منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6821)

ايوب صابر 12-10-2011 07:27 PM

Layla Baalbakki (ليلى بعلبكي)

was born in southern Lebanon in 1936. She studied literature at the Jesuit University in Beirut, but interrupted her education to work as a secretary in the Lebanese parliament. She began her writing career as a journalist on local newspapers and magazines.

Her first highly acclaimed novel, Ana ahya (I Am Alive), was published in 1958, and a volume of her short stories, Safinat hanan ila al-qaamar (A Spaceship of Tenderness to the Moon), came out in 1963. The stories landed her in court on charges of obscenity and harming public morality. Although she was eventually acquitted, she stopped publishing works of fiction after 1964, and has since written mostly articles for newspapers.
(From Arab Women Writers An Anthology of Short Stories by Dalya Cohen-Mar)




Publications: (Arabic)
  • Ana ahya (I Live, novel). Beirut: 1958
  • al-Aliha al-mamsukha (The Deformed Gods, novel). Beirut: 1958
  • safinat hanan ila-l-qamar (A Spaceship of Tenderness to the Moon, short stories). Beirut: 1963

ايوب صابر 12-10-2011 07:49 PM

عن... ليلى بعلبكي !؟
* يستقطب الكاتب الصحافي والأديب/ سمير عطاالله اهتمام قرائه المتابعين له في عموده الصباحي بـ«الشرق الأوسط»، والآن في صفحتيه الأسبوعيتين بـ«المجلة»، التي اختار لهما عنوان: (مفكرة الأسبوع)... فهو يكتبهما بأسلوب مغاير لبناء عموده اليومي، فنقرأ لأديب مطبوع بالثقافة الواسعة، وبالذكريات الغنية بالمواقف وبالتحليل، ويميل إلى التوصيف، وإلى الحكاية، وإلى التصوير الفني.
وفي مقاله الأسبوعي المنشور بتاريخ 14/10، كتب عن الروائية القاصة اللبنانية/ ليلى بعلبكي، وكأنه يرثيها بعد أن كتب لقرائه: أن ليلى ماتت أدبياً منذ توقفها واختفاء إبداعاتها.
فهل ماتت/ ليلى بعلبكي أدبياً، أم أنها ألقت بإبداعاتها وموهبتها الروائية والقصصية من صخرة الروشة لتنتحر كما انتحرت جسداً شبيهتها ومقلدتها: منى جبور؟!
إننا نسترجع ذكرى فترة ذهبية كان الإبداع الأدبي فيها عشقاً للكلمة وللفن، وكانت الثقافة فيها: تكاملاً وليس تناحراً، وكان الجمال فيها: في الروح والحرية، ولم يكن: ماديات!!
* * *
* وهكذا أعادني/ سمير عطا الله- مشكوراً- إلى تلك الفترة الغنية بالقيم والمعاني، وحتى بالجنون المبدع.. فتذكرت لحظة التقائي بالأديبة/ ليلى بعلبكي في بيروت بعد أن سعيت إلى التعرف عليها، وكانت أصداء روايتها: (أنا أحيا) تلازمني منذ سطوع نجمها، لأسألها في ذلك اللقاء:
- أين اختفت الكاتبة الروائية القاصة صاحبة: (أنا أحيا)... أم أنها الرواية اليتيمة المحرومة من شقيقات؟!
- ابتسمت ليلى، وقالت بعد لحظة شرود: ربما لأنني لم أعد أحيا!!
نخعتني هذه الإجابة، حتى حسبت أن «ليلى» تستسلم للزمن ومنغصاته ومتناقضاته.
- عدت أسألها: ومن اغتالك، أو اغتال فيك الكاتبة المبدعة؟!
- التفتت نحوي تحدق في وجهي، وقالت: لا تحرك الماء الراكد، مشيناها خطى كتبت علينا.
- قلت لها: هل هو الاستسلام؟!
- قالت تداري دمعة: ولماذا لا يكون هو الموت؟!
* * *
* وبقيت أصداء كلمات «ليلى بعلبكي» تلازمني كلما دخلت إلى مكتبة في بيروت بالذات، أو في أي مكان، لأنها كانت قد شكلت: علامة فارقة في الأدب العربي النسائي الحديث، ووضعت لبنة لم تجد من يضيف إليها، إلا إذا كانت الإضافات «الجنسية» في روايات المرأة العربية اليوم: تعتبر لبنة!!
* * *
* آخر الكلام:
* من مقال/ سمير عطاالله:
- لم يكن صدور (أنا أحيا) مفاجئاً
في مثل هذا المناخ
لكنه كان حدثاً أدبياً قبل أي شيء!!

==
رواية انا احيا :
http://www.kitabfijarida.com/pdf/145.pdf

ايوب صابر 12-10-2011 07:50 PM

ليلى بعلبكي كاتبة مفقوده

كتاب ورقاته صفراء شبه محروقة الاطراف بلا غلاف تتطاير منه ذرات الغبار و رائحة الرطوبة لكنني حين قرأت اول صفحة ضعت فيه حتى وصلت للصفحة الاخيرة

هل يعرف احدكم مجموعة قصص قصيرة باسم " سفينة حنان الى القمر"؟؟؟

ليلى بعلبكي كتبت في الستينات ما لم يجرؤ احد على كتابته حتى التسعينات و لانها امرأة تمت محاكمتها كمحاولة لمنع انتشار كتاباتها بحجة انها مست بالاخلاق العامة..ز ابداع حسي و موهبة حقيقية في تصوير العالم الداخلي للمرأة و الصراع مع كل ما هو خارجي و باسلوب مميز...

بحثت في مكتبات دمشق العامة و الخاصة و ما يفال انها اكبر المكتبات في الشرق الاوسط و لم اجد الكتاب, حاولت ان انسخ الكتاب القديم الذي كان عندي او على الاقل احفظن في غلاف و تم ابلاغي انه قديم جدا لا يمكن اصلاحه او نسخه, و اخبرني صاحب مكتبة عجوز ان الكتاب تم نشره لمرة واحدة و بيعت كل نسخة و احتفظت الكاتبة بحقوق النشر فلم يستطع احد اخر ان ينشره من جديد,

حملته من مكان الى مكان كما يحمل الانسان كتاب دين , كنت اعيره لمن يشده حديثي للاطلاع عليه و اصاب بقلق حتى يعود الكتاب... و اين عثرت عليه؟ كان لوالدي مكتبة كبيرة فيها كتب متنوعة و اعمال ادبية نادرة و لكن... و لكن بعد الموت نحتفظ بالاشياء حتى نبكي صاحبها و حين تنتهي فترات الحداد تصبح الاشياء ضريحا ... و بعد سنين تأكل الريح الضريح و نبدأ بالتجديد و نشتري اثاثا جديدا و نرمي القديم في غرفة قديمة مع كل ما هو قديم و ثمين... تزدهر فيه حياة اخرى بين حبات الرطوبة.. و هناك حصلت على معرفتي.. هناك كشفت كنوز العالم الورقية.. و عثرت على كتابي المقدس... لكنه ضاعّّّّ!!!

من المؤسف انني لا املك الكتاب الان لاعطيه لكم لتقرأوه و لا اعرف كيف يمكن الحصول عليه بل انني اتمنى اذا كنتم تعرفون اين ان تخبروني حالا...
و لكن من قرا الكتاب يعرف ان ليلى بعلبكي كانت كاتبة مبدعة سحقتها الانظمة كما سحقت افكار و مفكرين اخرين

ايوب صابر 12-11-2011 04:34 PM

ليلى بعلبكي

- ولدت عام 1936 في جنوب لبنان.
- ليلى البعلبكي أطلّت بقوة بروايتها ( انا احيا ) لكنها ظلّت أسيرة هذه الرواية الفريدة واختتمت مسارها الروائي في عام 1960 عندما أصدرت روايتها الثانية «الإلهة الممسوخة» ولم تحظ بما حظيت به «أنا أحيا» من فرادة ونجاح.
- لكنها، هي التي لم تتوار لحظة عن المعترك الروائي، ما لبثت أن اختطفت الأضواء في عام 1964 عندما منعت وزارة الإعلام مجموعتها القصصية «سفينة حنان الى القمر»، وكانت القصة التي تحمل المجموعة عنوانها هي الحافز نظراً الى احتوائها مقطعاً أو جملة وصفت بـ «الإباحية».
- حوكمت ليلى بعلبكي وأوقفت ثم تراجعت المحكمة عن قرار المنع مبرّئة الكاتبة والقصة على مضض.
- لم تمتد تجربة ليلى بعلبكي أكثر من ستة أعوام عزفت بعدها عن الكتابة الروائية والقصصية منصرفة الى الصحافة.
- لم تتوان عن استخدام عبارة «أنا أحيا» في روايتها مستوحية أحوال التمرّد والاحتجاج التي حفلت بها رواية بعلبكي. ولم تكمل منى جبور مسارها إذ أقدمت على الانتحار في عام 1964 وكانت في مقتبل العشرين من عمرها.
- خمسون عاماً إذاً على صدور الرواية – الحدث التي «اختفت» صاحبتها بدءاً من العام الأول للحرب اللبنانية ولم تنشر أي جديد.
- التي أعلنت أقصى تمرّدها على القيم والثوابت و «الأصنام» المعاصرة والعائلة والجامعة والأيديولوجيا… بحثاً عن الحرية، الحرية الفردية خصوصاً.
- بطلة الرواية شخصية سلبية بامتياز (في مفهوم البطل السلبي) عمرها بين التاسعة عشرة والعشرين، عنيفة وشرسة ورقيقة في آن واحد، تكره الحياة وتسعى إليها، تعيش في الواقع وتحلم… «بطلة» متناقضة، تعاني الوحدة و «القمع» العائلي، تكره والدها وتسخر منه، رجلاً ذكورياً وزوجاً وتاجراً ينتمي الى طبقة الأثرياء الجدد. علاقة «أوديبية» ولكن في الوجهة المعاكسة.
- تفضحه بطلة الرواية ابوها يتلصص على «الجارة المترهلة» هو الثري الذي يفيد من المآسي والأزمات ليتاجر بالقمح وسائر السلع بين لبنان ومصر وبريطانيا…
- تبلغ بطلة الرواية بها الكراهية حتى لتصفه بـ «الأحمق» وتحتقره.
- فالراوية تحتقر الرجل التقليدي مثلما تحتقر المرأة التقليدية.
- بطلة القصة التحقت بالجامعة الأميركية ثم تركتها من دون أن تنال أي شهادة.
- هل تشبه لينا فياض ليلى بعلبكي؟ هذا سؤال لا تستطيع الإجابة عليه إلا الكاتبة نفسها!
- ليلى بعلبكي المتحدرة من عائلة شيعية جنوبية (مواليد 1934) درست في جامعة القديس يوسف ما يعني أنها تجيد الفرنسية على خلاف بطلتها التي درست في الجامعة الأميركية ولم تكن تجيد الفرنسية (كما تقول).
- عملت في سكرتارية المجلس النيابي اللبناني بين 1957 و1960، وهذه وظيفة رسمية، ثم التحقت بالصحافة (الحوادث، الدستور، النهار، الأسبوع العربي…)… إلا أن البطلة – الراوية قد تحمل بعض سمات كاتبتها أو مبدعتها أو بعض أمانيها وأحلامها…
- تصور الروائية حياة بطلة الرواية بأن الهجران أثر فيها كثيراً وجعلها تكتشف وحدتها من جديد ومستقبلها الضائع وواقعها السلبي والفراغ الذي تخشاه. وتحاول في لحظة يأس أن تقدم على الانتحار لكنها كانت أجبن من أن تنتحر. رمت بنفسها أمام إحدى السيارات مدركة أن المارّة سيمسكون بها وهم فعلوا.
- كانت تلك العلاقة أشبه بخشبة خلاص في بحر الفراغ الذي غرقت فيه، لكن الخشبة لم تنقذها من ذلك الغرق لأنها مكسورة أصلاً.
- يقال ان الكاتبة كانت مثل بطلة روايتها شديدة التوتر والدينامية مثل البطلة نفسها.
- عندما اندلعت الحرب اللبنانية في عام 1975 هاجرت ليلى بعلبكي الى لندن وانقطعت عن الكتابة الصحافية وراح حضورها يخفت الى أن عزلت نفسها عن الوسط الأدبي والصحافي
- وقيل إنها كانت ترفض أن تعقد أي لقاء مع الصحافة مؤثرة البقاء في الظل بعد كل تلك الضوضاء التي أحدثتها في الستينات والسبعينات.
- لعل انقطاعها عن الكتابة الروائية في أوج شهرتها يمثل لغزاً: لماذا هجرت صاحبة «أنا أحيا» الكتابة باكراً؟
- هل عانت ليلى بعلبكي أزمة مع الكتابة نفسها؟
- بعض الحكايات دارت حول ليلى بعلبكي تدور حول المشكلات العائليّة التي تسبّب بها صدور الكتاب الرواية ، وهذه الأخيرة شاعت في أوساط الأقلّ تثقّفا، أو في ما يسمّى المجتمع البيروتي، الصغير آنذاك والذي، لصغره، لم يكن قد أقام فواصل بين الأشياء، فخلط الكاتب بكتابه وحياته بحياة أبطاله.
- في «أنا أحيا» ذكر عابر للحرب لا يتعدّى مقطعا أو مقطعين من بين عدد صفحات بلغ 327 صفحة. لكن لا يعرف اي حرب كانت وهل هي «فتنة» 1958 هي المقصودة، أو كانت هذه حربا أخرى (1948 الفلسطينيّة مثلا أو حرب 1956 المصرية).
- ليلى بعلبكي"في عملها الروائي "أنا أحيا"، تصف حالة الاغتراب المرة التي يحياها الإنسان داخل وطنه وبين أهله، ولكنه يبقى يجهل ذاته، يبحث عن ثمة مساحة في هذا العبث الملحمي الذي يعيش.
- في روايتها لم ترو ليلى بعلبكي قصتها بل كتبت بصدق ووعي ما قد عانته صبية لبنانيةتحدّت الجميع وتجرأت على قول ما يتفاعل به جسدها من دون ان تخشى ردود الفعل فيالمجتمع الذي لم يتعوّد كتابة كهذه، ولا بوحاً واعترافاً وتعبيراً تعبّر كلها عناشياء جديدة لم يُقرأ سابقا مثلها.
- عندما كنا نسألها ماذا تفعلين، كانتتجيب بسرعة إنها تكتب. لكأنها لا تريد التحدث بهذه القضية. كأنها كانت غائبة عنذاتها. كأنها كانت رافضة لذاتها.
- يصفها كثيرون بأنها الروائية الغامضة .
- تعتبر ليلى بعلبكي ان الشي الوحيد الذي تغير مع مرورو الزمن هو ما حدث في الثمانينيات لهذا الوطن ( لبنان)، والصدمة الكبرى لأبناء هذا الوطن، وبالتحديد مع بداية الحرب الأهلية بين اللبنانيين، يوم استيقظنا ووجدنا أن كل شيء من حولنا قد انفجر..
- وتقول عن اندلاع الحرب اللبنانية : وأنا على مشارف الـ75 سنة، لازلت لم أشهد بعد غروب شمس ذلك اليوم، ولا خمود تلك الشحنة من الألم والحزن الذي كان يعتصرني وأهلي ونحن نهرب من هذا المكان كي لا نقتل على يد هذا أو ذاك.. لهذا أقول لك بأن لا شيء تغير فيَّ ولا فينا.
- تقول ان غيابي عن المشهد الثقافي اللبناني والعربي عامة، كانت له أسبابه الخاصة، والوجيهة أيضاً، فغيابي لم يكن نتيجة حتمية للذي حدث لي بعد المحاكمة التي تعرضت لها في قضية "سفينة حنان إلى القمر"، كما لم يكن هروباً أواختفاءً كما فسره الكثيرون منذ ما يزيد عن 20 سنة..
- وتقول : كان عليّ أن أنسحب من الثرثرة الإعلامية التي لم تتوانى في التشهير بي ووصفي بأقبح الصفات وكأن بي كتبت عن الفسق و عن الأشياء التي يحرم الحديث فيها. ما حدث بعد المحاكمة بالتحديد هو تعمد للصمت وتعمد لعدم النشر في أي وسيلة إعلامية عربية لم تحترمني، لكن هذا لم يمنعني من الكتابة أو مواصلة الحياة في عالمي الذي بدأته بصمت وأعتقدني سأنهيه بصمت أيضاً.
- صودر كتابها من المكتبات المختلفة، واحتجزت شرطة الأخلاق المؤلفة ثلاث ساعاتونصف الساعة واستجوبتها، وأحالتها إلى المحاكمة.
- وتصف الاستجواب بقولها : وانتهىالاستجواب، والدقائق ثقيلة تزحف في عيني، والصمت يزيد غضبي واستنكاري الأخرس. كانالمقصود أن يشعرني بالخجل مما اكتب، والذنب. أحسست فقط أنني وحدي في غابة، وكنتمليئة بالحزن، حزن كبير يغرق العالم.
- درست الادب في الجامعة اليسوعية لكنها انقطعت عن الدراسة لتعلم سكرتيرة في البرلمان اللباني.
- عملت ككاتبة صحفية ايضا.
- منى جبور روائية جاءت بعد ليلى البعلبكي وكتبت رواية تشبه روايتها ألقت بإبداعاتها وموهبتها الروائية والقصصية من صخرة الروشة لتنتحر فهل كان صمت ليلى بعلبكي نوع من الانتحار .
- تقول في اجابة على احد الاسئلة عن غيابها بعد لحظة شرود: ربما لأنني لم أعد أحيا!!

لا يوجد تفاصيل مدونة حول طفولة ليلى بعلبكي لكن ظروف ولادة روايتها تشير الى انها كانت تعاني ازمة ما في طفولتها ويبدو ان روايتها كانت بمثابة تفريغ وتداعي حر لاطلاق مكبوتات الصدر، وربما ان نجاح رواية ليلى قد حقق لها توازن وانقذها من الانتحار وهو ما لم تتمكن من فعله مواطنتها (منى جبور) فانتحرت وهي في ريعان الشباب.
هناك احاديث كانت تدور في بيروت كما هو مدون اعلاه تربط حياة بطلة ( انا احيا ) بصاحبة الرواية وهي حياة ازمة، وهناك هجرة من الجنوب الى بيروت ، وانقطاع عن التعليم للعمل كسرتيرة، وهناك ملاحقة وسجن في سجن الاداب ولو لمدة ثلاث ساعات ونصف، ثم هناك محاكمة لصبية لم تتجاوز العشرين.
ثم هناك حرب، وهناك ذكر للحرب وهناك صمت واختفاء وهروب، ثم تأتي حرب اخرى تزلزل اركان المكان فتكون الغربة هي السبيل للنجاة ليتعمق الصمت.
قد تكشف ليلى بعلبكي الكثير في سيرتها الذاتية خاصة عما جرى معها بعد المحاكمة لكنها على الاغلب لن تكشف مصدر الالم الذي جعلها مبدعة ابتداء.

سنعتبرها مأزومة .

ايوب صابر 12-13-2011 09:13 AM

والان مع سر الافضلية في رواية :
18- لا أحد ينام في الإسكندريةإبراهيم عبد المجيدمصر

لا أحد ينام في الإسكندرية!!
العرب القطرية


gmt 5:52:00 2011 الإثنين 10 يناير

سعيد حارب



في روايته الرائعة «لا أحد ينام في الإسكندرية» يرسم الروائي الإسكندراني إبراهيم عبدالمجيد صورة للمجتمع المصري في نهاية الحرب العالمية الثانية، من خلال أسرتين إحداهما مسلمة هاجرت من الريف لتستقر في الإسكندرية بحثا عن الرزق وتجاور أسرة مسيحية، وتنشأ بين الأسرتين علاقات اجتماعية تتجاوز كل الاختلافات لتواجه حالة الحرب التي يعيشها العالم.
مدينة المحبة
تتلخص قصة «لا أحد ينام في الإسكندرية» حول مجدالدين الذي يغادر قريته، بعد أن حصد الثأر رؤوس إخوته، يترك أرضه وبيته، ويتجه مصطحباً زوجته وابنته الرضيعة إلى الإسكندرية، المدينة التي عشقها ويقيم فيها أخوه البهي، صاحب المغامرات، والاخ المولود بهالة نور تفتن النساء. يحط مجدالدين رحاله في غرفة البهي وسط بيت لأسرة مسيحية، يبحث عن عمل في المدينة الكبيرة التي تغص بعشرات العاطلين أمثاله والباحثين عن «يومية» بقروش زهيدة، يموت البهي في مشاجرة تزعم فيها أبناء بحري ضد الصعايدة، ديميتري صاحب المنزل ودميان الذي تصادف مروره لحظة موت البهي، يساعدان مجدالدين على دفن أخيه، تتوطد العلاقة بين مجدالدين تحديداً ودميان، يتعرفان إلى قصة بعضهما بعضاً، يبحثان سوياً عن عمل، يستشفع مجدالدين بوليه سيدي جابر والمرسي ابوالعباس، بينما يتوسل دميان بكرامات القديس ماري جرجس، حتى يعثرا على وظيفة ثابتة كعاملين في السكة الحديد. في مقابل تلك العلاقة بين الصديقين، تتوثق أخرى حميمة بين زهرة زوجة مجدالدين، وافراد عائلة دميان، تعيش بينهم كواحدة منهم، تتعلق بالفتاتين كامليا وإيفـون وأمهما مريم.
تظل العلاقة مسيجة بإطار من المحبة، حتى عندما تتأزم الأمور بسبب تعلق كامليا برشدي، ومحاولة عائلتها ردها عن ذلك، وحين طلب ديميتري من مجدالدين وزوجته مغادرة غرفتهما المجاورة لهم، والانتقال إلى مكان آخر في البيت، تغضب زهرة، وتطلب من زوجها مغادرة البيت، لكن الأخير يرفض، وقال لها إنهم في أزمة ولابد من الوقوف معهم وتحمّلهم.
تفرد الرواية صفحات طويلة لمظاهر التعايش الجميل، والاحترام المتبادل بين الجميع، تغيب إلا قليلاً نعرات التعصب والاحتقان بين شريكي الحياة في المجتمع، يصوم دميان مع مجدالدين رمضان، ويتشاركان معاً الصوم الكبير، والأربعاء والجمعة. تتداخل أعياد الفصح مع الفطر، وتعم البهجة الجميع في المناسبات. ينتقل الصديقان للعمل في العلمين غرب الإسكندرية، يعيد مجدالدين زوجته إلى القرية، تودع زهرة مريم وإيفون دامعة، وتوصيهما خيراً بكامليا التي انقطعت اخبارها بعد قصة العشق، والتي تحولت بعد ذلك إلى راهبة صاحبة كرامات.
يحيا مجدالدين ودميان في عملهما الجديد وسط حشود جنود من دول مختلفة، أتت للمشاركة في معركة العلمين الشهيرة، تشتد وطأة الحرب والقذف في المكان، يهرب الصديقان، ولكن يموت دميان في الطريق، ويصل مجدالدين إلى قريته غارقا في دمائه، ولكن تكتب له النجاة، ويقرر العودة إلى الاسكندرية، ويقول لزوجته: «لا أعرف كيف ستكون الإسكندرية دون دميان.. ومسح دمعه الذي ترقرق، لكنها (زوجته) لم تشأ أن تثنيه عن العودة إلى المدينة التي ذهبت إليها مكرهة وتركتها مكرهة، إذ خلفته وراءها، ستذهب هذه المرة راضية مسرورة حتى لو لم تجد الناس كما كانوا بالروح الصافية والمرح نفسيهما. المدينة البيضاء زرقاء البحر والسماء ستعيد الروح لأبنائها».


