منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر ديوان العرب (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=48)
-   -   سأخون وطني .. ل محمد الماغوط (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=1037)

ناريمان الشريف 09-02-2010 02:35 AM

سأخون وطني .. ل محمد الماغوط
 

من هو .. محمد الماغوط ؟


محمد أحمد عيسى الماغوط (1934- 3 أبريل 2006) شاعر وأديب سوري، ولد في سلمية بمحافظة حماة عام 1934. تلقى تعليمه في سلمية ودمشق وكان فقره سبباً في تركه المدرسة في سن مبكرة، كانت سلمية ودمشق وبيروت المحطات الأساسية في حياة الماغوط وإبداعه، وعمل في الصحافة حيث كان من المؤسسين لجريدة تشرين كما عمل الماغوط رئيساً لتحرير مجلة الشرطة، احترف الفن السياسي وألف العديد من المسرحيات الناقدة التي لعبت دوراً كبيراً في تطوير المسرح السياسي في الوطن العربي، كما كتب الرواية والشعر وامتاز في القصيدة النثرية وله دواوين عديدة. توفي في دمشق في 3 أبريل 2006.
عام 1934 كان ميلاد الشاعر محمد الماغوط في مدينة سلمية التابعة لمحافظة حماه السورية، نشأ في عائلة شديدة الفقر وكان أبوه فلاحاً بسيطاً عمل أجيرة في أراضي الآخرين طوال حياته، درس بادئ ذي الأمر في الكتّاب ثم انتسب إلى المدرسة الزراعية في سلمية حيث أتم فيها دراسته الإعدادية، انتقل بعدها إلى دمشق ليدرس في الثانوية الزراعية في ثانوية خرابو بالغوطة، يذكر أن والده أرسل رسالة إلى الثانوية يطلب منهم الرأفة بابنه فقاموا بتعليقها على أحد جدران المدرسة مما جعله أضحوكة زملائه؛ الأمر الذي دفعه إلى الهروب من المدرسة والعودة إلى سلمية [1].
قام الماغوط بعد عودته إلى السلمية بدخول الحزب السوري القومي الاجتماعي دون أن يقرأ مبادئه، وكان في تلك الفترة حزبان كبيران هما الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث، وهو يذكر أن حزب البعث كان في حارة بعيدة في حين كان القومي بجانب بيته وفيه مدفأة أغرته بالدفء فدخل إليه وانضم إلى صفوفه، لم يدم انتماؤه الحزبي طويلاً وقد سحب عضويتها في الستينات بعد أن سجن ولوحق بسبب انتمائه.
وفي هذه الفترة عمل الماغوط فلاحاً وبدأت بوادر موهبته الشعرية بالتفتح فنشر قصيدة بعنوان "غادة يافا" في مجلة الآداب البيروتية. بعدها قام الماغوط بخدمته العسكرية في الجيش حيث كانت أوائل قصائده النثرية قصيدة "لاجئة بين الرمال" التي نُشِرَت في مجلة الجندي، وكان ينشر فيها أدونيس وخالدة سعيد وسليمان عواد، ونشرت بتاريخ 1 أيار 1951، وبعد إنهاء خدمته العسكرية استقر الماغوط في السلمية.[1]
كان اغتيال عدنان المالكي في 22 أبريل 1955 نقطة تحول في حياة الماغوط حيث اتُهِمَ الحزب السوري القومي الاجتماعي باغتياله في ذلك الوقت، ولوحق أعضاء الحزب، وتم اعتقال الكثيرين منهم، وكان الماغوط ضمنهم، وحُبس الماغوط في سجن المزة، وخلف القضبان بدأت حياة الماغوط الأدبية الحقيقية، تعرف أثناء سجنه على الشاعر علي أحمد سعيد إسبر الملقب بأدونيس الذي كان في الزنزانة المجاورة.[2]
خلال فترة الوحدة بين سورية ومصر كان الماغوط مطلوباً في دمشق، فقرر الهرب إلى بيروت في أواخر الخمسينات، ودخول لبنان بطريقة غير شرعية سيراً على الأقدام، وهناك انضمّ الماغوط إلى جماعة مجلة "شعر" حيث تعرف على الشاعر يوسف الخال الذي احتضنه في مجلة «شعر» بعد أن قدمه أدونيس للمجموعة[1].
وفي بيروت نشأت بين الماغوط والشاعر بدر شاكر السياب صداقة حميمة فكان كان السياب صديق التسكّع على أرصفة بيروت، وفي بيروت أيضاً تعرّف الماغوط في بيت أدونيس على الشاعرة سنية صالح (التي غدت في ما بعد زوجته)، وهي شقيقة خالدة سعيد زوجة أدونيس، وكان التعارف سببه تنافس على جائزة جريدة «النهار» لأحسن قصيدة نثر.
عاد الماغوط إلى دمشق بعد أن غدا اسماً كبيراً، حيث صدرت مجموعته الأولى "حزن في ضوء القمر" (عن دار مجلة شعر، 1959)، التي ألحقها عن الدار نفسها بعد عام واحد بمجموعته الثانية "غرفة بملايين الجدران" (1960)، وتوطدت العلاقة بين الماغوط وسنية صالح بعد فدومها إلى دمشق لاكمال دراستها الجامعية. وفي العام 1961 أدخل الماغوط إلى السجن للمرة الثانية وأمضى الماغوط في السجن ثلاثة أشهر، ووقفت سنية صالح وصديقه الحميم زكريا تامر إلى جانبه خلال فترة السجن، وتزوج الماغوط من سنية صالح عقب خروجه من السجن، وأنجب منها ابنتيه شام وسلافة.
في السبعينات عمل الماغوط في دمشق رئيساً لتحرير مجلة «الشرطة» حيث نشر كثيراً من المقالات الناقدة في صفحة خاصة من المجلة تحت عنوان "الورقة الأخيرة"، وفي تلك الفترة بحث الماغوط عن وسائل أخرة للتعبير من أشكال الكتابة تكون أوضح أو أكثر حدة، فكانت مسرحياته المتوالية "ضيعة تشرين" و"غربة"، وفيها أراد الماغوط مخاطبة العامة ببساطة دون تعقيد، وهو واحد من الكبار الذين ساهموا في تحديد هوية وطبيعة وتوجه جريدة تشرين السورية في نشأتها وصدورها وتطورها في منتصف السبعينيات، حين تناوب مع الكاتب القاص زكريا تامر على كتابة زاوية يومية، تعادل في مواقفها صحيفة كاملة في عام 1975 وما بعد، وكذلك الحال حين انتقل ليكتب «أليس في بلاد العجائب» في مجلة المستقبل الأسبوعية، وكان لمشاركاته دور كبير في انتشار «المستقبل» على نحو بارز وشائع في سورية.
كانت فترة الثمانينات صعبة وقاسية، بدأت بوفاة شقيقته ليلى أثر نفاس بعد الولادة وإهمال الطبيب والزوج عام 1984، ثم وفاة والده أحمد عيسى عام 1985نتيجة توقف القلب، وكانت أصعب ضربة تلقاها هي وفاة زوجته الشاعرة سنية صالح عام 1985 بعد صراع طويل معه ومع السرطان وهو نفس المرض الذي أودى بحياة والدتها وبنفس العمر وكانت نفقت العلاج على حساب القصر الجمهوري في مشفى بضواحي باريس حيث أمضت عشرة أشهر للعلاج من المرض الذي أودى بها، ثم وفاة أمه ناهدة عام 1987بنزيف حاد بالمخ، وقد تركت هذه المآسي المتلاحقة الأثر الشديد على نفسه وأعماله وكتاباته.
في ظهيرة يوم الاثنين 3 نيسان 2006 رحل محمد الماغوط عن عمر يناهز 72 عاماً وذلك بعد صراع طويل مع الأدوية والأمراض عندما توقف قلبه عن الخفقان وهو يجري مكالمة هاتفية.
يعتبر محمد الماغوط أحد أهم رواد قصيدة النثر في الوطن العربي، كتب الماغوط الخاطرة والقصيدة النثرية، وكتب الرواية والمسرحية وسيناريو المسلسل التلفزيوني والفيلم السينمائي، وامتاز أسلوبه بالبساطة والبراغماتية وبميله إلى الحزن.


.... يتبع

ناريمان الشريف 09-02-2010 02:36 AM


الأعمال المسرحية




ضيعة تشرين - مسرحية (لم تطبع - مُثلت على المسرح 1973-1974)
شقائق النعمان - مسرحية
غربة - مسرحية (لم تُطبع - مُثلت على المسرح 1976)
كاسك يا وطن - مسرحية (لم تطبع - مُثلت على المسرح 1979)
خارج السرب - مسرحية (دار المدى - دمشق 1999، مُثلت على المسرح بإخراج الفنان جهاد سعد) ‏
العصفور الأحدب - مسرحية 1960 (لم تمثل على المسرح)
المهرج - مسرحية (مُثلت على المسرح 1960، طُبعت عام 1998 من قبل دار المدى - دمشق)



.... يتبع

ناريمان الشريف 09-02-2010 02:40 AM


( الأعمال السينمائية )

الحدود
التقرير

أهم مؤلفات محمد الماغوط

( الشعر)

حزن في ضوء القمر - شعر (دار مجلة شعر - بيروت 1959)
غرفة بملايين الجدران - شعر (دار مجلة شعر - بيروت 1960)
الفرح ليس مهنتي - شعر (منشورات اتحاد الكتاب العرب - دمشق 1970)


( المسرح )

ضيعة تشرين - مسرحية (لم تطبع - مُثلت على المسرح 1973-1974)
شقائق النعمان - مسرحية
غربة - مسرحية (لم تُطبع - مُثلت على المسرح 1976)
كاسك يا وطن - مسرحية (لم تطبع - مُثلت على المسرح 1979)
خارج السرب - مسرحية (دار المدى - دمشق 1999، مُثلت على المسرح بإخراج الفنان جهاد سعد)
العصفور الأحدب - مسرحية 1960 (لم تمثل على المسرح)
المهرج - مسرحية (مُثلت على المسرح 1960، طُبعت عام 1998 من قبل دار المدى - دمشق)

( مسلسلات تلفزيونية )

حكايا الليل - مسلسل تلفزيوني (من إنتاج التلفزيون السوري)
وين الغلط - مسلسل تلفزيوني (إنتاج التلفزيون السوري)
وادي المسك - مسلسل تلفزيوني
حكايا الليل - مسلسل تلفزيوني
السينما

الحدود - فيلم سينمائي (1984 إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام)
التقرير - فيلم سينمائي (1987 إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام)

( أعمال أخرى )

الأرجوحة - رواية 1974 (نشرت عام 1974 - 1991 عن دار رياض الريس للنشر وأعادت دار المدى طباعتها عام 2007)
سأخون وطني - مجموعة مقالات (1987- أعادت طباعتها دار المدى بدمشق 2001)
سياف الزهور - نصوص (دار المدى بدمشق 2001)
شرق عدن غرب الله (دار المدى بدمشق 2005)
البدوي الأحمر (دار المدى بدمشق 2006)
أعماله الكاملة طبعتها دار العودة في لبنان. وأعادت دار المدى طباعة أعماله في دمشق عام 1998 في كتاب واحد بعنوان (أعمال محمد الماغوط) تضمن: (المجموعات الشعرية: حزن في ضوء القمر، غرفة بملايين الجدران، الفرح ليس مهنتي. مسرحيتا: العصفور الأحدب، المهرج. رواية: الأرجوحة). تُرجمت دواوين الماغوط ومختارات له ونُشرت في عواصم عالمية عديدة إضافة إلى دراسات نقدية وأطروحات جامعية حول شعره ومسرحه.



.... يتبع

ناريمان الشريف 09-02-2010 02:41 AM

من أقوال الماغوط

"لو كانت الحرية ثلجاً لنمت في العراء"
"عمرها ماكانت مشكلتنا مع الله، مشكلتنا مع اللي يعتبرون نفسهم بعد الله" من مسرحية شقائق النعمان
"بدأت وحيداً، وانتهيت وحيداً كتبت كإنسان جريح وليس كصاحب تيار أو مدرسة"
"لماذا خلقني ؟ وهل كنت أوقظه بسبابتي كي يخلقني ؟"
"إنني أعد ملفا ضخما عن العذاب البشري لأرفعه إلى الله فور توقيعه بشفاه الجياع وأهداب المنتظرين
ولكن يا أيها التعساء في كل مكان جُلَّ ما أخشاه أن يكون الله أميّا"
"أنا نبي لاينقصني إلاّ اللحية والعكاز والصحراء "
"حبك كا الإهانة لا ينسى"



.... يتبع

ناريمان الشريف 09-02-2010 02:44 AM



سأخون وطني هذيان في الرعب والحرية . الكتاب الاشهر للراحل محمد الماغوط .
هو عبارة عن مقالات كتبت في نهاية السبعينات الى منتصف الثمانينات .
تصل عدد المقالات الى 132 مقالة

أرجو أن تتحقق المتعة والفائدة من الكتاب
خاصة أنه غير منشور كنسخة الكترونية


العراف


ما هذا ؟
أمة بكاملها تحل الكلمات المتقاطعة وتتابع المباريات الرياضية، أو تمثيلية السهرة ،
والبنادق الاسرائيلية مصوبة إلى جبينها وارضها وكرامتها وبترولها.
كيف أوقظها من سباتها، وأقنعها بأن أحلام إسرائيل أطول من حدودها بكثير،
وان ظهورها أمام الرأي العام العالمي بهذا المظهر الفاتيكاني المسالم لا يعني أن جنوب لبنان هو نهاية المطاف؟
فهي لو أعطيت اليوم جنوب لبنان طوعا واختيارا لطالبت غدا بشمال لبنان لحماية أمنها في جنوب لبنان.
ولو أعطيت كل لبنان لطالبت بتركيا لحماية أمنها في لبنان.
ولو أعطيت تركيا لطالبت ببلغاريا لحماية أمنها في تركيا.
ولو أعطيت أوروبا الشرقية لطالبت بأوروبا الغربية لحماية أمنها في أوروبا الشرقية.
ولو أعطيت القطب الشمالي لطالبت بالقطب الجنوبي لحماية أمنها في القطب الشمالي.
وملآت حقائبي بالخرائط والمستندات والرسوم التوضيحية ويممت شطر الوطن العربي أجوب أرجاءه مدينة مدينة وبيتا بيتا.
وحدثتهم كمؤرخ عن نوايا اسرائيل العدوانية وأطماعها التاريخية في أرضنا وأنهارنا ومياه شربنا.
وعرضت عليهم كطوبوغرافي الوثائق والمستندات السرية والعلنية وباللغات العربية والانكليزية والتركية ... ولكن، لا أحد يبالي.
ثم تحدثت إليهم كفنان. وعرضت أمامهم أشهر اللوحات التشكيلية والرسوم الكاريكاتورية التي تصور اسرائيل كمخلب قط للاستعمار،
كرأس جسر للإمبريالية، كأفعى تلتف، كعقرب يلسع، كحوت، كتنين، كدراكولا، كريا وسكينة ... تقتل وتفتك وتتآمر ... ولا أحد يبالي.
ثم تحدثت إليهم كخبير طاقة. وحذرتهم من أن منابع النفط هي الهدف التالي لإسرائيل. وأننا، كعرب،
قد نعود إلى عصر الحطب في المضارب، ونفخ النار بالشفتين وطرف الجلباب ... ولا أحد يبالي.
ثم تحدثت إليهم كطبيب، عن تسميم الطلاب والطالبات في الضفة الغربية، والجثث المفخخة في مجازر صبرا وشاتيلا.
وعن التنكيل المستمر بأهلنا في الأراضي المحتلة، ومصادرة البيوت، وطرد السكان، وتحديد الاقامة، ومنع السفر،
ومنع العودة، واغلاق المدارس، وتغيير المجالس البلدية، وقمع المظاهرات، واطلاق غاز الاعصاب،
والقنابل المسيلة للدموع، والمسيلة للتخلف ... ولا أحد يبالي.
ثم تحدثت إليهم كأب. ونبهتهم إلى أن كل مدرسة في الوطن العربي قد تصبح مدرسة بحر البقر، وكل كاتب أو شاعر
قد يصبح كمال ناصر أو غسان كنفاني. وكل رئيس بلدية أو دائرة حكومية
قد يعود إلى بيته على عكازين كبسام الشكعة وكريم خلف ... ولا أحد يبالي.
ثم تحدثت إلى الفلاحين كفلاح. وإلى العمال كعامل. وإلى التجار كتاجر. وإلى اليمينيين كيميني. وإلى اليساريين كيساري.
وإلى المزايدين كمزايد. وإلى المعتدلين كمعتدل. وإلى العجائز كعجوز. وإلى الأطفال كطفل ...
وقلت لهم أن اتفاق شولتز مثله مثل اتفاقيات كامب ديفيد واتفاق سيناء وكل الاتفاقات التي تمت من وراء ظهوركم.
فهو مصوغ بدقة متناهية كابتسامة الجوكندا بحث لا أحد يعرف إذا كان يبتسم لنا أم يسخر منا.
ولذلك فان دولا عربية متخاصمة لم يكن يتصور أحد أنها يمكن أن تتصالح ... قد تصالحت بسببه.
وأن دولا اخرى صديقة لم يكن يتصور أحد أنها قد تختلف، قد اختلفت بسببه ... ولكن للتحركات السياسية حدودا. وللجهود الدولية معايير لا يمكن الاخلال بها.
وأن مؤتمر الشعب العربي الدائم وقضيته المركزية فلسطين لا يستطيع أن يستمر في عقد جلساته الطارئة إلى ما لا نهاية ما لم يلق استجابة من هنا أو دعما من هناك.
وان المقاومة الوطنية في لبنان مهما كانت باسلة، لا تستطيع وحدها القضاء عليه ما لم تعمم هذه التجربة في كل بلد عربي.
وقصصت عليهم أحسن القصص عن البطولة والفداء. والروعة في أن يكون الإنسان ثائراً من أجل وطنه ينصب الكمائن
ويطارد الأعداء في شعاب الجبال. وفي فترات الاستراحة يضم بندقيته إلى صدره ويقرأ على ضوء القمر الرسائل الواردة إليه من الوطن،
إذ في كل صفحة خصلة شعر من خطيبة، أو ورقة يابسة من حبيب.
وقرأت عليهم بنبرة مؤثرة وغاضبة أجمل قصائد المقاومة والنضال، لناظم حكمت ولوركا وهوشي منه ومحمود درويش وسميح القاسم...
ولا أحد يبالي.
الكل ينظر إليّ تلك النظرة الحزينة المنكسرة كغصن وينصرف متنهداً إلى عمله.
ماذا أفعل أكثر من ذلك لأثير نخوتهم وغضبهم ومخاوفهم؟
هل أضع على وجهي قناعاً يمثل سنّي بيغن الأماميتين المشؤومتين؟
أم أضع عصابة سوداء على عينّي مثل موشي دايان، وأقفز حول أسرّة الأطفال في ظلام الليل؟
هل أعرض في الساحات العامة صورا شعاعية لما يعتمر في صدر شارون وبيريز وارينز وايتان
وغيرهم من ضغينة وحقد على هذه الأمة وما يبيتون لها ولشعوبها من قهر وذل وجوع ودمار؟
هل فقدت الشعوب العربية احساسها بالأرض والحرية والكرامة والانتماء إلى هذه الدرجة؟
أم أن الارهاب العربي قد قهرها وجوّعها وروّعها وشرّدها سلفا أكثر بكثير مما فعلته وما قد تفعله اسرائيل في المستقبل؟



..... يتبع [/center]

ناريمان الشريف 09-03-2010 03:02 PM

طوق الحمامة





هل يمكن يا حبيبتي أن يقتلني هؤلاء العرب إذا عرفوا في يوم من الأيام انني لا أحب إلا الشعر والموسيقى، ولا أتأمل إلا القمر والغيوم الهاربة في كل اتجاه.
أو أنني كلما استمعت إلى السيمفونية التاسعة لبتهوفن أخرج حافياً إلى الطرقات وأعانق المارة ودموع الفرح تفيض من عيني.
أو أنني كلما قرأت "المركب السكران" لرامبو، اندفع لألقي بكل ما على مائدتي من طعام، وما في خزانتي من ثياب، وما في جيوبي من نقود وأوراق ثبوتية من النافذة.
نعم فكل شيء ممكن ومحتمل ومتوقع من المحيط إلى الخليج، بل منذ رأيتهم يغدقون الرصاص بلا حساب بين عيني غزال متوسط أدركت أنهم لا يتورعون عن أي شيء.
ولكن من أين لهم أن يعرفوا عني مثل هذه الأهواء، وأنا منذ الخمسينات لا أحب الشعر أو الموسيقى أو السحب أو القمر أو الوطن أو الحرية إلا متلصصاً آخر الليل، وبعد أن اغلق الأبواب والنوافذ واتأكد من أن كل المسؤولين العرب من المحيط غلى الخليج قد أووا إلى أسرتهم وأخلدوا للنوم.
ولكن إذا صدف وعرفوا ذلك بطريقة أو بأخرى فأكدي لهم يا حبيبتي بأن كل ما سمعوه عني بهذا الخصوص هو محض افتراء واشاعات مغرضة، وانني لا أسمع إلا نشرات الأخبار، ولا اقرأ الا البلاغات الرسمية.
ولا أركض في الشوارع إلا للحاق بمركب التطور.
وإنني اقتنع دائماً بما لا يقنع وأصدق ما لا يصدق، ولا أعتبر نفسي أكثر من قدمين على رصيف أو رصيف تحت قدمين.
وإذا ما سألوك: أين أذهب أحياناً عند المساء فقولي لهم: انني اعطي دروساً خصوصية في الوطن العربي في توعية اليائسين والمضللين.
وإذا ما بدوت يائساً في بعض الأحيان، فأكدي لهم أنه يأس إيجابي، وإذا ما أقدمت على الإنتحار قريباً فلكي ترتفع روحي المعنوية إلى السماء.
وإنني لا أعتبر أن هناك خطراً على الإنسان العربي والوطن العربي سوى اسرائيل، وتلك الحفنة من المثقفين و المنظرين العرب الذين ما فتئوا منذ سنين يحاولون اقناعنا في المقاهي والبارات والندوات والمؤتمرات بأن معركتنا مع العدو هي معركة حضارية وكأنهم ينتظرون من قادته وجنرالاته أن يجلسوا صفاً واحداً على كراسيهم الهزازة على الحدود مقابل صف من الكتاب والشعراء والفنانين العرب ليبارزوهم قصيدة بقصيدة ومسرحية بمسرحية ولوحة بلوحة وسمفونية بسمفونية وأغنية بأغنية ومسلسلاً بمسلسل.
لا يا حبيبتي، اركبي أول طائرة واجتمعي بكل من يعنيهم هذا الأمر في الوطن العربي، وحذريهم من الوقوع في مثل هذا الشرك، أو مثل هذه الدوامة، فصراعنا مع العدو واضح كل الوضوح في مقولة عبد الناصر الشهيرة: " ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" . والصراع المحتدم الآن بين أكبر دولتين في العالم وأكثرهما غنى بالشعراء والكتاب والفنانين، ألا وهما روسيا وأمريكا حول سباق التسلح إلا الدليل القاطع على صحة هذه المقولة.
ولذلك فأنا ككل عربي، مستضعف ومستهدف من جميع الجهات، أتابع هذا السباق باهتمام بالغ، وأتابع بنفس الاهتمام كل ما يطرأ على عالم الأسلحة من تطور في الشكل والمضمون والفعالية. وان كان ما يزال للدبابة بالنسبة لي ولجيل الخمسينات برمته مكانة خاصة في نفوسنا ولا نستطيع بمجرد أن ظهرت أسلحة جديدة أكثر رشاقة وفعالية منها أن ننساها بكل هذه البساطة، فبيننا وبينها عشرة عمر.
وإذا كانت الدول الأقل غنى منا قد وفرت لكل مواطن دبابة واحدة على الأقل. فحريّ بنا نحن العرب، وقد وهبنا الله تلك الثروات والموارد التي لا تنضب، أن يصبح لكل مواطن عربي في المستقبل لا دبابة واحدة بل خمس دبابات على الأقل:
واحدة إلى يمينه.
وواحدة إلى يساره.
وواحدة أمامه.
وواحدة وراءه.
وواحدة فوقه.
وبذلك يرتاح ويريح.

