منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   مسار (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=13303)

ياسر علي 04-16-2014 02:13 PM

مسار
 
ضمت إلى صدرها حاسوبها المحمول ، حملقت بعينيها في الآفاق الممتدة أمامها ، انكمشت صاغرة أمام رحابتها ، أعادت النظر فلم ينبلج ممر يشق بحر حيرتها و يحفظ سوأة عجزها عن التخلص من عباءتها و الكشف عن ساقيها و اقتحام شعابه الهادرة.
رجعت ببصرها المتعب إلى لوحتها المستندة على ركبتيها ، رسمت على صفحتها الغامقة قرصا صغيرا مضاء، وسعت الدائرة فأمست بوابة نفق ممتد تسع رأسها ، توسطها سؤال " من أنت ؟" طبعت اسم منار ، فباتت لقمة سائغة لهذه الحية العملاقة تبتلعها في هدوء .
أحست نفسها خفيفة و نورانية ، تفككت حروفها الرقمية منضمة إلى تشكيلات ومجموعات وهمية في استعراض اليكتروني بسرعة ضوئية مخلفة آثارا على الرمال لا تستطيع الصمود ، طفقت الميم مسرعة جهة الماء تروي العطشى بقبلات انتعاش . أحست نفسها مائية الطبع تسبح بانسيابية محركة زعنفاتها بيسر في أنهار التواصل ، التقط ميمها فتى حالم يسد جوعه بقطرات أثيرية آتية من سحابتها العابرة فأضحت الميم كرة طائرة تداعبها الأنامل بين إرسال و احتضان لساعات طوال ، فما إن تتخلص من زائر حتى يأتيها آخر في ثوب جديد ، تعجبت من تلك الكائنات الهشة ، الضاربة في النعومة ، المؤمنة بالخواء ،المتشبثة بالكيد الرحيم ، الناقمة على نفسها ، السابحة في محيطات الضياع حيث لا عاصم لها من الطوفان .
هبت إلى نونها فتحولت جمرة غاضبة ملتهبة تتمنى تفجير الكون من حولها ، أصبحت نفسها شعلة حارقة يتطاير شواظها كأنها مارد يحرض على الكراهية والاقتتال . تلقفتها أفواه لا تمل السب و الشتم ، تبني مجدها الجبار على أعمدة دخان ، يتميز غيظها بلا سبب ، تريد العالم حفرة حالكة يبرق فيها اللهب المستعر ، لم تكن تعلم أن نفسها الواهنة و بشرتها اللينة تغلفان بركان حقد دفين تنتفخ أوداجه باحثا عن فوهة يقذف منها حمما ماحقة ، أدهشها هذا المارد الذي يسكنها ، من أين جاء بهذه البطولة الأسطورية ؟ كيف يقتات على الألم والدمار؟ و يستمتع بتحوله من عود ثقاب ببذرته الدقيقة إلى برميل بارود برأس نووية يعبر القارات متأبطا الرعب و نافثا ألسنة لهب يتوعد بها من يحيد عن منهج الدجال ؟
أتعبتها تلك الثنائية الغارقة في التطرف ، فتمنت التخلص من ميمية اسمها المستعار و نونيته ، فلا هي كائنة ساذجة ترتوي بالأحلام و الثرثرة الركيكة ، ولا هي جندية الطبع تقتات على الحديد والنار . هناك احتضنت ألفها و راءها و بحثت لهما عن ضاد بها تترجل من ذلك العالم الفوقي و ترجع إلى أرضها التي شغفت بها حبا ، فترابيتها علمتها أن لا زرع ينمو إلا في حضنها ، وأن لا هواء في تلك العوالم الافتراضية مهما بدت آسرة ، فالروح تسكن التراب وهي من تمنحه تلك الرائحة الندية .

فاتحة الخير 04-17-2014 02:40 AM

السلام عليكم ورحمة الله


انغماس البطلة في مسرح العالم الرقمي أجج الصراع بين نورانيتها الخفيفة ومائيتها الانسيابية ثم ناريتها الحارقة مما أعادها للأصل بسرعة، حيث طالبتها الأرض بترابها وجرتهاالجاذبية نحوها، وأعادتها لنفسها التي لا ترضى لها الانقسام بين لين يعصر وشدة تكسر.


بصراحة قصة رائعة استاذ ياسر، فهذا ما يحدث غالبا في هذا العالم الذي تحكمه المتغيرات التربوية والبيئية والأخلاقية والدينية وكذا المتلون بألوان عديدة منهاالحارالغامق ومنها البارد الشفاف، ومن يدخله يجب أن يحل أحجيته وألغازه ليستطيع الغوص فيه بكل حرية، يقتني لآلئه ويرمي بعيدا كل الشوائب التي تجعله يقفل هذا العالم للأبد.