==

نبذة النيل والفرات:
هل كان الإسكندر يعلم أنه لا يقيم مدينة تحمل اسمه خالداً في الزمان، وإنما يقيم عالماً بأسره وتاريخاً كاملاً أغلب الظم أنه كان يعرف، هو لم يكن معنياً بالخلود فقط. وإنما بتغيير الدنيا". لا أحد ينام في الإسكندرية تدور أحداثها عشية الحرب العالمية الثانية. وهي تسرد وقائع وأحداث كانت الإسكندرية مسرحاً لها في الأربعينات، ترصد الرواية طبيعة العلاقة بين شرائح المجتمع الإسكندري الغني بألوانه المتهددة، والذي واجه تداعيات الحرب العالمية الثانية التي كانت لها انعكاسات كبيرة على المجتمع المصري.
فبطل الرواية انتزع من قريته عنوة ليستقر في الإسكندرية المدينة الغريبة بالنسبة إليه، لكنه سرعان ما أصبح جزءاً منها إذ تربطه علاقة جميمة بدميان القبطي، وهي علاقة تجسد روح التسامح والإخوة التي كانت سائدة بين الإسكندريين.
الرواية تؤرخ لأحداث سياسية كبيرة ولتحولات هامة مرت بها الإسكندرية عموماً ومصر خصوصاً أفصح فيها الكاتب عن مكنونات أبطاله وحالاتهم النفسية العميقة التي كانوا يمرون بها، باسلوب روائي حاذق، امتزجت فيه الواقعية بمسحة أسطورية تجسدها شخصية البهي، وبهية التي كانت تطارده أينما حل.


لا أحد ينام في الإسكندرية

نبذة المؤلف:
"لقد كره البهى مبكراً كل محاولة لأن يتعلم حرفاً في الكتاب أو الزاوية أو البيت. ولم يكره شيئاً مثل كرهه للفرحة والفلاحين! قالوا ذلك لوسامته، وقالوا لهيبة في قلبه، وقال الأب دائماً والحسرة في عينيه "هكذا هو خلقة". اختارت له الأم اسم "البهى" لأنها ولدته في ليلة السابع والعشرين من رمضان. لقد رأت وهو ينزلق منها طاقة نور يخرج معه تضئ الحجرة وتمشى على الجدران.
وبكت القابلة وهي تلفه في القماط، وتقول لأمه أن تخفيه عن العيون، فهو فضلاً عن طاقة النور التي خرجت معه، ولد مختوناً، إنه ولد طاهر من البداية منذور لخير عميم.
وهكذا لم ير الناس البهى إلا حين استطاع المشي، فتسلل من كوة الباب الخشبي الكبير، وتدحرج في الزقاق الضيق يحيط بوجهه الضوء العجيب, ولم ينته جزع الأم إلا بعد أن أنجبت بعده ثلاث بنات ثم مجد الدين. لم تعد أم الذكور فقط. جزع الأب هو الذي لم ينته. لقد فطن بكراً إلى أن في عيني البهي نزفاً غير مألوف في العائلة، مع أن للعيون في العائلة اللون الأخضر نفسه الذي أخذه الجميع من الأم، في عيني البهي وحده اللون الأزرق! وهذا أيضاً عجيب.
ما كاد البهي يبلغ مرحلة الصبا، حتى راح يخرج من الدار مع الصباح، ولا يعود إلا في المساء، لينام دون حديث مع أحد. لم يسأله أحد أين يمضي يومه. الأم ممتلئة بالحنان، والأب لا يستطيع أن يفسر لنفسه، هذا الضعف الذي قذف به الله إلى قلبه تجاه الغلام. شيئاً فشيئاً صار البهي وسط العائلة مثل خيال، يخرج الإخوة في الصباح الباكر إلى الحقول، ويخرج هو بعدهم لكن لا يعرف أحد إلى أين، يعودون في المساء متعبين ليتناولوا عشاءهم ويناموا مبكراً، وتظل الأم لا تنام، إلا بعد أن تسمع صرير كوة الباب، وخفقات قلب البهي المتسلل عائداً. ثم راح يغيب لأكثر من يوم وليلة ويعود ينام في أقرب مكان يقابله، مع البهائم، مع الدجاج، فوق الفرن، في الباحة بين الحجرات. المهم أنه لم يعد ينام في حجرة بها أحد من إخوته، ولا يزال الأب لا يدري سر هذا الضعف الذي يتملكه أمام ابنه العجيب، والابن المسالم لا تأتي من جرائه أي شرور حتى الآن، ثم انكشف سر البهي وملأ فضاء القرية...".

ايوب صابر 12-13-2011 09:15 AM

إبراهيم عبد المجيد روائي وقاص مصري.
نشأته ومسيرته الوظيفية


ولد إبراهيم عبد القوي عبد المجيد خليل في 2 ديسمبر سنة 1946م الأسكندرية. حصل إبراهيم عبد المجيد على ليسانس الفلسفة من كلية الآداب جامعة الأسكندرية عام 1973م. في نفس العام رحل إلى القاهرة ليعمل في وزارة الثقافة، تولى الكثير من المناصب الثقافية:
  • اختصاصي ثقافي بالثقافة الجماهيرية في الفترة من عام 1976 حتى عام 1980.
  • مستشار بإدارة المسرح بالثقافة الجماهيرية في الفترة من عام 1980 حتى عام 1985.
  • مستشار بهيئة الكتاب في الفترة من عام 1989 حتى عام 1991.
  • مدير عام إدارة الثقافة العامة بالثقافة الجماهيرية في الفترة من عام1989حتى عام 1995.
  • رئيس تحرير سلسلة كتابات جديدة بالهيئة المصرية العامة للكتاب في الفترة من عام 1995 حتى عام 2001.
  • مدير عام مشروع أطلس الفولكلور بالثقافة الجماهيرية حاليًا.
أعماله


أصدر إبراهيم عبد المجيد عشر روايات, منها "ليلة العشق والدم", "البلدة الأخرى", "بيت الياسمين", "لا أحد ينام في الإسكندرية", "طيور العنبر"، كذلك نشرت له خمس مجموعات قصصية وهم "الشجر والعصافير", "إغلاق النوافذ", "فضاءات", "سفن قديمة", "وليلة انجينا".
وقد ترجمت روايته "البلدة الأخرى" إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية. كما ترجمت روايته "لا أحد ينام في الإسكندرية" إلى الإنجليزية والفرنسية، و"بيت الياسمين" إلى الفرنسية.
الجوائز

حصل إبراهيم عبد المجيد على عدد من الجوائز الهامة منها:
مؤلفات
  • في الصيف السابع والستين.
  • المسافات.
  • ليلة العشق والدم.
  • الصياد واليمام.
  • بيت الياسمين.
  • البلدة الأخرى.
  • قناديل البحر.
  • لا أحد ينام في الأسكندرية.
  • طيور العنبر.
  • مشاهد صغيرة حول سور كبير(مجموعة).
  • إغلاق النوافذ(مجموعة).
  • سفن قديمة(مجموعة).
  • مذكرات عبد أمريكي (ترجمة).
  • غواية الأسكندرية(كتاب).
  • شهد القلعة.
  • في كل أسبوع يوم جمعة.
==
من الموقع الرسمي للروائي:
مواليد : 2 / 12/ 1946 بالإسكندرية
ليسانس الآداب قسم الفلسفة من جامعة الإسكندرية
رئيس تحرير سلسلة كتابات جديدة 1995 - 2000
مدير إدارة الثقافة العامة - الثقافة الجماهيرية 1990 - 1995
إدارة النشر هيئة الكتاب 1985 - 1990
إدارة المسرح الثقافة الجماهيرية 1982 - 1985
أخصائي ثقافي الثقافة الجماهيرية 1976 - 1982

الجوائز
1 - جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية عام 1996 عن رواية البلدةالأخري.
2 - جائزة أحسن رواية عام 1996 في معرض الكتاب عن رواية لا أحد ينام فيالإسكندرية.
3 - جائزة الدولة للتفوق في الآداب عام 2004 .



=

إبراهيم عبد المجيد...لاأحد ينام فى الاسكندرية


" ربما لو لم أكن سكندرياً، لوددت أن أكون كذلك. من المؤكد أنني لا أعرف ما إذا كانت الإسكندرية هي التي فعلت بي ذلك أم أنا الذى جئت هكذا. الحقيقة أن المدينة تمشي معي، وأنا في دمها.

مضى على الآن أكثر من ربع قرن فى القاهرة ولم أكتب عنها غير بضع قصص قصيرة ومشاهد متفرقة فى رواية أو أكثر. لقد عشت فى الإسكندرية ربع القرن الأول من حياتي، وكتبت عنها أكثر من سبع روايات حتى الآن.


ايوب صابر 12-13-2011 09:17 AM

ابراهيم عبد المجيد:
أجرى الحوار: على ديوب

تواعدنا في مقهى ريش، و كان هذا الحوار:

* لفترة التكوين في حياة المبدع أهمية خاصة؛ فهي من جهة تحتوي على منابع تشكل الشخصية المبدعة، و من جهة ثانية تضيء منطقة التفاعل و التأثر بين كل من المبدع و معاصريه و بين المؤثرا ت البيئية و الاجتماعية.. هل تحدثنا عن تلك الفترة؟

** في الطفولة . إذ يبدو من حسن حظي أن والدي كان رجلا متدربا يعرف الكثير من القصص? (القرآن بصورة أساسيه), فكانت حكايته لنا عن الأنبياء والصحابة, و أبطال السيرة الشعبية.. تراث شفوي ضخم كان يمتاز به، نظراً لمنشئه الريفي..و لما كان حفظة القرآن يعفون من الجندية ( و كان هذا قبل الثورة), و قد كانت خدمة شديدة الصعوبة- حتى ان الكثير من الريفيين كانوا يلجأون لخلق عاهات في أجساديهم ليهربوا من الجندية؛ و كان والدي كان حافظا للقرآن , فقد أعفي من هذه الخدمة الشاقة.. هو لم يكن يعمل في الدين , لكنه كان يحمل تربية دينية تدفعه لتربيتنا بالقصص الديني( في الأماسي) ، بدلا من طقوس الجن والعفاريت.

اضافة إلى ذلك كان يحب الرواة الشعبيين , فكان كثيرا ما يصحب معه عازف ربابة , حتى يحقق لنا جوا اكتفائيا خاصا، يحمينا من اللجوء الى الشارع. من جهة ثانية كان يحب الرسم, اذ كان يزيّن و يملأ كراساتي بالرسوم.

في ذلك الحي القديم، حينا، كان يقطن الكثير من الفقراء الغرباء المحملين بالقصص والحكايات, و كان والدي يصحبني إلى جلساتهم، لأكون الولد الوحيد بينهم.. ؛ و هذا كان يتيح الفرصة للطاقات الروحية والمواهب الكامنة في داخلي لأن تخرج الى النور، دونما خوف.. ما منحني حرية في التعبير والكلام والحركة.

المدرسة ايضا كانت مهمة، نظرا لراحة التعليم ( وجود عدد قليل في الفصل - 15 على الأكثر ) اضافة الى ما كانت تشتمل عليه من انشطة ثقافية وهوايات, منها الشعر, الخطابة, الرسم, النحت, الموسيقى.. على يد أساتذة, الذين يملكون غنى مزدوجا. و لحسن الحظ أن الذين درسوني العربية كانوا من محبي الأدب، و المحدثين عن أعلامه الكبار. و كان المنهاج المدرسي يتضمن حصتين( مطالعة حرة) اسبوعيا، فيهما نقرأ بحرية، ثم يحكي كل منا للآخر عما قرأ.. و هو ما كان يعطينا جميعاً فرصة الإفادة المضاعفة، في الإلقاء والإصغاء.

و كانت المدرسة تقوم برحلة اسبوعية( يوم العطلة/ الجمعة) إلى السينما، منذ الابتدائية. و هذا ساعد على فتح و تخصيب خيالاتنا الطفلية، و زودنا بالجرأة في التقاط الصورة وتمثلها.

و علاوة على ذلك فقد كان الحي الذي أقطنه, مثل كل الأحياء المصرية سابقا، يحتوي على سينما شعبية- هي سينما مصر- و كنت من المواظبين يوميا على دخولها.. و كان هذا يتاح لنا مجاناً، أحيانا!

في مناخ كهذا، كان لابد للطاقات والمواهب الكامنة لديّ و لدى كثير من زملائي أن تنطلق؛ فمن لم يصبح منهم أديبا، غدا مشهورا في حرفة ما.

هذا التنوع الرخي: سينما، قراءة، لعب كرة، و شطرنج، و مطالعة؛ و غير ذلك الكثير مما كنت أشعر بالشراهة و النهم و الإدمان عليه، من ضروب التمتع المبكر و الذي كنت أجد الوقت الكافي له كله ... مكنني من أن أعيش فترة المراهقة بيسر و سهولة- كبقية أبناء مرحلة تمتاز بالرومانسية.

* و إذن من أين، و كيف ولد ذلك الطفل الرافض، في داخلك؛ من أين نبع توقك للتحرر?

** الواقع الذي تحدثت عنه كان جميلا، لأنني كنت طفلا. و ليس بالضرورة لأنه كان جميلا.. فعندما دخلت عالم القراءة اكتشفت انه عالم فقير جدا, و لا يليق بهؤلاء الناس، الذين يستحقون ما هو أفضل- و الذين كنت أكتبهم، بحب, لأنهم لم يكونوا، باعتقادي، مسؤولين عن هذا الواقع. و قد كانوا سعداء، لأنهم كانوا يخلقون عوالم أخرى من خيالهم..!

و لعل هذا لم يكن ليحدث قبل المرحلة الثانية من حياتي- مرحلة النضج الكلي- و التي أعقبت التقائي بأشخاص ماركسيين.. و بالمناسبة كانت تلك مرحلة صعبة، لأنها أعقبت هزيمة 1967التي كشفت لي أن هذا الواقع مؤلم, ينخره السوس.. و كان هذا يعني لي شيئا قاسيا, عرى أحلام جيلي، و كشفها أنها كلام في الهواء.. ؛ إذن: لقائي بالماركسيين- صدفة- دفعني لإعادة قراءة الواقع على ضوء المنهج الماركسي.

في الجامعة، رغم الميول الماركسية, إلا ان الفلسفة الوجودية استحوذت عليّ بسرعة ( كدارس للفلسفة).. و وجدت أن فكرة الاغتراب- الفكرة المحورية في الماركسية- هي نفسها موجودة في الفلسفة الوجودية، و لكن لأسباب أخرى.

أدركت قلق الاغتراب، من دون التفسيرين الماركسي والوجودي.. و ان حياتي تحفل به.. و لذلك تعتبر فكرة الاغتراب محورية في اعمالي. فأبطالي غير متوافقين مع المكان و لا الزمان. عندهم صبوات و رغبات اكبر من طاقاتهم المادية.. و هذا هو ما يسبب لديهم الشعور بالاغتراب، و التأزم الروحي.

* عادة ما يضيع الإبداع تحت أقدام محاربي القضايا الكبرى؛ هل استطعت النجاة بنفسك وسط النقع؟

** في أعمالي القضايا الكبرى ليست مباشرة, انما هي عناصر في تكوين الشخصيات، من أجل عرض قضايا اكبر.

ربما كانت روايتي الاولى( في الصيف 1967) مكرسة- كما هو واضح من عنوانها- لإعادة تقييم ما أتت به النكسة؛ لكن رغم ذلك فهذه الرواية حملت حوارا عن العالم و الوجود، هو اوسع من السياسة. ففيها من شعر الحلاج، و غيره، الكثير... إذن من البداية القضايا الكبرى موجودة، و لكن الى جانب، و بالتماذج مع قضايا الحياة اليومية, و هذا ما ظهر بشكل اوسع في روايتي الثانية( المسافات)، التي احتلت فيها قضايا الوجود المكان المحوري, و اصبحت السياسة و القضايا الكبرى روافد خفيفة.. فهي رواية مكان طارد للبشر- كأنها بحث عن فردوس مفقود.

* هل قدمت لك مدينتك( الاسكندرية) أكثر مما قدمت لها?

** لم أشعر أنها قدمت لي، و لا أشعر أني قدّمت لها؛ أنا أكتب عنها لأنني ممزوج فيها. و لا أجد فصلا بيني و بينها. فأنا لا أكتب لأني أريد ذلك؟ بل لأني و إياها شيء واحد, و اذا كان ثمة فضل لأحد الطرفين فهو للاسكندرية, و ليس لي. انا ولدت فيها لكنها هي التي صنعتني: تاريخها، حاضرها، ملاهيها، ناسها، و ثقافتها.. كل هذا كون ابراهيم عبد المجيد.

* أشخاص رواياتك ممسوسون بجنون خفي، يكشف طيبتهم و عمقهم معاً؛ هل هم أنبيائك المنتظرون؟

** الممسوسون في رواياتي هم كذلك بسبب من عدم توافقهم مع المجتمع. فهم أشخاص أكثر براءة من غيرهم. لا يستطيعون تحمل كل هذه القسوة، فيخرجون إلى مدار كوني آخر يرتاحون فيه.

==
صاحب "لا أحد ينام فى الإسكندرية"
يحكى عن علاقته الحميمةبالمكان
معتبرا العودة إلى تقاليد السرد "حداثة من نوعآخر"
إبراهيم عبد المجيد: أروى حكايات مجانين وشخصياتىمألوفة

أجرى الحوار فى عمان: موسىبرهومة



*أنت مسكون بحب الإسكندرية، كما لو كنت غارقا فى تأمل المطلق، ألهذاالحد يمكن أن تصل درجة الوله بالمدينة؟
**هذا تعبير قوى يتجاوز ما هو جار. العلاقة بينى وبينالمدينة حميمة، وأعتقد أن كل كاتب منذور لمكان ما، وهو المكان الذى قضى فيه السنواتالمؤثرة فى حياته، فى الإسكندرية أمضيت السنوات الأولى من عمرى، ورأيت العالم منخلالها، ومن الطبيعى عندما أكتب أن أكتب عنها، فأنا لا أعرف حتى الآن أن أكتب عن شئآخر، أو عن مكان آخر غير الإسكندرية.


وللمزيد للكاتب على هذا الرابط
مجلة أمواج سكندرية

ايوب صابر 12-13-2011 09:28 AM

ابراهيم عبد الحميد شخص محاصر بالموت

في رده على سؤال ضمن مقابلة صحفية : س- السفر ، الرحيل ، الموت الفادح هو قدر معظم ابطال اعمالك القصصيه فهل من الممكن ان تبين لنا اسباب ذلك؟

يرد الروائي إبراهيم عبد المجيد بما يلي:

من الاسباب التي حفرت معاني السفر والرحيل والفراق بداخلي هو عمل والدي بهيئة السكك الحديدية، فكثيرا ما كنت اسافر معه كما انني عندما كنت تلميذا بالمرحلة الابتدائية كان لزاما علي ان اقطع شريط القطار ذهابا وايابا حتى اذهب الى مدرستي بحي القباري. اذا فهذه المعاني تحاصرني منذ ميلادي.

أما عن الموت فهو من وجهة نظري سفر لا نهائي وخلال حياتي قابلت اناس كثيرن سافروا واختفوا من الحياة . اذكر انني تعرفت على هذا السفر اللانهائي في مراحل مبكرة جدا من حياتي فالموت غيب الكثير ممن اعرفهم مثل صديقي اثناء مرحلة الطفولة المرحوم خير الدين والذي تناولت شخصيته في رواية ( طيور العنبر ) وكانت شخصية من اجمل شخصيات الرواية.