ناريمان الشريف 09-03-2010 03:04 PM

المبتدأ والخبر







بعد أن أتى الجراد السياسي في الوطن العربي على الحاضر والمستقبل، يبدو أنه الآن قد التفت إلى الماضي، وذلك حتى لا يجد الإنسان العربي ما يسند ظهره إليه في مواجهة الأخطار المحيطة به سوى مسند الكرسي الذي يجلس عليه، بدليل هذا الحنو المفاجيء على لغتنا العربية، وهذه المناحة اليومية في معظم صحف واذاعات المنطقة، على ما أصاب قواعدها من تخريب وما يتعرض له صرفها ونحوها من عبث واستهتار، حتى لم يعد احجنا يعرف كيف يقرأ رسالة أو يدوّن رقم هاتف.
ومع احترامنا لكل حرف في لغتنا، ومع تقديرنا لجميع ظروف الزمان والمكان في كل جملة ومرحلة في الوطن العربي لا بد أن نسأل:
ما الفائدة من الاسم إذا كان صحيحا... والوطن نفسه معتلاً؟
أو اذا كانت هذه الجملة أو تلك مبنية على الضم أو الفتح ... والمستوطنات الاسرائيلية مبنية أمام أعيننا على جثث التلاميذ والمدرسين الفلسطينيين.
ثم، لم وجدت اللغة أصلاً في تاريخ أي أمة؟ أليس من أجل الحوار والتفاهم بين أفرادها وجماعاتها؟
فأين مثل هذا الحوار الآن فيما بيننا؟
هل هناك حوار مثلا بين التاجر والزبون؟
بين العامل ورب العمل؟
بين المالك والمستأجر؟
بين الراكب والسائق؟
بين المحقق والمتهم؟
بين الابن والأب؟
أو بين الزوج والزوجة؟
أيضاً لم تعد هناك حاجة لأن تسأل عن أي شيء، أو تجيب على أي شيء. فالأسعار، مثلا في السينما، مكتوبة في كل بطاقة، وفي المستشفى، فوق كل سرير. وفي المطعم، في كل فاتورة، وكل ما حول المواطن العربي أصبح سعره واضحاً ومعروفاً ومكتوباً على جميع جوانبه، من الألبسة والأحذية والفاكهة والخضروات والبيوت والبارات والمزارع والعقارات إلى الرياضيين والمطربين والكتاب والصحفيين. ولم يبق إلا أن يكتب على الشعوب سعرها ومنشؤها ومدى صلاحيتها للاستعمال.
والأهم من كل هذا وذاك: هل هناك حوار بين السلطة والشعب في أي زمان ومكان في هذا الشرق؟
فأي مسؤول انكليزي، مثلاُ، عندما يختلف في الرأي مع أي كان في محاضرة أو مناقشة في بلده يأتي بحجة من شكسبير لاقناع مستمعيه.
والايطالي يأتي بحجة من دانتي.
والفرنسي يأتي بحجة من فولتير.
والألماني يأتي بحجة من نيتشة.
أما أي مسؤول عربي فلو اختلف معه حول عنوان قصيدة لأتاك بدبابة فتفضل وناقشها.
ولذا صار فم الإنسان العربي مجرد قنّ لايواء اللسان والأسنان لا أكثر. وفي مثل هذه الأحوال:
ماذا يفعل حرف الجر المسكين أمام حاملة طائرات مثلاً؟
أو الفتحة والضمة أمام مدفع مرتد يتسع لمجمع لغوي؟
وما دام الحوار الوحيد المسموح به في معظم أرجاء الوطن العربي هو حوار العين والمخرز فلن ترتفع إلا الأسعار.
ولن تنصب إلا المشانق.
ولن تضم إلا الأراضي المحتلة.
ولن تجر إلا الشعوب.
لذلك كلما قرأت أو سمعت هذا أو ذاك من الشعراء والصحافيين أو المذيعين العرب "يجعجع" عن الديموقراطية والعدالة والحرية، وينتصر على الصهيونية ويقضي على التخلف، ويتوعد هذا ويهدد ذاك، وهو جالس في مقهاه، أو وراء مذياعه، لا أتمنى سوى تأميم اللغة العربية من المحيط إلى الخليج وتكويمها في بيدر أو ساحة عامة في قلب الوطن العربي، وتكليف موظف مختص وراء أذنه قلم وأمامه سجل بجميع الكتاب والشعراء والأدباء العرب وينادي عليهم بأسمائهم ويسألهم فرداً فرداً:
- أنت أيها الشاعر التقليدي كم كلمة من أمثال: رماح، رمال، جراح، بطاح، تريد؟ تفضل مع السلامة.
- وأنت أيها الشاعر الحديث، كم كلمة من أمثال: تجاوز، تخطي ابداع، تأنس، تريد؟ تفضل مع السلامة.
- وانت أيها المذيع العصبي، كم كلمة من أمثال: " في الواقع "، " في الحقيقة "، و"جدلية" ، و"شمولية"، و" نظرة موضوعية " و" قفزة نوعية " ، تريد؟ تفضل مع ألف سلامة.
- وأنت أيها المناضل والمتطرف والمتفرغ لكل محاضرة وندوة ومناسبة، كم كلمة من أمثال: دم، دماء، استعمار، امبريالية، شعوب، "وحدة الشعوب "، " وحدة المصير "، كوبا، نيكاراغوا، وكم مناقصة فوقها تريد؟ تفضل ومع ألف سلامة.
فقبل احترام اللغة يجب احترام الانسان الذي ينطق بها.

ناريمان الشريف 09-03-2010 03:04 PM

ألأجنحة




الأغنياء والفقراء، القضاة والمتهمون، الحراس واللصوص والمخمورون، كلهم يقولون لي: ماذا تفعل في هذا الوطن بعد أن ابيضّ شعرك تحت سمائه وانحنى ظهرك فوق أرصفته، ماذا تنتظر منه بعد أن تحدد فيه مستقبلك ومستقبل غيرك في السياسة، كما تحدد مستقبل محمد أمين في الفن؟ سافر إلى بلاد الله الواسعة، فقد لا تجد وقتاً في المستقبل لشراء حقيبة. وقد لا تجد يداً أو اصبعاً في يدك لحمل تلك الحقيبة. وكلما عدت إلى بيتي في آخر الليل أجد على عتبته جواز السفر وتأشيرة الخروج ودفتر الصحة وبطاقة الطائرة وحبوب الدوخة.
وأحزم حقائبي وأسافر. في الذهاب أتمنى أن يكون مقعدي في غرفة القيادة على ركبة الطيار أو المضيفة لأبتعد بأقصى سرعة عن هذا الوطن. وفي الإياب أتمنى أن يكون مقعدي في مقدمة الطائرة على غطاء المحرك لأعود بأقصى سرعة إلى هذا الوطن.
آخر مرة كانت إلى تونس. أربعة آلاف كيلومتر فوق البحار والقارات وأنا احدق من نافذة الطائرة كما يحدق اليتيم في واجهات الحوانيت في الأعياد، كانت الغيوم هاربة من العرب، الأمواج هاربة من العرب، الأسماك هاربة من العرب، التلوث هاربا من العرب، العروبة هاربة من العرب. وبعد أسبوع كنت أهرول عائدا اليهم وحزام الأمان ما زال حول خصري.
وسألتني زوجتي بدهشة: ما الذي عاد بك بهذه السرعة؟ ألم تعجبك تونس؟
قلت: انها الجنة بعينيها، شمس وبحر وغابات.
قالت: وماذا تريد أكثر من ذلك؟
قلت: بصراحة، بلد لا يوجد فيه مشاكل لا أستطيع العيش فيه.
قلت: مستغربة: مشاكل!
قلت: نعم. بلد بدون أزمة سكن، أزمة مواصلات، أزمة غاز، وبدون شائعات ... لا فلان طار ولا فلان راح، لا أستطيع أن أقيم فيه أكثر من اسبوع. كما أنني بدون دخان مهرب ودعوسة رجلين في الباصات، ومسؤولين يخالفون شارات المرور، وشاحنات صاعدة هابطة وقت القيلولة تصب جهود الجماهير في أساس بناية أو شاليه لهؤلاء المسؤولين، وكل نشرة والثانية يا جماهير شعبنا، وفي هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ أمتنا، لا أشعربأنني في بلدي وبين أهلي وأحبابي كما يقولون في كلماتهم الترحيبية. كل شيء عندهم في تونس هادىء كمراكز الامتحانات، وكل شيء واضح ومحدد حسب النظام والقانون، ولذلك فقدت أعصابي وصرت كالخليجي الذي اعتاد النوم طوال حياته على صوت المكيف. فما أن يتوقف عن العمل حتى يستيقظ ولا يعرف كيف ينام حتى يعود إلى العمل والهدير من جديد.
ثم انني أحب هذا الوطن من محيطه إلى خليجه. فأينما كنت، ما ان اقرأ اسمه في جريدة، أو اسمعه في اذاعة حتى اتجمد كنهر سيبيري، كعريف في حضرة جنرال، انني احبه، قدروا ظروفي وعواطفي.
فيه قرأت أول قصة لياسين رفاعية، وسمعت أول أغنية لفهد بلان، وقرأت أول افتتاحية ترد على كل المخططات الاجنبية في المنطقة، تبدأ ببيت للفرزدق وتنتهي ببيتين للأصمعي. فيه سمعت لأول مرة اسم: قضية فلسطين، عائدون، حرب التحرير الشعبية، حرف الاستنزاف، الكيلومتر 101، مرسيدس 220 امبريالية، استعمار انسبستر، ديبون، فيزون، بيار كاردان، جنرال الكتريك، جنرال سيلاسفيو؟
وصرخت زوجتي بحدة: مشكلتك أنك تسخر من كل شيء في هذه المنطقة.
فقلت لها: بالعكس، مشكلتي أنني احترم كل شيء فيها حتى قمامتها، بدليل، وأنا عائد في آخر الليل سقط عليّ كيس قمامة، فلم أحتج. ولم أنفضها حتى عن رأسي وثيابي، لأنني من طريقة سقوطها عليّ عرفت أنها زبالة مدعومة.
قالت: حالتك خطيرة جدا. عليك بمراجعة طبيب.
قلت: ان الدكتور كيسنجر لن يحل مشكلتي، وتصوري أيضاً ... صرت أبكي في أفلام حسن الامام، وأفرقع بأصابعي في حفلات سميرة توفيق.
قالت: كم يؤلمني أن ارى شاعراً مثلك لا يجد ما يتحدث به في أواخر عمره غير حسن الامام وسميرة توفيق وأكياس القمامة. هل نسيت الشعر؟
قلت: الشعر! كأنك تذكرينني بطفل فقدته ولا أعرف قبرا له.
قالت: هل تثق بي؟
قلت: كثقتي بكرايسكي.
قالت: أيا كان رأيك فانت في حالة يرثى لها أيها العجوز الصغير. وعلاجك الوحيد هو الشعر. السفر الروحي على أجنحة الحلم والخيال.
فقلت: ولكن كيف؟ وإلى أين؟
ولما كانت زوجتي بطبيعتها حالمة وخيالية، فسرعان ما فتحت النافذة وحدقت في الأفق البعيد وقالت: الآن وليس غداً. انزع من رأسك كل السفاسف السياسية والمنغصات اليومية وتعال معي لنطر على أجنحة الحلم والخيال إلى العوالم التي سبقنا اليها رامبو وفيرلين وهايني وشلر ولوركا، لنطر بعيدا في عالم السحر والجمال حيث السماء الزرقاء والأمواج الحالمة والغابات العذراء.
فقلت لها: حبيبتي، اذا ما استمرت الامور في المنطقة على هذا المنوال. تبادل شتائم ومؤتمرات وخطابات. فلن نطير أنا وأنت وغيرنا في نهاية الأمر الا إلى كامب ديفيد

ناريمان الشريف 09-03-2010 03:06 PM

ساعة المستقبل








بعد ثلاثين سنة من الثقة المتبادلة بين المواطن العربي وأجهزة الاعلام العربية، نعلم أنه عندما تركز الاجهزة على قضية ما وترعاها فجأة بكل ما عندها من صحف ومجلات وخطب ومهرجانات ومطربين ومطربات، فمعنى ذلك أن نقرأ الفاتحة قريباً على هذه القضية.
أنا مثلا: دون تردد أو مناقشة، ما أن تركز مثل هذه الأجهزة على قضية الحرية فجأة حتى أجهز "شحاطتي" وبيجاماتي وأحلق شعري على الصفر سلفا.
وعندما تركز على موضوع الاشتراكية، أسارع على الفور وأتفقد برادي صحنا صحنا وبيضة بيضة، لأن معنى ذلك أن الناس ستأكل بعضها عما قريب.
وعندما تركز على موضوع النصر والتحرير واستعادة الاماكن المقدسة، أضب الحقائب واستعد للمبيت قريبا أنا وعائلتي تحت أحد الجسور في الفاتيكان، لأن معنى ذلك أن قطعة أخرى من الأرض العربية ستطير.
والآن تركز هذه الأجهزة في مشرق الوطن العربي ومغربه فجأة وبعد خراب البصرة على موضوع الوحدة العربية بحجة أنها الرد الحاسم على ما تطرحه الامبريالية الأمريكية في المنطقة من مشاريع جديدة للتجزئة والتقسيم. ومعنى ذلك أن عدد الدول العربية سيرتفع من 22 إلى 42 دولة. أي بعدد الولايات الأمريكية تقريباً.
ماذا فعل المواطن العربي لحكامه خلال الثلاثين سنة حتى يعامل هذه المعاملة؟
أعطاهم أولاده للحروب.
وعجائزه للدعاء.
ونساءه للزغاريد.
وكساءه لليافطات.
ولقمته للمآدب والمؤتمرات.
وشرفاته وموطىء قدميه للمهرجانات والخطابات.
وطلب منهم نوعاً واحداً من الحرية، وهو النوع المتعارف عليه في أبسط الدول المتحضرة. فأعطوه عشرين نوعا من الحرية لا يوجد لها مثيل لا في الدول المتحضرة ولا في الدول المتوحشة.
وطلب منهم نوعاً واحداً من الاشتراكية، وهو النوع المعمول به في معظم الدول الاشتراكية. فأعطوه خمسين نوعا من الاشتراكية إلا النوع المعمول به في الدول الاشتراكية.
أعطاهم سبع دول عام 1949، لتوحيدها. فأعطوه بعد ثلاثين سنة 22 دولة لا يستطيع 22 بسمارك أن يوحد أنظمة السير فيها.
ومنذ ثلاثين سنة أيضاً أعطاهم قضية ظريفة خفيفة كالفلة، تتمنى معظم الدول والشعوب في ذلك الحين أن يكون عندها قضية مثلها. وهي قضية فلسطين. فأعطوه بالاضافة اليها:
قضية لومومبا.
وقضية المالكي.
وقضية فرج الله الحلو.
وفضية الشوّاف.
وقضية البرازاني.
وقضية بن بركة.
وقضية بن بللا.
وقضية بن عاشور.
وقضية عبد الحكيم عامر.
وقضية برلنتي عبد الحميد.
وقضية علي صبري.
وقضية خزنة عبد الناصر.
وقضية موسى الصدر.
وقضية جنبلاط.
وقضية سعد حداد.
وقضية أحمد الخطيب.
وقضية الخميني.
وأخيراً قضية السادات.
فماذا يتحملّل هذا الإنسان ليتحمّل؟
بمعنى أن ينام المواطن العربي على هم قديم. هذا لا يجوز. وأمر لاترضاه لا أنظمة الحكم العربية، ولا دول عدم الانحياز، ولا منظمة الوحدة الآسيوية الافريقية، ولا منظمة الصحة العالمية.
المفروض كل يوم جديد، هم جديد.
وأن يعود المواطن إلى بيته في المساء وهو لا يحمل لعائلته وأطفاله أكلة جديدة أو ثياباً جديدة، بل قضية جديدة.
وتقول اعلانات الدعاية أن ساعة أوريس التي تتحمل الصدمات هي ساعة المستقبل. قسماً بالله ألف ساعة أوريس لا تتحمل في ثلاث سنوات الصدمات التي يتحمّلها المواطن العربي في ثلاث دقائق - ولذلك كل ما يلزمه هو قشاط جلد من عند الرأس والقدمين ليلفّه الطيارون ورجال الأعمال حول معاصمهم، باعتباره هو لا أحد سواه ساعة المستقبل

ناريمان الشريف 09-03-2010 03:07 PM

سيداتي سادتي





مواطن عربي ينقل إبرة الراديو من محطة إلى محطة ويقلّق على ما يسمعه من أغان وبرامج وأخبار وتعليقات، من الصباح الباكر حتى نهاية الإرسال في الوطن العربي.
إذاعة رقم 1 : عزيزي المستمع، في نزهتنا الصباحية كل يوم تعال معنا إلى ربوع الوطن الحبيب حيث لا شيء سوى الحب والجمال.
المستمع: والتخلف.
إذاعة رقم 2: أغنية لفيروز "جايي، أنا جايي .... جايي لعندك جايي".
المتسمع: يا فتّاح يا رزّاق، انها حتماً فاتورة الماء أو الكهرباء أو الهاتف.
إذاعة رقم 3: عزيزي المستمع مع الورود والرياحين والنرجس والنسرين والفل والياسمين.
المستمع: أي فل وأي ياسمين. والله لو مات أحد أصدقائي في هذا الغلاء الفاحش فلن أستطيع أن أقدم له إلا إكليلاً من الخطابات.
إذاعة رقم 4: قصيدة اليوم: وللحرية الحمراء باب.
المستمع: بكل يد قابضة يدق.
إذاعة رقم 5: واننا نعلن من هنا أن لا شروط لنا أبداً على تحقيق الوحدة العربية.
المستمع: باستثناء شرط واحد هو أننا لا نريدها.
إذاعة رقم 6: حكمة اليوم، قل كلمتك وامش.
المستمع: إلى البنك.
إذاعة رقم 7: ان المجلس الأعلى لشركات الطيران العربية يحذر في مؤتمره المارقين والعابثين بقضايانا المصيرية ويضع كافة امكاناته وطاقاته في خدمة المعركة.
المستمع: بما أن الأمور قد وصلت إلى شركات الطيران فمعنى ذلك أن القضية "طايرة قريباً".
إذاعة رقم 8: أغنية "حلم لاح لعين الساهر".
المستمع: عودة الحياة الطبيعية إلى لبنان.
إذاعة رقم 9: من أنبائنا الرياضية خرج الجواد العربي "نور الصباح" من الداربي الانكليزي بعد الشوط الأول بسبب إهمال الجوكي وسقوطه عنه.
المستمع: طبعاً لأن العرب لا يعرفون أن يخيّلوا إلا على بعضهم.
إذاعة رقم 10: وان الاتحاد النسائي العام في الوطن العربي يدعو كافة أعضائه المنتسبات ...
المستمع: .... إلى ترك أطفالهن دون رضاعة، وأزواجهن دون طعام، وبيوتهن دون ترتيب ومطابخهن دون جلي والتفرّغ لحلّ مسؤولياتهن وفضح المؤامرات التي تحاك ضد قضيتنا وأمتنا، وكل فرع لا يتقيد بهذه التعليمات يغلق وتختم جميع مكاتبه "بالشكلس الأحمر" .
إذاعة رقم 11: وكما قلنا وأكدنا مراراً نعلن أمام العالم أجمع أنه:
لا صلح
لا اعتراف
لا مفاوضات
المستمع: لا تكذبي. إني رأيتكما معا.
إذاعة رقم 12: واننا نؤكد أيضاً من هنا ولجميع شعوبنا العربية والإسلامية أننا لن نذهب إلى مؤتمر ولن ننسحب من جلسة ولن نتهاون في قضية ولن نساوم على حق ولن نتردد في مساعدة ولن نتراجع عن موقف ولن نفاوض ولن نصالح ولن نقرر إلا ما تمليه ارادة الشعوب.
المستمع: والشعوب في السجون.
إذاعة رقم 13: أغنية " دايماً وراك دايماً أتبع خطاك دايماً ".
المستمع: معروفة المواطن والمخابرات.
إذاعة رقم 14: وبعد أن شرح سعادته لسفراء الدول الغربية الظروف الخطيرة التي تمر بها المنقطة، أعطاهم مهلة شهرين للعودة بأجوبة واضحة من حكوماتهم، وذلك قبل بدء حملة الانتخابات الأمريكية وانشغال العالم بها، لأن العرب مصممين أكثر من أي وقت مضى على صوم رمضان القادم في القدس والصلاة في عكا والوضوء في مياه نهر الأردن.
ثم استقل سعادته الطائرة في رحلة استجمام إلى أوروبا تستمر...
المستمع: إلى ما بعد الإنتخابات الأمريكية.
إذاعة رقم 15: واننا في هذه الظروف المصيرية نحث جميع القادة والمسؤولين العرب على الالتزام بقرارات جميع القمم العربية دون استثناء: قمة الخرطوم وقمة الرباط وقمة بغداد وقمة فاس الأولى والثانية.
المستمع: عجيب، كل هذه القمم وما زلنا في الحضيض.
إذاعة رقم 16: والآن سيداتي سادتي، ومع اقترابنا من ركن المنزل تنضم جميع موجاتنا العاملة...
المستمع: إلى جبهة الصمود والكفاح العربي ... ونقدم لكم طبخة اليوم.
إذاعة رقم 17: ان طريقنا إلى فلسطين لا بد أن تمر من بيروت.
المستمع: .... ومن جونيه.
إذاعة رقم 18: ومن موسكو.
إذاعة رقم 19: ومن واشنطن.
المستمع: من كثرة الطرق التي أصبحت تؤدي إلى فلسطين صارت القضية في حاجة إلى ادارة مرور.
المذيع : إخرس.
إذاعة رقم 20: فيروز تغني أنا وشادي ... تربينا سوا ... راح شادي ... ضاع شادي ...
المستمع: بس شادي؟
المذيعون العرب: إخرس.
المستمع: لن أخرس.
المذيعون العرب: ستخرس رغماً عن أنفك . ( وتمتد مئات الأيدي من الراديو وتنهال عليك ضرباً وصفعاً ): كلب، جاسوس، حقير، طابور خامس ... الخ...
إذاعة رقم 21: نأسف لهذا الخلل الفني، وسنعود إليكم فور إصلاحه.
إذاعة اسرائيل: لا ... لا ... خذوا راحتكم

