القيم الوطنية والعراقة الحضارية والدينية وفاس التحولات والاستهتار بالقيم والنفاق الاجتماعي والسياسي.ومن الأمثلة على هذه التحولات على فاس الحاضر زواج ابن سي إبراهيم ولالة نجية " عزيز" من سعيدة. فبعد تخرج عزيز من كلية الحقوق، شعبة الاقتصاد، اشتغل في مكتب التسويق والتصدير وبذل جهدا كبيرا في شغله لإرضاء رؤسائه رغبة في الترقي وتحسين أوضاعه المادية. ولم يجد بدا من أن يتزوج من سعيدة الصيدلية من وسط متبرجز، أبوها مدير بنك تجاري لتحقيق التوازن الاقتصادي وتوفير مستقبل مادي زاهر على الرغم من كونها متوسطة الجمال وكبيرة السن. وتم العرس في فاس بدل الدار البيضاء للتقرب من الأهل والجيران والأحباب، وتخلل هذا الحفل مشاهد موسيقية أندلسية ورقصات النساء والرجال معا، واختلاط الذكور مع الإناث.
ومن المواضيع التي انصب حولها الحديث من قبل المدعوين: تزوير الانتخابات والوضعية السياسية المتردية، واستيراد الحبوب بسبب الجفاف، والبطالة وانعدام آفاق المستقبل أمام الجيل الجديد بعد حصولهم على الشواهد العليا، وانعدام التواصل بين الأجيال بصفة عامة، والسمسرة في الصفقات المخصصة للاستثمار الغربي والشرقي في المغرب، والتباين الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء كما يظهر ذلك من خلال افتخار زوجة المحامي بثوبها الجديد ( أنت عمري) الذي يساوي مليونا من الفرنك، وقد جلبه لها من دمشق أثناء دفاعه عن سمسرة استثمارية.
وكان الجدال حادا في الغرفة التي تجمع فيها الجيل الجديد مع الجيل الماضي، حيث فتاح وإدريس ونادية وعبد السلام وطلبة الآداب والحقوق والهندسة والطب. ودار حديثهم حول الواقع المغربي وآفاقه المستقبلية. فإذا كان الجيل الأول قد ارتبط بالماضي والوطن وعاش كالبشر الآخرين، فإن الجيل الجديد يرفض هذا الوطن بسبب الفراغ الذي ينخره، والبطالة التي تأزمه، كما أن مستقبله غامض. لذلك فلا خط يصل بين هذين الجيلين؛ لأن الجيل الأول بماضيه ولا مستقبل ينتظره، والجيل الجديد بلا ماض؛ ولكن بمستقبل. وكانت مقاربات الشباب للمشكل تنطلق إما من رؤية يسارية وإما من رؤية إسلامية كما هو الشأن لدى عبد السلام.
ولم تنته هذه الجدالات السياسية الحادة إلا بحضور العروس إلى الفيلا واستكمال الترتيبات الأخيرة كالأكل والشرب وتصوير العروسين بالفيديو والتجول بهما عبر أزقة المدينة احتراما لتقاليد الزفاف الفاسي.
وينتهي هذا الفصل بحوار حاد بين راوي الرواة والمؤلف، إذ كاد أن يستقل السارد الجريء ليترك المؤلف وحيدا حائرا لا يلوي على شيء، ولا يعرف من أين سيبدأ حكيه وأين سينهيه، ويكون – بالتالي- السؤول الوحيد عن سرده وحكيه. وسبب هذا الصراع هو رغبة راوي الرواة في إخبار القارىء بخلافه مع المؤلف حول عدة قضايا ظاهرة وخفية، ومنها قضية تشطير الزمن إلى زمنين، زمن سي إبراهيم ولالة نجية والطايع والهادي، وزمن فتاح وإدريس ونادية وعبد السلام. بيد أن راوي الرواة يرى أنه زمن واحد يعاش بأوعية مختلفة، وأن الجيل الأول مازال ممتدا في الجيل الثاني، أي أن الماضي مازال حاضرا في الآني، فمن الصعب الفصل بين الماضي والحاضر. فكل واحد يكمل الآخر. ومن الصعب كذلك أن نحدد زمن شخوص الفصول السابقة بفترة معينة ومعظمهم ما يزال في النص حيا يتكلم" وهل يكفي سخطهم على الحاضر لنعلن انفصالهم عن هذا الزمان وناسه، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار معايشتهم لأبنائهم وبناتهم وأقاربهم، لا مجال للتردد، في نظري، إذا أردنا أن نصور الزمن الآخر من أن نفترض الامتداد والتداخل، ومن أن نجعل مظاهر الانقطاع أقل مما قد توحي به الأحداث " الخطيرة" والإحصائيات، وتبدل القيم".
ويقترح راوي الرواة على المؤلف بديلا سرديا هو متابعة تغيرات الشخوص من خلال أقوالهم وتصرفاتهم وأفكارهم بدل تقسيم الزمن إلى زمنين؛ لأن الزمن ديمومة سرمدية واحدة تعاش بقوانين وثوابت خاصة، فما الشخوص سوى كائنات تعاني من وطأة الزمن.
وامتد الخلاف أيضا إلى رغبة المؤلف في قراءة ما بين السطور لهذا الزمن الجديد مثل ( ثراء الملياردية)، والتبذير الكبير في الحفلات العامة والخاصة، والتعرض بكبار موظفي الدولة بسبب الرشوة والاختلاس ،وتصدير الفتيات إلى الخليج وبعض دول أوربا لجلب العملة الصعبة أو ترويجا في الداخل بشرط حصولها على الإجازة والتخصص في الدلك والرقص لإرضاء الزبناء للتخفيف من البطالة، وانحراف الشباب وعيشهم على إيقاع المخدرات. ويطالب راوي الرواة المؤلف بذكر الإيجابيات إلى جانب السلبيات. وما أكثر الإيجابيات في بلاد يقهر فيه الإنسان صباحا ومساء ونهارا وليلا. ويلعن ويسب بلا كرامة ولاشرف. وقد انتهى هذا الخلاف الحاد إلى التراضي بأن يتولى راوي الرواة الفصل المعنون " زمن آخر" بالسرد والرواية.
وفي الفصل الأخير( من يذكر منكم أمي) يحاول الهادي أن يسترجع ذكرى أمه من خلال لعبة الاستدعاء والتذكر والنسيان. تلك الأم التي أنهكها مرض القلب بسبب تحملها لهموم كل الناس. لهذا حاول الهادي أن يتناسى طفولته "الأمومة" من خلال تلذذه بالغربة، ومضاعفة ساعات الشغل والاجتماعات والسهر مع الأصدقاء، والبحث عن اللذة المباحة والمشاهد والصور الدفينة في المخيلة. وكثيرا ما ينهي هذا الحضور الأمومي بتقبيل يد الأم أو وجهها إعلانا لطاعته لها وحبه لها. إن فقدان الأم بالنسبة للهادي ضياع وأيما ضياع. إنه اغتراب وجودي. فالإنسان بلا أم كأنه بلا هوية ولا ماض وبدون حاضر كذلك. الأم هي كل شيء بالنسبة للهادي.
وهذه الأم هي التي كانت وراء تصالح الهادي مع الطايع أثناء اعتقال ابنه فتاح الذي اتهم بالتخريب، وذلك عندما استحضرت لالة نجية صورة أمها لالة الغالية تحثها على اتحاد الإخوة و تصافي القلوب وجمع الشمل، إذ طلبت من سي إبراهيم أن يصحب معها الهادي لزيارة الطايع لمشاركة أحزانه والوقوف معه في هذه الشدة. وفعلا، تم اللقاء الأخوي وعادت المياه إلى مجاريها؛ ليستسلم الهادي لمشاعر الأمومة ومساعدة الأهل والجيران والأقارب نيابة عن أمه لالة الغالية.



ايوب صابر 03-23-2012 10:47 PM

تابع،،،

-4 – الشــــــــخـــــصـــــــــيات:

تحوي لعبة النسيان عدة شخصيات بعضها رئيسي مثل: لالة الغالية ولالة نجية وسي إبراهيم وسي الطيب والهادي والطايع وعزيز والبعض الآخر ثانوي مثل فتاح ونادية وإدريس والجيران والشريف...
وتتمحور هذه الشخصيات كاها حول شخصية الأم لالة الغالية باعتبارها الرحم والمصدر الأمومي الأصل الذي تفرعت عنه باقي الفروع الأخرى.
ويمكن اختزال هذه الشخصيات في السمات والصفات والوظائف التالية:

الوظائف القيم الأخلاقية الوظائف الاجتماعية الأوصاف الخارجية دلالات اسم العلم الشخصيات
تحمل مسؤولية الأسرة- التدبير المنزلي- مساعدة ومساواة جيران الدار الكبيرة- زيارة الأهل والأقارب والأولياء الصالحين- الانتقال إلى الرباط لتزويج ابنتها ومساعدتها في تربية أولادها والتدبير المنزلي وإعالة أولادها- الوفاة. طيبة- مؤمنة- تصل الرحم- تحب أولادها وأخاها وأمه محسنة- ودودة مع الأهل والجيران والناس- بشوشة مواسية وناصحة ومحترمة لطيفة- ظريفة ومربية صالحة. أرملة مكافحة. وجه مدور صبوح- بسمتها ذكية- وجه ممتلىء- ملثمة تلبس الجلابيب. سميت بهذا الاسم لأنها غالية على الجيران ونساء الدار الكبيرة لمركزها وأهميتها الاجتماعية ودماثة أخلاقهاوطيبوبتها. فهي أم الجميع بلا استثناء. لالة الغالية
مسؤول عن لالة الغالية- إتقان الحياكة- زواجه بفاختة بعد وفاة زوجته الأولى- تبني الهادي- العمل في الدراز سهراته في المساجد وحلقات ترتيل الأمداح – تهريب القماش والكتان- التجارة- الإفلاس- التوبة- الوفاة. محبوب – متناقض في سلوكه- دماثة متناهية – الجمع بين العبادة و والمجون- المروءة- السخاء والكرم. يشتغل في صناعة الحياكة والخياطة ويتاجر في الكتان. قامة مديدة- جسد ممتلىء-فحل- يلبس جلبابا شفافا في الصيف وجلبابين صوفيين خلال الشتاء- عاقر سمي بهذا الاسم لطيبوبته ودماثة أخلاقه سي الطيب
رعي الأغنام بآيت باها- الانتقال إلى الرباط بعد الجفاف- الاشتغال ماسحا للأحذية ونادلا- الزواج بلالة نجية- إنجاب الأولاد- تحمل مسؤولية الإنفاق والتربية الصالحة- شراء منزل بفضل عرق جبينه- حياة مستورة وسعيدة. متدين- ساذج- قانع حامد-متزمت- كثير النصائح- جدي- كريم في اقتصاد – حاج- مستقيم- غامض ودؤوب. كان ماسحا للأحذية ثم صار نادلا في بار هنريس. كان شابا جميلا- ممشوق القامة- عيناه عسليتان- شعر فاحم –ابتسامته لطيفة- يكثر من لبس القمصان البيضاء بدون رقبة- يلبس البابيون الأسود- يركب الدراجة. اسمه يحيل على الطابع الديني سي إبراهيم
الزواج بسي إبراهيم –الانتقال من فاس إلى الرباط- التدبير المنزلي- تربية الأولاد-الاجتماع مع نساء الجيران- الانتقال إلى البيت الجديد- مساعدة إخوتها ومواساتهم- الحرص على صلة الرحم- الفرح بأولادها ولاسيما ابنها عزيز. صبورة خجولة- سابقة لسنها- عاقلة- كريمة- لها خصال أمها- ودودة- طائعة وراضية. امرأة متزوجة من سي إبراهيم، و ربة البيت ومسؤولة عن تدبير المنزل وتربية الأولاد. الخجل والحياء-تضررت صحتها بكثرة الولادة- مبتسمة- وجه بشوش مدور- سمت الوقار يطبعه الحزن- أمية- يهدد المرض عينها اليمنى بعد أن كبرت في السن. اسم يدل على النجاة من العقاب وعلى الإيمان والتضرع والتبتل. لالة نجية
الدراسة في المدارس الحرة- المراهقة والشيطنة – مساعدة الأم أثناء العطل- الإقامة عند سي إبراهيم- إعالة أخيه وأمه- مساعدة الهادي على التعلم- النضال الوطني- الالتحاق بمدرسة حرة معلما – الزواج- إنجاب فتاح- بعد إهماله لأولاده في فترة النضال صار إسلاميا يهتم بأولاده ومنزله. وطني مناضل- حركي دؤوب وعملي- رجل غيور صالح- معلم الابتدائي وسيم- أكبر سنا من الهادي- يتيم- ابن لالة الغالية. دلالة على طاعته لوالدته ولمبادئه التي يؤمن بها الطايع
الدراسة في المدارس الحرة- المراهقة- عيشه مع خاله سي الطيب- الانتقال إلى الرباط- دراساته بالقاهرة وباريس- الصحافة- الانتقال بين الرباط وفاس. مدلل في صغره- مجتهد- متأن- مفتون بالجسد والحب ولذة الحياة- لا يؤمن بالزواج وحياة الاستقرار- ثائر عبثي- أناني- يضع الدين قاب قوسين. صحفي وصاحب شهادة عليا. وسيم- يتيم- غزال- رقيق- أصغر سنا من الطايع- دلالة على مدى هدوئه وكثرة تأملاته وتصرفه بهدوء أثناء حديثه. الهادي

إذا، هناك شخصيات نامية ومتطورة ودينامكية في الرواية مثل: الهادي والطايع وفتاح وسي الطيب، وشخصيات ثابتة ستاتيكية مثل: لالة الغالية ولالة نجية وعزيز وسي إبراهيم. ويلاحظ كذلك أن هناك علاقات تواصلية مختلفة مثل:علاقة العداء وعدم التفاهم بين الهادي والطايع، وبين الهادي وفاختة، وعلاقة حب البنوة أو الأبوة( حب الأولاد للغالية)، أو القرابة( سي الطيب- الأحفاد وحبهم للهادي...)، أو المصاهرة( سي إبراهيم...)، وعلاقة جنس وحب شبقي( الهادي مع القاهرية والمدريدية والبيضاوية في باريس...، وسي الطيب ومغامراته مع المرأة اليهودية التي أودت به إلى الإفلاس...).وهذه الشخصيات من أجيال مختلفة، فهناك جيل الاستعمار( لالة الغالية- سي الطيب- الشريف...)، وجيل الاستقلال( الهادي والطايع ولالة نجية وسي إبراهيم...)، وجيل ما بعد الاستقلال ( فتاح- نادية – سعيدة- إدريس...). وهذه الأجيال مختلفة في مواقفها، فهناك جيل راض على واقعه( الأم- سي الطيب...)، وجيل متوتر ومتردد يتكيف مع الواقع على الرغم من رفضه له، وجيل ثائر وناقم على الواقع خاصة واقع ما بعد الاستقلال بسبب بطالة الخريجين، وتغير القيم واختلاف المنظورات وعدم الإيمان بالوطن الذي لم يحقق للشباب الطموحات والآمال التي يتعلقون بها.
ولعبة النسيان من خلال هذا الوصف الفيزيولوجي والاجتماعي والأخلاقي تبين أن هذا النص الروائي هو نص الشخصيات في تشابكها العائلي واختلافها في المواقف وصراعها مع الموضوع، وامتدادها إلى الماضي عبر الأصول ( لالة الغالية)، والفروع( الهادي- الطايع- سي إبراهيم)، ماداموا حواشي تتشرب من معين الدفء العائلي العريق عبر جدلية الفضاء ( فاس- الرباط- المغرب –الخارج)، والزمن( الاستعمار- الاستقلال- ما بعد الاستقلال).
ويتم نقل هذه الشخصيات وتصويرها وتفسير منظوماتها الذاتية والموضوعية من خلال الامتداد والاسترجاع والتذكر واستدعاء الماضي واستشراف المستقبل واستنطاق الحاضر بوعي جدلي ( فتاح- الأحفاد الجامعيون).
ويمكن أن نصنف شخصيات الرواية إلى شخصيات إشكالية، وشخصيات متصالحة، وشخصيات مندمجة. إن الشخصيات الأولى تحمل قيما أصيلة وتحاول غرسها في مجتمع منحط؛ ولكنها تفشل في زرعها وينتهي بها المآل إلى اليأس والثورة والتمرد كما هو حال الطايع والهادي وفتاح. أما الشخصيات المتصالحة فهي التي تتكيف مع الواقع وتنصهر في بوتقته كيفما كانت الأحوال، يتحكم فيها الوضع والزمن وتحلل الأمور بسذاجة وسطحية، وهي شخصيات سلبية وإشكالية كذلك مادامت تقبل المصالحة والتطبيع مع الواقع السلبي، ومن خير من يمثل هذا الصنف من الشخصيات سي إبراهيم وعزيز. أما الشخصيات المندمجة فهي " تلك التي تبتهج بالحياة، وتعيشها بامتلاء دونما إحساس بشرخ في كينونتها"، وندرج ضمن هذا المحور الأم وسيد الطيب.
ويمكن اقتراح تصنيف آخر للشخصيات من خلال البعد السوسيولوجي. فهناك:
1- شخصيات الوعي الممكن( الطايع- الهادي- فتاح)، حيث تستحضر الذوات المستقبل، وتستشرف غدا أفضل من خلال الرفض للواقع السائد والموضوع الكائن عبر التمرد واليأس والنضال النظري والعملي.
2- شخصيات الوعي الكائن، وهو وعي سائد، قد يكون زائفا ومغلوطا، ويمثل هذا الوعي: الأم، لالة نجية، سي إبراهيم، سيد الطيب، فالوعي الأول إيجابي، والثاني وعي سلبي
5- الوصـــــف فـــــي الروايـــة:

التجأ محمد برادة في لعبة النسيان إلى تقنية الوصف أثناء تعطيل الزمن والوقفات لتشخيص الفضاءات ووصفها كما فعل عندما وصف فاس البالي والدار الكبيرة إلى جانب وصف الشخصيات من خلال أبعادها الفزيولوجية ووظائفها الاجتماعية وإنجازاتها السردية وقيمها السيكولوجية. ويؤثث هذا الوصف الفضاء ويقدم الشخصيات ويعرض الإطار العام الذي يرسم البرامج السردية سواء أكانت سطحية أم عميقة. ويغلب على هذا الوصف الطابع الواقعي والنظرة الإثنوغرافية السياحية خاصة عندما يصف الكاتب فاس البالي والدار الكبيرة وحفلة زفاف عزيز على غرار وصف عبد الكريم غلاب في دفنا الماضي والمعلم علي. ويستند الكاتب في وصفه إلى التطويل المعتدل دون الإسهاب في ذكر النعوت والصفات والأوصاف التفريعية، بل يكتفي بما هو عام دون ما هو خاص وجزئي ولا يبالغ في التطويل كما عند فلوبير في ( مدام بوفاري)، أو بلزاك في رواياته الواقعية أو زولا في جيرمينال؛ بل يكتفي بلوحة وصفية لا تتعدى صفحة واحدة إلى صفحتين، لينتقل من السرد الوصفي إلى المشاهد الدرامية والخطاب المعروض أو الذاتي.
والوصف غالبا ما ينصب على الشخوص والأشياء والأمكنة والوسائل، ويحضر في الرواية كثيرا وصف الشخصيات بأبعادها الداخلية والخارجية( الأم- سي إبراهيم- سيد الطيب- لالة نجية- الهادي- الطايع...)، ووصف الفضاءات بهندساتها المكانية وقيمها الإنسانية( فاس- الرباط- فيلا العرس- المقهى الذي يشتغل فيه سي إبراهيم......- الدار الكبيرة....). ولم يقتصر الوصف هنا على التزيين وتأثيث الديكور، بل هو وصف دلالي ووظيفي وخلاق؛ لأنه يوحي بدلالات عديدة ومعان شتى.

6- الفضــــــــــاء الروائــــــــــــي:

تدور أحداث الرواية في فضائين متقابلين داخليا: فضاء فاس وهو فضاء حميمي عريق في أصالته مرتبط بلالة الغالية، إثنوغرافي بعاداته ومعماريته خاصة فاس القديمة بدروبها وسكانها وحيواناتها وحرفها مع التمدين الحداثي في فاس الجديدة. ارتبطت شخوص الرواية بفاس الأصالة التي تمثل الأم الغالية وطيبوبتها وميلادها الحقيقي وميلاد أولادها ( الطايع- الهادي- نجية). إن فاس هي الزمن الضائع والرحم الأصل والبداية والنهاية، لتتم الرحلة إلى الرباط حيث لالة نجية، إنه فضاء التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وإذا كانت معظم الشخوص المحورية ارتبطت بهذين الفضاءين الداخليين، فإن الهادي قد انفتح على فضاءات خارجية مثل: القاهرة وباريس ومدريد.
ولقد أسهب الكاتب في وصف فاس القديمة مستعرضا قسماتها الفسيفسائية ومظاهرها البانورامية وأشكالها السياحية على طريقة عبد الكريم غلاب في دفنا الماضي على عكس عز الدين التازي الذي اعتبرها مباءة وموت ونهاية وجودية وعبثية. فإذا كان الكاتب قد ركز كثيرا على وصف فاس محاولا استرجاع ذكرياتها وذكريات الأم، فإن الرباط لم يكن إلا فضاء عابرا؛ لأنه لا يؤشر سوى على الهروب والتحول الرجولي. ويزاوج الكاتب في نقله للفضاء بين الطريقة الكلاسيكية في الإسهاب الوصفي الواقعي والطريقة التي تبنتها الرواية الجديدة في العبور السريع على المكان للتركيز على الأشياء بدل الأفضية وما يمت بصلة إلى الإنسان.
وتخضر( الدار الكبيرة) بفضائها العريق في الرواية لتبين الطابع الإنساني والعائلي الذي يملأ هذه الدار بوجود لالة الغالية ولتحيل على فضاء الطيبوبة والأصالة على عكس الرباط التي تحضر بفضاءات المقاهي والشوارع الحزينة ووجوه المستعمرين وقساوة الحياة والظروف المادية الصعبة. ويغلب علىهذه الفضاءات الطابع الحزين والروح الجنائزية وشبح الموت بوفاة الأم. فإن قارىء( لعبة النسيان) الذي ليس" من الضروري أن يكون قد عاش- يقول أحمد اليابوري- أو تعرف مباشرة، على مثل تلك الدار الفاسية، يشعر بالوحشة خاصة عندما يتتبع التفصيلات المتصلة بالأبواب الثلاثة التي يفضي بعضها إلى بعض، والتي تذكرنا بنماذج من ( ألف ليلة وليلة) حيث لايتم الوصول إلى الكنز إلا بعد اختراق عدد من الأبواب والممرات والمتاهات. غير أن ما يحد من هذه الوحشة بل ويكاد يلغيها، هو حضور الأم ( الكنز)، كعلامة إنسانية مشرقة دافئة وسط عالم الأشياء والأشكال، من هنا طابعها الرمزي، بل و الأسطوري من منظور دلالة الفضاء العتيق: في هذه الدار أشياء كثيرة، لكن أهم ما فيها الأم"
ويتخلل هذه الأفضية لونان بصريان هما: الأبيض ( الوفاة/ الموت)، والسواد( الحياة بمتناقضاتها وصراعاتها السيزيفية)، إنها لعبة الألوان " التي تمثل مجال الصراع الذي يعيشه البطل بين الماضي والحاضر، بين المثل وإرغامات المعيش. وتلتقي نهاية هذه اللعبة على مستوى الألوان بنهاية اللعبة على المستوى الروائي، في محاولة اقتناص اللحظة البدئية خارج ثنائية الأسود والبض، الواقع والحلم" .
ويمكن تخطيط الفضاءات على الشكل التالي:

الفضـــــــــــــــــــــــــاءات
الفضـــــــــــاءات الخارجية الفضــــــاءات الداخلية
مدريد باريس القاهرة الدار البيضاء الرباط فاس
هذه الفــــــــضاءات مرتبطة بالهادي فضاء تهريب البضائع فضاء لالة نجية فضاء لالة الغالية
فضاءات العلم والجــــــنس
فضاء الدفء الحميمي
فضاء الغربة والـــــضياع
فضاء الوجود

في الفضاءالداخلي نجد امتدادا عائليا وتواصلا أموميا إذ تترابط فاس والرباط قرابة ومصاهرة من خلال الأم ( لالة الغالية ولالة نجية)، فالأم حاضرة في هذين الفضائين؛ لأن نجية تشبه أمها في خصالها، كأن البنت هي الأم، والعكس صحيح. بينما الفضاء الخارجي يعبر عن ضياع الهادي وغربته الداخلية والمكانية بحثا عن الجد والعلم ومفاتن الغواية.
وتتناقض الفضاءات كذلك، فهناك فضاءات دينية ( ضريح مولاي إدريس- المساجد- جامع القرويين- أماكن الجذبة الصوفية...)، وفضاءات اللهو( مقاهي لعب الكارطة)، والمجون( البار.....)، وفضاءات عريقة( زقق ودروب فاس القديمة)، وفضاءات مدنية حديثة مرتبطة بالتهريب والاستعمار والحداثة( فاس الجديدة- الرباط...)، وجدلية المدينة والبادية، وفضاء المستعمرين وفضاء المغاربة.
ويلعب المكان دورا مهما على مستوى الذاكرة والحلم واسترجاع الزمن الضائع واستعادة حضور الأم ووفاتها. ففاس هي المكان المحوري في الرواية؛ لأنها ترتبط بالمهد الأمومي.
هذا ولقد اعتمدت لعبة النسيان في قسمها الأول " المرتبط بما قبيل الاستقلال، على الاستذكار الطفولي للمكان، لذلك بقي اتساعه محدودا وأبعاده ضيقة(...) إن ما يميز الفضاءات في القسم الثاني من الرواية- قسم ما بعد الاستقلال- هو تمزقها المادي وانعزالها عن بعضها البعض، بحيث تفقد المسافات الواصلة بين الأجزاء المكانية. هذا يعطي الانطباع بتشتت أحداث الرواية وبقفزات غير محسوبة. ولكن حين يدرك القارىء أن الفضاءات هنا هي ماديا فضاءات شكلية صورية غير مقصودة لذاتها مباشرة أو ضمنيا، وحين يدرك أنها فضاءات اجتماعية ونفسية ووجدانية سواء في رموزها المادية أو علاماتها، فنكاد نلمس تلك الأبعاد الاجتماعية والنفسية والوجدانية بحواسنا دون أن نتأمل ونعمق التفكير كثيرا..." .
وتبرز في الرواية فضاءات علوية ( طبقات الدار الكبير)، وفضاءات سفلية، أو الفوق والتحت من خلال تواصل عاطفي وإنساني. كما ترصد الرواية فضاءات أخرى مثل:
1- الفضاء الطبيعي( جنانات/ الحدائق....)؛
2- الفضاء الديني: ( المساجد/ الجوامع/ الأضرحة/ الزوايا...)؛
3- الفضاء السياسي: ( الحزب/ النقابة....)؛
4- فضاء البرجزة: ( فاس الجديدة/ الدار البيضاء...)؛
5- فضاء العتبة ( السجن/المعتقلات...)؛
6- فضاء الغربة والضياع ( القاهرة/ مدريد/ باريس..)؛
7- فضاء الأصالة والقيم العريقة ( البادية/ فاس القديمة...).



ايوب صابر 03-23-2012 10:49 PM

تابع،،

7- المنــــظور الســـــــردي:

على مستوىالرؤية تنبني الرواية على تعدد السراد والأصوات والضمائر والمنظورات. فكل قصة نووية يسردها سراد مختلفون، كل سارد له رؤيته الخاصة إلى زاوية الموضوع، أي أن المؤلف أعطى للشخوص الحرية والديمقراطية في التعبير عن وجهات نظرها دون تدخل للمؤلف لترجيح موقف على آخر، بل ترك كل شخص يدلي برأيه وبمنظوره تجاه الحدث والموقف، يعبر عن نظره وإيديولوجيته بكل صراحة دون زيف أو تغيير لكلامه. لذلك وجدنا القصة تروى من خلال عدة منظورات متناقضة. ويلاحظ أن هناك عدة قصص نووية صغرى وحكايات مترابطة فيما بينها من خلال قصتي الهادي والأم باعتبارهما شخصيتين محوريتين في الرواية. وكل قصة تروى من عدة سراد أو رواة لإضفاء الموضوعية على الحكي وتوفير قدرا ما من الديمقراطية في التعبير من خلال جدلية المواقف والإيديولوجيات والمنظورات الفلسفية والواقعية، فالهادي مثلا يختلف عن الطايع، فيذكر الكاتب بكل حياد وموضوعية مبرراتهما ويترك للقارىء يحكم على الشخوص ومن له وجهة نظر أرجح من الأخرى، أي يترك للمتقبل أن يرجح آراء الشخوص من خلال رجحان الأدلة والمواقف وطبيعتها الواقعية وابتعادها عن الرومانسية والمثالية.
ونستشف من خلال الرؤية السردية التواتر التكراري، إذ يهيمن السرد المكرر بكثرة، وهو أن يروي أكثر من مرة ما حدث مرة واحدة. فأحداث الرواية تروى مرات عديدة بصيغ مختلفة أو متماثلة. ويكشف الكاتب في روايته عن اللعبة السردية من خلال صراع المؤلف مع راوي الرواة واستحضار القارىء لمناقشة الميثاق السردي. ومن ثم يمكن القول: إن الرواية لعبة النسيان تطبيق لآراء محمد برادة النقدية، خاصة أنها أي الرواية نموذج عربي للرواية البوليفونية القائمة على تعدد الأصوات والمنظورات والرؤى الإيديولوجية حيث يختار القارىء وجهة نظر الشخص الذي يميل إليه. وهكذا يتقاطع الإبداع مع النقد في الرواية والأطوبيوغرافيا مع البوليفونية الباختينية.
وينتج عن كثرة المحافل السردية" تعدد الضمائر النحوية وتنوع وجهات النظر وتضاربها وبروز طابع النسبية الذي يصبح صفة ملازمة للأفكار والمواقف؛ ثم نجد المؤلف نفسه يدخل في حوار مع السارد الرئيسي فيتحول، نتيجة لذلك، إلى شخصية روائية، إلى صوت سردي بين باقي الأصوات. ويتم ذلك الحوار في إطار الاختلاف، وحتى عندما يبرز ظاهريا نوعا من التطابق، فإنه يكون منطويا على عناصر تمت إلى السخرية بصلة".
ومن الضمائر السردية التي ينتقل عبرها الكاتب هي ضمير المتكلم وضمير المخاطب وضمير الغياب، فرديا وجماعيا. وهذا ينم عن مدى التنوع والاختلاف وتعدد الزوايا والمنظورات، وبالتالي، فالكاتب يؤمن بالحوارية والاختلاف.
ويعمد الكاتب إلى مزج الرؤية الخلفية بالرؤية المصاحبة، إذ السارد في الرؤية الأولى يشرف على السراد ويقوم بالتنسيق بينهم ويترك لهم فرصة التعبير ويعطيهم حرية الإدلاء بآرائهم وقناعاتهم ومواقفهم الإيديولوجية. وعلى الرغم من معرفته الواسعة بالشخصيات فإنه يلتزم الحياد وينزل إلى درجة الصفر ليمسك بخيوط السرد: توجيها وتوزيعا.كما يتحكم في توجيه دفة الأحداث والوقائع وترتيب الاستيهامات والأحلام. وفي كثير من الأحيان يثور هذا السارد على المؤلف ليصحح كثيرا من الأحداث المشوهة أو المزينة: إيحاء وتمويها. وكما تقوم الشخصيات – من خلال الرؤية الثانية- بسرد حكاياتها مستعملة ضمير المتكلم الفردي أو الجماعي مستبطنة الذات والموضوع معا عبر عمليات الاسترجاع والتداعي والتذكر الشعوري واللاشعوري.
وتتجلى الرؤية من الخلف عندما يتحدث السارد عن الأم في الدار الكبيرة وسيد الطيب والهادي في طفولته ومراهقته وحفل زواج عزيز، بينما تهيمن الرؤية "مع" في الفصول والقصص الأخرى. وهذا يعني أن الرؤية الداخلية/ الذاتية أكثر هيمنة من الرؤية الخلفية الكلاسيكية. ومن ثم، فالرواية ذات تبئيرين: داخلي وخارجي. وتقترب من الرواية المنولوجية عندما تستبطن الذات والموضوع من خلال المنولوج الداخلي والرؤية المصاحبة، في نفس الوقت تمتح من النسق الكلاسيكي عندما يحضر السارد العارف بكل شيء.وهذا يعني كذلك حضور السرد الداخلي والسرد الخارجي. وحضور السارد لاشخصي ( الكلاسيكي)، والسارد المشخصن أو السارد التطابقي إذ يصبح السارد شخصية رئيسية ( الهادي/ الطايع/ سي إبراهيم)، أو شخصية ثانوية( كنزة تتحدث عن لالة نجية، ونساء الدار الكبيرة يتحدثن عم الأم لالة الغالية)، أو دور شاهد على الأحداث.

8- بـــــــنـــــــــية الزمــــــــــن:

إن الزمن في لعبة النسيان دائري وهابط؛ لأن السرد قائم على استرجاع الزمن الضائع واستعادة ذكرى وفاة الأم باعتبارها الشخصية المحورية، وهذا يدل على مدى انزياح الرواية زمنيا عن النسق الزمن الكلاسيكي حيث يتحرك الزمن من الحاضر وهو صاعد نحو المستقبل. ويلاحظ أن الرواية عبارة عن قصص نووية مستقلة بمفردها ولوحات سردية منفصلة على الرغم من كونها تترابط بنيويا من خلال شجرة العائلة: قرابة ومصاهرة. وتحضر النصوص النقدية المتعلقة بالتفكير في الرواية وكيفية تشخيصها ذاتيا من خلال فضح أسرار اللعبة السردية لتبين الانفصال الموجود بين الإبداع والنقد المقتحم ليحضر القارىء قصد إبلاغه بتقنيات الرواية ومنظوراتها السردية وطريقة أسلبتها.
إن الرواية- إذا- متخلخلة من حيث البناء والتركيب والزمن، فلا نجد الخط الكرونولوجي، بل نجد أحداثا دائرية تستعاد عن طريق الفلاش باك أو التذكر عبر العودة إلى الماضي بحثا عن الأصول والجذور وتحولاتها في الحاضر وامتدادها في المستقبل من خلال الفروع والحواشي. إذا، هناك تكسير لعمودية السرد عبر الاسترجاع والبناء الدائري؛ لأن الرواية تبدأ بالموت وتنتهي به كذلك.
وعلى الرغم من تفكك الرواية على قصص صغرى وحكايات نووية تسردها الشخصيات المشخصة أو الساردة فإن الرواية مترابطة من خلال اتساقها وانسجامها الداخلي/ البنيوي لأنها تصب كلها في قصة لالة الغالية باعتبارها الأم المثالية، أو التاريخ العريق، والوطن بكل دفء وأمومة. فالأم حاضرة في هذه القصص كلها من خلال الاستدعاء والامتداد والتماثل والتطابق والتضمن. وبالتالي، فوفاتها تشكل البؤرة الدلالية الكبرى للرواية التي استحثت التيمات والشخوص الأخرى لتوليد الخطابات السردية حولها في شكل اعترافات ومذكرات وتعليقات وشهادات. وهكذا، فلعبة النسيان هي رواية الفقدان والنسيان والسلوان واستعادة الزمن الضائع.
وينحرف الزمن في الرواية إلى الماضي أكثر من انحرافه نحو استشراف المستقبل؛ لأن الرواية هي رواية التاريخ واستعادة الذات لزمنها في صيرورتها الموضوعية، ويمكن أن نختزل سرعة الزمن وبطئه في الخطاطة التوضيحية:

زمن الروايـــــــــــــة بين السرعـــــــــة والبـــــــــــــــطء
إبطاء الزمـــــــــــــــــــن تسريع الزمــــــــــــــــــن
المشاهد الدرامية الوقفات الوصفية الحذف التلخيص
المشهد فرد فترة زمنية قصيرة على مقطع طويل يتوقف الزمن كاملا عندما يسير النص دون أي حركة زمنية ( الوصف) يمر الكاتب على مدة دون ذكرها في النص ضغط فترة زمنية طويلة في مقطع نصي قصير
- مشهد المظاهرة ص: 37- 38

- مشهد سي إبراهيم مع الأمريكاني ص59
- مشهد الطايع مع ابنة الجيران خديجة ص74 1- وصف الدار الكبيرة5-6
- وصف الهادي لمدرسة المسيد
- وصف مسابقة الجمالص81-83
- وصف فاس القديمة ص:97
- وصف حفلة عزيز ص:104 " ثلاثون سنة منذ أن رحلت عنك وعن الدار الكبيرة" ص24
" تخطى العقد الثالث من عمره، ومع ذلك يبدو ممتلئا بطفولته" ص29 " تدخل الحرب عامها الثالث والزوجة الملاك تختفي، وتنذر الأحوال بالبؤس والنكد."17
" في ليالي الصيف تزهو سطوح فاس"ص30
من خلالهذا الجدول نلاحظ أن الكاتب يستفيد من تقنيات الرواية الجديدة ومن تقنيات الرواية الكلاسيكية كذلك، مع العلم أن الزمن لدى الكاتب يتسم بالتشظي والإرصاد والخلخلة في البناء على الرغم من وجود الانسجام العضوي والاتساق البنيوي.
يستند الكاتب في الرواية إلى توظيف الوقفات الوصفية لتقديم الشخصيات الرئيسية وتصوير الفضاء الذي يؤطر الأحداث ويؤثثها، وتستغرق هذه الوقفات مساحات نصية كبيرة مما يتعطل معها الزمن لتشويق القارىء وخلق الجو النفسي لمعايشة الحدث وتصور الاحتمالات الفنية الممكنة.
ويقترب محمد برادة في مقاطعه الوصفية من عبد الكريم غلاب في دفنا الماضي والمعلم علي، إذ تغلب الرؤية الإثنوغرافية والسياحية على تقديم المقاطع الوصفية، خاصة وصف فاس البالي، وحفلة عرس عزيز في فاس الجديدة.
ويتسم هذا الوصف بالطابع الواقعي؛ لكن نفس محمد برادة ليس طويلا ومسهبا مثل نفس بلزاك أو نجيب محفوظ أو عبد الكريم غلاب الذي يستغرق صفحات طويلة، بل يتسم الوصف بالإيجازوالتلميح والإيحاء والاختزال والتكثيف. وتحضر المشاهد الدرامية بكثرة خاصة مشهد " واقعة الضب"، والمشاهد الجنسية المتعلقة بالهادي والمشاهد الغرامية المتعلقة كذلك بالطايع، إنها مشاهد درامية مشحونة بالتوتر والصراع واختلاف وجهات النظر والرؤى الفلسفية العميقة والبعد المأساوي( كمشهد جنازة الأم / أو زوجة سيد الطيب....).
وإذا كان التلخيص يعمد إلى حذف ما لا قيمة له، فإن المشاهد عبارة عن مقاطع تمثيلية لها أهمية كبرى في تأزيم الرواية وشحنها بالصراع الدرامي.
ولا يعمد الكاتب إلى البطء الزمني من خلال الوقفة والمشهد المسرحي، بل يلتجىء كذلك على تسريع الزمن من خلال التلخيص عبر المرور السريع على فترات زمنية طويلة لا جدوى من ذكر أحداثها؛ لأنها لا تضيف أي جديد على بناء الرواية وتوتر إيقاعها النسقي، كما يكثر من الحذف الزمني لخلق الثغرات الظاهرة والضمنية رغبة في الدخول في الأحداث مباشرة وتسهيل الانتقال من مقطع إلى آخر أو المرور من حدث إلى حدث آخر أو من فترة زمنية إلى أخرى مستغنيا عن الأحداث التي لا قيمة لها.
أما عن التواتر فهي قضية أسلوبية عند البعض، وزمنية عند البعض الآخر كجيرار جنيت، والمقصود بالتواتر هومجموع علاقات التكرار بين النص والحكاية، ومن صور هذا التواتر في ( لعبة النسيان)، نجد:

