منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   مغارة سماوية (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=1625)

ريم بدر الدين 09-30-2010 12:28 PM

مغارة سماوية
 
تمتلكني رغبة حادة بالصراخ ..
ربما ..لكي تستيقظ جذور النبات في رحم التربة و تقدم لي بعض العزاء فما عاد لي في ظاهر الأرض من يقدمه.
ربما..أصرخ كي أهب ذاكرتي قبلة الحياة فأنا أحتاج أن تجلدني بسياطها المرعبة لئلا أحيد ثانية عن دربها المرسوم.
من أنا؟ لست أدري .
ماذا سأكون ؟ لا أعي على وجه التحديد.
أين تستقر قدماي الآن؟
ربما تسبحان في هواء ..خواء مدته لي بكل براعة يدان أتقنتا رسم اللامدى و اللامنظور و جعلت منه عالما متكاملا دون أن ألمس منه ذرة في الواقع.
كانت الكلمات فعلا لا تشابه الكلمات، و مازالت هكذا!!
لكن جرعة أفيونها المخدر بدأت بالتلاشي بعد انقضاء نصف عمرها المؤثر و بدأ العقل بتنظيف سمومها و آثارها الجانبية.
كلمات كشجرة لبلاب أسطورية أصلها في التراب و فرعها بين الغيوم تسلقتها حتى وصلت عيون السحاب ..سحاب اعتلت متنه مغارات و تجاويف تسمع من عمقها همهماتٍ و قهقهاتٍ مخيفة لكائنات غير بشرية تسكنها.
رغم هذا خطوت إليها ...ولجتها بكامل إرادتي و ليس في يدي غير قنديل صغير بضوء شحيح بدأ نوره يذوي قليلا قليلا لأنه ما بقي فيه نقطة زيت و ربما لانعدام الأوكسجين لا فرق!
الغريب هنا أنّي ما زلت أتنفس!
طالعتني وجوهٌ طائرة لم أدر كيف رأيتها...من أين استمدت الضوء اللازم لأراها؟ ...وجوه مرعبة حينا و مألوفة حينا !
مظلمة تلك المغارة . كان بودي انتزاع قلبي المتقد فوق رأسي أضيء به الدرب لكنني أيقنت الهلاك و لم تكن ورائي جموع أقودها تحتاج الضوء كما كان دانكو* من قبل، فقررت أن أترك القلب يحترق في تجويف الصدر في حينٍ مقدورٍ لا أملك عنه حيادا.
تساءلت: لكل نفق لا بد من نهاية أخرى، هكذا يقول علم الهندسة. و لكل مغارة لا بد من منفذ آخر، هكذا تقول الجيولوجيا،لكن هذه مغارة فوق الغيوم، فهل تخضع للمقاييس الأرضية؟
سمعت خرير مياهٍ آتٍ من مكانٍ ما فاستيقنت أن ينبوعاً ما ينبجس من قلب صخرة .
إذاً هذه مغارة تشبه المغارة الأرضية،لم لا يكون لها من منفذ؟
قررت أن أموت و أنا أتقدم المسير فهو خير لي من أن أبقى قابعةً في مكاني أنتظره، فلربما أقابله في منتصف الطريق ،أوفر الزمن من أجلي و أوفر الجهد من أجله!
ارتقيت قدمي و امتشقت شجاعتي و عاودت المسير بخطى وجلة أتحسس موضع كل خطوةٍ كي لا أجد نفسي في هاويةٍ سحيقةٍ ...
درجات الأسود في الهواء بدأت تخف قليلا ..فهل أنني تعودت الظلام فتآلفت عيناي معه؟ أم أنّي اقتربت فعلا من نهاية المغارة؟
لست أدري..!
دندنت بأغنيةٍ ما علّي أزيح بعضا من وحشةٍ تغلف قلبي .
رددت جدران المغارة و حجارتها معي كلمات الأغنية ،كألف إنسان جاءوا ليشكلوا جوقة غير متناسقة.
مرعب صدى صوتي عندما يكون بهذا التعدد!
لكنني أعجبت بالتجربة، فكررتها، و رفعت صوتي بالغناء..ضحكت بهستيرية...كلمت نفسي ..تحدثت بكل لغة أعرفها :
To be or not to be that is the question
هاملت.. معلق بين السماء و الأرض، تعال هنا و شاركني وحشة المكان يا صديق !
صرت أسعد برد الصدى!
في مرحلة ما لم يعد يعنيني أن أبلغ بوابة الخروج .
عضني الجوع بأنيابه ،استيقظت فيّ غريزة الحياة فتركت اللعبة التي اخترعتها و سررت بها و غذذت السير.
شعاع رقيق جدا بدأ يتسلل ...فركت عيني أهو حقا بصيص ضوء أم أنني واهمة؟
اقتربت ..أكثر ...أقرب ..أقرب... بدأ اللون الرمادي الغامق ..فالأفتح..الأفتح...الأبيض.
خرجت إلى النور و الهواء، لأكتشف أنني أمضيت أعواما في جوف مغارة.
وجدت اللبلابة تنتظرني فامتطيتها و عدت إلى الأرض .
جدول مياهه رقراقة كان هناك..طالعت وجهي في صفحته لأجد أن هذه الرحلة لم تنل من روحي هماً و انطفاء أمنيات فقط ،و إنما نالت من جسدي هزالا و نحولا.
غسلت وجهي و يديّ مما نالهما و عاودت المسير من جديد..لكن في الوجهة الأخرى !!
-------------------------------------------------------
*دانكو شخصية محورية لقصة "قلب دانكو المحترق "
لمكسيم جوركي في مجموعته "مولد إنسان"

