منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الحوارات الثقافية العامة (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   [ " وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ " ................. ] (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=754)

حميد درويش عطية 10-30-2010 05:56 AM

بِِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
عنوان الزاد

( أثر الحكمة الطيبة )

إنه لمن المناسب للمؤمن بين وقت وآخر عندما يتعب ، أن يهدي لنفسه طرائف الحكم ..
يقول علي ( عليهِ السلام ) :
( إنّ هذه القلوب تملّ كما تملّ الأبدان ؛ فابتغوا لها طرائف الحكم ) ، غذاء الروح ؛ الحكمة الطيبة ..
أمير المؤمنين ( عليهِ السلام ) هو سيد الحكماء ، له كلمات حكمية مدونة ..
من مزايا أمير المؤمنين ( عليهِ السلام ) أنّ له تراثا مدوّنا ، بعنوان :
" نهج البلاغة " هو فيه بلاغة ، ولكنه نهج السعادة .. ومن هنا عكف العلماء من مختلف المذاهب على شرح هذا النهج ، الذي هو عبارة عن رسائل الإمام ، وخطبه ، وكلماته القصيرة ..
من حكمه ( عليهِ السلام ) :
( ما أضمر أحد شيئا ، إلا ظهر في فلتات لسانه ، وصفحات وجهه ) ..
بعض الناس عندهم سلوك باطني ، وسلوك خارجي متفاوت ..
مثلا :
يضمر العداء لإنسان ما ، أو لا يرتاح له ؛ ولكنه يتكلف له ، ويجامله .. علي ( عليهِ السلام ) يقول :
هذا الإنسان المجامل في يوم من الأيام ينكشف أمره ؛ لأن الإنسان لا يمكنه المجاملة إلى آخر العمر ..
إذا كان له زوجة لا توافقه في الأمور ، لماذا لا يحاول أن يحل الأمور من جذورها ، ويبحث عن الأسباب التي جعلت هذه الزوجة تنفر منه ؟.. فإسكاتها بهدية ، أو بسفرة كما هو المتعارف ؛ هذا ليس بحل جوهري .
فإذن ، إن الحل يكمن في أن يجعل الإنسان قلبه نظيفا نقيا ، لا يحمل غلا على أحد ..
ومن هنا رب العالمين ، قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة يصفّيهم ،
{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } ؛
لأن هذا الغل ، يمنع من دخول الجنة .
قد يقول قائل : الناس لهم سلبياتهم !.. الجواب هو : انظر إلى النصف الممتلئ من الكأس ، لا إلى النصف الفارغ منه !..
هذا إنسان مؤمن ، له خيراته ، وله هفوة ما مع البعض .. هذا لا ينبغي أن يغطي على كل حسناته ..
مثلا :
هناك زوجة أنجبت ذرية صالحة ، وهي طيلة عشرين أو ثلاثين سنة ، تغسل وتطبخ وتنظف ؛ الآن هذه السنة ساء خلقها .. على الزوج أن يتحملها ، مقابل السنوات الطويلة .. ولكن مشكلتنا نحن ، أننا عادة ننظر إلى القسم الخالي دائما .
( امش بدائك ، ما مشي بك ) ..
وهنا خطاب للمرضى .. بعض الناس في أول حالة مرضية ولو صداع بسيط، يذهب إلى المستشفيات ، ويجلب مجموعة كبيرة من العقاقير الطبية ..
فلو صبر يوما أو يومين ، لذهبت العلة ، وشفي بدعائه وبحميته ، ولم يتأثر بالعوارض الجانبية التي يجمع عليها الأطباء ..
فهذه الأدوية سموم : تصلح جانبا ، وتفسد جانبا آخر ..
قال ( عليهِ السلام ) : ( رب دواء جلب داء ) .
يقول ( عليهِ السلام ) : ما دام الداء سهل الاحتمال ، فاصبر !..
يقول علي ( عليهِ السلام ) في إحدى كلماته :
( كان لي فيما مضى أخ في الله ... وكان لا يشكو وجعاً ، إلا عند برئه ) ؛ أي إن كان ولابد من ذكر المرض ، لا يذكره إلا بعد شفائه ..
هكذا يوصينا علي ( عليهِ السلام ) !..
وهنا إيماء إلى ما أمرنا به من كتمان المرض ، كما قال الرسول - صلّى اللّه عليه وآله - :
( من كنوز البرّ : كتمان الصدقة ، والمرض ، والمصيبة ) .
( أفضل الزهد ، إخفاء الزهد ) ..
الذي يترك الدنيا للدنيا ، هذا من أكبر الطواغيت ، هذا مستكبر !.. لأنه يزهد في الدنيا ؛ طلبا للدنيا ، وجلبا للقلوب .. وكذلك الجهر بالعبادة والزّهادة ، لا يسلم من مخالطة الرياء .
30
10
2010

عبدالسلام حمزة 10-30-2010 08:28 AM


سلمت أستاذ حميد

جزاك الله خيرا ً على الاختيارات الجميلة .

سلامي لك وسلمت يداك .