إذا انا محاصر بالسفر والرحيل والفراق والموت منذ الولادة والنشأة ناهيك عن عملي الزظيفي بالقافة الجماهيرية والذي جعلني على سفر معظم الوقت – كل ذلك جعل قضايا السفر والرحيل والفراق تتسرب ربما دون وعي كنى الى أعمالي الادبية.

كامل المقابلة تجدونها على الرابط ادناه مع الشكر لصاحبها:
http://saddana.com/forum/showthread.php?t=5067

ايوب صابر 12-13-2011 03:46 PM

إبراهيم عبد المجيد
- ولد إبراهيم عبد القوي عبد المجيد خليل في 2 ديسمبر سنة 1946م الأسكندرية.
- حصل إبراهيم عبد المجيد على ليسانس الفلسفة من كلية الآداب جامعة الأسكندرية عام 1973م.
- في نفس العام رحل إلى القاهرة ليعمل في وزارة الثقافة، تولى الكثير من المناصب الثقافية.
- أصدر إبراهيم عبد المجيد عشر روايات, منها "ليلة العشق والدم", "البلدة الأخرى", "بيت الياسمين", "لا أحد ينام في الإسكندرية", "طيور العنبر"، كذلك نشرت له خمس مجموعات قصصية وهم "الشجر والعصافير", "إغلاق النوافذ", "فضاءات", "سفن قديمة", "وليلة انجينا".
- يقول عن ارتباطه في الاسكندرية مكان طفولته " مضى على الآن أكثر من ربع قرن فى القاهرة ولم أكتب عنها غير بضع قصص قصيرة ومشاهد متفرقة فى رواية أو أكثر. لقد عشت فى الإسكندرية ربع القرن الأول من حياتي، وكتبت عنها أكثر من سبع روايات حتى الآن.
- يصف الحي الذي يقطنه, بأنه سينماشعبية- هي سينما مصر- و كنت من المواظبين يوميا على دخولها..
- تأثر بالماركسية والتقى الكثير من الشخصيات الحزبية.
- تأثر كثير بهزيمة حرب 1967 حيث يصف المرحلة التي تلتها بأنها مرحلة صعبة وكشف له ان الواقع مؤلم ينخره السوس، وكان ذلك بالنسبة له شيئا قاسيا عرى احلام الجيل كله.
- تأثر بالفلسلة الوجودية واستحوذت عليه بسرعة خلال الجامعة.
- يقول " أدركت قلق الاغتراب، من دون التفسيرينالماركسي والوجودي.. و ان حياتي تحفل به.. و لذلك تعتبر فكرة الاغتراب محورية فياعمالي. فأبطالي غير متوافقين مع المكان و لا الزمان. عندهم صبوات و رغبات اكبر منطاقاتهم المادية.. و هذا هو ما يسبب لديهم الشعور بالاغتراب، و التأزمالروحي.
- يعتبر انه مسكون بالاسكندرية لانه قضى السنوات المؤثرة فى حياته، فى الإسكندرية حيث أمضى السنوات الأولى من عمره هناك.
- يقول ان من الاسباب التي حفرت معاني السفر والرحيل والفراق بداخلي هو عمل والدي بهيئة السكك الحديدية، فكثيرا ما كنت اسافر معه.
- يقول ان من الامور التي اثرت فيه "انني عندما كنت تلميذا بالمرحلة الابتدائية كان لزاما علي ان اقطع شريط القطار ذهابا وايابا حتى اذهب الى مدرستي بحي القباري.
- أما عن الموت فيقول " من وجهة نظري سفر لا نهائي وخلال حياتي قابلت اناس كثيرن سافروا واختفوا من الحياة . اذكر انني تعرفت على هذا السفر اللانهائي في مراحل مبكرة جدا من حياتي فالموت غيب الكثير ممن اعرفهم مثل صديقي اثناء مرحلة الطفولة المرحوم خير الدين والذي تناولت شخصيته في رواية ( طيور العنبر ) وكانت شخصية من اجمل شخصيات الرواية.
- ويقول " انا محاصر بالسفر والرحيل والفراق والموت منذ الولادة والنشأة.

لقد سهل الاديب ابراهيم عبد المجيد علينا مهمة موضوع هذه الدراسة، ووصف لنا بكلمات واضحة عناصر التأثير التي تصنع الكاتب...وتؤثر في ادبه ربما بصورة غير واعيه كما يقول.

فهو من ناحية يدرك مدى تأثير الطفولة على الشخص ولذلك ارتبط بالاسكندرية التي نشأ فيها الخمسة وعشرين عام الاولى من حياتة فكتب عنها 7 روايات وعاش الخمسة وعشرون عاما التالية وما يزال في القاهرة ولكنه لم يكتب عنها الا القليل.

ومن ناحية اخرى يدرك تماما عناصر التأثير والتي تشتمل دون حصر على ( السفر، الرحيل، الفراق، الموت)...هذا الموت الذي يعتبره سفر لا نهائي، وانه وخلال حياته قابل اناس كثيرون سافروا، واختفوا من الحياة حيث غيبهم الموت مثل صديقه اثناء مرحلة الطفولة المرحوم خير الدين.

ابراهيم عبد المجيد ...شخص جعله الموت يشعر بالقلق، والغربة، بل ان حياته كانت تحفل بالاغتراب كما يقول ، فهو مثل ابطال رواياته لم يكن متوافق مع المكان ولا الزمان، وكان لديه صبوات ورغبات اكبر من طاقاته المادية وكذلك ابطال رواياته....ولذلك كان يشعر بالاغتراب والتأزم الروحي.

ولا شك ان لهزيمة العرب في عام 1967 اثر مهول عليه ومعاناة الناس الذين وصف حياتهم بالسينما ان لم يكن بث مباشر من الميدان.

لا نعرف تفاصيل عن أولئك الكثيرين الذين ماتوا واختفوا من حوله، ولكنه عاش حياة ازمة حقيقية بسبب عدة عوامل اهمها محاصرة الموت له وذلك الفقد المتعدد خاصة فقد صديق طفولته خير الدين.

مأزوم....سبب ازمته موت صديقة طفولته.

ايوب صابر 12-14-2011 09:16 AM

والان مع سر الافضلية في رواية :
19- الحب في المنفىبهاء طاهرمصر
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
رواية للأديب بهاء طاهر حاصلة على جائزة الدولة التقديرية عام ١٩٨5.
الرواية خيالية ولكن من خلالها ذكر الكاتب عدد من الوقائع الحقيقية، كقصة تعذيب بيدرو ومصرع شقيقه فريدي في تشيلي، وما حدث في عين الحلوة بجنوب لبنان حسب شهادة الممرضة النرويجية (حسب الكاتب فهذه الوقائع حصلت كما هي وهناك نصوص مقتبسة من هذه الشهادات كما هي).
الأحداث</SPAN>

تدور أحداث الحب في المنفى في بداية الثمانينيات، قبل وبعد الاحتلال الإسرائيلي لبيروت، تحكي بلسان صحفي مصري ناصري في الخمسين من عمره، صدم في ما آلت إليه بلاده بعد رحيل رحيل عبد الناصر نفسه، وانتقال البلاد من زعيم إلى قائد. مر بعدة اضطرابات في حياته الزوجية إنتهت إلى الطلاق من زوجته منار، سافر بعدها إلى سويسرا حيث عمل مراسلا لصحيفة لم تعد تنشر له أي شيء، لأنه لا يزال مواليا لعبد الناصر!
تستمر أحداث الرواية فيتعرف إلى المرشدة السياحية النمساوية بريجيت ويحبها. ثم يظهر في حياته أمير خليجي ثري يحاول إقناعه بتحرير جريدة ينوي إنشائها، إلا أنه السارد يكتشف أن هناك نوايا مشبوهة فيبتعد.
يعيب البعض على الرواية رتابة الأحداث وبطئها، إلا أنني لم أجدها سيئة إلى هذا الحد لأن الرواية معتمدة على السرد مما يفتح الباب للبوح سواء بين السارد ونفسه أو بينه وبين الشخصيات الأخرى، وهذه الجزئية تحديدا قد تكون ميزة في أعين بعض القراء، وعيبا لدي البعض الآخر - لا قاعدة هنا حيث التفضيل الشخصي.
[عدل] المصدر
تم الاسترجاع من "http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A8_%D9%81%D9 %8A_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D9%81%D9%89&oldid=6996768"

ايوب صابر 12-14-2011 09:18 AM

الحب في المنفى



by بهاء طاهر, Bahaa Taher
ـ «رواية كاملة الأوصاف» ـ د. علي الراعي - الأهرام
«نموذج جديد للرواية الواقعية» ـ د. شكري عياد - الهلال
«رواية نسجها مؤلفها باقتدار كبير» ـ د. جابر عصفور - الحياة
«كأنى بهذا المبدع الكبير يريد أن يحفر في وجدان قارئه ما حدث.. حتى لاينساه أبدا» ـ فاروق عبد القادر - روزاليوسف
«بهاء طاهر كاتب واضح مسيطر على مادته وأدواته. جديد في رؤيته ومتفرد في نوع أدائه. ...more</SPAN>ـ «رواية كاملة الأوصاف» ـ د. علي الراعي - الأهرام
«نموذج جديد للرواية الواقعية» ـ د. شكري عياد - الهلال
«رواية نسجها مؤلفها باقتدار كبير» ـ د. جابر عصفور - الحياة
«كأنى بهذا المبدع الكبير يريد أن يحفر في وجدان قارئه ما حدث.. حتى لاينساه أبدا» ـ فاروق عبد القادر - روزاليوسف
«بهاء طاهر كاتب واضح مسيطر على مادته وأدواته. جديد في رؤيته ومتفرد في نوع أدائه. الصدق هو النبرة الأولى التي تصافحك في سطوره، والتوازن الموضوعي هو العلامة الواضحة التي يقيم عليها بناء نصوصه» -علاء الديب - صباح الخير

ايوب صابر 12-14-2011 09:20 AM

الحب في المنفى

بهاء طاهر


علاقة المثقف بالسلطة، وآثار التحولات الاجتماعية تكاد أن تكون القيمتين الغالبتين على أدب بهاء طاهر، واذا أضفناهما ثالثا يشغل بهاء طاهر وهو علاقة الشرق والغرب أو الذات والآخر لخرجنا بمعادلة تختزل المشروع الإبداعي لبهاء طاهر وهي قضية النهضة والتقدم، ولعل كتابه التاريخي "أبناء رفاعة " حول بعض شخصيات النهضة في التاريخ المصري الحديث يؤكد هذا التحليل، حيث حاول رصد تطور مسيرة النهضة في الوعي المصري الحديث.

في روايته المبشرة "قالت ضحى" (1985) يناقش بهاء طاهر ظاهرة سلبية المثقفين وانقطاعهم عن التواصل مع حركة الشارع، وعملية الهدم والتغيير التي تمت في مجتمع الستينات في مصر الناصرية، وتصور الرواية عجز المثقفين، وانحرافهم عن التزامهم السياسي، وفي "قالت ضحى" نشهد التوتر بين الحلم بالعدل الاجتماعي وبين سطوة الحب، أو الصراع بين الحب والعدل معا، من خلال بحث مصر عن نفسها وانبعاثها. (منقول)

ايوب صابر 12-14-2011 09:24 AM

السخرية ونقد الذات في رواية الحب في المنفي لبهاء طاهر


١١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧بقلم بوشعيب الساوري

في روايته الحب في المنفي(1) يشتغل بهاء طاهر علي نقد الذات الفردية والجماعية برصد خيباتها وفشل مشاريعها وأحلامها علي أرض الواقع، وخيبات الشخصيات وخيبات الإنجاز العربي ساعيا إلي إزالة الأقنعة عما يظهر في السطح، وإظهار الواقع والذات العربية علي ما هي عليه عبر أسلوبي السخرية والاعتراف.

1 ـ الشخصيات وخيباتها
تشترك شخصيات حب في المنفي في مجموعة من السمات:

أ ـ إنها شخصيات مكتملة، تقدمها الرواية في لحظة اكتمالها، فيعمل السارد وتعمل معه الشخصيات علي إضاءة ذلك الاكتمال عبر مجموعة من الاسترجاعات، التي تؤكد أن وراء كل شخصية حكاية دعتها إلي المنفي.

ب ـ كل الشخصيات الرئيسية في الرواية تعيش المنفي الاضطراري، انطلاقا من السارد ومرورا ببريجيت وإبراهيم ووصولا إلي يوسف، كانت تعاني في بلدها من مشكلة إما مرتبطة بتمسكها بمبادئ تتعارض مع واقعها أو أنها تحمل أفكارا معادية للنظام، كيوسف الذي هاجر نتيجة اشتراكه في مظاهرة ضد السادات (ص 76) فاضطر للفرار والسارد الذي ظل وفيا لعبد الناصر فتم إبعاده من الجريدة كمراسل لها بسويسرا. تفضل الشخصيات البقاء في المنفي علي العودة إلي بلدها. أفضل البقاء هنا علي العودة إلي البلد (ص 53).

ج ـ جل الشخصيات لم تختر مصائرها، ولم تختر الوضع الجديد بالمنفي. تقول بريجيت النمساوية التي تعمل كمرشدة سياحية بجنيف: لم أختره ولكنه كان العمل الممكن لي كأجنبية في هذا البلد .

ص 48). فمصائرها ليست بأيديها وتعرف أن ما تقوم به خارج عن إرادتها، وأنها مجبرة علي فعله: يقول السارد متسائلا عن وضعه: وكنت أسأل نفسي في دهشة هل ما زلت بالفعل صحافيا له حاسة الصحافي؟ بعد كل السنين التي مارست فيها البطالة في هذه المدينة الأوروبية أنقل الأخبار الرديئة لصحيفة رديئة؟ (ص 167).

د ـ إن منفي الشخصيات مرحلة انتقالية لكنها طالت.

هـ ـ يعمل السارد علي تسليط الضوء علي الشخصيات في لحظة فشلها وانهزام أحلامها علي أرض الواقع، فتؤمن بأنها كانت تحلم بأفكار لا تلائم الواقع، فتعيش خللا وجوديا، ما بين الواقع والحلم، ودائما ينتصر الواقع، لتفشل مشاريعها وأحلامها فالسارد كان يحلم بانتصار الثورة واستمرار الفكر الناصري، وإبراهيم كان يحلم بانتصار الفكر الماركسي، ويوسف الذي كان يحلم بأن يصبح صحافيا كبيرا لكنه انتهي إلي مشتغل في مقهي بالمنفي.

كل أحلام الشخصيات، إذن تحطمت علي أرض الواقع، حتي بالمنفي عند ما حاول السارد ومعه يوسف إنشاء جريدة، فاكتشف السارد أن صاحب الفكرة وممولها الأمير حامد يقوم بأعمال مشبوهة، فهناك فشل في أرض الوطن وخارج الوطن كبريجيت التي فشلت في زواجها من إفريقي بوطنها النمسا، وفشلت في الحصول علي عمل بالمنفي، مما جعل الرواية تركز كثيرا علي خيبات الشخصيات، وتحاول تقديمها في أوضاع الهزيمة والخيبة، مما يجعلها تؤمن بفشلها، وتغير قناعاتها وتتخلي عن بعض مبادئها، لتدخل إلي مسارات لا ترضي بها، مثل السارد الذي أصبح يتقاضي أجرا بدون عمل. هذا الوضع دفع الشخصيات إلي السخرية من ذاتها ومن واقعها المتردي.


2 ـ السخرية ونقد الذات
انعكس خطاب الفشل والخيبة علي أسلوب الرواية، فجعلها تندرج في سياق خطاب نقد الذات وتحريضها، بالتركيز علي خيباتها وزوال أوهامها، وهو خطاب ميز الرواية العربية، خصوصا بعد هزيمة 67 التي عرت خطاب الأحلام وأعلنت بداية خطاب الأزمة.

والسخرية كأداة بلاغية، تندرج في هذا النقد الجاد، يلجأ إليها بهاء طاهر لتقديم رؤياه للعالم العربي وأوضاعه في فترة من فتراته الحرجة (اجتياح إسرائيل للبنان) ونهاية حكم عبد الناصر وبداية حكم أنور السادات بمصر، أمام هذه التحولات المتسارعة التي عرفها الوضع العربي لم يكن أمام السارد والشخصيات من وسيلة إلا السخرية من ذواتهم ومن الواقع الذي انتهي إلي غير ما كانوا يريدون. بذلك كانت السخرية أداة بلاغية مؤسسة لرواية حب في المنفي.

تتأسس السخرية في رواية حب في المنفي علي ثلاث ركائز:

ـ الأولي: السخرية من الذات ويقوم بها السارد، الثانية السخرية من الأنا العربية والواقع العربي، والثالثة سخرية الشخصيات من بعضها البعض.

أ ـ السخرية من الذات: انعكست التحولات الكبري التي عرفها الواقع الخاص والعام للسارد، وفشل الأحلام والشعارات وانكسارها علي أرض الواقع، علي السارد فأدخلته في قلق وجودي وتوتر دفعاه إلي السخرية من ذاته ومن قيمه ومبادئه الخاصة من الذات، وتتأسس علي عنصرين وهما:

ـ عدم رضي السارد علي وضعه الجديد يدفعه إلي السخرية من ذاته والنقمة عليها. يقول عن وضعه كمراسل صحافي بالمنفي: قيدني العمل؟ أي كذب! لم أكن أعمل شيئا في الحقيقة، كنت مراسلا لصحيفة في القاهرة لا يهمها أن أراسلها، ربما يهمها بالذات ألا أراسلها . (ص 5). يقول في سياق آخر: اكتشفت أنني أكذب (ص 56).

ـ إحساس السارد وإيمانه بالعجز والفشل يدفعانه إلي السخرية من ذاته. يقول: ما أهمية ذلك التنقيب الذي انغمست فيه؟ أي كسب حققته حين عرفت من هو؟ لن تنقد أنت لبنان من دافيديان ولن تحارب إسرائيل باكتشافك (ص 175) وقد تصل السخرية أحيانا إلي حد تجريح الذات وجلدها. من أكون؟ ها أنا ذا أعرف أخيرا من أكون... لست مهما علي الإطلاق! لم أكن مهما في أي وقت ! (ص 150).

ب ـ السخرية من الوضع العربي: تدخل السخرية من الوضع العربي في إطار نقد الذات العربية عموما بمبادئها وقيمها ومنجزاتها وخيباتها، وتنتج السخرية عبر نقطة التوتر بين ما كان يطمح إليه العرب وبين ما آلوا إليه من خيبات وفشل علي العديد من المجالات (عسكريا، سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا وثقافيا)، مما يدفع السارد إلي النقد. يقول عن وضع الصحافة: أما صحيفتنا بالذات كما تعلم فإن أهم أخبار العالم فيها لم تعد تتجاوز خمسة أسطر. نحن تطورنا . (ص 22). فالذات كانت تحكم بواقع أفضل لكنها تجد الواقع الفعلي قد أفضي إلي الأسوأ، فتحدث المفارقة، وتنقم الذات علي واقعها وعلي حاضرها الذي لم تعد تطيقه، فتعمل علي تشخيصه عبر حاسة النقد، لترصد انهزام الشعارات الكبري التي كان يحملها العرب وانكسارها علي أرض الواقع، يقول السارد علي لسان إبراهيم: كلنا توقف نمونا (ص 25).

تعمل السخرية هنا علي تجاوز ما يظهر في السطح إلي عمق الأشياء وتزيل الأقنعة وتعري الواقع، وتجعله يظهر علي الصورة الحقيقية التي هو عليها، منذ أن انجلت الأوهام وفشلت المشاريع الكبري سواء علي مستوي الوحدة العربية وعلي مستوي الفكر الاشتراكي. يقول السارد: وأنا أقول [...] إذا سألتني أين هم العرب سوف أسألك أنا وأين هم عمال العالم الذين اتحدوا؟ (ص 39) لتعبر الرواية عن وعي جديد هو الخروج من زمن الأحلام إلي الاصطدام بخيبة الواقع والوضع العربي. ويمكن أن نقف عند نماذج من السخرية تطال جوانب محددة مثل:

ـ السخرية من عادات المهنة بالمقارنة مع ما هي عليه في المنفي: عرفت أن الصحافيين هنا، مثل غيرهم، لا يرحبون بالعلاقات الاجتماعية التي لا تفيد . (ص 70) وفي ذلك إشارة إلي جدية العلاقات في الغرب مقارنة مع العلاقات الاجتماعية في العالم العربي والتي لا تفيد.

ـ السخرية من التلفزيون: التلفزيون عندنا جهاز للتخلف العقلي . (ص 82).
ـ السخرية من الوضع الثقافي: ونراها في شخص إبراهيم الذي لا يعرف من هو الشاعر خليل حاوي. نقتل شعراءنا بالصمت ونقتلهم بالنسيان، وأردت أن أسأل إبراهيم إن صح أن الشعراء هم ضمير الأمة، فما مصير الأمة التي تنسي شعراءها؟ (ص 33).

وينتهي إلي مجموعة من التساؤلات: هل يمكن أن تقول لي أنت ما الذي جري؟ أقصد لماذا لم نعد نعرف أبدا أية فرحة حقيقية ولا حتي أية سكينة حقيقية؟ هل تعرف كيف صدر الأمر بحرماننا من السعادة؟ (ص 100).