ناريمان الشريف 09-03-2010 03:08 PM

اللوحة المسمارية




صوت: ألو ... مقهى النخبة، هنا نيويورك. أريد أيوب العربي.
أيوب: هو الذي يتكلم.
الصوت: أنا الدكتور جافييه بيريز دي كويلار. الم تعرفني؟
أيوب: مع الأسف.
الصوت: ولو، أنا الأمين العام الجديد للأمم المتحدة. ما هذا؟ تكاد تنتهي مدة ولايتي ولم تعرفني أو تحفظ اسمي؟
أيوب: بسيطة يا سيدي، فنصف الوزراء الذين يتحدثون باسمي وبيدهم لقمتي ومصيري لا أعرف أسماءهم، وبعضهم لا أسمع به إلا عند تشكيل الوزارة. على كل حال، أهلاً وسهلا، أية خدمة؟
الصوت: تعرف أن الاستعدادت بذكرى الإعلان عن حقوق الإنسان قد بدأت.
أيوب: أي انسان! الإنسان الآلي؟
الصوت: لا. لا. الإنسان العادي الذي من لحم ودم ومشاعر. الإنسان الذي يزرع لنأكل، ويغزل لنلبس ويموت لنحيا.
أيوب: وما علاقتي أنا بهذا الموضوع؟
الصوت: إن الأمم المتحدة معنية هذا العام بإقامة احتفالها السنوي بهذه المناسبة في إحدى دول العالم الثالث.
أيوب: ألم تجدوا سوى دول العالم الثالث مكانا للاحتفال بحقوق الإنسان؟
الصوت: لا. لأن هذه الحقوق في تلك البلاد وخلافاً للتقارير ما زالت موضع شك. ولهذا وجّهت الدعوة إلى كبار الكتاب والفنانين والتكنوقراطيين للمساهمة في هذا الاحتفال ليأتي فيلماً وثائقياً وشهادة حية أقف من خلالها على واقع هذا الإنسان وطموحاته، وعلى العوامل التي تجعل وتيرة نموه أقل بكثير من طاقاته وإمكاناته. وأريدك أن تشرف عليه شخصياً من حيث استقبال المدعوين وملاطفتهم، وترتيب أماكن جلوسهم، ومراجعة كلماتهم. انني أعتمد كثيراً على خبرتك وحكمتك في نجاح هذا الاحتفال.
أيوب: ولكنني تركت الأدب والسياسة منذ زمن بعيد.
الصوت: هذا ليس موضوعاً سياسياً أو أدبياً، إنه موضوع إنساني . هل تخليت عن إنسانيتك أيضاً؟
أيوب: لا. ولكنك فاجأتني بمهمة خطيرة ليس عندي أي استعداد نفسي أو معنوي للاضطلاع بها. ليس عندي حتى الثياب اللائقة لأظهر بها في هذه المناسبة.
الصوت: سترتدي ثياب الأمم المتحدة.
أيوب: حسناً . وزمان ومكان الاحتفال؟
الصوت: كل هذه المعلومات ستصلك برقياً في حينه.
أيوب: والتعويضات!
الصوت: ستكون مغرية وبعملة البلد المضيف.
أيوب: لا أنا يساري ولا أقبض إلا بالدولار.
الصوت: وكيف صرت يسارياً بين ليلة وضحاها؟
أيوب: كما صار الأستاذ محمد حسنين هيكل. هل هو أحسن من غيره؟
الصوت: جهّز نفسك للسفر فوراً.
* * * *
أيوب: وما أن وصلت إلى مكان الاحتفال حتى هرع كبير الموظفين المكلّف بمرافقتي للاطلاع على كافة الاجراءات المتخذة، يشرح لي الآمال المعلّقة على هذا الاحتفال وسط بحر من الوفود والصحفيين والمصورين والمراسلين الذين تقاطروا من جميع أرجاء آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية: هذا يعبيء غليونه، وذلك يشعل سيجاره، والذي يراجع كلمته، والذي يختصر منها، أو يضيف عليها، وضحكات من هنا وتعليقات من هناك. وما أن بلغت القاعة المخصصة للاحتفال حتى صرخت بمرافقي: ما هذه الفوضى؟ من سمح لهم بالجلوس بهذا الترتيب العشوائي؟
المرافق: لقد اختار كل وفد مكاناً وجلس فيه وليس عندي أية سلطة تحول دون ذلك.
أيوب: أما أنا فعندي مثل هذه السلطة. ثم من هؤلاء الذين يجلسون في الصف الأول ويلفون ساقاً على ساق بكل هذه العظمة؟
المرافق: وفود من الدول العربية.
أيوب: وماذا جاؤوا يفعلون بهذه المناسبة؟ من وجّه اليهم الدعوة؟ ما من مؤتمر أو مهرجان في مناسبة حقوق الانسان، أو حقوق الملاحة، أو حتى حقوق الفقمة.. إلا وتراهم جاهزين بكلماتهم وتوصياتهم وبرقيات تأييدهم واستنكاراتهم. يا إلهي. هل ينامون بثيابهم في المطارات؟ أخرجهم حالا من القاعة كلها، بل حتى لو وجدت في هذا المبنى ولو "تواليت عربي" سأقدم استقالتي وأنسحب.
المرافق: ألا يمكن أن نسمح لهم بالبقاء ولو كمراقبين؟
أيوب: مراقبين على ماذا؟ على حقوق الإنسان؟ هل أنت أجدب؟ هل يؤتمن الثعلب على الدجاج؟ هيّا ... ليغادروا المكان، ولتقف جميع الوفود في الزاوية ريثما أعيد ترتيب الجلوس حسب هذه اللائحة التي أعددتها بنفسي. فهناك أصول ومقامات يجب أن تراعى في مثل هذه الأحوال.
المرافق: وهذه لائحة يا سيدي بأهم البحوث والموضوعات التي ستلقى في الاحتفال. هل أتلوها عليك؟
أيوب: طبعاً، وبسرعة.
المرافق: كلمة الافتتاحة سيلقيها الدكتور خوريا موريا من الأرجنتين عن الجذور التاريخية لحقوق الإنسان عند جان جاك روسو. ثم يعقب عليه الدكتور غوهو موهو من أفريقيا الوسطى بمقولة ديمومة الإنسان لهيغل.
أيوب: عظيم ولكن أسرع.
المرافق: ثم هناك التكنولوجيا ومستقبل الإنسان.
الاسطورة وخيال الانسان.
الميثولوجيا وطقوس الانسان.
فولتير وروح الانسان.
بيكاسو وضمير الانسان.
بريجينسكي وجسد الانسان.
شوبان وشفافية الانسان.
ثم بيتهوفن وعظمة الانسان. والحركة الرابعة من السمفونية الثالثة وقدر الإنسان.
ثم آسيا تنهض.
أمريكا اللاتينية تتمخض.
افريقيا تتحفز.
أيوب: عظيم . عظيم . والآن، يجب أن يكون ترتيب الجلوس على الشكل التالي:
في الصف الأول: يجلس الحدادون والنجارون والسباكون واالمقاولون والمهربون وأصحاب الملاهي والكباريهات.
المرافق: سيدي. ما هذا؟
أيوب: لا أريد مناقشة أو اعتراضا من أحد فهذا الترتيب نهائي. وجاء نتيجة دراسة ميدانية في معظم أرجاء العالم الثالث. ثم، لو لم أكن موضع ثقة سيادة الأمين العام للأمم المتحدة لما كلفني بهذه المهمة، وأرجو عدم مقاطعتي بعد الآن.
يليهم في الصف الثاني: أصحاب البنوك وتجار العقارات والموبيليا والمفروشات.
يليهم: السفراء والقناصل ورؤساء البعثات الأجنبية.
يليهم: القضاة والأطباء والمحامون والمهندسون.
يليهم: الطلاب والمدرسون والمقررون والمفتشون.
يليهم: العمال والفلاحون والحراس والليليون.
يليهم: الحمالون وماسحو الأحذية والباعة المتجولون.
يليهم: النشالون والجانحون وأرباب السوابق.
وأخيراً، يليهم: الكتاب والصحفيون وأرباب القلم.
ثم: ليوضع في مقدمة الجميع بوط عسكري.
واحتفلوا وناقشوا بعد ذلك حتى يورق الصوان.

ناريمان الشريف 09-03-2010 03:09 PM

الحديقة قرب الغابة




اجمل شعارات هذه الأمة واعرقها. بل ثوب زفافها الأبيض. ماذا حل بها؟ ماذا بقي منها غير الازرار الصدئة والاكمام المتهدلة والجيوب الفارغة؟
شعارات نقية يطلقها اناس انقياء وبلمح البصر تصبح كثياب عمال الدباغة مع أن الكل يدعي النظافة وتعقيم اليدين.
معاهد جامعات مخابر تكنولوجيا، ومع ذلك حكمة قيلت قبل أربعين قرناً على ظهر بعير تحكمنا وتسيطر على افعالنا ونحن على متن الجامبو أو الكارافيل وعلى ارتفاع اربعين ألف قدم عن سطح الأرض.
ما أذرب السنتنا في اطلاق الشعارات. وما ارشق ايدينا في التصفيق لها، وما أعظم جلدنا في انتظار ثمارها، ومع ذلك فان منظر ثائر عربي يتحدث عن آلام شعبه للصحفيين وهو يداعب كلبه الخارج لتوه من الحمام، أو منظر طفل مقنزع في صدر سيارة بمفرده أمام مدرسة خاصة أو حضانة أطفال، وعلى مسافة أمتار من ظل سياراته يقف المئات تحت الشمس المحرقة بانتظار باص، يلغي مفعول عشرين دراسة ومائة محاضرة والف أغنية واهزوجة عن العدالة والاشتراكية. كأن هناك من اختص في تجويف الشعارات العربية وتفريغها كالخلد من أي محتوى... ولا يقر له قرار ما لم يتركها لمن سيجيء من بعده وهي كالبطيخة المنهوشة بالأسنان حتى القشرة البيضاء.
كأني بهؤلاء وأمثالهم منذ أول مظاهرة عام 1948 اصطفوا على طريق النضال العربي وكل منهم وضع شعاراً من الشعارات في "حلة" ووقف وراءها وبيده مغرفة وراح يفرغ ما بها كبائع السحلب.
وعندما تصبح هذه الشعارات ضجة بلا محتوى... يعودون إلى الصف مرة ثانية ويقفون رتلاً احاديا وراء بعضهم كما في النظام المنضم وكل منهم يحمل فرشاة في يمينه وسطل دهان في يساره، ويبدأ بلصق التهمة تلو التهمة على ظهر الذي أمامه بينما تكون فرشاة الذي وراءه تعمل في ظهره وتلصق عليه ألف تهمة مماثلة. حتى أصبح ظهر المواطن العربي مع مرور الأيام والعهود والمراحل كواجهة السينما أو لوحة الاعلانات.
وفي المقابل هناك فريق ثالث يتألم ويخبط كفاً بكف لهذه الحالة.. ويدعو إلى الشفقة والرحمة بهذه الأمة ... ثم يتلفت يمنة ويسرة وينهش منها ثمن سيارته ويمضي.
ويأتي آخر ينهش منها ثمن طقم كنبايات.
وآخر ثمن مزرعة دواجن.
وآخر ثمن كباريه.
وآخر ثمن شاليه.
وآخر محضر بناء.
وآخر تعهد قمامات.
وهذه خاتم سونيتر.
وتلك فسطان سواريه للصيف.
وتلك معطف فرو للشتاء.
وهذه الأمة ترتجع كالنعجة في موسم القصاص بعد أن جردت من كل ما يسترها ولم يبق منها إلا الأنسجة والاعصاب.
ولكن حذار:
يحكى أن نمراً في سيرك هندي بعد أن تقدم به العمر وأحيل على التقاعد كأي دركي عجوز، دفن رأسه بين قائمتيه وانزوى بعيداً عن الأعين، لكن الحيوانات الاخرى لم تتركه وشأنه فراح كل ما في السيرك من قطط صغيرة وقردة وثعالب وسحالي وببغاوات وسعادين يتحرش به ذهاباً وإياباً. وهو صامت لا يروم، تعففاً وسأماً، ولكن في يوم من الأيام عندما زادوا من تحرشهم لم يطق صبراً على ذلك. فانتظرهم حتى مروا قافلة واحدة ورفع يده وهوى بها عليهم. فقضى على الجميع بضربة واحدة.

ناريمان الشريف 09-03-2010 03:11 PM

الجاحظ


العربي الأول: صباح الخير.
العربي الثاني: صباح لبنان، والضفة الغربية، وجنوب لبنان، وروافد نهر الأردن، وحريق المسجد الأقصى، وضرب المفاعل النووي العراقي، واتفاقية سيناء، وكامب ديفيد، وعقد الاذعان، ومؤتمرات القمة، وخلافات المقاومة، وحرب الخليج، ومجازر صبرا وشاتيلا، ومجازر طرابلس، وقوانين الطواريء والأحكام العرفية، يا قليل الذوق والتهذيب.
الأول: ماذا فعلت حتى تثور كل هذه الثورة وترفع عليّ حذائك؟
الثاني: عربي ويقال له صباح الخير!
الأول: ماذا يقال له إذن؟
الثاني: يقال له: صباح الجلطة، صباح الديسك، صباح الشلل النصفي ...
الأول: آسف.
الثاني: قلها مرة ثانية وسأشكوك إلى الشرطة، إلى محكمة القيم.
الأول: لم أكن أقصد استفزازك أبداً.
الثاني: ثم ما هذه الخدوش التي في وجهك؟
الأول: مناقشة عائلية بسيطة، وأنت، ما هذه الهضبة التي في رأسك؟
الثاني: ضربتني زوجتي بالطنجرة.
الأول: طنجرة عادية؟
الثاني: ألومنيوم
الأول: لا. نحن أرقى منكم. أنا ضربتني زوجتي بطنجرة بخار.
الثاني: ولذلك قد يصفر رأسك في أية لحظة عندما تنضج آلامك.
الأول: هل هذه نكتة؟
الثاني: نعم.
الأول: عجيب.
الثاني: ولكنها نكتة ملتزمة، لا يضحك لها المواطن فوراً كالنكتة البرجوازية العفنة. ولكن في ما بعد، بعد شهر أو شهرين، لأن القيمة الجدلية للنكتة ...
الأول: وهل عندكم الكثير من هذه النكات الملتزمة.
الثاني: مجموعة لا بأس بها. وبمجرد أن تقرها اللجنة المركزية، والمكتب السياسي واللجان الشعبية في الأقاليم، ويجربها المسؤولون شخصياً في بيوتهم، سوف تطرح على الجماهير في أحد أعيادها القومية.
الأول: كان الله في عون هذه الجماهير.
الثاني: تحيا الجماهير.
الأول: تحيا.
الثاني: يعيش الشعب العربي يا...
الأول: يعيش. يعيش. يعيش.
الثاني: تسقط الأحلاف الاستعمارية تا...
الأول: أرجوك دعنا من هذا الحديث، فربما سمعتنا المخابرات.
الثاني: اطمئن. أنا نفسي من المخابرات. كيف أبدو؟
الأول: سبحان الخالق. ولكن في هذه الساعة المتأخرة من الليل، والشوارع مقفرة، والناس كلهم نيام، من تراقب؟ بزوغ الشمس من الناحية الأمنية!
الثاني: بزوغ أي شيء. وإذا لم أجد ما أراقبه، أراقب نفسي.
الأول: هذه حال لم أسمع بها من قبل.
الثاني: بل هناك حالات كثيرة متشابهة. أنا مثلاً أعرف صحفياً إذا لم يجد جهة يقبض منها يقبض من نفسه.
ومطربة تغني أمام المرآة لنفسها وتصرخ بحماس: ما صار. ما صار. وبرلمانياً سابقاً يخرج من دورة المياه ويقول: انتهت الجلسة.
الأول: يبدو لي أن أعصابك في غاية الأرهاق.
الثاني: ثلاث ليال لم أعرف طعم النوم.
الأول: من تراقب.
الثاني: لا أعرف.
الأول: لم لم تذهب اذن إلى بيتك وتنام مع زوجتك وأطفالك؟
الثاني: لا أستطيع لأنني أنا أيضاً مراقب.
الأول: يا له من عالم عجيب.
الثاني: نعم يا صديقي، فعندنا لا بد من مخابرات تراقب المخابرات.
ومن طالب لمراقبة الطلاب.
ومن كاتب لمراقبة الكتاب.
ومن سائق لمراقبة الركاب.
ومن سكير لمراقبة السكارى.
ومن قاض لمراقبة القضاة.
ومن محام لمراقبة المحامين.
ومن مهندس لمراقبة المهندسين.
ومن حرفي لمراقبة الحرفيين.
ومن فنان لمراقبة الفنانين.
ومن صحفي لمراقبة الصحفيين.
ومن رياضي لمراقبة الرياضيين.
ومن مسافر لمراقبة المسافرين.
ومن سجين لمراقبة المساجين.
ومن يميني لمراقبة اليمينيين.
ومن يساري لمراقبة اليساريين.
ومن ناصري لمراقبة الناصريين.
ومن وحدوي لمراقبة الوحدويين.
ومن وافد لمراقبة الوافدين.
ومن فدائي لمراقبة الفدائيين.
ومن متفائل لمراقبة المتفائلين.
ومن يائس لمراقبة اليائسين.
ومن بائس لمراقبة البائسين.
ومن متحضر لمراقبة المتحضرين.
بمعنى أن السلطة تراقب الشعب، والشعب يراقب السلطة.
الأول: واسرائيل تراقب الجميع."

ناريمان الشريف 09-03-2010 04:03 PM

اصلاحية نورمبورغ العربية - امتحان التخرج



مدير الاصلاحية: الاسم؟
نزيل الاصلاحية: لا أعرف.
المدير: اسم الأب؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: اسم الأم؟
النزيل: نسيت.
المدير: مكان وتاريخ الاقامة؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: عازب أم متزوج؟
النزيل: نسيت.
المدير: المهنة؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: علامات فارقة؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: فئة الدم؟
النزيل: نسيت.
المدير: الوضع المادي؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: الأمراض التي اصبت بها من قبل؟
النزيل: نسيت.
المدير: متى استعمرت الدول العربية؟
النزيل: نسيت.
المدير: ما هي أشهر معارك العرب في العصر القديم؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: في العصر الحديث؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: في العصر الوسيط؟
النزيل: نسيت.
المدير: من هو خالد بن الوليد؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: طارق بن زياد؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: الزير أبو ليلى المهلهل؟
النزيل: نسبت.
المدير: متى وقعت معركة القادسية؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: اليرموك؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: حطين؟
النزيل: نسيت.
المدير: من هو المتنبي؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: أبو العلاء المعري؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: أبو خليل الفراهيدي؟
النزيل: نسيت.
المدير: ما هل المعلقات السبع؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: لماذا كانت تعلّق على جدار الكعبة؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: أين كانت تعلّق؟
النزيل: نسيت.
المدير: ما هي المذاهب الأدبية للوطن العربي؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: عدد الأحزاب؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: عدد المذاهب؟
النزيل: نسيت.
المدير: متى ولد عبد الناصر؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: متى مات؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: من هو عبد الناصر؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: متى خرج آدم من الجنة؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: من هو آدم؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: من هي حواء؟
النزيل: نسيت.
المدير: ما هي البورجوازية؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: الرأسمالية؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: الاشتراكية؟
النزيل: نسيت.
المدير: من أول انسان نزل على سطح القمر؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: ما هو القمر؟
النزيل: لا أدري.
المدير: ما هي النجوم.
النزيل: نسيت.
المدير: ما هو المطر؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: ما هو الربيع؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: ما هي الفصول الأربعة؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: ما هي الجهات الأربعة؟
النزيل: نسيت.
المدير: ما هو البحر؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: ما هو الهواء؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: ما هو الاوكسجين؟
النزيل: نسيت.
المدير: والآن، ما هو وزنك؟
النزيل: لا أعرف.
المدير: طولك؟
النزيل: لا أذكر.
المدير: لون الشعر والعينين؟
النزيل: نسيت.
المدير: عظيم، مدهش، تجربة رائعة لا تصدق. هل معنى ذلك أنك لم تعد تذكر أي شيء على الاطلاق يا بني؟
النزيل: نعم باستثناء كلمة صغيرة.
المدير: ما هي؟
النزيل: فلسطين.
المدير: فلسطين! اعدام.
النزيل: شكراً.
المدير: قف بعيداً مسافة مئة كيلومتر.
النزيل: وواحد.
المدير: من أي قرية أنت يا بني؟
النزيل: لا قرى عندنا.
المدير: من أي مدينة؟
النزيل: لا مدن عندنا.
المدير: من أي شعب؟
النزيل: لا شعوب عندنا.

ناريمان الشريف 09-03-2010 04:05 PM

المواطن والكلب


كان المثقف العربي غارقاً في بث همومه ومكنونات صدره للكلب الصغير المتثاقل ترفاً واسترخاء في احدى سيارات السلك الديبلوماسي الأجنبي وسط تجمع المارة وسخريتهم، عندما أقدم أحد رجال الشرطة مسرعاً بمسدسه وهراوته وأصفاده وغيرها من عدة الديموقراطية العربية.

المثقف: سنتابع حديثنا فيما بعد.

الكلب: لم يرتجف صوتك وتصطك ركبتاك؟

المثقف: لقد جاء الشرطي؟

الكلب: وإن جاء، ما علاقته بك أو بسواك؟

المثقف: إذا لم تفهموا هذه العلاقة حتى الآن فلن تفهموا ما يجري في منطقتنا أبداً.

الكلب: أنا لا أخاف من حلف الأطلسي.

المثقف: لأن حلف الأطلسي قد يراجع بشأنك إذا ما تعرضت لمكروه.

الكلب: أليس لك أهل وأصدقاء يراجعون بشأنك؟

المثقف: طبعاً. ولكن المشكلة أن الذين سيراجعون بشأني سيصبحون هم اوتوماتيكيا بحاجة إلى من يراجع بشأنهم. الآن وصل الشرطي. أرجوك أن تتصرف وكأنك لا تعرفني.

الشرطي: ما هذا التجمع وسط الشارع؟

المثقف: الا تسمعون؟ ممنوع التجمع إلا لرجال الأمن.

الشرطي: هيا . كل في حال سبيله.

المثقف: مواطن يتحدث إلى كلب، هل هي فرجة؟

الشرطي: بل جريمة.

المثقف: قبل أن ترفع هذه العصا يجب أن تعرف، وأنت رجل القانون، لا يوجد في أي عرف أو دستور أو بيان وزاري ما يمنع المواطن من التحدث إلى كلب؟

الشرطي: من ندرة الاشخاص والمنابر والمتفقهين من حولك حتى تتحدث بما تعانيه إلى هذا المخلوق المنفر الغريب؟

المثقف: ولمن أتحدث يا سيدي...الكتاب مشغولون بالجمعيات السكنية...والفنانون بالمسلسلات الخليجية....والمعلمون بالامتحانات....والطلاب بمعاكسة الفتيات....والتجار باحصاء الارباح....والفقراء بغلاء الأسعار....والمسؤولون بالخطابات.

الشرطي: عمّ كنتما تتحدثان؟

المثقف: موضوعات عامة. كنا نتحدث عن الحب.

الشرطي: كذاب. لا أحد يحب أحداً.

المثقف: عن الصداقة.

الشرطي: أيضاً كذاب. لا أحد يثق بأحد.

المثقف: عن الصحافة العربية.

الشرطي: لا أحد يقرأها.

المثقف: عن الاذاعات.

الشرطي: لا أحد يسمعها.

المثقف: عن الإنتصارات.

الشرطي: لا أحد يصدقها.

المثقف: عن المقاومة الفلسطينية.

الشرطي: لا أحد يحس بوجودها.

المثقف: عن حرب الخليج.

الشرطي: لا أحد يبالي بها.

المثقف: عن الزراعة.

الشرطي: لا أحد يزرع شيئاً. كل طعامنا صار معلبات. عمّ كنتما تتحدثان للمرة الأخيرة؟

المثقف: بصراحة، كنت احدثه عن قضية الصراع العربي - الإسرائيلي من الألف إلى الياء.

الشرطي: ياللفضيحة. تتحدث عن أهم قضية عربية إلى كلب وأجنبي أيضاً.

المثقف: لا تحمل الموضوع أكثر مما يحتمل. اعتبره تتمة للحوار العربي - الاوروبي.

الشرطي: ولماذا كنت تطلعه على صحفنا المحلية.

المثقف: كنت أتلو عليه احدى الافتتاحيات.

الشرطي: وكيف كان تعقيبه عليها؟

المثقف: لقد عوى.

الشرطي: كلب متواطىء.

المثقف: لماذا تتحدث عنه بكل هذه الضعة والاستصغار يا سيدي؟ صحيح أنه كلب صغير بحجم قبضة اليد ولكن انظر إليه كيف يبدو وادعاً مطمئناً، وواثقاً من كل شيء، يعرف متى يأكل ومتى يشرب ومتى يخرج إلى النزهة ومتى يعود منها، ومتى ينام ومتى يستيقظ. باختصار: كلب صغير يعرف مصيره ورجل طويل عريض لا يعرف مصيره. آه (يا سيّدي) ...الشرطي. أنا الإنسان العربي، لو كان لي حقوق كلب فرنسي أو جرو بريطاني لصنعت المعجزات بقلمي البائس ودفتري المهترىء هذا. هل سمعت بإلياذة هوميروس؟

الشرطي: لا.

المثقف: بالأوديسة؟

الشرطي: لا.

المثقف: بملحمة غلغامش؟

الشرطي: لا.

المثقف: بالكوميديا الإلهية لدانتي؟

الشرطي: لا.

المثقف: بمسرحية فوست لغوته؟

الشرطي: لا.

المثقف: إذن بماذا سمعت؟

الشرطي: منذ غزو لبنان لم أسمع إلا أغنية "صيدلي يا صيدلي".

المثقف: إذن: هل تسمح لي بأن أعوي معه قليلاً.

الشرطي: لا هيّا أمامي.

المثقف: لن أمشي في الشارع هكذا.

الشرطي: ماذا تريد؟ موكباً رسمياً!

المثقف: أريد طوقاً حول عنقي فقد أهرب. كمّامة على فمي فقد أعض.

الشرطي: من ستعض يا هذا؟

المثقف: قد أعض الأرصفة.. البنوك.. الجماهير.. اليمين.. اليسار.. الشرق.. الغرب.. الجنوب..الشمال.... اخفض مسدسك يا سيدي ولا تصدق ما أقول ففي النتيجة لن أعض إلا لساني على قارعة الطريق، أو أصابعي حتى يتصل الناب بالناب لأنني آمنت بشيء ما في يوم من الأيام. أليس كذلك يا سيدي الشرطي؟

الشرطي: أرجوك لا تضربني على الوتر الحساس وإلا تركت عملي وانضممت إلى المحادثات معكما .......

