منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   المبعثر (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=8236)

مبارك الحمود 03-03-2012 09:11 PM

المبعثر
 
المبعثر

حينما استيقظت وجدتني مبعثرا في غرفة الفندق.. أعضائي متناثرة في كل مكان - يبدو أني انفجرت كالفشار فجأة, بالتأكيد أن ذلك ما حدث - حاولت أن أنادي على لساني بغباء فلم أستطع, شعرت به يتحرك كدودة, يحني وسطه للأعلى ويزحف... عيني الوحيدتان القابعتان على السرير أدرتهما لأنظر من خلف النافذة ومن تحت الباب, ولكنهما تدحرجتا بالقرب من حواف السرير.. أحسست بالرعب, "رباه هل سأصاب بالعمى".. قطة الجيران العدوة قفزت فجأة على النافذة.. ربضت بخبث و ماءت, خفت وأنا بالكاد أستطيع التحكم بأعضائي, وكأنها مربوطة فيما بينها بخيط مطاطي, أتتني رغبة بالصراخ, ولكن لم أقدر فوضعي لا يساعد على ذلك, تمنيت أني أستطيع قرص نفسي..

ألقت القطة نظرة عامة على الغرفة.. يبدو أنها محتارة في اختيار عضو من أعضائي لأكله, اعتقدت بأنها ستختار قلبي الذي يتسارع نبضة الآن.. تقترب من شيء, أعتقد أنه أنفي فرائحتها النتنة تزيد قربا, يا إلهي لقد وثبت على السرير, تشتمم أعضائي فتخطف عينا من عيني, وتولي هاربة بها من النافذة ..مارة بأزقة حارتنا الضيقة, فأصبحت أرى مشهدين, مشهد داخلي هاديء للغرفة مع شاشة تلفاز لبرنامج صباحي, ومشهد آخر خارجي يتغير.. رأيت بداية جدران ملآ بالكتابة من فوق أحدها ظهر شابين يتناقشان ثم يتشاجران, ويجتمع جمع غفير حولهما.. انطلقت القطة بعدها وعرجت على حي فقير, وجوه العابرين فيه تبعث على البؤس, وعجائز بائعات متلفعات بالسواد يتحدثن.. ما الذي حدث لي, كل ما أذكره البارحة أني تناولت عشاءً خفيفا, وشاهدت نشرة أخبار التاسعة, فقط لا غير.

أصبح نظري بين ذلك البرنامج الذي يقدم أغنية وطنية وبين صبية يلاحقونني أقصد يلاحقون القطة, ويرمونها بالأحجار والعلب الفارغة, ثم مشاهد صامتة وصوت المغني بالغرفة يصدح لمحلات وسيارات وحفر ومطبات, ومباني عملاقة بجانب صغيرة, وشوارع وأحياء لم أتوقع يوما أن أمر منها.. مررت بذلك كله حتى دخلت إلى قصر كبير به حديقة لحيوانات, حيث وجدت أسدا هرما يقف أمامي وحيدا, قبل أن يبتلع المشهد ظلام شديد, وحينها وجدت أعضائي في غرفتي تلتحم معا.. تحسست مكان عيني اليمنى الذي أصبح فارغا ككهف, وبقي أمامي مشهد واحد بعيني الأخرى, حيث الجمهور الغفير, يقابل المغني الكبير بعاصفة من التصفير والتصفيق.

ايوب صابر 09-14-2014 01:55 PM

واضح ان هذه احدى قصص الاستاذ مبارك وهي لم تلق الاهتمام الذي تستحقه.

روان عبد الكريم 09-14-2014 11:02 PM

رائعة ومبتكرة تحتاج القراءة عدة مرات

لست بناقدة ولكن قارئة اعجبها النص كثيرا

انتظر المزيد من هذا القلم الجبار

ساتابعك كاتبنا المبدع

خالد العاطفي 09-15-2014 11:56 AM

هُنَا خَطٌّ رَفِيعٌ بَيِّنُ الحُلْمِ وَالحَقِيقَةِ والتخييل. وَهُنَا بَعْضًا مِنْ قَلَقِ فرويد، وَتَلَعْثَمَ المَنَامُ. وَصُوَرٌ أَدَبِيَّةٌ رَائِعَةٌ،، قَدْ لَا تَأْتِي إِلَّا فِي وَاقِعٍ قَلِقٍ. كَهَذَا أُرِيَ النَّصُّ. أَجِدُكَ أَبْدَعْتُ أَخِي جِدًّا.