حميد درويش عطية 10-31-2010 06:05 AM

بِِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
عنوان الزاد
( الإتقان في العمل )

إن الله -عز وجل- يقول في سورة الملك :
{ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }
إذن ، المقياس هو العمل الأحسن لا العمل الأكثر !..
فلابد أن نتقن النوعية لا الكمية فحسب !..
أمير المؤمنين ( عليهِ السلام ) من هذا المنطلق يعلمنا الكيف والنوعية .

إن الكثير منا يقضي حوائج الغير : مادية وغير مادية ، لذا الإمام علي ( عليهِ السلام ) يضع ثلاث مواصفات قياسية لقضاء حوائج الناس فهو يقول ( عليهِ السلام ) :
( لا يستقيم قضاء الحوائج إلا بثلاث : باستصغارها لتعظم ، وباستكتامها لتظهر، وبتعجيلها لتهنؤ ) .

( باستصغارها لتعظم ) .. أي أن من يقوم بعمل عليه أن لا ينظر إليه على أنه عمل كبير ، ولو عمل الكثير ..
إذا قام بذلك ، يبدو العمل عند الله - عز وجل - عظيماً .. فالإنسان ينسى إحسانه للغير، ولكن الإساءة بحق الغير لا ينساها ..
مثلا :
قبل عشرين سنة أهان مؤمنا ، عندما يراه يتذكر ما عمل بحقه من سوء ، فيستغفر الله عز وجل .

( وباستكتامها لتظهر ) .. إن المؤمن عندما يقوم بعمل ، عليه أن يكتمه مهما كان ظاهره عظيماًً ، وذلك لعدة أسباب منها :
أولا :ً
أنه { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }
يوم القيامة يعلم هل هذا العمل كان مقبولاً عند الله - عز وجل - أم لا .. هو عليه أن يكتم العمل لأن ذلك قد يكون من موجبات القبول يوم القيامة .
ثانياً :
كما في الروايات عن رسول الله ( صلى اللهُ عليهِ وآلهِ و سلم ):
( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ... ورجل تصدق بصدقة ، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ، ما تنفق يمينه ).. إذن المؤمن يكتم عمله ، ورب العالمين يظهرها إن شاء .

( وبتعجيلها لتهنؤ ) .. أي يجب أن لا يماطل المؤمن بقضاء حاجة الطرف المقابل فهو قد يقضي له الحاجة بعد إذلال عندئذ لا قيمة لهذا العطاء ..
عندما يقول لك إنسان : نسألك الدعاء !.. وأنت تصافحه قل : اللهم اغفر له !.. لأنك إذا أجّلت ذلك ستنساه .
إن الشيخ محمد عبده الذي شرح نهج البلاغة عندما وصل إلى هذه العبارة فهمها بشكل آخر هو فسرها بقضاء حوائج النفس : استصغارها : أي أنت إذا أردت أن تقضى لك الحاجة صغّرها لأن الذي يرى عمله كبيرا ؛ يهاب من هذا العمل .. واستكتماها : بمعنى ( استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود )
واعجلها لتهنأ : أي إن كنت تحب أن تعمل هذا العمل، عجّل في أدائه ، مثلا : تحب أن تزوج ابنك زوّجه فورا حتى يستمتع بهذا العمل .
فإذن ، من الممكن أن نفسر هذه العبارات الثلاث ، بقضاء حوائج الإنسان ، بمعنى بإنجازه هو لحوائج نفسه .
31
10
2010

حميد درويش عطية 11-01-2010 06:25 AM

بِِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

( حالات الإعراض في القلب )