ناريمان الشريف 09-03-2010 04:06 PM

مكوك الفضاء العربي


ناطق عربي: بعد أن هب الشعب العربي هبة الرجل الواحد وحصل على استقلاله بالعرق والدموع والدماء، وطرد المستعمر الغاشم من بلادنا شر طردة وبعد أن أممنا القناة وجابهنا العدوان الثلاثي وسطرنا أروع آيات البطولة والفداء في حرب السويس.
وبعد أن كسرنا احتكار السلاح، وأطلقنا شعار "نعادي من يعادينا ونصالح من يصالحنا".
وبعد أن أسقطنا "حلف بغداد" و"مبدأ ايزنهاور" و"مشروع جونسون" وأرسينا قواعد عدم الانحياز وسياسة الحياد الايجابي بعيداً عن هيمنة الدول الكبرى.
وبعد أن أطلقنا حركة التحرر العربي في المنطقة وراحت القلاع الرجعية تتهاوى تباعاً تحت ضربات الشعوب في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية.
وبعد أن حشدنا طاقاتنا، ونظمنا اعلامنا وبرامجنا على أساس أن اسرائيل مخلب قط للاستعمار، وشوكة في خاصرة الوطن العربي. وبعد أن انتظرناها من الشرق فجاءت من الغرب. أطلقنا شعار: " ما يؤخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة "، وفوقه لاءات الخرطوم الشهيرة: لا صلح، لا اعتراف، لا مفاوضات.
وبعد أن تجاوزنا هذا كله في حرب اكتوبر حينما حررنا الارادة العربية وحطمنا العنجهية الاسرائيلية أمام الملأ.
وبعد أن قطعنا امدادات النفط عن الدول المؤيدة للعدوان، وجعلنا من زعمائها وأقطاب صناعتها يهرعون إلينا معتذرين متقربين متملقين.
وبعد أن عايشنا العمل الفدائي ورعيناه بالمال والسلاح حتى استقام عوده واشتد ساعده برا وبحرا وجوا في جميع أرجاء المعمورة واعتلى منصة الأمم المتحدة، أرفع منبر دولي في العالم.
وبعد أن وقفنا وقفتنا الغضوب من مبادرة السادات واتفاقية كامب دايفيد واتفاقية الصلح المنفرد وعزلنا مصر شعبياً ورسمياً ونقلنا مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس.
وبعد أن أكدنا على أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وأنه لا صوت يعلو صوت المعركة.
وبعد ان استوعبنا حرب لبنان ومنعنا اسرائيل من تحقيق أي من مخططاتها التوسعية نتيجة للتلاحم البطولي بين الشعبين اللبناني والفلسطيني أمام آلة الحرب الاسرائيلية المتعجرفة.
وبعد أن تفهمنا حرب الخليج وحصلنا على صفقة الأواكس المتطورة رغم جهود اللوبي الصهيوني داخل الكونغرس الأمريكي وخارجه ومن معه من العناصر المؤثرة في مراكز التأثير في الإدارة الأمريكية.
وبعد أن احتوينا خلافات المقاومة بعد خروجها من لبنان وأكدنا على ديموقراطية القرار الفلسطيني وعلى عدم الاستئثار به من أي طرف كان.
وبعد أن تفهمنا واستوعبنا جميع مراحل الأزمة في المنطقة عربياً وفلسطينياً ولبنانياً وخليجياً في قمة فاس الاولى وقفزنا قفزة نوعية في قمتها الثانية.
وبعد أن طافت اللجنة السباعية المنبثقة عنها أرجاء العالم من أمريكا إلى روسيا إلى فرنسا إلى بريطانيا إلى الصين لشرح الموقف العربي وجوهر الصراع في المنطقة من جميع جوانبه، ولوضع حد لممارسات اسرائيل العنصرية وأهدافها التوسعية، وبعد أن عرّينا اسرائيل دولياً وأوقعناها في عزلة خانقة، بعد أن توصلنا مع حلفائنا إلى اتخاذ القرار تلو القرار بطردها من الأمم المتحدة ومن معظم اللجان الثقافية والاقتصادية والتكنولوجية المنبثقة عنها.
وبعد أن لعبت الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج دورها الريادي في المعركة وقالت بلسان احزابها ونقاباتها ومنظماتها لا لمشروع ريغان، كما قالتها من قبل لمشروع روجرز والقرارين 242 و 334 ولكافة الحلول الاستسلامية والطروحات التصفوية.
وبعد أن لعبت الصحافة العربية المقيمة والمهاجرة دورها الحضاي في طرح الحقائق الموضوعية ولتعرية الصهيونية العالمية ثقافياً واعلامياً واعلانياً.
وبعد أن لعب البترول العربي دوره القيادي المتميز سياسياً واقتصادياً وصحافياً وفكرياً وفنياً وتلفزيونياً على الصعيد الاقليمي والدولي لرأب الصدع وتوفير الجهد العربي للنهوض بمسؤولياته في المعركة.
وبعد أن أكدنا على هذا الاتجاه أمام مؤتمرات القمة ومجموعة دول عدم الانحياز ومنظمة الوحدة الافريقية والمؤتمر الإسلامي في كولومبو، ودوة الحوار العربي - الاوروبي وحوار البحر المتوسط في مالطا وفي جميع المحافل والمناسبات الدولية منذ مؤتمر غلاسبورو بين الشرق والغرب إلى المؤتمر الأخير بين الشمال والجنوب.

عابر سبيل: وبعد كل هذه اللفة والدورة سنجلس على الخازوق المعد لنا منذ عام 1948.

ناريمان الشريف 09-03-2010 04:09 PM

الفراشة




مواطن عربي قتل في احدى المظاهرات الشعبية ابان الحماسة الوطنية التي اجتاحت المنطقة بعد الاستقلال يشتاق وهو بجوار ربه الى زوجته واطفاله وبلاده فترفرف روحه من الشوق في كبد السماء ويجري الحوار التالي مع زوجته التي كادت تنساه:
الزوج: كيف الصحة والاولاد والجيران؟
الزوجة: بخير وانت؟
الزوج: وهل خناك اروع من ان يموت الانسان في سبيل بلاده ومبادئه ولكن فراقكم ادمى قلبي اكثر من جراحي
الزوجة: ماذا نقول نحن. آه لو تعرف ماذا فعلت خالتك ام حمود وماذا قالت عمتك ام حميدان عندما اذيع نبأ موتك
الوج: لاأريد أن استنفد المكالمة في أخبار شخصية.أريد أن اسأل عن القضايا الكبرى التي قضيت من اجلها طمنيني: ماأخبار حركة التحرر العربي؟
الزوجة: عال
الزوج: وحركة عدم الانحياز؟
الزوجة: ممتازة
الزوج: والحرية في الوطن العربي؟
الزوجة: بتبوس ايدك
الزوج: والسجون؟
الزوجة: فارغة
الزوج: عظيم. عظيم. لان حلمي الكبير كان الاستفادة من تلك القاعات الرهيبة بعد اخلائها، اما كمسارح لرقص الباليه، او معاهد لتطوير الموسيقى الشرقية فبماذا تستغلونها الآن؟
الزوجة: مازلنا حائرين بين الباليه والموسيقى
الزوج: عظيم. عظيم. وبرامج الاصلاح الزراعي هل اكتملت؟
الزوجة: الى حد كبير
الزوج: اذن اصبح كل شيء متوفرا ورخيص الثمن بالنسبة للطبقة الكادحة
الزوجة: طبعا وخاصة الفاكهة
الزوج: رائع. رائع. ولكن حذار لا تكثروا من التفاح فهو يسبب " الكتام" ولا تسرفوا في التهام الموز على الطالع والنازل فهو يزيد نسبة النشويات ويشوه اجسام العمال العرب ويعيقهم عن أداء واجبهم
الزوجة: اطمئن من هذه الناحية
الزوج: وبالنسبة للمشاريع الاقتصادية الكبرى؟
الزوجة: كالمطر ونحن الآن نقطف ثمارها
الزوج: اذن فالاموال العربية لعبت دورها كما يجب فنحن اغنياء كما اذكر
الزوجة: بل أغنى اهل الارض ولولا هذه الأموال لانهار الاقتصاد البريطاني والاميركي منذ سنوات
الزوج: "بعد تفكير" على كل ما دامت هذه الاموال فائضة عن حاجة الوطن العربي بعد ان قضى على الفقر والجهل والامية والبطالة فلا مانع من مساعدة الغير انها من شيم العرب كما تعرفين؟
الزوجة: هل تريد شيئا اخر؟
الزوج: ما أخبار فلسطين؟
الزوجة: ارفع صوتك انني لااسمع
الزوج: لااستطيع ذلك والا استيقظت ارواح الشهداء العرب من حولي
الزوجة: معك حق وأنا تعبت والطبخة على النار ماذا تأكلون عندكم؟
الزوج: لاتغيري الموضوع ما أخبار فلسطين؟
الزوج: ولو وهل هذا سؤال يسأل بعد هذه السنين؟
الزوج: اعرف ذلك ولكنني ما زلت قلقا على اليهود لاتلقوهم في البحر خيروهم بين العيش بيننا بسلام او العودة الى بلدانهم الاصلية
الزوجة: تكرم
الزوج: لا تقسوا عليهم أثناء التسفير فالعفو عند المقدرة لان العرب كما تعلمين أثناء القتح الاسلامي وأثناء حروبهم مع الفرس والروم كانوا...
أحد الجيران: ولك سد بوزك العمى شو أجدب.......


الاقنية الرومانية


المسافر: أعددت جدول مباحثاتي مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، وركبت رأسي قبل طائرتي، وانطلقت إلى تونس الخضراء. ولما علم بأنني "كاتب" استقبلني في المطبخ، ولكنه بدد في الحال ما اعتبرته إهانة شخصية لي، عندما ربت على كتفي وجدول مباحثاتي وقال:

القليبي: لا تبتئس يا بني، فأول تعارف بين خروتشوف ونيكسون تم في المطبخ، وأنا أجتمع بك في هذا المكان تقديراً مني ومن الجامعة التي أمثلها للدور الكبير الذي يلعبه الأدب والادباء في هذه المرحلة.

المسافر: شكراً يا سيدي.

القليبي: وقد كان بودي أن استقبلك شخصياً في المطار، وأعود بك من سيارة الجامعة وتحت أعلامها.

المسافر: كم علماً لها الآن يا سيدي؟

القليبي: لا أعرف. ولكن منذ الاعلان عن اتفاق شولتز بين لبنان واسرائيل لم أغادر مكتبي ولم أر حتى زوجتي وأطفالي، بانتظار ردود الفعل العربية عليه.

المسافر: وهل هو خطير لهذه الدرجة يا سيدي؟

القليبي: إنه بالتأكيد سوف يقلب معظم التحالفات والتوازنات القائمة في المنطقة. فاسرائيل هي اسرائيل، لا يمكن أن تعيد شيئاً اخذته بالقوة دون ثمن يوازيه وأكثر.

المسافر: ولكنها أخذت سيناء بالقوة ثم أعادتها بالكامل للشقيقة مصر.

القليبي: وأخذت جنوب لبنان بدلاً منها.

المسافر: ولكنها ستعيده حسب نصوص الاتفاق. فما هي المشكلة اذن يا سيدي؟

القليبي: ما الذي ستأخذه من العرب بدلاً منه. إنها في أعقاب كل حرب تضع الأمة العربية وفي طليعتها لبنان في زاوية حادة كمنقار الصقر، ليكون شعبها العصافير المطلوبة دولياً واقليميا، فهل نسمح لها بذلك؟

المسافر: كلا، وألف كلا، ولكن كيف؟

القليبي: بالارتفاع إلى مستوى المسؤولية.

المسافر: وهل هذا الاتجاه متوفر الآن يا سيدي؟

القليبي: نعم، وعندي تأكيدات قاطعة حول هذا الموضوع.

المسافر: ولكن ها قد مضت أسابيع وأكثر على توقيع الاتفاق، والصمت العربي يكاد يكون مطبقاً.

القليبي: بالعكس، هذا دليل على استغراق الدول العربية في دراسة الاتفاق وتقييمه من جميع جوانبه قبل تحديد موقفها النهائي. فالمرحلة خطيرة والمسؤولية أخطر. وأنا أتوقع ظهور هذه المواقف وردودها إلى أمانة الجامعة تباعاً بين لحظة وأخرى. ويبدو أن وجهك خير عليّ، وعلى الجامعة العربية، وعلى الأمة العربية بأسرها.

المسافر: وجهي أنا، لماذا؟

القليبي: ألا تسمع لاقطة البرقيات الالكترونية كيف أخذت تصفر؟ إن سيل البرقيات أخذ يتوالى. لا تعبث بها أرجوك. إنها برقيات تاريخية في ظرف تاريخي.

المسافر: اذن تفاؤلك كان في محله؟

القليبي: طبعاً. فعندي تأكيدات حول ذلك.

المسافر: برقية عاجلة من ثلاث دول عربية دفعة واحدة تعلن رفضها القاطع للاتفاق. عظيم، وهذه برقية من ثلاث دول اخرى تعلن موافقتها المبدئية عليه. على كل حال، موقف.
وهذه برقية من أربع دول جديدة تعلن تحفظها مؤقتاً من الاتفاق، ريثما تقوم باتصالا تها مع الدول التي رفضت الاتفاق لتعرف لماذا رفضته. ومع الدول المؤيدة له، لتعرف لماذا أيدته، وذلك حرصاً منها على وحدة الصف العربي.
وهذه برقية جديدة من دولة جديدة، تعلن أنها ترفض الاتفاق إذا كان يتناقض مع مقررات قمة فاس، وذلك حرصاً على وحدة الهدف.
وهذه برقية من دولة اخرى، تعلن موافقتها على الاتفاق إذا كان لا يتناقض مع مقررات قمة فاس والرباط حرصاً منها على وحدة المصير.
وهذه برقية ثانية من الدول التي كانت قد رفضت الاتفاق بشكل قاطع، تعلن موافقتها المبدئية عليه، إذا كان يسمح بعودة مصر إلى الحظيرة العربية، وذلك لأسباب تتعلق بأمنها القومي.
وهذه برقية من الدول التي كانت قد وافقت عليه بشكل مبدئي، تعلن رفضها القاطع له إذا كان غطاء لمشروع ريغان، لأسباب تتعلق بسياستها الاستراتيجية.
وهذه برقية من خمس دول اخرى تعلن تحللها من كافة التزاماتها السابقة، وأنها ستحدد موافقها الجديدة من الاتفاق بعد تفسير الملاحق المرفقة به، لأسباب تتعلق بأمنها السياسي.
وهذه برقية أخرى مستعجلة من الدول التي كانت قد رفضته ثم أيدته، تعلن أنها لا تستطيع تحديد موقفها النهائي قبل أن تتضح مواقف كافة الاطراف على الساحة اللبنانية، لاسباب تتعلق بدورها القومي.
وهذه برقية مستعجلة اخرى من الدول التي كانت قد أيدته ثم رفضته تعلن أيضاً، أنها لا تستطيع تحديد موقفها النهائي من الاتفاق، لأسباب تتعلق بدورها الجغرافي.
وهذه برقية من الأغلبية الصامتة، بين الدول العربية، تعلن أنها ما زالت كالعهد بها، وفية لالتزاماتها، أمينة على مبادئها، ثابتة على مواقفها في رأب الصدع وتوفير الجهد لتحرير لبنان ورفاهية شعبه وفرض سلطته الشرعية على كامل ترابه. ولكنها لا تستطيع بلورة موقفها النهائي من الاتفاق، قبل فرز كافة المعطيات التي كانت قائمة على الساحة اللبنانية قبل المفاوضات، وبلورتها مع كافة المعطيات التي استجدت على الساحة العربية خلال المفاوضات. ومن ثم بلورة الموقف في لبنان من الدول المؤيدة لانتمائه العربي قبل الاتفاق، والمعارضة له بعد الاتفاق، وذلك لأسباب تتعلق بدوره الفلسطيني والعربي على حد سواء. والله الموفق.

المسافر: الموفق على ماذا؟

القليبي: على كسب الوقت، ريثما تتضح بعض الأمور.

المسافر: واضحة كعين الشمس، فكل هذه العواطف المشبوهة والكلمات المعسولة عربياً ودولياً، عن الأدوار التاريخية والحضارية في المنطقة، من أجل الغاء دور الثورة الفلسطينية وحجب الاضواء عنها أرضاً وفكراً وشعباً.

القليبي: بل لنصرتها وحماية وحدتها وأهدافها. وعندي تأكيدات قاطعة بذلك. ألو سنترال ... أعطني الثورة الفلسطينية.

السنترال: لا صوت لها يا سيدي.

القليبي: ابحث عنها في أي مكان، أريد أن أتحدث معها بأي وسية.

السنترال: مستحيل يا سيدي، فمكاتبها في تونس، ومعسكراتها في عدن، ومقاتلوها في البقاع، وصحافتها في قبرص، وأطفالها في المخيمات، وشهداؤها في البرادات، وشبابها في مراكز الهجرة والجوازات.

القليبي: أعطني المسؤول الفلسطيني الذي تجده.

السنترال: سافر إلى كوبا لنصرة الشعوب في أمريكا اللاتينية.

القليبي: الأحداث تتصاعد، أعطني وزير الخارجية الكوبي.

السنترال: سافر إلى المنطقة لوقف الهجمة اليمينية الشرسة عليها وعلى اليسار العربي.

القليبي: أعطني رئيس اليسار العربي.

السنترال: أي يسار؟

القليبي: اليسار العربي الماركسي.

السنترال: عرفته. لقد سافر لأداء مناسك العمرة.

القليبي: الأحداث تتشابك. أعطني مفتي المنطقة لأعرف ما هي القصة.

السنترال: سافر إلى موسكو لحضور الاحتفالات بذكرى ميلاد لينين.

القليبي: بصراحة ... لم نعد نفهم ما يجري، وما سيجري.

المسافر: وهذا المطلوب

ناريمان الشريف 09-03-2010 04:10 PM

يا شارع الضباب



كلما حلت بالأمة العربية كارثة، أو مرت عليها ذكرى كارثة، وقرأت أو سمعت أو شاهدت بهذه المناسبة مظاهرة أو مسيرة محروسة من جميع الجهات لأنها عفوية، يتقدمها صف من وجهاء وأعيان القضية. يسيرون متلاصقين كتفاً لكتف وخصراً لخصر وركبة لركبة. مثل فرقة الدبكة. معبرين بوجوههم المقطبة المجهمة عن ذكرى العار القومي. أو يوم الحداد العالمي، دون أن تنزل من عين أي منهم دمعة واحدة. سرعان ما أتلمس ما تبقى من شعري وأنا اتساءل عما إذا كانت هناك علاقة بالفعل بين الرعب والأهوال والمفاجآت وبين نمو الشعر؟ لأنه إذا كانت مثل هذه العلاقة موجودة فعلاً، فمعنى ذلك أنه لن ينقضي العام الأول من المطر، لأية سيارة تاكسي لكي تنقلني إلى أي مكان في هذا الليل البهيم، وإذا بشاعر تقدمي يبرز لي من الضباب ويبادرني بلهفة: - أين أنت يا رجل؟ عندي حفلة تعارف صغيرة في البيت وحبذا لو تقبل دعوتي.

قلت مستريباً: من الحضور؟

قال: وفد صداقة من إحدى الدول الإشتراكية. ويسعدني أن تتعرف اليهم.

قلت: آسف.

قال: ولكن هناك كثير من الفودكا. والعشاء "فيليه" من فخذ الغزال. جئت به خصيصاً من أعماق السهول الروسية.

قلت: تقصد أنه غزال تقدمي؟

قال ضاحكاً: تقريباً.

قلت: حسناً لن أذهب ولو كان العشاء "فيليه" من فخذ بريجنيف.

قال: أهو موقف؟

قلت: أبداً، كل ما هنالك أنني لبيت دعوة من هذا النوع من قبل وأقسمت أن لا أعيدها. إذ شربنا نخب كل الأحزاب والقوى والتجمعات التقدمية في أوروبا وأمريكا حتى جاء الخبز والملاعق، ونخب كل الثورات في آسيا وأفريقيا حتى جاءت السلطة وهذا كان منذ سنين. فما بالك الآن والعالم يبيض ثورات؟

قال: لا ... لا ... أنت غاضب لسبب آخر. رفع العلم الاسرائيلي في سماء مصر. لا تحزن يا صديقي ولا تتشاءم. اتفاقيات كامب ديفيد ونظام السادات والحلف الامبريالي كله سيسقط.

قلت بلهفة: كيف؟

قال: بإرادة الشعوب وقواها التقدمية وسوف تعود فلسطين إلى أهلها!!!

قلت: أليس هو الشعار المطروح منذ 1948 قبل الميلاد؟

قال: نعم.

قلت: في هذه الحالة أرجو أن تبلغ صديقي الشاعر يوسف الخطيب أن لا يوجه لي الدعوة لتناول الغذاء في يافا أو حيفا كما فعل صبيحة حرب حزيران.

قال: بل ستحضر وتكون في طليعة المدعوين.

قلت: لا أحب الظهور. وإذا كان لا بد فسأجلس على طرف المائدة.

قال منشرحاً: والآن ما علينا إلا دعم وتأييد التدخل السوفييتي في شؤون أفغانستان بناء على طلب حكومتها. لأن القضية العربية مربوطة جدلاً بما يجري في أفغانسان. وهذا تعليق لكاتب تقدمي انكليزي مصداقاً لما أقول. وبعد أن ألقيت التعليق دون أن أنظر إليه، تقدم ومن خلال الضباب أيضاً طليعي آخر وبادرني معاتباً: "رأيتك تتحدث مع واحد من جماعة موسكو. وهم مشبوهون ومرتهنون لأي نظام والماركسية اللينينية منهم براء. فللوقوف في وجه الامبريالية أعدموا ملايين الفلاحين في الثورة. ليأكلوا خبزهم في نهايتها من حقول الامبريالية وبالرجاء والتوسل. وهذا كتاب لريجيس دوبريه يؤيد هذه المقولة من أول سطر".
وما أن اتبعت الكتاب بالتعليق الذي سبقه حتى برز لي من الضباب أيضاً ناقد متطرف وقال: لقد رأيتك تتحدث إلى واحد من جماعة "ماو" إنهم منحرفون ومزيفون للعقيدة اللينينية - الماركسية. لقد أبادوا العصافير في بلادهم ليتحولوا هم أنفسهم إلى عصافير على أغصان الامبريالية. وكل ما يفعلونه الآن هو الزقزقة عن الاشتراكية. وهذه مقابلة مع رودنسون تفضح أكاذيبهم وعمالتهم.

وما كاد ينصرف حتى كنت وجهاً لوجه مع مخرج من أقصى أقصى اليسار، وقد بادرني مزبداً مرغياً: لقد رأيتك تتحدث مع واحد من جماعة تروتسكي. وهي جماعة منقرضة ومشكوك بأمرها منذ زمن بعيد. وعليك أن تنتظر نهايتهم جميعاً.

قلت: لم يعد عندي جلد حتى لانتظار باص.

قال: ان ما يحتاجه العالم الآن هو يسار جديد يكتسح الأخضر واليابس. وهو في طور التكوين. فكل الشارع العربي يساري.

قلت: نعم. الشارع يساري والأزمة يمينية.

قال: أنت مضلل ومسكين وبحاجة إلى من يرشدك ويحميك. هل تنضم إلينا.

قلت: ابعدني عن السياسة أرجوك.

قال: حسناً هناك لجنة أدبية وليست سياسية للدفاع عن حرية الكاتب العربي وهي يسارية. ما رأيك؟

قلت: لجنة يسارية تنبت هكذا فجأة للدفاع عن الكاتب العربي. عن الفلاح العربي. عن الكندرجي العربي، لن أنتسب إليها قبل أن أعرف بالضبط كم عدد أعضائها وكم دولاراً رأسمالها!

فصرخ مزمجراً: امريكا ... امريكا ... اللعنة على امريكا. إنها وهم، انظر ما جرى ويجري لها في إيران وأفغانستان والسلفادور وبوغوتا على أيدي شعوبها. ونحن جزء من هذا العالم المتفجر، وعليك - شئت أم أبيت - أن تنتظر الثورة العربية الشاملة.

قلت مذعوراً: تقصد أن الثورات التي مرت علينا كانت "أكل هوا" مقدمات! وأن الضربة الكبرى لم تأت بعد؟

قال: طبعاً. ان الماركسية - اللينينية ستنتصر. وسوف تحقق الرفاه المبرمج. والتوازن بين الدخل والانفاق، والانفاق والانتاج، لأن راس المال ...

قاطعته متوسلا ... وأنا أهم بالانصراف: " أخي أمنوا لي خبزاتي ودخاناتي كل يوم وصندلين لولدي كل سنتين وأنا ممنون شوارب ماركس ولينين وانغلز واسبارتاكوس.



ناريمان الشريف 09-03-2010 04:12 PM

شجار عائلي....


الأول: لماذا تختبىء في هذا البرميل؟ وفي مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل؟ قل الحقيقة وإلا أبلغت عنك الحارس أو منظمة " أوبيك" .

الثاني: وأين أختبىء اذن؟

الأول: ومم أنت هارب؟

الثاني: من الصحفيين والسياح الأجانب.

الأول: لماذا؟

الثاني: في الحقيقة. منذ ان احتلت اسرائيل سيناء والجولان والضفة الغربية، وأعلنت القدس عاصمة أبدية لها، وعزلت مصر، وضربت المفاعل النووي العراقي، ووصلت إلى بيروت، وشردت المقاومة بحراً وبراً وجواً، وألحقت بها الحركة الوطنية، ولم تتحقق أهدافها، كما يؤكد لنا الاعلام العربي بكل اعتزاز وفخر، صار هدفي الوحيد كعربي أن أتوارى عن الأنظار حتى لا يصيبني أحد بالعين، أو يقتطع أحد ثوار أمريكا اللاتينية وايرلندا خصلة من شعري أو مزقة من ثيابي للتبرك بها في معاركهم الدائرة هناك. أو أن يحاصرني الصحافيون والسياح الأجانب بالأسئلة أو ينوموني مغناطيسياً، ليعرفوا السر الذي يجعل العربي يحقق الانتصار تلو الانتصار في جميع الظروف والمناسبات وهو يتثاءب في المقاهي، فالموضوع يحتاج إلى كثير من الحيطة والحذر.