محمد الشرادي 09-21-2014 04:01 PM

أهلا أستاذ مبارك
لوحة سريالية رسمها القاص بقلمه ، تحتاج إلى عمق نظر كي نجمع ما تبعثر فيها من فنية مائزة.
تحياتي

ياسر علي 10-01-2014 07:55 PM

القصة ساخرة ، ارتكزت على الخيال و اللاواقعية ، لتقدم حالة من الضياع ، فإذا كانت الأعضاء مجتمعة هي ما يعطي لأحكامنا نوعا من المنطقية السليمة ، فالملاحظ أن البطل تناثرت أعضاؤه ، وتبعثرت كرمز للتشظي الذي أصاب الإنسان المعاصر ، فالإنسان المعاصر لا يستطيع التمظهر في صورة واحدة ، و نمط واحد ، فتجده يتلون و يتشكل وفق الظروف التي يعيشها وتبعا لما يقتضيه الوسط الذي يعيشه ، فحربائيته أضاعت نسخته الأصلية .
هذا التشتت الذي أصاب الإنسان جعله عرضة للاستقطاب و عرضة للاستلاب ، فاستدراجه يكون سهلا ، فهو يعيش على أمل الخلاص ، فكلما واتته فرصة ينساق وراءها دون حس نقدي ، فشهوته تقوده ، والشعور بالنقص يتسيده .
البطل يتحدث عن فترة الاستيقاظ أو صحوة الضمير ، لكن حقيقته صدمته ، فكل عضو فيه غادر موقعه باحثا عن لذة ما ، عن شيء ما ، فربما قلبه في مكان و عقله في آخر ليجد نفسه غير قابلة للالتئام .
الكاتب ليخفف من شدة وقع النص جاء بالمكان كغرفة للنوم و الراحة ، لكي يوهمنا أننا بصدد كابوس لا غير ، لكن في الوقت ذاته إشارة قاسية أن الإنسان المعاصر لم يعد يحسن الأحلام ، و أن نفسيته المهزوزة المبعثرة ، جعلته فريسة النكد و الضياع .

يتبع

ياسر علي 10-08-2014 07:04 PM

لو بدأنا بالمكان وجدنا الكاتب يضع بطل النص في غرفة فندق ، وهذا يعني بالطبع في ثقافتنا عدم الاستقرار ، فكلمة الفندق تختلف عن البيت الذي يقصد به الارتباط الوجداني بالمكان و الأسرة و المجتمع ، و الفندق مكان للاستراحة المؤقتة ، فترة عطلة ، فترة نقاهة.... ، وهذا المكان يحيل على الوحدة والغربة والوحشة والتشظي في غياب الاستقرار الوجداني في جزئه المرتبط بالأسرة والمجتمع ، فالإنسان المعاصر يعاني من تراخي الروابط الأسرية والمجتمعية فيتعاظم إحساسه بالغربة و الوحشة ، حتى عندما جاء استعمال الجار في النص ، تم توظيفه بشكل سلبي ، قطة الجيران ، والقطة هنا يقصد بها الكاتب انتشار ثقافة الاستغلال بين أفراد المجتمع ، و تنامي العلاقة المصلحية ، إلى درجة الابتزاز والنصب والسرقة . فالجار هنا باستطاعته التسلل بطرقة أو بأخرى إلى منزلك أو مسكنك أوحياتك و أخذ بعض ما توافر لديك من وقت أو متاع وغيرها مع سبق الإصرار والترصد .
حتى لو قمنا بجولة عبر الأمكنة التي طافها المبعثر بعينه الوحيدة مع القطة لوجدناه قام بخطوة إلى الوراء بسبب الحنين فهو يتحدث عن الحارة و الدروب الضيقة التي يرتبط بها وجدانيا و يتحدث عن الأحياء الفقيرة ، ثم يقدم بعجالة حالة الوطن المكان الكبير ، من خلال نقاش بين شابين تحول إلى عراك واشتباك و تجمهر الناس ، و لم ينس الكتابات الحائطية التي تعبر عن حالة الفوضى العارمة في الوطن .