أمثلته تعريفه أنواع التواتر
" يستيقظ ( سي الطيب) باكرا كل يوم. يرتدي جلبابا شفافا في الصيفن وجلبابين صوفيين خلال فصل الشتاء، يحرص على ضبط حركاته حتى لا يوقظ سكان الدار الكبيرة"ص15.
فالسارد في هذا المقطع يروي مرة واحدة ما يقوم به سي الطيب مرات عديدة وما يلبسه صيفا وشتاء، وكيف يتصرف داخل الدار الكبيرة. وهو أن يروي مرة واحدة ما حدث أكثر من مرة السرد المؤلف
حدث وفاة الأم روي أكثر من مرة من قبل نساء الدار الكبيرة والهادي وراوي الرواة. أن يروي أكثر من مرة ما حدث مرة واحدة السرد المكرر
" تلتفت نحوي وأنت تضحك من خلل هسهسة تكتم الصوت مغمضا عينيك، مسرورا بأن تشاكسني..." ص25.
فالسارد يروي مرة واحدة ما حدث بين الهادي وسي الطيب. وهو أن يروي مرة واحدة ما حدث مرة واحدة، وهذا النوع من التواتر هو أكثر شيوعا واستعمالا في النصوص القصصية والروائية السرد المفرد

أما عن زمن القصة فتتجاذبه ثلاث مراحل:
1/ مرحلة الحماية وخاصة مرحلة الحرب العالمية الثانية وما عقبها من تحولات سياسية واجتماعية.
2/ مرحلة الاستقلال والنضال الوطني والاجتماعي والسياسي والنقابي والحزبي.
3/ مرحلة ما بعد الاستقلال، مرحلة إحباط الشباب وبطالة الخرجين والفساد السياسي والإداري.
تمتد الرواية بأحداثها إلى الثلاثينيات من هذا القرن بداية باحتلال تافيلالت( 1933)، ونشوب الحرب العالمية الثانية وإعجاب المغاربة بألمانيا وهتلر لانتصارهم لطرد فرنسا من المغرب على جانب مطالبة المغاربة بالاستقلال بعد انتهاء الحرب مما أدى ذلك إلى الاحتجاجات والمظاهرات والاعتقالات وقتل الوطنيين واعتقالهم في السجون والمنافي، وتخلص الفدائيين من خونة البلاد والبياعة، والإشارة إلى نفي السلطان إلى مدغشقر وجزيرة كورسيكا، والتحولات التي فرضتها مرحلة الاستقلال من خيبة الأمل وصدمة الشعب فيما كان يأمل فيه بسبب التطاحنات الحزبية والنقابية وخواء جوهر الشعارات والوعود، مما تشير الرواية إلى عدة انتكاسات و اغترابات ذاتية ومكانية( الطايع / الهادي)، إلى جانب ثورة الشباب ( فتاح / نادية/ إدريس...)، الخريج من الجامعات على وطنهم وتنكرهم للعاطفة الوطنية بسبب عدم إيمانهم بما هو كائن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وظهور المصالح والرشوة وتفشيها بين الموظفين الكبار وظهور كذلك للملياردية الذين يخونون وطنهم ويستنزفون الأموال العامة ويستغلون مناصبهم من أجل غد العيش، كما تشير الرواية إلى تعامل الناس أثناء الحماية بالبون وغلاء السكر في الاستقلال وتعويضه بالتمر، وتكليف الجيش السينيغالي للقضاء على كل ثورة أو تمرد جماهيري إبان الاحتلال الفرنسي، وبؤس أحوال المجتمع أثناء الحرب العالمية الثانية التي قضت على كل أخضر ويابس.
أما عن زمن الكتابة فهو زمن الثمانينيات ( 1987) الذي يحيل على الأزمة الخانقة المعروفة في المغرب على جميع المستويات سواء أكانت اجتماعية أم اقتصادية أم سياسية أم ثقافية؛ بسبب دخول المغرب في حرب الصحراء وارتفاع أسعار البترول وتكلفة التسليح الغالية وارتفاع الديون وشروط صندوق النقد والبنك الدولي وضرورة نهج سياسة التقويم الهيكلي التي تضحي بما هو اجتماعي لما هو إنتاجي واستثماري. وهذه الظروف التي هيمن فيها اليمين على اليسار إلى جانب الانتفاضات الشكلية والفساد الإداري والسياسي وانعدام حقوق الإنسان، كل هذه العوامل كانت حاضرة في مخيلة محمد برادة وهو يكتب هذه الرواية ليرصد تاريخ الأجيال والشخوص والأمكنة من خلال استقراء داخلي وخارجي لجيل الاستعمار والاستقلال وما بعد الاستقلال، ليضع كل هذا في بوتقة إبداعية فنية يتداخل فيها الوصف النقدي والإبداع الأطبيوغرافي" وإذا كانت ( لعبة النسيان) – يقول أحمد اليابوري- تحيل بشكل واضح، وأحيانا مباشر على وقائع في حياة الكاتب عاشها وتأثر بها، تتعلق بالأشخاص والزمن والمكان، فإن طريقة استثمار هذه المكونات السير ذاتية داخل النص، هو الذي نقاها من مستوى التاريخ إلى مستوى الإبداع الروائي"
وإلى جانب هذه السمات المميزة لزمن الكتابة في النص" هناك لحظة الاستشراف والرؤيا، لحظة الحلم " باغتناء المدينة" وبفرح الجميع، فتنشد أشعار تتخطى الأسوار، والحلم بعودة الأم ( عودة أيام الطفولة- والخصوبة)، وانبعاث الموتى ورجوع المنفيين والسجناء(ص148) هو حلم أقرب إلى رؤيا المتصوفة المستشرفة للمستقبل عبر التأمل الذاتي، لبناء عالم مستقبلي مثالي هلامي لامع، وعلى الرغم من ذلك ينطوي هذا الحلم على قسط كبير من الحدس والتنبؤ الذي يسمح به الاستغراق في تأمل الواقع وتخيله وآفاقه مع احتضان لحظات الطفولة المشرقة، لا يخلو هذا الحلم أيضا، من مسحة العزاء النفسي"
أما عن زمن القراءة فيختلف من قارىء إلى آخر، ومن مكان إلى مكان آخر. وقد استحضر الكاتب القارىء الذهني المفترض الواعي، كما أن هناك قارئا خارجيا آخر قد يتدخل ليبدي آراءه ويدلي بتصوراته حول الرواية.

ايوب صابر 03-23-2012 10:51 PM

تابع،،،

9- الصــــــياغة الأســـــــلوبية:

يلتجىء محمد براد في لعبة النسيان إلى تنويع أساليبه لخلق رواية بوليفونية حديثة، إذ يوظف بشكل متوازن الأسلوب غير المباشر أو الخطاب المسرود الموضوعي حيث يقوم الراوي بنقل الأحداث وتقديم الشخصيات والمشاهد وعرض الوقفات الوصفية عندما يؤثث الفضاءات ويزينها أو يموهها أو يشينها بمقاطع وصفية. ويعتمد في ذلك على وصف خارجي يحدد المعالم والقسمات ويستبطن المناحي النفسية والعوالم الداخلية سابرا أغوار الذات الإنسانية في سلوكاتها الشعورية واللاشعورية. ويخفف الكاتب من تدخلات الراوي العالم بكل شيء الذي يملك المعرفة المطلقة من خلال رؤية خافية ينظر بها إلى الشخوص مدعيا الحياد والموضوعية سوى ما يتبادر منه في شكل تعليقات وتقويمات عندما أدخل راوي الرواة إلى حلبة السرد ليشوش على الراوي المطلق الذي يمثل المؤلف الضمني؛ لأن وجود راوي الرواة هو تصحيح لكثير من حقائق الرواية وفضح لأسرار الذات وانطلاق لما هو مضمر ومخفي وبوح بالحقيقة واعتراف بالصراحة.
ويحضر الخطاب المسرود الموضوعي في تقديم أسلوب إخباري تقريري عن الشخوص والأحداث والفضاءات بطريقة توحي بالواقعية وتموه بصدق المحكي. لذا يعمد الراوي أو راوي الرواة إلى تبني السرد والنيابة عن الشخوص في نقل الأجواء السردية:" يكاد يكون زقاقا لولا أنه طريق سالكة...يكاد يكون زقاقا لولا أنه طريق سالكة تفضي بك إلى باب مولاي إدريس والنجارين، والرصيف، والعطارين...وباب الدار الكبيرة لا يواجهك، تجده على يمينك إذا كنت نازلا من " كرنيز"، أو على يسارك إذا أتيت من " سيدي موسى". نصفه الأعلى قطعة واحدة مرصعة بمسامير غليظة، والنصف الأسفل الذي ينفتح، له خرصة كبيرة ويمتد نصف متر إلى ما تحت مستوى الزقاق" .
فهذا المقطع وصف لفاس البالية والدار الكبيرة التي تسكنها الأم أو لالة الغالية مع الجيران، ويعمد الراوي العارف بكل شيء إلى ضمير الغياب والأسلوب غير المباشر لتقديم الفضاء الذي ستتحرك فيه الشخصيات مع تمديد هندسته وسماته المكانية وطبائعه الإنسانية ومعالمه الحضارية.
ويحضر كذلك الخطاب المعروض من خلال السرد المشهدي والحوار وعرض كلام الشخصيات، وهي تتجادل وتبوح باعترافاتها وتدلي بشهاداتها وتختلف في منظوراتها ومواقفها الإيديولوجية( مثل حوار الهادي مع الطايع). ويحضر هذا الخطاب الحواري كثيرا في المشاهد المسرحية والدرامية حيث الشخصيات تعبر عن وجهة نظرها.
ويتوسل الكاتب بالأسلوب المباشر لنقل آراء الشخصيات وأفكارها وعواطفها وطروحاتها بدون أن يتدخل الكاتب لتشويه تصوراتها أو تغيير أفكارها.
ويستند الكاتب إلى الخطاب المسرود الذاتي موظفا المنولوج أو العرض التلقائي أو تيار الوعي كما يوجد عند جيمس جويس وفيرجينيا وولف كافكا...لاستنطاق الذات مباشرة في صراعها مع الموضوع عبر استدعاء الذاكرة والأوهام والأحلام ومن خلال التأمل الذاتي والتعبير الشعوري واللاشعوريبحث عن الأم والزمن الضائع والانطواء على الذات للتلذذ بالغربة المكانية والضياع الوجودي والثورة على الواقع الكائن إلى درجة اليأس والسأم والعبثية( الهادي) أو الرجوع إلى الصواب والإيمان الرباني( الطايع).
إن المنولوج تعبير عن التمزق النفسي والذاتي والصراع الداخلي والمناجاة النفسية. وقد أورد الكاتب مقاطع كثيرة من الخطاب المسرود الذاتي ليخلق توازنا أسلوبيا وتعددا صوتيا داخل روايته التجريبية.
" منذ الآن لن أراها، قلت في نفسي وهم يضعون جسمها الصغير المكفن داخل حفرة القبر ويهيلون عليها التراب، وأصوات الفقية ترتفع فجأة عن سابق مستواها لتصاحب العملية الأخيرة: " تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير"
ومن ورائي كان زوج أختي يهمس لي: انتقلت إلى دار الحق وبقينا في دار الباطل..."
فهذا النص نموذج للمنولوج الداخلي إذ يبين نفسية الهادي عندما كان يضع الناس أمه لالة الغالية في روضتها الأخيرة وهو يتضرع داخليا ويبكي بملء مشاعره ويتمزق نفسيا من شدة الحزن ونواح الذات وحداد القلب،سي إبراهيم يحاول تهدئته من روعه وحزنه.
كما يلتجيء الكاتب إلى توظيف الخطاب المنقول عبر أسلوب غير مباشر حر الذي يزاوج بين تقنيات الحوار وتقنيات السرد، إذ ينقل الراوي كلام الشخصية بطريقة مباشرة أي " ينوب السارد عن الشخصية في التلفظ بخطابها، أو أن الشخصية تتكلم عبر صوت السارد، وحينها يتدخل الصوتان"
إذا، فهذا الأسلوب المزدوج يعكس حرية الكاتب في نسج كلام الشخصية داخل كلام الراوي... ويعني هذا اختفاء الراوي من عمله لنقل مشاعر الشخصيات وحياتهم النفسية بدل ترجمتها بطريقة سردية غير مباشرة تفقد الكلام نبرته التأثيرية والمشهدية مثلما نجد في ما يلي:
" كنت أحاول أن أنبهها إلى أن كثرة الأولاد تضر بالصحة وتثقل الكاهل، لكنها لم تكن تستطيع أن تخالف مشيئة سي إبراهيم"
" فتحت لي الباب وقد وضعت شالا على كتفها. عيناها منتفختان قليلا من أثر النوم، وصفرة خفيفة تغمر وجهها. لم أفهم، أول الأمر، كيف أنها وحدها في البيت واليوم يوم أحد. شرحت لي بأن هناك مناسبة عند أحد الأصهار، وأنها متوعكة فبقيت لتستريح. حاولت أن أكون مرحا معها كما اعتدت في السنوات الأخيرة، لكنها لم تستجب كثيرا، ربما لأنها أحست أنني أيضا على غير عادتي مقلوب المزاج. ران صمت ثقيل قطعته قائلا أنني سأحضر لها برادا من أتاي الفاعل التارك، وسأقرأ على رأسها لتصح من توعكها"
ينقل الكاتب في هذين المقطعين كلام الشخصية( لالة نجية/ وكلام الهادي/ وكنزة)، بصيغة غير مباشرة على الغم من وجود تلفظ مباشر وحوار حر. أي أن الخطاب المنقول عبر أسلوب غير مباشر حر هو تحويل خطاب داخلي للشخصية بحيث يصبح خطابا للسارد. وترى دوريت كوهين أن الغرض" من هذه التقنية تجلية الحياة الداخلية للشخصية باحترام لغتها الخاصة"
ويلاحظ أن الكاتب قد استعمل عدة أساليب للتعبير عن اختلاف المنظورات وتعدد الأصوات وجدلية الداخل والخارج واحترام الصراع بين الراوي والشخصيات بطريقة تعددية حوارية، وهذا ما تدعو غليه الرواية الحديثة التي ابتعدت عن الصوت الواحد والموقف المنفرد: " إن سيطرة أحادية الراوي العالم بكل شيء أصبحت غير محتملة في العصر الحديث مع التطور الثقافي العريض للعقل البشري، بينما أصبحت النسبية المتشبعة في النص القصصي أكثر ملاءمة" . وبالتالي، فتعددية الأساليب على مستوى الصياغة السردية يماثل التعددية الإيديولوجية وديمقراطية المواقف؛ لأن الشكل يعبر عن المضامين والمقاصد. ويقول في هذا الصدد أوسبنسكي " عندما نتحدث عن المنظور الإيديولوجي لانعني منظور الكاتب بصفة عامة منفصلا عن عمله ولكن نعني المنظور الذي يتبناه في صياغة عمل محدد، وبالإضافة إلى هذه الحقيقة يجب أن نذكر أن الكاتب قد يختار أن يتحدث بصوت مخالف لصوته، وقد يغير منظوره- في عمل واحد- أكثر من مرة، وقد يقيم من خلال أكثر من منظور".
وعلى مستوى لغة الرواية فهي لغة متنوعة إذ تجمع بين لغة الفصيح ولغة العامة عبر التهجين والأسلبة والسخرية، كما أنها تستعين بالفرنسية( البون/ )، Il est dans la poche
للتعبير عن الاختلاف والحوار وخصائص كل متكلم وطبيعته النفسية وسماته الثقافية ومنطلقاته الإيديولوجية. وتتسم اللغة كذلك بعدة خاصيات منها:
1/ التقريرية/ الموضوعية؛
2/ الرمزية والإيحائية؛
3/ الشاعرية الإنشائية؛
4/ التناصية؛
5/ لغة السخرية والباروديا.
وتتفاعل في الرواية عدة خطابات تناصية ومستنسخات مكونة لنسيج الرواية ويمكن حصرها في الأنماط الأنماط التالية:
1- الخطاب الديني والصوفي: آيات الذكر- الجذبات الصوفية- العمارة
2- الخطاب الأسطوري: كرامات الأولياء وخاصة الشريف...
3- الخطاب الموسيقي: نوبة العشاق- الاستهلال...
4- الخطاب الإعلامي: التقارير الصحفية والإذاعية....
5- الخطاب الشعري: أورد نصوصا شعرية.....
6- الخطاب التراسلي: أورد رسائل خاصة مثل: رسائل الهادي.....
7- الخطاب النقدي الواصف: فضح اللعبة الروائية....
8- الخطاب التاريخي: يورد الكاتب أحداثا تاريخية خاصة بالمغرب...
9- الخطاب السياسي: التأشير على الصراعات السياسية والإيديولوجية بالمغرب....
10- الخطاب الفلسفي: ماركوز- سارتر- فرويد....
11- الخطاب السينمائي: مناقشة فيلم ( حكاية أو....)...
12- الخطاب الاجتماعي: فلسفة الأزياء والموضة وأسماء الملابس واستحضار أحداث المجتمع...
13- الخطاب الغنائي: استحضار أغاني أم كلثوم والطرب الأندلسي والجذبات الصوفية والملحون...
كما تحضر خطابات أخرى كالخطبة السياسية والمثل والأحلام والسيرة الذاتية والخطاب الفانطازي....
وعلى مستوى التناص أيضا، تتحاور الرواية مع عدة نصوص إبداعية ونقدية داخلية وخارجية، إذ من خلالها نتذكر سهيل إدريس( الحي اللاتيني)، وطه حسين( أديب)، وتوفيق الحكيم( عصفور من الشرق)، والطيب صالح( موسم الهجرة إلى الشمال)، ومحمد شكري ( الخبز الحافي)، وعبد الكريم غلاب( دفنا الماضي/ المعلم علي)، وعبد المجيد بن جلون( في الطفولة)، وعبد لله العروي( أوراق)، وميخائيل باختين في ( الخطاب الروائي وشعرية دويستفسكي)، وسلخ الجلد للكاتب نفسه( الجنس/ الموت...).
وهذه الحوارية بين اللغات والخطابات يشكل خطاب الأسلبة والباروديا، إذ يقول باختين: " إن اللعب المتعدد الأشكال بحدود الخطابات واللغات والمنظورات يعتبر أحد أهم سمات الخطاب الساخر" .
وعليه، فقد أبدع محمد برادة رواية بوليفونية قائمة على التناصية وتعدد الخطابات وتفاعل الأجناس الأدبية والفنية وتلاقح اللغات واللهجات مما جعل هذه الرواية تستجمع جميع الأصوات الاجتماعية لتعبر بكل حرية وديمقراطية عن وجهات نظرها مع حضور المتلقي والمؤلف الوهمي الذي أجبر على التنازل عن سلطته للراوي الرواة والشخوص لتعبر عن عوالمها الداخلية ومواقفها تجاه الموضوع.
إذا، تتبنى الرواية التعدد اللغوي والتجريب البوليفوني ولاسيما أن الكاتب يعد من أنصار هذا التيار النقدي في العالم العربي الحديث، ويبدو ذلك واضحا في ترجمته لكتاب باختين ( عن جمالية الرواية ونظريتها) إلى اللغة العربية، ومقاله المنشور في كتابه أسئلة الرواية/ أسئلة النقد( التعدد اللغوي في الرواية العربية).

10- البـــــــــعد الاجتــــــــماعي:

رصد لنا محمد برادة في روايته مجتمع المغرب ماقبل الاستقلال حيث الصراع ضد الاستعمار الذي حاول استغلال المغرب وإذلاله. وكان التفاوت الاجتماعي صارخا بين فئة المعمرين التي استفادت من جميع الامتيازات وفئة المغاربة التي عانت من الإقصاء والتهميش. وقد نافست الصناعة الاستعمارية المعاصرة الصناعة الحرفية التقليدية مم ألجأ الحرفيين إلى ترك صناعاتهم والاشتغال إما بالتهريب وإما في معامل المعمرين الفرنسيين. وكانت الحياة المعيشية غالية الثمن حيث تشترى السلع خاصة إبان الحرب بالبون والصف والطوابير أمام معارض المقتنيات الأساسية من المواد الغذائية.
هذا، وإن الشعب المغربي في هذه المرحلة كان يحافظ على قيمه ومثله الاجتماعية وقيمه الأخلاقية والتشبث بالمبادئ الدينية والإسلامية.
ومع مرحلة الاستقلال وما بعدها بدأ المغرب يعرف تحولات سوسيو -اقتصادية على جميع المستويات كتناوب الحكومات وخيانة المؤطرين وقيادي الحزب للشعارات الحزبية والوطنية وضربهم للنضال التقابي عرض الحائط، وتفاوت الطبقات الاجتماعية، إذ يوجد هناك طبقة الكادحين وطبقة المثقفين والطبقة الثرية. وبدأ الصراع يحتد بين هذه الطبقات بسبب الإثراء غير المشروع بسبب الرشوة والمحسوبية وتفويت الصفقات والاستثمارات. كما أصبحت القيم مادية وكمية في مجتمع منحط تنعدم فيه القيم الكيفية والأصيلة، وتغيرت العلاقات بين الناس والأفراد وأصبحت مبنية على المصالح وتبادل المنافع وتسهيلها بواسطة المال.
ومن الظواهر التي تفشت في مجتمع ما قبل الاستقلال من خلال الرواية ظهور جماعة من الملياردية اغتنت بطرق غير قانونية، وتصدير الفتيات إلى دول الخليج وأوربا لجلب العملة الصعبة ومغازلة الغربيين على حساب قيمنا وعاداتنا، وانتشار البطالة بين صفوف خريجي الجامعات وانفصال الأجيال، إذ كان الجيل الأول يؤمن بالوطن ويدافع عن هويته واستقلاله، فإن الجيل الجديدلايهمه هذا الوطن ولا يعترف به بل ما يهمه هو الجانب الاجتماعي: العمل والكرامة وحقوق الإنسان. كما تغيرت بعض الأعراف الاجتماعية خاصة الزواج الذي أصبح يعقد في أماكن عامة ( فيلا في شارع إيموزار)، ويقسم المكان إلى عدة غرف حسب الطبقات الاجتماعية الموجودة في المجتمع المغربي. وهذا التقسيم مبني على أساس النفاق الاجتماعي وترجيح قيم: المال- الوظيفة السامية- الإثراء غير المشروع.
ولم تعد المرأة كما في السابق تحافظ على الأصالة وتتشبث بعاداتها وتقاليدها بل تعلمت وحصلت على شواهد عليا، وتعصرنت إلى حد التمرد على ما يربطها بالماضي وأعرافه التقليدية، وبدأت بعض الظواهر تغزو المجتمع المغربي كظاهرة الاختلاط في العرس بين الجنسين، وشرب الخمر في الحفلات أ وغيرها، والرقص الجماعي:ذكورا وإناثا ن شبابا وشيوخا.
هذه هي القيم الاجتماعية التي عكستها الرواية على جميع المستويات والأصعدة.

11- البـــــــــــــعد النفــــــــسي:

في هذه الرواية نجد نفسيات متناقضة ومتذبذبة ولاسيما نفسيتي الطايع والهادي الذين عانيا من الإحباط والفشل، فالأول نتيجة إخفاقه سياسيا ونقابيا مما جعله يهرب إلى ذاته واهبا حياته للأسرة وعبادة الله، والثاني لم يجد سوى حياة عبثية أبيقورية قائمة على اللذة واللهو والمجون والجنس. وإلى جانب هاتين النفسيتين هناك نفسية راضية مطمئنة كما لدى سي إبراهيم ولالة الغالية ولالة نجية.
وتحضر كذلك في الرواية عاطفة الحب بأشكالها كحب الأم عند الهادي والطايع ولالة نجية، وحب الوطن أثناء الاستعمار، وحب الجسد عند الهادي وسيد الطيب بالخصوص. وبعد الاستقلال، يظهر حب جديد هو حب المال على حساب القيم والمبادىء الأصيلة. ويختلط في الرواية حب الأبوة بحب البنوة.
وقد أثر التطاحن الاجتماعي والصراع الطبقي والتخلف الاقتصادي على نفسيات الشخصيات مما يجعلها تلتجىء إلى المنولوج والمناجاة والحوار الداخلي لتعبر عن تمزقها النفسي وصراعها الداخلي وانفصامها وارتمائها في الشخصية المزدوجة المتناقضة كالسيد الطيب مثلا.
وتوجد عاطفة سلبية طاغية في النص الروائي كعاطفة الحقد والثورة والتمرد كالحقد على الاستعمار أثناء الحماية، والحقد على الوطن بعد الاستقلال بسبب البطالة والتفاوت الاجتماعي و الخيانة الحزبية والنقابية. ويعد هروب الشخصيات إلى الاستذكار وتفتيت الذاكرة واللاشعور بمثابة رد فعل على العنف الاجتماعي والتهميش والإقصاء والانتقام من المقاييس المختلة وتفادي المواجهة المباشرة مع الواقع.

خاتـــــــــمة البـــــــــحث:

رواية لعبة النسيان لمحمد برادة رواية جديدة ذات منحى حداثي وتجريبي؛ لاعتمادها على تشظية المتن الروائي إلى عدة حكايات صغرى نووية، وتوظيف تقنية الاسترجاع من خلال التذكر والتداعي والاستيهام، وتحقيق البوليفونية من خلال تعدد السراد( راوي الرواة/ الهادي/ الطايع/ سي إبراهيم/ نساء الدار الكبيرة...)، وتعدد الضمائر والأصوات والأجناس، وغلبة الحوارية، وتداخل الأزمنة، والتخييل الذاتي والموضوعي ، وتناول تيمات جريئة كتيمة الجنس والسلطة والاستبداد، كما أن الرواية ذات أطروحة وطنية ووجودية. وتهدف الرواية كذلك إلى إدانة الوعي الوطني المزيف والتركيز على الوعي الاجتماعي للجيل الجديد الذي يتمثل في الثورة والرفض والتغيير.


ايوب صابر 03-23-2012 10:58 PM

من قراءة .. بقـــلم / إبراهيـــم القهوايجي--- في رواية : لعبة النسيان


لعبة الأم : إن حضور الأم في ’’ لعبة النسيان ’’ جوهري , ذلك أن هذا عنوان هذا العمل الروائي مضلل , لأنه في العمق لعبة للتذكر وليس للنسيان , مضافا إليها جانب التخييل , حيث تقدم الشخوص من خلال مشاعر وانفعالات أولئك الذين يقدمونهم , فالأم في الرواية مضاءة من عدة زوايا سردية وشهادات خارجية , وكل وجهات النظر حولها ترسم صورتها الجميلة , لأنها تحتل مركز الأسرة , لذلك ستنغرس ذكراها إلى الأبد في شخصية الهادي , فلا غرابة إن تسمى ’ للا الغالي , وهي تحضره بصورتين\" الأولى صورة الوالدة / الام , والثانية صورة الأم / الحبيبة \" ’’ تحتضن للا الغالية الهادي وتجلسه ... وهي تقول : شكون يا خيتي عندو ولد غزال بحال ولدي ’’ الرواية ص : 10 , ’’ أمي , سترين أنني أحبك ... لن أزن الكلمات .. ’’ الرواية ص : 149 , غير أن الأم تحمل في الرواية أكثر من اسم : للا الغالية , للا ربيعة , فاس , الوطن .. ولها أكثر من صورة , إنها بين الخيال والواقع , وبذلك تكتسب قيمة رمزية تتجاوز الزمن , ففي البدء كانت الأم / الفصل الأول , ومع النهاية أيضا تبدأ / الفصل الأخير / من منكم يذكر أمي , فرغم تعدد وجهات وزوايا النظر حولها , إلا أنها كلها تصب في إخراجها في صورة بهية .

===
لعبة النسيان

16 فبراير 2008 كتبت بواسطة أسامة الشهبي

العنوان : لعبة النسيان
المؤلف : محمد برادة
الناشر : دار الأمان
طبعة : 2004

يقدم الكاتب روايته بهذه الكلمات :
“..لم يكن يهمني -حين كتبت لعبة النسيان- أن أؤرخ أو أن أتذكر ، و إنما كنت أوهم النفس أن الكتابة تتيح الاقتراب من أعماق الزمن و متهاته كما تتيح التأمل فيما عشناه متشابكا ، متداخلا ، غائم القسمات . ومن ثمَّ اللجوء إلى فضاءات الطفولة و المراهقة و الشباب بحثا عن زمن لم يعد موجودا إلا في الذاكرة و الحلم و فيما تختزنه الذات الواعية . و لأننا تعودنا على النسيان ، فإننا لا ننتبه كثيرا إلى تغير الأشياء من حولنا و إلى تغير علاقتنا و ذواتنا . و لكن ، يكفي أن تنبثق بعض اللحظات من منطقة النسيان فينا ، لتبدأ دينامية التذكر و ليبدأ الخيال في نسج ما هو كامن في اللاشعور و في الذاكرة الغافية . هكذا انطلقت في كتابة (لعبة النسيان) و كأنني أمارس لعبة ، لكنها لعبة قادتني إلى أجواء و مناطق تختلط فيها الابتسامة بالألم و السخرية بالمرارة .”

تنقل “لعبة النسيان” القارئ بين أمكنة مختلفة : فاس ، الرباط ، فرنسا..، و في أزمنة مختلفة : الاربعينات ، الخمسينات و بعد الاستقلال . الرواية تسرد حياة عدة أشخاص على لسانهم ، إذ يمثل كل واحد راو مستقل على الآخر ، يترأسهم راوي الرواة .
قوة الرواية تتمثل في أنها لا تترك للقارئ هامشا و لو صغيرا ، للزيغ..، فبين سطر و آخر يمكن أن يتحول الكاتب من راو إلى آخر ، ومن زمن إلى آخر مختلف تماما ، إما رجوعا إلى الوراء أو العكس .
لكن تبقى هناك نقطة سوداء للرواية -في نظري- ربما ستفقد على إثرها عدة قراء ، و النقطة السوداء تتمثل في أن بعض مقاطعها بالدارجة المغربية ، لذا يجب على القارئ أن يكون ملما شيئا ما -و ربما كثيرا- بالدارجة المغربية
.


ايوب صابر 03-23-2012 11:21 PM

رواية * لعبة النسيان * تأليف: محمد برادة
رواية "لعبة النسيان" نص إشكالي أسال الكثير من المداد حول هويته الأجناسية، ومنذ صدورها في طبعتها الأولى سنة 1987، كانت مثار جدل واسع على صفحات الجرائد والمجلات الثقافية ونشرت حولها دراسات جامعية ونقدية كثيرة. وساهم في ذلك اختيارها من طرف وزارة التربية الوطنية المغربية منذ 1995 إلى 2005، لتكون ضمن المؤلفات المقررة على تلاميذ الثانوي.

قلة هم الكتاب الذين وزوا بين إنجازين: إنجاز تجسد في الكتابة النقدية التطبيقية، وإنجاز تمثل في الكتابة الإبداعية، حيث لغة الصورة وإنتاج الجمال، ومنهم: إلياس خوري، ونبيل سليمان، ومحمد عز الدين التازي، ومحمد برادة...
فالرواية بالنسبة لهؤلاء إبداع جمالي يمتلك ثوابت بالإمكان التقاطها وترصدها من داخل الممارسة النقدية..

لا تتشكل رواية "لعبة النسيان" من فصول وإنما جاءت حاملة لعناوين هي أسماء لشخصيات فاعلة متفاعلة داخل النص الروائي (مثلا "سيد الطيب") أو لجمل شعرية تختزل المضمون ضمن البنيات الحكائية الصغرى والمشكلة للرواية كبنية كبرى (مثلا "للا نجية أم ثانية" و"الطايع في حومة الكبار") إلى جانب هوامش داخل المتن متمثلة في "الإضاءة" و"التعتيم". ومدار الرواية منغلق حول الأم، ولكن الشخصية المحورية هي شخصية "الهادي" (أم هل هو محمد برادة نفسه كما يقول نقاد يعتبرونها سيرة ذاتية؟).


ايوب صابر 03-23-2012 11:35 PM

محمد برادة

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة


ولد الروائي والناقد المغربي محمد برادة في 14 مايو((1939)) بالعاصمة المغربية الرباط.
سافر إلى مصر للدراسة في جامعة القاهرة, حيت نال فيها سنة 1960 الإجازة في الأدب العربي. في سنة 1962 حصل على شهادة الدراسات المعمقة في الفلسفة بجامعة محمد الخامس في مدينة الرباط كما نال درجة دكتوراه من [[جامعة السوربون 2 ]] الفرنسية سنة 1973. يشتغل حاليا كأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.

نشرت أول قصة له سنة 1957 بجريدة العلم المغربية وكانت تحت عنوان «المعطف البالي». شارك في تأسيس اتحاد كتاب المغرب وانتخب رئيسا له في المؤتمر الخامس (1976)والسادس (1979) والسابع (1981).

يكتب محمد برادة القصة والرواية، كما يكتب المقالة الأدبية والبحث النقدي، وله في هذه المجالات جميعها العديد من الدراسات وبعض الكتب ذات الأثر اللافت في المشهد الثقافي والأدبي والنقدي العربي، ككتابه الهام حول محمد مندور وكتابه النقدي حول الرواية العربية.
صدرت له أيضا بعض الترجمات لكتب أدبية ونقدية ونظرية أساسية، لكل من رولان بارت وميخائيل باختين وجان جنيه ولوكليزيو وغيرهم، كما ترجم لغيرهم العديد من النصوص الأساسية في مجالات مختلفة، كم عرفت بعض نصوصه الأدبية أيضا طريقها إلى الترجمة إلى بعض اللغات الأجنبية.

حصل على جائزة المغرب للكتاب، في صنف الدراسات الأدبية، عن كتابه النقدي «فضاءات روائية».
مجموعة قصصية, 2004
أعماله
  • فرانز فانون أو معركة الشعوب المتخلفة / محمد زنيبر، مولود معمري، ومحمد برادة، الدار البيضاء، 1963.
  • محمد مندور وتنظير النقد العربي، دار الآداب، بيـروت، 1979، (ط.3 2، القاهرة، دار الفكر، 1986)
  • سلخ الجلد: قصص، بيروت، دار الآداب، بيروت، 1979.
  • لغة الطفولة والحلم: قراءة في ذاكرة القصة المغربية، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، الرباط، 1986.
  • لعبة النسيان: رواية دار الأمان، الرباط، 1987، (ط. 2، الرباط، دار الأمان، 1992)
  • الضوء الهارب: رواية، البيضاء، الفنك، 1994، (ط. 2، الرباط، دار الأمان، 1987، 176ص).
  • أسئلة الرواية، أسئلة النقد، منشورات الرابطة، البيضـاء.
  • مثل صيف لن يتكرر، البيضاء، الفنك، الدار البيضاء، 1999.
  • ورد ورماد: رسائل / بالاشتراك، مع محمد شكري، المناهل، الرباط، 2000.
  • رواية امرأة النسيان، 2002.
  • رواية حيوات متجاورة، 2009.
إسهامات في الترجمة
  • من المنغلق إلى المنفتح / محمد عزيزالحبابي، ترجمة محمد برادة، القاهرة، مكتبة الأنجلو مصرية.
  • الرواية المغربية / عبد الكبير الخطيبي، ترجمة محمد برادة، قدم الترجمة محمد بن العابد الفاسي منشورات المركز الجامعي للبحث العلمي، الرباط، 1971.
  • حديث الجمل / الطاهر بنجلون، ترجمة: محمد برادة، دار النشر المغربية، البيضاء، 1975.
  • في الكتابة والتجربة/ عبد الكبير الخطيبي، ترجمة محمد برادة، دار العودة، بيروت، 1980، (ط. 2، الرباط، منشورات عكاظ، 1990).
  • ديوان الخط العربي / عبد الكبير الخطيبي ومحمد السجلماسي، ترجمة محمد برادة، الدار البيضاء، 1981.
  • الدرجة الصفر للكتابة / رولان بارت، ترجمة محمد برادة، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، الرباط، 1981، (ط. 3، ش.م.ن.م.، 1995)
  • قصائد تحت الكمامة: شعر / عبد اللطيف اللعبي، ترجمة محمد برادة، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، الرباط، 1982.
  • الخطاب الروائي / ميخائيل باختين، ترجمة وتقديم محمد برادة، القاهرة، دار الفكر، القاهرة 1987

ايوب صابر 03-23-2012 11:42 PM

حوار مع الناقد المغربي محمد برادة

حاوره: سعد أبو غنام وشاهر عجمي، السفير - لبنان
١٤ شباط (فبراير) ٢٠٠٨

محمد برادة المغربي الذي قضى حياة جمع فيها النضال السياسي والنقد الأدبي، والذي كان في عهد الاستبداد الملكي رئيساً لاتحاد الكتاب المغاربة، يعيش الآن في فرنسا بعد أن تنقل بين القاهرة والمغرب وباريس ولا تزال القاهرة موطن ذكرياته الأقرب. محمد برادة لا يزال الناقد الملحاح، ولكنه منذ عهد بعيد أضاف الى مهنة الناقد مهنة الراوي، وكان نصيبه من الرواية مهماً مثل نصيبه من الشعر. والآن وقد قعد عن النضال، لا يزال في باريس يواصل مهنتيه النقد والرواية ويطلع علينا من حين إلى حين بدراسة لافتة، أو برواية يغرف فيها من معين ذاكرته المغربية. معه كان هذا الحوار:
- في نصوصك الروائية المختلفة نلاحظ عن كثب الامتداد الموضوعاتي اي الاشتغال على نفس الموضوع في اكثر من نص ونسوق على ذلك مثالا : مواضيع الذاكرة والحب والمرأة. ما هو تفسيرك للتعدد الموضوعاتي في رواياتك؟
- لا اظن انني كتبت في نفس الموضوع، لأن رواياتي تتناول فضاءات مختلفة وتتحقّق عبر اشكال متباينة... الاّ ان هناك اهتماماً بأسئلة تتصل بالذاكرة والحب والجنس والموت، لأنني عندما كتبت اول رواية كنتُ اقترب من سن الخمسين وكانت معضلة العلاقة بالزمن تحتل الجزء الأكبر من اهتمامي. والتساؤل عن العلاقة بالزمن هو في الآن نفسه تساؤل عن العلاقة بالموت والجنس والذاكرة. ومن ثم اوْليتُ اهتماماً للطريقة التي اكتب بها ذاكرتي من خلال فضاء روائي وشخوص ولغة معينة، مُتطلعاً الى القبض على ما اعتبره جوهرياً في الأزمنة التي عشتها. وهنا كان لا بد من الاختيار: اما اعادة استنساخ ما يسمى بالواقع وفي ذلك افقار له، وإما الاتجاه الى البحث عن طريقة لكتابة الذاكرة كتابة تعتمد الحذف والإضافة والتخييل، وتستحضر ما يضيء الواقع ويُغنيه... وقد اخترت الطريقة الثانية لأنها تسمح بالتحرّر من الواقعية الحرفية وتفسح المجال امام الابتداع والإبداع. الكتابة عندي عملية ذهاب وإياب بين التذكُّر والنسيان، بين الملاحظة والحلم، بين المعيش والمُتخيل... والتعدّد الموضوعاتي ناتج عن هذا المزج بين عناصر الواقع واللاواقع، لكن هناك اسئلة مشتركة داخل النصوص التي كتبتها، وهي تلك التي تسعى الى اعادة تملُّك الزمن المُنصرم واستيعاب محتواه، وبذلك تغدو الكتابة بمثابة تعويض لذلك الزمن الهارب باستمرار من بين اصابعنا.
الأديب المغربي محمد برادة
- محكيات صيف لن يتكرر يحتفل بفضاءات مدينة القاهرة في ازهى لحظاتها انطلاقا من سحر اللغة المصرية والنكت وصولا الى الحقبة الناصرية التي تمثل صعودا قوميا عربيا اوحى لجيلك ان بإمكانهم امساك النجوم بأيديهم وتحقيق احلام العروبة المصاحبة، امر ثقافي ذو بعد قومي اليوم وعلى ضوء تجربتك الحافلة بالبحث والكتابة والعمل السياسي كيف تسترجع تلك الحقبة مقارنة مع حالة الركود التي تشهدها اليوم الدولة المدنية في مصر وبؤس الثقافة في هذا البلد الذي ترسخ في الذهن الجمعي العربي كمعقل للأدب والفكر العربي.
- طبيعي ان تمر المجتمعات بفترات متفاوِتة من حيث الازدهار والتعثُّر، لأن مشكلة التوازن والانخراط في العصر تواجه مجموع الحضارات والثقافات... والحضارة المصرية عرفت فترات ازدهار وتأَلُّق خالدة في العهود الفرعونية. وفي مطلع القرن العشرين، عرفت مصر نهوضاً لافتاً للنظر من خلال مقاومتها للاستعمار البريطاني وتشييدها لأُسس ثقافة عربية حداثية، ولاقتصاد وطني اقتَرنَ بمشروع طلعتْ حرب والطبقة البورجوازية الناشئة انذاك؛ بل ان النظام الديمقراطي كان قد ارسى تقاليده الأولى. لكن الاستعمار من جهة، وقيام اسرائيل على ارض فلسطين مُعضّدة من بريطانيا والغرب، ادّيا الى اجهاض وعرقلة المشروع النّهضوي الذي كانت مصر تقوده... وعندما وصلت اول مرة الى مصر، وأنا في السابعة عشرة من عمري سنة ,1955 صادفت لحظة تاريخية نادرة، حيث ان الثورة الناصرية كانت ترسم افقاً جديدا لمقاومة فساد الملَكية والأحزاب، والتصدي للاستعمار وتواطؤ اسرائيل معه ضد حقوق الفلسطينيين والعرب. من ثم، كانت كل الآمال تبدو لي ولجيْلي دانية القُطوف. وحين كتبت «مثل صيْف لن يتكرر»، حرصت على ان استحضر عبر المشاهد والفضاء والكلمات والمغامرات، نكهة تلك الحقبة التي هي فترة انتقالي من المراهقة الى الشباب، ومن مناخ المغرب الى شساعة مصر المُلوّنة بالأفلام والأغاني والقصص والروايات. فعلاً، كانت اقامتي في مصر طوال خمس سنوات بمثابة عتَبة نقلتني الى فضاء مغاير في اللغة والعلائق والمعرفة والوعي. لكن ما كتبتُه يظل متصلاً بقيم جمالية ـ أدبية وبغامرة تسعى الى كتابة الذاكرة في تعرُّجاتها ومتاهاتها. وهذا قد لا يتعارض مع مَنْ يريد قراءة «مثل صيْف... » في وصفها شهادة عن فترة من حياة مصر.
محمد شكري