الأول: بل تحتاج إلى لطمة على هذا الوجه، وهل شعوب أوروبا وأمريكا وروسيا عديمة انتصارات أيها المغفل؟

الثاني: طبعاً. لقد حقق المساكين كلهم مجتمعين، انتصاراً يتيماً واحداً على ألمانيا منذ أربعين سنة وانتهى الأمر. بينما نحن العرب، نحقق كل يوم عشرات الانتصارات دون ملاجىء وصفارات إنذار ومشوهي حرب كما كان عندهم. ولذلك فهم يغارون منا، ويحاولون المستحيل لمعرفة السر الكامن وراء هذا الاسهال في الانتصارات المتلاحقة، وهذا يفرض علينا أن نكون كتومين ومقتضبين في أحاديثنا معهم، وأن لا نبوح بأية كلمة عن أسرار هذه الانتصارات لأنها ملك للمستقبل وللأجيال اللاحقة.

الأول: اطمئن، فكل محاولاتهم ستتحطم على صخرة الصمود والمقاومة العربية ..

الثاني: ومع ذلك، حذار من أية كلمة هنا أو هناك.

الأول: لا توصي حريصاً، فعندي مكان لكل أسرار العالم، ولكن ليس عندي مكان أنام فيه.

الثاني: انزل إلى جانبي في هذا البرميل، ماذا تنتظر؟

الأول: وهل يتسع لاثنين؟

الثاني: إنه يتسع لمؤتمر قمة، أفلا يتسع لاثنين من رعاياه؟

الأول: افسح لي مكاناً إذن؟

الثاني: تفضل على الرحب والسعة. وقهوتك المرة جاهزة.

الأول: شكراً. أنا لا أشرب إلا الفودكا.

الثاني: أنت يساري اذن؟

الأول: ومتطرف أيضاً.

الثاني: وماذا تفعل عندي في هذا البرميل اذن؟

الأول: وأين أنام في هذا البرد القارس؟

الثاني: في قلوب الجماهير.

الأول: وإذا تكشفت في الليل؟

الثاني: تغطيك الدولة اعلامياً.

الأول: أنا لست موظفاً ولا علاقة لي بأية جهة رسمية. أنا مناضل قطاع خاص، ومتفائل أيضاً.

الثاني: أما أنا فيائس ومتشائم قطاع عام.

الأول: لولا هذا البرد المريع لما بقيت معك لحظة واحدة.

الثاني: هناك أزمة طاقة.

الأول: اذن نحن نجلس في أزمة الطاقة.

الثاني: وأين أزمة الطاقة؟

الأول: في البرميل.

الثاني: وأين البرميل؟

الأول: في الوطن.

الثاني: وأين الوطن؟

الأول: في قلوبنا، في قلوب الجماهير.

الثاني: وأين الجماهير؟

الأول: في البرميل، اذن دحرجونا إلى فلسطين، إلى حيفا ويافا.

الثاني: اخفض صوتك، جاءت الدورية.

الأول: إلى الناصرة، إلى بيت لحم.

الثاني: إذا لم تسكت، فلن يدحرجوك إلا إلى بيت خالتك.

الأول: أعظم برد في العالم هو برد روسيا، هناك حيث تظل متجمداً باستمرار أمام عظمة الانجازات التي حققتها الشعوب.

الثاني: نحن والحمد لله، دون ثلج أو صقيع أو أوحال، متجمدون منذ الجاهلية حتى الآن.

الأول: أعظم وحل في التاريخ هو وحل روسيا. هناك حيث تنزلق أقدام المجتمع من الاقطاع إلى الاشتراكية إلى الشيوعية دون أن يشعر أحد بذلك. إنه وحل صبور وداهية.

الثاني: أما الوحل العربي، فهو عصبي وانفعالي جعل الأمة العربية بكاملها تتزحلق خلال شهور فقط من تحرير فلسطين وضرب مصالح الشرق والغرب إلى تحرير النبطية وسوق الغرب وتصبح على خير.

الأول: كل هذا الذي حدث ويحدث لأن الشكل النهائي لخريطة النضال العربي لم يكتمل بعد.

الثاني: إذا بقيت مفاهيم النضال العربي كما هي عليه الآن، فإن الشكل النهائي لخريطته، وخريطة الوطن العربي نفسه، لن يكون في المستقبل إلا كشكل الخنفس بعد أن يقول له حلاق السجن " نعيماً " وتصبح على ألف خير.

الأول: هل تنام؟

الثاني: نعم وشراع الحق حطام.

الأول: إلى متى؟

الثاني: حتى تنتهي مفاوضات خلدة.

الأول: ولكنها لن تنتهي كما تريد أمريكا.

الثاني: ولا روسيا.

الأول: لا تقرن اسم صديقة الشعوب بعدوة الشعوب.

الثاني: اهدأ قليلاً ستقلب بنا البرميل.

الأول: لينقلب العالم بأسره، لن تنتهي المفاوضات كما يحلو لأعداء هذه الأمة. فالخلافات قائمة على قدم وساق فيما بينهم. أين الراديو؟ أريد أن أسمع الأخبار.

الثاني: بدون راديو أو صحف أو تلفزيون. أنا أقول لك آخر الأخبار وأول الأخبار منذ النكبة حتى الآن.
كل طبخة سياسية في المنطقة، أمريكا تعدها، وروسيا توقد تحتها، واوروبا تبردها، واسرائيل تأكلها، والعرب يغسلون الصحون...............

ناريمان الشريف 09-03-2010 04:14 PM

الخروج




نحن الجائعين أمام حقولنا...
المرتبكين أمام أطفالنا...
المطأطئين أمام أعلامنا...
الوافدين حتى في سفاراتنا...
نحن.. الذين لا وزن لهم إلا في الطائرات...
نحن وبر السجادة التي تفرش أمام الغادي والرائح في هذه المنطقة...
ماذا نفعل عند هؤلاء العرب من المحيط إلى الخليج؟
لقد أعطونا الساعات وأخذوا الزمن
أعطونا الأحذية ولأخذوا الطرقات
أعطونا البرلمانات وأخذوا الحرية
أعطونا العطر والخواتم وأخذوا الحب
أعطونا الأراجيح وأخذوا الأعياد
أعطونا الحليب المجفف وأخذوا الطفولة
أعطونا السماد الكيماوي وأخذوا الربيع
أعطونا الجوامع والكنائس وأخذوا الإيمان
أعطونا الحراس والأقفال، وأخذوا الأمان
أعطونا الثوار وأخذوا الثورة

* * *
فلننفض أفواهنا من طعامهم
وجلودنا من ثيابهم
وأقدامنا من أحذيتهم
ومعاصمنا من ساعاتهم
وآذاننا من أخبارهم
وعيوننا من مناظرهم
وحناجرنا من أناشيدهم كما ينفض البجع الأبيض ريشه من ماء البحر
فلتنعم الأنظمة ومخابراتها وأبواقها بكل شيء
ولتسرح على هواها من المحيط إلى الخليج
لتكتب وحدها الشعر ولتؤلف الموسيقى ولتمثل على المسرح ولتغن في الإذاعات
لتأكل وحدها كل المحاصيل ولتشرب وحدها كل الأنهار ولتلبس وحدها كل الثياب ولتنتعل وحدها كل الأحذية ولتتزوج وحدها كل النساء ولتصطف وحدها على كل الجبال ولتتشمس وحدها على كل الشواطئ ولتتنفس وحدها كل الهواء
لتزقزق على الأغصان بدل العصافير وتتمايل في الحقول بدل السنابل وتركب الأراجيح بدل الأطفال ولنرحل عنها في تيه هذا العالم عراة كقبائل السيخ ولنسر رتلا أحاديا وراء بعضنا حسب النظام والأصول:
الشعراء وراء الشعراء
والمسرحيون وراء المسرحين
والروائيون وراء الروائيين
والمخرجون وراء المخرجين
والممثلون وراء الممثلين
والرسامون وراء الرسامين
والصحافيون وراء الصحفايين
ومشوهو الحرب وراء مشوهي الحرب
ومشوهو التحقيق وراء مشوهي التحقيق
ولتكن جراحكم أنيقة وضماداتكم نظيفة ودموعكم صافية ومرتبة على خدودكم بانتظام كأزرار المعاطف العسكرية في الاستعراضات لتعطوا صورة حسنة عن شعبنا وبلادنا لكل من سيراكم في بلاد الله الواسعة
ولكن .. أرجوكم .. دعوني في المقدمة فأنا أكبركم سنا وأكثركم خبرة واحتمالا لأننا لن نذهب باكين مستعطفين إلى الجامعة العربية أو الأمم المتحدة أو لجنة حقوق الإنسان أو لجنة حقوق الحيوان بل سنقطع الجبال والوهاد والأدغال والبحار والأنهار سيرا على أقدامنا حتى نصل إلى قبر "بلفور" الشهير في بريطانيا وهناك ونحن نتحلق حوله سأضع قدمي على قبره وأقول له بصوت تخنقه الدموع: نحن ضحايا المحرقة العربية نريد وطنا قوميا جديدا ولو على مزبلة.....

ناريمان الشريف 09-03-2010 04:15 PM

مستعمرة الجذام


التوتر الحالي الذي تعيشه المنطقة أو الظروف العصبية التي تمر بها أو الخطر الصهيوني أو الاستعماري أو الامبريالي (سمه ما شئت) والذي يتهدد الوجود العربي من أكبر رأس إلى أصغر رأس في جميع أرجائها.
العرب يعزونه إلى وجود اسرائيل.
واسرائيل تعزوه إلى الاستعدادات العربية لازالتها من الوجود.
وأمريكا تعزوه إلى رغبة روسيا في الهيمنة على المنطقة.
وأوروبا تعزوه إلى التواجد الفلسطيني على أراضي لبنان.
والفلسطينيون يعزونه إلى طردهم من لبنان.
والأمم المتحدة تعزوه إلى عدم التحلي بالصبر وضبط النفس.
ومصر تعزوه إلى تجميد اتفاقيات كامب ديفيد ومفاوضات الحكم الذاتي.
وإيران تعزوه إلى حرب الخليج.
والدول الثورية تعزوه إلى عدم التمسك بأهداف الجماهير.
والدول المحافظة تعزوه إلى عدم التمسك بحبال الاسلام.
والاقتصاديون يعزونه إلى الفائض النفطي.
والخبراء يعزونه إلى أطماع اسرائيل التاريخية في المياه العربية.
والعسكريون يعزونه إلى زيادة التسلح في المنطقة.
والغربيون يعزونه إلى صواريخ "سام 6" والشرقيون إلى "أف 16".
والأقمار الصناعية تعزوه إلى تزايد الأساطيل الأجنبية في المنطقة.
وقد يذهب البعض ويلف ويدور ليصل إلى تلوث البيئة والغواصات في أعماق البحار، أو القمر والزهرة وعطارد في أعماق الفضاء، لطمس السبب الحقيقي والتاريخي ألا وهو الارهاب العربي وانعدام حرية الرأي والتعبير في هذه المنطقة.
ولذلك فكل هذه الاتصالات والمشاورات التي تجري هنا وهناك وهذه الحيرة التي تعم العواصم العربية والأجنبية حول أي القضايا الأكثر إلحاحاً للبدء بحلها. قضية الجنوب. قضية الجبل. وهل القضية اللبنانية مرتبطة بحل قضية الشرق الأوسط أولاً، أم أن حل قضية الشرق الأوسط مرتبط بحل القضية اللبنانية، لا تثير في النفس إلا الأسى والحزن، لأن العرب يعرفون وأمريكا تعرف وروسيا تعرف وجزر القمر تعرف واسرائيل أول العارفين أنه لا يمكن حل لا أزمة الجنوب ولا أزمة الشمال ولا أزمة المقاومة ولا أزمة المستوطنات ولا أزمة الحكم الذاتي ولا أزمة الحرب العراقية - الإيرانية ولا حتى أزمة بقعة الزيت الطافية في بحار الخليج، قبل حل أزمة الإنسان العربي مع السلطة، وانهاء أحكام المقاطعة العربية المطبقة عليه بنجاح منذ عام 1948 قبل الميلاد حتى الآن.
أليس من العار بعد كل هذا التطور العلمي والحضاري الذي حققته البشرية وبعد مئات الجمعات وآلاف المدارس التربوية والفنية والأدبية والمسرحية والفندقية التي تغطي أرض الوطن العربي أن تظل لغة الحوار الوحيدة بين السلطة والمواطن هي الرفس واللبط وشد الشعر؟
ترى لو أن اسرائيل منذ نشأتها وزرعها في قلب الوطن العربي بدأت بكم الأفواه وبناء السجون وتجويع العمال وسرقة الفلاحين، وكلما احتج طبيب اعتقلته، أو ارتفع صوت أخرسته، ثم انصرفت إلى التهريب والاصطياف والاستجمام وتنقيط الراقصات في ربوع اوروبا ... هل كانت تحتل الضفة الغربية وسيناء والجولان، وتدمر المفاعل النووي العراقي وتعزل مصر وتجتاح لبنان وتتطلع إلى الهند وباكستان؟
من تنشق زهرة برية أو طارد فراشة أو سمع سعال عصفور عند الفجر منذ سنوات؟
من تأمل القمر أو الغروب أو شرب الماء براحتيه من ساقية منذ قرون؟
من سمع ضحكة عربية من القلب منذ بدء التاريخ؟
لا شيء غير القتل والنهب وسفك الدماء.
لا أحد يفكر أن هناك طفولة يجب أن تنمو.
شفاهاً يجب أن تقبل.
عيوناً يجب أن تتلاقى.
أصابع يجب أن تتشابك.
خصوراً يجب أن تطوق بغير القنابل والمدى والانفجارات.
أيها العرب، استحلفكم بما تبقى في هذه الأمة من طفولة وحب وصداقة وأشجار وطيور وسحب وأنهار وفراشات.
استحلفكم بتحية اعلامها عند الصباح وإطراقة جبينها عند المساء، لقد جربتم الارهاب سنين وقروناً طويلة وها أنتم ترون إلى أين أودى بشعوبكم.
جربوا الحرية يوماً واحداً لتروا كم هي شعوبكم كبيرة وكم هي اسرائيل صغيرة.

ناريمان الشريف 09-03-2010 04:16 PM

أنا الحاوي


أنا العرب دون نفط.
وعبد الناصر دون ميكروفونات.
أنا المؤامرة على لبنان ولا أستطيع فضحها.
مجازر حرب الخليج ولا أستطيع وقفها.
المقاومة الفلسطينية تنهار ولا أستطيع دعمها.
البطون الجائعة في كل بيت ولا أستطيع إطعامها.
الأجساد العارية على كل رصيف ولا أستطيع سترها.
الجراح العميقة في كل قلب ولا أستطيع تضميدها.
الخناجر المغروسة في كل ظهر ولا أستطيع نزعها.
الدموع على كل وجه ولا أستطيع تجفيفها.
الوحدة القاتلة في كل سرير ولا أستطيع تخفيفها.
الجثث المبعثرة في كل خطوة ولا أستطيع دفنها.
النسور الحبيسة في كل قفص ولا أستطيع اطلاقها.
الحقوق المهدورة في كل مكان ولا أستطيع لمسها.
أي أن جميع الطاقات السياسية والفكرية والاقتصادية والعاطفية كالحب والخير والجمال والصداقة والخبرة والوفاء وطرافة الحديث وشدة الانتباه يجب أن تجد نفسها أمام العجز الكامل.
أي أن الإنسان العربي لا يستطيع في هذه الظروف العصبية التي تمر بها أمته أن يلعب أي دور سياسي أو ثقافي أو اجتماعي أو نضالي ولو غناء مثل عبده الحامولي أو صالح عبد الحي.
ولكن، من جهة أخرى، لقد دربت الدببة على الرقص.
والقردة على الغناء.
والبلابل على النعيق.
والنمل على الفوضى.
والماعز على النظام.
والثعلب على الوفاء.
والكلب على الغدر.
والسنونو على الاقامة.
والدجاج على الهجرة.
والذئب على التسامح.
والبجع على الحقد.
والحملان على الصمود.
والأرانب على التهور.
والضفادع على الصمت.
والببغاء على الخطابة.
والسمك على النوم.
والجراد على الزحف.
والسلحفاة على القفز.
ولم أستطع تدريب إنسان عربي واحد على صعود الباص من الخلف والنزول من الأمام، فكيف بتدريبه على الثورة.
ولذلك زودت أطفال الشرق منذ الآن بعناوين الأونروا ووكالات غوث اللاجئين، ودربتهم على الوقوف في طوابير الاعاشة وآداب النوم في الملاجىء والاستلقاء في المقابر الجماعية، ودربت قاصراته على آلام الاغتصاب وضرورة التمسك بلعبهن، بحصالات نقودهن، بثياب الموتى من حولهن، أن لا يأخذن أبداً بالشعار الذي أطلقته اسرائيل عام 1948 : "العرض قبل الأرض" لأن الأرض قبل العرض والطول.
قبل بيارات البرتقال وبساتين الليمون، قبل زرقة البحر وغناء الصيادين ومواويل الفلاحين، قبل الزراعة والصناعة والفن والعلم والمعرفة واليمين واليسار، والماضي والحاضر والمستقبل ولكنها ليست قبل الحرية.

ناريمان الشريف 09-03-2010 05:27 PM

ملكة النحل



إذا كان لكل من القوى والاحزاب والطوائف والميليشيات المسلحة في لبنان خط أحمر أو أخضر أو أصفر تنسحب إليه عند الضرورة. فالمواطن اللبناني العادي، إلى أين ينسحب. وليس له في وطنه سوى خط تلفون ومقطوع أيضاً؟
ثم لبنان الذي فتح لنا حدوده في يوم من الأيام لنطمئن، وصحفه لنكتب، ومدارسه لنتعلم، وقدم لنا خبزه لنأكل، وينابيعه لنشرب، وشواطئه لنسبح، وجباله لنصطاف، وثلوجه لنتزلج، وشمسه لندفأ، وذراعه لننام، ونواقيسه لنصحو، وحاناته لنلهو، وجوامعه لنتعظ، ومقاهيه لنتحاور، ومنابره لنصرخ، ولياليه لنحب، وحتى روشته لننتحر... لماذا يعامل بكل هذه القسوة والسادية والتشفي، محلياً وعربياً ودولياً؟
هل هو المسؤول عن وعد بلفور وتقسيم فلسطين؟
هل هو المسؤول عن العدوان الثلاثي؟
هل هو المسؤول عن تحويل روافد نهر الأردن؟
هل هو المسؤول عن حرب اليمن؟
هل هو المسؤول عن نكسة حزيران؟
هل هو المسؤول عن أيلول الأسود؟
هل هو المسؤول عن بناء المستوطنات؟
هل هو المسؤول عن زيارة السادات للقدس؟
هل هو المسؤول عن تهويد القدس؟
هل هو المسؤول عن حرب الخليج؟
هل هو المسؤول عن اتفاقية سيناء؟
هل هو المسؤول عن اتفاقيات كامب ديفيد؟
بل ماذا يأخذون عليه في المنطقة. ولا يوجد عندهم منه أضعاف ما عنده؟
ظلم اجتماعي؟ أين عدالتهم الافلاطونية؟ تمثيل نيابي غير متوازن؟ وعندهم لا يوجد تمثيل لا متوازن ولا غير متوازن. تحكمه عقليات متخلفة؟ حتى اسرائيل التي تدعي أنها في المنطقة واجهة للتقدم والحضارة الالكترونية، لا يزال نصف شعبها وحكامها يؤمنون بيأجوج ومأجوج.
يريدون أن يعود له وجهه العربي الأصيل: وهل الوجه لا يكون عربياً وأصيلاً إلا إذا كان ملفوفاً بالضمادات ومغطى بالجروح والقطب والمراهم؟ ثم ما فائدة الوجه إذا كان عربياً، والقفا أمريكياً أو انكليزياً أو فرنسياً؟
ولذلك، فيا أيها المسلحون الأكارم، أياً كانت انتماءاتكم وطوائفكم وأهدافكم وأنواع اسلحتكم، تابعوا أعمالكم ولا تبقوا على شيء في لبنان.
غيّروا وجهه وحدوده وخريطته.
دمروا المعامل والمصانع والمقاهي والفنادق ودور السينما ودور اللهو ودور السكن.
اقصفوا حنجرة فيروز ووديع الصافي وزكي ناصيف، وألحان الرحابنة وتوفيق الباشا ووليد غلمية.
لوحات رفيق شرف وتماثيل الفريد بصبوص.
قصائد سعيد عقل وأنسي الحاج وطلال حيدر ومحمد علي شمس الدين.
مؤلفات سعيد تقي الدين وجبران والشرتوني وعبد الله العلايلي.
مسرحيات شوشو ونبيه أبو الحسن ونضال الأشقر ورضا كبريت.
احرقوا الصحف والمجلات، ودمروا المطابع الحديثة والقديمة، ودار الفكر، ودار القلم، ودار العلم، ودار التقدم، ودار الحكمة، ودار الأديب، ودار الآداب، ودار العودة، ودار الكلمة، ولا تتركوا في لبنان إلا الدخان والخرائب والأبواب المتأرجحة على مفاصلها. ولكن فقط ترفقوا بالأطفال والتلاميذ الصغار، فما جريمتهم إذا ولدوا في لبنان وفي هذه المرحلة؟
ولذلك، إذا ما قتل بعد اليوم رضيع على صدر أمه، أو تلميذ في طريقه إلى مدرسته في لبنان وغير لبنان، فلسوف أطلب من جميع المحافل الدولية ألا تقبل بعد الآن أي عضوا أو مبعوث أو سفير من هذه المنطقة، إلا إذا كانت عصابة الريش حول رأسه، وجعبة السهام والرماح في كتفه، وأوراق الشجر على عورته.

ناريمان الشريف 09-03-2010 05:28 PM

تقدم ملموس





خرج المسؤول اللبناني المكلف بتحقيق الوفاق الوطني في لبنان من مكتب المسؤول الأعلى الذي كلفه وهو يفرك يديه حماسة وأملا بنجاح مهمته. وفور خروجه اجتمع بمستشاره القانوني لشؤون الوفاق وقال له وهو يتحاشى قذيفة "هاون": لبنان يحترق. لبنان بأرضه وشعبه ووجوده يتعرض لمؤامرة كبرى. ومسيرة الوفاق الشامل والمدروس لا يمكن ايقافها ودحرها، فمن أين نبدأ؟ فقال المستشار وهو يتحاشى قذيفة " آر. بي. جي" نبدأ من أول الخيط من اخوته العرب.

المحطة الأولى: كنا دائماً مع لبنان وسيادته وحريته، ونحن كدولة مواجهة، فما توافق عليه دول المواجهة نحن موافقون عليه.

دولة مواجهة: كنا دائماً مع لبنان وسيادته وحريته، ونحن كدولة مواجهة، فما توافق عليه دول المساندة نحن موافقون عليه.

دولة مساندة: كنا دائماً مع شعب لبنان وسعادة لبنان. ونفتقد أمنه واستقراره في جميع الظروف والأوقات وخاصة في فصل الصيف. ونحن كدول مساندة نظل في النتيجة أعضاء في الجامعة وما توافق عليه الجامعة نحن موافقون عليه.

الجامعة العربية: كان لبنان ولا يزال عضواً فعالاً في الجامعة، ولذلك فالمأساة التي يتعرض لها مسؤوولية عربية بالدرجة الأولى. ولذلك ما توافق عليه جميع الدول العربية دون استثناء نحن موافقون عليه، بما في ذلك مصر.

مصر: نوافق على ما توافق عليه الدول المتحضرة فقط.

الدول المتحضرة: كنا دائماً نعي دور لبنان الحضاري والثقافي في المنطقة، ولذلك ما توافق عليه السعودية نحن موافقون عليه.

السعودية: كان لبنان ولا يزال عزيزاً علينا غالياً على قلوبنا. ونحن كبلد اسلامي فما توافق عليه الدول الاسلامية الاخرى نحن موافقون عليه.

الدول الاسلامية: يحتل لبنان وما يتعرض له من مصاب جزءا كبيراً من دعواتنا وصلواتنا وخاصة في مواسم الحج والعمرة. لأننا نعتبر سلامته من سلامة راولبندي أو مقاديشو. ونحن كأعضاء في دول عدم الانحياز، فما توافق عليه هذه الدول نحن موافقون عليه.

دول عدم الانحياز: كان لبنان ولا يزال عضواً محترماً ومرموقاً في كتلة عدم الانحياز، وكنا دائماً نعتبر مصيره جزءا من مصير باندونغ وكولومبو. ونحن كأعضاء في الأمم المتحدة فما توافق عليه هذه المنظمة نحن موافقون عليه.

الأمم المتحدة: كان لبنان عضواً بارزاً ونشطاً في الأمم المتحدة. ولكن ماذا يمكن لهذه المنظمة أن تفعل له أو لغيره دون مساعدة روسيا وأمريكا.

روسيا: كان لبنان بلداً صديقاً ومناضلاً عنيداً من أجل السلام. ونحن دائماً حريصون على أمنه واستقراره. فبعد أزمة القمح والأزمة الصحية للرئيس بريجينيف وأزمة الجينز في بلادنا تحتل أزمة لبنان حيزاً كبيراً من اهتمامنا وتفكيرنا لأننا نعتبر مستقبله جزءاً من مستقبل أوكرانيا وقفقاسيا. ولكن حتى لا نضطر لمجابهة نووية مع أمريكا بسببه، فما توافق عليه أمريكا نحن موافقون عليه.