تحدث الكاتب عن الشوارع والبنايات العملاقة في إشارة إلى التناقض الحاصل في البلد ، أحياء تعيش على الحاجة وأخرى باذخة ، ثم دخل إلى قصر كرمز للسلطان كرمز للقوة ، لكن لم ينس أن يزرع فيه حديقة للحيوانات ، لكأن القطة جاءت بعينه إلى الأسد الهرم ، وهنا إيحاء على الإستبداد و زبانية الاستبداد . لأن القطة هنا كانت في مهمة إحضار العين للأسد.

يتبع

ياسر علي 10-11-2014 01:11 AM

ينتقل الكاتب من التعميم في النص نحو التخصيص ، فالبداية تسوق لنا معاناة الإنسان عامة من الضياع ، فيترجم الضياع بفقدانه للحمة أعضائه ، فعيناه مصوبتان إلى رغبة من الرغبات و قلبه هائم بشيء آخر و لسانه يكثر تفلته و يكاد يعبر عن أشياء تافهة لا ترقى إلى ما يرجوه ويتمناه ، و أنفه شارد ، فهنا الكيان مفقود بفقدان السيطرة من طرف العقل على الحواس و الأعضاء ، لكأنه يقول أن الإنسان اليوم لا يتحكم في مصيره و لا يستطيع صنع مصيره ، بل يسعى وراء السراب فخطواته غير منسجمة و مساره غير محدد ، فيضطر إلى الابحار في كل الاتجاهات .
من الحالة العامة ينتقل الكاتب إلى الحالة الخاصة ، ليظهر مدى تأثير الحالة العامة على بلداننا المنهارة ، فإذا كانت المؤسسات في الغرب صنعت التيه للأفراد لتتمكن منهم وتوظفهم لأغراض تحددها في استغلال ظاهر ، و في بلادنا حيث تغيب المؤسسات لا توجد غير الفوضى و بعض رجالات المال و رجال السلطان .

تعمد الكاتب أن تسرق عين البطل ليبين لنا تلك الثنائية التي تسيطر على حياتنا ، فإذا كان الإعلام يستهلك الكثير من وقتنا و يصنع توجهاتنا و يصوغنا كيف يشاء فيستحق أن يأخذ عينا كاملة بينما عيننا الأخرى هي أيضا مسروقة يحاول كل مشهد الاستئثار بها .

يتبع

زياد القنطار 10-11-2014 01:45 AM

غوص يلزم التصفيق ,,وإكبار لهذا الجهد الرائع ,ولهذه الإضاءة المميزة ,الملزمة أيضاً لشكرٍ يساوي سطوعها ..
كل التقدير أستاذ ياسر لك ,,وللرائع الأديب مبارك الحمود .
حريص على المتابعة .

ايوب صابر 10-11-2014 03:52 PM

جهد ممتاز استاذ ياسر لكن لا بد من السؤال :

- هل هي قصة ساخرة للحياة ورسم صورة ثنائية لحياة الانسان الحديث كما يراها الاستاذ ياسر ؟
- ام هي قصة نفسية ومؤشر على قلق فرويدي ظهر على شكل كابوس كما يراها الاخ خالد العاطفي؟
- ام هي غير ذلك وربما، ربما، تعبير عن حالة انفصام في الشخصية لدى بطل القصة حيث يرى الاشياء بثنائية ؟
- ام هي قصة من الخيال السحري حيث جعل القاص الروح تنفصل عن جسد بطل القصة ليرسم لنا صورة مقارنة بين حياة اصحاب الترف والفنادق وحياة عامة الناس حيث جعل عينا بطل القصة وكانهما كاميراتا تصوير سينمائي نقلت لنا المشاهد في بث حي ومباشر ليعود الي لملمت الجسد لكنه يجعله بعين واحدة والأخرى فارغة مثل كهف وهي نهاية مزلزلة لا احد يتقن رسمها مثل مبارك الحمود ؟ *


الساعة الآن 12:28 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team