طارق الأحمدي 10-01-2010 09:45 PM

أيمكن أن تكوني قد أخذتنا معك في رحلة وجودية بعد أن تحررت الروح وصارت قادرة على التحليق في سماء اللحظات الآتية ؟

لقد تتبعت ذاتا متعبة دخلت في غفلة من الحزن إلى مغارة الأمنيات البعيدة , وقد سقطت في مستنقع التيه فظنت ألآ مخرج من نفق

الضياع .. ولكنها تكتشف أنها أقوى مما كانت تظن , لقد اكتشفت أن لها مخزونا كبيرا من الأمل , اخضرت بتلاته وأزهرت لحظاته لما


اعتقدت أن ما كان يعيق تقدمها قد يزول مع كل خطوة فرح تخطوها ...


اكتشفت الحقيقة أخيرا ..

وصلت هذه الذات إلى مرحلة الاطمئنان , إلى حالة من الرضى فانفتحت أمامها جميع السبل التي كانت غائبة عنها ..

ومع أول ومضة من نور الاطمئنان استطاعت أن تسترشد طريق العودة ..

القديرة : ريم
سرد ممتع تعودناه من قلمك
قلم احترف الكتابة وأخذ من منابعها ما يجعله يسير في الطريق السليم

همسة صغيرة :

إذا --- الصواب : إذن

ودمت مبدعة دوما

لينا عثمان 10-10-2010 11:08 AM

قصه جميله الاخت العزيزة ريم بدر الدين ومؤثرة وبها العبر و تشرح البيت كلما استحكمت حلقاتها فرجت..وفعلا بعد كل ضيق يأتي الفرج حتى اذا كان هذا الفرج يأخذ اعواما فالمهم ان يعرف الانسان وجهة سفينه ويتمسك بالامل فالامل زاد الحياة.. سلمت الاستاذه الرقيقه ريم بدر الدين

أحمد فؤاد صوفي 10-11-2010 08:38 PM

ليس لي أن أعلق على قصتك بعد تعليق العزيز طارق . .
ولا أقول إلا إنني استمتعت بقراءتها فعلاً . .

بورك القلم . .
تحيتي وودي . .

** أحمد فؤاد صوفي **

ريم بدر الدين 01-20-2011 10:11 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق الأحمدي (المشاركة 30050)
أيمكن أن تكوني قد أخذتنا معك في رحلة وجودية بعد أن تحررت الروح وصارت قادرة على التحليق في سماء اللحظات الآتية ؟

لقد تتبعت ذاتا متعبة دخلت في غفلة من الحزن إلى مغارة الأمنيات البعيدة , وقد سقطت في مستنقع التيه فظنت ألآ مخرج من نفق

الضياع .. ولكنها تكتشف أنها أقوى مما كانت تظن , لقد اكتشفت أن لها مخزونا كبيرا من الأمل , اخضرت بتلاته وأزهرت لحظاته لما


اعتقدت أن ما كان يعيق تقدمها قد يزول مع كل خطوة فرح تخطوها ...