أمريكا: كنا دائماً مع استقلال لبنان وسيادته على جميع أراضيه. وفي كل مؤتمر عن أزمة الطاقة، أو خطاب في البيت الأبيض عن قناة بانما، أو مناسبة انتخابية في أوكلاهما، كان لنا فقرة أو فقرتان عن لبنان. ولذلك ما يوافق عليه اللبنانيون بجميع أحزابهم وطوائفهم نحن موافقون عليه.

الكتائب: ما يوافق عليه الأحرار نحن موافقون عليه.
الأحرار: وما توافق عليه الرابطة المارونية نحن موافقون عليه.
الرابطة: وما توافق عليه الكتلة الوطنية نحن موافقون عليه.
الكتلة: وما يوافق عليه الأرمن والأكراد نحن موافقون عليه.
الأكراد: وما يوافق عليه حراس الأرز نحن موافقون عليه.
حراس الأرز: وما يوافق عليه سعيد عقل نحن موافقون عليه.
سعيد عقل: ما يوافق عليه صنين وقلعة جبيل وأعمدة بعلبك نحن موافقون عليه.
أعمدة بعلبك: ما يوافق عليه أعمدة السياسة أنا موافقة عليه.
المرابطون: ما يوافق عليه الاشتراكيون نحن موافقون عليه.
الاشتراكيون: ما يوافق عليه الناصريون والقوميون والشيوعيون نحن موافقون عليه.
الشيوعيون: ما يوافق عليه اتحاد العمال نحن موافقون عليه.
اتحاد العمال: وما يوافق عليه اتحاد الكتاب نحن موافقون عليه.
اتحاد الكتاب: ما يوافق عليه أدونيس نحن موافقون عليه.
أدونيس: أنا موافق، إذا وافق سان جون بيرس.
جميع الكتاب والشعراء وأصحاب الفعاليات والعاهات: ما توافق عليه جميع الميليشيات المسلحة نحن موافقون عليه.
المنظمات المسيحية: ما توافق عليه المنظمات الفدائية نحن موافقون عليه.
المنظمات الفدائية: وما توافق عليه السلطة الشرعية نحن موافقون عليه.
السلطة الشرعية: وما توافق عليه القوات الدولية نحن موافقون عليه.
القوات الدولية: ونحن موافقون اذا وافقت قوات سعد حداد.
سعد حداد: وأنا موافق إذا وافقت ... اسرائيل.

ناريمان الشريف 09-03-2010 05:29 PM

نعم لم أسمع







نهض المواطن عرب بن عروبة بن عربان مبكراً من فراشه، فغسل وجهه بسرعة بالماء المثلج، وحلق ذقنه كيفما اتفق بشفرة مثلمة، وضرب شعره ضربتين بمشط مكسور، ثم ألقى نظرة عابرة إلى وجهه وقيافته، ثم إلى أمه وأخته، قبل أن يتأبط مصنف "قضيته" وينطلق إلى دوائر الدولة للمراجعة في شأنها. لقد استغفلهم صاحب البيت وتنكر لعشرين سنة من صباح الخير يا جار ومساء الخير يا جار وتقدم بدعوى قضائية لاخلاء المأجور وطردهم منه إلى الشارع.

ولكنه كان واثقاً أن الدولة لن تنساه في محنته هذه. وأن حربة الظلم لايمكن أن تنفذ من كل ما في دوائر الدولة من موظفين واختام ومصنفات لتستقر في قلبه. واستقل الباص، وقصد مكتب القاضي المختص بقضايا المواطنين في وزارة العدل.

الحاجب: نعم؟
المواطن: هل سيادة القاضي موجود؟
الحاجب: لا . انه مسافر.
المواطن: إلى أين؟
الحاجب: إلى جنيف لحضور مؤتمر الحقوقيين الدوليين.
المواطن: ومتى يعود؟
الحاجب: لا أعرف. وغرق في احدى روايات أرسين لوبين.
واستقل المواطن باصاً آخر لمراجعة مسؤول آخر.

حاجب آخر: نعم؟
المواطن: هل الاستاذ فلان موجود؟
الحاجب: لا . انه مسافر إلى سيؤل لحضور مؤتمر للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
المواطن: ومتى يعود؟
الحاجب: لا أعرف. وانصرف إلى براد الشاي يعده ويخمره.
واستقل المواطن باصاً آخر لمقابلة مسؤول آخر.

السكرتيرة: نعم؟
المواطن: هل الدكتور فلان موجود؟
السكرتيرة: لا مسافر إلى لاغوس لحضور مؤتمر للتضامن مع الشعب الأرتيري.
المواطن: ومتى يعود؟
السكرتيرة: لا أعرف. وانصرفت إلى مجلة الشبكة.
واستقل المواطن باصاً آخر لمقابلة مسؤول آخر.

سكرتيرة أخرى: نعم؟
المواطن: هل الاستاذ الدكتور موجود؟
السكرتيرة: لا. انه مسافر إلى مالطا لحضور مؤتمر التضامن مع الشعب الكوري.
المواطن: ومتى يعود؟
السكرتيرة: لا أعرف. وغرقت في مجلة بوردا.

وعندما انتهى الدوام الرسمي وخلت الدوائر والمكاتب من الموظفين والمراجعين، ولم يبق فيها إلا الأوراق والمعاملات والمصنفات. وبعد أن تورمت قدماه من صعود الأدراج وهبوطها، لم يبق أمامه ما يفعله سوى الانتظار مرة أخرى مع مئات المنتظرين عند مواقف الباصات للعودة إلى بيته وأهله. وعندما ابتسم له الحظ وأقبل الباص شتم أثناء الصعود ونشل أثناء النزول.

وعندما وصل إلى مدخل الحارة فوجىء بأغراض بيته مكومة في الشارع وأمه وأخته تجلسان عليها. وكل منهما وضعت يدها على خدها وراحت تحدق في هذا العالم. ولما كان بطبعه هادئاً مسالماً فقد سأل بهدوء: متى حدث ذلك؟
فأجابته الأم دون أن تنظر إليه: بعد ذهابك بقليل.
فربت على كتفها مواسياً، وجلس القرفصاء على كومة الأغراض والمعاملة لا تزال تحت إبطه. ونظر بحنان إلى أخته الصامتة الشقية وسأل: ما بها؟
فقالت الأم: فوق همنا هذا، ونحن نخرج الأغراض والأمتعة، وفيما هي منحنية لحزمها، جاء أحد المارة وقرصها في مؤخرتها.
فقال متنهداً: بسيطة.
فقالت الأم: بسيطة، بسيطة. وماذا ستفعل الآن. والليل قد أقبل؟ هل ننام في الشارع؟
فقال لها: لا تبتئسي يا أمي ان الدولة لا يمكن أن تنساني. أنا واثق من ذلك.
وهنا أقبل نحوه شرطي يجرجر قدميه من التعب، وسأله وهو يخرج بعض الأوراق من حقيبته الجلدية: هل أنت المواطن فلان الفلاني؟
المواطن: نعم.
الشرطي: مطلوب لخدمة العلم.

ناريمان الشريف 09-03-2010 05:32 PM

وجبة اليوم وكل يوم



كان المحاضر العربي والمتجول في جامعات أوروبا والذي نزح عن وطنه منذ سنوات طويلة هرباً من الجوع والارهاب، يتجول ذات مساء في شوارع احدى المدن الاوروبية وكل ما حوله من ديموقراطية وعدالة ونظام متلألئا ومتناسقا مثل شجرة الميلاد.

المظلات فوق الرؤوس، والمارة فوق الأرصفة، والقانون فوق الجميع، يالها من حضارة مهذبة ودود كالقطة المنزلية الأليفة.

ودخل أحد المطاعم الفاخرة ليتناول عشاءه، فاستقبله "الميتر" بابتسامته المعهودة للغرباء، وقدم لائحة الطعام ووقف بانتظار طلباته. فقال له الأستاذ الغريب: انني متعب من القراءة والكتابة فاقرأ لي القائمة اذا أمرت.

قال "الميتر" بحماس: أمرك سيدي. عندنا ويسكي اسكتلندي، وبيرة ألمانية، وخبز كندي، وشوربة سويسرية، وجبنة فرنسية، ولحم أرجنتيني، وكافيار روسي، ومعكرونة ايطالية، وشاي سيلاني، وقهوة برازيلية، أما الاقداح فهي تشيكية والفوط والمناشف أمريكية.
فشعر الأستاذ بغربة عميقة عن كل ما قرىء له. وانتابه حنين جارف إلى أي شيء يذكره بوطنه وبلاده.

فسأله: أليس عندكم أي شيء عربي؟
فقال الميتر: لا. ليس عندنا أي شيء عربي سوى "الخدم".

وعاد إلى وطنه في أول طائرة حاملاً خبرته وشهاداته وأشواقه ليعوض ما فات من عمره كل هذه السنين. وما أن وصل إلى الفندق حتى ترك فيه كل شيء، ووضع يديه في جيوبه وراح يتجول حتى آخر الليل في شوارع المدينة التي أحبها وهجرهها وهو لا يكاد يشبع من هوائها وأرصفتها وسمائها ونجومها وسط النقاش العالي وراء جدرانها. ودخل أحد المطاعم بعد أن أرهقه التجوال الطويل ليتناول عشاءه فهب إليه "الميتر" بابتسامته المعهودة مرحباً به وبطلباته فقال له الاستاذ الغريب: اقرأ لي ما عندك من أطعمة ومشروبات، فأنا كنت غائباً لسنوات وسنوات عن الوطن. وقد لا أعرف ما تعنيه الأسماء في الوقت الحاضر.

فقال الميتر: عندنا عرق لبناني وفول سوداني وكباب حلبي، وملوخية مصرية، وكبسة سعودية وفريكة عراقية وكوسكوس تونسي وكنافة نابلسية وبطيخ أردني وقهوة عدنية. والطبخ بجميع أنواعه عربي وكما ترى المطبخ شرقي والستائر شرقية والراقصة شرقية والأغاني عربية وكذلك الفرش واللباس عربي. وكذلك أنا وموظفو الاستقبال والطهاة والمحاسبون. كلنا عرب بعرب.
فتنفس الأستاذ الصعداء وقال: يعني ليس عندكم أي شيء أجنبي؟
اليتر: أبداً يا سيدي، ليس عندنا أي شيء أجنبي ما عدا صاحب المحل ...
* * *


وشمر عن ساعد الجد والعمل وانخرط في الحياة السياسية حتى شحمة أذنيه. ودخل في حزب وخرج من آخر. وانضم إلى هذه المنظمة، وعارض تلك الكتلة. تغذى مع المعارضة وتعشى مع الموالاة. عجن اليمين وخبز اليسار. احتك بالأطباء والمحامين والتجار والمقاولين. يستوضح ويستكشف ويستوعب. سابراً غور السياسة العربية قبل كامب ديفيد وبعده، مسترشداً بقرارات القمة الموسعة والمغلقة. آخذاً بعين الاعتبار نقط الخلاف ونقط الالتقاء بين الأنظمة المعارضة والأنظمة الموالية لهذا المعسكر أو ذاك. ثم افتتح عدداً من المشاريع في مختلف المجالات. ثم افتتح مطعماً ووقف على بابه. وكلما دخل زبون وسأله: هل اللحم والفراريج عندكم مذبوحة على الطريقة الاسلامية؟
يجيبه وهو يقدم له الشوكة والسكين: ليس عندنا سوى الانسان العربي مذبوح على ألف طريقة وطريق.


يتبع...!!

ناريمان الشريف 09-03-2010 05:33 PM

العقد الفريد




منذ أن صوبت اسرائيل إلى العرب بأنظمتهم اليمينية واليسارية على حد سواء أول مدفع وأول كمبيوتر وأول طائرة بدون طيار، وصوب العرب اليها أول انقلاب وأول ميكروفون وأول انسان دون فك لأنه يميني ودون أضلاع لانه يساري.

ومنذ أن استقلت الدول العربية عن الاستعمار وعن شعوبها في نفس الوقت، واحتكرت السلطة فيها الفكر والسياسة والاقتصاد والعلم والمعرفة والأدب والفن والرياضة والثروة المعدنية والبشرية والحيوانية، وجردت الانسان من أي قيمة أو فعالية أو حافز، وتركته عارياً بثيابه الداخلية سياسياً وثقافياً وتاريخياً واقتصادياً بالطبع أمام العالم أجمع


وكل طرف يحمل الآخر ما جرى ويجري في المنطقة


فاليمين يضع اللوم على اليسار.

واليسار يضع اللوم على اليمين.
وأمريكا تضع اللوم على روسيا.

وروسيا تضع اللوم على أمريكا.



والانسان العربي الذي يعيش مثل "الأطرش بالزفة" بالنسبة لكل ما جرى ويجري في المنطقة، يضع يده على خده ويتربع أمام شاشة التلفزيون وأمامه علبتا كلينكس، واحدة على اليمين للأنظمة اليمينية، وواحدة على اليسار للأنظمة اليسارية، ويبدأ من النشيد إلى النشيد:

آه من هذا المسلسل، وآه من هذه المسرحية.
آه إذا هرب لص، وآه اذا قبض على قاتل.

آه من حرب حزيران، وآه على حرب تشرين.

آه لزيارة السادات للقدس، وآه لعودته منها.
آه لاستعادة سيناء، وآه لاحتلال لبنان.
آه لحريق المسجد الأقصى، وآه اذا احترقت الطبخة.

ومن قبل

قيس يبكي ليلي

وليلى تبكي قيساً.
عنترة يبكي عبلة

وعبلة تبكي عنترة.

وعبد الله الصغير يبكي الأندلس

وأبو سلمى يبكي فلسطين.

وسعيد عقل يبكي لبنان.

ولبنان يبكي الجنوب.

والجنوب يبكي المقاومة

والمقاومة تبكي العرب.
والعرب يبكون مصر.

ومصر تبكي الجميع


آه كم ظلمنا فريد الأطرش واستهنا بآهاته وشهقاته ودموعه. انه الوحيد الذي سبق جميع الاحزاب والمفكرين والمستشرقين العرب والأجانب في فهم النضال العربي سياسياً واجتماعياً وتاريخياً وايديولوجياً، وأدرك موازين القوى التي تتحكم بنتائجه ومستقبله أكثر من جميع مراكزالدراسات الاستراتيجية في العالم، وذلك عندما قضى حياته آهة آهة ودمعة دمعة. فقد كان بحق "كيسنجر العرب" طوال ربع قرن ونحن لا ندري.

ولذلك علينا أن نرد له اعتباره، ونعيد تقييم أغانيه ومواويله وآهاته. ونعلق صوره في مقر الجامعة العربية. ومجلس الدفاع المشترك، وخنادق المقاومة، وقاعة مؤتمر خلدة، ومنظمة أوبيك، ومكاتب البعثات الديبلوماسية في الأمم المتحدة، وان نستفيد من خبرته ونستلهم أسلوبه في مواجهة الأحداث والتعامل معها

فمن الآن فصاعداً.


على كل مذيع عربي أن يبدأ نشرة الأخبار ... بآهة وينهيها... بموال

وكل سفير معين حديثاً لدى دولة أجنبية، فور الانتهاء من تقديم أوراق اعتماده ومن تبادل الكلمات حول تطوير العلاقة بين البلدين والتعاون المشترك لاحلال السلام في المنطقة، عليه أن يشهق وينخرط في البكاء.
وكل عاشق، فور أن يلتقي بحبيبته ويبثها ما عنده من أشواق وأحلام بتأسيس بيت وتكوين أسرة يرفرف عليها الحب والهدوء والاستقرار، عليه أن ينخرط في البكاء.


وكل مدير مدرسة فور توزيع شهاداته على الخريجين وانتهائه من تقديم نصائحه وتمنياته لهم بالنجاح والتوفيق في حياتهم العملية لبناء وطن حر مستقل، عليه أن ينخرط هو وبقية الاساتذة في البكاء.


وكل رئيس وزراء جديد: فور الانتهاء من تلاوة بيانه الوزاري ومن تعهده بإرساء القواعد الديموقراطية، وتمتين الجبهة الداخلية والحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني وتحرير كافة الاراضي المحتلة.. وتوجيه التحية لشهدائنا الأبرار، عليه أن ينخرط وأعضاء وزارته في البكاء.

ووسط هذا البحرالمتلاطم من الدموع ما زال الاعلام العربي يؤكد لنا يوماً بعد يوم أن المستقبل مشرق في المنطقة، ولكنه لم يوضح أبداً، اذا كان مشرقاً لنا أم لاسرائيل؟
فلتتدفق الدموع من العيون، والدماء من الجراح، حتى تصل إلى ركب السائرين كالكشافة وراء فيليب حبيب وغيره. فلن يتوقفوا أو يتراجعوا. ولن يستقر لهم رصيد في بنك. أو فرو على كتف. أوراقصة في ملهى، أو كافيار على مائدة، أو سيكار في فم، أو شاليه في منتجع، حتى تذاع أغنية "ختم الصبر بعدنا بالتلاقي" من اذاعة اسرائيل واذاعات المنطقة في وقت واحد.


ومع ذلك لا شيء ينفجر حتى الآن من المحيط إلى الخليج سوى اسطوانات الغاز.

ناريمان الشريف 09-05-2010 01:16 PM

ولكن الضفاف لا تجري



لم يعد خافياً على أحد أن صمت الطناجر البخارية في معظم مطابخ الوطن العربي وامتناعها عن الصفير في الوقت الراهن ما هو إلا نوع من الاحترام والتهيب أمام صفير الطنجرة الكبرى في المنطقة وتصاعد البخار من فوهات مدافعها وميكروفوناتها عما قريب، بعد أن أخذ المدعوون يتسابقون إلى المائدة وكل منهم يحمل صحنه وشعاراته بيده.

وانه على الرغم من ملايين الاقدام الفتية التي تدق كعوبها على الأرض العربية صباح مساء فلا شيء يدب عملياً على طريق التحرير سوى عكاز بسام الشكعة.

وان ازدحام السجون العربية بالمناضلين والأبرياء الذين يدقون رؤوسهم بالجدران والأبواب المغلقة دون جدوى يعني أن الترجمة العملية للاءات الخرطوم هي: لا صلح، لا اعتراف، لا مفاوضات مع الانسان العربي.

وأنه لو حلت الآن بالمنطقة وبالعالم أجمع أفدح المصائب القومية أو الجغرافية أو المصيرية، فان المواطن العربي - رداً على هذا المصير الذي آل إليه - لم يعد يقفز إلى بندقية ليحارب أو إلى الشارع ليتظاهر، أو حتى غلى السطوح ليتفرج، بل إلى آلة الجيب الحاسبة ويحسب:
هل تؤثر على تجارته إذا كان تاجراً؟
أو على محصوله إذا كان مزارعاً؟
أو على شهرته إذا كان كاتباً؟
أو على اعلاناته إذا كان صحافياً؟
أو على امتحاناته إذا كان تلميذاً؟
أو على ترفيعه إذا كان موظفاً؟

فاذا كان الجواب: "لا" فكل شيء على ما يرام. السماء صافية، والنسيم عليل، ولا ينقصه إلا وصلة غنائية أو مسرحية فكاهية ليقلب على قفاه من الضحك والانشراح وخلو البال.
وبناء على ما تقدم، فان المبعوث المتجول فيليب حبيب لا يسعى من خلال زياراته المتلاحقة للمنطقة، واجتماعاته الدائمة مع هذا وذاك إلى اعداد الترتيبات اللازمة لانسحاب القوات الاسرائيلية من لبنان، أو لإيجاد الحلول العادلة لقضية العرب الكبرى. بل لاعداد الترتيبات اللائقة بجنازة العصر. لها ولعدالتها، مع الاهتمام بأدق التفاصيل والاجراءات المتعلقة بها وبجلال مظهرها مثل:
*من يعلن الوفاة رسمياً ومتى؟
*ومن سيعزي بها؟
*ومن سيقبل التعازي؟
*ومن سيبكي بصمت؟
*ومن سيغمى عليه عند الدفن؟
*وبماذا سيغطى الضريح الطاهر؟ بأغصان الريحان أم بأغصان الأرز أم بأغصان النخيل؟

فهذا زمن الاتفاق على كل شيء.
ولكنه ليس زماني، فأنا كالخيزران ... أنحني ولا أنكسر.
فحتى لو رأيت المشيعين والموقعين بأم عيني يمسحون حبر التواقيع عن بصماتهم بالجدران وثياب المارة.
ولو انتشرت سياط التعذيب على حدود الوطن العربي كحبال الغسيل.
وعلقت المعتقلات في زوايا الشوارع والمنعطفات كصناديق البريد.
وسالت دمائي ودموعي من مجارير الأمم المتحدة.

فلن أنسى ذرة من تراب فلسطين، أو حرفاً من حروفها، لا لأسباب نضالية ووطنية وتاريخية بل لأسباب لا تزال سراً من أسرار هذا الكون كإخفاقات الحب الأول! كبكاء الأطفال الرضع عند الغروب.

لقد رتبت حياتي وكتبي وسريري وحقائبي منذ الطفولة حتى الآن، على هذا الأساس. فكيف أتخلى عن كل شيء مقابل لا شيء. ثم انني لم أغفر ضربة سوط من أجل الكونغو.. فكيف من أجل فلسطين؟

ولذلك سأدافع عن حقدي وغضبي ودموعي بالأسنان والمخالب.
سأجوع عن كل فقير.
وسأسجن عن كل ثائر.
وأتوسل عن كل مظلوم.
وأهرب إلى الجبال عن كل مطارد.
وأنام في الشوارع عن كل غريب.
لأن اسرائيل لا تخاف ضحكاتنا بل دموعنا.
ولا بناء من عشرة طوابق بل شاعراً يكتب في قبو.
ولا تخشى وحدة بين مصرفين بل بين جائعين.
ولا اتحاداً بين نظامين بل بين شعبين.
ولا القمم العالية بل ما يتجمع حولها في الوديان.
ولقد يكون هذا الزمان هو زمان التشييع والتطبيع والتركيع، زمن الأرقام لا الأوهام والأحلام. ولكنه ليس زماني. سأمحو ركبتي بالممحاة، سآكلهما حتى لا أجثو لعصر أو لتيار أو مرحلة. ثم أنا الذي لم أركع وأنا في الابتدائية أمام جدار من أجل جدول الضرب وأنا على خطأ. فهل أركع لبيغن أو لسواه أمام العالم أجمع بعد هذه السنين، وأنا على حق؟

إني لست مخلصاً لوطني وعروبتي وأناشيدي المدرسية وحسب بل إنني مخلص حتى لسعالي.
ولن أيأس، ولن أستسلم ما دام هناك عربي واحد يقول: "لا" في هذه المرحلة ولو لزوجته.

.... يتبع

ناريمان الشريف 09-05-2010 01:17 PM

المؤتمر





بدون مناسبة، تخليت نفسي ناطقاً باسم الدول العربية، اتحدث إلى مندوبي الاذاعة والتلفزيون ومراسلي الصحف ووكالات الأنباء الأجانب عن أهم شؤون الساعة، ونحن نحتسي القهوة العربية الأصيلة في قاعة المؤتمرات الصحفية في الأمم المتحدة.

مراسل انكليزي: ما هو سبب اصراركم على تقديم القهوة المرة دون سواها في جميع المؤتمرات والمناسبات؟
حتى نظل نتذكر مرارة الواقع الذي تعيشه أمتنا.
يتحدثون في الغرب كثيراً هذه الأيام عن تطورات مريبة في المنطقة. ما تعقيبكم على ذلك؟
ليتحدثوا بما يشاؤون. فالشعوب في هذه البلاد معروفة بكثرة الكلام.
وأنتم؟
بالأفعال طبعاً.

مراسل أمريكي: ولكن هناك مؤشرات تؤكد تراجعكم عن بعض المواقف.
مستحيل، لأننا لم نتقدم أصلاً حتى نتراجع.
هل هناك ما يثبت ذلك؟
طبعاً، فمواقفنا السياسية واضحة وصريحة ونعبر عنها باستمرار في صحفنا. وهذه نماذج منها. تفضلوا ووزعوها على بعضكم. لا تجفلوا، معكم حق، هناك مشكلة اللغة، فنحن عرب ولا نفهمها فكيف أنتم؟

مراسل فرنسي: الصحافة في الغرب تجاري السرعة والتطور، فهي تقدم لقارئها أوسع المعلومات في أقل عدد ممكن من السطور. ولذلك بمجرد أن يتصفحها يلم بكل ما يجري في العالم، ثم يرميها حيث هو في الباص أو الميترو وينصرف إلى عمله.
من هذه الناحية نحن أرقى منكم. فالقارىء العربي يرمي الجريدة دون أن يقرأها.

مراسل سويدي: هل المعارضة مشروعة في الوطن العربي؟
طبعاً.