ج ـ سخرية الشخصيات من بعضها البعض: تتأسس انطلاقا من اشتغال الشخصيات علي التقاط المفارقات في كلام وأفعال وأفكار بعضها البعض، الأمر الذي يفضي إلي خلق موقف باعث علي السخرية، في إطار حوار سقراطي يتأسس علي صراع الأوعاء. مثلا عند ما يسأل إبراهيم بريجيت أثناء الحديث عن غينيا الاستوائية: وهل يتكلمون الاسبانية؟ (ص 49) كان سؤاله هذا باعثا علي السخرية فردت عليه بريجيت ساخرة: أنت صحافي، ومن إفريقيا أيضا، ولا تعرف إن كانوا يتكلمون الاسبانية أم لا؟ (ص 49).

كما أن صراع الأوعاء، خصوصا بين السارد وإبراهيم، يدفعهما إلي السخرية من بعضها البعض، مثلا: سخرية السارد من إبراهيم المتمسك بالأفكار الشيوعية الذي يقول للسارد: هل تريد أن تعرف الجواب؟ لأنه طال الزمن أو قصر فهم البديل لأزمة أوروبا ولمشكلة العالم هم المستقبل وهم حتمية التاريخ . (ص 99) فيجيبه السارد ساخرا ولكن يا إبراهيم ولا أعتي الشيوعيين يقول ذلك الآن! ولا حتي الكرملين نفسه يحلم بأن يحدث هذا في الغرب. ما الذي جري لعقلك؟ (ص 99).

كما تعمل الشخصيات علي إزالة الأقنعة عن بعضها البعض وتأكيد أن ما تقوم به من أفعال ليس مجانيا، مثلا بريجيت تجاه الأعمال الإنسانية التي يقوم بها الطبيب مولر تقول بريجيت: مما في ذلك دموعك أنت أيها المنافق! أنت ولجنة أطبائك الدولية .

وكذلك السارد مع الأمير حامد صاحب مشروع جريدة بالمنفي الذي أراد أن يختبئ وراءها ويغطي أفعاله الدنيئة يقول السارد: هو باختصار يريدنا خاتمين في أصبعه لكي يفعل شيئا لا نعرفه . (ص 173). بذلك يظهر زيف ما يبدو علي السطح من أعمال جمعوية أو ثقافية ويتأكد أن كل عمل مجاني أو جمعوي وراءه أهداف ونوايا غير التي تظهر في السطح.

إن السخرية أداة بلاغية تكشف الوجه الحقيقي للواقع وتكون خارجية (من قبل شخص آخر) عكس الاعتراف الذي يكون ذاتيا وتلقائيا وإراديا (داخلي) والذي بدوره يسير في تعرية الذات ونقدها.

3 ـ السرد أو الاعترافات
تراوحت طريقة السرد في رواية حب في المنفي بين سرد إطار يقوم به السارد، واسترجاعات يقوم بها السارد والشخصيات، تلك الاسترجاعات التي تظهر في بعض الأحيان علي شكل اعترافات، وهناك شهادات للشخصيات الأخري، الشخصيات الثانوية أو العابرة في الرواية. فالملمح العام الموجه للسرد هو الاعتراف بالفشل والنقمة علي الذات والعالم.

أ ـ السرد الإطار يقوم به السارد (بطل الرواية هو الإطار العام للرواية والموجه لها والمحدد لمساراتها، وهو الخيط الناظم للأشكال السردية الأخري، إذ يركز علي الذات في حالة فشلها وإحباطها.

ب ـ الاسترجاعات: يتعلق الأمر بطريقة سردية تقوم بها جل الشخصيات الرئيسية في الرواية، بما في ذلك السارد، ويؤدي دورا أساسيا وهو إضاءة الوضع الحالي للشخصيات، وضع الفشل والإحباط والتأكيد علي أن وراء ما آلت إليه حكاية حدث ما. مثلا لإضاءة علاقة السارد بإبراهيم يقول السارد مسترجعا: كنت سعيدا بالفعل لرؤيته رغم أننا لم نكن صديقين حميمين في أي وقت، حتي عندما تزاملنا أول مرة كمحررين في صفحة الأخبار الخارجية أيام الشباب. كان هو ماركسيا متحمسا، يقول إنني مثالي وحالم، وكان رأيي فيه أنه متحجر وبعيد عن روح الناس . (من 22/23). في الغالب تكون هذه الاسترجاعات بدافع من الشخصيات أثناء تحاورها، ويكون السؤال هو الدافع للاسترجاع، مثلا أثناء حديث السارد مع إبراهيم، بعد لقائهما في المنفي، كانت أسئلة إبراهيم دافعا لاسترجاع السارد: قال بلهجة استنكار، تعني أنك لا تعرف السبب في طلاقك من منار؟ هززت رأسي نفيا وأنا أقول: كانت هناك مشاحنات كثيرة، تحدث بين كل زوجين كما تعرف، ولكنها لم تكن هي السبب الحقيقي (ص 27).

نميز بين دورين للاسترجاعات إما تكون بدافع من السارد لإضاءة وضع ما أو علاقة ما، وإما بدافع من الشخصيات التي تحاول أن تفهم شيئا ما في حياة الشخصيات الأخري.

ج ـ البوح: هناك حضور قوي للبوح في الرواية، إذ تبوح الشخصيات لبعضها البعض بشكل واع، وبشكل تلقائي، لوجود أشياء تتقاسمها، ووجود حقل نفسي مشترك هو الذي يدفعها إلي البوح. والبوح هنا بمثابة تداعيات حرة بلغة التحليل النفسي، لكنها تداعيات إرادية، تبوح الشخصيات بالمسكوت عنه وتبوح بكل شيء، تبوح بخيباتها وفشلها وإحباطها وعجزها. يقول السارد: وفي اعترافاتنا اليومية لم يعد هناك شيء يخفيه أحدنا عن الآخر . (ص 120)، وكأن الشخصيات أمام محلل نفسي، فهناك بوح متبادل بينها فالسارد يبوح لبريجيت وهذه الأخيرة تبوح للسارد، وإبراهيم يبوح للسارد وهذا الأخير يبوح لإبراهيم، إذ تبوح بما لا يقال عادة وما يخفي. تقول بريجيت في حديثها للسارد عن مولر: بيننا أشياء كثيرة... أول شيء أنه كان عشيق أمي . (ص 60).

كان هذا النوع بمثابة علاج للشخصيات ووسيلة للتخفيف من حدة التجارب والأحداث وهذه الطريقة من صميم حياتنا العربية، فنحن عادة ما نعالج عبر الحكي للآخرين وفي الرواية البوح علاج للشخصيات يزيل عنها عبئاً ثقيلاً. ففي البوح راحة للشخصيات وتخلص من أعباء نفسية وكذلك في البوح تقليل من قيمة الشخصيات وأهميتها في أعين الآخرين، وفي ذلك جلد وتجريح للشخصية. د ـ الشهادات: تنفتح الرواية علي شهادات حقيقية لشخصيات حقيقية عن أحداث عرفها التاريخ المعاصر كشهادة بيدرو إيبانيزا الشيلي عن بعض الجرائم الحقيقية التي كانت ترتكب في الشيلي إبان الحكم الديكتاتوري، وهو أحد ضحاياها، وشهادة الممرضة النرويجية عما عاينته من مجازر في صبرا وشاتيلا.

إن في هذه الشهادات صيحة تفضح الجرائم التي تمت في حق الإنسان.

هـ ـ محكي اجتياح إسرائيل للبنان وذلك عبر ما تناقلته وكالة الأنباء وتراوح بين إظهار الحقيقة وإخفائها، وكذلك صور التلفزيون عن مجازر صبرا وشاتيلا.

يمكن الحديث عن تنوع سردي كما وكيفا، بين الشهادات والسرد الإطار والاسترجاعات والبوح كل ذلك من أجل إعطاء صورة للذات والواقع قوامها الفشل والخيبة والعجز.

هكذا تفاعل بها طاهر مع التحولات التي آل إليها العالم العربي من تصدع وخيبات وأزمات متواصلة ونهاية المشاريع الكبري، محاولا تشخيص هذا التصدع انطلاقا من السخرية من الذات ومن الواقع وتعريتها بأسلوب سردي قوامه البوح والاعتراف بالعجز والفشل والإحباط. وبذلك التأمت آليات الكتابة مع الثيمة الأساسية في الرواية.

ملاحظة
الهوامش
1- بهاء طاهر، الحب في المنفي، دار الهلال، ط. II، 1996.
المصدر الانترنت

ايوب صابر 12-14-2011 09:30 AM

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
بهاء طاهر

(ولد في القاهرة, مصر سنة 1935) مترجم و مخرج مسرحي و مؤلف روايات مصريّ نال الجائزة العالمية للرواية العربية عام 2008 عن روايته واحة الغروب.
حياته

- ولد بهاء طاهر في محافظة الجيزة في 13 يناير سنة 1935.
- حصل على ليسانس الآداب في التاريخ عام 1956 من جامعة القاهرة ودبلوم الدراسات العليا في الإعلام ـ شعبة إذاعة وتلفزيون سنة 1973.
- عمل مترجمًا في الهيئة العامة للاستعلامات بين عامي 1956 و1957، وعمل مخرجًا للدراما و ومذيعًا في إذاعة البرنامج الثاني الذي كان من مؤسسيه حتى عام 1975 حيث منع من الكتابة.
- بعد منعه من الكتابة ترك مصر وسافر في أفريقيا وآسيا حيث عمل مترجما.
- و عاش في جنيف بين عامي 1981 و 1995 حيث عمل مترجما في الأمم المتحدة عاد بعدها إلى مصر حيث يعيش الآن (2010).
أعماله
جوائز
ورد بهاء طاهر جائزة مبارك للآداب التي حصل عليها عام 2009 في العام 2011 أثناء الاحتجاجات التي شهدتها مصر، وقال أنه لا يستطيع أن يحملها وقد أراق نظام مبارك دماء المصريين الشرفاء.

ايوب صابر 12-17-2011 02:18 PM

عالم بهاء طاهر

١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٥بقلم محمد عبيد الله

بهاء طاهر، الاسم المضيء لمبدع عربي مصري، اسم يجمع البهاء بالطهر، ليختزل كثيراً من صفات صاحبه، وعلامات تجربته؛ إنه
الاسم الأدبي لمحمد بهاء الدين عبد الله طاهر، المولود في الجيزة قرب القاهرة في بدايات عام 1935، لأبوين يتحدران من الكرنك – الأقصر في صعيد مصر.
درس في الجيزة وأتم دراسته الجامعية في جامعة القاهرة وتخرج فيها عام 1956 (ليسانس تاريخ)، ولاحقاً أكمل دراساته العليا في مجال التاريخ الحديث (1965)، وفي مجال وسائل الإعلام (1973).
قدم بهاء طاهر مع مجايليه من أبناء جيل الستينات إسهامات أساسية في القصة القصيرة والرواية، كان لها دور جليّ في تطوير السرد العربي الحديث، وفي محاوراته الثرية مع الحياة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، إنه واحد ممن أكّدوا حضور السرد ومركزيته، رغم أن القطاع الثقافي كلّه، قد تعرض لمحاولات متواصلة من الإقصاء والتهميش في الحقبة العربية المعاصرة. ولكن الانتماء إلى جيل لا يكفي لفهم التجربة الفريدة لهذا المبدع، الذي يصحّ أن نصفه بالتعبير العربي القديم، فنقول إن بهاء طاهر "نسيج وحده" بمعنى تحقيق الذات ومنحها سمات فارقة رغم السياقات الجماعية التي يتشكّل فيها المبدعون.
إنه ابن زمانه ومكانه، ابن المؤثرات الكبرى التي شكّلت جيله، لكنه فتش عن سبل الاختلاف والمغايرة ليؤسس معالم خصوصيته وهويته الإبداعية، ويطوّر رؤيته استناداً إلى مشروعية الإبداع الفردي الذي قد يصبّ في السياق العام، لكنه يظل رافداً له لونه الخاص ومذاقه المختلف.
تعلّم بهاء طاهر على نفسه الإنجليزية حتى أتقنها، فغدا مترجماً معروفاً منذ زمن مبكّر من حياته، ثم سهّلت له هذه المعرفة أن يطوف في العالم ويستقر في جنيف موظفاً في مكتب الأمم المتحدّة مدة أربعة عشر عاماً.
وهذه التجربة في السفر والتنقل والعيش في دولة أوروبية، ليست مجرد تجربة عمل، بل هي إحدى التجارب التي تسللت إلى كتابات بهاء طاهر، وأضيفت إلى خبرته المصرية العربية.
ولعلّ من يقرأ أعماله يلاحظ ذلك التنوع في بيئات القصص وأجوائها من البيئات المحلية في الصعيد والريف المصري إلى بيئة القاهرة بطبقاتها وأجوائها الغنية، ثم هناك ما يمكن تسميته بالبيئة العالمية والإنسانية، تلك التي جمع فيها شخصيات من ثقافات وبلدان مختلفة ووطّنهم في دولة جديدة، هي الرواية أو القصة القصيرة، هذا واضح مثلاً في قصته (بالأمس حلمت بك) وقصته (أنا الملك جئت) وروايته الفريدة (الحب في المنفى).
من المصادر الأساسية التي تأثرت بها ترجمته الإبداعية خبرته الدرامية والإذاعية، وهو الذي انخرط في العمل الإذاعي منذ عام 1957، وأسهم في تأسيس ما يعرف بالبرنامج الثاني في الإذاعة المصرية (البرنامج الثقافي) وعمل معداً ومذيعاً ومخرجاً وتولى منذ عام 1968 موقع نائب مدير البرنامج الثاني، وأسهم أثناء عمله بتقديم الأعمال الروائية والقصصية في شكل الدراما الإذاعية، وأتقن فنون كتابة السيناريو، وعلّم ضمن التجربة نفسها مادة (الدراما) في قسم السيناريو بمعهد السينما.
هذه الخبرات لم تذهب عبثا، ومن يدقق في قصصه ورواياته سيلاحظ أنه من أكثر الكتاب تميزاً في تقنية "الحوار"، حتى يغدو عنده عنصراً أساسياً لا تستغني القصة عنه. حوارات أشبه بالسيناريو حتى وهي موجزة، تنبض بالحياة وتسمح للشخصية بتقديم نفسها، وتمنح القارئ متعة خاصة في الاقتراب من أنفاس الشخصية ومن تدرج منطقها.
يعبر بهاء طاهر عامه السبعين، يواصل إبداعه المتجدد، ودون أن يتخلى عن إيمانه القاطع بدور الثقافة، وحاجة المجتمع إليها؛ الثقافة عنده بصورها وفعالياتها المختلفة، أداة كبرى للتغيير والتنوير، سمّها ما شئت: رسالة أو قضية أو التزاماً، لكّنها ليست مجانية ولا عبثية. يلاحظ بهاء ما حلّ بالثقافة والمثقفين من كوارث وأزمات، وهو نفسه عايش منتصف السبعينات تجربة إقصائية، كانت جزءاً من إقصاء السلطة للمثقف، لكّنه رغم كل شيء يشدد في إبداعاته وكتاباته على دور الثقافة في فهم المجتمع وفي تحليله وفي صيانته، لأن الثقافة مرادفة للحرية وللوعي وللعطاء النبيل. ولا يمكن للثقافة أن تنهض ببعض ذلك دون أن يكون المثقف نفسه مستقلاً صلباً بعيداً عن الأشكال المعروفة من شراء الذمم وفسادها. بهاء من أولئك الصادقين الأحرار الذين اختاروا الثقافة أفقاً للحرية وسبيلاً رحباً نحو الكبرياء، ولعل كتاب بهاء طاهر المسمّى (أبناء رفاعة: الثقافة والحرية) من أبلغ الكتب العربية في التدليل على مكانة الثقافة والدفاع عن دورها وعن استقلالها وحريتها.
بهاء طاهر، مبدع ومثقف تنويري، بأوضح معاني التنوير، قاص وروائي مجدّد، مسرحي ومترجم، إذاعي عريق، كاتب مجيد في مقالاته ودراساته، ناقد مسرحي، وخبير بشوؤن السيناريو والدراما، يعرف الصعيد الذي يسكن روحه، ويعرف القاهرة ويعيشها، مثلما يمتلك خبرة في مدن العالم، وفي ناسه، يعرف درس التاريخ ويراه مستمراً فينا، بمحتواه الأسطوري القديم أو بوقائعه التي يمكن تجريدها في صورة تجارب وأفكار إنسانية متكررة. إنها خبرات في الحياة والكتب، ومن جماعها تكونت هذه التجربة المتفردة في حركة الأدب العربي الحديث.
في سياق الإبداع السردي يسلك اسم بهاء طاهر في جيل الستينات، الجيل الذي رسخ الكتابة ونقلها إلى أحوال جديدة رؤية وتشكيلاً. ولبهاء طاهر صوته الخاص وتجربته المميزة بعيداً عن الفكرة الجماعية في مبدأ التجييل. يمكنك أن تحدس بمبلغ عنايته بكل ما يكتبه، بحيث تجمع كتابته بين الأناقة التعبيرية والغنى الرؤيوي، ورغم وضوح حسمه لوظيفة الكتابة، فإنه أبدا لم يقع في فخاخ الأيدلوجيا أو لغة الشعارات، الكتابة عنده تجربة مغايرة لكل ذلك، لها اشتراطاتها الصعبة جمالياً ورؤيوياً، وربما لهذا السبب لم يكن يستعجل النشر، بل إن مجموعته الأولى تأخرت في الصّدور حتى عام (1972)، كما أن ما نشره ليس إلا نسبة محدودة مما كتب، إنه من أولئك المبدعين الذين يقدّسون الكلمة، ويتعاملون مع الكتابة بحرص واحترام وإجلال.. ولعل القيمة العالية لإنتاجه المنشور خير شاهد على جرأة الحذف والاصطفاء والاختيار، بحيث لا يمرّر كلمة ولا جملة ولا قصة تمريراً عبثياً أو يوردها أو ينشرها دون قناعة كاملة بأنها في مكانها الملائم وأنها تنهض بالوظيفة الإبداعية المأمولة.
إنتاجه أقل عدداً وكماً من مجايليه ومن الأجيال اللاحقة، لكن الإبداع يعترف بالنوع لا بالكّم، وكاتب صعب مع نفسه على طريقة بهاء طاهر، ينحاز حتماً للنوع وللتميز، وليس لعدد الأعمال أو كثرة الظهور في الصحافة ووسائل الإعلام. كل من كتبوا عنه شهدوا بنزاهته، وبتواريه عن الشهرة التي تلاحقه، لا يميل إلى الظهور في الصحافة ووسائل الإعلام. لكن أعماله تفرض نفسها بتميزها وخصوصيتها وسحرها الخاص. ينشغل بهاء طاهر بجوهر الكتابة وليس بما يحيط بها من سلوكيات ومظاهر، ولذلك يمكن القول أن اسم بهاء طاهر من أسماء عصامية قليلة مردّ شهرتها إلى الإبداع ولا شيء غيره، ورغم غيابه عن مصر والعالم العربي منذ منتصف السبعينات وحتى منتصف التسعينات فقد عرفه القراء العرب وقدّروا تجربته، فاجتاز الامتحان الصعب مما يدلّ بعمق على تميز هذه التجربة وفرادتها الخاصة، وصمودها الذاتي دون دوافع أو عوامل مساندة مما يشيع في حياتنا الثقافية العربية.
وحتى اليوم لبهاء طاهر أربع مجموعات قصصية، وخمس روايات، وبعض الكتب في النقد والدراسات. أما أعماله القصصية فهي الأعمال التالية بحسب طبعاتها الأولى:
1- الخطوبة وقصص أخرى، 1972: وفيها ثماني قصص قصيرة هي: الخطوبة، الأب، الصوت والصمت، الكلمة، نهاية الحفل، بجوار أسماك ملونة، المظاهرة، المطر فجأة، كومبارس من زماننا.
2- بالأمس حلمت بك، 1984: وفيها خمس قصص هي: بالأمس حلمت بك، سندس، النافذة، فنجان قهوة. نصيحة من شاب عاقل.
3- أنا الملك جئت، 1985: وفيها أربع قصص هي: أنا الملك جئت، محاكمة الكاهن كاي نن، محاورة الجبل، في حديقة غير عادية.
4- ذهبت إلى شلال، 1998: وفيها سبع قصص هي: أسطورة حب، فرحة، الملاك الذي جاء، من حكايات عرمان الكبير، شتاء الخوف، ولكن، أطلال البحر.
أي أن مجموع القصص القصيرة التي نشرها أربع وعشرون قصة قصيرة في أربع مجموعات. ومن المناسب الإشارة إلى أن بعض ما ظهر تحت مسمى (القصة القصيرة) عند بهاء، أقرب لشكل الرواية القصيرة (النوفيلا) وخصوصاً قصص: بالأمس حلمت بك، أنا الملك جئت، محاورة الجبل.. وهذا الشكل الفني يحتاج دراسة خاصة يمكن أن تعتمد على أعمال بهاء طاهر، بما يسهم في بلورة شكل (النوفيلا) في الأدب العربي، واكتشاف خصوصيتها ومنقطها السردي الذي لا يقف عند حدّ الاختلاف في الحجم أو في عدد الصفحات، بل يتعداه إلى اختلافات جوهرية في الخطاب السردي وفي المبنى الحكائي بما يجعل منه نوعاً متميزاً عن القصة القصيرة والرواية وغيرهما من أنواع سردية.
في مجال الإبداع الروائي، ظهر لبهاء طاهر خمس روايات هي:
1- شرق النخيل، 1985.
2- قالت ضحى، 1985.
3- خالتي صفية والدير، 1991.
4- الحب في المنفى، 1995.
5- نقطة النور، 2001.
ومن ترجماته الأدبية، ترجمته لعمل يوجين أونيل المعنون بـ (فاصل غريب) الذي ظهر عام 1970 وترجمته رواية (ساحر الصحراء) لباولو كويلهو (1996). ومن دراساته: في مديح الرواية، أبناء رفاعة: الثقافة والحرية، 10 مسرحيات مصرية: عرض ونقد، البرامج الثقافية في الإذاعة.
وقد ترجمت بعض قصصه إلى لغات عالمية، أما روايته (خالتي صفية والدير) فكان لها نصيب واسع من الشهرة العالمية إذ ترجمت إلى معظم اللغات العالمية المعروفة.
* *