إن جلّ اهتمام عامة الناس بعوارض البدن ..
يصاب أحدهم بصداع بسيط؛ فيذهب هنا وهناك ، وإذا لم يشف يذهب إلى أرقى المستشفيات في بلاد بعيدة ، لعلاج ظواهر أمراض البدن ..
وهذا أمر لا يعاتب عليه الإنسان ؛ إنه شيء طبيعي ..
أما أعراض القلب : إقبال وإدبار ، قبض وبسط .. القلب يموت ويخدر ويمسخ ويختم عليه
{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}
أحدنا لا يبالي إلى أين وصل قلبه .. الدنيا تنتهي ويصير هذا البدن طعاماً للحشرات والديدان وهوام الأرض ..
وهذه الروح يصعد بها إلى الملأ الأعلى ، يقول تعالى في كتابه الكريم :
{ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً }
الخطاب هنا للنفس ، وليس للبدن ..
إذن القلب هو الذي يُقيّم وعلى أساسه يكون الخلود في الجنة أو النار .
( ألا إن للقلوب شهوة وإقبالاً وإدباراً .. فأتوها من قبل شهوتها وإقبالها فإن القلب إذا أُكره عمي ) .
( إن للقلوب شهوة وإقبالاً وإدباراً ) أي أن الإنسان ليس دائما في حالة تهيؤ لإقامة نافلة الليل ، أو لقراءة القرآن ، أو للدعاء .
( فأتوها من قبل شهوتها وإقبالها ) إن أحسّ الإنسان في نفسه إقبالا عليه أن يستنفذ هذه الحالة .. مثلا :
ذهب إلى الحرم المكي أو المدني وفي قلبه إقبال ؛ فليبق في الحرم إلى أن تذهب هذه الحالة ..
فمن يقطع هذا الإقبال لأي سبب دنيوي من الطبيعي أن يحرم الإقبال ثانية .
فإذن ، المؤمن ينظر إلى مزاجه ، إذا رأى في مزاجه إقبالا ، يحاول أن يمشي إلى آخر الخطوات ..
فالإقبال ضيف إن أكرمته بقي وإلا ذهب .. الضيف إن لم تكرمه يذهب ..
وهذه الحالة إكرامها بأن تُعطى حقها .
( فإن القلب إذا أُكره عمي )
إن الإنسان الذي يصلي ويقرأ القرآن وهمه آخر الجزء هذا الإنسان في يوم من الأيام يكره العبادة ويعمى قلبه ..
لا ينبغي للإنسان أن يرهق نفسه في المستحبات إذا لم يجد إقبالا !..
قد يقول قائل : إذا عملنا بهذا الكلام نفلس في سوق الآخرة !..
هناك جوابان على هذا التساؤل :
أولاً :
الذي لا يقوم للنوافل عليه أن يتقن الفرائض .. في بعض الروايات : قال رسول الله ( صلى اللهُ عليهِ وآلهِ و سلم ): ( قال الله تعالى : إن من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من رقاده ولذيذ وساده .. فيجتهد لي الليالي فيتعب نفسه في عبادتي فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين نظراً مني إليه وإبقاءً عليه .. فينام حتى يصبح فيقوم وهو ماقت ( لها) زارئ عليها .. ولو أخلي بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك .. فيصيره العجب إلى الفتنة بأعماله فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله ورضاه عن نفسه حتى يظن أنه يتقرب إلي )
الليلة الماضية كان متألقا ، هذه الليلة ينام ؛ ليعاتب نفسه ( يا آدم !.. أنين المذنبين أحب إلينا من تسبيح المرائيين ).. فمن فاتته نافلة الليل، فليتقن الواجبات .. فليتعمد الذهاب إلى المسجد ، كي يصلي جماعة ، وبتوجه .. من المعلوم : " أن نقص الفرائض تجبر بالنوافل " كما ورد في الروايات .. ولكن من الممكن القول أيضا : أن الواجبات إذا أُتقنت تجبر النوافل .
ثانياً :
الإنسان الذي عنده إدبار مزمن يحتاج إلى تغيير ، هذا قلبه ميت .. المغمى عليه يعطى صدمة كهربائية لعله ينتعش !.. ومن يموت قلبه علاجه يكون بتقديم شكوى إلى الله عز وجل !..
( اِلـهي !.. اِلَيْكَ اَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ اَمّارَةً ، وَاِلَى الْخَطيئَةِ مُبادِرَةً ، وَبِمَعاصيكَ مُولَعَةً ، وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً ، تَسْلُكُ بي مَسالِكَ الْمَهالِكِ وَتَجْعَلُني عِنْدَكَ اَهْوَنَ هالِك، كَثيرَةَ الْعِلَلِ ، طَويلَةَ الاَْمَلِ ، اِنْ مَسَّهَا الشَّرُّ تَجْزَعُ ، وَاِنْ مَسَّهَا الْخَيْرُ تَمْنَعُ ، مَيّالَةً اِلَى اللَّعِبِ وَالَلَّهْوِ مَمْلُؤةً بِالْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ ، تُسْرِ عُ بي اِلَى الْحَوْبَةِ وَتُسَوِّفُني بِالتَّوْبَةِ ، اِلـهي اَشْكُو اِلَيْكَ عَدُوّاً يُضِلُّني، وَشَيْطاناً يُغْويني ، قَدْ مَلاََ بِالْوَسْواسِ صَدْري ، وَاَحاطَتْ هَواجِسُهُ بِقَلْبي ، يُعاضِدُ لِيَ الْهَوى ، وَيُزَيِّنُ لي حُبَّ الدُّنْيا وَيَحُولُ بَيْني وَبَيْنَ الطّاعَةِ وَالزُّلْفى ، اِلـهي اِلَيْكَ اَشْكُو قَلْباً قاسِياً مَعَ الْوَسْواسِ مُتَقَلِّباً ، وَبِالرَّيْنِ وَالطَّبْعِ مُتَلَبِّساً ، وَعَيْناً عَنِ الْبُكاءِ مِنْ خَوْفِكَ جامِدَةً ، وِ اِلى ما يَسٌرُّها طامِحَةً ، اِلـهي لا حَوْلَ لي وَلا قُوَّةَ اِلاّ بِقُدْرَتِكَ ، وَلا نَجاةَ لي مِنْ مَكارِهِ الدُّنْيا اِلاّ بِعِصْمَتِكَ ، فَاَسْألُكَ بِبَلاغَةِ حِكْمَتِكَ وَنَفاذِ مَشِيَّتِكَ ، اَنْ لا تَجْعَلَني لِغَيْرِ جُوْدِكَ مُتَعَرِّضاً ، وَلا تُصَيِّرَني لِلْفِتَنِ غَرَضاً ، وَكُنْ لي عَلَى الاَْعْداءِ ناصِراً ، وَعَلَى الَْمخازي وَالْعُيُوبِ ساتِراً ، وَمِنَ الْبَلاءِ واقِياً ، وَعَنِ الْمَعاصي عاصِماً بِرَأْفَتِكَ وَرَحْمَتِكَ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ )
هذه الشكاوى إذا اجتمعت - إن شاء الله تعالى - في ليلة من الليالي أو في يوم من الأيام هذا القلب يعود إلى حياته بمنه وكرمه .
1
11
2010