- عندما يذكر الاسم محمد شكري عادة ما يحضر اسم آخر هو محمد برادة. كيف لك ان تصف لنا علاقتك بكاتب من طراز محمد شكري؟
- علاقتي بالمرحوم محمد شكري هي علاقة صداقة وتواطؤ في مجال الأدب. منذ تعرفت عليه في سنة 1971 والحوار مستمر بيننا، لأنني وجدتُه ناضجا في تفكيره، مجدّدا في كتابته، مجرّبا لخبايا الحياة وأسرارها... وعلى رغم اختلافات بيننا في طريقة العيش وتحليل الأوضاع السياسية، فإن صداقتنا ظلت قوية ومُسترسلة الى حين وفاته. لقد كان مؤنساً في جلساته، متفتحاً على الآخرين، مُقبلاً على الحياة. ومن ثم فإن صداقتنا كانت تغتني من الاختلاف ومن التواطؤ تجاه ضرورة التجديد والجرأة في الإبداع.
- يحتفي محمد شكري في كتابه الخبز الحافي بمدينة طنجة المغربية وبعوالمها رغم انها مدينة فقيرة بكل المقاييس في الوقت الذي وصفها فيه شكري كما ان كثيرا من الادباء الأوروبيين وغيرهم من ادباء العالم ينجذبون الى طنجة هل سحرهم شكري بهذه المدينة؟ ما هو السرالذي تخبئه مدينة طنجة؟
- كان شكري يحب مدينة طنجة من اعماقه، لأنها المدينة التي فتّحت وعيه ووفّرت له اكتشاف متع الجنس والموسيقى الكحول... وطنجة التي سحرتْه هي طنجة الدولية في الثلاثينيات والأربعينيات، والتي كانت آنذاك مزدهرة ومختلطة ومعبرا قريبا من اسبانيا وأوروبا. لذلك عندما نتحدث عن طنجة، لا بد ان نستحضر تلك الصورة الأسطورية التي اكتسبتْها في الفترة الدولية والتي جعلت الكُتاب والفنانين العالميين يتوافدون اليها. لقد اقترنت في الأذهان بفضاء الحرية والتقاليع وممارسة الدعارة والمتاجرة في الأسلحة والمخدرات، وشبكات الجاسوسية؛ اي ان طنجة كانت تجسد صورة مصغرة لبعض العواصم العالمية الكبرى، وفي الآن نفسه تقدم للزائرين نمط العيش المغربي بتقاليده ومطبخه اللذيذ... طبعا عرفت طنجة تحولات كثيرة بعد استقلال المغرب سنة ,1956 وفقدت الكثير من ملامحها الأسطورية، الاّ انها تحافظ على موقعها الجغرافي المُميّز، وعلى بعض التقاليد الكوسموبولتانية.
- محمد شكري اسم أدبي مغربي وعربي وعالمي بارز لكنه اشكالي تدور حوله جدالات وسجالا كثيرة في المحافل الادبية حتى بعد وفاته ما زال يشغل الناس حتى اشيع بعد وفاته انه لم يكن صادقا عندما كتب في الجزء الثاني من سيرته الذاتية زمن الاخطاء انه تعلم القراءة في سن العشرين هل اضافت اشكالية شكري وغرابة اطواره وعبثيته الى رصيده الادبي وحولته الى شخصية مركبة يصعب على المرء معرفة خباياها؟
- ليس صحيحاً ما اشاعه معلم قديم لمحمد شكري، بعد موته، من انه لم يكن هو الذي كتب نصوصه وأنه تعلم قبل سن التاسعة عشر... لقد قرأت كثيرا من مخطوطات شكري بخط يده، كما انني اتوفر على عدد من رسائله، وكل ذلك يثبت انه كان يتقن اللغة العربية ويعرف جيدا النحو والإملاء ولا يرتكب اخطاء في الكتابة... وهو لم يكن عبثياً، بل كان يحب الحياة ويقبل عليها بنَهَم، ويستوحي تجربته وفلسفته الخاصة في ما يكتبه. والذين ارادوا تشويه سمعته بعد موته هم جبناء لأنهم لم يمتلكوا الشجاعة لانتقاده عندما كان لا يزال على قيد الحياة.
- الكتابة هي تعبيرعن تناقضات عديدة ومتباينة داخل النفس البشرية وترجمة ثقافية واجتماعية لمجتمع ما هل يطابق هذا التعريف مفهومك للإبداع الروائي؟
- من الصعب ان نعطي للكتابة تعريفاً واحداً، لأنها تنتسب الى مجالات متعددة :نفسية وثقافية واجتماعية ولَعِبيَّة... وعلى رغم ان الكتابة تستعمل اللغة فإن المبدع يحرص على ان يُبلور لغة خاصة به. وأظن ان الكاتب ـ مع تقدُّم تجربته ـ يدرك ان الكتابة لا تخضع فقط لإرادته، وأن لها منطقها الخاص الذي يتمرد على مقاصد الكاتب نفسه. صحيح ان الكاتب ينجذب الى التعبير عن تناقضات الحياة وتجلياتها المختلفة، الاّ انه يظل مشدوداً اكثر الى فهْم ذاته واستكناه اسرارها وغوامضها. من ثم فإن الكتابة هي قبل كل شيء، تذْويـت للتجربة التي يعيشها الكاتب، اي محاولة لإضفاء فهمه الخاص ومشاعره المتفردة على ما عاشه في حياته الخاصة وأيضاً مع الآخرين.
- في السنة الجامعية الأولى لك بجامعة القاهرة كتبت قصتك القصيرة الأولى واستحضرت من خلالها مدينة فاس القديمة مرتع الطفولة وبعد العودة الى المغرب سنة 1960 انغمرت في العمل السياسي والثقافي وعملت على انشاء اتحاد الكتاب المغاربة والتدريس في الجامعة وانقطعت عن الكتابة طوال عقدين من الزمن، في تلك الفترة كنت مشدودا الى الحاضر ويراودك حلم التغيير الان وهنا ،ما الذي غير وجهتك وأعادك الى ميدان الكتابة هل عدت الى الواقع من خلال الإبداع الروائي والبحث والترجمة ،هل هو لجوء الى الذاكرة وحرية الكتابة واستحضار ماض جميل زاه بعيد عن خيبة الأزمنة الجديدة في حياة الإنسان العربي؟
- في الحقيقة لم انقطع عن الكتابة عقديْن من الزمن، بل كنت اكتب دائماً في فترات متقطعة وكنت اعتبر نفسي مثل رسامي يوم الأحد. وخلال سنوات كنت اكتب في الصحافة باسم مُستعار، وأحيانا اكتب نصوصاً ثم اُمزقها... لكنني لم اكن متفرغا للكتابة نتيجة انشغالي بالتعليم في الجامعة وممارسة النضال السياسي والثقافي. في بداية الكهولة، قررت ان اكتب بكمية اكثر وبانتظام لأنني اقتنعت ان الكتابة لا يُعوضها نشاط اخر، وأنها تسمح بحرية اوسع في التعبير عن تجربتنا الحياتية تعبيراً جمالياً اكثر عمقاً ونفاذاً. بطبيعة الحال هناك فرق بين الفعل المباشر والفعل من خلال الكتابة، وأحدهما لا يغني عن الآخر. ومعلوم ان العمل السياسي معرض للتعثر ولكن ذلك لا يُلغي ضرورته؛ بينما الكتابة توفر مساحة اوسع من حرية القول والتخييل. الى جانب ذلك هناك مشكلة السن، فمع تقدم العمر لا يستطيع الإنسان ان يستمر في النضال وأن يغفل التأمل في ما عاشه والكتابة عنه اذا توفّر على الموهبة... أما خيبة الآمال فهي مسألة ملتصقة بالحياة والمبدع لا يستطيع ان يطمئن الى التفاؤل الكاذب. وروعة التجربة تتمثل في جانبيْها العملي والتأملي، السياسي والإبداعي.
- في كتابك «فضاءات روائية» تعالج مراحل وملامح الرواية العربية في مائة السنوات الأخيرة. كيف ترى الرواية العربية اليوم؟
- عمر الرواية العربية لا يتجاوز المئة سنة الاّ قليلاً؛ ومع ذلك استطاعت ان تكتسب مكانة راجحة في الأدب العربي الحديث، لأنها استوْحتْ التحوّلات المتسارعة التي عرفتها المجتمعات العربية في هذه الحقبة، واستطاعت ايضاً ان تُطوّر ادواتها الفنية وأشكالها التعبيرية. والشيء اللافت في الإنتاج الروائي العربي، على امتداد الأقطار من دون فرْق بين مركز ومحيط، هو ان الخطاب الروائي قائم على النقد والنفاذ الى عمق المُعضلات والأسئلة: خطاب الرواية ليس مجاملاً ولا مسانداً للسلطة، بل هو يتغلغل في صلب المجتمع ويبتدع لغة جريئة متعددة المستويات والأصوات، لأجل التقاط الصراعات والسلوكات والفضاءات المختلفة. وعلى رغم الرقابة، استطاعت الرواية العربية ان تفرض صوتها في الداخل والخارج، وأن تتبوَّأ مكان الصدارة بين القراء.
- في كتابك «فضاءات روائية» تعتبر رواية عبد الرحمن منيف «سباق المسافات الطويلة» ورواية سليم بركات «فقهاء الظلام» ورواية غادة السمان «كوابيس بيروت» روايات مهمة تقارنها بروايات عالمية اثرت على الابداع الروائي وترجمت الى لغات كثيرة مثل «مائة سنة من العزلة» لماركيز و«مادام بوباري» لفلوبر. ما هو الأساس لهذه المقارنة؟
- اعتقد ان القراءة المقارنة للروايات العربية والعالمية هي قراءة مضيئة وممكنة، على اساس ان شكل الرواية منذ التجارب اليونانية الأولى، مُروراً بألف ليلة ودونكشوت، ووُصولاً الى الرواية الجديدة في فرنسا وأمريكا اللاتينية والبرتغال والعالم العربي، هو شكل مفتوح اسهمتْ جميع الثقافات في اغنائه والإضافة الى مُكوّناته. ومن ثم اصبحت الرواية شكلاً كوْنياً قادراً على تجسيد اسئلة الحداثة ومُعضلاتها في هذا العصر المطبوع بالقلق والاستلاب والعنف والخوف... وهي سمات مشتركة بين الشرق والغرب مع اختلاف في التفاصيل والمستويات. والروائيون العرب الذين ذكرتهم، إلى جانب آخرين، قراوا عيون الروايات العالمية وتفاعلوا معها، ولذلك يمكن ان نجد في نصوصهم وجوه التقاء وتقارب مع نصوص روائية عالمية اخرى. وأساس المقارنة يشمل الشكل والأبعاد الإنسانية المُت-تخطية للمستوى المحلّي.
شطحات استشرافية
- قال الناقد صبري حافظ ان روايات عربية ترجمت الى اللغة الانجليزية وقد لوحظ ان هذه الكتابات موجهة الى القارئ الاروبي اكثر من القارئ العربي من خلال تصويرها للمجتمعات العربية كمتخلفة وثابتة وبعيدة عن الحداثة بكلمات اخر تصف هذه الكتابات المجتمع العربي كما يتصوره الانسان الاوربي بما في ذلك التصور من شطحات استشراقية. الا ترى هذا الرأي معمما وغير منصف للادب العربي المترجم للغات الأوروبية اذا ما تحدثنا عن ابداعات الياس خوري وجمال الغيطاني وعبد الرحمن منيف ومحمد برادة وغيرهم؟
- اظن ان الناقد صبري حافظ يقصد بعض الروائيين الذين يسعون الى فرض انفسهم على الترجمة عن طريق الكتابة في موضوعات تستهوي صحافة الإثارة التي تترصد عيوب المجتمعات العربية لتشنِّع بها... وهناك ايضا دور نشر اجنبية تبحث عن نصوص تتناول موضوعات الجنس والتزمت الديني، لتجذب القراء. لكن هناك روائيون يتناولون هذه الموضوعات من زوايا عميقة وفي اشكال فنية مقنعة. وأظن ان الترجمة الى اللغات الأجنبية لا تخلو من مشاكل لها علاقة بمعرفة ما يُنشَر في العربية، والحرص على اختيار الموهوبين... مع ذلك، نجد اليوم ان القراء في الغرب بدأوا يُقبلون على قراءة الرواية العربية الجيدة...
- الكاتب السوري رفيق شامي ابدع باللغة الالمانية كما كتب الروائي الليبي هشام مطر بالانكليزية واللبناني امين معلوف كتب بالفرنسية كما ان كثيرا من الكتاب المغاربة كتبوا بالفرنسية مثل مالك حداد واحلام السويف ومحمد ديب وكان لك سجالا صاخبا مع الكاتب المغربي الطاهر بن جلون احد المتحمسين للكتابة بالفرنسية عندما اكد في مقابلة تلفزيونية ان الكتابة بالفرنسية توفر حيزا اكبر للابداع والكشف عن خبايا الأمور ومكنونات النفس الانسانية بينما اللغة العربية لا تسعف على التعبير الصريح والكاشف لانها لغة القرآن ولغة مقدسة لماذا عارضت بشدة طرح ابن جلون وهل تعتبر ان الكتابة الروائية لمبدعين عرب باللغات الاجنبية مكسبا للادب العربي ومحفزا للتجديد في االكتابة الروائية العربية؟
- أنا افرق بين شيئيْن في هذه المسألة: الأدب الذي يكتبه عرب بلغة اجنبية هو امتداد للأدب العربي الحديث وجزء منه، يُغنيه ويُخصبه... ووجوده مُبرَّر اما لأسباب تتعلق بفترة الاستعمار، او لمقتضيات راهنة تتصل بالهجرة الى اوروبا وتداخل الثقافات... أما الجانب الآخر الذي كان موضوع نقاش وجِدال مع الصديق الطاهر بنجلون، فهو يتعلق بما قاله في جلسة تلفزيونية فرنسية من ان اللغة العربية لا تسمح بالتعبير عن الموضوعات الجريئة، خاصة الجنس، وأن الكتاب المعبرين بالعربية لا يجرؤون على ذلك لأن العربية هي لغة القرآن! انا اختلف معه، لأن اللغة لا يمكن ان تكون مقدسة، بل هي مرتبطة بالحياة وتفاصيلها، وخاضعة للتطوّر التاريخي. وفي العربية بالذات، نجد نصوصاً في منتهى الجرأة شعراً ونثراً، كما نجد اليوم روايات لا تقل في جسارتها عمّا يُكتَب باللغات الأجنبية؛ مثلا : روايات صنع الله ابراهيم ورؤوف مسعد ومحمد شكري، والطيب صالح وحنان الشيخ ورشيد الضعيف، واللائحة طويلة.
- يعتبر الناقد والباحث من مصر جابر عصفور النصف الثاني من القرن العشرين «زمن الرواية العربية» كما يرى الرواية وليس الشعر هي «ديوان العرب». هل هو زمن الرواي
- زمن الرواية، زمن الشعر، زمن المسرح... هذه توصيفات مؤقتة ترتبط بالسياق المصاحب لتطور الإنتاج الأدبي في مجتمع ماّ. لكن القول بأن الرواية العربية تعرف راهناً اقبالاً وانتشاراً نسبياً، لا يعني انها تتفوق على الشعر لأن مجال الشعر يتوفر على مبدعين كبار وله متذوّقوه وعشاقه. انا ارى ان حظوة الرواية ترجع الى حاجة القارئ العربي لأن يرى نفسه في مرآة الرواية التي يسمح شكلها المرِن ولغتها المتعددة، برسم تفاصيل الحياة والتجارب والصراعات من خلال مشاهد وحوارات تسعف القارئ على استرجاع ما عاشه ويعيشه ليفكر فيه ويستوعبه. إن الرواية القائمة على التخييل تقترب من الواقع المعقد وتقدم عناصر قد يوظفها القارئ لفهم اجزاء من حياته الخاصة. الاّ ان هذه الميزة الروائية لا تتحقق الاّ على يد الروائيين الموهوبين!

مجلة شعر
- في هذه الأيام تحتفي الصحافة الأدبية في العالم العربي بخمسينية مجلة شعر. كيف ترى مساهمة مجلة شعر في مشروع الحداثة في العالم العربي الى اي حد تمثل هذه المجلة تجديدا في الشعر العربي باتجاهتها الحداثية المختلفة عندما تأثر مؤسسوها بشعراء ومنظرين من دول اوربية ذات تراث ثقافي حداثي مختلف ادت الى بلورة تيارات فكرية وأدبية مختلفة عبر عنها اعضاء المجلة مثل: يوسف الخال محمد الماغوط فؤاد رفقة جبرا وادونيس وسلمى الجيوسي وغيرها؟
- مجلة «شعر » علامة بارزة في مسار الحركة الشعري العربية، لأنها جسّدتْ التّوْق الى التجديد والتفاعل مع الشعر العالمي لتعميق اشكال ومضامين التعبير الشعري. وقد مثّلت هذه المجلة وجهاً متقدما من المُثاقفة ينبني على الترجمة والفهم والحوار وإنجاز النصوص الخارجة عن المنوال التقليدي الموروث. لذلك تعتبر «شعر» احد المنابر الأساسية التي شيدت الحداثة الشعرية العربية المعاصرة.
- في لقاء معك قلت ان حضورك كناقد طغى على حضورك كمبدع هل هنالك ثمة علاقة جدلية بين النقد والابداع الروائي؟ وكيف وفقت انت في تجربتك الإبداعية في كلا المجالين بين نوعين مختلفين من الكتابة؟
- لا اعتقد اننا نولد وعلى جبيننا الصفة التي ستلازمنا في مجال الإبداع :هذا شاعر وذاك ناقد الخ...؛ وإنما يتعلق الأمر بالاستعداد والممارسة. وأنا اعتقد ان كل مبدع يتوفر على حاسة نقدية ويمارس النقد بكيفية او اخرى، في حواراته الصحفية واختياره لشكل الكتابة... وبالنسبة لي، بدأت بكتابة القصة ثم احترفتُ التدريس وكتبت النقد انطلاقاً من مجال تخصصي الجامعي. وكتابة الرواية جاءت استجابة لحاجة داخل النفس ونتيجة لتجربة في الحياة والقراءة. المهم هو ان يقنعنا الناقد، حين يكتب رواية، بفنية روايته وتوفُّرها على خصائص الرواية...
- يدعي بعضهم أن الإبداع العربي تفوق كثيرا على النقد العربي ما هو تقييمك لمسألة النقد الادبي في العالم العربي اليوم؟
</i>هذا الانطباع عند الناس مصدرُه ان الإنتاج الأدبي العربي اتسع كثيراً، وأن الوضع الاعتباري للناقد قد تغير فلم يعد هو ذلك المتدخل في المجال الاجتماعي والإيديولجي من خلال نقد النصوص الأدبية: لم يعد الناقد هو الذي يخوض جميع المعارك الثقافية والفكرية والسياسية، كما كان الشأن عند طه حسين مثلاً. الناقد اليوم يهتم بتحليل النصوص وتأويلها، ومحاولة استجلاء ما تقوله ضمن مقتضيات الشكل والعناصر الجمالية. ومن ثم فإن ما يُكتب من نقد هو كثير، لكنه يستعمل لغة متخصصة ويطبق مناهج قد لا يدركها القارئ العادي. وأنا لا اميل الى المفاضلة بين الأجناس التعبيرية، لأن كل جنس تعبيري له اجتهاداته وعطاءاته. المهم هو ان نسعى، نقاداً ومبدعين الى اعادة النظر في المنجزات ومحاولة صياغة اسئلة اخرى تستجيب لانتظاراتنا من الأدب والإبداع على السواء.
- كيف تقيم استفادة النقد العربي من المناهج النقدية التي تبلورت في الغرب هل سخر الناقد العربي هذه المناهج للاشتغال على النصوص المكتوبة في العالم العربي بنجاح رغم الفروق الثقافية والخصوصية الحضارية التي نمت فيها هذه النظريات (في اوروبا) ،وهل ترى في الأفق نظرية نقدية عربية؟
- لا اعتبر مسألة الوصول الى «نظرية نقدية عربية» قضية مهمة، لأنها لا تقوم على اساس صحيح: ما دامت العلوم الإنسانية تقوم على جهود مشتركة بين مختلف الثقافات، وما دامت المناهج تتقاطع في مستويات التحليل اللساني والسوسيولجي والنفساني... ، فلماذا نفترض ان المنهج الذي سنحلل به نصوصنا يجب ان يكون «عربياًّ» والحال ان كثيرا من العناصر النظرية مشتركة، وبُذلتْ جهود عالمية لبلورتها. المشكل الأهم يتمثل في محاولة تعرّفنا على تلك المناهج العالمية تعرُّفاً يأخذ في الاعتبار النسبية والسياق التاريخي، ويفسح المجال للأسئلة المُتحدّرة من صلب النصوص الإبداعية العربية، اي على الناقد الاّ ينسى ان النظرية والمنهج هما مجرد وسيلة وليسا غاية في حدّ ذاتهما

ايوب صابر 03-25-2012 01:51 PM

من أجل النسيان : لعبة النسيان .. امرأة النسيان

byمحمد برادة

«وجدت القاسم المشترك بين النصّين هي خلفية النسيان المشتركة بينهما، والتي غدت بمثابة صمام أمان لديّ ألجأ إليه كلما تراكمت الخيبة والمرارة، وتعذر الفهم والقبول بالأمر الواقع. عدت إذن لأكتب في ظل النسيان ومن أجله، لأسائل مخزونات الذاكرة التي تجعلني أنوس بين اليأس والجنون، بين التمرد والاستسلام... هكذا تمضي الأيام والسنون ونحن نكابر لكي نخفف من حدة الزمن الذي يكاد يشلّ خطونا. ويخيّل إليّ أننا غالبًا ما نكتب المنسيّ غير القابل للنسيان، ذاك القابع في «الأنا العميق» والذي قد نتحاشاه في مجرى الوقت العادي، لكنه ينبثق فجأة من دهليزه المعتم ليذكرنا بأن الجري وراء «المفقود» يقتضي استحضار التفاصيل التي واراها النسيان»


محمد برادة
روايتان في كتاب واحد
لعبة النسيان 1987
امرأة النسيان 2001

ايوب صابر 03-25-2012 03:09 PM

محمد برادة

ربما أن الكتابة عن موت الأم هو أفضل طريقة لنسيان الم الفقدان. فهذا التفريغ سعي إلى تحقيق حالة من التوازن.

يقول محمد براده عن كتابة الرواية "هي شكل من أشكال الاستجابة لحاجة داخل النفس ونتيجة لتجربة في الحياة والقراءة". فهل كتب محمد برادة روايته كاستجابة لحاجة داخل نفسه؟ وهل تلك الحاجة كان لها علاقة بموت الام تحديدا؟

كل المؤشرات تشير إلى أن محمد برادة كتب سيرته الذاتية في روايته النسيان وهذا ما يرجحه النقاد.

وعلى الرغم من أنني لم اعثر في سيرته الذاتية المنشورة على تفاصيل عن طفولته، وهل عاش يتيم أم لا؟ وهي نقطة ضعف متكررة عند الكتاب العرب بشكل عام...أرجح من واقع ما كتب هو عن نفسه وعن الآخرين مثل ما هو وارد في قراءته النقدية لرواية التلصص ل صنع الله إبراهيم، وما كتب عنه الآخرون، نستنتج انه عاش يتيم الأب والأم مثل (الهادي) بطل رواية النسيان. والتي يرى النقاد بأنها رواية عن الموت والفقد . ويمارس الراوي لعبة النسيان، نسيان الآلام والأوجاع،من خلال استحضار الذكريات والشروع في تشخيص متخيّل للشيء العزيز المفقودوالمفتقد.
على الأرجح أن محمد براده عاش تجربة اليتم...وسنعتبره لأغراض هذه الدراسة وبناء على الأدلة الظرفية انه عاش يتيم. بانتظار أن يزودنا زملائنا من المغرب أو الأخ الأستاذ محمد نفسه بالمعلومة الأكيدة حول طفولته.
يتيم

ايوب صابر 03-28-2012 12:20 PM

47- الريح الشتوية مبارك الربيع المغرب

تصور رواية «الريح الشتوية»(10) الإنسان المغربي في فترة حرجة وحاسمة من تاريخ المغرب الحديث، وهي فترة الاستعمار. إذ تحكي قصة «العربي الحمدوني»، ومن خلاله ومعه شرائح كثيرة من المغاربة الذين سلب الحاكم الفرنسي أراضيهم في البادية، ونزحوا إلى مدينة الدار البيضاء، وتكدسوا في أحياء صفيحية مهمشة، مثقلة بالفقر والقذارة أبرزها «الكريان سنطرال»، الذي شكل والفضاءات المجاورة له معترك السيرورة السردية. وقد عمل الكاتب في خضم ذلك على كشف الواقع المتردي والمتسم بالجهل والخرافة والتخلف ومخاصمة الذات والهوية، من خلال عديد من الشخصيات أبرزها «عائشة العرجاء»، التي أسند إليها دلالات وأبعادا شاسعة. حيث جسدت مرجعية اجتماعية مضطربة، أفرزت سوء فهم لعمق القضية، وكرست الإحساس بالهم الفردي والبحث عن الخلاص الفردي، تجلى في النص من خلال توجه الناس إلى المحكمة للمطالبة بأراضيهم. وكان العربي الحمدوني بطل الحل الفردي. حيث وكّل محاميا لهذا الغرض، لكن قضيته كان مصيرها الفشل وكان مصيره هو الموت.
ومع القسم الثاني تحول مسار السرد، وتم إقصاء شخصيات لصالح أخرى جديدة أهمها «العالم»، الذي اشتهرت حلقته بالتوعية الدينية ومصالحة الناس مع ذواتهم وقيمهم. ثم ترك أمر الحلقة للشاب«سي عبد الفتاح» الذي بدأ يخوض في التوعية الوطنية وتأطيرالناس، فظهرت بوادر وعي جماعي، ثم عمل وطني منظم ونقابات عمالية موازية له. وبذلك أصبح الكريان سنطرال مصدر قلق سلطات الاحتلال التي وجهت نداء إلى السكان بالإفراغ، لكنهم رفضوا، فأقدمت على إحراق الكريان، لكن ذلك لم يزد الناس إلا إصرارا. وهكذا انطلقت مواجهة مفتوحة بينهم وبين المستعمر مخلفة قتلى وجرحى ومعتقلين، وانتهت أحداث الرواية على هذا الخط الصراعي المفتوح.
وانطلاقا من هذا الإطار الموضوعي الفضفاض، بسبب صعوبة تلخيص أحداث الرواية، يمكن استخلاص أن النص يقوم على ثلاث متواليات سردية، متوالية اتخذت منحى سلبيا تمثل في واقع الجهل والخرافة، وتمخض عنه سوء فهم القضية والنزوع إلى الحل الفردي. ومتوالية جاءت بالنقيض عكست خطا توعويا دينيا ثم وطنيا، تمخضت عنه المصالحة مع الذات والنزوع إلى الإحساس بالهم الجماعي. ومتوالية فتحت مواجهة مباشرة بين المغاربة والمستعمر، وأفرزت حركة تاريخية قائمة على التوازن في أرجوحة الصراع.
وبناء على هذه المتواليات فإن السمات المهيمنة في النص هي: الإقصاء والتحول والتنامي. وهي سمات تعد بسيرورة سردية فيها تفاعل وجدلية قوية. ذلك ما سنحاول استجلاءه من خلال صورة الإنسان.
==
http://membres.multimania.fr/lyceemaroc2/ARABE/rihchatwiya.htm

ايوب صابر 03-28-2012 12:22 PM

مبارك ربيع


ولد سنة 1940 بسيدي معاشو (عمالة سطات). اشتغل بالتعليم الابتدائي ابتداء من سنة 1952. حصل على الإجازة في الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع سنة 1967، ثم على دبلوم الدراسات العليا في علم النفس سنة 1975، كما أحرز على دكتوراه الدولة سنة 1988. يشتغل حاليا قيدوما لكلية الآداب والعلوم الإنسانية – بنمسيك سيدي عثمان – البيضاء.
انضم إلى اتحاد كتاب المغرب سنة 1961. يتوزع إنتاجه بين القصة القصيرة، الرواية، المقالة الأدبية والبحث في علم النفس والتربية. نشر أعماله بمجموعة من الصحف والمجلات: التحرير، العلم، دعوة الحق، أقلام، الآداب، الكتاب العربي، الوحدة، أبعاد فكرية، العربي...
تتوزع مؤلفاته المنشورة كالتالي:
القصص:
- سيدنا قدر، طرابلس، دار المصراتي، 1969.
- دم ودخان، تونس، الدار العربية للكتاب، 1975.
- رحلة الحب والحصاد، بيروت، دار الآداب، 1983.
- البلوري المكسور، شوسبريس، 1991.
الروايات
- الطيبون، الدار البيضاء، دار الكتاب، 1972.
- رفقة السلاح والقمر، الدار البيضاء، دار الثقافة، 1976.
- الريح الشتوية، تونس، الدار التونسية للنشر، 1977.
- بدر زمانه، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1984.
-برج السعـود، 1990.
- من جبالنا، توزيع شوسبيرس، 1998.
- درب السلطان: في ثلاثة أجزاء (ج. 1. نور الطلبة، ج. 2. ظل الأحبـاس، ج. 3. نزهة البلدية)
وكلها من توزيع شوسبريس، 1999-2000.
الدراسـات:
- عواطف الطفل: دراسة في الطفولة والتنشئة الاجتماعية، ط. 2، الرباط، الشركة المغربية للطباعة والنشر، 1991.
- مخاوف الأطفال وعلاقتها بالوسط الاجتماعي، الرباط، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 1991.
كتب للأطفال:
- أحلام الفتى السعيد، الرباط، وزارة التربية الوطنية، اليونيسيف، 1991.
- ميساء ذات الشعر الذهبي، الرباط، وزارة التربية الوطنية، اليونيسيف، 1991.
- بطل لا كغيره، الرباط، وزارة التربية الوطنية، اليونيسيف، 1991.
- طريق الحرية، توزيع شوسبريس، 1998


==
مبارك ربيع
1935م-

ولد الروائي مبارك أحمد ربيع في بلدة بنمعاشو بالمغرب، وهي قرية تقع إلى الجنوب من مدينة الدار البيضاء على مسافة ثمانين كيلومتراً منها. ويتميز أهل بنمعاشو باعتزازهم بالنسب الشريف وتعاملهم القبائل المجاورة بكثير من الاحترام والتقدير على أساس هذا النسب.

هاجرت أسرته إلى الدار البيضاء حيث التحق مبارك بمدرسة الكتاب ثم انتقل إلى المدارس الحكومية التي أنشأتها فرنسا آنذاك والتي ركّزت على اللغة الفرنسية وأهملت اللغة العربية. ولهذا السبب هجر مبارك هذه المدرسة والتحق بمدرسة وطنية حرة حيث كانت البرامج تركز على اللغة العربية مع حصص محدودة باللغة الفرنسية. نال من هذه المدرسة شهادته الابتدائية والتحق بمدرسة عبد الكريم لحلو الثانوية في الدار البيضاء. فتحت له هذه المدرسة آفاقاً جديدة عندما بدأ الاطلاع على الثقافة العربية الغنية فانكبّ على قراءة الكتب الأدبية العربية أو المترجمة إلى العربية. وتأثر خلال سنوات الدراسة بالروح الوطنية المقاومة للاستعمار التي كانت يبثها الأساتذة في طلابهم.

انفجرت الأزمة السياسية بين فرنسا والمغرب عام 1952 ونفي الملك محمد الخامس وأسرته وزجّ بالوطنيين في السجن وأغلقت المدارس الحرة، ومن بينها مدرسة لحلو حيث كان مبارك ربيع يتابع دراسته.

دخل مبارك عام 1958 مدرسة المعلمين وانتقل عام 1963 إلى جامعة محمد الخامس في الرباط وتخرج حاملاً دكتوراه في علم النفس.

درّس في مدارس ثانوية ثم عمل أستاذاّ بالجامعة في قسم علم النفس بكلية الآداب. انضم إلى اتحاد كتاب المغرب وحاز سنة 1971 بتونس على جائزة المغرب العربي لروايته "الطيبون"، وفاز بالجائزة الأولى من المجمع اللغوي بالقاهرة سنة 1975 لروايته "رفقة السلاح والقمر".

من مؤلفاته الروائية: سيدنا قدر 1969، الطيبون 1972، رفقة السلاح والقمر 1976، الريح الشتوية 1977، دم ودخان 1979، بدر زمانه 1983، رحلة الحب والحصاد 1983، عواطف الطفل 1984.


==
مبارك ربيع
ولد سنة1935في قرية ابنمعاشو بضواحي مدينة الدار البيضاء، درس بالمدارس الكبرى خلال المرحلة الابتدائية والثانوية ثم انخرط في سلك التدريس الابتدائي و الثانوي، حصل على دبلوم الدراساتالعليا في الفلسفة و علم النفس سنة1975من كلية الآدابفي الرباط، في موضوع "آثار الأسرة و المجتمع في تكوين عواطف الأطفال الذكور"، عينعلى إثرها أستاذا في نفس الكلية. حصل على شهادة دكتوراه الدولة حول موضوع "مخاوفالأطفال و علاقاتها بالوسط الاجتماعي"، أسندت إليه مهمة قيدوم بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك، له مجموعة من الأعمال الحكائية و الروائية نشير منهاإلى "سيدنا قدر"، "دموع و دخان"، "الطيبـون"، "رفقة السـلاح و القمر".