اكتشفت الحقيقة أخيرا ..

وصلت هذه الذات إلى مرحلة الاطمئنان , إلى حالة من الرضى فانفتحت أمامها جميع السبل التي كانت غائبة عنها ..

ومع أول ومضة من نور الاطمئنان استطاعت أن تسترشد طريق العودة ..

القديرة : ريم
سرد ممتع تعودناه من قلمك
قلم احترف الكتابة وأخذ من منابعها ما يجعله يسير في الطريق السليم

همسة صغيرة :

إذا --- الصواب : إذن

ودمت مبدعة دوما


أتمنى أن تكون تلك الروح قد وصلت و هدأت و لا أظنها ببالغة مرامها قريبا
طارق الأحمدي
أشكرك ياصديقي للقراءة الجميلة دوما و العميقة
كن دوما بخير
و دمت رائعا

رقية صالح 01-25-2011 11:01 PM

من عادتي عندما أقرأ قصة ما تشدني
أو كتاب أو أتابع فيلم أنسجم مع الأحداث كلها
وأعيش جلّ لحظاتها وكأنني أنا بطلة أو بطل القصة
راقت لي القصة وتأثرت بها لما فيها من عمق الفكرة
وحروف الثقافة الراقية ولغتك النابعة من القلب
لنقرأ ترابط هذا السرد والعبرة منها
نتشبث بالأمل مهما كان الواقع مريراً
نعود ونقف على أرجلنا ونعاود المسير من جديد

الغالية أ. ريم الشام
تحيتي وتقديري .. الياسمين الدمشقي

خليفة الشحي 01-26-2011 05:26 PM

الأخت الفاضلة ريم بدر الدين ...

عجزت عن وصف مشاعري تجاه القصة ...

تلك القصة المشوقة ... المبدعَة ... تلك القصة الشيقة التي تثير مشاعر القارئ ..
.

تلك القصة التي حركت مشاعر شخص لا يمتلك المشاعر ...


من أعماق أعماق قلبي شكراً أيتها الكاتبة المتميزة ... استمري في الكتابة ...

ماجد جابر 04-02-2011 08:09 PM

تحيّاتي
أشكركِ .
سرد يصوّر بمنظاره تراتيل مؤمن متسلح بالأمل ، ونبضات قلب صدوق ، وخلجات نفس رقيقة ،هذّبتها الروح ، وابتهالات عابد.
بوركتِ أستاذة ريم ، وبورك القلم وما خطّ.

سيد حماد 04-03-2011 09:54 AM

عزيزتي الكاتبة الرائعه ...ريم بدر الدين ،كم هي مثيره تلك الرحلة وعنصر الاثاره فيها ان كل حرف نقرؤه و نحن نطالعها يفاجئنا بانفجار عظيم لعالم جديد ،بين ذرى الخيال ..و في نقطة ما من المسير ،بدا وكأن غريزة البقاء هي كل ما تبقى ...و هي دليلنا ،للخروج...عزيزتي ...نحن حقا" بحاجه لمتل هذا الابداع النادر فهل من مزيد؟....مع تحياتي ومودتي

ريم بدر الدين 08-04-2012 04:14 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لينا عثمان (المشاركة 33495)
قصه جميله الاخت العزيزة ريم بدر الدين ومؤثرة وبها العبر و تشرح البيت كلما استحكمت حلقاتها فرجت..وفعلا بعد كل ضيق يأتي الفرج حتى اذا كان هذا الفرج يأخذ اعواما فالمهم ان يعرف الانسان وجهة سفينه ويتمسك بالامل فالامل زاد الحياة.. سلمت الاستاذه الرقيقه ريم بدر الدين

علينا دوما أن نبحث عن نصف الكوب الملآن كي نستطيع تحمل هذه الحياة
أ. لينا عثمان سعدت بمرورك الجميل و قراءتك للنص
تحيتي لك


الساعة الآن 10:57 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team