ناريمان الشريف 11-01-2010 06:43 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حميد درويش عطية (المشاركة 38861)
بِِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
عنوان الزاد
( التوبة المقبولة)
إن البعض منا عندما يقال له : إستغفر الله !.. يقول مرة واحدة ، وبلقلقة لسان :
" أستغفر الله ربي وأتوب إليه " وإذا أراد أن يُكثّف استغفاره ؛ يستغفر مائة مرة .. ويظن أنه بذلك استغفر حقيقة !.. والحال أن معنى الاستغفار الذي يفسره لنا علي (عليهش السلام ) مختلف عما نفهمه نحن .
قال (عليه ِ السلام ) :
(اَلاِسْتِغْفَارُ دَرَجَةُ اَلْعِلِّيِّينَ ، وَهُوَ اِسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ : أَوَّلُهَا : اَلنَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى .. وَاَلثَّانِي : اَلْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ اَلْعَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً .. وَاَلثَّالِثُ : أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى اَلْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ ؛ حَتَّى تَلْقَى اَللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَمْلَسَ ، لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ .. وَاَلرَّابِعُ : أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا ؛ فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَ ا.. وَاَلْخَامِسُ : أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اَللَّحْمِ اَلَّذِي نَبَتَ عَلَى اَلسُّحْتِ ؛ فَتُذِيبَهُ بِالْأَحْزَانِ حَتَّى تُلْصِقَ اَلْجِلْدَ بِالْعَظْمِ ، وَيَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ .. وَاَلسَّادِسُ : أَنْ تُذِيقَ اَلْجِسْمَ أَلَمَ اَلطَّاعَةِ ؛ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاَوَةَ اَلْمَعْصِيَةِ .. فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقُولُ : أَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ) .
اَلاِسْتِغْفَارُ دَرَجَةُ اَلْعِلِّيِّينَ .. أي أن الإنسان المستغفر حقيقة واصل لدرجة عالية ؛ لأنه :
عرف ربه أولاً ، واستحى منه ثانياً ، وعرف ضعفه ثالثاً .. أدرك هذه المعادلة الكبيرة ، ومن هنا يستغفر ربه بكل تفاعل .. يونس (عليه ِ السلام ) هذا النبي العظيم ، من الممكن أنه قال الذكر اليونسي مرة واحدة ، القرآن الكريم لم يقل : فنادى عشرات المرات ، أو مئات المرات .. بل قال :
{ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }؛ كلمة { فَنَادَى} تتحقق بمرة واحدة .. حيث وصف الذات بأعلى الأوصاف ، فقال : { لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ} ؛ أي لا مؤثر في الوجود إلا أنت .. ثم نزهه من كل تقصير ، فقال : { سُبْحَانَكَ}؛ أي يا رب، أنت المنزّه، وما وقعت به فهو من فعلي أنا.. ثم جعل نفسه هو الظالم وهو المقصّر، فقال: {إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}؛ أي أنا ظلمت نفسي.. هذه هي أركان الإنابة إلى الله عز وجل.. ثم يفصل الإمام ( عليه ِ السلام ) في معنى التوبة :
أولاً :
الندم .. إذا أحسّ الإنسان بحالة الندامة الباطنية؛ يكون قد عاد إلى ربه.. لأن العودة إلى رب العالمين عودة قلبية، لا عودة مادية.. فالقلب إذا لم يندم: فلا رجوع، ولا إنابة، ولا توبة في البين.. ومن هنا الفقهاء في الرسالة العملية، يقولون: لو ارتكب الإنسان ذنبا، ثم ندم ولم يتلفظ بالاستغفار؛ هذا الإنسان تائب.. نعم، يستحب له أن يتلفظ بألفاظ التوبة، وإلا بندامته فهو تائب.. كالمصلي الذي ينوي أن يصلي بين يدي الله عز وجل، يكبّر ويقف للصلاة؛ فإنه يعد مصليا، رغم أنه لم يتلفظ بشيء.
ثانياً :
عدم العود.. هناك فرق بين الندم الذي معه عزم، وبين الندم العابر.. العصاة عادة يندمون على ما هم فيه؛ أي يعيشون حالة الأسى والأسف.. ولكن المشكلة في سرعة الرجوع إلى ما كانوا عليه؛ أي هناك ندم، ولكن ليس هناك عزم على عدم العود..
علي (عليه ش السلام ) يقول: من شروط الاستغفار؛ العزم على العود.. لا يعزم على الترك في شهر رمضان؛ احتراماً للشهر الكريم.. بل يجب ترك الذنب مطلقا، والعزم على عدم العود إليه أبدا.

