منتديات منابر ثقافية - الحياة مع الجريمة

( الحياة مع الجريمة )

[justify]أنا من عشاق الروايات البوليسية ، أطالعها باستمرار ، ولكن ينبغي لي أن أتخلى عن هذه الهواية لأنها أصبحت تؤثر في مجرى حـــياتي اليومية بشكل غريب حقا ، فقد ألفيتني دائما وبصورة آلية منتظمة ، أوقت كل شئ ، كما يفعلون في القصص البوليسية ، لكي أكون مستعدا لإبراز الأدلة والقرائن ساعة يطلب إليّ ذلك .
مثال ذلك أنني عزمت منذ بضعة أيام على تناول العـــشاء مع صديقي القديم ( دجيمي دوغلاس ) وهو يعيش وحده ، وذلك وحده سبب كافي لكل قارئ من قراء قصص الإجرام لكي يوّقت حركاته وسكناته ، لذا وقفت قليلا أمام الباب قبل رنّ الجرس ، وتطلعت إلى ساعتي فوجدتها تشير إلى السابعة مساء ، أمّا ساعة الشارع الكبيرة فكانت تشير إلى السابعة والدقيقة الثانية ونصف الثانية ، مما ساعدني على تحديد الوقت تحديدا صحيـــــحا نوعا ، فدونت الوقت المتوسط : الساعة السابعة والدقيقة الواحدة وربع ثانية .
ورننت الجرس ، ففتح لي الباب خادم ، ودعاني إلى الجلوس في قاعة الاستقبال الخالية ، على ما يبدو ، أقول ـ على ما يبدو ـ لأنك لا تستطيع الجزم بشئ في القصص البوليسية ، فلعل هناك جثة في إحدى الزوايا ، وكانت هناك ساعة خشبية قديمة فوق الموقد ( كانت هناك منذ زمن طويل ) أنهكت في تأملها وتفحصها عندما أقبل علي ( دوغلاس ) ويمكنني أن أصفه بأنه كان هادئا في مظهره ، والثابت أنه لم يكن متحمسا كثيرا ، ولا يسعني أن أستنتج إذا كانت تلك الحالة هي بسبب التسمم بالزرنيخ ، أو بسبب رؤيته إياي ، وتناولنا كأسين من الكوكتيل ، فترك ( دوغلاس ) بصمتين واضحتين من بصمات أصابعه على الكأس ، أما أنا فأمسكت بكأسي بكل حذر من حافتها .
وجلسنا نتناول العشاء الساعة السابعة والنصف بالضبط ، ـ وأنا واثق من ذلك تماما ـ لأنني أذكر أن ( دوغلاس ) قال في تلك اللحظة : حسنا إنها منتصف الثامنة ، وبينما هو يشير إلى ذلك دقت الساعة الخشبية فوق الموقدة السابعة والنصف ، ولاحظت أن ( دوغلاس ) لم يتناول أيّ حساء ، فحاذرت ، من ناحيتي من تناول السمك ، فذلك في حالة التسمم بالزرنيخ وسيلة لإزالة أيّ دليل على كيفية إعطاء السمّ للضحية .
ورحت أتحدث ، فبدا لي أنّ ( دوغلاس ) لا يستطيع متابعة حديثي بيسر لأنه كان نعسا ، ويمكن أن تكون مثل تلك الحالة ناشئة عن التسمم بالزرنيخ ، وقد غادرت منزل صديقي هذا في الساعة التاسعة بعد أن لاحظت أن ( دوغلاس ) رفع نفسه قليلا من مكانه عندما دقت الساعة القديمة فوق الموقد التاسعة ، وقال : أهي التاسعة ؟ خيل إليّ أنها الساعة العاشرة ، وعدت إلى البيت في سيارة تاكسي يمكنني أن أتعرف إليها حتى لو تركت في مقلع حجارة ، لأنني تركت أثرا واضحا في جلد المقعد .
حدث ذلك منذ ثلاثة أيام ، وأنا منذ ذاك أفتح كل صباح الصــحيفة بيد مضطربة ، باحثا عمّا إذا كانوا وجدوا جثة ( دجيمي دوغلاس ) ولكن يبدو أنهم لم يعثروا عليها بعد ، فأنا على استعداد تام إذا عثروا عليها ، ومتسلح بالقرائن التي يحتاج إليها المرء في مثل هـذه الحالات : سيارة التـــاكسي ، البصمتان ، الساعة الخشبية فوق الموقد .[/justify]

( ستيفن ليكوك / بريطانيا )