ايوب صابر 03-28-2012 12:23 PM

مبارك ربيع:

الروائي والقاص المغربي لـ «الشرق الاوسط» : النقدالذي يعنيني هو ما يغني العمل الروائي ويساعد على اكتشاف عوالمه الداخلية
الرباط: سعيدة شريف
يعد الكاتب المغربي مبارك ربيع أحد الأسماء المؤسسة للكتابة الروائية والقصصية بالمغرب، فقد ساهم منذ نهاية الستينات الى جانب كل من عبد المجيد بن جلون وعبد الكريم غلاب ومحمد عز الدين التازي في إرساء قواعد الكتابة الابداعية بالمغرب، ورصد تحولات المجتمع المغربي في مناهضته للاستعمار الفرنسي، وتحولات المجتمع العربي وتوجهاته القومية.
وعلى الرغم من التراكم المهم للانتاجات الروائية والقصصية للمبدع مبارك ربيع فإن كتاباته اللاحقة لم تحظ بالاهتمام والنقد اللازمين لها مقارنة مع أعماله الأولى التي أدرج البعض منها في المقررات التعليمية بالمغرب وحصل من خلالها على جوائز عربية ومغربية فتحققت لها بالتالي الشهرة والانتشار.
والى جانب الرواية والقصة كتب مبارك ربيع للأطفال والفتيان، كما أنجز مجموعة من الدراسات والأبحاث الأكاديمية في مجال التحليل النفسي وعلم التربية. صدرت له لحد الآن عشر روايات هي: «الطيبون» 1972، «رفقة السلاح والقمر» 1976، «الريح الشتوية» 1977، «بدر زمانه» 1983، «برج السعود» 1990، «من جبالنا» 1998، ثلاثية «درب السلطان» 1999، و«أيام جبلية» 2003. وصدرت له خمس مجاميع قصصية هي: «سيدنا قدر» 1969، «دم ودخان» 1975، «رحلة الحب والحصاد» 1983، «البلوري المكسور» 1996 و«من غرب لشرق» 2002.
وفي هذا الحوار مع «الشرق الأوسط» يتحدث مبارك ربيع عن مفهومه للكتابة الروائية وعن سبب رفضه للنقد وعن اتحاد كتاب المغرب.
* بالنظر الى مسارك الابداعي الذي يجمع بين الرواية والقصة (10 روايات و5 مجاميع قصصية)، نلاحظ أنك تنتصر لزمن الرواية على حساب القصة، فهل القصة بالنسبة لك مجرد محطة استراحة؟
ـ أعتقد أن هناك شيئا من سوء الفهم في التمييز بين اهتمامي بالقصة والرواية. أنا أظن أن اهتمامي بالقصة والرواية لم يتغير، فالرواية بطبيعة الحال تحتاج الى حيز أكبر، والقصة تحتل حيزا أصغر. فرغم هذا التمييز الكمي فأنا أشعر بميلي لهما معا، لا أقول بحدود متساوية ولكن بنوع من الانحياز الذاتي التلقائي لكل منهما مع ما يقتضيه الاختلاف. وقد قلت أخيرا في حديث مع بعض الأصدقاء إنني حينما أكتب الرواية أشعر أنني على شاطئ المحيط أحاول أن أصطاد سمكة، لكنني حينما أكتب القصة القصيرة أشعر أنني أحتفي بالتقائي بهذه السمكة. فهناك درجة من الانجذاب نحو الرواية أو القصة وذلك يختلف حسب الظروف، ولكن ليست هناك قطيعة مستمرة أو غير مستمرة بيني وبين القصة القصيرة في مرحلة من حياتي الابداعية.
* ولكن من خلال عملكم الروائي ثلاثية «درب السلطان» يتبين أن النفس الروائي لديكم أطول؟
ـ نفس روائي طويل أو قصير، هذه مسألة نسبية، أنا أكتب الرواية وأشعر بقدرتي الدائمة على كتابتها، كما أشعر بقدرة ورغبة في كتابة القصة. على كل حال المبدأ العام لدي هو أنني لا أكتب إلا عندما يكون لدي شيء حقيقي يُكتب سواء في الرواية أو القصة.
* على عكس أعمالك الروائية الأولى (الطيبون، الريح الشتوية، رفقة السلاح والقمر، وبدر زمانه)، فإن أعمالك الروائية اللاحقة لم تحظ بنفس الاهتمام والمتابعة النقدية، فما سبب ذلك برأيك؟
ـ لا أدري وهذه ليست مشكلتي، فما دمت أكتب فدوري يتوقف عند الكتابة والنشر. ولكن إذا ما حاولت التفسير فذلك برأيي يرجع الى أن الساحة الثقافية بالمغرب يشوبها نوع من الخلل والفراغات، وهذا أمر غير عادي. على العموم هذه الظاهرة غير سليمة ولا تقف عند اسم بعينه، ففي الوقت الذي يجب أن يقوم فيه المهنيون بعملهم من أجل التعريف بالأعمال الابداعية نجدهم يتخلون عن هذا الدور ليظل المجال بالنسبة للصحافة الثقافية المكتوبة مفتوحا أمام بعض الانتقائيات والزمالات غير المهنية البتة.
* ألا تعتقد أن إدراج أعمالك الابداعية الأولى في المقررات الدراسية بالمغرب كان عاملا حاسما في انتشارها؟
ـ إذا كان المقصود الدراسات التي تكتب على هامش الكتاب المقرر في الدراسة، فهذا ليس هو الاهتمام المطلوب لأنه اهتمام بيداغوجي، ولكن يمكن القول إن رواياتي الأولى إذا كانت قد حظيت بالاهتمام فلأنها قد فرضت نفسها قبل أن يولى لها هذا الاهتمام. فأول رواية لي وهي «الطيبون» حازت جائزة لها أهميتها الكبرى في ذلك الوقت، وكذلك رواية «رفقة السلاح والقمر» وهذه كلها روايات لقيت إقبالا كبيرا من طرف القراء في المغرب والعالم العربي في وقت واسع من المنافسة وفي وقت كان يتعذر فيه الحصول على مثل هذا النوع من التقييمات.
* تتميز أعمالك الابداعية بتنوع المضامين وتعدد الرؤى، حيث انتقلت من الرؤية الوطنية الى الرؤية العربية القومية، واحتفظت مع ذلك بخصوصيتها كابداع مغربي، فما السر في ذلك، أو ما هي الوصفة التي تعتمد عليها في أعمالك؟
ـ أولا لا أنكر أنني منشغل بما يهم مجتمعي المغربي والعربي وما فيه من شرائح متعددة، وليس الموضوع هو الذي يجعل الرواية رواية، بل روائيتها وبناؤها الفني. الروائي يمكن أن يكتب في أي موضوع بشرط أن يتفاعل معه. فروائية الرواية هي الأهم وليس الموضوع لأنه يأتي بدرجات بعد البناء الفني ولا يمكنه لوحده أن يصنع عملا روائيا. صحيح أن أعمالي تعرف تنوعا في الموضوعات، وقد انتبه الى ذلك كبار المفكرين المغاربة ونوهوا به واعتبروه دلالة على تعمق التفاعل بيني وبين الفن الروائي. بالنسبة لي المسألة طبيعية فأنا أتفاعل مع الموضوع وأشرع في الكتابة. وأنا أخلص لهذا الأمر سواء كان الموضوع تخييليا صرفا أو يمزج بين التخييل والواقع. المهم بالنسبة لي هو أن يكون هذا التفاعل بيني وبين الموضوع الذي أشتغل عليه، لأنني أكتب رواية قبل أي شيء. فليس الأداء الموضوعاتي هو همي وشاغلي في الكتابة الروائية.
* كتبت عن القرية والمدينة وعن فضاءات مدن عربية ومغربية كالدار البيضاء التي عدت إليها مجددا في ثلاثية «درب السلطان»، فما أوجه الاختلاف في استعادة نفس المدينة؟
ـ فعلا كتبت عن فضاءات متعددة ومن بينها القرية، فأصولي من العالم القروي ومن الدار البيضاء وجزء منها من الرباط. فالفضاءات التي كتبت عنها هي فضاءات عرفتها بشكل جيد وخبرتها، ولكن أيضا هناك فضاءات عربية مثلا في رواية «رفقة السلاح والقمر» التي أتحدث فيها عن دمشق والقاهرة وبيروت الى جانب الرباط والدار البيضاء والقصيبة. فتأثيث الفضاء الروائي ليس معادلة محسومة مسبقا، بل هي أمور تفرض نفسها مع العمل أو مع التخطيط له ولكن ليس بشكل تعسفي وهذا هو أهم شيء. فحينما أكتب عن مدينة معينة أكتب بطلاقة وعفوية فكرية وروائية، وهو نفس الشيء حينما أكتب عن عالم قروي أو عالم مخضرم. فالمسألة فيها جزء من الجانب الذاتي ولكن الجانب الفني هو الذي يفرض نفسه.
* تجمع أغلب الدراسات التي تناولت أعمالك أنها تندرج في اطار التجريب المعتدل، الذي يضع الكتابة بين ـ بين، أي بين النمط الكلاسيكي والنمط الحداثي، فهل تتخوفون من خوض غمار التجريب؟
ـ إذا كان المقصود بالتجريب هو أن أتعمد خلط كل شيء، واطلاق شكل لا يفهم ولا يربط علاقة بيني وبين القارئ، فأنا لست في اتجاهه، أما إذا كان التجريب هو محاولة ايجاد تقنيات جديدة لتبليغ الخطاب الروائي بما يعتبر إضافة الى الفن الروائي فأنا مع هذا الاتجاه. ولكن مع ذلك لا يهمني التجريب في ذاته ولا في غير ذاته، بل يهمني أن ما أقوم به يأتي بعفوية منسجمة مع الفضاء وخالقا لعالم روائي جمالي أدبي ممتع قبل كل شيء.
* المتتبع لأعمالك يلاحظ أن النمط الكلاسيكي والارتباط بقواعد الكتابة الروائية هو الملمح الأساسي لها، فهل هذا اختيار أساسي لك في الكتابة؟
ـ هذا خطأ في الفهم ولا أتردد في أن أقول بأن هؤلاء يخطئون في الفهم، ثقافتي وتكويني وفهمي للرواية هي أبعد عما يسمى الكلاسيكية، مع العلم أني لا أفهم ما هي الكلاسيكية، إلا أنني أفهم أنها محاولة لتصنيف أدب في خانة تعتبر متجاوزة، أما غير ذلك فلا شيء يؤهلني لكي أكتب رواية كلاسيكية، فمفهومي للرواية وتصوري وثقافتي هي مشكلة من ثقافة منتصف القرن الماضي الى الآن، فلا يمكن أن نكون متناقضين، وما أعتبر القارئ والناقد وحدهما منزهين وانفردا بثقافة العصر ويعرفان ما هو كلاسيكي وما ليس كذلك، أما المسكين الذي يكتب وعاش هذه الثقافة فيبقى كلاسيكيا. على كل حال هذه التصنيفات عاجزة عن أن تحتوي العالم الروائي، وقد اطلعت على بعض الدراسات التي تحدث عنها، ويؤسفني أن أقول لك إنني أتعجب وأتساءل إن كان هؤلاء فعلا قد قرأوا رواياتي قراءة حقيقية. رواياتي هي روايات ذات مستويات عديدة منها المستوى العادي الذي يمكن أن يتفاعل معه القارئ العادي، والمستوى العميق جدا الذي يجب أن ينفذ اليه القارئ الحصيف جدا. وما أعرفه شخصيا هو رواية جيدة أو رواية غير جيدة، أما ما عداهما فهو مزاعم، ولهذا فرواياتي هي من النوع الجيد والجديد والمتقدم كثيرا على عديد من الكتابات الموجودة حسب قراءتي في الساحة المغربية والعربية معا. فهناك تقصير كبير من قبل النقاد في قراءة أعمالي، كما أن هناك من كتبوا سابقا عن رواياتي بكيفية ما أصبحوا لا يستطيعون أن يواجهوا ما كتبوه بدافع أو توجه معين. على العموم كنت دائما مخلصا للأدب والرواية وللفن بشكل عام.
* هل يمكن أن نفهم من هذا أن مسألة رفضك للنقد واعتباره مجرد قول ثان، هو بسبب وضع النقد لكتاباتك في سجلات معينة لم يحذ عنها لا في المشرق أو في المغرب؟
ـ أريد أن أعود بك الى عام 1969 في ملتقى القصاصين المغاربة بتونس و1970 في ندوة الرواية العربية بفاس، لأنني في نفس الفترة تحدثت عن مستقبل النقد في المغرب وعن المكانة التي أوليها للنقد، وذكرت أنه من الناحية المبدئية لا يهمني اطلاقا، لأنه كلام على النص لا يقلل من أهمية النص على الرغم من أنه قد يخدمه أحيانا، ومع ذلك فهو لا يعنيني اطلاقا، لكن قد يعنيني النقد إذا قدم الناقد قراءة من زاوية معينة تغني الرواية وتساعد على اكتشاف عوالمها. وبذلك يكون هذا النقد بالنسبة لي مهما جدا أما ما عدا ذلك فليس له أهمية، خاصة أن النقد في المغرب، انطلاقا من المسيرة الثقافية المعاصرة في المغرب، عرف انحرافات وتشويهات ربما بقيت آثارها الى الآن.
* سبق أن ذكرت أن الكتابة الروائية بالنسبة لك عملية شاقة ومتعبة، هلا وضحت الأمر خصوصا أن هناك كثيرين يجدون متعبة كبيرة في الكتابة الروائية؟
ـ أنا تحدثت عن الرواية مقارنة مع عمل آخر وهو العمل العلمي وأنا باحث في علم النفس ولدي أبحاث عديدة في هذا المجال، الذي من الممكن أن أستمر فيه لساعات طويلة من دون توقف. أما فيما يتعلق بالرواية والقصة فأنا أحتاج للتوقف ولا أستطيع أن استمر طويلا، ولدي تفسير لذلك يخصني وهو أن الابداع الروائي هو تجربة في اللامتناهي تتطلب نوعا من التعامل يخرج عن التعسف والحسم السريع في المواقف أو الشخوص والجمالية، ولذلك فأنا أكتب بأناة بالغة وأكاد أقول إنه لا توجد كلمة في قصصي لم أضعها إلا بعد اقتناع بأهميتها، ولا يوجد في عباراتي شيء من مجرد إفراغ الشحنة بأي طريقة لأملأ الفراغ. ولذلك فأنا لست محترفا للكتابات الموجودة في الساحة، ولكني أكتب إن صح التعبير بضمير روائي وقصصي.
* بعدما ظللت غائبا أو شبه مغيب لفترة معينة عن الأنشطة الثقافية بالمغرب، نلاحظ في الآونة الأخيرة نوعا من الاحتفاء بك وتنظيم أيام دراسية لك من قبل اتحاد كتاب المغرب وبعض الجمعيات الثقافية. فما السر وراء هذا الاحتفاء، خصوصا أنك لم تحظ به فور صدور أعمالك الأخيرة؟
ـ أولا إذا جاز لنا أن نحاسب الناس على عدم الاحتفاء فلا يجوز أن نحاسب الذين يقومون بالاحتفاء، هذا مع العلم أنه من المفروض أن يكون هذ الاحتفاء منذ وقت طويل. ولكن برأيي المسألة لا يجب أن تؤخذ بأكثر من أهميتها الحقيقية، هي مساع مشكورة من الجهات التي قامت بها والتي ستقوم بها مستقبلا، وهذا شيء يثلج الصدر، وليس لها انعكاس على شخصي بالذات لأنني أعطيت ما أعطيت، وما أعتقد أن الاحتفاء بي اليوم هو الذي سيجعلني أعطي أو أنقص من انتاجي. ولكن هذا يدل على قيم أخلاقية رفيعة جدا نفتقدها وهي هذا التفاعل الايجابي مع الأثر ومع الشخص. فبدلا من أن تسود المشاحنات والقطائع بين الأفراد، يجب أن ننصت لبعضنا وأن نكون منفتحين على أنفسنا قبل الانفتاح على الآداب العالمية.
* هل لديك نية للترشح لرئاسة اتحاد كتاب المغرب الذي سيعقد مؤتمره في شهر أكتوبر المقبل؟
ـ ليست لدي نية ولا فكرة ولا أعرف تاريخ المؤتمر المقبل لاتحاد كتاب المغرب، فالموضوع لا يندرج في اطار اهتماماتي الآن.
* ما رأيك في الوضعية التي وصل اليها اتحاد كتاب المغرب الآن؟
ـ لقد عايشت اتحاد كتاب المغرب لسنوات طويلة، إذ كنت من بين مؤسسيه وتحملت فيه بعض المسؤوليات في مراحل كان فيها الوضع الثقافي أصعب بكثير مما هو عليه الآن، لكنني في السنوات الأخيرة ابتعدت شيئا ما عنه، ليس فقط لأنني لم أعد مسؤولا فيه، ولكن بسبب انشغالاتي. وأعتقد أن اتحاد كتاب المغرب مؤسسة ضرورية على الرغم من المؤاخذات التي قد يراها البعض، لأنها حققت للثقافة المغربية والمثقفين المغاربة الشيء الكثير حيث عملت على إرساء بعض القيم الأساسية. لا شك أننا نطمح الى المزيد والارتقاء ولكن هذا لا يصل بنا الى مس وجود هذه المؤسسة.

ايوب صابر 03-28-2012 12:24 PM

الكاتب المغربي مبارك ربيع لـ"المستقبل":
تجربتي في الكتابة السردية لم تنفصل عن تصور للحرية والحركية والتجدد






الرباط ـ رضا الأعرجي
تمثل (طوق اليمام) الصادرة عن دار نشر "المركز الثقافي العربي" في بيروت، تجربة متميزة بين أعمال الكاتب المغربي مبارك ربيع. ففي هذه الرواية يخوض تجربة الكتابة عن البحر كعالم جديد ولكن ليس بالموضع الطارئ في ذاكرته، حيث يبدو كحياة يومية، بل الحياة نفسها، إلى الحد الذي يصبح فيه شخصية من شخصيات الرواية.
وكما في أعماله الأخرى، يقدم مبارك ربيع نفسه إلى القارئ ككاتب لا تشكل الكتابة بالنسبة إليه معضلة، حين يختبر عمق القول لا أدائيته أو جماليته، وإذا كان التساؤل حول وظيفة الأدب يشغل اليوم بال الكتاب والمنظرين على السواء، فإن التفكير في جدوى القراءة لن يحتل موقعا مركزيا لقارئ (طوق اليمام)، حين تصبح التجربة الروائية هي التجربة الذاتية. فمن خلال ذاكرة يقظة، يستعيد هذا القارئ، خصوصا إذا كان مغربيا، لحظات وقائع عاشها أو شهد عليها، حيث تقوم الرواية بتنظيم شتات الأحداث وتنسج العلاقات بينها بما يمكن أن يخص ذواتها ومحيطها، لتتحول بالتالي إلى لحظات من ذاكرته.
بدأ مبارك ربيع (الدار البيضاء 1940) مساره الإبداعي منذ أوائل ستينيات القرن الماضي، وتميز بحصيلة من الأعمال سواء في حقل الرواية، أم في حقل القصة القصيرة، إلى جانب الدراسة والبحث كأستاذ جامعي متخصص في علم النفس، وتوج هذا المسار الحافل بعمله السردي الضخم (درب السلطان) الذي يعتبر أول ثلاثية روائية مغربية، تناولت عبر ثلاثة أجزاء هي (نور الطلبة)، (ظل الأحباس) و(نزهة البلدية) أحد أشهر أحياء مدينة الدار البيضاء، لينصف بذلك المدينة المغربية التي ظلت بعيدة عن الروائيين المغاربة وانشغالاتهم.
في هذا الحوار مع "المستقبل"، يتحدث مبارك عن عمله الأخير وعن تجربته الابداعية والرواية العربية والعالمية وحدود التفاعل الطبيعية بينهما، في هذه المرحلة الحضارية الفاصلة. وهذا نص الحوار:
***
ما هي القيمة المضافة لعملك الأخير )طوق اليمام)؟
ـ روايتي "طوق اليمام" تجربة جديدة في الكتابة الروائية قائمة على نوع من التداخل مع حياة البحر ومن التجربة الشخصية ومن العلاقات ذات الخصوصية المعينة. وتعتبر بالنسبة لي الكتابة عن البحر عالما جديدا وتجربة جديدة، وقد لقيت الرواية من طرف كل الذين اطلعوا عليها استجابة طيبة.
إن هذه التجربة الجديدة تلقي نظرة على مسار معين من مسارات الكتابة الروائية عندنا في المغرب، وأنا معتز بكل الأعمال الروائية التي أنجزتها لكنني اعتقد أن المتعة في قراءة "طوق اليمام"، تتجلى أساسا في قراءتها عبر مرحلتين. في المرحلة الأولى تكون العلاقة مع النص الروائي علاقة استمتاع وتوليد الانطباعات الأولية التي لا تتأسس على التمييز بين المفاصل. إنها مرحلة المتعة الكلية في القراءة. أما في المرحلة الثانية، فتكون العلاقة مع النص الروائي متجهة نحو اكتشاف التفاصيل وتحليل كل ما هو مرتبط بمكونات الحكي الروائي. إنها مرحلة القراءة النقدية.
اللغة والإبداع
كيف تنظر إلى موقع الرواية المغربية من الرواية العربية؟
ـ لا أريد أن أكون في موضع الذين كلما تحدثوا عن كل شيء في المغرب تحدثوا عنه بإظهار جانب القصور. فالرواية المغربية إذا قورنت بالرواية العربية في المشرق خاصة، من حيث الكم ومن حيث الممارسة لا تزال نماذجها قليلة، لكن من حيث الجودة فان هذه النماذج القليلة استطاعت أن تقدم ما لا يقل روعة عن أي نموذج روائي عربي، بل عن أي نموذج غربي. وأنا لا اقصد بالغربي ذلك الذي ينبهر بالنظرة الفلكلورية التي تعكسها بعض الكتابات المغربية، إنما أقصد من ينظر إلى الفن كفن لا أكثر.
وهل تدرج الرواية المغربية المكتوبة بالفرنسية ضمن هذه النماذج؟
ـ لا اعتقد، وهذا رأي قد يخالفني فيه الكثير، لكنني قلت ذلك بصراحة دائماً وهو أن الأدب ينسب إلى لغته، حتى الفرس الذين كتبوا بالعربية ندخل إنتاجهم في الأدب العربي، والذين يكتبون بالفرنسية يدخل إنتاجهم في اللغة الفرنسية كإبداع، ولكن أدخل في أذهاننا إن هذا أدب مغربي مكتوب بالفرنسية، والأولى في نظري أن يقال انه أدب فرنسي كتبه مغاربة.
وإذا كانت بعض الدول الأفريقية التي ليس لها لغات مكتوبة أو تراث أدبي مكتوب قد اتخذت رسميا لغات غربية لأنها لا تستطيع أن تتثقف أو تبدع إلا عن طريقها، فهذا وضع شاذ، لان اللغة قد فرضت عليها، أما استعماريا أو للضرورة، ولكن هل يصدق الأمر على اللغة العربية؟
الفرانكوفونية
ولكن هناك من الكتاب المغاربة من يكتب باللغتين العربية والفرنسية؟
ـ هذا وضع مختلف بالنسبة لمن اعتاد الكتابة بلغته الأصلية وبلغة أخرى، لكن الذي لا يكتب إلا بالفرنسية كيف يريد أن يصبح أدبه مغربياً؟ اعتقد أن في هذا نوعاً من التمحل.
من الواقع إلى الأسطورة
تنحو في الكثير من رواياتك نحو التاريخ أو الأسطورة. ألا تجد في الحاضر ما يستحق الرصد والتسجيل؟
ـ قد تكون هذه الملاحظة، من الناحية المظهرية صحيحة، لكنها ليست صحيحة بدرجة كبيرة، لأنني لو كتبت عن طريق الأسطورة أو بإلهام منها، لا أعني إلا الحاضر، وأعتقد أن في كتاباتي شيئاً من ربط العلاقة بين الماضي والحاضر كمصدر إلهام.
أنا لا ارجع إلى الماضي لأتمسك به، بمعنى أن يكون هو مصدر القيم، فقيم الماضي هي نحن. أنا نفسي قيمة من قيم الماضي، ولكن علي أن أعيش الحاضر والمستقبل، فذهني وسلوكي ليسا نتاج الحاضر وحده، هما نتاج الماضي والحاضر، نتاج التراث والمعاصرة، وعندما استلهم الماضي أو الأسطورة فإنما أعني الحاضر والمستقبل، ولا يعني هذا إنني أعود اليهما دائماً، حيث أتناول الحاضر المباشر، في الوقت الذي أتناول أيضا الماضي أو الواقع الأسطوري.
ألا ترى أن كثيرا من الروايات العربية تحاول اقتفاء روايات عالمية استفادت في الماضي أو الأسطورة؟
ـ ما تقوله بالفعل يحيل علي أسئلة من هذا النوع مطروحة حول أعمال روائية عربية كلما ظهر عنصر من المشابهة في تعاملها مع الأسطورة.
أنا اعتقد إن الفن كالتكنولوجيا، كالموضة، عندما يبلغ مستوى من النضج الحضاري، تتفق الإنتاجات على معالم مشتركة، وبالنسبة لمن هو في خضم هذه العملية، وقد بلغ درجة النضج فيها، ليس من الضروري أن يقرأ "فلاناً" بالذات لكي يتشابه مع كتابته، يكفي أن يبلغ درجة النضج التي بلغها "فلان" لكي يكتب أثراً مشابهاً، بمعنى أن الإنتاج العالمي لفن من الفنون، في مرحلة من المراحل، يجب أن يبلغ درجة المعالم المشتركة التي تعني مستوى من النضج الحضاري.
لي رأي حول هذا الموضوع، ليس وليد الساعة، بل هو مختمر في ذهني منذ زمن. وربما استطعت في وقت من الأوقات أن أكون نظرية لشرح تطور الفنون، وخاصة في المجال الإبداعي، وهو يتلخص بالقول: "أن هناك مستوى من النضج يفرض نفسه على الأذهان الناضجة فتلتقي في نقط معينة". وبطبيعة الحال، لا يكون هناك نسخ حرفي، ولا يمكن مهما بلغ التشابه أن تكون روايتي هي رواية "فلان". قد تكون هناك عناصر مشتركة مثل كسر بعض القوالب، أو الاستعانة ببعض الرموز، لكن الرؤية إليها فقط تظل رؤية تجزيئية جداً للإبداع وغريبة عن تذوقه لأنها تجعلك تأتي للنص من خارجه، أي من داخل نص آخر.
الحد الفاصل
إذن، ما هو الحد الفاصل بين التقليد والتأصيل، التأثر والتأثير؟
ـ أعتقد أن كل مبدع، وفي ميدان الرواية بالخصوص، لابد أن يتأثر بكتاب أو شعراء أو روائيين أو مسرحيين، ومعنى يتأثر، أي قرأ وشاهد فاختزن شيئاً في نفسه غير محدد، لكن يبقى داخلها كما تبقى في نفسه آثار ثقافية أخرى. وعلى هذا النحو يتأثر بوقائع المجتمع التي يعيشها، وتظل تختمر في نفسه حتى تأتي اللحظة التي تأتلف فيها كل هذه المؤثرات لتصدر في شكل إبداع آخر.
إلى هنا وحدود التفاعل طبيعية وعادية. ولا يمكن أن تبلغ درجة النسخ أو التقليد. ولكن السؤال بعد ذلك هو كيف نستطيع أن نقول إن هذا جديد أو هذا قديم؟ واعتقد أن الجودة هي المعيار، فنحن لا نزال نقرأ القديم الذي نعجب به، والفن ينمو بهذا الشكل، لا يمحو بعضه بعضاً.
النموذج الكلاسيكي
أي من الكتاب أو الروائيين هم موضع اهتمامك؟
ـ لا أزال معجباً بالكتابات الكلاسيكية الروسية لأنها تمثل لي النموذج الروائي الأكبر بالنسبة للإنتاج العالمي. من الممكن أن نتجاوزها من حيث الشكل، لكنها بواقعيتها وبخيالها ما زالت قادرة على الإلهام والصمود، مثلما هي "كليلة ودمنة" أو "ألف ليلة وليلة" ليس في مكانتها في الأدب العربي فحسب، وإنما في مكانتها في الأدب الإنساني.
إذا كان هناك من يقول إن القصة القصيرة خرجت من معطف "غوغول" هل نستطيع أن نقول إن مبارك ربيع خرج من معطف الرواية الروسية؟
ـ أبداً. أبداً. أقرأ كثيراً، ومعجب جداً بهمنغواي وشتاينبك وأميل زولا، وإذا أردت اعترافاً مني فان قراءتي للرواية، حتى قبل أن أكتبها، لم تكن تسمح لي بالاختيار، إلا عندما تتاح لي فرص الاختيار، فأنا أقرأ ما أجده وما يقع أمامي.
ألاحظ انك تستعين بالأسماء الكلاسيكية، على أهميتها. ألا تغريك على القراءة أسماء أخرى؟
ـ أريد من هذا السؤال أن أقول شيئاً، وأرجو أن أكون قد عبرت عنه في كتاباتي، وهو أن التجديد للتجديد ليس هو كل شيء، فعندما أقرأ لهاني الراهب أو حنا مينا أو الطاهر وطار أو رشيد بوجدرة أو غائب طعمة فرمان أو عبد الرحمن منيف، أجد هماً مشتركا وهو أن المتناول لهذا الفن لا يمكن أن يبدأ من آخر نقطة بلغها، قد يكون في هذا بعض المجانبة للصواب، ولكنني أؤمن بأن المهتم سواء على مستوى الممارسة أو مستوى النقد لا يمكنه أن يقتصر على الجديد مطلقاً، وإلا فلن يفهم هذا الفن أبدا، وعندما أتحدث عن الفن الكلاسيكي أعني به منذ اليونان حتى الآن، وليس القرن السابع عشر أو التاسع عشر.
لماذا؟
بعد هذه الرحلة الطويلة مع الكتابة، هل تساءلت: لماذا أكتب؟
ـ أعتقد أنني لم أتساءل: لم أكتب؟ أو على الأصح، أن التساؤل على هذا النحو إن حصل، فهو لم يكن جديا ولا عميقا في نفسي، لعله من قبيل أسئلة تراود على السطح بفعل العادة أو التقليد، دون إثارة جدية اهتمام في الذات، رغم أن هذا الـ "لماذا" كثيرا ما أسمعه أو أقرأ عنه لدى زملاء آخرين.
كنت وما أزال في لسان حال يجيب عن تساؤل بنظيره: لم لا أكتب أمام وفي عالم ما يفتأ يسود ويسوء بسيادة العدم والغياب والضياع للقيم الإنسانية الجميلة، والمعاني السامية النبيلة، لما تعلمناه في مدرسة البراءة والحب والطفولة؟
أرى، أن الإبداع هو فضاء حريتنا المتبقي، أو هامشها المرن لكل تقلص وامتداد، والحرية أبجدية الوجودية الأولية الأولى، تلك التي فطرنا عليها، ونشأنا ـ بكل أسف ـ على الجهل بها، وحقنا في الإبداع، هو حقنا في الحرية والحلم، حق شخوصنا وفضاءاتنا، ولذلك لخصنا كل القيم النبيلة في الإنسان وما هو إنساني، ننقب عن صفاء الطبيعة في البشرية وفي الكون، ولعل منتهى مثل هذه المرونة والحرية في الفكر والفن، وفي الأداء والأداة، قد يفسر ما جعلني انصرف عن حق أو بدون حق، إلى ممارسة الكتابة في جنس الأدب السردي، لذلك، فان تجربة الكتابة السردية لم تنفصل عندي منذ البدء، عن تصور للحرية والحركية والتجدد.

ايوب صابر 03-28-2012 01:05 PM

مبارك ربيع
- اذا اقرينا بأن الكتابة الروائية نوع من انواع السيرة الذاتية نجد ان مبارك ربيع عاش في طفولته فترة حرجة وحاسمة من تاريخ المغرب الحديث، وهي فترة الاستعمار، كما رسمها وسجلها لنا فير رائعته الريح الشتوية.
- عايش في طفولته انفجار الأزمة السياسية بين فرنسا والمغرب ام 1952 ونفي الملك محمد الخامس وأسرته والزجّ بالوطنيين في السجن وإغلاق المدارس الحرة، ومن بينها مدرسة لحلو حيث كان مبارك ربيع يتابع دراسته.
- اصوله من العالم القروي ولا بد انه تأثر كثير بظيم الاستعمار.
- رده على سؤال لماذا تكتب رد قائلا: "كنت وما أزال في لسان حال يجيب عن تساؤل بنظيره: لم لا أكتب أمام وفي عالم ما يفتأ يسود ويسوء بسيادة العدم والغياب والضياع للقيم الإنسانية الجميلة، والمعاني السامية النبيلة، لما تعلمناه في مدرسة البراءة والحب والطفولة؟
- وهو يرى، أن الإبداع " فضاء حريتنا المتبقي، أو هامشها المرن لكل تقلص وامتداد، والحرية أبجدية الوجودية الأولية الأولى، تلك التي فطرنا عليها، ونشأنا ـ بكل أسف ـ على الجهل بها، وحقنا في الإبداع، هو حقنا في الحرية والحلم، حق شخوصنا وفضاءاتنا، ولذلك لخصنا كل القيم النبيلة في الإنسان وما هو إنساني، ننقب عن صفاء الطبيعة في البشرية وفي الكون، ولعل منتهى مثل هذه المرونة والحرية في الفكر والفن، وفي الأداء والأداة، قد يفسر ما جعلني انصرف عن حق أو بدون حق، إلى ممارسة الكتابة في جنس الأدب السردي، لذلك، فان تجربة الكتابة السردية لم تنفصل عندي منذ البدء، عن تصور للحرية والحركية والتجدد.

للأسف لا يوجد ما يشير إلى طفولة مبارك ربيع. هو حتما عايش ظروف الاستعمار القاسية وربما تعرض للكثير هو وعائلته كما ورد في رواياته وهو ما يمثل حياة ازمة وقلق وجودي وغياب للحرية، لكننا سنعتبره مجهول الطفولة إلا إذا ظهر لنا عكس ذلك أثناء استكمال هذه الدراسة.

مجهول الطفولة.

ايوب صابر 04-01-2012 09:14 AM

48- دار الباشا حسن نصرتونس

تلك هي دار الباشا وذلك هو عالمها المبهم الذي تأخذنا إليه. دليلنا إلى هذا العالم شخص اسمه "مرتضى الشامخ". وإذا كان من شأن الدليل أن يكون عارفا بالمكان، مرشدا إلى أسراره وأكنافه، فإن دليلنا إلى دار الباشا لا يملك المعرفة ولا برد اليقين، بل هو دليل يبحث عن حقيقة لا يستطيع تحديدها، جسد مثقل بذكريات من الماضي تزيد الفراغ من حوله اشتدادا وتجعل من الرجوع إل البداية أمرا مؤلما ، وتتصاعد الأسئلة لتملأ رأسه ...لكن الأجوبة تتلفّع بالغموض وتلوذ بالخواء
اتب قصة من الجيل الأول غداة الاستقلال . ولد بتونس العاصمة عام 1937. تلقى دراسته بجامع الزيتونة ثم التحق بكلية الآداب ببغداد . عمل بالتدريس . تنقل من المهدية إلى حمام الأنف إلى موريتانيا
نــشــر ليالي المطر - قصص 1968 دهاليز الليل - رواية 1977 52 ليلة - قصص 1979 خبز الأرض - رواية 1985 السهر والجرح - قصص 1989


==
انحسار الرؤية

بيد أن هذه المكوّنات الإنشائيّة لم يتقلَّصْ حضورها في الرّواية التونسيّة تقلُّصاً واضحاً ذلك أنّ نزعة التوثيق والإخبار تظل قائمة في كثير من النصوص الروائية التي ظهرت في العقود الأخيرة من القرن العشرين وصورة العالم لم تتغير كثيراً فيها وكذلك صورة السّارد رغم محاولة بناء شخصيَّةٍ روائيّةٍ مغايرة هي أقرب إلى البطل الإشكاليّ ولكنّها محاولة هي طموح لم يتحول إلى حقيقة ولعل أبرز هذه النّصوص رواية حسن نصر "دار الباشا" التي رغم محاولة التّجديد فيها ظلّتْ مُرْتَبِطَةً بميثاقها الواقعيّ الّذي حددناه سلفاً.

لقد كتب حسن نصر(40) "دار الباشا"(41) روايتين أخريين [دهاليز الليل(1977)- خبز الأرض(1985)] وقد نهج فيهما نهج الواقعية التقليديّة من خلال ذلك التشخيص الوصفي للواقع المعيش أو لهذا النصّ الدنيوي الذي تسعى الرّواية الكلاسيكية إلى تجسيده، فمن الطَّبِيِعيّ إذن أن يتساءل الباحث عن قيمة هذه الرّواية الجديدة وما يمكن أن تضيفَه إلى تجربة الكاتب السّابقة وإلى الرّواية العربيّة عموماً. تطمح هذه الرّواية إلى عرض شخصيّة "مرتضى الشامخ" الذي ترك دار الباشا" ثم عاد إليها بعد أربعين عاماً لا يستطيع قارئ الرواية أن يتمثلها، فتغيب الوقائع والأحداث المتعلّقة بهذه المرحلة الطويلة من حياة الشّخصيّة المحوريّة ولا نكاد ندرك ملامحها إلا عبر إشارات تبريريّة يصرح بها السّارد في بعض مواطن الرّواية أهمّهُا ما ورد بالفصل السّابق عندما يقول "خرجت مُمزَّقاً طريد أفكارك، تلاحق أوهاماً وأشباحاً، تقاذفتك الأهواء والعواصم واختلطت عليك اللغات المختلفة شرقيها وغربيها:
من باريس إلى لندن ومن جنيف إلى بون ومنها إلى طهران فدمشق فبيروت، تقلبت ظهراً على بطن، وانتفضت من الأعماق حتى غشي عليك، اختلطت عليك السبل، ففقدت السيطرة على نفسك، أضعت توازنك، تزلزل كيانك من الجذور حتى كفرت بكل شيء، أصبت بصدمة حضارية حادة، تملكك الذهول، فخرجت على الناس مذهولاً، لتلقي ما تبقى منك في جحيم الصحراء"(42) وعبثاً يبحث القارئ عن ملامح هذه السبل التي اختلطت على مرتضى الشامخ أو عن هذه الصدمة الحضاريّة الحادة الّتي واجهها فلا يعدو الأمر أن يكون من باب التبرير اللّفظي لهذه الوضعية الّتي وضع فيها المؤلف شخصيته وهي تباشر حياتها في دار الباشا" بعد انقطاع طويل وعودة مفاجئة مفعمة بحنين جارف إلى المكان.