ثالثاً: تأدية حقوق المخلوقين.. الإنسان الذي يستغفر من السرقة، وأموال الناس في جيبه، أو في حسابه؛ هذا إنسان مستهزئ بالاستغفار.. فالقلب الذي يريد أن يلقى الله -عز وجل- بنقاء تام، وبسلامة تامة؛ لابد أن يكون مثل الحجر الأملس الذي لا غبار عليه؛ ليس عليه تبعة.

رابعاً: تأدية حقوق الخالق.. الإنسان الذي في ذمته: صلاة، أو صوم، أو حج، أو خمس، أو...الخ؛ عليه أن يقضي تلك الحقوق.. البعض يكون في أواخر عمره، ولا زال عليه قضاء صلوات.. ستون سنة، وهو لم يؤد حقوق الله عز وجل؛ فضلا عن حقوق المخلوقين.

خامساً: إذابة اللحم الذي نشأ من السحت.. وذلك من خلال الصيام والأحزان، ثم ينشأ لحم جديد من مال حلال.

سادساً: إذاقة الجسم ألم الطاعة.. الإنسان عندما أذنب استمتع بالمعاصي.. فالمعاصي فيها متعة، وفيها لذة؛ وإلا الشيطان لما أغرانا بذلك {لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}.. طبيعة الحرام فيه جاذبية: من مأكوله، ومشروبه، و...الخ؛ كل هذه المحرمات فيها جاذبية.. هو تلذذ بالحرام في فترة من حياته، والآن: تاب، وندم، وعزم، وأدى الحق الذي عليه.. وكذلك يجب أن يذيق الجسم ألم الطاعة، كما أذاقه حلاوة المعصية.. فعند ذلك يقول: استغفر الله.

إن الإنسان الذي وصل إلى ملكوت الواجب والمستحب؛ يتلذذ بأداء التكليف.. عندما يذهب إلى الحج، ويعاني ما يعاني في طريق الحج؛ يتلذذ في هذه الصعوبات، كما يقال: لذة الخطاب أذهبت العناء.. أي أن الإنسان الذي يخاطب بالتكليف، هذا تشريف إلهي بالنسبة له.. ولكن إنسانا حديث عهد بالمعاصي والذنوب، من الطبيعي أنه في أول الطريق إلى الله عز وجل، يعيش ألم الطاعة.. الطاعات لا تناسب مزاجه إلا تكلفا، يقوم لصلاة الليل متناعسا، ومتثاقلا.. ولكن بعد فترة لو فاتته نافلة الليل في ليلة من الليالي، لمرض أو لنعاس؛ يكون في النهار في حالة يرثى لها؛ لأنه لم يقف بين يدي الله عز وجل.

الخلاصة :
أن العبد يصل في مراحل التكامل إلى درجة، لو خير بين المتعة المادية والمتعة المعنوية؛ فإنه يقدم المعنى على المادة، على أنها متعة زائدة، وليس من باب التقرب.. مثلا: يستحب للإنسان في ليلة الزفاف أن يصلي لله -عز وجل- ركعتين.. البعض يعيش الأنس في هاتين الركعتين، أكثر مما يعيشه من بعض اللذائذ الحسية..
29
10
2010

اللهم ارزقنا توبة نصوحاً
صفحات تملأ القلب سكينة
إنها قوت للقلوب
بارك الله في زادك ..


أزكى تحية ... ناريمان

حميد درويش عطية 11-02-2010 06:56 AM

بِِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
( أنواع الرزق )

إن الرزق أنواع ..
عندما نقول : الرزق يتبادر إلى الذهن : النقد والذهب والفضة والرصيد في البنوك .. والحال أن هذا نوع من أنواع الرزق ..
هناك عدة عوامل توجب زيادة الرزق منها :
اليقظة بين الطلوعين ..
قال أمير المؤمنين ( عليهِ السلام ) :
(مَن كانت له إلى ربّه - عزّ وجلّ - حاجةٌ فليطلبها في ثلاث ساعات : ساعة في يوم الجمعة .. وساعة تزول الشمس حين تهبّ الرياح وتفتح أبواب السماء وتنزل الرحمة ويصوّت الطير .. وساعة في آخر الليل عند طلوع الفجر فإنّ ملكين يناديان : هل من تائبٍ يُتاب عليه ؟.. هل من سائلٍ يُعطى ؟.. هل من مستغفرٍ فيُغفر له ؟.. هل من طالب حاجة فتُقضى له ؟.. فأجيبوا داعي الله واطلبوا الرزق فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فإنّه أسرع في طلب الرزق من الضرب في الأرض وهي الساعة التي يقسم الله فيها الرزق بين عباده ) .
سورة الواقعة ..
قراءة الواقعة ليلا توجب زيادة الرزق عن رسول الله ( صلى اللهُ عليهِ و آلهِ و سلم ) :
( من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه الفاقة أبدا ) .
قيام الليل ..
إن الرجل ليكذب الكذبة فيُحرم بها صلاة الليل ..
فإذا حُرم صلاة الليل حُرم بها الرزق .
الاستغفار ..
قال الله تعالى :
{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً }
عن النبي ( صلّى اللّه عليه وآله ) أنه قال :
( مَن أكثر الاستغفار جعل الله له من كلّ همّ فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب ).‏.
إذا استبطأت الرزق فأكْثِر من الاستغفار .