هل من مفاتيح لهذا العالم الغني الذي شيّده بهاء طاهر على مدى عقود من الإبداع المتجدد المتألّق؟ يمكن أن نتوقف عند شخصية الراوي المشارك في القصّة التي تحمل عنوان (بالأمس حلمت بك)، ففي أحد حوارات الراوي ولقاءاته مع (آن ماري) (وهو اسم فتاة أجنبية يتعرف عليها بطل القصة بصورة قدرية أعقد من المصادفة) تقول له الفتاة: "قل لي أرجوك ماذا تريد؟
ماذا تريد؟
ما أريده مستحيل.
ما هو؟
أن يكون العالم غير ما هو، والناس غير ما هم، قلت لك ليس عندي أفكار، ولكن عندي أحلام مستحيلة".
لا نستطيع في ضوء التمييز بين الكاتب والراوي أن نقول بأن هذه الشخصية هي ذاتها شخصية بهاء طاهر، خصوصاً في عمل ينتمي للمتخيل السردي وليس للسيرة الذاتية، لكننا أيضاً نتوقف عند منطق هذا الراوي الذي يعمل في مدينة غريبة في أحد بلدان الشمال (أوروبا)، وتبدو تأملاته تأملات مبدع أكثر منه شخصية واقعية.
على لسان هذا الراوي يسرّب الكاتب بعض المفاتيح التي قد تساعدنا على فهم وظيفة الكاتب والكتابة، وربط الإبداع بالتغيير، أي أنه ليس مجرد معمار لغوي برّاق، لكنه فعل يهجس بالتغيير والتأثير بكل ما يملك من سبل، حلم المبدع، وحلم بهاء طاهر أن يكون العالم أفضل وأنبل.
كذلك يمكن أن ندخل عالم بهاء طاهر من خلال رحلة الدكتور فريد بطل قصة (أنا الملك جئت) وهي رحلة ممتدة بين العالم الأوروبي والقاهرة، ثم مغادرة العالم الصاخب إلى الصحراء، بما يذكّر برحلة الصحراء في الشعر العربي القديم الذي عرفه بهاء في صباه، رحلة أقرب إلى البحث عن المعنى وعن أسئلة كونية كبرى، وليست طلباً لماء أو كلأ، رحلة من الوجود وإلى الوجود بحثاً عن فهمه وإدراك جوهره. إنها رحلة القلق والتسآل، وهي بمجمولاتها المعرفية والوجودية تشير إلى رحلة الإبداع والمبدع، وإلى طبيعة أسئلته القلقة الحارة التي تظل تتردد وتغذي استمرار الكتابة.
ولكن في كل حال لا يحكم بهاء على شخصياته، ولا يقاضيها، بل يرسم لها إطاراً كافياً يبرز فيه مختلف توجهات الشخصية في صورة تحليل أو تفسير، أما الحكم فمهمة القارئ بعد أن يطالع الوقائع والملابسات التي تجهد القصّة في استيفائها.
في القصة التي تحمل اسم (الأب) زوج وأب، وإذ تنفتح على شتائم الزوج ووصفه تقول القصة "وقف الزوج بالقميص والبنطلون يلوح بربطة العنق وقد احتقن وجهه المدور" نتوقف عند هذا الوصف الخارجي وما ينمّ عنه من حداثة شكلية، وقد نتساءل عن الحاجة إليه، لكننا حين نصل إلى موقف تالٍ بعد انتقال الزوجة إلى بيت والدها وشكواها من زوجها ندقق في صورة الأب كما رسمتها القصة، فنجدها مرة أخرى ترسم صورة لملابسه، "أفتى أبوها بعد الغداء وهو يلبس جلباباً مقلّماً وطاقية من قماش الجلباب بأن الطلاق الشفاهي باطل". الذهنية واحدة، بين الزوج والأب في مقابل المرأة، رغم أن المظهر الخارجي حداثي عند الأول وتقليدي عند الثاني، الوعي تجاه المرأة لم يتغير من الجلباب والطاقية إلى القميص وربطة العنق، إنه تطور شكلّي لكنه يخبئ الأفكار الرجعية نفسها. وعلى هذه النحو من المفارقات الموحية، ومن الدقة في التفاصيل تتقدم قصص بهاء طاهر، تغرية بمظهرها البسيط، لكنها دوماً مما يسميه العرب (السهل الممتنع)، الذي ينطوي على بلاغة البساطة وعبقريتها الفريدة. ليس من وصف أو تفصيل دون توظيف أو معنى عميق، نسيج محكم التفاصيل، وكل شيء مستقر في مكانه، ينهض بوظيفته التعبيرية والجمالية

ايوب صابر 12-17-2011 02:21 PM

الأديب بهاء طاهر:غادر الأدباء الساحة فى السبعينات فظهرت التيارات الإرهابية
الثلاثاء 15 يوليو 2008 6:04:20 م
البشاير ـ خديجة حمودة

وصف الأديب الكبير بهاء طاهر نفسه بأنه صعيدي مزيف.. حيث جاء والده من سوهاج للعمل في القاهرة وولد بها في المدينة ليعيش حياة صعيدية قاهرية ممزوجة بتقاليد الجنوب. واضاف أن حياته مجموعة من الترحال حيث ابتعد كثيراً عن مسقط رأسه وعن موطنه الأصلي مما يجعله في حالة شوق شديد للحياة والبقاء في أي منهما، كما قال بهاء طاهر فى برنامج علمتنى الحياة أن مغادرة الأدباء للساحة وللعمل العام كانت سببا فى ظهور وانتشار التيارات الارهابية

السعيدية الثانوية

يتذكر بهاء طاهر فترة تعليمه الثانوي والأحداث العالمية تسيطر على مشاعر الطلبة, وبرغم المعاناة من الغارات والحرب وحالة غلاء المعيشة التي عاني منها الجميع واختفاء بعض المواد التموينية, إلا أن المصريين كان لديهم أمل كبير في انتهاء الحرب وانتهاء الاحتلال,

وفي هذا المناخ نشأ الشباب يمارسون السياسة داخل فصولهم الدراسية, حيث كان الفصل يتحول إلى برلمان سياسي يتحدث فيه حسب الطائفة التي ينتمي إليها وكان من بينهم الوفديين والشيوعيين والأقليات والإخوان المسلمين, إلا أن جميع هذه الأطياف كانت تشترك وتحد في المظاهرات التي تدعو للحرية ورحيل المحتل.

وأوضح بهاء طاهر أن مدرسة السعيدية ظلت سنوات طويلة محاطة من جنود النظام في محاولة للسيطرة على شغب الطلاب وعلى مظاهراتهم.

وتذكر بهاء طاهر أنه تأثر وجدانياً بهذه الحياة الثرية في التعليم الثانوي وكتب عنها إلا أن ما كتبه لم ينشر. وعلل السبب في ذلك إلى أنه اعتاد تقييم أي عمل يكتبه قبل نشره وأنه إذا أحس بأي نوع من القلل حول مستوى العمل أو جودته فإنه لا ينشره.

دراسة التاريخ

وحول اتجاهه لدراسة التاريخ وعدم التحاقه بكلية الحقوق قال طاهر إنه لا يوجد بين التاريخ والحياة المعاصرة سوي فرق بسيط, وأن الحياة المعاصرة هي امتداد للتاريخ, وهو ما دفعه لهذه الدراسة. وأشار إلى أن اختياره لتلك الكلية أدهش الجميع خاصة أن درجاته كانت متميزة في اللغات.

وعن علاقته وزملاءه بالثورة قال إنهم كانوا يدعوه للثورة وهم طلبة من خلال مظاهراتهم وأن مدرسة السعيدية كانت أول مدرسة ينطلق طلابها بالهتاف والدعوة لطرد الملك فاروق من مصر.

وعن أول صدمة تلقاها طاهر وزملاءه من ثورة يوليو أكد أنها محاكمات الثورة, وأضاف أنهم كانوا سعداء بالثورة وتوقعوا منها الكثير من الإنجازات لذلك كانت الصدمة قوية عندما أعلن عن تلك المحاكمات.

الإذاعــــــــــــة

وعن عمله في الإذاعة المصرية تأسيسه للبرنامج الثاني قال بهاء طاهر إنه بدأ عمله في الإذاعة في الفترة التي تم فيها إنشاء البرنامج الثاني, وأن فريق العمل كان يضم سميرة الكيلاني ومحمود مرسي وصلاح عز الدين برئاسة سعد لبيب الذي كان يمثل المايسترو في هذا الفريق وكان مطبقاً لكل معاني الديمقراطية في عمله.

وعن مستقبل الإذاعة الآن في القرن الواحد والعشرين قال بهاء طاهر إنه يخالف الجميع ويري أن مستقبل الإذاعة مهم بالرغم من ظهور الفضائيات. وأكد أن هناك اهتمام متجدد على مستوى العالم وعودة المواطنين للإذاعة.

وتحدث عن قضية استبعاده من الإذاعة عام 1975 فأوضح أن وزير الثقافة في ذلك الوقت يوسف السباعي قال (من ليس معنا فهو ضدنا) وبناء على هذه المقولة استبعد الكثيرين.

وأوضح طاهرة أنه كان يشغل منصب نائب مدير البرنامج الثاني وكان ينتهج سياسة فتح الباب أمام جميع التيارات السياسية الموجودة في مصر, ومن بينها الشيوعية والمستقلين والدينية, ولذلك كانت بعض الجهات الأمنية تقدم شكاوي لوزير الثقافة ضد البرنامج الثاني والذي أطلقت عليه هذه الجهات اسم البرنامج الأحمر.

وأشار طاهر إلى أنه عقب هذه الاتهامات وتزايدها تم استبعاد مجموعة كبيرة كان من بينهم أسماء لها قيمة في الحياة الثقافية سواء في الإذاعة أو الصحافة والأدب, واضطر هؤلاء للخروج من مصر مما أصاب الحياة الثقافية بما يشبه الشلل, وكان هذا هو السبب الحقيقي وراء ظهور التيارات الإرهابية لأنها لم تجد ثقافة تتصدي لها.

عهد السادات والمنفي

وحول ما إذا كان الرئيس السادات عالماً بكل ما يجري في المجتمع الثقافي أم أن المسئولين حوله كانوا يخفون عنه الحقيقة قال بهاء طاهر إن السادات كان على علم بالاتجاه السائد على الأقل, وذلك إن لم يكن على علم بالتفاصيل.

ويتذكر طاهر أنه خرج يبحث عن منفي في العالم كله حيث عمل كمترجم حر فذهب إلى السنغال والهند وباريس وسيرلانكا ثم استقر عام 1981 في جنيف حتى عام 1995.

وعن حياته في جنيف قال إنها مرت بمراحل مختلفة مثلها في ذلك مثل حياة أي مهاجر للغرب, وأنه عاني في البداية من رفض متبادل من جانبه ومن المجتمع في جنيف حيث لم يكن هناك انسجام وأن هذه المرحلة أنتج فيها كتاب ضم مقالة تحت عنوان لماذا يكرهنا الغرب...؟؟ وتضمن المقال مظاهر رفض الغرب للعرب وللمسلمين.

وأشار طاهر إلى أنه بعد أحداث 11 سبتمبر اختلفت كراهية الغرب للعرب في الدرجة وليس في الأسلوب.

وشدد على أن حالة الكراهية للعرب سببها أن علاقتهم بالغرب منذ الحياة المعاصرة هي علاقة المُستغل بالمستقل, حيث اتسمت دائماً باستغلال العرب, ولم تكن هناك أي درجة من الندية التي مكن أن توازن العلاقات



Bahaa Taher was born in 1935 in Cairo and published his first short story in 1964. Bahaa was active in the left-wing and avant-garde literary circles of the 1960s and was one of the writers of the Gallery 68 movement. A storyteller and social commentator Taher lost his job in radio broadcasting and was prevented from publishing in the mid 1970s in Sadat's Egypt.



In 1981 he chose to leave for Geneva to work as a translator for the United Nations. After many years of exile in Switzerland, he has returned recently to Egypt and is very active in all cultural circles. He has received much recognition in the last five years. Apart from the translation into English of two of his novels, his collected works were published in Cairo by Dar al Hilal in 1992, and a film was made about him as a leading member of the 60s generation by Jamil 'At iyyat lbrahim in 1995.



Interview with Egypt Today.



Bibliography at Arabworldbooks

ايوب صابر 12-17-2011 02:22 PM

روافد

‫22/4/2005
مقدم البرنامج: أحمد علي الزين
ضيف الحلقة: بهاء طاهر

نص الحلقة الكاملة
أحمد علي الزين: تحتفل هذه المدينة دائماً بشيء بهي على مستوى الإبداع، ويجتهد بعض مثقفيها ومؤسساتها الثقافية في ابتكار مناسبة وترسيخها لتصبح محطةً موسميةً أو لقاءً يجمع الكتاب والمبدعين من أنحاء العالم، ليناقشوا أحوال تجاربهم ونتاجهم، مؤتمر الرواية واحدٌ من هذه التقاليد وفي مثل هكذا مناسبات تلتقي بوجوهٍ أقمت معها صداقات قديمة دون أن تعرفها وذلك عبر كتابٍ شكل جسراً مؤجلاً لمثل هكذا صداقة، بهاء طاهر قد يكون أحدٌ منّا التقى به قاصاً وروائياً في كتاباته في شرق النخيل أو خالة صفية والدير التي سبقته إلى أوطان كثيرة وبلغات كثيرة، أو في منفاه عبر روايته "الحب في المنفى" أو في "واحة الغروب" الذي نال عليها جائزة بوكير مؤخراً، وكثرٌ الذين عرفوا منذ الخمسينات من خلال الإذاعة المصرية في برامجه الثقافية الرائدة، على كل حال قد لا تخطئه حين تشاهده بنحوله وسمرته يتهاذى بين صحبةٍ وأصدقاء، وتتهادى معه السبعون بعزيمة المحكوم بالأمل دائماً، في حدائق دار الأوبرا يتسكع الكلام ونتسكع ولا بد أن نسأل بهاء الذي يختزن في وجدانه أحلام القومي والعروبي القديم ويزين من المراحل بميزان العقل النقدي الحر لا بد أن نسأله عن حال مصر وعن أحوال أيامها؟

بهاء طاهر: حال مصر زي حال الأمة العربية كلها، لا يختلف عنه في كثيرٍ أو قليل يعني، نحن دي الوقت نمر بمرحلة فيها كثير جداً من الأسئلة التي تحتاح إلى إجابات في حقيقة الأمر، وكانت هناك إجابات مطروحة ثم تم التخلي عنها، ولكن لا أجد أن هناك إجابات جديدة مطروحة لا في مصر ولا في غير مصر من المنطقة العربية يعني، لذلك فالموقف هو الترقب في انتظار الظهور الجديد..

أحمد علي الزين: الجديد، من أين يظهر الجديد يعني ونحن في هذا الليل الطويل أو النفق؟
بهاء طاهر: الحقيقة منك ومني ومن كل الناس اللي بيعتبروا نفسهم عقول الأمة، اللي بيعتبروا نفسهم أنهم عليهم مسؤولية خاصة من ناحية شعوبهم وناحية أوطانهم، عليهم أنهم يشقوا الطريق، وعليهم أن يكونوا روّاد في البحث عن هذا الأفق الجديد، ولكن لا أرى في الوقت الحاضر أن هناك مثل هذا المسعى الجاد من المثقفين لاجتياز هذا الطريق.

أحمد علي الزين: على سيرة المثقفين يعني كان لهم دور نهضوي تنويري يعني منذ مطلع العشيرينات وقبل، هذا الدور بلش هيك يتراجع تدريجياً حتى يحل محله نوع من الثقافات الغيبية والخرافية والـ.. يعني هيك ثقافات ظلامية إذا صح التعبير، وبدأ هيك دور المثقفين أو بعضهم يعني يذهب إلى الهامش يتهمش إلى العزلة إلى المنفى إلى الصمت أحياناً، كيف بتقرأ هالمؤشر هذا يعني؟
بهاء طاهر: الحقيقة خلينا نكون موضوعيين في الحكم على دور المثقف في المجتمع، المثقف رائد لمجتمعه لكنه ليس صانع لحركة هذا المجتمع، المثقف جزء من المجتمع، بمعنى أن ما يحدث في وطنه من متغيرات هو قادر على أن يلعب دور في تطويرها، لكنه ليس هو الذي يصنعها، ما يصنع حركة المجتمع هو إذا جاز لي أن أقول المجتمع ككل، المجتمع بمعنى سلطاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية هي التي تصنع حركة المجتمع، المثقف له دور في هذا له دور التنبيه إلى ما هو إيجابي والتنبيه أيضاً إلى ما هو سلبي في حركة هذا المجتمع، لكن لا يستطيع أن يصفق بمفرده، لا يستطيع أن يكون هو المحرك لحركة المجتمع لا يستطيع، لذلك عندما تقرأ تاريخ المجتمعات سواءً مجتمعاتنا العربية أو المجتمعات الأجنبية تجد أنه باستمرار اللحظات التي تحدث فيها نقلات اجتماعية خلينا نقول كده بيكون في هذا المحرك الرئيسي يعني عندك مثلاً ملك الشمس في فرنسا ها لويس الأربعة عشر ومن حوليه بقى مولير ومن حوليه كل اللي كانوا متمردين كانوا متمردين وكانوا يرغبون في تغيير المجتمع، ولكن هيئت لهم الفرصة حتى لو كان دفعوا ثمن فادح من التضحيات والمصادرة والبتاع، لكن هيئت لهم الفرصة لأن يبلغوا رسالتهم، أيضاً حدثاً نظير ذلك في مجتماعاتنا العربية في فترات معينة من التاريخ عندما أتاح محمد علي لرفاع التهطاوي ورهطه من من المثقفين فكرة إنشاء لأول صحيفة عربية الوقائع المصرية فكرة الترجمة فكرة التأليف، فنشأت حركة آتت أُكلها بعد ذلك بعشرات السنين لم تأتِ أُكلها في اللحظة نفسها، أيضاً في فترات أخرى في فترة الثورة المصرية الأولى في فترة ثورة سنة 19 عندما كانت هذه الثورة محركاً لظهور حركة أدبية مش بس أدبية واقتصادية أنك ما تقدرش تفصل زي ما قلت يعني فطلعت حرب في الاقتصاد، توفيق الحكيم وغيره في.. وطه حسين في الأدب، لا بد أن تكون الحركة حركة مجتمعية كاملة..

أحمد علي الزين: شبه متكاملة.
بهاء طاهر: لازم، لا بد أن تكون متكاملة ما بين الاجتماعي والاقتصادي والسياسي طبعاً.

أحمد علي الزين: طبعاً اليوم اليوم المؤشر لا يشير يعني إلى هذا التوازن يمكن..
بهاء طاهر: خلينا لا نتشائم ربما أن يكون هناك مخاض..
أحمد علي الزين: يعني إذا أردنا تبيان ملامح للمستقبل بتقديرك هو قاتم؟
بهاء طاهر: يمكن الحاضر هو اللي قاتم، لكني آمل أن يكون المستقبل مشرق.
أحمد علي الزين: بتقول أنت في مكان ما الفهم هو مدخل إلى التفاؤل، والفهم هو ليس أيضاً مسبب للحزن أحياناً.
بهاء طاهر: حتى الحزن حاجة إيجابية يا أستاذ أحمد، حتى الحزن إذا كان يترتب عليه الرغبة في التغيير فهو شيء إيجابي يعني ليس بالضرورة أن نكون مستبشرين ضاحكين متفائلين طول الوقت إذا لم يكن في الواقع ما يدعو إلى هذا الاستبشار وإلى هذا التفاؤل نفسه، ربما يكون الحزن على ما تؤول إليه الأمور هو رغبة في تغيير هذه الأمور، أذكر كلمة أحب جداً تكرارها عن الكاتب الروسي المعروف شيوكوف في القرن 19، قال: "أنا لا أكتب عن أشياء محزنة لكي تبكوا وإنما لكي تغيروه".

أحمد علي الزين: قد تكون "واحة الغروب" مدخلاً من مداخل التعرف على بهاء طاهر الكتاب الأخير أو الرواية الأخيرة التي تروي عن تجربة إنسانية وحضارية، تجربة حب بين محمود عزمي الضابط إبان الاستعمار الإنجليزي الذي ربطته حكاية حب سيدة من أصول إنجليزية وينفى إلى واحة صحراوية نتيجة لمواقفه وتأثراته بأفكارٍ نهضوية، يبدو بهاء طاهر يتكئ في هذه الرواية تحديداً على بعض معطيات نادرة ووقائع شحيحة عن ذلك الضابط لينسج عالمه وحكايته الخصبة في محاكاة الواقع، وقد يكون محمود عزمي الذي سماه محمود عبد الظاهر ليس إلا ركيزة ليبني عليها تلك الرحلة الصحراوية في مواجهة المجهول مع زوجته ورفاق دربه، ليسمح لخياله ورؤيته في جعل هوامش التاريخ والمنسي منه واحةً في هذا التصحّر الإنساني.
بهاء طاهر: هذه الرواية حتى ولو كنت قد اتكئت فيها على التاريخ ولكني أقصد بها الحاضر.