مراسل البرافدا: ولكن القوى الديموقراطية محرومة من ابداء أي رأي.
اسكت أنت. في بلادكم حتى الطرقات كلها باتجاه واحد.

المراسل السويدي: ان حرية التعبير والكلام والمعتقد، مضمونة لجميع فئات الشعب، ويستطيع أي مواطن عربي في أي بلد عربي ... ان يدخل على أي مسؤول ويقول ما يشاء، ولكن متى يخرج فهذه مسألة أخرى.
وعن ظروف المعتقلين وحالتهم الصحية والنفسية؟

مراسل البرافدا: دعونا من هذا الموضوع.
بل سنبقى فيه، اذ ليس عندنا ما نخجل منه، ثم نحن كما هو معروف عنا لا نخجل من شيء. فبالنسبة لظروف المعتقلين، فكل ما يقال هو افتراض ونسج خيال، لأنه اذا كان أهلهم وآباؤهم وأمهاتهم لا يعرفون عنهم شيئاً منذ لحظة اعتقالهم، فكيف يمكن للغرباء أن يعرفوا عنهم كل هذه المعلومات؟

مراسل أمريكي: لنعد إلى موضوع الساعة. ان الاعلام العربي لا يزال يصر على أن اسرائيل لم تحقق أهدافها من غزو لبنان.
طبعاً.
وما هي أهدافها كما تعتقدون؟
اننا لا نعرف أهدافنا، فكيف نعرف أهداف غيرنا.

مراسل أندونيسي: كنتم لسنوات خلت ناشطون جداً على الساحة الدولية، ومتحمسين جداً لمؤتمر جنيف، مؤتمر البندقية، مؤتمر الاشتراكية الدولية، للحوار العربي - الاوروبي، للحياد الايجابي وعدم الانحياز، ثم فتر نشاطكم وانعدم حماسكم. لماذا؟ هل يئستم من العالم؟
لا العالم يئس منا.

مراسل ايطالي: هل معنى ذلك أن قراراتكم الآن تصنعونها بمعزل عن جميع الظروف والتيارات الاخرى في العالم؟
ليس الآن. بل دائماً، قراراتنا وطنية، لكن قطع الغيار من الخارج.

مراسل ألماني: في هذا الزمن الذي هو زمن التحولات والتغيرات الكبرى، في السياسة والفكر والعلم والاقتصاد، نلاحظ أن جميع توجهاتكم ومنطلقاتكم ما زالت كما هي، ولم يتغير أي شيء جذرياً في الوطن العربي.
الا يكفي أن خريطته تتغير كل يوم.

مراسل هولندي: ما هو موقف الدول العربية من الثورة الايرانية؟
نحن لا نتدخل في شؤون الآخرين.
اذن من وراء حرب لبنان، وحرب الخليج، والصحراء الكبرى وغيرها؟
الأصابع الأجنبية في المنطقة.
والأصابع العربية ماذا تفعل الآن في المنطقة؟
تعزف البيانو.

مراسل رياضي: تولون الرياضة في بلادكم اهتماماً خاصاً، تنفقون الملايين على الملاعب والمباريات، وتأهيل اللاعبين، ومع ذلك فقلما فاز فريق عربي بجائزة تذكر. لماذا؟
أنا شخصياً، لم أكن متحمساً في يوم من الأيام لهذا الاهتمام الزائد بالرياضة وخاصة كرة القدم. لأن العربي بطبعه لا يحب اللعب إلا بالقضايا الكبرى.

مراسل صيني: إلى أين وصلت خطواتكم لتحقيق الوحدة العربية؟
يكفينا الآن التضامن العربي.
ولكن ما يجري الآن على الساحة العربية يوحي بعكس ذلك. فلبنان يعمل على جبهة، ودول الرفض على جبهة، والدول المعتدلة على جبهة، والمقاومة على عدة جبهات. ما معنى ذلك؟
معناه استقلالية الرأي وديموقراطية التوجه. ثم المهم المحصلة النهائية لهذه الجهود وأين ستصب؟

مراسل لبناني: والله لن تصب إلا في نهر الليطاني.
ولكنه سيعود. نهر الليطاني سيعود، ونهر الأردن، والنيل نفسه سيعود.
إلى الاحتلال؟
بل إلى الأرض العربية والمصير العربي.

مراسل هندي: اذن لا تستبعدون مصر من العودة؟
طبعاً لا. ولكن صورة كامب ديفيد لا تغيب عن ذهن واحد في هذه المرحلة.
هل من كلمة توجهونها للنظام المصري بهذه المناسبة؟
أرجو المعذرة، فالعلاقات مقطوعة بيننا كما تعرفون، والظروف دقيقة جداً.

مراسل فني: اذا كانت الكلمة تسبب احراجاً، فما رأيك باهدائه أغنية باسم الدول العربية؟
إذا كان لا بد من ذلك، فانني أهديه في هذه المرحلة أغنية فيروز "تعا ولا تجي" .

الجميع: معنى ذلك أنك متفائل بالمستقبل؟
كل التفاؤل.
وسعيد بالعمل العربي الحالي على الساحة العربية؟
كل السعادة. ثم أنا في الأصل اسمي سعيد، وأبي مسعود وأمي سعدى وأختي سعدية. وان جاءني ولد فسأسميه "سعدان.


يتبع

ناريمان الشريف 09-05-2010 01:19 PM

اشكالات صحية





نصيحة لكل مواطن عربي يمينياً كان أم يسارياً، مع الحل السلمي أم مع الحل العسكري، اذا ما أصابه عارض صحي، ألا يراجع طبيباً مختصاً.

كنت أردد هذا الكلام وسواه. وأنا في طريقي إلى آخر عيادة رسمية أو خاصة لم أطرق بابها بعد. وكانت كأية عيادة في العالم الثالث، أرضها مغطاة بالمرضى وجدرانها مغطاة بالشعارات، وعندما جاء دوري امتثلت على الفور بين يدي الطبيب ومعي كل الوثائق التي تثبت خطورة حالتي وقلت له: دكتور، استحلفك بالله، بالبنسلين، بالترومايسين، وبقضية قضايانا الكبرى فلسطين، أنقذني. أذني مسدودة منذ أمد طويل. فسألني الدكتور بصوت مرتفع: منذ متى يا بني؟

- لا أعرف يا دكتور، كل ما أعرفه أن قناة السويس فتحت وأذني لم تفتح.
- هل أصبت بمثل هذه الحالة في صغرك، أو بالأحرى هل تحمل من طفولتك مرضاً معيناً؟
- أبداً، لم أحمل من طفولتي حتى الآن سوى هموم القضية وكنت دائماً سليم الجسم والطوية، ودائم البهجة والسرور لأن الله الحبيب خلقني في هذه المنطقة الحبيبة. وكنت طوال حياتي، اذا ما طنت أذني أو التهب حلقي نتيجة الافراط في السهر والتدخين والشراب، أعرج على أقرب صيدلية وآخذ حبة أو ملعقة شراب وينتهي الأمر عند هذا الحد، إلى أن التقيت ذات يوم بأحد أصدقائي المثقفين وأنا أهم بدخول احدى الصيدليات لمثل هذه الغاية: فسألني باهتمام مما أشكو، فقلت له لا شيء مجرد "وشة" خفيفة في الأذن ... برشامة وينتهي الأمر: فاستوقفني بحزم قائلاً: لا، راجع طبيباً مختصاً. لقد تطور الطب كثيراً في السنوات الأخيرة، وعلينا نحن المثقفين أن نؤمن بالاختصاص، ونشجع المختصين ونسهل عليهم مهمتهم. لا تقاطعني. واذا لم تفعل بنصيحتي، لا أنت صديقي ولا أنا صديقك.
وفي اليوم التالي راجعت طبيباً مختصاً. وفي الأسبوع التالي كان عندي من التحاليل والصور الشعاعية والوصفات الطبية ما يعادل مؤلفاتي كلها.

لقد كان له ما أراد واستأصل اللوزتين. وكل ما أذكره بعد ذلك هو أنني منذ غادرت المستشفى وقال الطبيب وهو يودعني "معافى ان شاء الله" لم أعرف طعم العافية. فبعد يومين التهبت أذني اليسرى واليمنى، والتهبت المنطقة، وصارت الوشة اثنتين. وكلما شربت قدح ماء، يعود بعد قليل ليخرج من فمي وأنفي. أما بالنسبة لانسداد الاذن فقد أصبح عندي تقليداً لا يناقش فيه . فصرت لا أسمع ما يقال ولا يفهم ما أقول. ولما كنت جليس مقاهي ومدمن مناقشات، فكنت لا تراني الا ويدي حول صيوان اذني متسائلاً بصوت مرتفع عن كل كلمة تقال ومستفسراً عن كل رأي يطرح على طاولتي وطاولات الآخرين. ولما كانت معظم مناقشات المقاهي سياسية، فقد أخذ روادها يظنون بي الظنون، واعتقدوا أنني من المقاهي سياسية، فقد أخذ روادها يظنون بي الظنون، واعتقدوا أنني من إياهم، ولذلك صاروا يتهربون من أسئلتي اذا سألت، ويصمتون اذا ما دخلت

وكنت لا أنفك أراجع الطبيب تلو الطبيب والمستشفى تلو المستشفى دون نتيجة، لقد كانوا يتقاذفونني ككرة القدم، شعبية الأذنية حولتني إلى العينية، ومن العينية إلى العصبية، ومن العصبية حولوني إلى الداخلية، ولو تابعت الانصياع لأوامرهم لحولوني إلى الخارجية والدفاع

ولذلك عيل صبري وسلمت أمري لله، ورتبت أموري على أساس أن أعيش بقية عمري باذن واحدة خاصة وأنه لم يعد في المنطقة ، بشعاراتها وسياساتها وخطبائها واذاعاتها وأخبارها وأغانيها ما يستحق أن يسمع

لكن يا دكتور، لاحظت في الآونة الأخيرة أن الضجر قد زال من النفوس وحل محله الهياج والترقب والانفعال، وحمى وطيس المناقشات من جديد في المقاهي. واستنفر الجميع حول أجهزة الاذاعة والتلفزيون، فثار فضولي خاصة وأنه صار يتناهى إلى سمعي بكثرة اسم سادات سادات - بيغن بيغن، فقلت: الحالة غير طبيعية ولا بد أن أنباء هامة تتواتر في المنطقة، ويجب أن أسمعها، وبأذني الاثنتين، لا بأذن واحدة. فقال لي الطبيب بصوت مرتفع كعادته منذ أول المعاينة: من الأفضل ألا تسمعها. فقلت له: ما الفائدة؟ اذا كنت سأعيش نتائجها
فقال: هل قمت بتحليل دم؟
طبعاً. أنظر هذه هي التحاليل وهذه هي الأدوية وهذه هي الصور الشعاعية. أنظر هذه صورة للجيوب الأنفية، وهذه صورة للرئتين، وهذه صورة للأذن الملتهبة ... وهذه ... لا لا هذه لا علاقة لها بالموضوع
فسألني مقطباً: ما هذه الصورة العجيبة التي تحاول اخفاءها وراء ظهرك
فقلت له: هذه صورة للوضع السياسي في المنطقة ولا علاقة لها بالموضوع
فقال وهو يحدق إلى الصور والتحاليل: من الواضح أن في أذنك سوائل تؤدي إلى انسدادها. ماء أم زلال أو ما شابه
فقلت له: حتى لو كان فيها بترول يجب أن تفتح
فقال بعصبية: يا بني اذنك بحاجة إلى عملية جراحية
فقلت له: وأنا استلقي بثيابي على طاولة العمليات: انني جاهز، هات أمواسك ومشارطك
قال: إنهض لا يوجد عندي مخدر
قلت: لا داعي لذلك، انني مخدر منذ عام 1948.

....يتبع

ناريمان الشريف 09-05-2010 01:20 PM


سوبر ماركت الشرق الأوسط




طالب: عندك ديوان (قرارة الموجة) لنازك الملائكة؟
البائع: عندي ديوان (كيف تركب الموجة).
الطالب: من تأليف من؟
البائع: أبرز الشعراء والكتاب العرب.
* * *


عامل: عندك خبز؟
البائع: بالخبز وحده لا يحيا الإنسان.
* * *


مثقف: اذن اعطنا كيلو حرية.
البائع: ليس عندي سوى حرية استيراد وتصدير.
المثقف: وحرية التعبير؟
البائع: بالمشمش.
* * *


المرضعة: عندك "حفاظات" أجف من القماش بمرتين؟
البائع: كان عندي كمية كبيرة ونفذت. الطلب عليها كثير هذه الأيام.
المرضعة: عجيب، مفقودة في جميع المحلات. ما السبب؟
البائع: لأن الكبار بدأوا يتهيأون لاستعمالها قريباً.
المرضعة: لماذا؟
البائع: المرحلة العربية المقبلة تتطلب ذلك.
* * *


مراهق: عندك صورة لنجلاء فتحي في باريس؟
البائع: لا. عندي صورة بيغين في القاهرة، وشارون في صيدا.
مراهق: بالمايوه؟
البائع: لا، بالبيكيني.
* * *


مهاجر: عندك شريط "لبنان يا أخضر حلو" ؟
البائع: لا.
المهاجر: "خضرا يا بلادي خضرا".
البائع: لا.
مناضل: عندك كتاب "قصر الحمراء مفخرة العرب" ؟
البائع: لا.
مناضل: قصيدة "وللحرية الحمراء باب" ؟
البائع: لا، لا. افهموا من أول كلمة، لم يعد هناك ما هو أخضر أو أحمر سوى اشارات المرور.
* * *


مؤرخ: عندك نظارات مقربة؟
البائع: لا.
المؤرخ: مبعدة؟
البائع: لا.
المؤرخ: يجب أن أعثر على واحدة بأية طريقة.
البائع: ولماذا؟ فلسطين لن تراها، قريتك لن تراها، الحرية لن تراها، الربيع لن تراه، المستقبل لن تراه، فلماذا تتعب أنفك البائس بحملها؟
* * *


مطلقة: عندك فيلم " أريد حلاً " لفاتن حمامة؟
البائع: كل الحلول بيد أمريكا.

* * *

مقاول: عندك خشب معاكس وحديد مبروم؟
البائع: لا، عندي ظروف معاكسة وشعب مبروم.

ناريمان الشريف 09-05-2010 01:21 PM

المروحة والغبار




سؤال: أيها الشاعر هل تريد هدم القصور على رؤوس أصحابها؟
جواب: لا، أريد فقط أن أتنهد أمام أسوارها.
سؤال: أيها الصحافي، هل تريد هدم السجون؟
جواب: لا. أريد فقط أن لا أكون من نزلائها.
سؤال: أيها المسرحي، هل تريد الاستيلاء على كرسي وزير أو سفير؟
جواب: لا، حتى عند الحلاق صرت أجلس على طراحة.
سؤال: أيها الكاتب بشكل عام، هل تريد مزرعة وجياداً وكلاب حراسة؟
جواب: لا، ولكنني لا أريد أن أنبح معها.
أيتها المرحلة العربية المباركة، يا ذات القلب الأبيض والأظافر الحمراء.
الخروف يعيش على الكلأ.
والأرنب على الجزر.
والثعلب على الدجاج.
والغراب على الأطلال.
والكاتب الذي هو، ليس خروفاً، ولا أرنباً، ولا ثعلباً، ولا غراباً، وانما انسان له أنف وعينان، وأذنان، ومعدة، وبنكرياس، وحجاب حاجز، وأظافر، وزائدة دودية، وكرامة ... على ماذا يعيش؟ على الخطابات؟
لأنني منذ رأيت الطيور تأكل الحب ، والإنسان يأكل الطيور، قلت: المعدة هي برلمان العالم.
ثم القاتل يعبر عن رأيه بمسدسه.
والجلاد بسوطه.
والحداد بمطرقته.
والغانية بحواجبها.
والراقصة بخصرها.
والكاتب الذي هو ليس قاتلاً، ولا جلاداً، ولا حداد، ولا غانية ولا راقصة، بماذا يعبر عن رأيه؟ وكيف؟ صهيلاً كالجواد؟ أم عواء كالذئب؟
في نهاية كل سطر، جندي نازي بمعطفه الرمادي وبندقيته الطويلة.
في نهاية كل قصيدة ، حاجز تفتيش.
في نهاية كل رواية، مجلس طواريء.
وفي نهاية كل مسرحية، مؤتمر قمة.
فاذا لم يستطع الكاتب العربي، وفي أدق مرحلة تمر بها أمته، أن يعبر عن رأيه لا في الماضي، ولا في الحاضر، ولا في المستقبل، ولا في حرب لبنان، ولا في حرب الخليج، ولا في حرب الصحراء، ولا عن كامب دايفيد، ولا عن المقاومة، فماذا يكتب؟ عن وحام الأميرة ديانا!
ثم في هذه المرحلة بالذات حيث تفيض الأرض العربية بالدماء والأشلاء، والسماء بالرائحين والغادين، لعقد صفقات البيع والشراء، اذا لم يستطع أن يتحرك لا أدبياً، ولا مهنياً، ولا اقليمياً، ولا وحدوياً، فهل يضع سلة بيض في زاوية المكتب، أو المطبعة، ويرقد فوقها كالدجاجة حتى تمر هذه المرحلة؟
* * * *


مأساة الكاتب العربي، أنه يقضي زهرة شبابه وكهولته، وشيخوخته، وهو يقفز لاهثاً، مذعوراً من الصحافة، إلى المسرح، إلى الشعر، إلى القصة، إلى الصفحة الأولى، إلى الصفحة الأخيرة. وفي نهاية العمر، لا يجد ما يتبلغ به سوى دمه، وحطام أظافره.
ومع ذلك، ما زالت الجمارك والموانيء العربية، تستقبل على مدار السنة آلاف المطابع الجديدة. وما زالت هذه المطابع تهدر على مدار الساعة، وتقذف كل يوم وكل ساعة بآلاف الكتب الجديدة، والمجلات الجديدة الأسماء الجديدة. ولكن وأنت تطالع هذهالمجلة، وتتصفح ذلك الكتاب لا ترى غبار القدم بين السطور فحسب، بل خيوط العنكبوت في كل ما حولك بين خيوط المطر، وتويجات الزهرة، وأصابع الطفل الوليد.
ولذلك ما جدوى اصدار كتب جديدة؟
وشق طرق جديدة؟
وركوب سيارات جديدة.
وإجراء انتخابات جديدة.
بل ما جدوى ان ننتعل أحذية جديدة.
ونرتدي معاطف جديدة.
ومايوهات جديدة.
والوطن عتيق ... عتيق ...؟

ناريمان الشريف 09-05-2010 01:22 PM

صلاة بيد واحدة




نحن الآن نستعد لحضور أحد المؤتمرات الثورية الخطيرة المنعقدة في إحدى دول المنطقة، لدراسة أهم ما تعانيه شعوبها وما تحلم به منذ أجيال.
ها هم أعضاء الوفود الذين يمثلون مختلف البلدان النامية بكل اتجاهاتها وسياساتها وتطلعاتها، يتأبطون مصنفاتهم ويتوافدون إلى قاعة المؤتمر بوجوه جادة وجباه مقطبة، دلالة التفكير العميق والوعي الشامل لأحداث التاريخ. وها هو رئيس المؤتمر يعانقهم بشوق ويصافحهم بحرارة بين حشود من الصحفيين والمراسلين والمخبرين والمصورين. وبعد كلمة ترحيبية قصيرة يطلب اخلاء القاعة إلا من رؤساء الوفود فقط لأن الجلسات ستكون سرية وعلى غاية كبيرة من الأهمية.
أغلقت الأبواب واسدلت الستائر، وأخذ رؤساء الوفود أماكنهم على مائدة طويلة والفوط على صدورهم، وما هي إلا لحظات حتى غطيت المائدة بالصحون والأقداح والأباريق. وتوافد الخدم والطهاة وعلى راحاتهم صواني الأرز والدجاج واللحم والسمك والخضار والكبب والخردل والكافيار، وغير ذلك من ضروب المشهيات والمقبلات، ولما انتهى المؤتمرون من التهام كل ما على المائدة، واضطجعوا قليلاً إلى الوراء وفكوا أزرار ستراتهم وقمصانهم لتأخذهم كروشهم دورها الطبيعي في المناقشات، نهض رئيس الجلسة والفوطة لا تزال على صدره وقال: والآن سنناقش مشكلة الجوع في العالم الثالث.

وبعد أن انتهى المجتمعون من دراسة هذه المشكلة من جميع جوانبها الاقتصادية والتسويقية والسياسية، واتخذوا عدداً من المقترحات والتوصيات وشكلوا عدداً من اللجان لدراسة هذه المقترحات والتوصيات، انتقلوا إلى الموضوع التالي في جدول الأعمال.

وبعد مرور ثلاث ساعات دون أن يتمكن رئيس الجلسة من ترتيب أماكن الجلوس حول طاولة المناقشات، وبعد أن هدد كل من يشهر مسدساً بطرده من الاجتماع، اضطر إلى احضار طاولات مصغرة عن طاولة المناقشات الرئيسية بعدد رؤساء الوفود. وبعد أن تصدر كل منهم طاولة مستقلة وأمامه ميكروفونه المستقل ومنفضته المستقلة وتصوراته المستقلة. مترفعاً حتى عن النظر إلى أي أحد من زملائه، نهض رئيس الجلسة وقال: والآن ... سنناقش موضوع الوحدة العربية.

وبعد دراسة مستفيضة لهذا الموضوع من كافة أبعاده التاريخية والفكرية والاسلامية والمسيحية، وبعد أن اتخذ المجتمعون عدداً من المقترحات والتوصيات، وشكلوا عدداً من اللجان لدراسة هذه المقترحات والتوصيات، انتقلوا إلى الموضوع التالي في جدول الأعمال.

وبعد أن أخذ كل من رؤساء الوفود مكانه على طاولة المناقشات ووضع أمامه ملفاته ووثائقه ومقترحاته واستطلاعاته، بالنسبة للماضي والحاضر والمستقبل، نهض رئيس الجلسة ووضع على فم كل واحد من الحضور شريطاً لاصقاً يصل من الاذن إلى الاذن وقال: والآن سنناقش موضوع الحرية في الوطن العربي.

وبعد مناقشات صريحة وعميقة وشاملة لجميع جوانب هذا الموضوع، اتخذ المجتمعون بعدها عدداً من المقترحات والتوصيات، وتقديم المقترحات والتوصيات اللازمة بشأنها.

وبعد أن أنهى المؤتمر كافة الموضوعات المدرجة في جدول أعماله، عقد جلسة ختامية بحضور أعضاء الوفود المرافقة والصحفيين والمراسلين والمراقبين ... وقد أذاع رئيس المؤتمر البيان المشترك التالي:
"في جو يسوده الوئام والتفاهم وروح التبصر والمسؤولية، عقد المؤتمر جلساته من تاريخ كذا إلى تاريخ كذا ... وبعد أن درس كافة المشكلات المعروضة عليه، واطلع على كافة التقارير الواردة إليه، وناقش كافة المقترحات والتوصيات الموجودة بين يديه، وبعد أن درس ونظر ومحص واتخذ أولاً وثانياً وثالثاً وعاشراً من القرارات يعلن ما يلي:
وأخيراً تكشفت النوايا العدوانية التي تبيتها الدول الأجنبية ضد الشعب العربي ليبقى متخلفاً ممزقاً جائعاً يرزح تحت كابوس لا ينتهي من القلق والرعب والجوع واليأس، حتى لا ينهض من كبوته ويشارك في صنع قدره وقدر الإنسان في هذا العالم. ولذلك فاننا لن نسمح بعد الآن لأمريكا أو لروسيا أو لأوروبا، ولا لأي بلد أجنبي مهما كانت قوته ونفوذه بأن يعبث بأمن هذا الشعب وحريته وكرامته، لأن هذا من اختصاصنا.

..... يتبع

ناريمان الشريف 09-05-2010 01:23 PM

القفازات البيضاء



عاد هركول بوارو العربي إلى مكتبه متعباً وسأل سكرتيرته فاطمة إذا كان هناك من سأل عنه في غيابه فنفت ذلك. وتصفح الرسائل والبرقيات الواردة إليه بعدم اكتراث والقاها جانباً لخلوها من أي شيء هام ثم تمدد على أريكته المعهودة والقى قدميه بحذائهما على الصحف والمجلات الاسبوعية والشهرية الصادرة ذلك الصباح وراح ينفث دخان سيجارته في الهواء وهو يحلم بالقضية الكبرى التي تهز الرأي العام وتنقذه من خموله الجنائي الذي طال أمده، وتعيد له شهرته الآتية واسمه المدوي في عالم الاجرام والمجرمين كألمع مخبر خاص.