ترك المعاصي والذنوب ..
ما استجلب رزق الله بمثل ترك المعاصي .. يكتب للرجل رزقا حلالا طيبا فإذا عصا ربه حرم ذلك الرزق .. حتى أن هنالك بعض النصوص تدل أن الطير إذا غفل عن ذكر الله - عز وجل - يصاد ما من طير يصاد في البر ولا في البحر .. ولا يصاد شيء من الوحش إلا بتضييعه التسبيح .
إن البعض يقوم بهذه المستحبات ولا يزداد رزقاً مادياً بل يزداد انتكاسة .. وهو لا يعلم أن الرزق معنى عام جدا وآخر الرزق هو المال ..
أنواع الرزق :
أولاً :
الإقبال القلبي ..
أهم أنواع الرزق وأوسع أبواب الرزق الإقبال القلبي .. إذا جاء الإنسان إلى المسجد وصلى صلاة خاشعة فيها أنين وحنين ثم خرج من المسجد وأصابه حادث سير فخسر مائة دينار مثلا .. أين هذه الخسارة من هذا الإقبال ؟..
ثانياً :
الزوجة الصالحة ..
شاب يقوم الليل لا تفتح له أبواب المال ولكن يعطى زوجة صالحة ..
عن رسول الله ( صلى اللهُ عليهِ آلهِ وسلم ) :
( ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله - عز وجل - خيراً له من زوجة صالحة : إن أمرها أطاعتهر.. وإن نظر إليها سرته .. وإن أقسم عليها أبرّته .. وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله ) .
ثالثاً :
الذرية الطيبة ..
البعض يموت فقيرا ويترك ذرية مطيعة فلا ينسون يوماً إهداءه ثواب صلاة ركعتين ..
والبعض الآخر يموت غنياً ويترك الأموال الطائلة لذريته فيتمتعون بأمواله ولا يذكرونه بركعة واحدة ..
عن النبي الأكرم ( صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم ) :
( إذا مات ابن ادم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له )..
إذن الولد الصالح أيضا رزق .
رابعاً :
المال ..
ثم يأتي النقد والذهب والفضة ..
قال علي ( عليهِ السلام ) :
( الرزق رزقان : رزقٌ تطلبه ، ورزقٌ يطلبك .. فإن لم تأته أتاك فلا تحمل همّ سنتك على همّ يومك كفاك كل يوم ما فيه .. فإن تكن السنة من عمرك فإنّ الله - تعالى جدّه - سيؤتيك في كل غد جديد ما قسّم لك .. وإن لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بالهمّ لما ليس لك ؟.. ولن يسبقك إلى رزقك طالبٌ ولن يغلبك عليه غالبٌ ولن يبطئ عنك ما قد قُدّر لك ) .

( رزقٌ تطلبه ورزقٌ يطلبك ) .. فما كان من النمط الأول فإن الرزق يأتي الإنسان كما يأتيه الموت ..
بعض الأوقات يسعى الإنسان وراء عمل معين فلا يجد إلا الخسران .. وبعض الأوقات بعمل بسيط وإذا بأبواب الرزق تفتح عليه .
( فلا تحمل همّ سنتك على همّ يومك ) ..
بعض الآباء يحملون همّ أولادهم بالنسبة إلى الجامعة وهم مازالوا في أول ثانوي .. هذا ليس من سنن الأولياء هذا اسمه طول الأمل .
( فإن تكن السنة من عمرك فإنّ الله - تعالى جدّه - سيؤتيك في كل غد جديد ما قسّم لك ).. يقول بمنطق علمي : أنت إما أن تبقى لآخر السنة وإما أن تموت .. وإذا كان رب العالمين مد بعمرك فقد قال في كتابه الكريم :
{ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } أي أن الرزق سيأتيك كما قسمه لك .
( وإن لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بالهمّ لما ليس لك ) ؟.. إن كان المقدر أن لا تبقى فلا تحمّل نفسك همّ سنة لا تأتيك ؟..
إن المؤمن يطلب من الله رزقا واسعا ، هذا الرزق ما هو :
إقبال للقلب أو زوجة صالحة أو ذرية صالحة أو مال وفير .. دع رب العالمين يختار لك ما يشاء
{ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } فهو يعلم ما يصلحك وما لا يصلحك ..
هنيئا لمن عاش هذا التفويض!..

2
11
2010

ناريمان الشريف 11-02-2010 07:22 PM

( ما أضمر أحد شيئا ، إلا ظهر في فلتات لسانه ، وصفحات وجهه ) ..