أحمد علي الزين: تحاكي الحاضر نعم.
بهاء طاهر: طبعاً أقصد بها الحاضر تماماً، وطبعاً فيه حرص شديد على الحفاظ على البيئة التاريخية في ذلك العصر وعلى الواقع الاجتماعي في ذلك العصر، يعني أنا أذكر هنا رواية اسم الوردة أعتقد أنه أبدع فيها في إعادة خلق الجو التاريخي، وأيضاً لكي يبلغ رسالة معاصرة فيها من خلال هذه الرواية اسم "الوردة"، فنعم يستطيع الكاتب إذا ما ابتعث..

أحمد علي الزين: أخذ مسافة.
بهاء طاهر: آه إذا ما ابتعث مرحلةً تاريخية واستطاع أن يُجسد هذه المرحلة التاريخية بنوع من الإقناع فإنه فعلاً يكون مكسباً، ولكن إذا ما اقتصر الكاتب على التسجيل التاريخي فإنه يعني أنا لا أحب روايات ولتر سكوت التاريخية مثلاً، لأنها عبارة عن سجل تاريخي ممكن أن تدخل أرشيف أي دار كتب، فتجد نفس الوقائع التي يتكلم عنها.. يعني ربما التاريخ إذا تم تناوله بدون الخيال المبدع لا يكون عملاً فنياً، لا يكون عملاً فنياً.

أحمد علي الزين: يعني هذا بصير في صنف التاريخ، يعني بالنسبة للمؤرخين هذه وظيفتهم هنّ، ولكن الكتّاب أو الروائيين هنّ بياخذوا التاريخ مادة أو ذريعة لحتى يقوموا ببعض الأشياء، أنت مثل ما ذكرنا يعني بمعظم أعمالك ابن الواقع ابن حياتك اليومية ابن مشاهداتك ابن البيئة أينما كنت بالأمكنة يعني، والسؤال ذاته ما بتحسّ حالك أحياناً ممكن تقع في شيء من، المباشرة أو بيطغى عليك الواقع بزخمه أحياناً بيطغى على مخيلتك بحد منها؟
بهاء طاهر: لا يستطيع الكاتب أن يكون حكماً على هذا أستاذ أحمد، أنا دائماً أقول أنه هناك محكمتين للكاتب، المحكمة الأولى: هي محكمة الجمهور عندما يصدر العمل، فإذا أقبل الجمهور على عمل ورفض عملاً آخر ديه محكمة أولى يعني، وممكن تغلط ممكن هذه المحكمة تخطئ تماماً يعني، المحكمة الأخرى محكمة الاستئناف التي لا يمكن أن يردّ حكمها هي محكمة التاريخ، فإذا استطاع العمل أن ينفذ بعد صدروه بعشرات السنين فإنه يظل بالفعل عملاً استطاع أن يتجنب المباشرة، وأن يقدم شيئاً باقياً، من المهم جداً في الأدب أن يكون ما يقدمه الأدب.
.
أحمد علي الزين: أن يبقى شيئاً منه.
بهاء طاهر: أن يكون فيه شيء أن يكون يتحدث عن شيءٍ باقٍ في الإنسان وفي المجتمع.
أحمد علي الزين: يعني الغربال الحقيقي للإبداع مش النقاد هو التاريخ.
بهاء طاهر: لا.. لا هو التاريخ.

أحمد علي الزين: شو رأيك بالنقاد أنت؟
بهاء طاهر: والله أنا عاصرت عصر ذهبي للنقد يا أستاذ أحمد، عاصرت مدرسة هائلة من النقاد، ما زال لدينا بعض النقاد المجيدين جداً وإن كانوا مش منتظمين في الكتابة، كنت أريد أن أقول أنني غير راضٍ عن حركة النقد الآن على الإطلاق على الإطلاق بالرغم أن هناك نقاداً مجيدين في مصر وفي كل الوطن العربي، ولكن المسألة تتعلق بأمرين أستاذ أحمد في رأيي، المنابر التي تتاح لهؤلاء النقاد نمرة واحد، والمناخ الاجتماعي الذي يحيط بالنقد، يعني النقد ليس هو مجرد تقريض أو ذنب وليس هو مجرد..

أحمد علي الزين: قراءة سطحية للأشياء.
بهاء طاهر: قراءة سطحية للأشياء، النقد أيضاً مرتبط بالمناخ الاجتماعي الذي يدور فيه الناقد، والحركة الأدبية بوجه عام.

أحمد علي الزين: وبالعلاقات الشخصية أحياناً.
بهاء طاهر: ده بقى النقد المريض الحقيقة هذا هو النقد المريض، هذا هو النقد الذي يمكن أن يسيء إلى الأدب لا أن يدفع به إلى الأمام.

أحمد علي الزين: يعني ما استطاع النقاد العرب أو التجربة النقدية بعالمنا العربي أن تراكم تجربة يعني بنقدر نتكئ عليها أو يعني نستأنس بها أحياناً في قراءة..
بهاء طاهر: برضه زي ما قلت لك أستاذ أحمد لا تدعنا نوجه اللوم إلى النقد وإنما إلى المجتمع، حأضرب لك مثال صغير..

أحمد علي الزين: كله مرتبط ببعضه.
بهاء طاهر: حأضرب لك مثال صغير جداً، يعني في الخمسينات والستينيات كانت الصحف اليومية تخصص للنقاد زي لويس عوض زي محمد مندور زي.. من كبار النقاد، ليس فقط صفحات بأكملها بل ملاحق بأكملها برغم أن عدد الصحف والمجلات في مصر وفي الوطن العربي تضاعف مراتٍ عدة، وإنما المساحة المتاحة للنقد تقلصت بشكل..

أحمد علي الزين: مرات عدة.
بهاء طاهر: مراتٍ عدة أيضاً كما تفضلت حضرتك، كثيراً جداً يعني أصبحت وقلت هذا وأنا متشبث به أن الحفاوة العامة والاهتمام العام الإعلامي والنقدي بمباراة واحدة لكرة القدم ما بين فريقين رئيسيين توازي ما يكتب عن الأدب في على سنة على امتداد سنة بأكملها، فمن هنا العيب ليس عيب النقاد وحدهم، هو عيب الإعلام وعيب المجتمع.

أحمد علي الزين: وأنت تقلب في صفحات قصصه وروايته تعثر على عاشقٍ من نسيجٍ خاص، عاشق لمصر كما يصفه محمود أمين العالم، هو من خلاصات تجربة اختلط فيها الإنسان بالثوري بالحالم بالمنكسر وبالمكابر، عاشقٌ مشحون بالشجن تكتشف سره خلف السطور، يظهر كعلامات أو ندوب لمآسٍ عاشها لفقد أهلٍ أو لحروب وهزائم، وتكتشف هذا المنسوب من الحب الذي يطفو، هذا المنسوب من الإيمان بدورٍ للثقافة، وهذا الشغف بحياةٍ راجحٌ فيها هواء الحرية معافاة من الظلم والجروح. طيب بنلاحظ بشغلك "منسوب الحب" عالي جداً.
بهاء طاهر: يا ريت.

أحمد علي الزين: يعني بتقديرك الحب بكل أصوله وفروعه هو خميرة جيدة لبناء عمل إبداعي أو حافز يعني؟
بهاء طاهر: بالطبع، يعني أنا شخصياً متفق معك تماماً في تعبيرك لدلالة الحب، والحب ليس فقط علاقة رجل وامرأة وإنما هي موقف من العالم، وموقف من الوجود، مهما تكون محباً للوجود أو كارهاً للوجود، فمن هنا أنا بعتقد فعلاً أن الحب هو مدخل رئيسي لرؤية الكون ولرؤية العلاقات الإنسانية.

أحمد علي الزين: وللحياة.
بهاء طاهر: ولرؤية العلاقات الإنسانية كمان.
حين أنزل في الصباح كثيراً ما أجد على محطة الأوتبيس فتاةً شقراء في خدها طابع الحسن، بمجرد أن تراني قادماً من بعيد تحوّل وجهها للناحية الأخرى، لا تنظر في وجهي أبداً مهما طال وقوفي، وعندما أعود إلى البيت في المساء أفتح التلفزيون وأغلقه وأفتح الراديو وأغلقه، أتجول قليلاً في الشقة الخالية، وأعدّل أوضاع الصور على الحائط والكتب في الأرفف، أغسل صحوناً، أكلم نفسي في المرآة قليلاً، يتقدم الليل.

ايوب صابر 12-17-2011 02:23 PM

أحمد علي الزين: بمجوعتك "بالأمس حلمت بكَ" بتقول كانت الكتابة آنذاك نوع من الهروب من الانتحار بما معناه.
بهاء طاهر: بالزبط قلت هذا الكلام، يعني ليس بالضروري الانتحار المادي وحتى الانتحار المعنوي يعني، لأني كنت أشعر في ذلك الوقت أن الحياة لا معنى لها، وأنني يعني أقضي أياماً لا أكثر ولا أعيش.

أحمد علي الزين: يعني بتلاقي بالكتابة نوع من الخلاص أحياناً؟
بهاء طاهر: نعم بكل تأكيد.

أحمد علي الزين: وبتقديرك ما بتتحول لفخ بمستوى ما للكاتب، كمان هو يعني كمان هو بيتورط بشغلة ما كانش منتبه كثير إلى أين تذهب به؟
بهاء طاهر: عندك أمثلة كثير أستاذ أحمد عن كتاب الكتابة كانت بالنسبة لهم انتحار يعني، بل ذاكر اللي كان يقعد يشرب قهوة وواقف هو بيكتب لغاية ما مات يعني، فيه كثير من الكتاب الكتابة قضت عليهم يعني، وهمونغي الذي انتحر لأنه لم يستطع أن يواصل الكتابة.

أحمد علي الزين: يعني عندما بطل يكتب انتحر. طيب مثل ما بنعرف أستاذ بهاء أنت مبكراً يعني بدأت تكتب، ولكن ما كنت تنشر وكما تقول في بعض اللقاءات أنه كنت تهاب أمام النشر.
بهاء طاهر: جداً، وما زلت، وما زلت يعني عندي كثير من الأعمال التي لم أنشرها.
أحمد علي الزين: هذا راجع لمعايير عندك، لمعايير أنت حاططها بمكان ما من وعيك أم إلها علاقة بالثقة بالأشياء اللي بتكتبها؟
بهاء طاهر: الحقيقة لها علاقة بتقديسي للكلمة، أنا أذكر لما كنت أرى الدكتور طه حسين في الجامعة كنت أشعر بمهابة لا يشعر بها أصغر مواطن أمام أعظم إمبراطور يعني، كان شيئاً عظيماً في وجداني يعني..

أحمد علي الزين: وهو يستحق..
بهاء طاهر: طبعاً.

أحمد علي الزين: وأنت متأثر فيه طبعاً؟
بهاء طاهر: طبعاً، وكنت أعتقد أنه الكتابة مهنة مقدسة، مهنة مقدسة بالفعل، يعني عندما تمسك القلم فأنت على علاقة بالمقدّس بشكلٍ ما يعني..

أحمد علي الزين: بشكلٍ من الأشكال.
بهاء طاهر: فبشكلٍ من الأشكال، ولذلك أتهيب للكتابة لأنني أخشى في كثير من الأحيان ألا أكون على قدر هذه المهمة المقدسة.

أحمد علي الزين: النبيلة.
بهاء طاهر: إذا شعرت أنني وكثيراً ما أشعر أن ما أكتبه لا يساوي لا أنشره على الإطلاق.

أحمد علي الزين: يبدو اليوم معظم الكتّاب هذه الخاصية شوي مش متوفرة عندهم بنفس المستوى اللي متوفرة عند جيلك على الأقل، أنه هالتهيب أما الورقة البيضاء يعني يمكن يقروها يقراها واحد أو 100 ألف، يعني هذا الاستسهال بتقديرك شو سببه؟
بهاء طاهر: ما لوش علاقة بالأجيال، له علاقة بموقف الكمال معلش أنا آسف دائماً بكرر الحكاية ديه، بس بموقف المجتمع من الكتابة، يعني موقف المجتمع من كتابات الجيل الذي ينتسب إليه طه حسين ويحيى حقي وغيرهما من كبار الكتّاب غير موقف المجتمع دي الوقت، فلم تعد فكرة أن الكتابة شيءٌ له هذا القدر الهائل من الأهمية موجودة في المجتمع، فلا تلومن الكاتب يعني أنا قلت في مرة من المرات أنه لو توافر الكاتب الآن أن يكتب عملاً يجمع بين عبقرية شكسبير والمتنبي ومن شئت من الكتّاب فأقصى ما يطمع إليه عمود في إحدى الصحف كانوا يقولوا له متشكر أو حاجة كده، لكن كان فيما مضى كان ظهور رواية لنجيب محفوظ أو مجموعة قصصية ليوسف إدريس أو مسرحية لمحمود دياب أو لغيرهم من الكتاب حدثاً اجتماعياً، يعني تلاقي الصحافة كلها وأجهزة الإعلام.. دي الوقت زي ما بقول لك كده عمود صغيّر وكلمتين والله كويس والله..

أحمد علي الزين: كثر الكلام وقلّ المعنى، طيب أنت هيك عاطفياً سياسياً يبدو الروح القومية عندك كانت هيك خصبة..
بهاء طاهر: وما زالت.
أحمد علي الزين: وما زالت بس بدون شعارات براقة.
بهاء طاهر: لا بدون شعارات براقة، وبدون انتماءات حزبية كمان.
أحمد علي الزين: بتقول كنت بزمن عبد الناصر زمن الثورة كنت معها وضدها في آن، فسر لي.
بهاء طاهر: هذا صحيح، بمعنى أن مش أنا لوحدي الحقيقة، جيلي بأكمله كنا معجبين غاية الإعجاب بالمبادئ التي أعلنتها الثورة، ولكن في نفس الوقت كنا نطمع باعتبار أنه من آخر سلاسات الإيه المرحلة مش عايز اسميها الليبرالية المرحلة البرلمانية كنا نمطع في أن تكون هناك حريات ديمقراطية تتيح لنا القدر الكافي من التعبير ومن النقد أيضاً يعني النقد يصوّب مسار الحركة.
أحمد علي الزين: ومسار الثورات.
بهاء طاهر: مسار الثورات، ولكن هذا لم يكن موجوداً على الإطلاق.
أحمد علي الزين: غير متوفر.
بهاء طاهر: فكان الشعور بتعانا فيما أسميته "ثنائية الوجدان" ما بين الحماس الشديد للمبادئ الثورية، وبين الرفض الشديد لممارساتها.
قال أستاذنا الحكيم: الناس أجناس، والنفوس لباس، ومن تلبس نفساً من غير جنسه وقع في الالتباس، فسألناه: يا معلمنا فهل النفس قناع نرتديه إن أحببناه وإن كرهنا نبذناه، فردّ مؤنباً أوَلم أقل لكم: من تقنّع هلك؟ قلنا: فمن ينجو يا معلمنا؟ أطرق متأملاً ثم رفع رأسه يجول فينا ببصره، وقال في بطؤ: يا أبنائي وأحبائي أفنيت العمر في البحث والترحال، فما عرفت إلا أن الجواب هو السؤال.






أحمد علي الزين: ليس غزيراً لكنه كثير العناية وأصبح كثير الانتشار، بهاء طاهر السبعيني يواصل بخفر التزامه بفعل الكتابة، فالإبداع عنده ليس ترفاً بل هو في مستوى ما محاولة للتنوير محاولة للتغيير أو للإسهام بفعلٍ خلاّق لا مجانية فيه أو لهوٍ أو عبثٍ، هو القادم من فِكر طه حسين وجيل النهضويين ومن أحلام عبد الناصر الذي كان يلتقي معه في منتصف الطريق، يبدو أنه كان يدرك معنى السقوط في فخاخ الإديولوجيا أو الانبهار ببهرجة الشعارات، هو قادمٌ من تجارب وخبرات صقلت حياته وكتاباته، هو الصعيدي الذي فتنه الكتاب واللغة والحكاية، ومنذ مطلع الخمسينات بدأ يؤسس لتجربته الخاصة قاصاً وروائياً تهيب أمام النشر حتى مطلع السبعينات كقاص، لكنه كان قد لمع ناقداً للمسرح فمترجماً وصاحب مقالة، في مطلع السبعينات تعرّض للإقصاء على يد الرئيس السادات حيث منع من النشر لحوالي ثمان سنوات، لكن هذا لم يمنع خزينه من التراكم، واحداً من التجارب المريرة التي عاشها بهاء طاهر فماذا عن تلك الأيام؟
بهاء طاهر: كان في ذلك الحين هناك اعتقاد أن الكتاب الذين يوصفوا بأنهم تقدميين و..
أحمد علي الزين: وثوريين.
بهاء طاهر: وثوريين وإلى آخره، ليسوا ممن تلائمون أو يتلائمون مع فكر المرحلة، فما حدث لي حدث لعشرات الكتاب في ذلك الحين، كل لجأ إلى الشتات شرقاً وغرباً.
أحمد علي الزين: أنت بالفترة السابقة قبل يعني من مطلع الخمسينات حتى بداية السبعينات كنت بمستوى عملك شبه يعني مطمئن ومتوازي شغلك مع طبيعة المرحلة، إلى أن إنه اشتغلت بالإذاعة فترة من الزمن فترة طويلة، بتقديرك العمل بهذا المجال الإعلامي بيوهم أحيان بتحقيق شيء مهم أنه الواحد حقق ذاته ليتناسى أو ينسى أو يتجاهل بعض الجينات المبدعة في ذاته؟
بهاء طاهر: من المؤكد هذا الوهم اللذيذ وهم التحقق من خلال العمل الإعلامي بيكون على حساب العمل الإبداعي، ولكن أنت كلمتني عن فترة أو عن مرحلة أنا شديد الاعتزاز بها، برغم ذلك القصور أو ذلك العيب الذي تفضلت بالحديث عنه، لأنه مرحلة العمل الإذاعي التي قمت بها كانت مرحلة إنشاء شيء جديد على غير مثالٍ سابق، وهو إنشاء أول برنامج ثقافي في العالم العربي، كانت تجربة زي ما قلت لحضرتك على غير سابق مثال كنا نبتكر طول الوقت نبتكر أشكال ونبتكر حلول، وحتى أنا أذكر أنني وزملائي في الإذاعة في ذلك الحين أذكر أننا كنا نبقى يعني مع معيد الدوام الرسمي من الساعة 8 إلى الساعة 2 كنا نبقى حتى لمنتصف الليل.
أحمد علي الزين: في إحساس بالانخراط بهذا الشأن يعني بكل أحواله، لأنه أنت قضيتك هيدي كانت.
يقول عنه الدكتور محمود عبيد الله قدم بهاء طاهر مع مجايليه من أبناء جيل الستينات إسهامات أساسية في القصة القصيرة والرواية، فكان له دور جليل في تطوير السرد العربي الحديث وفي محاوراته الثرية، إن بهاء طاهر نسيج وحده بمعنى تحقيق الذات ومنحها سمات فارقة، إنه ابن زمانه ومكانه تجمع كتاباته بين الأناقة التعبيرية والغِنى الرؤيوي، هو مبدعٌ ومثقفٌ تنويري من أؤلئك المبدعين الذين يقدسون الكلمة، طيب لو أردنا التحدث عن هيك مصادرك البدائية الأمكنة الأحداث الشخصيات أديش فينا نعطيها هيك مثلاً علاقة بالواقع وعلاقة بالمخيلة؟
بهاء طاهر: أنا بفتكر إنه لا يوجد ذلك النوع من الكتابة التي تستند كلياً على الإلهام، وإنما لا بد من أن يكون فيه عمل جدي من الكاتب لتنظيم هذا الـ..

أحمد علي الزين: الإلهام.
بهاء طاهر: طبعاً، فلذلك أنا بفتكر أنه الواقع مصدر أي نعم الواقع مصدر أساسي للإلهام زيه زي الحلم، زيه زي الفانتازيا زيه زي أي حاجة ثانية، ولكن لا بد أنا أقول دائماً أن الكتابة هي إعادة الكتابة، الكتابة هي إعادة الكتابة بمعنى أنك تكتب الدفقة الأولى بما تسميه الإلهام ولكن هذا الإلهام يحتاج بعد كده..

أحمد علي الزين: لشغل كثير.
بهاء طاهر: لشغل كثير.

أحمد علي الزين: صحيح، يعني الأحداث اللي بتمر بحياة الإنسان بمختلف درجات المأساوية أو غير المأساوية يعني هي كمان أيضاً بتشكل حوافز لكتابه مش بالضرورة عن تلك المأساة أو هذا الفرح، بتقديرك كمان هي بتعلب دور؟
بهاء طاهر: نعم. ودور زي ما حضرتك قلت يمكن أن يكون إيجابياً وممكن أن يكون سلبياً، يعني إذا كانت يعني الفترة التي قضيتها أنا في بداية انتقالي للعمل في الغرب وقد استمر لفترة طويلة فترة السنين الأولى فيها لم أكن أستطيع الكتابة على الإطلاق، يعني كانت كأنك اقتلعت إنسان من جذوره كدا نبته من جذورها ورميتها يعني، والله الخروج منها أستاذ أحمد اقتضى جهد هائل يعني اقتضى جهد هائل، لأن أنت اشتغلت في الغرب وتعرف عن نوعية العمل في الغرب إنك بتعمل من الصباح الباكر حتى..
أحمد علي الزين: تتفرغ..
بهاء طاهر: حتى الليل، فتكون في نهاية العمل قد ابتزت منك كل الطاقة يعني..
أحمد علي الزين: يعني طالما فتحت هذا الحديث عن تجربة بجنيف يعني حيث عملت بالأمم المتحدة حوالي 15 سنة، يعني هلأ بس تنظر لها لهالتجربة ما بتلاقي أنها شكلت مصدر آخر لهالمخزون الروائي اللي عندك؟

بهاء طاهر: بالتأكيد بالتأكيد.