ومنذ الفصل الأول من الرّواية يصرِّحُ السَّارِدُ بهذا الوجه الإشكاليّ الّذي يريد أن يسم به شخصيته "هذا هو الجسر الذي عليك أن تعتبرُه من الماضي إلى الحاضر ومن المنفى إلى المنفى، إليه جئت دون رضاك ومنه خرجت هارباً، وإليه تعود تارة أخرى تبحث عن معنى"(43) فتصبح العودة إلى المكان قادحاً للعودة إلى الماضي بما تحمل من معاني الاسترجاع وسبر لأغوار الشخصية الباحثة عن معنى وجودها.
وتمر رحلة البحث بمسلكين:
* مسلك باطني هو بمثابة رحلة طويلة من حياة السّارد تتّخذ من السيرة الذاتيّة بعض ملامحها، فيعود السّاردُ إلى طفولة "مرتضى الشامخ" ونشأته في عائلة متوسطة وأمر طلاق أمه وبعض وجوه تعلّمه وتقلّبه في بعض المهن وبعض مغامراته الشّخصية.
* مسلك خارجي هو بمثابة إعادة بناء للمكان، فعبر الذاكرة تسعى الشخصية إلى تركيب "نهج الباشا" لوحةً لوحةً ومشهداً مشهداً، بمبانيه وأزقّته ودوره ودكاكينه.
ويتجادل المسلكان، يتقاطعان حيناً ويلتقيان حيناً آخر ليملأ هذا الزّمن الذي مضى ويرضيا هذا الحنين لحياة خلت وتتعب الذاكرة في استرجاعها "فأي فراغ مهول حصل في ذاكرته"(44).
بيد أَنَّ للحاضر منطقاً مغايراً ووجهاً صدامياً عنيفاً، فهذه الدَّارُ العتيقة الّتي هجرها أهلها أو كادوا وتحولت إلى كابوس مفزع في خيال الشخصيّة الرئيسيّة (مرتضى الشامخ) وحلمها، في حاجة إلى ترميم هو من مسؤولية الجيل الجديد. هكذا يُصَرِحُ الأدب: "بالنسبة إليَّ، لقد قمت بواجبي نحوها، وحافظت عليها إلى حد الآن، الأمر بعد اليوم لم يعد يعنيني، أصبح موكولا إليكم، أنت وإخوتك وأبناء عمومتك"(45)، لَكِنْ هل يقدر هذا الجيل على ترميم ما بناه الأسلاف وهل يقدر على الحفاظ على مكتسبات هي مُعَرَّضَةٌ بحكم الزّمن وتطوّر الحياة إلى التلاشي والاندثار؟ ويأتي الجواب على لسان أحد أبناء العم: "هذا البيت يريد أن ينهار، لماذا لا نتركه ينهار وانتهى الأمر، تلك أماكن ماتت وانتهت، لم تعد لتقوم لها قائمة، ماتت مثلما مات أبي، فهل يعود أبي من القبر؟"(46) وهو يبرر الأمر بمنطق العصر والزمن: "فالدنيا تغيرت، والناس لم تعد تنظر إلى الوراء، الدنيا تسير نحو الأمام والّذي يبقى ينظر إلى الوراء أو إلى الماضي يتخلف عن الركب ويفوته القطار"(47) وتنتهي الرّواية بما يشبه صيحة الفزع" من يعيد إلى أحلامي الجميلة.. من يعيد إلي شامه".. ويعيد طفولتي الضائعة"(48). وهي صيحة تؤكد أن بطل الرّواية اقتنع في النّهاية بمنطق الزّمن وأنّ مسؤولية الأجيال الجديدة في إنجازات عصرها وأَنَّهُ لا سبيل إلى التّوفيق، لكل عصر رجاله ولكل زمان أفعاله وخياله.
تلك هي إشكاليّة هذا البطل الروائيّ في رواية "دار الباشا" وهي إشكاليّة قديمة حديثة، فالحنين إلى الماضي ومحاولة بعث بعض مظاهر حياتنا القديمة من خلال قضية التّراث والإشكاليات التي يطرحها، عالجتها الثقافة العربية منذ نهاية القرن الماضي والثلث الأول من القرن العشرين وعالجها الأدب معالجة خاصة وعالجتها الرّواية بوجه أخص. فقد تعرض إليها منذ الأربعينات نجيب محفوظ في رواية "خان الخليلي".. وهي إشكالية حديثة لأنها تطرح من جديد في أشكال التعبير الفني المختلفة ويكفي أن نذكر في تونس هذا الشريط السينمائي "عصفور السطح" الذي يعود بالذاكرة إلى تونس القديمة في أربعينات القرن العشرين من خلال رسم لوحة فَنِيَةٍ عن مظاهر العمران والحياة فيها ولا شك أن حسن نصر شاهد هذا العمل الفني وتأثَّرَ به تأثّراً فنّياً واضحاً نعثر على ملامحه في رواية "دار الباشا" فالكاتب خضع لهيمنة صورة العصفور، فهو يستعيرها في الرّواية مرتين "رفت أصابعه كأجنحة عصفور يريد أن يفرّ ص49" وهو بذلك يعيد الاستعارة ذاتها وكان قد استعملها في بداية الرواية ص50 ويتحول هذا الحضور إلى ضرب من الاقتباس في مستوى التشخيص، ففي صفحة أربع وأربعين يتحدث السّارد عن علاقة "منجية" بصالح الفيّاش. "واصلت طريقها عبر سوق سيدي محرز ودخلت به في الزحام، بينما هي منشغلة أمام إحدى المعروضات ناداها من خلفها رجل… انتبذ بها ناحية وراحا يتجاذبان الحديث"(51), فهذا المقطع السّرديّ يذكر بذاك المشهد السينمائي في شريط "عصفور السطح" والذي يُجَسّده الممثل محمد إدريس مع إحدى الممثلات وهو مشهد مراودة وفي الصفحة الرابعة والثلاثين بعد المائة يصف السّارد مرتضى الشامخ وهو طفل، كيف صعد السطح مع صديقه ليطلا على مشهد جنسيٍّ ثم ينطلقان على السطح عدوا: "امرأة تقف أمام النافذة، كنا ننظر إليها من موقع لا ترانا فيه، ورأينا رجلاً يتقدم فيأخذها إليه ويفر بها منه… انطلقنا نجري هاربين كأنما أحد كان يجري وراءنا، أخذنا نقفز المدرج نكاد نطير" ولا أحد يَشُكُّ في إحالة هذا المقطع السرديّ على صورة السطح برُمَّتِها، تلك التي تخيلها فريد بوغدير قبل حسن نصر وهكذا يربط الخطاب الروائي من خلال هذه الرّواية علاقةً وطيدة بالخطاب السينمائي. فالكاتب عادة يكتب وهو يتذكر.
إنّ هذه الرواية من حيث بناؤها العام تتبنى مقولات الخطاب الواقعي الوصفي. والخطاب الواقعي الوصفي هو بالدرجة الأولى خطابٌ تبريريٌ، فالسارد الذي كثيراً ما يتدخل ويسوق الأحداث سوْقاً إنّما هو يتدخل ليبرر أساساً. فكل حدثًٍ ينبني على منطقٍ ولكلِّ حالةٍ مبرراتْها النفسية أو الأيديولوجية أو الحدثية.
لقد صاغت الرواية العربية الحديثة أجمل شخصياتها الإشكالية(25) ولكن القارئ المختص في الرواية لا يمكن له أن يهمل شخصيتين روائيتين يمكن أن تعتبرا أنموذجين أساسين في صياغة الشخصية الإشكالية وهما مُصطفى سعيد في"موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح ومنصور عبد السلام في رواية "الأشجار واغتيال مرزوق" لعبد الرحمان منيف. والشخصيتان أنموذجيتان لأنهما متكاملتان من حيث البناء، مُبرَرَتان تاريخياً وأيديولوجياً ونفسياً، بيد أننَّا عندما نتأمل شخصية "مرتضى الشامخ" نُدْرِكُ أنها شخصيةٌ غير متكاملة البناء إذ ينقصها التَّبريرُ الكافي الذي يُشرْعُ وجُودَهَا. فهذا الرجل الذي عاد من حيث لا ندري يعيش أزمة عنيفةً وقد استطاع الكاتبُ فعلاً أن يطوِرَ هذه الأزمةَ، لكنّنا لا نُدرِكُ أبداً أسباب هذه الأزمة وأبعادها. لاشكَّ أنّ الساردَ ألمح إلى أن بطله عاش بعيداً عن وطنه ثم عاد إليه بعد أربعين عاماً.(53) لكنَ مسألة تقنية تطرح وهي متعلقة أساساً بهذه المدة التاريخية، فالبطل لا يبدو لنا شيخاً في الرّواية بل هو كما نتصوَّرُ رجلٌ كَهْلٌ في نهاية الأربعين أو عند الخمسين، فإذا عاش أربعين عاماً خارج وطنه فهو لا يمكن أن يكون قد عاش أكثر من عشرة أعوام في وطنه، فسنون الاغتراب أربعة أضعاف سنين الوطن ولكنّها لا تحتلُّ في حيّز السّرْد سوى بعض المقاطع القصيرة جدّاً وهي مقاطع وصفيةٌ وليست تشخيصيةً، فهي من باب كلام السارد وليس من باب الوقائع التي يُشَخّصُها السَّاردُ والأمر في اعتقادنا ليس مجرّد ملاحظة عابرة بل إنّه يتّصلْ وثيق الاتصال بالمنهج الفني الذي اقتفاه السَّارِدُ، فإذا كان السارد في الرواية مورَّطاً إلى حدّ الأذنين في الأحداث لكثرة تدخّلاته السّاخرة فإنّه يتحتّم عليه أن يصف لنا الوقائع التي عاشها البطل الإشكاليّ في بلاد الغربة وأن يُشَخّصَهَا ليبررَ تلك الأزمة التي ذكرها ولم يصفها وليجد مَعْبراً لذاك الحنين الجارف إلى "دار الباشا" لكن السّارد لم يفعل. وإذا كان التّبريرْ الدّاخلي غير موجود فلابدَّ من البحث عندئذ عن تبرير خارجيّ وبذلك ندخل إطار التأويل، فالنص لم يعُدْ يَقْولُ شيئاً وإنما على الناقد أن يقول وأن يجد مدخلاً يبرّرُ هذه الشخصيّة الإشكالية "دار الباشا". ولن يكون التّبرير إلاّ تبريراً حضاريّاً أو بعبارة أخرى سياسيّاً عاماً. ذلك أنّ الرّواية تطرح قضيّة العودة إلى الأصول، فالبطل لا يحقّقُ ذاته إلا عبر الذاكرة، تلك المسيرة الاسترجاعية عبر الزمان الآفل وعبر المكان المهدّد بالزّوال وعندئذ يُصْبِحُ الاسترجاع فَراراً من واقع مُخِيفٍ هو واقع العقل المجحف الذي يهدّد الخيال والحلم وهو كذلك واقع المصالح المادية والتحرّر الاقتصاديّ والمضاربات المالية، فالمكان لا يكتسب قيمته برائحة الإنسان فيه وفعله الحضاري وقيمته التاريخية ولكنّه أضحى سِلْعَةً تخضع لاقتصاد السوق ف "هذه الأراضي التي تحيط بالمدينة كانت من قبل لا تساوي شيئاً والآن، انظر كيف ارتفعت قيمتها، من شَدْرِي، ربما "دار الباشا" ترتفع قيمتها يوماً وهذه الأماكن لا تكتسي قيمتها من ذاتها، نحن الذين نكسبها القيمة التي تستحقّ، بما نحقّقه من عمل وننجزه من مشاريع، بالعمل يمكن أن ترتفع قيمة "دار الباشا" وليس بالحلم"(54). إنّ العمل والمشاريع والمضاربات الماليّة هي لغة العصر الحديث الذي قطع مع الأيديولوجيا والقيم المثاليّة. ذاك وجه من وجوه فهم أبعاد هذه الشخصية الإشكالية، ولكنَّ الوجه الآخر يتمثّل في أنّ البطل في هذه الرّواية بمسيرته النكوصيّة إنما هو رمز لهذا الجيل الذي عاش أحلاماً كثيرة وواكب هزّاتٍ سياسيةً واجتماعيةً عنيفةً على الصعيد القطري وعلى الصعيد القومي، يستيقظ لكي يُدْرِكَ أنَّ كُلْ تلك الأحلام قد تهاوت وعندئذ يعود بحثاً عن الأصول والجذور فلا يجد منها إلا أطلالاً تتهاوى لتُعبِّرَ عن أزمة جيل شاخ قبل الأوان.
في "دار الباشا" يتضخّم السارد-هذا الكائن الوهمي- تضخماً غير عادي، فنحن-داخل الرّواية- إزاء رؤيتين مستقلّتين هما رؤية البطل (مرتضى الشامخ) ورؤية السّارد ولا شكَ أن الرّؤيتين تتقاطعان بل تتطابقان تطابقاً كاملاً ولكنّ رؤية السّارد تطفح على رؤية الشخصية ولعل عبارة الإنشائيين" الرؤية من الخلف". لا تكفي لتجسيد هذه العلاقة بين السّارد والعالم الذي يرويه ويصفه.
لا يمكن أن نعتبر السّارد شخصيَّةً روائيّةً إذ أنه ليس طرفاً مباشراً في الأفعال التي يتخيّلها المؤلّف ولكنّ سلْطته التعليقية والتفسيرية والتبريرية (خارج حقبة الأربعين عاماً التي إليها أشرنا) تقوى إلى درجة يتحوَّل بها السّارد إلى بطل من الدّرجة الأولى. فأغلب عناصر العالم المرويّ تصل إلى القارئ عبر عين السارد وليس عبر عين السارد وليس عبر عين الشّخصيّة الإشكاليّة والأمثلة في الرّواية كثيرة وهذه بعضها: "عرجت به بعد ذلك إلى زاوية سيدي محرز ودخلت السقيفة الرحبة الشاسعة، ملاذ الحيارى والمساكين والبائسين، صدمه المنظر العجيب، أطفال تتعالى أصواتهم بالبكاء، نساء يتنقلن كالأشباح أو يجلسن تحت حائط السقيفة، ثيابهن بالية، نظراتهم مخطوفة، ركام من الأدباش وأكداس من الفوضى، حصر مهترئة، فرش متسخة، أوان مبعثرة، أرضية مغطاة بالنفايات(55). إنّ مثل هذا الوصف يكون في كثير من الأحيان وصفاً تزيينياً لا علاقة له بالشخصيّة الرئيسية بقدر علاقته بالسّارد إذ يعكس -من موقع التّبئير- نظرة السّارد إلى هذا العالم السّحريّ الذي يريد أن يرصده من خلال ملامح تونس القديمة، ولذلك يصبح وصف المؤثّثات والمكان برمّته مجرد إطار تسبح فيه الشّخصيّة ولكنّه لا يعكس نفسيتها وأزمتها وحالتها الفكريّة، ويعكس الوصف أحياناً أخرى موقفاً توثيقياً واحداً، فالسّارد يتّخذ من حركته الشخصيّة في المكان وسيلةً ليَرْسمَ من خلالها بعض اللّوحات عن شوارع تونس القديمة لتسجيلها وتوثيقها عبر إعادتها إلى الذاكرة: "رجل يدفع عربة وآخر يحمل فوق رأسه قُفّةً، متسوّل يطلب صدقة وأعمى يقرع الأرض بعصاه، بائع العطور، ماء الزهر وماء الورد والعطر شيّة، دلال وسقّاء وحامل المبخرة وسلاّك الواحلين يلقي الكلام الموزون ويعبر سريعاً، فرقة نحاسية تتقدم باتجاه سيدي محرز من وراءها "المظهر" في ثيابه الزاهية يحف به الأطفال وهم ينشدون وراء الفرقة"(56). وفي هذا السّياق لا يمكن أن يفوت الباحث المختصّ أن يلاحظ أنّ الكاتب وضع مقطعاً وصفيّاً كاملاً وهو الفصل الخامس عشر برُمَّتِهِ، لا تذكر فيه أيّة شخصيّة من شخصيّات الرّواية ولو مجرد ذكر ولا حضور فيه إلاّ للسّارد الذي نتخيّل أنه الكائن الذي يقف وراء هذا المقطع ولكنّ هذا الفصل يمكن أن يحذف ولن يؤثر حذفه في سياق الأحداث ولا في بناء الشخصيات فلا مبرر لوجوده إلا رغبة المؤلّف في الوصف المجاني وفي التّوثيق واتّخاذ موقف من الحضارة الحديثة ولذلك يصبح المقطع أشبه ببحث في العمارة الحديثة(57) ونضيف إلى هذا الفصل ما رواه السّارد عن الحرب ليتحوّل إلى مُؤَرّخ شاهِد ومحلّلٍ لأبعاد الحدث(58) ولا يضاهي هذا المقطع التّاريخي الطّويل إلا مقطعَ شبيه يصف فيه السّارد واقعة تازركة(59).
وهكذا تتحولُ الرواية إلى ما يشبه الوثيقة التاريخيّة لهيمنة حضور السّارد ورغبته الملحّة في تسجيل الوقائع التاريخيّة والمشاهدات العمرانيّة مؤكّداً بذلك حقائقية العالم الذي يحيل عليه ومصداقيته الوهم المرجعي الذي إليه يشد الوقائع والأحداث وبذلك يظلّ برنامج الميثاق الواقعي قائماً.

ايوب صابر 04-01-2012 09:16 AM

Return to Dar Al-Basha




A haunting, poetic, semi-autobiographical evocation of a Tunisian childhood during the days of nationalist resistance against French colonial rule.

Return to Dar al-Basha by the contemporary Tunisian author Hassan Nasr depicts the childhood of Murtada al-Shamikh and his return forty years later to his home in the medina or old city of Tunis. After being taken from his mo

...moreA haunting, poetic, semi-autobiographical evocation of a Tunisian childhood during the days of nationalist resistance against French colonial rule.

Return to Dar al-Basha by the contemporary Tunisian author Hassan Nasr depicts the childhood of Murtada al-Shamikh and his return forty years later to his home in the medina or old city of Tunis. After being taken from his mother and raised in his father's home where he was physically abused and emotionally marginalized, Murtada spends a life of anxiety wandering the world. His return is prompted by a mysterious visit from one of his father's Sufi friends as he roams the desert in Mauritania. Murtada retraces his steps through the medina to his family's house in anticipation of a possible reunion with his troubled father, vividly reliving sights, smells, and sounds from his childhood and evoking his childhood initiation into Islamic mysticism as he experiences a personal journey of the spirit across space and time.
Nasr succeeds in conjuring up a Tunisian boyhood not unlike his own and brings to life in a poetic, sensual narrative the spaces, light, colors, and life of Tunis some six decades ago. Murtada searches the streets of Tunis and his memories for the decisive mistake he feels he must have made-that has left him a perpetual wanderer until he undergoes a cathartic nightmare sequence that leaves him shaken. Only then is he finally able to come to peace with his past and with himself. In William M. Hutchins' lucid translation, the novel serves as an evocation and tribute to the historic city of Tunis the novel and meditates about the position of the past in a rapidly modernizing society.


==

Return to Dar al-Basha

A Novel




Hassan Nasr


Translated from the Arabic by William Maynard Hutchins








A haunting, poetic, semi-autobiographical evocation of a Tunisian childhood during the days of nationalist resistance against French colonial rule.



Reviews

"Nasr’s hero in this multi-layered novel develops a deep humanity as he describes with almost mystical grace his tortured passage through life. Born in Dar al-Basha, a busy quarter of the old city of Tunis, the protagonist experiences a dreadful childhood of physical and psychological abuse and rejection. Finally he flees his tyrannical father and roams the world for 40 years, seeking escape from a life he could not understand and trying to come to terms with himself and the world. In the moving ending, he returns to his childhood home, generous spirited and purged of bitterness. Often impressionistic, Nasr’s writing is dominated by sensual imagery of colors, sounds and smells. Descriptions of the surrounding world frequently contrast with the hero’s inner turmoil and give a sense of continuity to balance his fragmented perception of it. Beneath the surface lies a stratum of Sufi thought, and below that a layer of anti-colonialism. The translation is excellent, and Hutchins maintains a consistent style that does justice to the Arabic original. This fine novel, Nasr’s first appearance in English, is a fine example of modern Arabic fiction from North Africa. Highly recommended."
Choice
"Return to Dar al-Basha is a semi-autobiographical novel describing a boy’s Tunisian childhood during the era of nationalistic resistance against French colonial rule. Taken from his mother and raised in his father’s home, physically abused and emotionally neglected, he grows up into a perpetual wanderer. Questioning his inability to set roots, he explores the streets of Tunis, recalls his childhood introduction to Islamic mysticism and Sufism, and braces himself to see his father again. An evocative, heartfelt tale, providing an unforgettably vivid impression of Tunisian life through a child’s eyes."
The Midwest Book Review
Description
Return to Dar al-Basha by the contemporary Tunisian author Hassan Nasr depicts the childhood of Murtada al-Shamikh and his return forty years later to his home in the medina or old city of Tunis. After being taken from his mother and raised in his father’s home where he was physically abused and emotionally marginalized, Murtada spends a life of anxiety wandering the world. His return is prompted by a mysterious visit from one of his father’s Sufi friends as he roams the desert in Mauritania. Murtada retraces his steps through the medina to his family’s house in anticipation of a possible reunion with his troubled father, vividly reliving sights, smells, and sounds from his childhood and evoking his childhood initiation into Islamic mysticism as he experiences a personal journey of the spirit across space and time.
Nasr succeeds in conjuring up a Tunisian boyhood not unlike his own and brings to life in a poetic, sensual narrative the spaces, light, colors, and life of Tunis some six decades ago. Murtada searches the streets of Tunis and his memories for the decisive mistake he feels he must have made-that has left him a perpetual wanderer until he undergoes a cathartic nightmare sequence that leaves him shaken. Only then is he finally able to come to peace with his past and with himself. In William M. Hutchins’ lucid translation, the novel serves as an evocation and tribute to the historic city of Tunis the novel and meditates about the position of the past in a rapidly modernizing society.
View other books in this series
Author | Translator
Hassan Nasr was born in Tunis in 1937. He has published a number of novels and short stories. This novel was first published in 1994.
William Maynard Hutchins is the recipient of a 2005-2006 National Endowment of the Arts grant for literary translation and the principle translator of The Cairo Trilogy by the Egyptian Nobel Laureate Naguib Mafouz.

ايوب صابر 04-01-2012 09:23 AM

حسن نصر
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
أديب تونسي ولد بحي الحلفاوين أحد الأحياء الشعبية بتونس العاصمة 4 فيفري 1937 سنة. تلقى دراسته بالمدرسة القرآنية ثم بجامع الزيتونة. تعاطى بعض المهن الحرفية الحرة ثم اشتغل معلما مدة قصيرة, التحق بعد ذلك بكلية الآداب ببغداد ثم انقطع عن مواصلة الدراسة وعاد للتدريس من جديد بالمعاهد الثانوية. سلخ أكثر من ثلاثة عقود من العمر في هذه المهنة وخرج للتقاعد.


بدا الكتابة مع بداية الاستقلال نشر مجموعة من النصوص الشعرية بجريدة العلم التونسية. أول قصة قصيرة دمعة كهل ظهرت1959 بمجلة الفكر وستطبع هذه القصة موضوعا وأسلوبا فترة تعرف في تاريخ الادب التونسي بادب المقاومة ضد المستعمر الفرنسي و مجموعة ليالي المطر خير دليل على هذه الفترة كما تطرق في هذه المجموعة إلى المواضيع الاجتماعية والأزمات الفردية والصراع بين الاجيال وعوالم أخرى هذا دون أن يخلو البعض منها من نزعة وجودية.

كما كتب القصة القصيرة جدا سماها قصة تقرا في دقيقة واحدة نشر أغلبها في ملحق جريدة العمل الثقافي بشكل أسبوعي.و تعكس هذه القصص حالتي النكسة التي خلفتها حرب 67 من جهة والخيبة التي خلفاتها التجربة الاشترلكية في تونس من جهو أخرى.

كما أن بعض هذه القصص يفضح بأسلوب بأسلوب سربالي كيف تعمل أجهزة الضغط على تشيئة الإنسان.

و خلال تلك الفترة كتب رواية دهاليز الليل التي تدور احداثها في مدينة المهدية وتحكي عن التجربة الاشتراكية في قطاع الصيد البحري.

بعد سنوات من الانقطاع عن الكتابة رجع حسن نصر فاصدر رواية خبز الأرض تحدث فيها عن تعلق الإنسان بالأرض وماساة الفلاحين سكت مرة أخرى عن الكتابة ثم عاد فاصدر روايته الجميا و دار الباشا.

تحصلت بعض كتبه على جوائز من وزارة الثقافة ليالي المطر:الجائوة الشجيعية سنة 1968 دهاليز الليل:الجائزة التشجيعية سنة 1978 السهر والجرح:جائزة الابداع سنة 1989.





==


اخي الزائر الكريم،،،

ساعدنا في الحصول على تفاصيل حياة مبديعنا العرب (خاصة ما يتعلق بطفولتهم ومأسيهم) لنشرها في موسوعة منابر ثقافية والتي تشكل نواة لمركز ابحاث ودراسات متقدم على الرباط التالي:


ايوب صابر 04-03-2012 02:01 PM

الروائي التونسي حسن نصر

للأسف لا تتوفر معلومات حول سيرته الذاتية، ولكن يكاد يكون هناك شبه إجماع أن روايته في الكثير من السيرة الذاتية وان أخذنا بذلك وهو فعلا قد عاش حياة فيها الكثير من الألم بسبب طلاق والديه ليعش مع والده شبه المختل نفسيا ولذلك عرضه لكثير من العذاب والألم مما اضطره للهرب منه ليجول حول العالم تقريبا ثم يعود بعد أربعين سنه إلى مكان ولادته. إذا كانت هذا الرواية واقعية وإذا كان حسن نصر قد اختبر ولو القليل من هذه الأحداث فنحن نستطيع أن نقول عنه انه عاش مأزوما أن لم يكن يتيما اجتماعيا وحتى يتيما. ولإغراض هذه الدراسة سنعتبره مأزوما.

مأزوم.

* سيرنا استقبال اي اضافات حول سيرة حياة الروائي حسن نصر وشكرا.

==


اخي الزائر الكريم،،،


ساعدنا في الحصول على تفاصيل حياة مبديعنا العرب (خاصة ما يتعلق بطفولتهم ومأسيهم) لنشرها في موسوعة منابر ثقافية والتي تشكل نواة لمركز ابحاث ودراسات متقدم على الرباط التالي:



ايوب صابر 04-03-2012 10:34 PM

49- مدينة الرياح موسي ولد ابنو موريتانيا

أقدم الرواية المعروفة "مدينة الرياح" للكاتب الموريتاني الرائع موسى ولد ابنو..

رواية تسافر في التاريخ في أركان لحظات زمنية مختلفة، و في زوايا أماكن متباينة، كل هذا ستلتهمه آذانك من فم جمجمة استنطقها باحثون فضوليون ينقبون عن آثار الماضي في الغلاوية في الشمال الموريتاني "و من الفضول نعمة.. و منه قد تكتب رواية "

الرواية
http://www.4shared.com/file/46665556...et_alrya7.html

==

نبذة الناشر:
كانت (فاله) حزينة دائماً.. تبكي أحياناً بدون سبب مفهوم.. تعلقت بي شيئاً فشيئاً.. كنت كما لو أني طير من طيورها أو دويبة من حشراتها.. كان يبدو لي أحياناً أنها تعتبرني شاهداً على عالم مضى، أثراً واهياً من زمن انصرم.. عندما تلامسني تفعل ذلك بحذر وحنان، كأنني آنية خزفية ملكية، عثر عليها باحث مهووس. كانت تغيب أسابيع طويلة.. أسكن البيت وحدي مع النباتات والحيوانات.. وفي الليل أقرأ مخطوطاتها الشعرية التي تتغزل بالطبيعة.. عندما أقرأ شعرها يخيل إلي أنها حاضرة تكلمني.. لا حدود لشغفها بالطبيعة لهذا غادرت مدينة الرياح، وسكنت في هذه الضاحية المعزولة.

ايوب صابر 04-03-2012 10:34 PM

بقلم د. موسي ولد ابنو


توطئـة : أقدم هذه المقاربة لنصي مدينة الرياح والحب المستحيل1 بوصفي قارئا.
فالكتابة أملت نفسها دون مبررات. أما القراءة فهي دائما بحث عن مسوغات للكتابة.
I. تجليات التراث واستلهام الكتاب
تدور أحداث روايتي الحب المستحيل ومدينة الرياح في مستقبل بعيد٬ بعد نهاية القرن الحادي والعشرين. لكن إذا كانت أحداث الحب المستحيل تدور كلها في هذا المستقبل البعيد، فإن مدينة الرياح في جزئيها الأول والثاني، تسترجع فترات من الماضي؛ لأن بطلها ﮜارَا الذي سافر في اللازمان يسترجع في لحظة سكرة موته ذاكرة الماضي السحيق، بدءا من القرن الحادي عشر م. الذي ولد في بدايته، ومرورا بالقرن العشرين الذي جابه هاربا نحو المستقبل، بفضل الخضير الذي ينقله من الماضي إلي المستقبل ليريه ما آل إليه البشر. وهذان النصان يجعلان من التراث مرتكزا لكتابة رواية الخيال العلمي. ففي مدينة الرياح كما في الحب المستحيل أقحمت التراث القديم في رواية الخيال العلمي سواء كان هذا التراث عالميا، من خلال اتراجيديا اليونانية، أو عربيا إسلاميا من خلال التراث العالِمْ القرآني، أو التراث الشعبي الموسيقي البيضاني. فجاء النص على منوال حكاية أديبية، لا بالمعنى لفريدي(Freudien)، ولكن بالمعنى الصُّوفُّوكْلِي. فصوفوكل (Sophocle) عندما ألف أُدِيبْ ملكا كتب اتراجيديا البصيرة الإنسانية، وذلك وفق القراءة المتميزة التي قدمها كارل رينهارت (Karl Reinhart). فالطريق الفاصل بين بداية مجد البطل التيبي (نسبة إلى مدينته (Thèbe) إلى نهايته المروعة، هو صراع بين الظاهر(الكُمُونْ) و الحقيقة (التجلي). يتقدم أديب نحو تجلي الحقيقة، وبهذه الطريقة – كما يقول هايدكر- (Heidegger) " يتقدم خطوة خطوة ليجعل نفسه في اللاكمون، وتتجلى أمامه الحقيقة التي لن يطيق النظر إليها إلا بفقء عينيه، لينقذ نفسه من الظاهر المضلل. وهكذا يكون البطل التيبي قد اضطر إلى أن يعمي نفسه كي يرى حقيقة ذاته". فبفقدان بصره تمكن أديب من النظر ببصيرة لتتجلى أمامه الحقيقة.
إن الأساطير والنصوص التراثية المؤسِّسة، سواء كانت عالمة أو شعبية، لا تقص علينا حكايات من الماضي بقدر ما تنبئنا عن خبايا مستقبلنا؛ وهذا هو مرتكز توظيف التراث في رواية الخيال العلمي. فرواية الحب المستحيل مثلا هي تأويل للخطيئة الآدمية على أنها أمر سيحدث في المستقبل بطرد بني آدم من الكوكب الأرضي الذي يكون قد دمره مجتمع التقانة. كما أنها أيضا تأويل للأمانة في سورة الأحزاب، على أن نقض الميثاق الأزلي الذي ورد في هذه السورة ينبئ عن جهالات وزلات مجتمع التقانة الواقعة في الحاضر والتي ستتفاقم في المستقبل. والرواية هي أيضا تأويل لقصة آدم وحواء التي، وإن كانت قد خرجت من ضلعه لتوقعه في الخطيئة، إلا أنها تمثل أيضا مآله ، بما أحدثه مجتمع التقانة من تخنيث للجنس البشري وهدم للأسس الطبيعية لعلاقات الجنسين من تكاثر وتكافل، وبتحويله الرجال نساء، والنساء رجالا، واستنساخه البشر. وهذا القدر مطروق في الحب المستحيل، وقد قاد البطل، في نهاية الرواية، إلى تغيير جنسه للحاق بمحبوبته، حيث قرر أن يتحول إلى امرأة فأصبح حواء. تؤول أيضا رواية الحب المستحيل نصا تراثيا عالميا آخر هو أسطورة المأدبة لأفلاطون وتوظفه في الخيال العلمي لتصف مجتمعا مستقبليا نزل به نفس العقاب الإلهي الذي سبق وأن نزل بالجنس الاندروجيني (Androgyne) .
تتزاوج في مدينة الرياح وفي الحب المستحيل لغات عدة (تراثية، فلسفية، علمية) وأساليب عدة (روائية، شعرية، موسيقية، دينية) لتشكل كتابة تتعطش إلى الحقيقة، ذلك العطش نفسه الذي قتل ﮜارَا، بطل مدينة الرياح، ثم بعثه من جديد. وقد أنتجت هذه الكتابة سماء جديدة وأرضا جديدة، "أرض الرجال"، وسماؤهم التي تمكنهم من النظر إلى أنفسهم حسب عبارة هانري كوربين (Henri Corbin). إنه عالم الرواية الذي يدعونا إلى التفكير: {فاقصص القصص لعلهم يتفكرون} (الآية).
بغض النظر عن الأسباب الموضوعية والذاتية والعوامل المفترضة، سواء كانت عوامل نفسية ، أو كانت وجودية أو سوسيو تاريخية، يظهر من خلال قراءة الروايتين أنهما ترتبطان بأنموذج أسطوري يتجاوز بشكل كبير الكاتب نفسه، واللحظة السوسيو- تاريخية. ففي الروايتين يمكن تقصي معنى النص على ضوء الأساطير الكبرى. فمن الأسطورة استوحيت التجليات التي ألهمتني إنشاء عالم ينافي الواقع المبتذل، بل يتجاوز ذلك ليرفض وطأة هذا الواقع المنساق وراء السفالة.
تدور أحداث مدينة الرياح في برازخ التاريخ، وتعتمد أسلوبا في الكتابة برزخا بين الواقعية والرمزية، وبين رواية الخيال العلمي والرواية التاريخية. فالمكان والزمان والشخوص واللغة التي أنتجتها الرواية تتأسس في فضاء بعيد٬ فضاء القَصص القرآني. تستلهم رواياتي النص القرآني، سواء في وجهها الإبداعي: (خلق المصطلحات والجمل وأسماء الشخوص)، أو في تكوين عالم جديد يحاكي عوالم القَصص القرآني، أو حتى في إيجاد تقنيات جديدة للحكي. فمثلا، خلال كتابة مدينة الرياح، عرضت لي معضلة إبداع بطل يشهد على عشرات القرون وينتقل بين حقب زمنية متباعدة. وإن كانت فكرة نسبية الزمن قد خطرت ببالي كطريق إلى حل ممكن، إلا أنها لم تسعفني. لكن عندما استحضرت قصة أصحاب الكهف، وكونهم عاشوا {ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا} (الآية) تبلورت أمامي طريقة تمديد حياة بطل الرواية لتغطي قرونا كثيرة. كما أني استلهمت القَصص القرآني في خلق شخصية الخضير في الرواية، ملَك الزمن، الذي ينقل البطل من فترة زمنية إلى أخرى٬ ليؤدي وظيفته كشاهد على الفعل الإنساني عبر التاريخ.
وبما أن موضوع الرواية الرئيسي هو بصيرة الإنسان والحكم عليها من خلال مقارنة فترات من التاريخ تفصلها قرون عدة، كان لابد من إيجاد لحظة يتكور فيها الزمن، لحظة يمكن أن تشتمل علي عشرات القرون التي جابها البطل، وتكون هذه اللحظة لحظة حق تنجلي فيها الحقيقة أمام البطل-الراوي، وتمكنه من الحكم على التاريخ وعلى نفسه وعلى الزمن. هنا يظهر دور القَصص القرآني وأهمية استلهامه في الكتابة الروائية وفي حل معضلات الحكي: لقد جاء في القرآن الكريم أن لحظة الحق هذه كائنة، وهي لحظة سكرة الموت: { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ(19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ(20) وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ(21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } ( سورة ق ). فعند سكرة الموت يتمدد الزمن ليستدير فيسترجع الأمد مهما طال، وتُسترجع البداية، وتتكشف الحقيقة. هكذا جاء الحكي في رواية مدينة الرياح ليروي لحظة الحق هذه، لحظة الشهادة التي ينكشف فيها الغطاء. يروي البطل في هذه اللحظة ببصيرة ثاقبة أحداثا عاشها في زمن امتد عشرات القرون، أحداثا كان في غفلة منها فتكشفت له وصار شاهدا عليها، يعرف كل شيء عنها ويحكم عليها ببصيرة:
«...أنا في عالم جديد، تهاجمني خلاله ذكريات تافهة، غريبة، من الحياة التي تغادرني.. وجاءت سكرة الموت بالحق.. لم أعد في غفلة من شيء.. بصري اليوم حديد.. أضاءت سكرة الموت تلافيف حياتي التي ظهرت بصور مكبرة آلاف المرات، والزوايا المظلمة كأنما صوبت عليها آلاف الشموس الصحراوية الموتورة.. انزاحت الحواجز بين الظاهر والباطن، البادي والخفي، المعلوم والمجهول.. الوعي يتم من خارج منطقة الوعي. إنني من منطقة ما بعد الحياة، وما قبل الموت، من منطقة التخوم، أستعيد شريط حياتي.. أسمعه، وأراه، أدركه بالتفاصيل. ليس فيه قبل ولا بعد.. أنا الذي أفنيت حياتي أحاول٬ بلا جدوى٬ أن أربط حياتي بأحلامي، وشعوري بلا شعوري، ووعيي بوعي الآخرين، لأصدر حكما على الآخرين، وعلى ذاتي، وعلى الزمن، وارتدت محاولاتي يائسة مخذولة.. ها أنذا أشاهد ما عجزت عنه طوال حياتي يتحقق من تلقاء نفسه ساعة موتي.. الآن٬ وبعد ما خرجت من الميدان، أرى نتيجة المعركة الحاسمة بين حياتي وأحلامي، مجسدة أمامي بدقة متناهية، كل شيء فيها يأخذ حجمه الصحيح قبل أن تلتهمها بالوعة العدم. أرى العالم كله من عدسة ناظور، كله الآن بديهيات، لم تعد ثمة ألغاز ولا أسرار.. كله على مستوى واحد من الوضوح. الزمن اختزل نفسه في بعد واحد، لم يعد ثمة ماض ولا مستقبل، أصبح حاضرا فحسب.. وشخصت البداية..» (ص 9-10).
تتجلى في القصص القرآني كل الحقيقة الإنسانية، وكل تحديات الحاضر. هذا ما جعلني أستلهم من القرآن الكريم أهم موضوعاتي الروائية. ففي روايتي الأولى، الحب المستحيل، تمحور الحكي حول الأمانة الواردة في الآية قبل الأخيرة من سورة الأحزاب. { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}. فالأمانة هي أمانة العلم الذي أودعه الله الإنسان، عندما علمه الأسماء: {وعلم آدم الأسماء كلها} (الآية)، والظلم هو الجهالة المحكوم بها أزليا على الإنسان، والتي تجلت في زلاته في ماضيه وحاضره وفي مستقبله، وهذا ما تكرسه المدن غير الفاضلة في الحب المستحيل. أما بنية مدينة الرياح فهي تمثُّلٌ لقَصص سورة الكهف. فالأجزاء الثلاثة في الرواية تتناص مع القَصص في هذه السورة: (قصة أصحاب الكهف، قصة موسى عليه السلام والخضر، وقصة ذي القرنين). كما أن هذه الأجزاء الثلاثة تتمثل المحطات الثلاث في قصة موسى عليه السلام والخضر (خرق السفينة، قتل الغلام، إقامة الجدار).
تتقاطع الثيمات في الرواية مع موضوعات القَصص في هذه السورة: السفر خارج الزمن (زمن الكهف) البصيرة (مجمع بحري المعرفة الإنسانية والمعرفة الإلهية)، الفعل وعلاقته بالخير والشر (خرق السفينة، قتل الغلام، إقامة الجدار)، وأيضا غرور الإنسان وقصور بصيرته (اعتراض موسى عليه السلام على أفعال الخضر). وهي أمور تتمثل في الحكي من خلال حكم كاهنة أوداغوست على ﮜارَا : "لن تستطيع أبدا أن تحكم بتمعن على المستقبل بالحاضر.." (الرواية ص61). وهو الحكم نفسه الذي تحكم به الكهانة على أوديب في اتراجيديا صوفوكل. لكن التناص يتجلى بشكل أوضح في كون "كهف" أصحاب الكهف برزخا زمانيا ومكانيا: {وترى الشمس إذا طلعت تزَّاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه..}. والمكان في مدينة الرياح كهف برزخي، فجمهورية ﺗﻧﮕَلَّ هي "جمهورية المنكب البرزخي الديمقراطية". كما أن أحداث الرواية تدور في الفضاء الموريتاني الذي يسميه الشيخ محمد المامي "المنكب البرزخي" ويقول عنه أبو الهامة:"هذه الأرض برزخ" (ص54)، كما أن ﮜارَا يقول: "كهفي ممتلئ سوداوية إلى حد الفيضان.." (ص125)، وزمانها زمن كهفي: البطل ﮜارَا ينقله الخضير في اللازمان٬ من فترة تاريخية إلى أخرى. والحكي في الرواية ينتقل مرتين من الزمن إلى اللازمان حيث يفر البطل في نهاية الفصل الأول إلى قمة الجبل فيلتقي الخضير، و يفر في نهاية الجزء الثاني ليلتقيه مرة ثانية؛ مثلما هو الحال في سورة الكهف التي ينتقل قَصصها مرتين من الزمن إلى اللازمان: الأولى عندما يعتزل أصحاب الكهف مجتمعهم ويلجئون إلى الكهف، والثانية عندما يصل موسى عليه السلام إلى مجمع البحرين ليلتقي الخضر.
ومن أبرز إشكاليات هذا التناص المقابلة بين الجزء الأخير من الرواية الذي يتناول مستقبل مجتمع التقانة، وقصة ذي القرنين التي تتناول مصير الأرض بعدما مُكن للإنسان فيها: {إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا} (الآية)، كما أن ﮜارَا والثعلب و فاله وكلابها و النمادي وكلابهم يشكلون في الرواية تمثلا لأصحاب الكهف وكلبهم، وأيضا فإن لازمة رواية مدينة الرياح: "إذا كنت رافضا للقدر فاعتزل البشر، وانفرد في الصحراء وانتظر أمر ربك.." هي تمثل لنداء أصحاب الكهف {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً} (الكهف:16) في نهاية الجزء الأول من الرواية، يهرب ﮜارَا من مجتمع بشري فاسد، مجتمع أُودَاغُوسْتْ فيأوي إلى رأس جبل الغلاوية منتظرا الخلاص بالموت أو رحمة من الله، مجيبا نداء البعيد الذي جعل أصحاب الكهف يعتزلون مجتمعهم، فهو ينتج ويؤول على صعيد حياته البشرية هذا النداء الذي أجابه أصحاب الكهف. وهو نفس النداء الذي جعل موسى عليه السلام يقصد مجمع البحرين (بحر المعرفة الإنسانية وبحر المعرفة الإلهية) ليلتقي الخضر (الخضير في الرواية).
يظن الإنسان أنه صائب النظر وأنه يسعى من أجل الخير وطبق الهدف الذي حدد لنفسه. لكنه في أغلب الأحيان يكون أعمى، بينما يظن أنه يبصر؛ فتنتج أفعاله عكس ما أراد. يظن الإنسان - والحالة هذه- أنه يسعى لمصلحته، وهو في الحقيقة يعمل لهلاكه. فيكون التخلص من الظاهر سبيلا أوحد لاكتشاف الحقيقة الجوهرية ومعرفة الحكمة الإلهية. وهذا بالضبط هو موضوع القَصص القرآني في سورة الكهف. ففي مستهل هذه السورة تأتي قصة أصحاب الكهف الهاربين من ظلم المجتمع البشري، والذين يتقبلهم الله في رحمته، فيخرجهم من الزمن الفلكي ليدخلهم في الزمن الكهفي: {وترى الشمس إذا طلعت تزَّاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه}، ليرجعهم بعد قرون إلي مجتمعهم، فيروا ما آل إليه. ثم تروي السورة قصة موسى عليه السلام والخضر، التي تُظهر بجلاء قصور البصيرة الإنسانية وعجزها عن تقصي الحقيقة. وفي الأخير تروي سورة الكهف قصة ذي القرنين الذي ملك المشرق والمغرب، وجال الأرض مكتشفا الوجوه المختلفة لفعل الإنسان فيها، حتى وصل بين السدين وأقام السد دون يأجوج ومأجوج. وتُستنتج دلالة هذا القَصص في الآية97 من السورة : {قل هل نُنَبِّئُكُمْ بالأخسرين أعمالا الذي ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}.