رائع يا حميد
هذه المقالة لعلي كرم الله وجهه .. تدل على وعي كبير وفهم عميق للنفس الانسانية
ونهج البلاغة كتاب غني عن التعريف
فلا أروع من هذا الكتاب


أحسنت أخي حميد

تحية ... ناريمان

حميد درويش عطية 11-03-2010 09:47 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناريمان الشريف (المشاركة 39290)
اللهم ارزقنا توبة نصوحاً
صفحات تملأ القلب سكينة
إنها قوت للقلوب
بارك الله في زادك ..

أزكى تحية ... ناريمان

آمين .. يا ربَ العالمين
صباح الخير أختي الطيبة ناريمان
شكرا ً لمرورك ِ
جُزيت ِ خيرا
لك ِ سلامي
3
11
2010

حميد درويش عطية 11-03-2010 10:35 AM

بِِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
( الموائد المعنوية للمتقين )

إن أمير المؤمنين ( عليه ِ السلام ) في نهج البلاغة ، يصف المتقين بصفات ، ينبغي للمؤمن بين وقت وآخر ، أن يرى نسبة انطباق هذه الصفات عليه ؛ لأن كل هذه الصفات لا تجتمع عادة في شخص واحد .. ولكن لينظر إلى النسبة المئوية ، فبدرجة التأسي يكون موالياً لهم .
( مُفْتَرِشُونَ لِجَبَاهِهِمْ ، وَأَكُفِّهِمْ ، وَرُكَبِهِمْ ، وَأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ ) ..
إن المؤمن على المائدة المعنوية ، شأنه شأن الإنسان الجالس على المائدة المادية .. إذ أنه عندما يجلس الإنسان على المائدة المتنوعة ، يأكل ما يشتهيه .. والمائدة المعنوية أيضاً مائدة ممدودة ، والإنسان الذي يستيقظ في جوف الليل ، إذا كان يغلب عليه الميل لقراءة القرآن مثلاً ؛ يكون معظم الوقت في تلاوة القرآن .. والذي يغلب عليه الميل لقراءة الدعاء ، يأخذ نصيبه منه .. والذي يغلب عليه الميل لصلاة الليل ، يصلي .. ولكن صلاة الليل في الحد الأدنى ؛ لابد منها ..
البعض يستيقظ ويبقى في فراشه متأملاً في خلق السموات والأرض ، مدّعياً التعبد ؛ هذا إغواء من الشيطان الرجيم .. فصلاة الليل لها حكم خاص :
إذا كان الإنسان متعباً ، أو مريضاً ، أو كان الوقت ضيقاً ؛ فبإمكانه أن يختصر الصلاة إلى ثلاث ركعات : ركعتي الشفع وركعة الوتر ، ومن دون سورة ؛ إذ يكفي قراءة الحمد .. وعليه ، فإن الإنسان بإمكانه أن يصلي صلاة الليل قبل آذان الفجر بخمس دقائق ، ويكتب في ديوان قائمي الليل .
إن المؤمن في جوف الليل ، له ثلاثة برامج
: صلاة الليل ، وتلاوة القرآن ، والسجود .. وللسجود معان كثيرة :
عن النبي الأكرم ( صلى اللهُ عليهِ و آلهِ و سلم ) :
( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ ؛ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ) !..
ورب العالمين يحدث عبده وهو ساجد .. أما كيف يحدثه ؛ فإن له طرقه الخاصة !..
فهذه أم موسى ( عليها السلام ) لم تكن نبياً ، ومع ذلك فإن رب العالمين أوحى إليها ، فالأمر بيده !..
{ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ } ..
لذا ، فإن المؤمن عندما يسجد ، يطلب من رب العالمين المدد الغيبي .
( يَطْلُبُون إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ ) ..
هؤلاء يطلبون من الله - عز وجل - في جوف الليل فكاك رقابهم .. لم يقل : فكاك رقابهم من نار جهنم ، يبدو أن هؤلاء لهم هاجس أكبر من نار جهنم !.. فالمؤمن يقضي سنوات طويلة في عبادة الله - عز وجل - ومع ذلك يخاف من نار جهنم ؛ ولكن البعض يصل إلى درجة يكون فيها مطمئناً إلى أن رب العالمين لن يدخله النار .
فإذن ، إن فكاك الرقاب الذي يطلبونه ، هو من غضب الله - عز وجل - ومن إعراض الله - عز وجل - عنهم .. مثلاً : الإنسان الذي يسهر فيما لا يحرم وما لا يجمل - ليس حراما - ولكنه سهر على الباطل ، فبسبب هذا اللغو رب العالمين يعرض عنه ..
بعض الناس ليسوا من أهل جهنم ، ولكن رب العالمين أيضاً لا يلتفت إليهم ؛ لأنهم مشغولون بالأباطيل ، وما لا طائل منه .
إن المؤمن بين خوفين :
إما الخوف من النار في أوائل أمره ، أو الخوف من إعراض الله - عز وجل - في نهايات أمره ؛ وهذا الخوف يبقى إلى ساعة الموت ..
فالإنسان مهما بلغ يبقى خائفاً ؛ لأنه لا يعلم هل الله - عز وجل - راضٍ عنه ، أم لا !.. مثلاً : هناك أب عنده ثلاثة أولاد : يحب أحدهم كثيراً ؛ لأنه مطيع ويرضى عنه .. وهناك ولد مشاكس ؛ فإنه يغضب عليه .. وهناك ولد ليس فيه خير ، وليس فيه شر فإنه لا يلتفت إليه .
وعليه ، فإن الناس ثلاثة أصناف ، ومعظم الناس يندرج تحت الصنف الثالث .. لذا ، فإن النبي الأكرم ( صلى اللهُ عليهِ و آلهِ ) كان يدعو بهذا الدعاء دائماً :
( لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً ) !..
بعض الناس رب العالمين أوكل أمرهم إلى أنفسهم : لا غضب ، ولا رعاية .. وهذه أيضاً كارثة : أن يكون الإنسان مهملاً في هذه الدنيا لا ولي له ، يقول تعالى :
{ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } ،
فإذا لم يكن الإنسان مؤمناً ؛ فهو لا ولي له .
3
11
2010