أحمد علي الزين: "الحب في المنفى" روايتك هيدي ما إلها علاقة بالتجربة؟
بهاء طاهر: طبعاً، لها علاقة بالتجربة بالتأكيد يعني بالتأكيد..
أحمد علي الزين: بتحكي عن بيروت على كل الحال الحب في المنفى..
بهاء طاهر: طبعاً، كلها عن بيروت طبعاً، ولذلك اقتضت كتابتها مني سنين طويلة لأني أردت أن أكتب عن شيءٍ لم أره، عن صبرا وشاتيلا التي هزتني هزاً، إلى أن هداني الله إلى الحل، وأن يكون الرواية على لسان مراسل صحفي لم يعش التجربة وإنما يتلقى الأنباء عنها.
أحمد علي الزين: يقال أستاذ بهاء أنه أنت ممكن تكتب أكثر من عمل بنفس الوقت صحيح هذا الكلام؟
بهاء طاهر: حصل، ما دمت مكلمك عن تجربة الحب في المنفى في أثناء كتابتي للحب في المنفى طلعت أربع كتب يعني طلعت رواية "قال الضحى" طلعت مجموعة "بالأمس حلمت بك" طلعت مجموعة "أنا الملك جئت"..

أحمد علي الزين: بالأمس حلمت بك بعد موت الوالدة؟
بهاء طاهر: بعد موت الوالدة، لذلك فيها ذلك الجو الشجن الشديد يعني، وكتبت "خالتي صفية والدير" في أثناء كتابتي للحب يعني الرواية فضلت شغلاني عشر سنين بس ما كنت بكتب فيها عشر سنين، يعني أنا كانت شغلاني أكتب بعض الأفكار وأرميها أكتب بعض الصفحات وأرميها، وأتفرغ بقى للعمل الثاني خالتي صفية أو لقال الضحى أو لغيرها من الأعمال.

أحمد علي الزين: طيب خلينا نعد مثل العادة هيك للبدايات، يعني أنت من مواليد 1935 في الجيزة؟

بهاء طاهر: في الجيزة من أسرة صعيدية.

أحمد علي الزين: من أسرة صعيدية، يعني إذا بدنا نتحدث عن زمن الطفولة أديش كان منسوب السعادة منسوب الشقاء منسوب الفرح منسوب اللعب؟

بهاء طاهر: في الحقيقة لا أستطيع أن أصف طفولتي أنها كانت طفولة سعيدة لأ لا أستطيع، لأنه اقترنت ببعض التجارب المريرة جداً، يعني هذه الفترة فترة الطفولة كانت هي فترة الحرب العالمية الثانية..

أحمد علي الزين: بدايات الحرب العالمية الثانية.
بهاء طاهر: بدايات الحرب العالمية الثانية، يعني عندما تفتح وعيي عندما ابتديت أفهم الدنيا كانت الغارات وظلام الأنوار في القاهرة وصوت القنابل وصوت المدفعية المضادة للطائرات ثم اقترنت بتجربة شخصية مريرة جداً بالنسبة لأسرتي ولي شخصياً، أنه كان هناك في الأسرة في الصعيد حيث كان كل الأعمام والأخوال وأبناء الأعمام وأبناء الأخوال وباء الملاريا الذي لم يكن له علاج آن ذاك في ذلك الوقت سنة 1942، وهذا قضى على معظم أفراد أسرتي الذين كانوا في الصعيد أعمام وأخوال وأبناء عم وأبناء أخوال، فكان جو الأسرة في فترة طفولتي جو من الحزن الحقيقي يعني الحزن الحقيقي نعم، وأظن أن هذه الفترة كان عمري وقتها سبع سنين أظن أنها تركت بصمة..

أحمد علي الزين: بصماتها لأ واضحة.
بهاء طاهر: طبعاً.

أحمد علي الزين: يعني هذا الشجن والحزن بأعمالك مزروع من ذلك الوقت؟
بهاء طاهر: ممكن. ولكن فرحات الطفولة كانت هي استماعي إلى القصص التي كانت ترويها أمي، هذه هي الفرحة الحقيقية أيضاً.

أحمد علي الزين: بتقول مع الشيخوخة تتضح أكثر صورة الطفولة.
بهاء طاهر: صحيح حقيقي بالنسبة لتجربتي الشخصية ما أعرفش..

أحمد علي الزين: أنت عم تشوفها بطريقة أوضح؟
بهاء طاهر: نعم.
أحمد علي الزين: من وقت سابق؟
بهاء طاهر: نعم. أنا ما أعرفش هذا النقوص إلى الوراء تعليله النفسي إيه أو تحليله النفسي إيه ما أعرفش، ولكني شعرت بهذه المسألة عندما كنت أكتب رواية "خالتي صفية والدير" ذكرياتي عن الصعيد كلها مستمدة من زياراة صيفية في فترة العطلات المدرسية للقاري، فكنت أكتب الرواية في جنيف ولم أكن قد زرت مصر بقالي 10 سنين عندما ابتدأت كتابة هذه الرواية، فإذا بكل الصعيد

أحمد علي الزين: حضر.
بهاء طاهر: حاضراً في غرفتي في جنيف، وكل اللغة الصعيدية وكل المصطلحات، فقلت في ذلك الحين أنه يبدو أنه الواحد لما بيقدم بيكبر في السن بينكس إلى الوراء للطفولة بنوع من..

أحمد علي الزين: ليش؟ ليش بتقديرك تشبثاً بالحياة أكثر، والدفاع عن الحياة أو..
بهاء طاهر: ربما محتاجة لخبير نفساني يقول لنا إيه السبب، مش عارف يا عم الكاتب بدون كتابة مالوش وجود الحقيقة ما لوش وجود.

أحمد علي الزين: بهاء طاهر أو محمد بهاء الدين عبد الله طاهر هو اختزالٌ آخر يقوم به باسمه مثلما يفعل في اختزالاته للكتابة، مولودٌ في الجيزة عام 1935 من أبوين متحدرين من الكرنك الأقصر صعيد مصر، درس التاريخ في البداية وتخرج عام 1956 وتابع تخصصه في هذا المجال وفي مجالات الإعلام والدراما، بدأ حياته العملية في الإذاعة المصرية حيث أسهم في تقديم المعرفة والرواية، أتقن فنون الكتابة الدرامية ودرّس مادة الدراما والسيناريو في معهد السينما، وكتب في النقد، بدأ في نشر أعماله على أول السبيعينات نذكر منها: "الخطوبة" وقصص أخرى "بالأمس حلمت بك" "أنا الملك جئت" وفي الرواية "شرق النخيل" و"قال الضحى" "خالتي صفية والدير" "الحب في المنفى" "نقطة نور" و"واحة الغروب".
بهاء طاهر: كانت فكرة الكتابة حاجة محترمة جداً في الجيل الذي أنتسب إليه، يعني فكرة وجود طه حسين فكرة وجود الكتّاب العمالقة في ذلك الحين خلت يعني طموح كل شاب صغير يبقى كاتب يعني الأولاد طموحه أن يبقى لاعب كرة مش كده ولا أيه؟ لكن..
أحمد علي الزين: فكرة التماثل بلا شك يعني.
أحمد علي الزين: نعم. فكانت الكتابة أمل كبير جداً عند الناس يعني فكرة الثقافة كانت فكرة لها احترامها الكبير جداً، أذكر يعني في فترة الدراسة في المدرسة الابتدائية كان كلنا نقلد أساليب الكتاب الكبار وكده يعني، لكن بعضنا بيستمر وبعضنا بيتوقف، أنا كتبت الشعر ولكنه كان شعر بالغ الرداءة برضه في هذه الفترة، ولم أحاول أن أنشر منه أي شيء يعني، لكن لسببٍ أو لآخر استمريت في حب القصة وكتابتها، يعني كنت قارئ نهم للقصة والرواية منذ سن مبكر جداً يعني..
أحمد علي الزين: بأكثر من لغة؟
بهاء طاهر: بأكثر من لغة يمكن من المرحلة الثانوية، لأنه أنا ما تعلمت في المدارس..
أحمد علي الزين: بس لا يبدو.. شو بيعني لك الزمن يعني؟
بهاء طاهر: مش بس من دي الوقت حتى وأنا صغير جداً قبل السبعينات..
أحمد علي الزين: كنت تشعر..
بهاء طاهر: كنت أشعر بأنه صراع الإنسان الحقيقي هو صراع مع الزمن، بمعنى أنك تريد أن.. يمكن نجيب محفوظ في الحرافيش أوضح الحكاية دي جداً في إحدى الشخصيات التي حاول أن يكون خالداً يعني، بمعنى أن كل إنسان حتى الطفل يعني عندما يواجه بفكرة نهاية الحياة وبتاع بيحاول أن يتحدى مش ضروري يتحدى بمعنى أنه بيحاول أن يثبت وجوده في مقابل فكرة العدم، إنه يريد أن يثبت أنه يستطيع أن يترك بصمة يستطيع أن يحقق ميزاته حتى ولو من خلال الإنجاب ومن خلال استمرار الحياة بالمعنى الفسيولوجي.
أحمد علي الزين: أشكال من الخلود يعني.
بهاء طاهر: طبعاً.
أحمد علي الزين: بس غير أكيدة على الإطلاق؟
بهاء طاهر: على الإطلاق.
أحمد علي الزين: شيء مؤسف، ربما الأدب أو الإبداع بشكل عام هو بيحقق هذا المقدار؟
بهاء طاهر: حتى هذا العزاء أيضاً أستاذ أحمد مش عزاء كافي، لكن على الأقل محاولة يعني نبش يعني محاولة نبش خربشة يعني.
أحمد علي الزين: من إيمتى بلشت تحس أنه ما فيش وقت كفاية لحدّ القول كل ما يجول في بالك يعني في أي مرحلة؟
بهاء طاهر: في مراحل كثيرة الحقيقة، يعني أنا كنت بعتقد أنه آخر ما سأنشره هو رواية "الحب في المنفى" وقلت هذا الكلام، قلت أنا خلاص قلت كل ما عندي ومش حأكتب بعد كده يعني، ولكن..
أحمد علي الزين: مع إنه أنت مش غزير كثير نسبة للـ..
بهاء طاهر: لا خالص، ولا كانت من ضمن أحلامي أني أكون غزير، لم يكن من ضمن أحلامي خالص أنه أنا أكون كاتب غزير..
أحمد علي الزين: لم تسعَ؟
بهاء طاهر: لا إطلاقاً، زي ما قلت لك لست متهيباً فقط من فكرة النشر، ولكني متهيّب أيضاً من فكرة التكرار، أن أكرر ما سبق أن قلته، فلذلك أحاسب نفسي حساباً عسيراً، وبما أن الكتابة في عصرنا هذا لم تعد ذلك الشيء المهم جداً الذي كانته في صباي فلذلك لم.. حافز الاستمرار لم يكن يعني موجوداً، أنا قلت أنا رح أقول في هذه الرواية كل ما لدي وأمتنع عن الكتابة عن "الحب في المنفى" ولكن شاءت الأقدار أنه أكتب بعد كده.
أحمد علي الزين: نعم. الآن يعني عندما هيك بتحاول تلتفت إلى الوراء بتحسّ بنوع من الرضا عن مسار هالتجربة، والسؤال التقليدي اللي عادةً الواحد بيسأله أنه فيما لو خيّر المرء أن يعيد حياته أو يصنعها بيده هو بتعيد نفس التجربة أم..
بهاء طاهر: توفيق الحكيم ردّ على هذا السؤال قال: أرجع أشتغل لاعب كرة، لكن أنا مش رح أقول كده مش حأرجع أشتغل لاعب كرة حأقول أنه أنا بكل تواضع بكل يعني تجرّد أنني أشعر أنني أديت ما عليّ في حدود الإمكان في حدود الإمكان فعلت ما أستطيع أن أعمله.
أحمد علي الزين: يعني أنت من الناس اللي كنت تشعر دائماً بحكم انتماءك الفكري وأنه عليك مهمة يعني يفترض أن تقوم بها..
بهاء طاهر: جداً، عندي هذا الإحساس طبعاً سواء نجحت أم لم أنجح ولكن بما أني كتبت كتاب أبناء رفاع الذي سجلت فيه مسار تطور الفكر..
أحمد علي الزين: والنهضة.
بهاء طاهر: والإبداع وإسهام يعني حتى الفصل الأول منه اسمه "ماذا قدم المثقفون لمصر؟" إحساس بأنه الكاتب ملقي على كاهله مسؤولية عظمى عندي هذا الإحساس طول الوقت طبعاً، أما إن كنت نجحت أو فشلت فهذا لا أستطيع أن أحكم عليه طبعاً.
أحمد علي الزين: يعني الرواية بتقديرك بتقوم بدور معيّن بدور اجتماعي؟
بهاء طاهر: بدور اجتماعي أنا شديد الثقة من ذلك، وأردّ على من يقولون أن أنهم فكرة الفن للفن وفكرة الإبداع من أجل الإبداع أنه أكثر الأعمال ابتغاءً لوجه الفن تتضمن رسالة اجتماعية ورسالة سياسية، ما فيش أبداً ذلك العمل التجريدي خاصةً أظن سارتر استثنى الشعر من الحكاية ديه، ولكن حتى الشعر يساهم.
أحمد علي الزين: نعم. يعني ما زلت بتعقد الأمل على دور لمشروع المثقفين المتنورين يعني رغم دخولنا مثل ما سألنا في البداية بهذا النفق؟
بهاء طاهر: النفق آه، شوف أستاذ أحمد أعتقد أنه ده الأمل، هل سيتحقق هذا الأمل أم لا أنا لست متنبئاً ما أقدرش أتنبأ، لكن هو ده الأمل هو ده الأمل أن تعود أن يعود للأمة إدراك أهمية عقلها.

أحمد علي الزين: طيب هذا الإسفاف اليومي في كل شيء في السياسة في الإعلام وفي الصحافة وحتى في الأدب يعني بين هلالين إذا فينا نسميه أدب، هذا بتقديرك ما بيساهم في تخريب الذوق العام والوعي والـ..
بهاء طاهر: بكل تأكيد، بكل تأكيد بيسهم في تخريب الوعي وبيسهم في.. ولكن يمكن في كل مرحلة كانت هناك ذلك الصراع بين ذلك الجهد التخريبي وذلك الجهد البنّاء، يمكن دي الوقت دي الوقت في العصر اللي إحنا عايشينه ده الجهد التخريجبي..

أحمد علي الزين: شغال أكثر.
بهاء طاهر: أكثر، ولكن لحسن الحظ ما زال ذلك الجزء البنّاء يحاول أن يحفر لنفسه طريقة، إذا اختفى ده فعلاً بقى ما فيش أي أمل، إذا اختفت محاولة الجانب البنّاء في الفكر أن يفرض وجوده لا يعود هناك أمل ما لم تعد الأمة الاعتراف بأهمية دور العقل ودور الفكر فلا أمل لها.

أحمد علي الزين: يقول عنه محمود أمين العالِم كتابات بهاء طاهر من هذه الكتابات الهامسة التي تنساب إليك بهدوءٍ آسر بليغ تربت على مشاعرك في نعومة ورقة مهما بلغت حدتها الدرامية وعمقها الدلالي، إنه قصاصٌ شاعرٌ متصوّف تفيض شاعريته وصوفيته برؤيا إنسانية حادة تغريك برومانسيتها الظاهرة عما ورائها من حكمة وعقلانية وإحساس عميق بالمسؤولية والالتزام، هو عاشقٌ عظيم لمصر، باحثٌ دائب البحث عن أسرارها وأغوارها مهمومٌ بما تعانيه من أوجاعٍ وأشواق

ايوب صابر 12-18-2011 09:40 AM

بهاء طاهر

- ولد بهاء طاهر في محافظة الجيزة في 13 يناير سنة 1935.
- حصل على ليسانس الآداب في التاريخ عام 1956 من جامعة القاهرة ودبلوم الدراسات العليا في الإعلام ـ شعبة إذاعة وتلفزيون سنة 1973.
- عمل مترجمًا في الهيئة العامة للاستعلامات بين عامي 1956 و1957، وعمل مخرجًا للدراما و ومذيعًا في إذاعة البرنامج الثاني الذي كان من مؤسسيه حتى عام 1975 حيث منع من الكتابة.
- بعد منعه من الكتابة ترك مصر وسافر في أفريقيا وآسيا حيث عمل مترجما.
- و عاش في جنيف بين عامي 1981 و 1995 حيث عمل مترجما في الأمم المتحدة عاد بعدها إلى مصر حيث يعيش الآن (2010).
- الاسم الأدبي لمحمد بهاء الدين عبد الله طاهر، المولود في الجيزة قرب القاهرة في بدايات عام 1935، لأبوين يتحدران من الكرنك – الأقصر في صعيد مصر.
- درس في الجيزة وأتم دراسته الجامعية في جامعة القاهرة وتخرج فيها عام 1956 (ليسانس تاريخ)، ولاحقاً أكمل دراساته العليا في مجال التاريخ الحديث (1965)، وفي مجال وسائل الإعلام (1973).
- إنه ابن زمانه ومكانه، ابن المؤثرات الكبرى التي شكّلت جيله، لكنه فتش عن سبل الاختلاف والمغايرة ليؤسس معالم خصوصيته وهويته الإبداعية، ويطوّر رؤيته استناداً إلى مشروعية الإبداع الفردي الذي قد يصبّ في السياق العام، لكنه يظل رافداً له لونه الخاص ومذاقه المختلف.
- تعلّم بهاء طاهر على نفسه الإنجليزية حتى أتقنها، فغدا مترجماً معروفاً منذ زمن مبكّر من حياته، ثم سهّلت له هذه المعرفة أن يطوف في العالم ويستقر في جنيف موظفاً في مكتب الأمم المتحدّة مدة أربعة عشر عاماً.
- وهذه التجربة في السفر والتنقل والعيش في دولة أوروبية، ليست مجرد تجربة عمل، بل هي إحدى التجارب التي تسللت إلى كتابات بهاء طاهر، وأضيفت إلى خبرته المصرية العربية.
- عايش منتصف السبعينات تجربة إقصائية، كانت جزءاً من إقصاء السلطة للمثقف،
- يمكن أن ندخل عالم بهاء طاهر من خلال رحلة الدكتور فريد بطل قصة (أنا الملك جئت) وهي رحلة ممتدة بين العالم الأوروبي والقاهرة، ثم مغادرة العالم الصاخب إلى الصحراء، بما يذكّر برحلة الصحراء في الشعر العربي القديم الذي عرفه بهاء في صباه، رحلة أقرب إلى البحث عن المعنى وعن أسئلة كونية كبرى، وليست طلباً لماء أو كلأ، رحلة من الوجود وإلى الوجود بحثاً عن فهمه وإدراك جوهره. إنها رحلة القلق والتسآل، وهي بمجمولاتها المعرفية والوجودية تشير إلى رحلة الإبداع والمبدع، وإلى طبيعة أسئلته القلقة الحارة التي تظل تتردد وتغذي استمرار الكتابة.
- وصف الأديب الكبير بهاء طاهر نفسه بأنه صعيدي مزيف.. حيث جاء والده من سوهاج للعمل في القاهرة وولد بها في المدينة ليعيش حياة صعيدية قاهرية ممزوجة بتقاليد الجنوب.
- واضاف أن حياته مجموعة من الترحال حيث ابتعد كثيراً عن مسقط رأسه وعن موطنه الأصلي مما يجعله في حالة شوق شديد للحياة والبقاء في أي منهما
- يتذكر بهاء طاهر فترة تعليمه الثانوي والأحداث العالمية تسيطر على مشاعر الطلبة, وبرغم المعاناة من الغارات والحرب وحالة غلاء المعيشة التي عاني منها الجميع واختفاء بعض المواد التموينية, إلا أن المصريين كان لديهم أمل كبير في انتهاء الحرب وانتهاء الاحتلال
- وأوضح بهاء طاهر أن مدرسة السعيدية ظلت سنوات طويلة محاطة من جنود النظام في محاولة للسيطرة على شغب الطلاب وعلى مظاهراتهم
- وعن علاقته وزملاءه بالثورة قال إنهم كانوا يدعوه للثورة وهم طلبة من خلال مظاهراتهم وأن مدرسة السعيدية كانت أول مدرسة ينطلق طلابها بالهتاف والدعوة لطرد الملك فاروق من مصر
- وعن أول صدمة تلقاها طاهر وزملاءه من ثورة يوليو أكد أنها محاكمات الثورة, وأضاف أنهم كانوا سعداء بالثورة وتوقعوا منها الكثير من الإنجازات لذلك كانت الصدمة قوية عندما أعلن عن تلك المحاكمات
- يقول في مجوعته "بالأمس حلمت بكَ" ان الكتابة كانت آنذاك نوع من الهروب من الانتحار بما معناه. ليس بالضروري الانتحار المادي وحتى الانتحار المعنوي يعني، لأني كنت أشعر في ذلك الوقت أن الحياة لا معنى لها، وأنني يعني أقضي أياماً لا أكثر ولا أعيش.
- ينظر الى الكتابة كنوع من الخلاص.
- يرى بأن الأحداث اللي بتمر بحياة الإنسان بمختلف درجات المأساوية أو غير المأساوية تشكل حوافز للكتابه.
- كتب روايته بالامس حلمت بك بعد موت والدته .
- في رد على سؤال في برنامج روافد حول نسبة السعادة والبؤس في الطفولة يقول :" في الحقيقة لا أستطيع أن أصف طفولتي أنها كانت طفولة سعيدة لأ لا أستطيع، لأنه اقترنت ببعض التجارب المريرة جداً، يعني هذه الفترة فترة الطفولة كانت هي فترة الحرب العالمية الثانية".
- ويصف حياته "بدايات الحرب العالمية الثانية، يعني عندما تفتح وعيي عندما ابتديت أفهم الدنيا كانت الغارات وظلام الأنوار في القاهرة وصوت القنابل وصوت المدفعية المضادة للطائرات ثم اقترنت بتجربة شخصية مريرة جداً بالنسبة لأسرتي ولي شخصياً، أنه كان هناك في الأسرة في الصعيد حيث كان كل الأعمام والأخوال وأبناء الأعمام وأبناء الأخوال وباء الملاريا الذي لم يكن له علاج آن ذاك في ذلك الوقت سنة 1942، وهذا قضى على معظم أفراد أسرتي الذين كانوا في الصعيد أعمام وأخوال وأبناء عم وأبناء أخوال، فكان جو الأسرة في فترة طفولتي جو من الحزن الحقيقي يعني الحزن الحقيقي نعم، وأظن أن هذه الفترة كان عمري وقتها سبع سنين أظن أنها تركت بصمة.
- يؤكد على اثر مرحلة الطفولة حيث يصف ذلك على انه " أنا ما أعرفش هذا النقوص إلى الوراء تعليله النفسي إيه أو تحليله النفسي إيه ما أعرفش، ولكني شعرت بهذه المسألة عندما كنت أكتب رواية "خالتي صفية والدير" ذكرياتي عن الصعيد كلها مستمدة من زياراة صيفية في فترة العطلات المدرسية للقاري، فكنت أكتب الرواية في جنيف ولم أكن قد زرت مصر بقالي 10 سنين عندما ابتدأت كتابة هذه الرواية، فإذا بكل الصعيد حاضر في غرفتي في جنيف. وكل اللغة الصعيدية وكل المصطلحات، فقلت في ذلك الحين أنه يبدو أنه الواحد لما بيقدم بيكبر.
==
احداث كثيرة ربما اثرت في حياة بهاء طاهر ، ظروف مصر ، الاستعمار ، والنضال ضد الملكية ، ثم ظروف الحرب العالمية الثانية ، والترحال والسفر، والمنع من الكتابة، لكن واضح ان اهم العوامل التي اثرت في بهاء طاهر هي موت اقاربه في مرض الملاريا وهو طفل كما يقول....وربما ان ذلك هو السبب الرئيس الذي جعله يصف طفولته بأنها كانت بائسة رغم نسمات الفرح التي كانت تتمثل فيما كانت ترويه الام من قصص. وفي ذلك تفسير للدافع الذي جعله يكتب " بالامس حلمت بك" والتي جاءت بعد موت امه علما بأنن لا نعرف تحديدا متى توفي واليده. ولا شك انه يمكننا ان نزعم بأنه عاش مأزوما بسبب موت اقاربه بمرض الملاريا في طفولته المبكرة.