ايوب صابر 04-03-2012 10:37 PM

يستوحي نص مدينه الرياح هذا المعنى ويتناوله على صعيد الزمن البشري، زمن التاريخ، ليقارن أفعال البشر في فترات من التاريخ متباعدة ، لكن ضمن تاريخ بلد واحد (موريتانيا) من الماضي إلى الحاضر والمستقبل٬ تقاس من خلالها بصيرة الإنسان، وهل هو يسعى إلى الخير أم إلى الهلاك، وهل أن الإنسان ينتقل، بفعله في التاريخ، إلى الأفضل أم أنه يرذل. هكذا يكون ﮜارَا ، بطل رواية مدينة الرياح، الضمير الذي يقارن بين الماضي والمستقبل في مسيرة التاريخ، وهو الإنسان المنتشل من المستقبل البعيد ليروي ذاكرة الماضي السحيق.
أما في مدينة الرياح فإن تأويل قصة ذي القرنين من سورة الكهف نتج عنه تصور لما سيؤول إليه مجتمع التقانة. فعند ما أتدبر محطات ذي القرنين في سورة الكهف، وأتدبر تمكينه في الأرض وإتيانه أسباب الأشياء كلها، فالذي يتبادر إلى ذهني هو الإنسان التقاني الذي غزا مشارق الأرض ومغاربها، والذي تحكم في الطبيعة: {إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا} (الآية 83). وعندما أتدبر ما ورد في القرآن الكريم عن محطات ذي القرنين (العين الحمئة، القوم الذين تطلع عليهم الشمس دون ستر ، البشر الذين لا يفقهون قولا و يأجوج ومأجوج) فإنه يحضر ذهني تلوث المياه وتشقق طبقة الأوزون في الغلاف الجوي التي نتجت عن جهالات البشر وفساده: {إن يأجوج و مأجوج مفسدون في الأرض} (الأية90) وهي كلها أمور تذكر بما آل إليه مجتمع التقانة.
رافق هذا التأويل لقصة ذي القرنين في الجزء الأخير من رواية مدينة الرياح توظيف آخر للتراث في مجال الموسيقى الشعبية البيضانية (موسيقى البيضان، الموريتانيين البيض) من خلال استلهام (جانْبَتْ الغول) طريق ﮔﻠنَيْدِيَّ في التِّيدِنِيتْ، التي أوحت بمجتمع مستقبلي وقع في التهلكة. فمَوْسَقَتْ ﻟﮕنيدي الجزء الأخير من الرواية الذي يتناول مجتمع ﺗﻧﮕَلَّ ومدينته غير الفاضلة (مدينه الرياح)، ﺗﻧﮕَلَّ "الغول الْمُلَوِّثْ" (الرواية) الذي حول المجابات الكبرى إلى مخزن للنفايات السامة.
II. مَوْسَقَةُ الرواية
ينتظم نص مدينة الرياح تحديدا على شكل جلسة موسيقية بيضانية، وتأتي أجزاؤه وفصوله على شكل طرق ومقامات التيدنيت (عود الموسيقى البيضانية). فيقابل الجزء الأول من النص الطريق السوداء (أول طرق التيدنيت)، والجزء الثاني يقابل الطريق البيضاء (الطريق الثاني من التيدنيت)، ويقابل الجزء الثالث طريق ﻟﮕنيدي (الطريق الثالثة في التيدنيت)، لأن هذا الجزء من الرواية يتناول المجتمع التقاني المستقبلي الذي فقد إنسانيته ولأن طريق ﻟﮕنيدي تمثل الموسيقى التي لم يعزفها البشر، بل إن عازفها هو الغول انْوَفَّلْ (الغول لغة يعني الهلكة، وكل ما أهلك الإنسان فهو غول، أو الغول: كل ما زال به العقل).
جاءت ﻟﮕنيدي في النص باسم برج التبانة، لأنها ترمز لعالم آخر، ولأن عازفها لا ينتمي إلى عالم البشر؛ ولأن الجزء الأخير الذي يقابلها تدور أحداثه في فترة مستقبلية هاجر فيها بعض البشر من الكوكب الأرضي إلى عوالم أخر، وفيها صارت بعض الكائنات الفضائية تجوب برج التبانة، وأحيانا تحط على الأرض بحثا عن شذرات من عصرها الذهبي، كما هو حال سُولِيمَا التي تصطاد النفوس الخيرة في برج التبانة٬ مسافرة في ثقوبه السوداء بسرعة الضوء٬ من نقطة إلى أخرى من مجرتنا. وهي ترمز في الرواية إلى نَمَادِي الفضاء المقابلين لنَمَادِي المجابات الكبرى. هذا ما جعلها تساعدهم في ثورتهم البيئية. واسم (سوليما) منحوت من الحروف الأولى من كلمات فرنسية ثلاث: Soleil (الشمس) و Libya (اسم النقطة 32 من الخريطة الأرضية لكوكب المريخ) و Mars (المريخ)؛ وذلك لأنها لما كانت تُحضِّر رحلتها إلى الأرض تدربت في "مركز تدريس اللغات والحضارات الإنسانية" الموجود داخل النظام الشمسي في ليبيا، على المريخ.
في مراكز تخزين النفايات السامة، التي ترمز إلى هَلَكَةِ مجتمع التقانة وفساد أهله في الأرض؛ جاءت موسيقى ﻟﮕنيدي، طريق الغول انوفل ، كما وصفها ﮜارَا: «ثقيلة، صاخبة، حادة، متلاحقة، سريعة، تعجل عن الآذان فتخترق الجسم، لتدخل من جميع مسام الجسد، ألحانها غليظة فاحشة..» (ص162). ويضيف ﮜارَا واصفا هذه الموسيقى، )في الصفحة 164 (: «كنت منزعجا شديد التوتر من الموسيقى الجحيمية التي تبعث النكد وتدفع إلى الإحساس بالقرف والغثيان؛ كتائب مسلحة بعتاد كثيف من الآلات الكهربائية والالكترونية تتبارى في الصخب الذي يفجر طبلة الأذن، وينفذ إلى مواطن الإحساس، كالمكاوي؛ سيل عرم من المفرقعات المحطِّمة للسكينة، العديمة التناسق والتناغم، يرافقها صراخ مسعور، يكرر ذات النبحة في نشاز أبدي. كلمات الأغنية في ضمير الأنا تحكي عناد البشر في ضلالاتهم، موقعة على أوزان قصيرة مبتذلة..».
تقابل مقدمات أجزاء الرواية الثلاثة مداخل طرق التيدنيت وتوجد في كل جزء خمسة فصول تقابل المقامات (أَظْهُورَ) الخمسة، المشكلة لكل طريق من طرق التيدنيت، وهو ما يوضحه الجدول التالي:
(جدول التناص بين مدينة الرياح و التيدنيت )

http://www.almashhed.com/imgcache/37451.imgcache.jpg

مدينة الرياح التيدنيت
الجزء الأول: برج السوداء. (تدور
أحداث هذا الجزء من الرواية في قرى
ﮔﻧﮕار َالسود)
اطْرﻳﮓْ الكَحْلَ (خَبْطَتْ لَكْوَرْ): معزوفة لكور(الزنوج):
ﮔُولْ الحَمَّادِ كانْ اسْعَ/ وَجْبَرْ مَانْ اسْلاكَتْ لَنْفَاسْ
اُمَرَّتْ عَنُّ ذِيكْ الخَلْعَ/ إِسَوَّلِّ ذاك امْنْ النَّاسْ
عنْ ﻟﻓﮔيعَ وا ﻟﻤﻓﮕﻊ / شَنْهِ مارَتْهُمْ فَنْتَماسْ
ﻟﻓﮔيعَ َ خَبْطَ تُمَوَّرْ /مارَ فَالتَّاشَبَّطْ تَظْهَرْ
وا ﻟﻤﻓﮕﻊ خَبْطَتْ لَكْوَرْ/ مَارَتْهَ فَلْمَهْرْ اَرَدَّاسْ وَاصْلْ انْتَمَاسْ ادْخُولْ افْكَرْ/ فِيهْ الطَّزَانَ غَيْرْانَّاسْ
ﮔَالَتْ عَنُّ هُوَّ ذَ الدَّهْرْ/ فَاصَلْ فَطَّزَانَ والسَّاسْ
مقدمة الجزء الأول: آﮔْوَيْدِيرْ
(بحوث أثرية في مقبرة الغَلاَّوِيَّة القديمة) آﮔْوَيَدِيرْ: شُورْ فَكْحَالْ انْتَمَاسْ (مقام من فواتح الطريق السوداء و كلمة آﮔويدير تعني المقبرة(
الفصل الأول: "الذهب": وصف قافلة الملح التي كانت تجوب "بلاد الذهب": الاسم القديم لمواطن زنوج موريتانيا
ثيمات الفصل الأول:
- وصف تحميل القافلة.
- الأب يخذل ابنه ﮜارَا.
- ظهور شخصية النصراني الكافر.
- فاله، بطلة الرواية وأيضا اسم امرأة من شنقيط مشهورة في تاريخ موسيقى التيدنيت كَرْ اطْرِﻳﮓْ الكَحْلَ: انْتَمَاسْ (المعزوفة الأولى من الطريق السوداء)
لَشْوَارْ (المقامات):
- آوديد ( أصل هذا الشُّورْ محاكات رغاء الإبل
عند تحميل قافلة تِيشِيتْ)
- ﮔَيْوَارْ: يدل اسم هذا المقام على الخَذُولِ
- لَكْوَيْفَرْ: الكويفر
- فاله: شاهده: «يُوﮔِ يَيُوﮔِ بُولَيْدِي»
الفصل الثاني: مُوسَ اسْبَعْ
- البَرْزَخْ: مكان الرواية.
ثيمات الفصل:
- أطفال القرية يمارسون لعبة "ادْيَرَا لاكَسِّ"(استحداث زئير الأسد)
- حنين البطل إلى قريته وأصدقائه.
- زوجة تَالُوثَانْ تعشق رجلا آخر. فَاغُ اطْرﻴﮕ الكَحْلَ: ﺗﻧﭼُوﮔَ.
البَرْزَخْ ادْخُولْ(مقدمة) في ﺗﻧﭼُوﮔَ
لشوار (المقامات):
- مُوسَ اسْبَعْ (استحداث زئير الأسد)
- المَشَوَّشْ: اسم هذا المقام يعني (الذي يحن إلى الأحبة)
- اتْرَوْجِيحْ: اسم هذا المقام يعني (ترجيح شيء أو شخص على آخر) كلماته: يَلاَّلِ نَخْتِيرٌ عَنٌّ
الفصل الثالث: الرَّشْقُ
ثيمات الفصل
- المطر يفاجئ القافلة التي تضطر إلى دفن أحمالها. وتصل غَانَا، آخر قرى السودان، قبل أوْدَاقُوسْتْ وفيها يتعرض البطل للرشق مع باقي عبيد القافلة
- البائعة تعرض سلعها على ﮜارَا، رغم أنه مربوط إلى مؤخرة الجمل، ويمشي بين رجليه تفاديا لرشق الأطفال.
اكْحَالْ اطْرﻴﮔْ الْكَحْلَ: هَيْبَ
لَشْوَارْ (المقامات):
- الرَّاﺷﮔَ: وكلمة الَّرﺷﮔَ تعني نوبة المطر
- اتْعَسْرِ، وكلمة اتعسر في الحسانية تدل
على شيء يأتي في غير موضعه
الفصل الرابع: اللَّيَّنْ
ثيمة الفصل
- البطل يقع في حب فاله في أوْدَاغٌوسْتْ سَنِّيمَ الْبَيْظَ: ﻣﻐﭼّوﮔَ (مقام الحب في التيدنيت)
لَشْوَارْ (المقامات):
- اللَّيِّنْ
الفصل الخامس: الْبَرَّانِ
ثيمة الفصل:
- بعد ظهور المذنب يحدث انقلاب في كيان البطل الذي يصبح "غريبا على الأرض" (ص70)
ابْتَيْتْ اطْرﻳﮔْ الكَحْلَ: بَيْقِ
لَشْوَارْ (المقامات):
- الْبَرَّانِ: كلمة البران تعني الغريب
- الْهَايْمَاتْ: (الهائمات)
الجزء الثاني: "برج البيضاء" (البيضان والنصارى): تدور أحداث هذا الجزء في الفضاءات التي يسكنها البيضان، كما يتناول عاداتهم وتاريخ موريتانيا الحديث (مجيء المستعمر، قتل كبلاني)
اطْرﻳﮔْ البَيْظَ: مقام لَبْيَاظْ يرمز إلى البِيظَانْ وإلى لغتهم (وَذْنُ بَيْظَ،٬ اَبَيْظَنْ مَنْ تِيدِنِيتْ وَلْ مَانُ)
المقدمة: "الطبل" (الرياح "تدوي في جنبات الكدية كالطبل") (ص 81)
كتائب النسور تحوم باحثة عن جثة، تنتظر موت البطل ادْخُولْ اطْرﻳﮔْ البَيْظَ: مَكَّ مُوسَ
لَشْوَارْ (المقامات):
- أﮔَتْمَارْ (كلمة أﮔَتْمَارْ تعني الطبل)
- اتَّحْوَامْ (لَعْسَيْرِ): كلمة التحوام في الحسانية
تعني حَوَمَانُ الطير
الفصل الأول: "الأبكم"
ثيمات الفصل:
- البعثة الأثرية تلتقط البطل من قمة جبل الغلاوية وهو فاقد الكلام.
- فاله خائفة من هذا الجسم الهامد، فهي تصرخ وتلوذ ﺒﮔُوسْتْبَسْتَرْ
- مجنون الكلام (القناص المهذار)
- سقوط البطل من فوق الجمل يعيد إليه قدرته على الكلام
كَرْ اطْرﻳﮔْ البَيْظَ مَكَّ مُوسَ
لَشْوَارْ (المقامات):
أَنَيْوَالْ لَبْكَمْ:الأبكم. شاهده:
وَلْفِ دَمْعَتْهَ بَتَّجْلاَجْ /يَامَسْ تَجْرِ مَاسَكْنَتْ
أَرَاعِ ذُوكْ اذْنُوبَكْ يَالْحَاجْ/ هَيَّ ﮔَاعْ اتْبَانْ اﻧﻓﮔﻌَتْ
- اتْشَيْمِّيرْ (كلماته: ظَحْكَتْ فَالَهْ تَنْزَاهْ الْعَيْنْ...)
- لَمْجَيْنِينْ (تصغير كلمة مجنون): اسْرُوزِ لَكْحَلْ
- كَلَمْتْ الَبَيْكَمْ (اسم هذا الشور يعني كلمة الأبكم)
الفصل الثاني: "انْتْرَشْ"
ثيمات الفصل:
- البطل يحل محل مَرْدُوشَا في خدمة فاله
- فاله تختار "مَعْطَلَّ" اسما للبطل. فَاغُ اطْرﻳﮔْ الْبَيْظَ: اسْرُوزِ
لَشْوَارْ (المقامات):
- انْتْرَشْ (و كلمة انْتْرَشْ تعني أقحم في الأمر)
- الْحَرْ (و كلمة الْحَرْ تعني العتيق: معطل اسم من أسماء العتقاء)
الفصل الثالث: التَّرِكة

ثيمة الفصل:
يتناول هذا الفصل الإرث الحضاري الموريتاني من خلال خصوصيات مجتمع البيضان القديم
وتقاليده
اكْحَالْ اطْرﻳﮔْ الْبَيْظَ: انْيَامَ
لَشْوَارْ (المقامات):
- التَّرِكَة )الميراث(: (شُورْ فَتَّحْزَامْ)
الفصل الرابع: محنة
ثيمة الفصل:
- يتناول هذا الفصل محنة الاستعمار من خلال وصف السيبة في ﺗﺟﮕﺞ إثر قتل كبلاني
ابْيَاظْ اطْرﻳﮔْ الْبَيْظَ: جَيْنَّ
لَشْوَارْ (المقامات):
- الْمَحْنَ (المحنة)
الفصل الخامس: "العتق"
ثيمات الفصل
- عملية تنفذها المقاومة ضد بعثة المستعمر أثناء ترحالها بين ﺗﺟﮕﺞ وتيشيت
- البطل يهرب من أسر ﮔُوسْتْبَسْتَرْ اْبتَيْتْ اطْرﻳﮔْ البَيْظَ: ﻟﻌﺘﻳﮔْ (العتق)
لَشْوَارْ (المقامات):
- لَرْحَالْ (الأرحال)
- الرﻣﮕانِ
الجزءْ الثالث: "برج التبانة"
يتناول هذا الجزء الأخير من الرواية الدواهي التي تهدد البشر بالهلاك بعدما عم الفساد الأرض. (من شخوص هذا الجزء: الغول ﺗﻧﮕَلَّ(كل ما أهلك الإنسان فهو غول) اطْرﻳﮔ ﻟﮔنيدي: اطْرﻳﮔْ الغُولْ انْوَفَّلْ(طريق الغول انْوَفَّلْ)، وكلمة غول تعني الهلكة والداهية. "ﻟﮕنيدي اطْرﻳﮔْ فَتِّيدَنِيتْ "بَيْنْ اسْمَ واتْرَابْ"("ﻟﮕنيدي طريق في التيدنيت بين السماء والأرض"، كما يقول موسيقيو البيضان)
المقدمة: "انْوَفَّلْ" ادْخُولْ ﻟﮔنيدي: انْوَفَّلْ
الفصل الأول: "الْمَاشِ"
ثيمات الفصل:
- البطل يتيه بلا هدف في منطقة الباطن ويكتشف مركز النفايات السامة كَرْ اطْرﻳﮔ ْﻟﮕنيدي: انْوَفَّلْ
لَشْوَارْ (المقامات):
- الْمَاشِ (الماشي)
الفصل الثاني: النَّوْحُ
ثيمات الفصل:
- البطل يبكي ويصرخ مستنجدا بالخضير (ص 154)
- أُمَّة مراكز النفايات السامة هي شر الأمم
فَاغُ اطْرﻳﮔ ﻟﮕنيدي: فَاغُ لَكْبِيرْ
لَشْوَارْ (المقامات):
- انْوَاحْ: الصيغة الحسانية لكلمة "النوح " في الفصحى
- الرﮋَّ: الصاعقة
الفصل الثالث: نهوند
ثيمة الفصل:
- سوليما تتغول للبطل في صورة امرأة فاتنة اكْحَالْ ﻟﮔنيدي: نَهَوَنْدْ
لَشْوَارْ (المقامات):
- اﺗﮋَخْرِيفْ: اسم هذا الشور يعني التشكل في ألوان بديعة
الفصل الرابع: لَبْرَازْ(المبارزة)
ثيمات الفصل
- مبارزة كلامية بين سائق شاحنة النفايات السامة وخفيرها
- يتقمص البطل زي سُولِيمَا للتخفي ويتمكن من الهروب من مركز النفايات السامة ليلجأ إلى دار فاله (يقف عند الباب مناديا: فَالَه افْتِحي الدار")ص 176
- "كانت فاله حزينة دائما، تبكي أحيانا
بدون سبب مفهوم... كانت تغيب أسابيع
طويلة..." ص 179
ابْيَاظْ اطْرﻳﮔ ﻟﮕنيدي لَبْرَازْ، ﭽﮔْرَاتْ، ﻣﻧﭼَلَّ
شاهد مقام انْوَفَّلْ: "فَالَه حَلِّ ادَّارْ..." (فاله افتحي الدار)
لشوار :
ﭽﮔْرَاتْ شاهد ﭽﮔْرَاتْ:
"آن ﮋﻧﮕرَ نَبْغِيهَ /هِيَّ قَالَتْ مَا تَبْغِينِ
آنَ نَفْرَحْ بَمْجِيهَ /هِيَّ تَبْكِ لَيْنْ اتْجِينِ
(أنا ﮋﻧﮕرَ أحببتها /وهي تصدني
أسر بقدومها /وهي تبكي حين تجيئني)
الفصل الخامس: "ﺒﻳﮔِ الْمُخَالَفْ" ابْتَيْتْ اطْرﻳﮔ ﻟﮕنيدي: ﺒﻳﮔِ الْمُخَالَفْ
جاء هذا التقابل بين أجزاء وفصول الرواية وطرق ومقامات التيدنيت ليبرز علاقة موضوع الحكي في كل جزء مع دلالات الطريق المقابل في التيدنيت، والعلاقة بين ثيمات الفصول وثيمات المقامات. وهذا التناص بين الرواية والتيدنيت نابع من الطبيعة المشتركة للزمن الروائي والزمن الموسيقي، لأن الأدب والموسيقى يحاكيان زمن الأسطورة، ولأن زمن الرواية وزمن الموسيقى، حالهما حال زمن الأسطورة، ينقذان من مأساة النهاية. يكثر الاسترجاع في الرواية لأن موسيقي التيدنيت تفرض الترديدة والاسترجاع والتنويع، ويستدير زمنها كما يستدير الزمن في طرق التيدنيت ومقاماتها. هكذا إذن تنهل رواية مدينة الرياح من معين ميتلوجيا موسيقى التيدنيت، وبهذا تكون رواية سينفونية بالمعنى الحقيقي.

ايوب صابر 04-03-2012 10:38 PM

III. ﮔﺎرَا ، شاهد على الزمن
إن اتراجيديا والدين واختيار المكان والزمن السيسيو تاريخي، تشكل مسوغات أسست خلال الحكي وجوه ﮜارَا المختلفة. والحدث الملهِم الذي انطلق منه الحكي، في مدينة الرياح، كان اكتشافَ هذا الاسم. كانت الفكرة التي سبقت اكتشاف اسم بطل الرواية وكتابتها تتصور عملا روائيا أقرب إلى اللوحة السيسيو تاريخية للمجتمع الموريتاني. هكذا فرضت الفترة المرابطية نفسها كبداية، لأنها المرحلة المؤسسة لتاريخ هذا البلد. في تلك الفترة كان صنهاجة يقطنون شمال وغرب موريتانيا، بينما كان ﮔﻧﮕار َ يسكنون الجنوب والجنوب الشرقي، فيكون إذن المجتمع الصنهاجي-ااﮕﻧﮕارِي هو مجتمع الرواية. ومن ثم جاء دور موسيقى التيدنيت التي أنتجها المجتمع الصنهاجي- ااﮕﻧﮕارِي ، بثلاثيتها التي طبعت ثقافة البيضان والتي شكلت ثلاثية النص. وخلال بحثي عن أسماء شخوص هذه الفترة التي قد ترد في الحكي، اكتشفت أن الاسم الحقيقي لعبد الله بن ياسين، داعية المرابطين، هو سيدي عبد الله مُولْ ﮜارَا ، ووجدت أن "ﮜارَا" اسم يعبر بجلاء عن تلك المرحلة من تاريخ هذا البلد، ببعديها الصنهاجي و ااﮕﻧﮕارِي. ف"ﮜارَ" (قَارَةٌ) كلمة تحمل رنينا سودانيا ﮔﻧﮕاريا، وهي في نفس الوقت كلمة بيضانية عربية تعني –كما ورد سابقا- الجبيل الأسود الشاهد. وبما أن سيدي عبد الله مول ﮜارَا، المعروف بابن ياسين، كان بطل تلك الفترة التاريخية، توصلت إلى نتيجة مؤداها أن اسم بطل الرواية سيكون "ﮜارا". وجاء اسم أبي البطل "فارَا مُولْ" نتيجة لهذا الإلهام: "مول"، إشارة إلى الأصل البربري لاسم ﮜارَا، و"فارا" إشارة إلى أصله ااﮕﻧﮕارِي. وهكذا تكون ثنائية الفترة، بجانبيها الصنهاجي و ااﮕﻧﮕارِي ، قد تجسدت في اسم البطل. عندها بدأت استكشف هذا الاسم، أعني اسم ﮜارَا ٬ لأن الاسم، كما يقول رولان بارت(Roland Barthes) «يمكن أن يستكشف وأن يتكشف وتحل رموزه. فهو وسط بالمعنى البيولوجي، يمكن أن نغوص فيه، ونسبح إلى ما لانهاية في التأملات والمتخيل اللذين ينطوي عليهما٬ كما تحتوي الصَّدَفَةُ درتها، أو كما تختزن الوردة أريجها قبل تفتقها. وبعبارة أخرى فإن اسم العلم يحمل دائما في طياته معنى مكثفا.»
إن تفتق معنى ودلالات اسم ﮜارَا هو الذي أعطى لشخص بطل الرواية وظيفته كشاهد على الزمن الغابر، و الذي يمكن أن يجتاز الحقب. وهذا المعنى المستوحى من طيات الاسم هو الذي أوجد فكرة حكي يتناول فترات زمنية متباعدة؛ كما أنه أوجد فكرة انتقال البطل من الزمن الفلكي إلى اللازمان، لكي يتمكن من الانتقال من فترة زمنية إلى أخرى. ومن ثم جاءت فكرة الزمن الكهفي وفكرة الخضر، مَلَكُ الزمن، الذي يمكن البطل من الانتقال في اللازمان. يظهر من هذا أن الرواية كلها تبلورت انطلاقا من استكشاف دلالات هذا الاسم.
يرمز ﮜارَا لوجوه عدة من أسطورة أُدِيبْ (Œdipe) : فهو مثل لايوس (Laïos) والد أديب، تخبره الكهانة بأن ابنه سيقتله، كما أخبرت Laïos في الأسطورة اليونانية. لكن ﺗﻧﮕَلَّ، قاتل جده والمتزوج جدته، لم يفقأ عينيه ، كما فعل بطل اتراجيديا اليونانية، لأنه الأديب التقاني، الغارق في الظاهر، المنغمس في الخطيئة.

هكذا يُنْزَعُ البطل من الزمن، ليُخلص من مأساته، وليصير شاهدا عليه. فيتحول إلى كائن خارج الزمن، يُنتشل ليدلي بشهادته. إلا أن ﮜارَا كان منقطعا عن ذاته وعن الآخرين وعن الزمن الماضي، عاجزا عن التذكر في كل الفترات التي عاشها بعد الفترة الأولى. النوم وحده هو الذي يمكنه - في نوبات أحلام وجيزة- من الشعور بذاته وبالأزمنة الغابرة التي عاشها. لكنه مع كل يقظة يفقد ذاته ويرجع إلى عبثية وجوده. فقط ٬ وبعد موته٬ عندما انتشل بعد أزمنة طويلة، باح بسره، ودخل دائرة الخلود. بعد تحليل معهد أركيولوجيا الفكر الإنساني لبقايا مادة لَمْيَلِينْ في جمجمته ، ظهرت الأفكار التي اختلجت في نفسه لحظة سكرة الموت، والتي حملت شهادته على القرون التي جابها. وهكذا تكون سكرة موته قد أنتجت لحظة تخيل أدبي، صار بموجبها فعل حياته فعل بطل، وتلك هي وظيفة التذكر التي تسمو بالحياة إلى قدر إلهي، حسب عبارة أفلاطون. هكذا شكلت عظام ﮜارَا النخرة، التي حتها الزمن، الصفحة البيضاء، الفارغة، الموحية باليأس والموت والتي عليها كتب الباحثون الأثريون، بعدما عبطوا الأرض، ملحمة حياة دامت أكثر من عشرة قرون، واسترجعها البطل- الراوي لحظة سكرة موته. فانتفت الصفحة البيضاء، وفُتح الباب لقدر معاكس. فنتجت من حكاية، تبدو تافهة، إرادة خلاقة أعادت إنتاج متيولوجيا مذهلة.
IV. عبقرية المجابات الكبرى
تتضافر أمور كثيرة تجعل من المجابات الكبرى مسرحا روائيا خصبا. فلم يكن من الممكن أن تتجسد لوحات مدينة الرياح ولا أن توجد شخوصها خارج هذا الفضاء الصحراوي المترامي الأطراف، والذي يجعل الإنسان في مواجهة مع نفسه ومع الكون. فلا يمكن مثلا أن نتصور مصير ﮜارَا المأساوي أو كوارث التلوث التي وردت في الرواية خارج هذه المفاوز المهلكة. وهنا تظهر بجلاء جدلية المكان ومسميات الشخوص. فالوجوه الأصلية لاسم ﮜارَا٬ بطل الرواية، ترجع إلى المجابات الكبرى. فكلمة "ﮔَارَ" تعني في الجغرافيا البيضانية "الجبيل المستدق، المنفرد، الأسود، شبه الأكمة، مَلْمَلَهُ الحَتُّ، فبقي شاهدا على طبيعة عبثت بها عوامل التعرية". أخذ منه بطل الرواية اسمه ولونه الأسود، كما أخذ منه وظيفته كشاهد على أزمنة غابرة. فالمجابات الكبرى مملوءة ﮜورًا، كما هو حال ﮜارَا - البطل، الذي تَفَلَّقَ في المجابات الكبرى، فصار ﮜورا (الفتى القنقاري المخطوف، المشدود إلى ذنب جمل، والعبد الثائر في أوداغوست، والفتي الكهفي على جبل الغلاوية، والثائر الإيكولوجي في المجابات الكبرى.)
وبما أن الرواية تنطلق من الزمن والفضاء الموريتانيين كان لزاما أن تدور أحداثها في المجابات الكبرى التي صهرت طبيعتها الإنسان الموريتاني، وأنتجت أساطيره وثقافته. غير أنني اضطررت إلى تغيير التناغم الجمالي في هذا المكان من محطة من الحكي إلى أخرى. هكذا تنتقل الرواية من فضاء طرق القوافل الرحب، المفتوح، في الجزأين الأول والثاني، إلى الفضاء الضيق٬ الحرج٬ داخل مراكز تخزين النفايات السامة التي غزت المجابات الكبرى في الجزء الثالث. جاء هذا الديكور الأخير عندما غير ﮜارَا وجهه، ليغرق في تشاؤم مطلق.
V. دلالات الأسماء
عندما أكتب أترجم، أحاول أن أبث حقيقة جديدة في اللغة والمصطلحات تتجاوز قواعد التلقي والتقبل، لتنتج نصا يوحي - من خلال شرف المعنى- بدلالات جديدة للأمكنة والأزمنة والشخوص والمصطلحات، وأكون مترجما يؤَوِّل دائما الألغاز الكبرى للحياة. هذه الترجمة تنتج معاني جديدة لا توجد في أي قائمة للمصطلحات أوفي أية لغة، وتؤدي إلى النشوة الموسيقية وتحيل على الميتافيزيقا. ويتجلى تفتق هذه المعاني عندما يجتاز الإبداع حدود اللغات. هكذا فإني، ومن خلال اسم واحد من بين أسماء شخوص الرواية، ﮔُوسْتْبَسْتَرْ(Ghostbus ter) الذي نحت ليتناغم مع اسم أوْدَاغُوسْتْ، أتجاوز اللغات لأصل إلى صميم معنى وظيفة هذا الشخص في النص. فتصير كلمة قوستبستر في الرواية اسما لرئيس البعثة الأثرية التي تبحث عن أوداغوست، مدينة القوافل المفقودة التي طمرتها الرمال ولم يعد أحد يعرف مكانها. فتشكلت كلمات ثلاث، تبعا لإيقاعها الموسيقي – Ghost )ﮔوست( "شبح" بالانكليزية، Buster(باستر) "باحث"، و"Aoudaghost" ("أوداغوست"، الاسم الصنهاجي لمحطة القوافل المفقودة في الصحراء)- فجاءت كلمة "Gostbuster" اسما للباحث الأثري في الرواية، الذي يعني اسمه بالانكليزية الباحث عن الأشباح...
ترتبط دلالات الأسماء بمواضع الحكي في روايتي الحب المستحيل و مدينة الرياح. فأسماء الشخوص ليست اعتباطية، وإنما هي ذات دلالات، وتحمل في طياتها مواضيع الحكي، وهكذا تظهر الجدلية بين الأسماء والسرد. وقد تمثل بعض أسماء الشخوص نقطة انطلاق تشكل النص، وفي بعض الأحيان تفرض أسماء الشخوص نفسها انطلاقا من مسار السرد. ففي الحب المستحيل تشكل النص انطلاقا من اسم آدم الذي يرمز للإنسان الكامل، الرجل الأول الذي خرجت من ضلعه المرأة وبسببها وقع في الخطيئة، ونقض الميثاق الإلهي، فطرد من الجنة. وقصة سيدنا آدم تنبئ بزلات البشر في العصر المستقبلي، والتي يتمحور حولها النص. فاسم مَاِنكِي (Manikè) يترادف مع كلمة manikè التي تعني في اليونانية "فن التنبؤ بالمستقبل" و تعني أيضا في اللغة اليابانية المرأة التي عرفت الحب. وترمز هذه البطلة لشخص المرأة المتحكمة في مصير الرجل، وقد مثلت قدر آدم في الرواية٬ الذي تحول إلي امرأة من أجل أن يعيش حبه معها. أما (Androgyne) خُنَاثَةُ في الحب المستحيل ٬ فهو شخص يرمز، كما يوحي اسمه، إلى اختلاط الأدوار وإلى محو الفوارق بين الجنسين، الذي تفاقم في المجتمعات الحديثة. وفي الحب المستحيل يوجد أيضا شخص ريمان(Riman) الذي يوحي اسمه بالشيطانية ويمثل أهل الشر في المجتمعات الحديثة. أما شخص أبو الهامة "الرجل الدميم عظيم الهامة" في روايتي الحب المستحيل و مدينة الرياح فهو سقراط، كما وصفه أفلاطون في كتابه الثناء على سقراط. ويعود وجود شخصي الشيطان وسقراط دون أي تغيير في اسميهما أو في ملامح شخصيهما، من نص إلى آخر، إلى كون الأحداث التي تدور في الروايتين هي تجسيد للصراع الأزلي بين الخير والشر، وذلك من المنظور الديني-الفلسفي الذي جسده أبو الهامة (سقراط) في الجزء الأخير من مدينة الرياح، حيث ظهر وقد أعفى لحيته وجعل على هامته طاقية الأصوليين، وتحدث بوعظهم. يوجد مسوغ آخر لظهور سقراط في مدينة الرياح، وهو أن بعض استتباعات قراءتي لأسطورة المأدبة (الأفلاطونية) التي وردت في الحب المستحيل توجد في مدينة الرياح: فإذا كان العقاب الإلهي الذي نزل بالجنس الآنْدْرُوجيني قد نتج عنه ظهور الجنسين، الذكر والأنثى، فإن هذا الفصل رافقه فصل آخر فصم شعور كل إنسان إلى ثنائية الوعي واللاوعي، التي لا تقل خطورة عن فصل الإنسان الاندروجيني المتكامل، بأنوثته وذكورته، والذي جعل منه الزوجين الذكر والأنثى، كما ورد في أسطورة المأدبة. هذه الثنائية بين الوعي واللاوعي شكلت موضوعا محوريا في رواية مدينة الرياح.
هذه بعض التجليات التي أمكنتني من استلهام التراث في كتابة رواية الخيال العلمي.
1صدرت رواية الحب المستحيل بالفرنسية سنة 1990 عن دارL'Harmattan تحت عنوانL'Amour Impossible قبل أن تصدر بالعربية عن دار الآداب سنة 1999. وأيضا صدرت مدينة الرياح أولا بالفرنسية عن دارL'Harmattan سنة 1994 تحت عنوان Barzakh قبل أن تصدر بالعربية عن دار الآداب سنة 1996.

ايوب صابر 04-03-2012 10:51 PM

مقابلة مع الروائي الموريتاني موسى ولد ابنو

الإثنين, 18 نيسان/أبريل 2011 04:37
يعد الكاتب الموريتاني موسى ولد ابنو من ابرز كتاب الرواية المغاربية المعاصرة،حيث يتميز عالمه الروائي بالكثير من الغرائبية والعمق ،كما يتميز بانفتاحه على فضاءات متعددة في عوالم السرد،وهو ما يصعب معه تصنيف أعماله الروائية ،نظرا لغياب سمات واضحة لها،لكونها تجمع سمات متعددة ومختلفة،مما يعني انه يكتب بشكل تجريبي يكاد يكون فريدا في الرواية المغاربية المعاصرة والموريتانية بشكل محدد ،فرواياته توظف الخيال العلمي والدراسات المستقبلية ، وأدب الرحلة، و الفلسفية،و الأمثولة "الأوليجاركية"، مما يتعذر معه نسبتها إلى أي شكل من تلك الأشكال الروائية، لكن أعماله الإبداعية رغم ذلك تفصح عن مشروع فكري كبير ونظرة ثاقبة للمستقبل ،لكأن الصفة التوحيدية الشائعة تصدق عليه وهي"فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة"أما لغته فتمتاز بالكثير من التكثيف واستخدام الإيحاءات الدالة،وقوة المخيلة الشعرية والبناء السردي.

والكاتب موسى ولد ابنو يمتاز بالعصامية في الحديث حول تجربته الروائية ورغم ذلك استطعنا أن نجري معه حوارا شاملا حول بعض الإشكالات التي تطرحها الرواية في عالم اليوم ،وتلك منها التي يعالجها في رواياته "مدينة الرياح،الحب المستحيل وحج الفجار"


مدينة الرياح.. رواية كارهة للبشر
الإبداع في المشرق العربي، والنقد مغربي.. خطأ شائع، فالإبداع والنقد موجودان في كليهما، لكن التواصل شبه غائب، ومعرفة كل منهما بالآخر غير تامة، وفي هذا المقال نحاول أن نلقي الضوء على رواية مهمة على الرغم من أنها ليست حديثة الصدور، من أدب شبه مجهول في معظم أرجاء الوطن العربي هو الأدب الموريتاني، لعلها تكون بداية لنهتم أكثر بأن نعرف إبداع بعضنا البعض.
رواية "مدينة الرياح" للكاتب الموريتاني موسى ولد أبنو، (ط.أولى سنة 1996م- دار الآداب ببيروت).


رحلة الإنسان
الرواية رحلة في الزمان والمكان معا، رحلة شخص وقع في أسر العبودية طفلا، فكره الظلم الإنساني، ثم كره الجنس البشرى نفسه، وقد استطاع الكاتب أن يبني روايته ببراعة لتعبر بنائيا عن فكرته الأساسية، فقسم الرواية إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي "برج السوداء"، و"برج البيضاء"، و"برج التبانة"، وهذا التقسيم مواز لرحلة بطل الرواية في الزمان، فالقسم الأول يعبر عن العصور المظلمة؛ عصور استعباد الإنسان الصريح لأخيه الإنسان، والقسم الثاني عن عصر النهضة الأوروبية حيث استطاع الإنسان الأبيض تطوير إمكاناته ليسيطر على بقية الجنس البشري، والقسم الأخير يشير إلى مستقبل البشرية حيث يتنبأ الكاتب بأن تصبح الأرض مجرد سلة قمامة نووية كبيرة لبقية كواكب المجموعة الشمسية.
كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة يتكون من مقدمة وخمسة فصول، وهي عبارة عن رحلة في المكان، ينتقل خلالها البطل من مكان لآخر في نفس العصر، وقد لعب الكاتب على اتجاهين مختلفين في تناول التاريخ، أحدهما يرى أن التاريخ يعيد نفسه، فنجد الشخصية الرئيسية في الرواية "فارا" ينتقل من عصر لعصر ليجد أنه لا شيء تغير في طبيعة البشر وظلمهم لبعضهم البعض، كما يستخدم الكاتب أسلوب الحلقة الروائية ليبدأ الرواية من نقطة وينتهي بها عند نفس النقطة، كما يبدأ انتقال البطل من عصر لعصر بنفس الطريقة، بل يعيد استخدام نفس الوصف في هذه الحالة والذي يستغرق حوالي صفحتين يكررهما الكاتب لتأكيد فكرته عن إعادة التاريخ نفسه وبالتالي عدم وجود الأمل في شيء أفضل، لكنه في الوقت نفسه يكتشف مع بطله أن الإنسان يطور وسائل الشر بشكل لا يمكن أن يخطر ببال، وهو هنا يستند إلى الفكرة القائلة إن التاريخ يسير في خط مستقيم إلى الأمام، وهذا السير إلى الأمام لا يعني بالضرورة إلى الأفضل، بل غالبا –وهنا يرى الكاتب أنه دائما- العكس.