شكرا لك

ياسر علي 04-27-2014 11:15 PM

الرائع هو هطولك الباذخ ، أستاذة فاتحة ، هو عالم ضيق رغم شساعته ، فكلما سافر العقل بلا بدن فقد التراب ماهيته ، و تاهت الروح في عوالم بلا معالم ، فللأرض حضور قوي في تركيبة الإنسان و هي قاعدته الصلبة لممراسة الوجود.

كل التقدير .

نزهة الفلاح 05-09-2014 03:10 AM

الأستاذ الكريم ياسر علي حياك الرحمن
مفارقة واقعية مع أبعاد نفسية مهمة، بارك الله في قلمك وأكرمك

سيد حماد 05-12-2014 07:00 AM

للصراع بين نتاج ..الافكار التي نؤمن بها و تلك التي..تتمخض ..عن الاندفاع الفطري في الاقدام علي المغامرة و الاستكشاف..هو صراع . اصيل..و لا ينتهي. .كونه مرتبط ..دوما بإندفاع افكارنا اليومية في سبر اغوار المجهول..و الاستمتاع بمحاولة التعايش معه..او ..الفرار عنه..
لك الشكر استاذ ياسر..علي الابداع .
تقبل ودي.

ياسر علي 05-14-2014 12:37 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نزهة الفلاح (المشاركة 175883)
الأستاذ الكريم ياسر علي حياك الرحمن
مفارقة واقعية مع أبعاد نفسية مهمة، بارك الله في قلمك وأكرمك

أستاذة نزهة
بارك الرحمان حضورك و قراءتك للنص .

كل التقدير .

جليلة ماجد 05-16-2014 02:46 PM

الانفصال عن الوهم الرقمي يحتاج فصلاً بين الروح و العقل ....

متى فاز العقل سلمت أمّا إذا هاجت الروح فلات ساعة مندمِ ..

أ. ياسر : لك نكهة مختلفة في القص

بورك اليراع ....

ياسر علي 06-25-2014 11:44 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جليلة ماجد (المشاركة 176194)
الانفصال عن الوهم الرقمي يحتاج فصلاً بين الروح و العقل ....

متى فاز العقل سلمت أمّا إذا هاجت الروح فلات ساعة مندمِ ..

أ. ياسر : لك نكهة مختلفة في القص

بورك اليراع ....

سعيد بوجودك بالقرب
هي التقنية و عالم الإليكترون هو السائد كمرحلة ثانية من التقدم العلمي .
فلا مفر من هذا العالم الجديد حتى يأتي عالم آخر أكثر تطورا .
لكن تبقى الطبائع الأصلية تتنازع الإنسان رغم كل التطورات .

دمت بألف خير .

[/tabletext]
فاطمة جلال 01-09-2015 06:30 PM

[tabletext="width:70%;"]

سلام الله عليكم

ربما هي قراءة متأخرة لهذا الجمال
ولكن نور الجمال لا يخبو بمرور الأيام بل يزداد بريقا ولمعانا
وهذا العالم الرقمي الواسع والنفس التي تعيش في صراع وتطورات هذا العصر
وتلك اللوحة الكيبوردية الصماء التي تخفي الكثير من حقائق البشر
ولكن الثابت هي القيم التي تربينا عليها منذ نعومة أظفارنا

شكرا لهذا المنلوج الذي يحاكي النفس البشرية
مبدع أديبنا وهذا الحرف الذي يحمل بين طياته الكثير من الواقع


تقديري

زياد القنطار 01-10-2015 02:44 PM

بداية كل الشكر للأستاذة فاطمة جلال التي أعادت لنا هذا النص الجميل إلى الواجهة ,وأسعفت ذائقتنا به .

الأستاذ ياسر علي .
كثرٌ هم من يوسعون الحلم وهماً ,وكثرٌ أيضاً من يلتحفون البطولة زيفاً من خلف تلك الشاشات ,وأكثرهم شقاءاً أولئك الذين يرمون شباكهم ويبحرون بها يملؤنها صيدهم المزيف بزيف حقائقهم .من عاد ليلامس الأرض وباحثاً عن ضاد لألفه ورائه ,قد فاز بحقيقته وأسلم الوهم رماداً ينثره بوجه الزيف الكدر .
دائماً لحرفك مذاق مختلف ,تشتهيه موائد ذائقتنا ....خالص الود والتقدير .


الساعة الآن 05:03 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team