حميد درويش عطية 11-06-2010 10:06 AM

بِِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
( الناس ثلاثة أصناف )
يُقسّم الإمام علي ( عليهِ السلام ) الناس إلى ثلاثة أقسام :
الناس ثلاثة : فعالم ربـّاني ، ومتعلـّم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع: أتباع كلّ ناعق ، يميلون مع كلّ ريح ، لم يستضيؤوا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق )..
( فعالم ربـّاني ) ..
عندما نقرأ بعض الروايات ، مثل :
( طلب العلم فريضة على كل مسلم )
ليس معنى ذلك أن طلب علم الهندسة فريضة .. نعم ، بعض الأمور واجبات كفائية ؛ إذ لابد من وجود الطبيب في المجتمع مثلاً .. ولكن كلمة " فريضة " أي على كل مسلم .. فهل على كل مسلم ، أن يتعلم الطب والفيزياء والهندسة ؟..
المراد بالعلم في هذه الموارد هو العلم الذي يضمن للإنسان الآخرة ، العلم الذي يقرّبه إلى الله عز وجل .. أما العلوم الطبيعية ، فهي ضرورية في مجال المعاش ، ولكن كل علم لا يصلحك ضلال ومال لا ينفعك وبال . :
في عرصات القيامة ليس هناك سؤال عن الكيمياء والفيزياء ، إنما السؤال عن العلم الواجب تعلمه ، والمنطبق على أصول وفروع الدين : الأصول اجتهاداً ، والفروع تقليداً ..
والعالم الرباني هو العالم الذي علمه متصل بالله - عز وجل - وليس المراد بالعالم هنا أئمة المساجد .. بل قد يكون العالم الرباني إنساناً فيزيائياً أو كيميائياً ، ولكن له انكشاف بصيرة ؛ ويرى الأمور بمنظار إلهي .
( ومتعلـّم على سبيل نجاة ) ..
إن الإنسان الذي يعترف بجهله ، هذا إنسان جيد .. والجاهل على قسمين :
جاهل يرجى له النجاة ؛ وهو الجاهل البسيط. . وجاهل لا يرجى له النجاة ؛ وهو الجاهل المركب ، الذي لا يعلم أنه لا يعلم ؛ لذا سيبقى في جهله إلى آخر عمره ..
تقول الرواية :
( إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم ؛ رضاً بما يصنع )
هل المراد هنا طالب العلم المحترف في الحوزات العلمية ، أم أنه ينطبق أيضاً على من يلتحق بالدورات الثقافية التي تقام لمدة عشرة أيام - مثلاً - في الفقه والعقائد ، أو أي علم نافع في أمور الدين ، وعلى من يأتي إلى المسجد ، وينوي تعلم العلم ؟.. لهذا يقول المجتهدون :
مسجد المرأة بيتها ، إلا إذا كان في المسجد علم ينتفع به .
( وهمج رعاع : أتباع كلّ ناعق )
الهمج مفسر في اللغة : " بالحمقى " والرعاع : هو " الإنسان الذي لا وزن له".. هؤلاء أتباع كل ناعق ، والناعق هو الذي يتكلم بالحق والباطل ..
ولكن إذا كان أغلب الناس من هذا القسم ، هل هذا يوجب الوحشة ؟..
روي عن أمير المؤمنين ( عليِهِ السلام ) :
( أيها الناس !.. لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله ، فإنّ الناس اجتمعوا على مائدة شبعها قصير، وجوعها طويل )..
ونبي الله نوح ( عليِهِ السلام ) لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، وما آمن به إلا القليل ..
- وفسر القليل دون المائة -
أما الأغلبية فإنهم كانوا يضحكون على نوح ( عليِهِ السلام ) وهو يصنع السفينة على اليابسة ..
فإذن ، هنيئا لمن كان على هذا الخط !.. يقول الإمام علي ( عليِهِ السلام ) :
( اعرف الحق تعرف أهله .. لا يقاس الحق بالرجال ولكن يقاس الرجال بالحق ) !..
***************
6
11
2010


الساعة الآن 03:56 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team