برج السوداء
يعثر بعض الباحثين على جثة مدفونة على عمق سبعة أمتار في قمة جبل، يخضعون جمجمة الجثة لبعض الاختبارات والتحاليل، ويوصلونها بالحاسب الآلي، لنبدأ قراءة أفكار ومشاعر هذه الجثة التي عاشت في الفترة من 1034-2055م!!
تستولي قافلة تجار الملح على الغلام "فارا" مقابل لوح من الملح يأخذه أبوه، وترحل القافلة حيث يقدم الكاتب وصفا أنثروبولوجيا للرحلة بما فيها من سادة وعبيد وجمال، وما يواجهونه من عقبات بيئية أو مشاكل صحية، وكيف يداوون مرضاهم بالأعشاب والتعاويذ، وكيف يحملون البضائع على ظهور الجمال، وكيف يتحركون في منخفضات الصحراء ومرتفعاتها وقد ربطوا العبيد من أعناقهم، ثم صفوا الجمال وبينها العبيد كسلسلة متصلة، ثم يصلون إلى مدينة أودافوست حيث يُعرض "فارا" في سوق العبيد، ويشتريه رجل اسمه "ازباعره" فيساعده "فارا" في تأسيس مدرسة بالمسجد لمذهب الإباضية، وفي المدرسة يتعلم "فارا" اللغة العربية، ويحفظ القرآن وتفسيره، ويعي المناظرات الكلامية والفلسفية.
يكتشف أهل أودافوست أن آبار المدينة جفت، يصلون صلاة الاستسقاء، وفي نهاية الصلاة يفاجئون برجل دميم يخطب فيهم منددا بهم لاسترقاقهم المسلمين رغم ادعائهم الإسلام، وتعاليهم، وتكالبهم على الدنيا.. يتعرف "فارا" على أمة جميلة "فاله"، ويشاركان في التحضير لثورة العبيد التي تفشل لوشاية بعضهم ببعض، ويلقيه سيده في بئر الكنيف ليعاقبه، يأتيه الرجل الدميم "إذا كنت ترفض القدر، فاهرب من البشر، والجأ إلى الصحراء، وانتظر أمر ربك". فيهرب إلى منطقة "تنين الرمال" التي يعتبرونها موطنا للجن وأن النجاة من تيهها نادر الحدوث.
في هذا القسم من الرواية نستمع إلى صرخات "فارا" المطالبة بالمساواة معلنا كراهيته المطلقة للبشر واحتقاره لهم "هذه الرمال النقية، السابحة في الضوء، كان يمكن أن تكون ذات جمال مطلق، لو لم تكن ملوثة بهذا البشر".
برج البيضاء

الروائي المورتاني موسى ولد أبنو
ينفرد "فارا" بنفسه في الصحراء، يصلي ويتعبد، وينفد ماؤه وطعامه حتى يشرف على الهلاك، تهبط سحابة تحييه بمائها، ويرى "الخضير".. يطلب "فارا" من الخضير أن يعيده إلى العدم ليكفر عن ذنب وجوده، يخبره الخضير أن هذا مستحيل، لكنه يمنحه فرصة السفر إلى المستقبل، له أن يختار محطة مستقبلية ليعيش فيها، وإذا لم تعجبه فسيختار أخرى، لكن الثانية ستكون الأخيرة وسيموت فيها.
تعثر قافلة الباحث الأثري الأوروبي "فوستباستر" وعشيقته السوداء "فاله" على "فارا" الذي يلاحظ أحوال القافلة باندهاش، لكنه لا يستطيع الإجابة عن أسئلة الباحث الأثري؛ من هو ومن أين وإلى أين؟؟ أكثر من تسعة قرون تفصل بين الزمن الذي تدور فيه أحداث "برج السوداء" وأحداث "برج البيضاء".
"فوستباستر" يبحث عن أطلال مدينة أودافوست التي اختفت تماما، في الحلم يتذكر "فارا" أودافوست ويتحدث عنها بالتفصيل، لكنه في اليقظة لا يتذكر شيئا، تصل قافلة الباحث الأثري إلى مدينة تجفجه فتجد آثار معركة بين المستعمرين والأهالي، وقد قام قائد الحصن بتعليق وجهاء المدينة ليعترفوا بمكان الثوار الذين يسميهم إرهابيين والذين قتلوا القائد السابق للحصن.. يشعر "فارا" أنه يدور في دائرة جهنمية، وأن الزمن الذي انتقل إليه ليس بأفضل من الزمن الذي هرب منه. فيهرب مرة أخرى إلى خلوة ينتظر فيها أمر ربه.


برج التبانة
ينتقل "فارا" إلى سنة 2045م، ليجد نفسه أمام مركز لتخزين النفايات السامة، وقد أصبحت البلاد ملكا لأبنائها، وحاكمها "تنفل" أحد أحفاد "فارا" و"فاله"، والذي حول البلاد إلى مقلب زبالة نووية، مقابل المكاسب التي يحصل عليها هو وحاشيته، والعاصمة هي مدينة الرياح، المآل الأخير للشر البشرى الذي أصبحت معه "الكرة الأرضية مصنفة الآن من قبل النظام العالمي مستودعا للقمامات على مستوى المجموعة الشمسية". يعمل "فارا" إجباريا في مركز النفايات السامة، ثم يهرب من المركز.
وفي مدينة "أطويل" يتعرف إلى "فاله" المغرمة بالطبيعة، والتي هربت من مدينة الرياح المجللة بالغبار المشبع بالإشعاعات النووية.. "فاله" لديها ابن منعوها من اصطحابه لأنه لم ينه دراسته الإجبارية، وعندما حاولت اختطافه مرتين وضعوها في السجن، وهي مستعدة لدفع حياتها ثمنا لإنقاذه من مدينة الرياح.
يشارك "فارا" "فاله" في عملية مقاومة لاصطياد سائقي شاحنات النفايات النووية، فيتم القبض عليهما، بعد أشهر من سجنه يعلم "فارا" أن "فاله" عادت إلى مدينة الرياح، وأنها ستتزوج الحاكم لتأمين مستقبل ابنها، ويتم الحكم على "فارا" بالإعدام في نفس المكان الذي بدأ فيه خلوته الأولى، وقد تيقن من أن نبوءة الخضير آتية لا محالة "لو واصلت السير في المستقبل، فإنك ستجد الأرض وقد أصبحت كومة رماد، والشمس وقد انطفأت".


الظلم مستمر.. والثورة أيضا
على الرغم من مقت الكاتب للظلم الإنساني، ووصفه للعبودية الصريحة، ثم الاستعمار الأجنبي، ثم استعباد الحكام المحليين لبلادهم، فإنه اضطر أن يصف الوجه الآخر من الصورة، وهو التمرد والثورة، وحتى إن لم تكتمل تلك الثورة وتؤتي ثمارها، فالعبيد حاولوا التحرر، والثوار حاول القضاء على المستعمر، وأنصار البيئة يحاولون مقاومة زرع مراكز النفايات النووية في بلادهم، فالظلم مستمر وقوي وجبار، لكن الثورة مستمرة أيضا مهما تكن وسائلها ضعيفة وأنصارها قلة، وهذا ما يمنح شعاعا من الأمل في ليل اليأس الطويل من البشرية التي لا يرجو الكاتب منها خيرا.


الضمائر واللغة
في الصفحات 7و8 والسطور الثلاثة الأخيرة من الرواية نجد صوت الراوي العليم الذي يتحدث عن كيفية العثور على الجثة، وتوصيل الجمجمة بالحاسب الآلي، ثم كيف أصبحت كل حياة "فارا" شريطا محفوظا في المكتبة العمومية بمعهد أركيولوجيا الفكر البشرى.
لكن الراوي الأساسي في الرواية هو "فارا" الذي يتحدث بضمير الأنا، وهو سارد غير عادي، لأنه سارد عليم، فهو يسرد وقائع حياته وأفكاره ومشاعره وتنقلاته عبر المكان والزمان، لكنه في الوقت نفسه ميت، والحاسوب هو الذي يقرأ كل ذلك من خلال ذاكرة جمجمته، وهذا السارد أعطى الكاتب فرصة جيدة للتغلغل في أفكار "فارا" ومشاعره، ليصفها، ويحدد منابعها، وأسبابها، ويحللها، رابطا إياها بصيرورة تاريخ الجنس البشري، الذي لم يكن أكثر من تطور أساليب الشر.
وفي الرواية سارد آخر هو "فوستباستر" الذي استخدمه الكاتب ليكتب رواية قصيرة داخل الرواية الأساسية التي يحكيها "فارا"، ليلقي الضوء على حياة "فاله" التي شاركت "فارا" جميع سفراته عبر الزمان بنفس الاسم وإن كانت بأشكال مختلفة. وهنا يستخدم السارد ضمير المخاطب.
كما استطاع الكاتب أن يلون استخداماته للغة السرد حسب مقتضيات الحال، فجاءت اللغة وصفية مباشرة عندما يقدم مشهدا واقعيا، أو يصف وقائع تهم الباحث الأنثروبولوجى والاجتماعي، وكانت لغته أقرب إلى التصوف عندما يستبطن مشاعر "فارا" في خلوته التي ينتظر فيها أمر ربه، وهي لغة ذات نَفَس فلسفي واضح عندما يعلن "فارا" رأيه في الجنس البشرى وملاحظاته عنه.


ملاحظات سردية
على الرغم من الوعي الشديد الذي كتب به المؤلف روايته فإنها لم تسلم من بعض الملاحظات التي أعتبرها غير هينة؛ فصوت الكاتب يظهر في بعض مواطن الرواية معطيا معلومات أو وصفا لا نتخيل أن الشخصية التي تتحدث تعرفها، أو تناسب ثقافتها، فهي بالأحرى نابعة من ثقافة الكاتب نفسه، كأن يشبه "فارا" نفسه بآليس في بلاد العجائب.
وعندما يقدم الكاتب "تالوثان" رئيس القافلة المتجهة إلى أودافوست في صفحتي 20 و21 تظن أنه يقدم شخصين وليس شخصا واحدا، في ارتباك سردي واضح.
الأهم من ذلك أن الكاتب يأتي بحكاية فرعية عن تالوثان لا تضيف شيئا للرواية بل تعوق سيرها (ص28 إلى ص32) ويقع الكاتب في خطأ سردي كبير؛ لأن الرواية التي نقرؤها عبر الحاسوب من ذاكرة جمجمة "فارا" لا يمكن أن يوجد فيها خط سردي لما يدور في ذهن "تالوثان".

نص المقابلة

ماهي الأسئلة الكبرى التي تطرحها الرواية في عالم اليوم؟


قبل أن أجيب على جوهر السؤال المطروح أريد في البداية الإشارة إلى مسالة مهمة ،وهي ما يقال دائما من أن الرواية جنس دخيل على الأدب العربي وعلى الثقافة العربية بشكل عام ويقال كذلك إن الكتاب الروائيون العرب بدءو كتابة هذا الجنس الأدبي محاكين في ذلك كتاب الرواية في الأدب الغربي وأنا بالنسبة لي لا أصدق هذا الطرح ولا هذا الادعاء ،وللحديث عن تجربتي الشخصية في الكتابة يمكنني أن أقول لك بأنني لم اختر الشكل الروائي الذي اكتب به كما أنني لم اكتب فن الرواية كخيار،بمعنى أنني لم انطلق من تخطيط مسبق ،ولك أقرر ذات يوم بأنني سأتحول من دارس ومدرس للفلسفة كي أصبح كاتبا روائيا ،فانا كما هو معروف متخصص في الفلسفة وخريج جامعة السربون بفرنسا،بعد ذلك تخرجت من المعهد العالي للصحافة بباريس واشتغلت في العديد من الوظائف قبل العودة إلى موريتانيا حيث عملت في مجلة "جون أفريك"ذائعة الصيت واشتغلت بعد ذلك في الأمم المتحدة وكنت اسكن بالولايات المتحدة الأمريكية وإبان تلك الفترة لم يكن لدي ابسط اهتمام بالأدب الروائي ولم أكن قد قرأت أي رواية ،لكنه في سنة 1989طلب مني زميلي وصديقي المرحوم جكانا أن أسس معه قسما للفلسفة بجامعة نواكشوط الفتية واستجابة لطلبه قبلت الدعوة وعدت إلى العاصمة نواكشوط حيث كنت اقطن في بيت متواضع بحي شعبي بمقاطعة السبخة الحالية وفي هذه الفترة بالذات كتبت رواية الحب المستحيل وربما يعتبر من المفارقة أنني كتبت في هذا الحي الشعبي حيث لا توجد محفزات كبيرة على الإبداع مقارنة بما كان متاحا لي وأنا أقطن بمدينة نيويورك فبعد العودة إلى نواكشوط إذن وجدتني اكتب رواية الحب المستحيل حيث نشرت نصها الأصلي باللغة الفرنسية سنة 1990لكن تعريبها لم يتم إلا في سنة 1994

هل تريد أن تقول بان الرواية ليست إجابة عن سؤال محدد مرتبط بمعطيات وظروف معينة؟


هذا ما حصل معي حينما كتبت روايتي الأولى حيث أن ظروف العمل في أكبر وأهم مدينة بأكبر دول العالم وأكثرها تأثيرا في العالم ،وتعدد القضايا الكبرى المطروحة ،كل ذلك لم يجعلني أكتب رواية الحب المستحيل ،لقد تم ذلك فقط في حي السبخة الشعبي،وببيت متواضع جدا، وأنا اعتبر هذه الرواية تأليفا جديدا في الزمان والمكان ،وأتذكر إنني عندما أنهيت كتابة رواية الحب المستحيل سلمتها لأحد الأصدقاء وكان آنذاك رئيس قسم الأدب الفرنسي بجامعة نواكشوط، فلما اطلع عليه أخبرني بان هذا النص يدخل في صميم الرواية الأدبية وهو الذي شجعني على نشرها ثم لجأت إلى تعريبها في ما بعد،من جهة أخرى أشير إلى أن الكاتب قد يرسم تصورا عاما للموضوع، لكنه حين يستغرق في كتابة النص يصبح هذا الأخير هو المتحكم في النهاية، بمعنى انه لا يمكن تصور ما سيقوله النص ،فمصيره يتحقق بعد كتابته وهي نفس التجربة التي خضتها في الكتابة، لكنني بعد الانتهاء من الاشتغال بالنص أعيد قراءته كقارئ وليس ككاتب.


أنت تفضل أن تقول بان رواية الحب المستحيل قد عرفت طريقها إلى القارئ العربي عن طريق التعريب ولا تقول الترجمة؟


هو في الحقيقة تعريب وليس ترجمة،فالتعريب هو إعادة كتابة العمل من جديد مع الحفاظ على روحه، فالشخوص لازالت هي نفسها وكذلك الأحداث والعقدة ،فالتعريب هو إعادة بناء للمنجز الإبداعي وتقديمه بصيغة جديدة تتواءم مع السياق التاريخي والبعد الثقافي للغة المنقول إليها النص الأدبي.


من هو الكاتب الروائي بالنسبة لك ،هل هو مبشر بقضية معينة، هل هو مصلح اجتماعي أو سياسي؟وبعبارة أخرى هل الكاتب موسى ولد ابنو يكتب الرواية من منظور فلسفي ،هل يريد التعبير عن أفكاره الفلسفية بالاتكاء على تقنية السرد؟


سبق وان سالت نفسي نفس السؤال لكنه بالصيغة التالية: لماذا اكتب الرواية؟لكنني توصلت إلى الإجابات التالية أولا أنا اكتب الرواية كفيلسوف لكن بشكل مختلف عن طريقة الفلاسفة القدماء ،ثانيا أنا اكتب الرواية لأنني وجدت أنها تدخل في صميم الوجدان العربي الإسلامي ،فالرواية ليست نمطا جديدا من الكتابة ولدينا العديد من الأمثلة على ذلك في حضارتنا العربية الإسلامية، كالرواية الفلسفية عند ابن سيناء ،ورواية حي ابن يقظان لابن طفيل ،والرواية جزء من المقومات الثقافية للحضارة العربية الإسلامية ،وهي من ناحية أخرى ليست ديوان الشرق ولا ديوان الغرب كما يقال بل ،إنها ديوان الإنسانية جمعاء ،من هنا يمكن أن أقول لك إنني بكتابتي للرواية لم أكن أصدر عن تقليد للغرب ولا أي كاتب مشرقي آخر، لكنني كنت استلهم التراث الديني الإسلامي الذي هو مرجعيتي الأولى وخصوصا النصوص القرآنية المقدسة وبالتحديد سورة الكهف"يقول جل من قائل (فاقصص عليهم القصص لعلهم يتفكرون)وقد لجأت إلى استنطاق التراث الديني وتوظيف القصص القرآني في رواية مدينة الرياح خاصة الجزء الأخير من سورة الكهف ،كما إن إشكالية معنى التاريخ كانت حاضرة بقوة في هذه الرواية إضافة إلى سؤال الوجود ،كنت أتساءل مثلا هل الإنسان يصير من سيئ إلى أسوأ،هل يصير من سيئ إلى أحسن ،هل الإنسان يصير تبعا لما يعمل في التاريخ ؟،ثم إن حكاية للازمن الموجودة في قصة أهل الكهف الواردة في القرءان هي التي جعلتني أنتج شخصية "كارا" في رواية مدينة الرياح،وأريد أن أصل إلى أن القرءان بأسلوبه القصصي أسعفني في حل معضلات تقنية كتابة الرواية ولست متأثرا بأي كاتب آخر،أما في ما يتعلق بالإجابة على الشق الأول من السؤال فأحيلك إلى رواية الحب المستحيل التي اعتبرها نقد لما آل إليه عالم التقنية ،ففي هذا النص نقد للعالم الذي غاب منه العقل وأصبح كل شيء محكوما بالتقنية الحديثة التي لا تستمع لمنطق العقل ،وقد لجأت في ذلك أيضا إلى استلهام البعد الإسلامي في القضية ،ففي الآية الأخيرة من سورة الأحزاب "إن الإنسان خلق ظلوما جهولا..."وربما نظرا لشمولية الطرح في هذه الرواية اعتبرتها رواية إنسانية، على الرغم من أن فكرتها الأولى كانت تدور حول كتابة نص موريتاني بحت ،حيث أنني تصورت شيئا ثلاثي الشكل على نمط الكؤوس الثلاثة للشاي أو الجوانب الثلاث لآلة "التيدينيت" "الكحلة،البيضة،لكنيدية".


إلى أين تتجه الرواية اليوم في ظل تقنيات الاتصال؟هل ستختفي أم سينحسر دورها مثلا؟


أنا اعتقد أن وسائل الاتصال وتطورها المتسارع من شانه أن يدعم النص التقليدي ويعطيه دفعا إلى الأمام، كما أن نفس الوسائل من ناحية أخرى تمثل تحديا كبيرا لهذا النص، لكونها أصبحت تفرز أنماطا جديدة من الكتابة الروائية تسمى" الكتابة التفاعلية" وهي الكتابة التي أصبحت تعطي الفرصة للقارئ كي يشارك في الصيغة النهائية للنص ،حيث لم يعد الكاتب هو المتحكم الوحيد في الصياغة النهاية للعمل المنجز، كأن يكتب فصلا أو فصلين ويضعهما في متناول القارئ عبر الانترنت ويضيف هذا الأخير فكرته على النص وهكذا حتى تكتمل الصورة النهاية التي تستجيب لذوق الكاتب والقارئ في نفس الوقت.


لكن هذا النمط من الكتابة يعرض النص للضعف من حيث قوة السبك وعمق الفكرة مادام متاحا لقارئ عادي أن يشترك في انجازه؟


لا اعتقد ذلك ،لان هذا النمط من العلاقات بين الكاتب والقارئ كان موجودا،وان كان التواصل بينهما هو الذي كان مفقودا،فالقارئ مثلا كان يقرأ النص رغم أن فكرة معينة أو أسلوبا معينا قد لا يعجبه ،لكنه لا يمتلك فرصة في التعبير عن ذلك.


لقد مضت حوالي ثلاث سنوات على صدور روايتكم الأخيرة حج الفجار والتي هي الجزء الأول من رواية ثلاثية، هل لنا أن نتساءل عن مصير الجزأين الأخيرين ؟


إن نية نشر الجزأين الأخيرين لا زالت موجودة،لكن الظروف العامة المحيطة بالكتابة تمتاز بالصعوبة خصوصا وأننا في موريتانيا نعيش أجواء سياسية تلقي بظلالها على كل شيء بما في ذلك الأدب الذي يحتاج أجواء هادئة إلى حد ما،لكن ما يمكنني أن اعد به هو أن الجزأين الثاني والثالث من حج الفجار قد يتم نشرهما باللغة الفرنسية قبل تعريبهما ،وأنا الآن بصدد كتابة الجزء الأخير باللغة الفرنسية تحت عنوان"mec paeenneمكة الوثنية" علما أن الجزء الأول الذي تم نشره تحت عنوان :حج الفجار"كان قد عرب عن النص الأصلي الذي كتب بالفرنسية تحت عنوان"l appel de l amie نداء الخليل"

ولماذا الكتابة باللغة الفرنسية،هل لأنكم أكثر تمكنا منها مقارنة باللغة العربية؟


أنا الجأ إلى الكتابة باللغة الفرنسية كهروب من اللغة الأم وكي أتمكن كذلك من النظر إلى اللغة العربية بموضوعية ثم إن الكتابة باللغة الفرنسية تساعدني أكثر على التحرر من القيود.


راج في الآونة الأخيرة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالتحديد مصطلح الإرهاب وهو مصطلح إن لم يكن بالجديد لكن الصيغة التي أصبح يطرح بها مختلفة عن ما كانت تتناول به في السابق ،أين الرواية إذن من هذه الظاهرة وكيف تقيمون علاقة الرواية بالإرهاب؟


أعتقد أن رواية الحب المستحيل هي أول رواية عربية تتحدث عن الإرهاب وترفضه رغم أنها نشرت قبل انتشار ظاهرة الإرهاب التي يتحدث عنها العالم اليوم ،ففي هذه الرواية يدور نقاش بين بعض شخوصها عن ظاهرة الإرهاب ،فاحدهم يخاطب الإرهابي قائلا"إن حياة بشر واحد أفضل من كل القضايا " .


كيف تنظر إلى علاقة الكاتب الروائي بالناقد، هل أن الروائي الناجح مدين لشخص الناقد أم أن وجود مبدعين جيدين هو الذي يساهم في وجود ناقد جيد؟


وجهة نظر الناقد حول النص المنجز أساسية جدا، فالنقد الجيد ينتج مبدعين جيدين كما أن الناقد الحقيقي مبدع لنص جديد.


ما هي قراءتك للساحة الأدبية الموريتانية اليوم؟


أنا أرى أن الأدب الموريتاني يمتاز بخصوصيتين على مستوى الأدب العربي وذلك من خلال قضيتين، الأولى هي ازدواجية الكتابة باللغة العربية والفرنسية،فنحن لدينا مبدعون يكتبون باللغتين، أما الناحية الثانية هي أن الأدب الموريتاني أصبحت تنموا فيه مدرسة للخيال العلمي وهذا شيء جديد، أما أهم الروايات التي تنحوا هذا المنحى وتكتب باللغة العربية فأذكر منها على سبيل المثال محمذن بابا ولد اشفغ والمختار السالم احمد سالم أما الذين يكتبون باللغة الفرنسية فاذكر روايتين متميزتين جدا لكاتب موريتاني مقيم بتونس ثم روايتي الحب المستحيل ومدينة الرياح.


اجري الحوار: جمال محمد عمر

ايوب صابر 04-03-2012 11:08 PM

موسى ولد ابنو الروائي الموريتاني من بلد المليون شاعر

قلائل ربما أولئك الذين يعني لهم شيئاً اسم موسى ولد ابنو، أولاً لقلة من يقرأ وثانياً لأن الاسم نفسه ينتمي إلى بلد واقع خارج الضوء هو موريتانيا التي لا يذكر اسمها إلا متصلا بمشكلة التخلف والفقر أو مشكلة الصحراء الغربية، لكن أحدا لا يعرف على سبيل المثال أن الموريتانيين في معظمهم ينظمون الشعر ويتذوقونه ويحفظونه عن ظهر قلب. وإذا كان رقم المليون محبباً إلى العرب بحيث يتحدثون عن الجزائر بوصفها بلد المليون شهيد وعن العراق بوصفها بلد المليون نخلة، فإن موريتانيا مثلما يؤكد الكثيرون هي بلد المليون شاعر بالتمام والكمال!.

الخروج عن القريض ‏
غير أن موسى ولد ابنو يطل من مكان آخر هو الرواية. وهو لا يكتفي بالخروج على القافلة اللامتناهية للقريض الموريتاني بل يخرج أيضا عن المفهوم التقليدي للرواية ضاربا بخياله الخصب شبكة العلاقات المألوفة بين الواقع وتعبيراته ومطلا على عالم تأويلي يحل فيه الرمز محل الحقيقة وتتداخل فوقه الأشياء وظلالها، الأماكن وكائناتها المصارعة، في روايته الأولى المكتوبة بلغته الأم «مدينة الرياح» فاجأ موسى ولد ابنو قراءة بذلك الخلط العجيب بين التواريخ والأزمنة والوقائع حيث استطاع أن يحول الرواية إلى فانتازيا متواصلة من الرؤى والتهيؤات.وإذا كان الكاتب المقيم في فرنسا قد أفاد إلى حد بعيد من تقنيات الرواية الغربية والأمريكية اللاتينية فإنه يبدو من جهة مأخوذاً بالينابيع السحرية لـ «ألف ليلة وليلة» ويبدو من جهة أخرى شديد الحرص على أن تكون الصحراء بسكونها وأصواتها،بعمقها واندلاع نيرانها الخصبة، الخلفية الأبرز لعوالمه الروائية.

الشأن الآخر الذي يلفت في كتابة ولد ابنو هو ثقافته الواسعة التي تفيد من الرياضيات والفلك والتاريخ وعلم الأجنة والأجناس وغيرها من العلوم والمعارف التي يحسن توظيفها داخل نصه المشوق من دون أن يرهق القارئ باستعراضات مجانية. ‏
في روايته الثانية والتي أود الحديث عنها «الحب المستحيل» يقدم ولد ابنو مرثية للجنس البشري، منطلقا من الكشوفات العلمية المذهلة التي بدأت توكل التكاثر والإنجاب إلى التخصيب الاصطناعي والأنابيب والتقنيات الحديثة لا إلى الشغف والحب ونيران الأجساد. هكذا تحولت حركات تحرير المرأة وفق الرواية، حركات دفاع عن التخصيب الأنثوي فيما حول الرجال بدورهم جميع المستشفيات ودور الحضانة مراكز لإنجاب الذكور وحدهم، كرد طبيعي على هجوم الإناث. ‏
الرومانسية البالية ‏
باتت الكرة الأرضية إذا مهددة بحرب أهلية جنسية يمكن لأحد طرفيها الفوز إذا تمكن من القضاء على الجنس الآخر وإبادته تماما. وهو ما دفع بالجنسين إلى عقد هدنة طويلة الأمد تقضي بالفصل الكامل بين الجنسين وجعل الإنجاب في عهدة بنوك التخصيب دون سواها. ‏
العلاقات الجنسية أصبحت مقننة إلى أبعد الحدود ولم تعد تتم إلا ضمن مراكز الخدمة المختلطة التي تحول الأجساد «حصالات» اللذة المحض. أما الحب فقد منع تماما واعتبر من الكبائر التي لا يجوز التساهل معها كونها تعيد البشرية إلى زمن الرومانسية البالية والد لع الأخرق غير المبرر. لهذا كان الخاضعون للخدمة المختلطة يتعرضون للفحص الدوري عن طريق أجهزة قياس المشاعر حيث كان الحاملون لبذرة العشق يفردون إفراد «البعير المعبد»، على حد تعبير طرفة بن العبد، ويوضعون في مراكز تأهيل تتم فيها معاقبهم بقسوة عن طريق انتزاع جرثومة العاطفة الشريرة من دواخلهم وتحويلهم إلى ربوتات جنسية خالصة. ‏
في هذا الجو الغريب والبالغ الإثارة يقع آدم ومانكي في الحب حتى إذا اكتشف أمرهما بوساطة الأجهزة أرسل كل منهما على حدة إلى مراكز التأهيل التي جعلت من جسديهما مسرحاً لكل أنواع التعذيب وقتل العاطفة. غير أن ذلك كله لم يجد ما دفع السلطات المعنية إلى فصل أحدهما عن الآخر في شكل نهائي لا عودة منه. وفي لحظة اليأس النهائية يشير أحد المسؤولين عن إعادة التأهيل،إلى آدم أن الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامه ليبقى إلى جانب مانكي هو أن يغادر جنسه ويتحول إلى امرأة، عبر عملية جراحية مضمونة النتائج. لم يرفض آدم الفكرة على هولها وغرابتها فقد كان في سبيل الحب مستعدا للتحول لأي شيء. امرأة.. كرسيا.. غيمة أو غبارا. ‏
مرثية للجنس البشري ‏
هكذا تتحول الرواية إلى مرثية للجنس البشري بقدر ما تبدو كدعوة لخلاصه وإنقاذه. مع أن الرواية تحتفي بمنجزات العلم الحديث وتتصالح مع جوهره إلا أنها في المقابل صرخة مدوية في وجه تشييء البشر وتجويفهم ومكننتهم الكاملة. ‏
كأن ولد ابنو يريد أن يقول إن الصحراء ليست خارج الإنسان بل داخله وإن هدف كل أدب حقيقي هو مقاومة الجفاف والتصحر وإعادة المياه إلى مجاري العالم عبر الانتصار للحب وأهله.الحب وهو خارج الأجناس والأنواع والمفاهيم المتوارثة والأعراف، ألم يكن الكائن واحداً في البداية وقبل أن تخرج المرأة من ضلع الرجل كما يقال؟ وها هوآدم الجديد يعود إلى ضلع المرأة التي خرجت منه ويتماهيان معا فوق سطح الفردوس الجديد الذي ستتمخض عنه جهنم الثانية.

ايوب صابر 04-03-2012 11:15 PM

موسى ولد ابنو
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة



موسى ولد ابنو( 1956, بوتليميت). كاتب وسياسي موريتاني تبوأ عدت مناصب مهمة حيث عمل لفترة مستشارا للرئيس السابق معاوية ولد طايع من أهم مؤلفاته:
  1. مدينة الرياح
  2. حج الفجار
  3. الحب المستحيل (كتاب)
  4. ألا ليت الفتى حجراً

ايوب صابر 04-04-2012 12:20 PM

موسى ولد ابنو

محزن ما هو مكتوب عن هذا الكاتب الذي يبدو عبقريا في انجازاته. واذا كان في الرواية شيء من السيرة الذاتية فيكون هذا الكاتب قد اختبر في طفولته احداث مأساوية ، وعلى الرغم من غيابه في فرنسا ثم في نيويورك بدأ يكتب فقط عندما عاد للسكن في موريتانيا في حي شعبي متواضع وهو ما ايقظ في نفسه احداث الطفولة التي كانت قد تركت جبال من الالم.

على كل حال وحتى يتوفر لنا مزيد من المعلومات سنعتبره مجهول الطفولة.

مجهول الطفولة.

ايوب صابر 04-04-2012 12:22 PM

50- أيام الإنسان السبعة عبد الحكيم قاسم مصر

أيام الإنسان السبعة

byعبد الحكيم قاسم, Abdel-Hakim Kassem
صدر عن دار الشروق طبعة جديدة من رائعة عبد الحكيم قاسم " أيام الإنسان السبعة " والتي تدور في القرية المصرية في جانزب لم يكتبه أحد من قبل هو حياة الدراويش، هؤلاء الفلاحون الفقراء الذين يقضون نهارهم في الحقول، وحين يأتي المساء يئوبون إلى "الحضرة" حيث الذكر والإنشاد بعد الصلاة. وحيث الحلم باليوم الذي يذهبون فيه إلى مولد السيد أحمد البدوي في طنطا. أيام الإنسا...more</SPAN>صدر عن دار الشروق طبعة جديدة من رائعة عبد الحكيم قاسم " أيام الإنسان السبعة " والتي تدور في القرية المصرية في جانب لم يكتبه أحد من قبل هو حياة الدراويش، هؤلاء الفلاحون الفقراء الذين يقضون نهارهم في الحقول، وحين يأتي المساء يئوبون إلى "الحضرة" حيث الذكر والإنشاد بعد الصلاة. وحيث الحلم باليوم الذي يذهبون فيه إلى مولد السيد أحمد البدوي في طنطا. أيام الإنسان السبعة إشارة إلى طريقة في الإدراك أهملنا تأملها لزمن طويل
==

ايام الانسان السبعة – عبد الحكيم قاسم

ايام الانسان السبعة – عبد الحكيم قاسم / ربما لو كنت قرأت هذة الرواية من فترةمعينة لظننت انها مجرد رواية ليس اكثر من ذلك و لا علاقة لها باي واقع و انما هيمحض خيال كاتب بل اعتقد انني كنت لأكراهها ظن مني ببعض المبالغات في بعض احداثها - لولا ان رأيت جزء مما ذكر بنفسي في احد المرات بمحض الصدفة
الرواية تتحدث عن "كما يطلقعليهم في احدي سطورها" الموالديه - اي محبي و زوار موالد الاولياء الصالحين و عليوجه التحديد السيد البدوي او كما عرفت من الراوية مولد السلطان كما يطلقون علية .. تري احداث الرواية بعين ابن كبيرهم الذي يبداء معنا صغير السن هذا الولد الذي يحبابيه جدا و يحب اصدقائة الدراويش و لكنة مع ذلك ناقم عليهم و علي تصرفاتهم و احياناعلي كونهم فلاحين اصلا و علي ماهية و غرض الذهاب لهذة الموالد – الامر الذي يعلنهفي احدي لحظات غضبة و يصفهم بالبهائم و بعباد الاصنام فيصب ابيه عليه اللعنات والكفر
لا اريد ان اخوض في احداث ولكن اعجبني جدا استخدامة للتعبيرات بشكل جميل و ايضا الاسلوب الذي يصف من خلالهالاشياء و الاحداث فمثلا في فصل الليلة الكبيرة و هي يوم المولد يصف الدراويش فياماكن تجمعهم و اكلهم علي حد تعبير الكاتب " طراز اصيل من القذاره" اعجبني جدا هذاالتوصيف و هذا التعبير لا ادري لماذا ؟ لعل السبب انني رأيت مشهد مماثل لذلك فيالواقع
في موضع اخر ايضا يصف حالةالغوغائية التي تعم المكان ما بين اصوات الموقد و الكلوبات و تصايحهم و ضحكهم "يضحكون في سرور حتي في صياحهم الغاضب انما هم يضحكون في هذا الزحام الغريب يروحونو يجيئون بسهولة"
اما عن الفصل الاخير من هذةالرواية فقد اتعبني كثيرا فهو جاء متفاعل مع عامل الزمن و مرور الايام جاء مليءبلحظات انكسار و التعب جاء ملىء بالرحيل و الموت جاء كثير التشويش و التخبط .. عمتسطوره الحزن بوجه عام

الرواية في مجملها جيدة جداتحميل الكثير من المعاني و التعبيرات الجميلة و تستحق القراءة

==
نبذة الناشر:
من رائعة عبد الحكيم قاسم "أيام الإنسان السبعة" والتي تدور في القرية المصرية في جانب لم يكتبه أحد من قبل هو حياة الدرويش، هؤلاء الفلاحون الفقراء الذين يقضون نهارهم في الحقول، وحين يأتي المساء يئوبون إلى "الحضرة" حيث الذكر والإنشاد بعد الصلاة. وحيث الحلم باليوم الذي يذهبون فيه إلى مولد السيد أحمد البدوي في طنطا. أيام الإنسان السبعة إشارة إلى طريقة في الإدراك أهملنا تأملها لزمن طويل.


المفارقة فى رواية أيام الإنسان السبعة


لعبد الحكيم قاسم


عتبة النص:


"حلم حياتي


كل أملي


مراكبي مشتاقة للمرافئ البعيدة"


هذه الكلمات افتتح بها عبد الحكيم قاسم عالم "أيام الإنسان السبعة" أظن أنها عتبة نصية ليس فقط لعالم الرواية بل تعد عتبة نصية لعالم الروائي نفسه
أ- كلمة: حياتي:
نلاحظ أن السيرة الذاتية للكاتب هي محور أو موضوع نصوصه وإذا كانت قد تقنعت تلك السيرة في الرواية موضوع البحث مثل تسمية البطل عبد العزيز بدلا من عبد الحكيم وتغيير أسماء الشخصيات وغيرها من الحيل الفنية فقد نزعت بعض الأقنعة في رواية مثل "محاولة للخروج" ونزعت معظمهها في رواية " قدر الغرف المقبضة"
لكن لا جدال أن تجارب الكاتب الحياتية كانت هي المدار حتى في مجموعات : الأشواق والأسى – ديوان الملحقات
فنجد القصص القصيرة تلتقط لحظات أو مشاهد جزئية تدخل ضمن الصورة الأكبر التي ظهرت في الروايات وأبزر ذلك: من مجموعة ديوان الملحقات قصة : واحد من أهل الله
وهي تنتني بلا شك لعالم " أيام الإنسان .." كما تنمتي قصص: قريتي-عشق-ليلة شتوية من "الأشواق والأسى" وإن كانت القصة الأولي "واحد من أهل الله" أبرز مثال لأن نفس الشخصية تظهر في "أيام الإنسان السبعة " بنفس الرسم والملامح واختلفت فقط تفاصيل الحدث
وبعيدا عن الاستطراد في التدليل على فكرة سيطرة السيرة الذاتية على أغلب أعمال الكاتب نتابع
ب- مراكبي تهفو للمرافئ البعيدة:
هذه اللغة الشاعرية التي يعبر بها الناثر عن أزمته تدخل بنا مباشرة للمفارقة الكبرى في نص"أيام الإنسان السبعة"
ما أسميته المفارقة الكبرى أقصد به :
تلك المسافة بين الفرد بأحلامه وتطلعاته


وبين العالم بممكناته ومستحيلاته
تلك المسافة نتجت عن وعي مفرط بالذات
ولذلك تم بناء النص اعتمادا على مفارقة :
النظرة الأولي للأشياء قبل إدراكها
النظرة الأخرى بعد إدراكها وتفسيرها
تلك النظرة الأخرى التي تضفي أحيانا أبعادا أكبر على أفعال بسيطة
ولنبدأ في التطبيق بدلا من الكلام النظرى
[COLOR=#333333]1- مفارقة المكان : [/COLOR
نجد أن المفارقة تقع بين مكانين أساسين بل وحيدين هما كل العالم :
القرية في مقابل المدينة ( طنطا)
المكان الأول القرية: تفاصيله التي طرحها الكاتب ربما بإسهاب اتخذ شكل إنثربولوجي
خاصة في فصل الخبيز وإبراز ذلك الطقس بكل تفاصيله وبثراء غير عاجي في عملية العجين واختماره وتجهيز الفرن وأمهر البنات أو النساء في ذلك اليوم ..
هذا المكان "القرية" له شخوصه المحددين بالاسم والملامح والإيقاع الهادئ الرتيب أحيانا مثل فصل : الحضرة
ب- طنطا:
المكان الثاني النقيض أو الضد حيث الصخب والضوضاء والإبهار والزحام وشخوص غير محددين أو معروفين بالاسم دون إبراز ملامحهم الداخلية لأن البطل تعرف على سلوكهم في مواقف محددة عكس شخوص القرية وبالطبع الإيقاع سريع جدا وأبرزها فصل الليلة الكبيرة
والذكاء كان في أن الكاتب جعل النقلة الزمنية في فصل الليلة الكبيرة من عبد العزيز الصبي للشاب
فسحر جو وأحداث الموالد ونظرة الانبهار للعالم الغني بتفاصيل لا يراها البطل إلا مرة كل عام أفضل توقيت لتلك النقلة
2- مفارقة الزمن:
الزمن الأول: زمن الصبا
واليقين والاستمتاع بالأشياء حتى وإن استعصى بعضها على الفهم وزمن المغامرات الصغيرة والحب البريء
مثل تجربة صباح ومحاولة ممارسة الجنس الفاشلة في فصل الخبيز وحب البطل عبد العزيز لسميرة
الزمن الثاني : زمن الشباب
ودخول جمرة المعرفة والشك فيما كانت بديهيات مثل: قدرة الأولياء وزيارتهم
واكتشاف صغر وضآلة العالم القديم "القرية" بمفرداته وأيضا برجاله حيث يكتشف حجك سخرية أهل طنطا من رموز قريته وأولهم الأب
هذا الاكتشاف أشبه بالصدمة
(زوارك يا سيد كل نطع وأخوه)
هذه رؤية شباب طنطا لزوار السلطان ويعلق عبد العزيز(هو يحب المدينة فلماذا تكره آله)
ووضع الزمن الأول فى مواجهة الزمن الثاني
هو لب المفارقة القائمة عليها الرواية
3- مفارقة الشخصية:
الرواية تتعرض بشكل أساسي على مفارقة داخلية تقوم داخل نفس عبد العزيز حيث يدور صراع إيجابي حيث يدور السؤال والتفكير ومحاولة الفعل لتغيير الواقع ..
لم يحدث التغيير بعنف فالشخصية بطبيعتها ليست متمردة تأخذ تصرفا ثوريا خارجيا لكن طبيعة الشخصية أن تمردها وثورتها تعتمل داخلها دائما وهو ما يجعل المسألة أعقد والأزمة أشد..
فالمواجهة الوحيدة مع الأهل أحدثت لهم صدمة عندما اكتشفوا أنه تغير ورغم اعتذاره أو بالتحديد صمته وعدم تكرار المحاولة لكن ذلك لم يمنع الفجوة والجفاء بين عبد العزيز وأهله
4- صانع المفارقة:
(طول عمر عبد العزيز وهو يحب .....)
هذا السطر الأول من الرواية يطرح أن الكاتب اختار ضمير الغائب حيث يحكي عن الشخصية الرئيسية ..
ونجد هيمنة للراوي السارد
والموقع الأحادي للحكم على أحداث وشخصيات الرواية ..
والعلاقة بين الكاتب والشخصية علاقة "تضامن" ونشرح ذلك
من اللحظة الأولي يتبنى الكاتب رؤية الشخصية الرئيسية
وإلى نهاية الرواية لا نجد زاوية أخرى لشخصية أخرى لا للتأييد أو للنفي..
والحكم على كل شيء حتى على الذات وبالتحديد على الذات يتم دائما من خلال عبد العزيز...
لكن لماذا لم يتم الكتابة بضمير المتكلم؟
أظن أن فكرة الانتقال من السيرة الذاتية للرواية هي السبب حيث جاء ذكاء عبد الحكيم قاسم فى الاستفادة من امكانات الرواية كجنس أدبي..
حيث ينزع ذاته ويطرحها كموضوع للبحث ..
ولضمان الموضوعية " دراميا" كتبها كمن يحكي عن آخر
المهم:
أن صانع المفارقة اتسم بالقدرة على التقاط التفاصيل وأبرزها-فصل الخبيز-
واتسم بالموضوعية والتجرد
وخاصة بعد زيادة الوعي
ولنلاحظ نبرة المقارنة بين طنطا والقرية
وبين بنات طنطا وسميرة
واتسم أيضا بالتعاطف مع الضحية عبد العزيز
هنا هو ضحية في هذا العالم
حيث ضاع من عبد العزيز يقين الصبا
وأصبح كل حلمه أن تصل مراكبه للمرافئ البعيدة
أشرف نصر

ايوب صابر 04-04-2012 10:52 PM

عبد الحكيم قاسم
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة



يعتبر عبد الحكيم قاسم (١٩٣4-١٩٩٠) إحدى العلامات البارزة في الأدب المصري في الثلاثين عاما الأخيرة. ولد بقرية البندرة قرب طنطا. انتقل في منتصف الخمسينات إلى القاهرة وبدأ الكتابة الأدبية في منتصف الستينات حينما سجن لمدة أربع سنوات لانتمائه لتنظيم يساري. عاش في المنفى ببرلين من عام ١٩74 إلى عام ١٩٨5 لاختلافه مع النظام ثم رجع إلى القاهرة حيث توفي عام ١٩٩٠. له خمس روايات، وأربع روايات قصيرة، وخمس مجموعات قصصية ومسرحية.