وفجأة رن جرس الهاتف رنيناً متواصلاً ملحاحاً فرفع السماعة واستوى في مقعده مستبشراً متحدثا:
صوت: الاستاذ هركول بوارو العربي؟
بوارو: هو شخصياً.
الصوت: سيدي أنا مفتش الأمن في قطار الشرق البطيء، وقد وجدنا أحد الركاب مقتولاً هذا الصباح وأريد مساعدتك للقبض على الجاني.
بوارو: ومن هو المجني عليه؟
الصوت: مجهول الهوية.
بوارو: ألم تعثروا في أمتعته أو في أو في جيوبه على أي شيء يثبت شخصيته؟
الصوت: لم نجد شيئاً ذا قيمة سوى خريطة مهترئة لفلسطين.
بوارو: وبقية الركاب؟
الصوت: معظمهم عرب.
بوارو: وماذا يفعلون الآن؟
الصوت: يؤنبونه.
بوارو: أنا قادم فوراً، لا تدع أحداً يغادر القطار.
وبسبب تجمع معظم المسافرين فوق جثة المجني عليه وتدافعهم لتقبيله ولثم جبينه وذرف الدموع على صدره لم يستطع هركول بوارو العربي لفت الأنظار إلى قدومه، كما أن أوامره بالتزام الصمت والهدوء لمباشرة مهمته ضاعت سدى وسط صيحات الثأر وحالات الاغماء، وتمزيق الثياب، ودق الصدور بالقبضتين، وتعداد مآثر الفقيد، مثل: يا عمود البيت، يا جسر المحبة، يا جسر العودة، يا زهرة شبابنا، يا معيل كفاحنا.
ولذلك استغل هذه الفرصة وانتحى بالمفتش جانباً.
بوارو: في أي مقعد كان يجلس؟
المفتش: في الحقيقة لم يكن له مقعد محدد. كان يجلس تارة هنا وتارة هناك، إلى أن انتهى به المطاف إلى الممر حيث يرقد الآن رقدته الأبدية. انه يعوق الحركة في حياته وفي موته كما ترى.
بوارو: عجيب. لا بصمات، لا آثار عنف. لا خصلة شعر. حتى ولا رماد سيجارة.
راكب: نحن لا ندخن. الدخان يضر بالصحة.
بوارو: ومن ذلك الشخص الممدد إلى جانب المجني عليه؟
المفتش: لا أعرف، ولكنه يقول أنه يريد أن يدفن معه.
بوارو: انهض يا هذا وعد إلى مقعدك.
الراكب: مستحيل. أريد أن أدفن معه. هاتوا رفشاً ومجرفة. لا استطيع الحياة من بعده.
بوارو: أين كنت عندما اكتشفت الجثة؟
الراكب: كنت في مقعدي استمع إلى إذاعة فلسطين. آه يا حبيبتي يا فلسطين!
بوارو: وأنت؟
راكب آخر: كنت أقرأ ديوان "عاشق فلسطين" لمحمود درويش.
بوارو: وأنت؟
راكب آخر: كنت أقرأ ديوان "الولد الفلسطيني" لأحمد دحبور.
بوارو: وأنت؟
راكب آخر: كنت أطالع تحقيقاً صحفياً عن ممارسات اسرائيل العنصرية داخل الأراضي العربية المحتلة. آه كم سيتحمل هذا الشعب ويتحمل!
بوارو: وأنت؟
راكب آخر: كنت استمع إلى أغنية "عائدون" لفيروز.
بوارو: وأنت، متى نمت ليلة الحادث؟
راكب آخر: في موعد اطفاء الأنوار، فأنا نظامي جداً وفوراً رحت أحلم بليمون يافا وبرتقال حيفا.
بوارو: خذوا أحلامه للتحليل.
المفتش: أمرك. سيدي.
بوارو: وأنت متى نمت ليلة الحادثة؟
المفتش: سيدي هذا يساري لا ينام ولا يدع أحداً ينام.
بوارو: ومن ذلك الذي يقف وحيداً في آخر القطار ويحك ظهره بالجدران والمساند؟
المفتش: إنه جربان سياسياً. لا يقترب من أحد ولا أحد يقترب منه.
بوارو: وذلك الممتقع الوجه والمتهالك على الأرض؟
المفتش: مغمى عليه.
بوارو: شمموه بصلاً.
المفتش: شممناه بصلاً، تراباً، برتقالاً وكل ما نعرف من منعشات دون جدوى. ولكن عندما شممه أحد زملائه دفتر شيكات صحا.
بوارو: أنت يا هذا، ماذا فعلت عندما سمعتب بالحادث؟
راكب آخر: دعوت فوراً لرأب الصدع وتناسي الخلافات وحشد الطاقات.
بوارو: وأنت؟
راكبت آخر: انهمرت الدموع من عيني ولم تتوقف حتى الآن ولن تتوقف حتى يكتشف المجرم الأثيم وينال قصاصه العادل.
بوارو: ماذا تعشيت في مثل هذا اليوم قبل 25 عاماً؟
الراكب: وما علاقة هذا بالحادث؟
بوارو: أنا أسأل وأنت تجيب.
الراكب: لم نكن نتعشى في تلك الأيام.
بوارو: لماذا؟
الراكب: كانت أياماً عصيبة يا سيدي.
بوارو: ماذا كنت تعمل؟
الراكب: موظفاً بسيطاً في أحد المصارف.
بوارو: والآن؟
الراكب: عندي مصارف.
بوارو: وكيف وصلت إلى ما أنت عليه؟
الراكب: من دعاء الوالدة.
بوارو: وأنت ما هي مهنتك؟
راكب آخر: محسوبك موظف بسيط في القضايا العامة.
بوارو: هل هذه أول مرة تسافر فيها بالقطار؟
الراكب: وآخر مرة. ولن اسافر بعد الآن إلا بطائرتي الخاصة.
بوارو: عندك طائرة خاصة، من أين لك المال لتشتري طائرة خاصة؟
الراكب: من راتبي يا سيدي.
بوارو: من أين أتيت بالمال؟
الراكب: في الحقيقة، في الواقع، في هذه الظروف العصيبة ...
بوارو: كفى. كفى. كيف كانت علاقتكم بالمجني عليه؟
الراكب: أخوية يا سيدي. كانت أحاديثنا أخوية وجلساتنا أخوية وسهراتنا أخوية ، حتى أننا كنا جميعاً نقرأ رواية "الاخوة كارامازوف".
* * *


وبعد أن جمع ما حصل عليه من معلومات اختلى إلى نفسه في مكتب المفتش وراح ينتقل بتحليلاته من متاهة إلى متاهة. وفجأة لمعت في ذهنه فكرة وقف لها شعر رأسه: لقد تذكر قصة "جريمة في قطار الشرق السريع" لأغاثا كريستي، التي كان فيها عدد الطعنات في جسد الضحية مطابقاً لعدد الركاب تماماً، وفي الحال خرج من المقصورة وأعاد التجربة. وعندما وجد أن عدد ركاب القطار مساو لعدد الطعنات في جسد المجني عليه صعق وانطلق هارباً من القطار وهو يصرخ: لن أصدق عيني. لن أصدق أذني. لن أذهب إلى عملي بعد الآن. لن أعود إلى بيتي. لن أسدد ديوني. لن أرسل أطفالي إلى الحضانة. ليخرج أبو سلمى وغيره من شيوخ العودة من قبورهم وليذهبوا إلى الحضانة.

ناريمان الشريف 09-05-2010 01:24 PM

حاضر الليل







كانت قاعة المحاضرات تغص على اتساعها بمن توافدوا إليها بلهفة الظمآن للمطر من مثقفين وأميين وعمال وموظفين وفلاحين وحرفيين وطلاب ناجحين وراسبين، وفي طليعتهم مشوهو الحروب والعاطلون عن العمل، تركوا بيوتهم ومدارسهم ومزارعهم ومصانعهم متحدين الإنذارات الموجهة إليهم بالفصل عن عملهم، وجاؤوا للاجتماع إلى سيد من سادة الرفض والتنظير في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها أمتهم وشعوبهم وأوطانهم. وكل منهم يحمل في صدره من مرارات الماضي بقدر ما يحمل من الآمال في المستقبل، لعله يسمع كلمة صدق واحدة تعيد له ثقته بنفسه، وتنير له طريق العمل والكفاح وسط هذا الغيهب الإعلامي المترامي من المحيط إلى الخليج.

وما أن وصل المحاضر حتى هب الجميع من مقاعدهم ودوت أركان القاعة بالتصفيق وصيحات التهليل بالكلمة المحاربة والفكر المقاتل، ورفضوا الجلوس إكباراً لعلمه واحتراماً لماضيه وكبر سنه.

كذلك عندما تقدم عريف الحفلة من المحاضر ودعاه للجلوس وراء المنبر، رفض هو الآخر بدوره الجلوس وهم واقفون. كما رفض الوقوف وهم جالسون. وعندما اقترب منه ليهمس في أذنه بشيء ما، رفض الإصغاء إليه ودفعه بعيداً عنه وقال: لا أسرار صغيرة أو كبيرة بعد اليوم تخفى عن الشعوب. ويجب مصارحتها بكل شيء لتعرف من هو عدوها ومن هو حليفها. كما أرفض أن يقاطعني أحد وأنا ألقي محاضرتي، لأن الرفض يجري في دمي، وفي عروقي وأوردتي وشراييني، ومن رأسي إلى أخمص قدمي، وها هي الصور الشعاعية والتقارير الطبية تؤكد لكم على ذلك.

العريف: هناك سؤال يدور على ألسنة المثقفين...
المحاضر: أعرفه، أعرفه تماماً، انني في جميع أقوالي ومؤلفاتي أرفض جميع الحلول السلمية، وقرارات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن وتوصيات القمم العربية والإسلامية وعدم الإنحياز، وأرفض حدود 1967، وحدود 1956، وحدود 1948، لأنها في النهاية تكريس لوجود اسرائيل كمخلب قط للاستعمار وعلى رأسه أمريكا وحلفاؤها في المنطقة.

العريف: وهناك سؤال آخر حول ...
المحاضر: لا تقاطعني، كما أنني أرفض الوضع العربي الراهن وأرفض الأسس التي يقوم عليها من خلافات ومصالحات، وتصفيات واتفاقات، ومعاهدات لا علاقة بها بالشعوب وأهداف الشعوب. ان هذا ما يريده أعداء هذه الأمة، وعلى رأسهم أميركا وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي. إنني أختنق. إنني أختنق من رائحة التآمر والمؤامرات.
العريف: افتحوا الشبابيك...
المحاضر:لا، انني أرفض التهوية، وهناك ملايين العمال والفلاحين والمناضلين محرومون من النور والهواء في أعماق السجون والمناجم وآبار النفط في آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية، آه إنني بردان.
العريف: أشعلوا المدفأة.
المحاضر: لا، إنني أرفض التدفئة وهناك ملايين الرعاة والبحارة والصيادين يكدحون تحت الثلج والصقيع في المزارع والمعامل والمصانع، في خدمة البرجوازية والاحتكارات العالمية. لا، لا تصفقوا أرجوكم، ادخروا راحات أيديكم لحمل السلاح. لحمل العصي والحجارة. لضرب المصالح والاحتكارات الأمريكية في آسيا وفي افريقيا وفي أمريكا اللاتينية، وفي كل مكان من العالم، وشكراً لإصغائكم.
العريف: عفواً استاذ، ان الحضور لا زال متشوقاً للمزيد من هذه الدرر ويريد أن يعرف المزيد من الفظائع التي ارتكبتها أمريكا في فيتنام وكمبوديا ولاوس وتشيلي والسلفادور، لأننا نمر في نفس الظروف التي مرت وتمر بها.
المحاضر: آسف، فعندي التزامات بمحاضرات كثيرة في معظم أرجاء العالم الثالث والالتزام شعاري، كما هو معروف. وعلينا جميعاً أن نوقف المؤامرة، وننقذ الأجيال الطالعة مما تخبئه لها أمريكا من مخططات ومكائد.
العريف: رجاء أستاذ، هناك سؤال من أحد المستمعين.
المحاضر: ما اسمه؟
العريف: جابر.
المحاضر: أرفض الإجابة على أي سؤال منه لأن اسمه يبتدىء بنفس الحرف الذي يبتدىء به اسم جيمي كارتر وجيرالد فورد وجورج واشنطن...
العريف: هناك سؤال آخر من إحدى فتياتنا المشتعلات حماساً لك ولمؤلفاتك، ويتعلق بدور المرأة العربية في هذه المرحلة ...
المحاضر: وما اسم صاحبة السؤال؟
العريف: نعيمة.
المحاضر: أرفض حتى الجلوس معها في مكان واحد لأن اسمها يبتدىء بنفس الحرف الذي يبتدىء به اسم المدمرة نيوجرسي... على كل حال، لم تعد الشعوب بحاجة إلى أسئلة وأجوبة. فكل شيء بات واضحاً امامها الآن. ولا عدو لها سوى أمريكا وحلفائها في العالم أجمع وإلى اللقاء على أشلائهم جميعاً.
وبعد أن غادر القاعة وهو يمسح العرق عن جبينه، والرذاذ عن شفتيه، لحق به متسول في الظلام...
المتسول: حسنه لله يا محسنين...
المحاضر: هل معك صرافة مئة دولار؟

ناريمان الشريف 09-05-2010 01:59 PM


أما من أروع ما كتب محمد الماغوط .. فهذه المنتقيات الشعرية
أرجو أن تنال على إعجابكم :



الوشم)

الآن
في الساعة الثالثة من القرن العشرين

حيث لا شيء

يفصل جثثَ الموتى عن أحذيةِ الماره

سوى الاسفلت

سأتكئ في عرضِ الشارع كشيوخ البدو

ولن أنهض

حتى تجمع كل قضبان السجون وإضبارات المشبوهين

في العالم

وتوضع أمامي

لألوكها كالجمل على قارعة الطريق..

حتى تفرَّ كلُّ هراواتِ الشرطة والمتظاهرين

من قبضات أصحابها

وتعود أغصاناً مزهرة (مرةً أخرى)

في غاباتها

أضحك في الظلام

أبكي في الظلام

أكتبُ في الظلام

حتى لم أعدْ أميّز قلمي من أصابعي

كلما قُرعَ بابٌ أو تحرَّكتْ ستاره

سترتُ أوراقي بيدي

كبغيٍّ ساعةَ المداهمه

من أورثني هذا الهلع

هذا الدم المذعور كالفهد الجبليّ

ما ان أرى ورقةً رسميةً على عتبه

أو قبعةً من فرجة باب

حتى تصطكّ عظامي ودموعي ببعضها

ويفرّ دمي مذعوراً في كل اتجاه

كأن مفرزةً أبديةً من شرطة السلالات

تطارده من شريان إلى شريان

آه يا حبيبتي

عبثاً أستردُّ شجاعتي وبأسي

المأساة ليست هنا

في السوط أو المكتب أو صفارات الإنذار

إنها هناك

في المهد.. في الرَّحم

فأنا قطعاً

ما كنت مربوطاً إلى رحمي بحبل سرّه

بل بحبل مشنقة

ناريمان الشريف 09-05-2010 02:01 PM

رجل على الرصيف..

نُصفُهُ نجوم

ونصفه الآخرُ بقايا وأشجارٌ عاريه

ذلك الشاعرُ المنكفيءُ على نفسه كخيطٍ من الوحل

وراء كل نافذه

شاعرٌ يبكي ، وفتاةٌ ترتعش ،

قلبي يا حبيبةٌ ، فراشةٌ ذهبيه ،

تحوِّم كئيبة أمام نهديك الصغيرين .

. . .

كنتِ يتيمةً وذات جسدٍ فوَّار

ولأهدابك الصافيةِ ، رائحةُ البنفسجِ البرّي

عندما أرنو إلى عينيك الجميلتين ،

أحلم بالغروب بين الجبال ،

والزوارقِ الراحلةِ عند المساء ،

أشعرُ أن كل كلمات العالم ، طوعَ بناني .

. . .

فهنا على الكراسي العتيقه

ذاتِ الصرير الجريح ،

حيث يلتقي المطر والحب ، والعيون العسليه

كان فمك الصغير ،

يضطرب على شفتي كقطراتِ العطر

فترتسمُ الدموعُ في عيني

وأشعر بأنني أتصاعد كرائحة الغابات الوحشيه

كهدير الأقدام الحافيةِ في يوم قائظ .

. . .

لقد كنتِ لي وطناً وحانه

وحزناً طفيفاً ، يرافقني منذ الطفوله

يومَ كان شعرك الغجري

يهيمُ في غرفتي كسحابه ..

كالصباح الذاهب إلى الحقول .

فاذهبي بعيداً يا حلقاتِ الدخان

واخفقْ يا قلبي الجريح بكثره ..

ففي حنجرتي اليوم بلبلٌ أحمرُ يودُّ الغناء

أيها الشارع الذي أعرفه ثدياً ثدياً ، وغيمة غيمه

يا أشجار الأكاسيا البيضاء

ليتني مطرٌ ذهبي

يتساقط على كل رصيفٍ وقبضةِ سوط

أو نسيمٌ مقبلٌ من غابة بعيده

لألملم عطر حبيبتي المضطجعة على سريرها

كطير استوائي حنون

ليتني أستطيع التجول

في حارات أكثرَ قذارة وضجه

أن أرتعشَ وحيداً فوق الغيوم .

. . .

لقد كانت الشمس

أكثر استدارةً ونعومة في الأيام الخوالي

والسماء الزرقاء

تتسلل من النوافذ والكوى العتيقه

كشرانقَ من الحرير

يوم كنا نأكل ونضاجعُ ونموتُ بحرية تحت النجوم

يوم كان تاريخنا

دماً وقاراتٍ مفروشه بالجثث والمصاحف

ناريمان الشريف 09-05-2010 02:02 PM

الغجري المعلب ............

بدون النظر إلى ساعة الحائط

أو مفكرة الجيب

أعرف مواعيد صراخي

وأنا هائم في الطرقات

أصافح هذا و أودع ذاك

انظر خلسة إلى الشرفات العالية

إلى الأماكن التي ستبلغها أظافري وأسناني

في الثورات المقبلة

فأنا لم أجع صدفه

ولم أتشرد ترفاً أو اعتباطاً

" مامن سنبلة ِ في التاريخ

إلا وعليها قطرة من لعابي "

..................................

أعرف أن مستقبلي ظلام

وأنيابي شموع

أعرف أن حد الرغيف

سيغدو بصلابة الخنجر

وأن نهر الجائعين سوف يهدر ذات يوم

بأشرعته الدامية

وفرائصه الغبراء

فأنا نبي لا ينقصني إلا اللحية والعكاز والصحراء

ولكنني سأظل شاكي السلاح

في " قادسية العجين "

وفي "واترلو الحساء" التي يخوضها العالم

هكذا خلقني الله

سفينة وعاصفة

غابة وحطابا

زنجياً بمختلف الألوان كالشفق , كالربيع

في دمي رقصة الفالس

وفي عظامي عويل كربلاء

ومامن قوة في العالم

ترغمني على محبة مالا أحب

وكراهية ما لا أكره

مادام هناك

تبغ وثقاب وشوارع..

ناريمان الشريف 09-05-2010 02:03 PM

في الليل................

هناك نحل ... وهناك أزهار

ومع ذلك فالعلقم يملأ فمي .

هناك طرف وأعراس ومهرجون

ومع ذلك فالنحيب يملأ قلبي .

..................

أيها الحارس العجوز ياجدي

أعطني كلبك السلوقي لأتعقب حزني

أعرني مصباحك الكهربائي

لأبحث عن وطني .

من أزقة طويلة كسياط أجدادي

آتي إليك,

والاستغاثات مصظفة في حنجرتي كالمجاذيف

لأشكو لك الغبار والجماهير

الليل والزهور والموسيقى

لأشكو لك ذلك الرصيف :

ما أن شرعت بقصتي

حتى انسل من بين الأزقة كالأفعى

وتركني وحيداً ... وقدماي

تهتزان في الهواء كقدمي المشنوق

ولذا جئتك مرفرفاً بيدي كالخفاش

لا أعرف أين أمضي هذه الليلة

وكل ليلة

الأرصفة التي أعبرها

تلفظ خطواتي كالدواء المر

الجدران التي ألمسها

ترتعش تحت أصابعي كالشفاه قبل الزئير

أحسد المسمار

لأن هناك خشباً يضمه ويحميه

أغبط حتى الجثث الممزقة في الصحراء

لأن هناك غرباناً ترفرف حولها وتنعق لأجلها

آه ياجدي

لقد اشتقت للظلم للإرهاب

للتعلق بالأغصان بالشاحنات

للتمسك بأي شئ

ولو بقضبان السجون

..........................

إنني لست ضائعاً فحسب

حتى لو هويت عن أريكتي في المقهى

لن أصل إلى سطح الأرض بآلاف السنين .

ناريمان الشريف 09-05-2010 02:05 PM

حزن في ضوء القمر ........



أيها الربيعُ المقبلُ من عينيها

أيها الكناري المسافرُ في ضوء القمر

خذني إليها

قصيدةَ غرامٍ أو طعنةَ خنجر

فأنا متشرّد وجريح

أحبُّ المطر وأنين الأمواج البعيده

من أعماق النوم أستيقظ

لأفكر بركبة امرأة شهيةٍ رأيتها ذات يوم

لأعاقرَ الخمرة وأقرضَ الشعر

قل لحبيبتي ليلى

ذاتِ الفم السكران والقدمين الحريريتين

أنني مريضٌ ومشتاقٌ إليها

انني ألمح آثار أقدام على قلبي .

دمشقُ يا عربةَ السبايا الورديه

وأنا راقدٌ في غرفتي

أكتبُ وأحلم وأرنو إلى الماره

من قلب السماء العاليه

أسمع وجيب لحمك العاري .

عشرون عاماً ونحن ندقُّ أبوابك الصلده

والمطر يتساقط على ثيابنا وأطفالنا

ووجوهِنا المختنقةِ بالسعال الجارح

تبدو حزينةً كالوداع صفراءَ كالسلّ

ورياحُ البراري الموحشه

تنقلُ نواحنا

إلى الأزقة وباعةِ الخبزِ والجواسيس

ونحن نعدو كالخيولِ الوحشية على صفحاتِ التاريخ

نبكي ونرتجف

وخلف أقدامنا المعقوفه

تمضي الرياحُ والسنابلُ البرتقاليه ...

وافترقنا

وفي عينيكِ الباردتين

تنوح عاصفةٌ من النجوم المهروله

أيتها العشيقةُ المتغضّنة

ذات الجسد المغطَّى بالسعال والجواهر

أنتِ لي

هذا الحنينُ لك يا حقوده !

. .

قبل الرحيل بلحظات

ضاجعتُ امرأة وكتبتُ قصيده

عن الليل والخريف والأمم المقهوره

وتحت شمس الظهيرة الصفراء

كنت أسندُ رأسي على ضلْفاتِ النوافذ

وأترك الدمعه

تبرق كالصباح كامرأة عاريه

فأنا على علاقة قديمة بالحزن والعبوديه

وقربَ الغيوم الصامتة البعيده

كانت تلوح لي مئاتُ الصدور العارية القذره

تندفع في نهر من الشوك

وسحابةٌ من العيون الزرقِ الحزينه

تحدقُ بي

بالتاريخ الرابضِ على شفتيّ .

. .

يا نظراتِ الحزن الطويله

يا بقع الدم الصغيرة أفيقي

إنني أراكِ هنا

على البيارقِ المنكَّسه

وفي ثنياتِ الثياب الحريريه

وأنا أسير كالرعد الأشقرِ في الزحام

تحت سمائك الصافيه

أمضي باكياً يا وطني

أين السفنُ المعبأةُ بالتبغ والسيوف

والجاريةُ التي فتحتْ مملكةً بعينيها النجلاوين

كامرأتين دافئتين

كليلة طويلةٍ على صدر أنثى أنت يا وطني

إنني هنا شبحٌ غريبٌ مجهول

تحت أظافري العطريه

يقبعُ مجدك الطاعن في السن

في عيون الأطفال

تسري دقاتُ قلبك الخائر

لن تلتقي عيوننا بعد الآن

لقد أنشدتُكَ ما فيه الكفايه

سأطل عليك كالقرنفلةِ الحمراء البعيده

كالسحابةِ التي لا وطن لها .

. .

وداعاً أيتها الصفحات أيها الليل

أيتها الشبابيكُ الارجوانيه

انصبوا مشنقتي عاليةً عند الغروب

عندما يكون قلبي هادئاً كالحمامه ..

جميلاً كوردةٍ زرقاء على رابيه ،

أودُّ أن أموتَ ملطخاً

وعيناي مليئتان بالدموع

لترتفعَ إلى الأعناق ولو مرة في العمر

فانني مليء بالحروفِ ، والعناوين الداميه

في طفولتي ،

كنت أحلم بجلبابٍ مخططٍ بالذهب

وجواد ينهب في الكرومَ والتلال الحجريه

أما الآن

وأنا أتسكَّعُ تحت نورِ المصابيح

انتقل كالعواهرِ من شارعٍ إلى شارع

اشتهي جريمةً واسعه

وسفينةً بيضاء ، تقلّني بين نهديها المالحين ،

إلى بلادٍِ بعيده ،

حيث في كلِّ خطوةٍ حانةٌ وشجرةٌ خضراء ،

وفتاةٌ خلاسيه ،

تسهرُ وحيدةً مع نهدها العطشان .

ثمة حزن ..


الساعة الآن 02:34 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team