==
عبد الحكيم قاسم


يعتبر القاص والروائي المصري عبدالحكيم قاسم (حكم.. كما يسميه اصدقاؤه ) من العلامات البارزة في الكتابة القصصية والروائية العربية، وينتمي لموجة الحساسية الجديدة بتوصيف ادوار الخراط والتي كان جيل الستينات الكبير بكل رموزه الفكرية و زخمه وحيويته وثوريته وعراكه الثقافي والايديولوجي والسياسي اهم افرازات ومميزات هذه الحقبة التاريخية ، و لانكاد نذكر هذا الجيل دون ذكر اسماء عبد الحكيم قاسم و صنع الله ابراهيم وابراهيم اصلان ومحمود الورداني وابراهيم عبد المجيد وعبد القادر القط وجمال الغيطاني وعبده جبير ومجيد طوبيا ومحمد مستجاب ويحيى الطاهر عبد الله واحمد هاشم الشريف وبهاء طاهر ومحمد البساطي وصبري موسى ويوسف القعيد وغيرهم من من يمثلون بحق نواة هذا الجيل الكبير بما للكلمة من معنى، و الذي حمل هم وطن مزقه الفقر والتخلف وشتته القمع ورسم بحق ملامح مجتمع في مفترق الطرق ودافع عن مكاسبه بما اوتي من صلابة راي وصدق مواقف


ولد المبدع عبد الحكيم قاسم بقرية البندرة قرب طنطا سنة 1934 انتقل في منتصف الخمسينات إلى القاهرة وبدأ الكتابة الأدبية في منتصف الستينات حينما سجن لمدة أربع سنوات لانتمائه ل تنظيم يساري . عاش في المنفى ببرلين من عام 1974 إلى عام 1985 لاختلافه مع النظام ثم رجع إلى القاهرة حيث توفي عام 1990.


يقول عنه صديقه محمد شعير
( كان الروائي المصري الراحل عبدالحكيم قاسم قد سافر في بداية السبعينيات إلى ألمانيا بهدف المشاركة في إحدى الندوات عن الأدب العربي، وبدلا من أن يظل أسبوعا، كما كان مقررا، امتدت رحلته أكثر من خمسة عشر عاما. عندما وصل إلى هناك قرر البقاء للدراسة، وأعد بالفعل أطروحة حول "جيل الستينيات في الأدب المصري" ولكنه لم يناقشها، وعمل أيضاً في المساء حارسا ليليا لأحد القصور. احساس قاسم بالفراغ والوحدة جعله يمضي وقته بالكتابة، هناك كتب كل أعماله الروائية والقصصية باستثناء "أيام الإنسان السبعة"، و"محاولة للخروج"... )

ايوب صابر 04-04-2012 11:15 PM

الروائي المصري الراحل عبد الحكيم قاسم




عبد الحكيم قاسم من أبرز الكتاب المصريين في المرحلة الناصرية. قضى في السجن عدة سنوات بسبب افكاره ومواقفه وارائه السياسية والفكرية،وداهمه الشلل وهو يعد اطروحته في الأدب .
سافر عبد الحكيم في بداية السبعينات الى المانيا الديمقراطية وعاش فيها عشر سنوات ،ألف خلالها عدد من المجموعات القصصية. وفي الثمانينات عاد الى وطنه الأم وامضى أيامه في القاهرة ،فكان يشارك في النشاطات الثقافية ويكتب زاوية اسبوعية في صحيفة "الشعب".
كان عبد الحكيم انساناً اشتراكياً ومناضلاً في سبيل الحرية والدفاع عن الحقوق الديمقراطية.ومن اخصب أيامه تلك التي قضاها في أقبية السجون .. وعن ذلك كتب يقول:"تعلمت وأنا داخل السجن حقيقتي كانسان لأنني تأملتها طويلاً حتى انه لم يتح لي فرصة أن أتأملها بهذا التوسع والعمق إلا من خلال السجن،ولولا السجن لما كنت توصلت الى الرؤية الخاصة التي امتلكها. فالسجن ثقافة أخرى،وربما بدونه ما كنت أصبحت عبد الحكيم قاسم الأديب،ففيه كتبت أعمالي الأولى من رواية ومجموعة قصصية ".
وكانت الرواية الأولى التي كتبها عبد الحكيم قد أثارت انتباه النقاد والقراء في مصر والعالم العربي ،وأحدثت في حينه ضجة ونقاشاً ساخناً في الحياة الأدبية والثقافية بسبب موضوعها وأسلوبها وصياغتها. وهذه الرواية تناولت تفاصيل الحياة اليومية للانسان البسيط العادي في الريف المصري.
ومن أبرز ابداعات الراحل عبد الحكيم قاسم التي اغتنت بها المكتبة العربية :"محاولة للخروج"و"أيام الانسان السبعة"و"دفترالاحوال"و"المهدي"و"قدر الغرف المقبضة".
وفي التسعينات من القرن الماضي رحل عبد الحكيم عن عمر ناهز الخامسة والخمسين.
عبد الحكيم قاسم مبدع وقصاص مميز وروائي حقيقي وواقعي لم يعش في الأبراج العاجية ،وبقي في الظل بعيداً عن الأضواء والنجومية،وقد عكست رواياته وقصصه الواقع الحياتي للطبقات الشعبية المسحوقة المتعطشة والظامئة للحياة والفرح والسعادة، وتشدنا لغته الجميلة وكلماته المهذبة.

ايوب صابر 04-04-2012 11:31 PM

عبد الحكيم قاســم
[ قصة لم تكتمل ]
بقلم
محمد عبد الله الهادي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
( وكنت أخاله دوماً كخفير غير نظامي للقرية ، خفير : سلاح قلمه وقلمه سلاحه ، تدب قدماه ـ ليل .. نهار ـ أرض الحارات والباحات والدور والمصاطب والغيطان والأسواق والموالد ، فيكتب بعشق نادر ـ يقرب لحد الهوس ـ عن الناس والأرض . إنه " عبد الحكيم قاسم " ، الذي بدا لي أحياناً كقروي ساذج ، حسن الظن بالقادرين علي الفعل ، فيسطر لهم العرائض والشكاوى ، لكن قريته ، محبوبته ، كانت تنتهك منه بعنف وبلا هوادة ، وتتخلى عن عهد البراءة والصبا الأول ، وفي تلك الفترة التي سرقته منها المدن ، كانت قريته تتعرى وتلطخ وجهها بالأصباغ ، لكنه ظلَّ مخلصاً لها ، قادراً علي فعل الكتابة ، وعندما داهمه المرض اللعين لم يتوقف ، وإن فقدت كلماته فرحة الاكتشاف الأول ولذته المستحيلة ، كان تائهاً ما بين ميادين المدن وشوارعها الوحشية ويتعمد الفرار ، لأنه كان يراها علي البعد قرية مستباحة ..
فوداعاً " عبد الحكيم " ، لقد انتهى رصيدك من أيام الدنيا ، ما بين يناير 1935 م ونوفمبر 1990 م وبدأت أيامك الأولى في الآخرة ، فاحك لنا ـ بحق الله ـ طرفاً من طرف الآخرة .. وهانحن نسمع بآذان مصغية )
كنت قد كتبت هذه الكلمات في رثائه تحت عنوان " العاشق الذي رحل "(1) بعد رحيله المفاجئ صبيحة الثلاثاء 13 نوفمبر 1990 م في محاولة لقهر الحزن ، ذلك الحزن الذي خيم علي نفس كل من قرأ إبداع " قاسم " وعرف قدره .

ولد " عبد الحكيم قاسم " في أول يناير 1935 م في قرية البندرة مركز السنطة بمحافظة الغربية ، لكنه كان يعتقد أنه وُلد قبل هذا التاريخ بحوالي عام ، وأنه لم يسجل في دفتر المواليد في حينه علي عادة أهل القرى ، وفي كلية الحقوق التي حصل منها علي الليسانس عام 1946 م كتب أول قصة له بعنوان " العصا الصغيرة " عام 1957 م واشترك بها في مسابقة نادي القصة ولكنها رفضت ، لكن مشروعه الإبداعي الحقيقي بدأ برواية " أيام الإنسان السبعة " مروراً فيما بعد بأعماله الآتية : محاولة للخروج ـ قدر الغرف المقبضة ـ سطور من دفتر الأحوال ـ الأخت لأب ـ المهدي ـ الأشواق والأسى ـ طرف من خبر الآخرة ـ الظنون والرؤى ـ الهجرة إلي غير المألوف ـ ديوان الملحقات . ومسرحيته الوحيدة " ليل وفانوس ورجال " ، بالإضافة لأعماله التي مازالت مخطوطة أو نُشر بعض فصولها مثل رواية " عن كفر سيدي سليم " و " غريبان في الإسكندرية " وكتاب " مقهى وأحاديث " وبعض القصص القصيرة وغيرها ، وشاء القدر برحيله المفاجئ ألاَّ يكتمل هذا المشروع ، فبدت حياته التي امتزجت في قصصه كحكاية سطر بدايتها ولم يقدر لها أن تمضي في طريقها للنهاية .
* * *
يقول " عبد الحكيم قاسم " في إهدائه لقصته " المهدي " :
" ابنتي إيزيس .. ابني أمير .. أرجو أن تعيشا مصراً أحسن من تلك التي عاشها أبوكما وأن تذكراني " .
وإذا تأملنا الحياة القصيرة التي عاشها " قاسم " سنجدها مفعمة بإبداع عظيم له تميزه الخاص ، لقد ظل قارئ " عبد الحكيم " مع كل عمل جديد ينشر له ينتابه شعور بأنه لم يقل كل ما عنده ، وأن جعبة هذا المبدع ما زالت تخبئ الكثير ، تحالف المرض الذي داهمه في أخريات حياته مع ظروف حياتية لم تكن ميسرة في كثير من الأحيان .. تحالفا ضده ، ووقفا حائلاً دون رغبته في البوح بكل ما لديه .

عندما عاد من ألمانيا بعد عشر سنوات قضاها هناك ، سأله الأديب " فؤاد حجازي " عن طموحاته في المستقبل فقال : " أن أبني داراً في بلدنا المندرة .. داراً قدامها مصطبة وجميزة وزير .. وأن يكون في داري شاي وسكر لضيوفي .. وشباك بحري أجلس قبالته وأكتب " (2) ، وأظنه كان صادقاً كل الصدق في رغبته هذه ، رغبة الفلاح القراري في العودة لجذوره وأصوله ، لقد تشتت جهده ما بين أطروحته عن جيل الستينيات ، وما يتطلبه هذا العمل الأكاديمي من جهد وبحث وما بين قدرته علي الإبداع والتفرغ له ، وظل السؤال المحير : لماذا يتفرغ مبدع مثله ، وطوال هذه المدة لدراسة هذا الأمر؟! ، دراسة يمكن أن يتكفل بها آخرون ، وهنا في مصر ، وربما بصورة أفضل .. هل هي " محاولة للخروج " ـ وهانحن نستعير عنوان روايته ـ تلك المحاولة التي فعلها آخرون من قبل ؟ ، هؤلاء الكتَّاب الذين تاقت نفوسهم للهجرة صوب الشمال حيث حضارة الغرب بكل ما تعني ؟ .
كتابات عبد الحكيم قاسم تدور حول محور القرية : قريته " البندرة " التي كتبها بخصوصية شديدة في المذاق والطعم والنكهة إذا جاز لنا هذا التعبير ، ومن خلال إبداع عام لجيل الستينيات المتميز ، الذي تخصص بعض أفراد كتيبته في تناول القرية المصرية ، كتب قريته بتنوع وثراء ، وظل له ـ بينهم ـ صوته الخاص كماركة مسجلة تقترن باسمه ، صوت ملم بدقائق أمور القرية وأطوارها وحيواتها المختلفة ، وربما تأتى له ذلك لكونه يكتب بحب نادر عمن عرفهم من أهله وناسه . وكان عبد الحكيم أيضاً ـ في كل أعماله ـ مولعاً باللغة التي كان ينحت منها جملاً رصينة وجميلة في آن ، كلمات ينتقيها من المعجم تبدو عامية ولكنها فصيحة . ولكنه كان حريصاً في الوقت نفسه ألاَّ يسمح لجماليات اللغة التي عشقها أن تسطو منه علي المضمون فتهمشه أو ترهله أو تنفيه أو تبعده عن موقعه الذي يريده له وهو موقع القص ، ولم يلجأ للغموض أو الرمز ، ولم تغره محاولات التجديد التي من شأنها أن تفصم عُرى التزاوج الشرعي ما بين الشكل والمضمون .
كان المرض قد نال منه كما ذكرنا ، وعندما أفاق قليلاً من وطأته واستطاع العودة لقلمه ، كتب عدَّة قصص متفرقة ، نشر بعضها في مجلة الهلال ، قصص قصيرة ربما لا تزيد الواحدة منها عن صفحة أو صفحتين ، بدا من خلالها وكأنه يحاول باستماتة الإمساك بأشياء تفر منه رغم أنفه ، وكأنما كان يبكي أسى علي أشيائه الحميمة التي تنتزع منه بلا هوادة ، وقد جُمعت هذه القصص فيما بعد في مجموعته " ديوان الملحقات " .

كانت القرية التقليدية القديمة ، قرية الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات تتغير ، لم تعد أليفة كما كانت ، صدمة التغيير التي اصطدم بها كل الكتَّاب ذوي الأصول الريفية ومنهم عبد الحكيم ، حتى أن واحداً منهم هو صديقه " سعيد الكفراوي" قال ذات مرَّة : " إن القرية التي نكتب عنها لم تعد موجودة .. إننا فاشلون " .
* * *
لم يأخذ" عبد الحكيم قاسم " حقه من التكريم في حياته ، وأعتقد أن الأدب لم يجلب له سوى المتاعب ، ولم يوفر له حياة لائقة كان يستحقها هو وأبناء جيله ، يقول ساخراً في لقاء معه : " أنا حتى الآن كل ما حصلت عليه من أجر الكتابة لا يساوي ثمن جوز جزمة ومديون في ألمانيا " ، كان يكتب في أخريات أيامه زاوية أسبوعية بعنوان " قراءات ومشاهدات " في صحيفة الشعب لسان حال حزب العمل ، وكتب فيما يكتب عن أبناء جيله ، جيل الستينيات ،كتب موضوعات أثارت البعض وألبت عليه مشاعر الآخرين ، لكنني أعتقد أنه لم يكن يرمي إلي ما يقوله صراحة ، بقدر ما كان يلقي بأحجاره في البحيرة الراكدة في البحيرة الراكدة علها تنشر دوامات من الجدل والنقاش، يقول : " أمَّا عن جيل الستينيات فقد كنت متحمساً جداً لهذا الجيل ، وكتبت عنهم بحماس شديد ، لكني بدأت في الفترة الأخيرة أسخط علي هذا الجيل وأريد أن أهاجمهم ، وأنني أرى بعد قراءة مدققة كثيراً من الفشل الرهيب في أعمالهم وأود أن أكشف هذا الفشل للناس "(3) ، وقال في مرَّة أخرى : " أدباء الستينيات خزنوا الأدب في بلاليص الجبن القديم ووضعوه علي سطح قهوة ريش وحولوه لشيء قميء جـدا ً"(4) ، وقال أيضاً : " أتساءل لمن يكتب هؤلاء ؟ ، إنهم يشربون البيرة طوال الليل وينامون طوال النهار ، إنهم منعزلون عن الحياة والمجتمع ، عليهم أن يبتعدوا عن القاهرة وأن يعيشوا في العـزب والكفور ، وأن يتفرجوا علي الناس وأن يعايشوهم "(5) . وعلي جانب آخر ربما أوحتْ له أطروحته التي كان يعدها في ألمانيا ببعض الآراء عن أدباء الستينيات وإنتاجهم وموقفهم من السلطة ، كان قد تقدم بها لمعهد الدراسات الإسلامية في برلين الغربية ، وعن تفسيره لموقف أدباء الستينيات من السلطة يقول : " لا أقصد طبعاً الموقف الفعلي المادي ولكن الموقف حينما يتحول الأدب إلي محتوى للأفكار السياسية التي لا يمكن أن تقال بأسلوب آخر ، ويظهر هذا الموقف من خلال الأدب علي أكثر من مستوى ، مثلاً حينما كانت لغة الثورة في هذا الوقت دعائية ورنَّانة كان أدباء الستينيات يكتبون ويستعملون لغة رصينة بعيدة عن المبالغة ، وفي الوقت التي كانت الثورة تتحدث عن الانتصارات كان الكتَّاب يتناولون الأشياء بشكل واقعي مجرد وبسيط ، أيضاً أدباء الستينيات لم يتحدثوا عن الجوع لأنه لم يكن هناك جوع حقيقي ، الثورة قدمت شخصية المتفائل ، حتى المعارضة لها لك تكن صارخة ومجلجلة ، ولكنها تأخذ صورة الجدل مع شخصية الأب ، شخصية عبد الناصر ، ولذلك نجد شخصية الأب هي المفتاح في أدب الستينيات وعند أدبائها "(6) . ولم يتمكن عبد الحكيم كما ذكرنا من إتمام رسالته ، وعاد إلي مصر بمبرر غير مقنع :
" لقد قطعت شوطاً طويلاً في هذه الرسالة ، وكنت موشكاً علي الانتهاء منها ، لكني فوجئت بابنتي تقول : إمَّا أن أذهب الآن إلي مصر وإمَّا لن أكون مصرية بعد اليوم فقد بدأت أحب ألمانيا "(7) .
* * *
كان قد بدأ يطرق أبواب النشر ، فنشر قصته الأولى " الصندوق" في الآداب البيروتية عام 1964 م ، لكن روايته الأولى " أيام الإنسان السبعة " (8) والتي نُشرت عام 1968 م كانت عملاً مميزاً وفريداً في أدبنا العربي ، قال عنها صلاح عبد الصبور عندما قرأها : " أحسن كتاب قرأته في الخمس سنوات الماضية " ، وقال عنها " عبد المحسن طه بدر " : " إنها رواية تقدم لنا في جملتها رؤية متكاملة للقرية المصرية ، رؤية يلتحم فيها الذات والموضوع " . هذا ويعتقد عبد الحكيم قاسم أن شهرة هذه الرواية ترجع إلي حظها في أنها أولى رواياته التي نُشرت ، وأنه لو نُشرت له أية رواية أخرى مثل " محاولة للخروج " أو " قدر الغرف المقبضة " لكان قد تحقق لها نفس الشيء ، لقد كتبتها بحب شديد لشخوصها من الريف ، وقد عبرت بصدق عن هموم الفلاَّح ، ولقد ظلَّت شهرتها مع هذا تؤرقه ككاتب ، فهو يقول في موضع آخر : " أنا كتبت غيرها وأكتب غيرها وسأكتب غيرها ، فأنا في سباق مع أيام الإنسان السبعة حتى أكتب رواية تهزمها " . تنسج الرواية قصة الزيارة السنوية التي تقوم بها قريته لضريح سيدي أحمد البدوي في طنطا ، وتتناول عالم هذه القرية بكل دقائقه وتفاصيله وأسراره من خلال رؤية عميقة ، ورغم احتفال الرواية بهذه التفاصيل التي تبدو تقريرية تدنو من أرض الواقع ، إلاَّ أنها واقعية ذات نسيج خاص يتطلبه العمل الفني الذي كُتب بطريقة غنائية أقرب إلي الوجد ، يحوم حول الواقع ويعود إليه بقدر ما يتطلب العمل ، يقول عبد الحكيم : " كتبت رواية أيام الإنسان السبعة في السجن .. ثم كتبتها بعد ذلك ثلاث مرَّات حتى خرجت بالشكل الذي نُشرت به في عام 1968م "(9)
* * *
أمَّا روايته " محاولة للخروج " (10) يشير غلافها في محاولة للتعريف بها أنها محاولة للخروج من الوطن تنتهي بمزيد من الدخول فيه . الرواية هي محاولة للتعرف علي الآخر القادم من الغرب : الفتاة السويسرية " إلزبث " التي قدمت لزيارة مصر مع فوج سياحي ، وتنشأ العلاقة ، تلك العلاقة التي عزف علي وترها من قبل آخرون : الطهطاوي وطه حسين وتوفيق الحكيم وإدريس وحقي والطيب صالح وغيرهم ، وفي مواجهة الآخر يعري عبد الحكيم قاسم مظاهر القبح والدمامة والرثاثة والفقر في الوطن ، يتحدث ـ مثلاً ـ عن صف الغرف علي السطح تحت الشمس حيث يقيم بطل القصة ، يتحدث عن البيوت الفقيرة : " كم هي فقيرة وقذرة هذه البيوت ، هؤلاء الناس الذين يحدقون أعين متسعة تقتحم خصوصية الآخرين : سائق التاكسي وصبي المراكبي وموظف البرج ، إنه لا يتوقف كثيراً أمام مشاهد الحضارة المصرية القديمة ، وما تمثله من عظمة تستدعي وجود الآخر وانبهاره ، هو يتناولها بلغة حيادية وصفية كأنما الحاضر لديه منقطع الصلة بالماضي ، وهاهي حيواته وتجاربه وذكرياته وقريته وأسرته والأب والأصدقاء من الدراويش وناس المدينة ، هاهو يستدعيهم في خطوط تتوازى أو تتقاطع وتقفز كل حين أثناء تجواله وصحبته لـ " إلزبث " .
هل الرواية تجدد العزف علي وتر التلاقي بين حضارتين : حضارة آنية وفتية ومسيطرة وقادرة في مواجهة أخرى تسترجع صورها من التاريخ ؟ ، الأمر لا يبدو هكذا برمته ، تسأله " إلزبث " : " لماذا تبقى في هذا البلد ؟ " ، ويجيبها : " إنها بلدي يا إلزبث " .
وتظل النظرة الروائية للآخر في العمل محيرة ، فلا الفقر قرين التعاسة في معظم الأحوال ، هاهو يصحب " إلزبث " إلي قريته ومجتمعه الذي ينشد البساطة الأثرة ، يرى سعادته في تلك الأشياء البسيطة : الترع والمساقي والخضرة وبيوت الطين وأكوام القش وقعدات السهر وشاي العصاري وارتياد المساجد ومجامعة الزوجات ومجاملات الأهل .
تلك الحياة الثرية بالتفاصيل المحببة والمرهقة لنفس الراوي في آن ، لا يعادلها لديه أية صورة من حياة أخرى مترفة بالمدينة بالنسبة لفلاَّح قراري ، ربما هو التطلع والتشوف لآفاق أفضل لبني جلدته .
* * *
" مازالت كلمات أبيه تعاوده بين آن وآن :
هذه الدار ريحها ثقيل .. " .
هكذا يقول " عبد العزيز " في رواية " قدر الغرف المقبضة " (11) في بداية روايته عن الغرف التي تلازمه كالقدر مع نمو وتوالي سنوات عمره ، تقبض علي روحه وتكبل جسده وهو مازال طفلاً في القرية ، ثم وهو ينتقل للمدن الصغيرة أو الكبيرة : ميت غمر وطنطا والإسكندرية والقاهرة وبرلين ، عشرات الأماكن الملآنة بالتفاصيل التي تبرز القبح والتشوه والروائح الكريهة ، تتشوه حياة الناس وتعـذب أبدانهم في سعيها الطبيعي لإشباع حاجاتها الفسيولوجية ، تتشوه النفوس فلا تظل سوية ، وتفرز ذواتهم أسوأ ما فيها من عدوانية وشذوذ وابتزاز وحقـد .
إنها الغرف المقبضة في البيت والمدرسة والجامعة والمسجد والزنزانة ، الغرف التي تمد مخالبها علي ساكنيها وتجعل حلم الفكاك من قدرها أمراً بعيد المنال ، وتظل الغرف الأخرى المريحة والنظيفة علي الجانب الآخر قليلة ، متفردة ، غريبة ، تنظر إليه باستعلاء مزدري ، هكذا يكتب عبد الحليم عنها بلغة بسيطة تناسب المعنى المقصود ، كأنه يرسم الصورة بأقل الكلمات وأكثرها وضوحاً ، لتتحدث الصورة عن نفسها بلا " رتوش " ، وتبدو في كثير من المواضع لغة محايدة وجافة تنصب علي الغرف وقدرها الكابوسي ، لتتوارى كثير من الأحداث التي تثير فضولنا وتساؤلنا : لماذا انخرط عبد العزيز في عمل ثوري قاده إلي الزنزانة ؟، من هم الذين تكتم ولم يفصح عنهم ممن كانوا معه ؟ ، وما هي ماهية العلاقة بينه وبين متغيرات المجتمع المصاحب للمد الثوري لثورة يوليو 1952 م ؟ ، لماذا هذه الديمومة في سكنى الغرف المقبضة ؟ ، هل كتب عبد الحكيم جزءاً من سيرته الذاتية مستخدماً الحيلة الروائية ، فحتم ذلك عليه عدم البوح بما يجب أن يفصح عنه إيثاراً لطبيعته الشرقية ، متجاهلاً ما وصل إليه الغربيون من صدق في سرد ذواتهم وتعرية نفوسهم بلا خجل ، كما تساءل أحد النقاد ؟ .. ربما .
* * *
في رواية " الأخت لأب " نفس العالم الأثير بالنسبة لقاسم : القرية ، لكننا هذه المرَّة مع مع هذا الطفل الوحيد " شوكت " في محاولاته الدءوبة للدخول لعالم أسرته لأبيه حاملاً علي كتفيه وطأة غرابة الاسم وبياض البشرة ونعومة الشعر وعائلة أمه التي ترتدي ملابس أخرى وتتحدث بلغة أخرى في مواجهة مسميات القرية وسحن ناسها الملوحة بالشمس ، وأهلها وهم يفلحون الأرض ولا يملكون من حطام الدنيا إلاَّ عافية البدن ، يبغضون أمه الغريبة عنهم ، تتعثر محاولاته في هزال بدنه ، والأب الغائب في معظم الأحوال . يتوقف حائراً أمام مظاهر النفور البادية من أخوته لأبيه والأعمام وزوجاتهم ، يحاول ويقترب من أخته لأبيه " مبروكة " ، ينتظر عودتها من الحقل ليلعب معها محاولاً الدخول لعالمها ، تدفعه في لعبة " العريس والعروسة " مع " عفت " الجميلة للاندماج في دوره والوصول لنهاية اللعبة ، يحزن ، ويتنامى الحزن في نقاط كثيرة من الرواية بأحداث متتالية علي القلب الطفلي .
أمَّا في " سطور من دفتر الأحوال " نجد أحوال القرية دوما علي مر الأجيال والعصور : فلاَّحين مقهورين ، معذبين ، مغروسين في طين الأرض ، أمَّا السادة فهم دوما السادة ، يأتون في حللهم النظيفة من العواصم والبنادر ، نقرأ ما بين السطور عن بيوت الطين والمساجد والمحاكم ونقاط الشرطة ، نقرأ ما بين السطور أيضاً عن قوة النفوس في مواجهة البطش والقسوة .
* * *
في رواية " المهدي " (12) يغوص عبد الحكيم بقلمه في عالم الجماعات الدينية ، ذلك العالم الشائك ، نحن معه بين مجموعة من شباب الإخوان المسلمين في القرية ، جماعة تدعو لصحيح الدين وتحاول تمثله في حياتها ومعاملاتها و اجتماعاتها وعباداتها ، بالخطابة والوعظ والمؤتمرات ولجان المساعدة وفرق الجوَّالة .. الخ .
لكنها بانكفائها علي ذاتها تتعثر حين تمد يد العون للمعلم " عوض" القبطي صانع الشماسي ، الذي جاء إلي القرية مأزوماً بمشاكله ، ثم تدعوه لهداية الإسلام ، ويستسلم صاحب الحاجة للأيدي التي تنتزعه من جذوره وتفصله عن جماعته التي التصق بها طوال عمره ، تتحطم نفسه ولا يستطيع المضي قدماً معهم ، ويسقط من بين أيديهم فاقداً وعيه ، بينما مظاهر الاحتفال بهدايته في ذروتها ، التهليل والتكبير ومكبرات الصوت الزاعقة التي طغت علي صوت الوطن الذي يحمل فوق أرضه وتحت سمائه كل أبنائه مهما اختلفتْ عقائدهم ، هل كانت تجربة قاسم كمسلم يعيش في مجتمع مسيحي بألمانيا دافعة له لكتابة " المهدي" ؟ ، هل تجنى قاسم علي الأخوان المسلمين في هذه الرواية ، خاصة أن مجتمعنا لا يعاني من مشكلة طائفية ؟ ، لا يوجد اضطهاد ديني أي مستوى حتى في أكثر الأوقات تصاعداً لحدة الإرهاب المستتر بعباءة الدين ، والذي وجَّه رصاصاته لصدور المسلمين والمسيحيين علي حد سواء ، يرد قاسم علي هذه التساؤلات في حديثه لمجلة الرافعي(13) بأنه قريب جداً من الفكر الإسلامي ، ولا يوجد فيرأسه فكرة غير إسلامية ، ويقول أيضاً : " أنا لست شيوعياً تائباً كما يرى البعض ، فأنا لم أكن أبداً ماركسياً أو شيوعياً بالمعنى الحرفي للكلمة ، كل ما هناك أن في الماركسية بعض الأفكار التقدمية من حق الناس أن يأخذوا بها حتى ولو لم يكونوا ماركسيين " ، ويقول أيضاً : " تلك هي حيرة الإنسان المخلص حين يكون في وسط عقائدي يزحمه بعقائديته " .
* * *
" الظنون والرؤى " (14) مجموعته القصصية الأولى التي تضم قصص : القضية ، تحت السقوف الساخنة ، عن البنات ، شجرة الحب ، الموت والحياة ـ حكايات حول حادث صغير ، البيع والشراء .
هي قريته التي مازال يكتب عنها ، يقول " إدوار الخراط " : " الظنون والرؤى هي القرية المصرية ، أفراحها وطقوسها ، أوجاعها وغضباتها ، ترديها ومجدها ، واقعها وحلمها " .
في قصة شجرة الحب ثمة مقاطع أو أقاصيص متصلة ومنفصلة في آن : الأم ـ الولد ـ شجرة الحب ـ عن الرجال ـ معلم الصبيان ـ يوم غير مجيد ـ ثمالات أحاديث .
يرسم قاسم صورة رائعة لبائعة البلح ، وهذا الولد الغريب ، والأولاد الذين رسموا علي جباههم شجرات الحب ، تنادي علي بضاعتها : " يا بن الطويلة يا بلح .. يا هز نخلتنا .. خسارة عليك في التراب يا نايح " . أيضاً عندما يختتم عبد الحكيم قصته وهو يناجي الصباح : " ما أشوق كل المخلوقات للصبح ، للنور تزدهي فيه أوراق النوار وأجنحة الفراش " .
* * *
تضم مجموعة " الأشواق والأسى " (15) ثمان قصص ، يبدأها قاسم بقصة " قريتي " : " اسمها البندرة ، قد تجدون الاسم ثقيلاً ، لكنه ـ لو تعلمون ـ كل متاعي حينما عرفت السفر إلي المدينة " . في قصة " الصندوق " : " صندوق مبروكة الذي يحتوي حاجاتها وأحلى ذكرياتها في أيام زواجها القليلة ، فالغالي قد رحل وتركها في دار أخيها ، يمضي العمر بها كليل الشتاء ، لا تجد سلواها سوى في الصعود وقت القيلولة للسطح حيث الصندوق ، تفتحه وتتلمس الأشياء وتروق نفسها قليلاً ، لكن ، حتى هذه المسرَّة الصغيرة لا يتركها لها أطفال أخيها وأمهم : " العيال وحاجاتهم للكساء " . أمَّا في قصص " ليلة شتوية " و " السفر " و " الخوف القديم " و " غسق" و " الصفارة " و الخوف " نمضي مع أناس قريته ، فمأساة " صديقة " ، في ليلة شتوية ، تلوكها الألسن علي أسطح الأفران الدافئة في ليالي الشتاء ، لقد أخذت بثأر محمد المسفوك دمه أمام عينيها ، هل هي قاتلة حقَّاً ؟ ، تمضي أيامها وحيدة وهي ترعى أغنامها وتستقبل نتاجها الوليد في عز الليل ، تضمه لصدرها المكدود المجدوب " : " تثغـو الشاة الأم ثغاءً فيه فرح " . وفي قصة " السفر " تمضي المرأة ساعية نحو الضريح : " جئتك حافية ورأسي عريانة " ، هي رحلة القرية للمدينة ، تلك المدينة الصاخبة بالمساومات والصياح والشتائم وزفرات المخدوعين ، مدينة قبيحة : " لولاك ما جينا يابو فرَّاج " .
* * *
" طرف من خبر الآخرة " (16) ، إنها الرواية الخامسة والتي تتناول علاقة الإنسان بالآخرة : الموت والقبر والملكان والحساب والنشور ، وتعرج الرواية علي تفاصيل الموت والغسل والتكفين ، عن ناكر ونكير ، قصة الحفيد وقصة الميت خطان يتلاقيان ويتباعدان ، يقول الناقد محمود عبد الوهاب : " رواية لا يعنيها تدهور وانحطاط التركيب العضوي لجسد الإنسان ، ولا يعنيها تقصي الطقوس المواكبة لذلك الموت البيولوجي طوال رحلة خروج الفرد من دنيا الأحياء ، إن ما يعنيها هو الكشف عن حركة دولاب الحياة والموت طوال سني العمر ، وعن مسافة الاقتراب أو الابتعاد عن دائرة التوافق والتناغم والانسجام مع قوانين الوجود " .
* * *
في " الهجرة إلي غير المألوف " (17) كتب قاسم علي غلافها : " ديوان قصص " ، وتضم : " الصوت ـ عطية أبو العينين داود ـ طبلة السحور ـ رجوع الشيخ ـ المهدي ..
إذا ما توقفنا قليلاً أمام قصته الفريدة " طبلة السحور " حيث تتشابه البداية والنهاية : " والرجل يمضي في ليل الحارات كتلة من الظل في شفيف العتامة .. " ، وما بين البداية والنهاية دوَّامات وتيارات من الذكريات والمشاعر ، وأناس عرفهم وأحبهم الراوي ، منهم " الشابوري " صديق الطفولة الذي يعيده للماضي الجميل ، حيث طقوس شهر رمضان القرى ، والقلب الطفلي الذي يتلقى الصدى ، " الشابوري " يحمل طبلة السحور ويدور ، والراوي يهمس متسائلاً كل حين : " ما هي طبلة السحور ؟ ، طبلة السحور ما هي ؟ " ، وهانحن نمضي خلف الشابوري في ليل الحارات ببحث عن لصدى ويقظة الروح .
* * *
وفي قصص " ديوان الملحقات " (18) ندرك أن الملحقات هنا إنما يعني بها قاسم ، أو ربما أراد أن يوحي لنا ، أن هذه القصص التي تضمها المجموعة هي ملحقات لأعماله السابقة ، وهي قصص كتبها تقريباً بعد محنة المرض ، كما أنها في معظمها تميل للقصر . ففي قصة " صاحبة النزل " نجد المرأة التي تسقط تحت وطأة الوحدة بين براثن الطالب الذي يسكن عندها ، كيف خدعها وهرب ؟ : " ثم نطحت الباب برأسها وسقطت والدم ينبجـس من جبينـها " .
* * *
مسرحية " ليل وفانوس ورجال " (19) هي مسرحيته الوحيدة ولا يبتعد عن عالم القرية ، المضيفة عليها أثار عز قديم ، والأب والابن والجد والضيف والصديقان والزوجة والحبيبة شخوص تلتقي في عالمين : عالم الأب والجد والابن في تواصله وامتداده ، متسلحاً بالحكمة والمعرفة والمثل العليا ، وعالم الضيف والصديقان وابن الأخ في التصاقه بالواقع المعاش ، بالأرض والرهن والمزاد ، الأب يبدو فوق أريكته تحت ضوء الفانوس ككائن أسطوري يعلو بمثله وقيمه وحكمته فوق البشر، غير آبه أو هيَّاب حتى بعد أن تجمعت حوله كل نذر الشر ، فالضيف يقرقع بسكينه في مخلاته ، وابن الأخ يحذره من القاتل بعد أن انصرف عنه الصديقان ، الخنجر يتجه للصدر المعزول المتقوقع في علوه ، يمضي الأب في صحبة الجد في صورة كأنها حلم ، بينما يعتلي الابن ذات الأريكة ، وتحت ضوء الفانوس ، في ديمومة مفارقة لدنيا الناس .
* * *
ويرحل عبد الحكيم قاسم كما يرحل كل الناس ، فقد كانت حياته قصته ، وقصته هي حياته ، وعندما توقفت حياته وانقصف عوده ، فإن قصته لم تكتمل ..
يقول شاعر العامية المصري مخاطباً إيَّاه :
تاخد قلمك من صدرك
أنا بكتب أهه ,, ألف باء ألف باء
وأنا الشمس في صدري بتتفتت
ولعت سيجارة وأخدت شهيقي
يضغط ع الشمس يجمعها
ونصبت الكلمة فوق صدري
وتبعتك " .

ايوب صابر 04-05-2012 10:29 PM

عبد الحكيم قاسم

للاسف لا تتوفر تفاصيل عن طفولته وطبعت حياته بـ الفقر والسجن والمنفى والمرض.
"كان يبكي أسى علي أشيائه الحميمة التي تنتزع منه بلا هوادة".

مأزوم.

ايوب صابر 04-05-2012 10:51 PM

41-مالك الحزين إبراهيم أصلان مصر...مأزوم.
42-باب الشمس إلياس خوري لبنان....مأزوم
43-الحي اللاتيني سهيل ادريس لبنان....مأزوم.
44- عودة الروح توفيق الحكيم مصر.... يتيم اجتماعي.
45- الرهينة زيد مطيع دماج اليمن...... يتيم اجتماعي
46- لعبة النسيان محمد برادة المغرب.....يتيم
47- الريح الشتوية مبارك الربيع المغرب.... مجهول الطفولة
48- دار الباشا حسن نصر تونس........مأزوم
49- مدينة الرياح موسي ولد ابنو موريتانيا.... مجهول الطفولة.
50- أيام الإنسان السبعة عبد الحكيم قاسم مصر....مأزوم.


الساعة الآن 12:50 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team