مأزوم.

ايوب صابر 12-18-2011 11:49 AM

والان مع سر الافضلية في رواية:
20- مدارات الشرق – نبيل سليمانسوريا

مدارات الشرق".. نبيل سليمان يفتش عن سبب اخفاقات العرب

دمشق- نيفين الحديدي: تمثل رواية مدارات الشرق للكاتب نبيل سليمان محاولة لاستجلاء ورصد العلاقات المجتمعية في الحياة السورية ومكنوناتها بصورة دقيقة وعميقة وهي بذلك ليست رواية تاريخية بالمعنى الضيق المتعارف عليه للتاريخ بقدر اهتمامها بتطور هذه العلاقات خلال فترة تاريخية معينة تتصف بأنها الأكثر حساسية وتأثيراً.

وفي هذه الرواية الرباعية وخاصة الجزء المعنون بالأشرعة يعيدنا نبيل سليمان إلى البدايات الحقيقية لسقوط الإمبراطوريات وتكون الدول وتشكل القوى ليقول للقارئ بصوت هامس وغير مباشر أحيانا.. إن تلك البدايات أوصلتنا إلى هنا وهي مرحلة مفصلية في حياة سورية حيث الحرب العالمية الأولى وتفتت الدولة العثمانية.

وحاول الكاتب في هذه الرواية الإحاطة بالوطن الجديد سورية من كل مفاصله وعبر تشكيلاته المدنية والبدوية والفلاحية ليضع يده على الآلام الدفينة والخفية لمجموعات عانت كثيراً من القسوة إضافة إلى المعاناة الجمعية في العلاقة مع النظام العثماني الذي كان شديد العدل بتوزيعه الجهل والحرمان والإفقار على الجميع غير مبال بالتباينات المذهبية.

كما يتبين لقارئ أجزاء مدارات الشرق جميعها أن الكاتب نبيل سليمان يفتش عن وجوه انهيار العالم العربي وإخفاقه ويمارس الكتابة الروائية كشكل من المساءلة والقلق والبحث عن المعرفة وكشهادة معرفية أخلاقية ترصد واقعا يغترب فيه الإنسان وتصفه بشكل ينفيه ويغير شكل النظر إليه.

ومن حيث الأسلوب تتميز الرواية بالإمتاع والفائدة معا والمهارة في تطوير الشخصيات فهي تبتعد عن الوعظ أو إلقاء الدروس وتفتح أعين القارئء على الواقع بطريقة فنية لتخبره كيف كانت الحياة وكيف تصرف البشر تاركة مساحة كبيرة من الحرية والمعرفة حتى يستعيد ما جرى ثم يحكم عليه مكتسباً مزيداً من الإدراك والوعي.

وإضافة إلى الجمالية اللغوية التي توازت مع غنى المحتوى فقد استطاع نبيل سليمان أن يدمج الوثائقي بالتخيلي وأن يستشف العام من تفاصيل الوقائع والأحداث ليدخل بذلك مرحلة جديدة ضمن هاجسه الطموح بتطوير فن الرواية ولعل مدارات الشرق تتابع طريق الرواية العربية من حيث انها كتابة للتاريخ تفيض عن الأخيرة مذكرة بثلاثية نجيب محفوظ ومدن الملح لعبد الرحمن منيف وبروايات غالب طعمة فرمان.

يشار إلى أن مدارات الشرق صدرت عن وزارة الثقافة في أربعة أجزاء من القطع الكبير هي بنات نعش والأشرعة والتيجان والشقائق للكاتب نبيل سليمان المعروف كروائي وناقد حيث صدرت له ست عشرة رواية وثلاثة وعشرون كتاباً في النقد الأدبي والشأن الثقافي وترجمت بعض أعماله إلى الإنكليزية والروسية والإسبانية والفارسية.

منح جائزة غالب هلسا للإبداع الثقافي عام 1993 عبد الله باشر حبيل للرواية عام 2004 وضعت عن رواياته مؤلفات وأطروحات جامعية عديدة وشارك في مؤتمرات وندوات ومن رواياته ينداح الطوفان 1970، المسلة 1980 سمر الليالي 2000 ومن مؤلفاته..

مساهمة في نقد النقد الأدبي 1980، فتنة السرد والنقد 1994، الثقافة بين الظلام والسلام 1996 وغيرها. –سانا-

==
دراسة حول " مدارات الشرق".
http://www.nizwa.com/articles.php?id=436
درج الليل درج النهار - رواية نبيل سليمان

هذه الرواية للمؤلف نبيل سليمان.. من خلال تصفحي السريع لصفحات هذه الرواية لمست أنها تتناول جوانب عصرية طازجة.. فالرواية منشورة لأول مرة عام 2005م.. فهي من أعمال الكاتب الأخيرة.. وقد ضمنها أفكاراً تعالج التعسف والقهر الإنساني.. وصولاً حتى إلى غوانتانامو..



ايوب صابر 12-18-2011 11:50 AM

نبيل سليمان

ولد في برج صافيتا عام 1945.

تلقى تعليمه في اللاذقية وتخرج في جامعة دمشق حاملاً الاجازة في اللغة العربية عام 1967.

عمل مدرساً وأسس دار الحوار للنشر في اللاذقية- متفرغ للكتابة منذ عام 1990.

عضو جمعية القصة والرواية.



مؤلفاته:

1- ينداح الطوفان- رواية - دمشق 1970.

2- السجن- رواية - بيروت 1972.

3- ثلج الصيف - رواية- دمشق 1973.

4- الأدب والأيدلوجيا في سورية ( بالاشتراك مع بوعلي ياسين )- بيروت 1974.

5- جرماتي- رواية - القاهرة- 1977.

6- النسوية في الكتاب المدرسي- دراسة- دمشق 1978 (الطبعة الثانية بعنوان : أيديولوجية السلطة، بحث في الكتاب المدرسي) 1988).

7- النقد الأدبي في سورية . ج1 - بيروت 1979.

8- معارك ثقافية في سورية (بالاشتراك مع بوعلي ياسين ومحمد كامل الخطيب)- بيروت 1979.

9- الماركسية والتراث العربي الاسلامي- 1980.

10- المسلة- رواية - بيروت 1981.

11- الرواية السورية- دراسة - دمشق 1983. (الطبعة الثانية بعنوان حوارية الواقع والخطاب الروائي 1998).

12- مساهمة في نقد النقد الأدبي- دراسة - بيروت 1983.

13- وعي الذات والعالم - دراسة - اللاذقية 1985.

14- هزائم مبكرة- رواية - دمشق 1985.

15- أسئلة الواقعية والالتزام - دراسة - اللاذقية 1985.

16- قيس يبكي- قصة- اللاذقية 1988.

17- في الابداع والنقد- دراسة- اللاذقية 1989.

18- مدارات الشرق- رواية- ج1- الأشرعة- اللاذقية 1990 - ج2 - بنات نعش- اللاذقية 1990- ج3 التيجان- اللاذقية 1993 - ج4- الشقائق- اللاذقية 1993.

19- أطياف العرش- رواية- دار الشروق - القاهرة 1995.

20- فتنة السرد والنقد - 1994.

21-- سيرة القارئ - 1996.

22- حوارات وشهادات- 1995.

23- الثقافة بين الظلام والسلام 1996.

24- بمثابة البيان الروائي 1998.
شكرا ياصديقي على هذه التحفه



ايوب صابر 12-18-2011 11:52 AM

تجربة نبيل سليمان الروائية في مهرجان صدد

ثناء السبعة

تضمن اليوم الثالث من مهرجان بلدة صدد أمسية موسيقية لنادي دوحة الميماس الحمصي وأمسية للفنان شربل روحانا وأمسية للكاتب الروائي نبيل سليمان الذي قدمه الروائي عماد طراد متحدثا بلمحة عن حياته وأعماله الكثيرة التي جمعها في مسيرته الروائية المهمة وتحدث بدوره مطولا عن تجربته ونقدم الورقة التي قدمها الروائي نبيل سليمان:
أشكركم على هذا التعاون لإنجاح المهرجان ، وبالحب لهذا المكان الذي يعبر عن روح المهرجان وبدون هذا الحب والتعاون تظل الحركة الثقافية في بلادنا مفتقرة إلى أمور كثيرة قد نعرج على بعضها في الوقت الذي سأتكلم فيه .

- أظن أن الرواية هي التي شكلت مصيري منذ سنة اليفاعة أو بالأحرى منذ سن الطفولة المبكر كان والدي حكواتي لكن ليس كمهنة فأظن أن الفخ الذي وقعت فيه ابتدأ هناك ولكن هناك رواية أهم هي هواية القراءة كانت دافع أكبر لي نحو الرواية فيما بعد ،ابتداءً من قراءة أرسين روبين و طرزان التي اشتريتها من المكتبات الموجودة في طرطوس أو في دريكيش وكان ذلك منتصف الخمسينيات إلى قراءة إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي ومحمد عبد الحليم عبد الله وتوفيق الحكيم وذلك في المرحلة الإعدادية إلى محاولة الكتابة منذ ذلك العهد دون أن أعبر بالشعر كما هو مألوف عادة وأحمد الله على ذلك ، ولهذا لن أمر في قناة الشعر ولا في قناة القصة القصيرة .
- في صيف 1959 كنت قد أنهيت الدراسة في المرحلة الإعدادية وذهبت مع صديقي إلى قريته في ريف طرطوس وهناك اشتريت دفتراً صغيراً وبدأت أكتب حكاية أو رواية حتى انتهت صفحات الدفتر وأسميتها (حكاية مها) وعلى شكل روايات الأدباء المصريين كانت قصة حب والبطل له اسمي وكانت مليئة بأحداث كالانتحار وغيرها ... وكانت الحوار فيها بالعامية المصرية والدفتر مخبأ إلى يومنا هذا .
- درست بعد ذلك في الثانوية الصناعية و بعد ها أعدت الدراسة في الثانوية العلمية وكان كل توجهي وحلمي أن أدرس الهندسة ولم أفكر يوماً في أن أدرس الأدب لكن قراءاتي في الأدب ابتداءً من السير الشعبية ( ألف ليلة وليلة – سيرة عياض – سيف بن ذي يزن - ..الخ ) ورغم نظرة الاستعلاء التي ينظر بها بعض المثقفين إلى هذه القصص فهي كنوز ، ومرواً بشتى أنواع القراءة لكن العجز المادي اضطرني إلى أن أعمل في التعليم إلى أن أدرس الأدب العربي في الجامعة بانتظار أن يتحسن الوضع المادي لأتابع الدراسة في الهندسة ، وهذا لم يتحقق إلى الآن ، وفجأة وجدت نفسي قد تخرجت من الجامعة وكأن ذلك حصل بالأمس ، خلال ذلك في السنة الثالثة في الجامعة حاولت أن أكتب رواية وكتبت حوالي 80 صفحة منها ولم أعرف كيف أكمل فخبأت الأوراق حتى هذا اليوم ، بعد الجامعة عينت مدرساً للغة العربية في الرقة و هناك بدأت الغوايات ، من غواية الحكاية إلى غواية القراءة ثم غواية الفضاء أو الطبيعة أو المكان وقد ابتدأت بحبكم لصدد بدأت هذه الغوايات تأسرني في ما اسمه كتابة الرواية ، هكذا كتبت بعد تخرجي من الجامعة رواية عنوانها ( نحو الصيف الآخر ) وكنت مسكوناً كسائر أبناء جيلي بالهزيمة وليس بالنكسة بدون لف ولا دوران في ذلك المفصل الذي لا يعادله سوى مفصل سايكس بيكو أو مفصل الـ 48 ، لكني لم أنشر هذا العمل أيضاً إلى هذا اليوم ، ثم بدأت بالرواية الأولى التي نشرت عام 1970 مشغولاً بأمرين أولهما قليل جداً من السيرة الذاتية مما ستعبر عنه الرواية والأمر الآخر هو النظر فيما كان عليه ريفنا الساحلي خلال الخمسينيات ومطلع الستينيات وصولاً إلى المفصل الذي يمثله عام 1963 في تاريخ سورية الحديث ، بفضل صديق من قرية دير عطية اسمه نبيل خوري كان سجيناً أيام الوحدة السورية المصرية وعشنا جيران لعدة أعوام في الرقة ،بفضله ومن حياته استلهمت الرواية الثانية رواية السجن التي تفضل علي الرقيب السوري آن إذن عام 1972 فمنعها فدفعت دفعاً إلى أن أنشرها في بيروت ، وكما القول ( رب ضارة نافعة ) فقد وفر لي ذلك أنا في السابعة والعشرين من العمر أن أنطلق إلى الفضاء العربي ، عدا إلى هزيمة 1967 ، فاكن الشعر والرواية والقصة والمقالات وغيرها في صخب الهزيمة و كان أن كتبت رواية عنوانها ( ثلج الصيف ) استلهمت فيها الهزيمة ،ولكن دون أن أذكرها مباشرة بحرف واحد ، فقط في الإهداء الذي جاء فيه إلى خمس حزيران 1967 اعترافاً بالفضل ، كما تعرفون أن التدريس الجامعي لم يكن على عهدي وأظن حتى اليوم نادراً ما يدفع أو يؤهل من يتجه إلى الرواية أو الشعر أو حتى أن يصقل مواهبه , وهكذا بالرغم من انحنائي مازلت حياً بأساتذتي الأجلاء الذين تعلمت على أيديهم في جامعة دمشق ، كالمرحوم سعيد الأفغاني ، وشبلي فيصل ،و أمجد الطرابلسي ، وصبحي الصالح .... هذا الجيل من العلماء الأجلاء الذين أظل أنحني لهم ، على الرغم من ذلك تربيت في الرواية والنقد خارج الجامعة ، وكان عليّ بعد ثلاث روايات عام 1973 أن أتوقف وأتفحص موقع قدمي بعد ثلاث روايات ماذا فعلت وما الذي يفعله الآخرون ، وربما كانت هذه الأسئلة هي ما جعلني أتوقف من عام 73 19إلى 77 19وأن ألتفت مع رفيق عمري المرحوم المفكر علي ياسين إلى قراءة المشهد الأدبي السوري بين حربي 1967 و1973 ، وهذه القراءات أسفرت عن كتابتي لرواية الأدب والإديولوجيا في سوريا الذي نالنا بسببه ما نالنا من الهجوم والشتائم وغيرها من أقرب المقربين إلى أبعد المبعدين ، في سوريا وفي سائر أنحاء الوطن العربي ، ذلك لأن هذا الكتاب حاول أن يتفحص الإيديولوجية التي يبثها الأدب أو الأديب من خلال ديوان شعر أو رواية أو من خلال مسرحية ،وكان الحراك الاجتماعي والحراك الثقافي والحراك السياسي في سوريا كما في سائر بلاد العرب كان صاخباً ولذلك دارت حول أفكار هذا الكتاب حقيقة المعارف الثقافية في سوريا وهو ما جمعته مع أبو على ياسين ومع محمد كامل الخطيب عام 1980 في كتاب حول ما كتب عن هذا الكتاب وعن معارك ثقافية أخرى في سوريا في السبعينيات ، فكان كتاب ( معارك الثقافية في سوريا ) كوثيقة تؤكد خصب الحياة الثقافية والسياسية والعنف والصدق وعدم الممالأة أو المواراة والأهم من ذلك أنه لا يخدع بدعوة براءة الأدب أو الفن من الضخ الإيديولوجي وهو ما توهمه كثيرون خلال الثمانينيات وحتى التسعينيات كأنه صار سبة أن يلتفت الروائي أو الشاعر أو المثقف إلى القضايا الكبرى الاجتماعية والوطنية والكونية وكأن الأم فقط هو أن يجرب بتسويق كتابته أياً كانت لكن ها هي الدنيا بعد 30 سنة ، وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي وبعد الضجيج الهائل بالنسبة لانتهاء عصر الإيديولوجية وبموتها ها نحن نرى اليوم وفي كل يوم الصراع الإيديولوجي الساخن جداً جداً الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والكثير من المراكز الأخرى في العالم ضد كل من يختلف معها ، وبأرقى أدوات البث والاتصالات وما وصلت إليه ثورة المعلوماتية ، تعلمون أنه وقعت عام 1973 حرب بين سوريا ومصر من جهة وإسرائيل من جهة ، وفي تلك الفترة أديت الخدمة الإلزامية و بفضل تلك الحرب وبفضل تلك الخدمة ، كانت رواية الجرماتي 1977 في مصر ثم رواية المسلة عام 1980 ولأن عين الرقيب عادة شكاكة و أفقه عامة ضيق منعت رواية الجرماتي في سورية من 77 19حتى 1995 وبعد ذلك طبعت طبعة جديدة ، وبفضل ( أولاد الحلال ) فصلت من اتحاد الكتاب الذي انتسبت إليه سنة تأسيسه وكنت حينها أدرس في الرقة ، أظن أن روايتي جرماتي والمسلة تشكلان مرحلة أو مفصل كما الروايات الثلاثة الأولى ،
في رواية المسلة عرفت بدرجة أكبر ماذا تعني السيرة الذاتي في الرواية ، بعض الكتاب كما تعلمون يستدرئون الكتابة عما عاشوه وحسب وقد يكون في ما عاشه بعض الكتاب ما هو أهل لأن يروى ، لكنني كنت دائماً حذراً من هذه المسالة لأنني مقعد من نرجسية الكتاب والمثقفين، وطالما راقبت نفسي في أن يكون وقوعي في هذا الفخ بأهون الشر ، لكن رواية المسلة اشتغلت على هذا الأمر ، ولم أكن أعلم أن كاتباً كبيراً مثل غالب الألسة كان أصدر في تلك الفترة روايته الخماسين وسمى بطل الرواية باسمه ، كما تكرر في عدد من رواياته التالية هكذا الأمر في رواية المسلة إذ حملت شخصيتها المركزية اسمي الأول وكانت هذه الرواية سانحة لي بالتفكر في المشهد السياسي السوري في السبعينيات ، بعد ذلك بقليل من صدور تلك الرواية سأتعرف على المستشرقة الألمانية أورليكا شتيلي وكانت تعد لأطروحة الدكتوراه عن الأدب والحرب في سوريا خلال السبعينيات رويداً رويداً تحول مشروعها فقط إلى دراسة روايتي الجرماتي والمسلة وبعد نيلها لأطروحتها بفترة أيضاً ترجمت لي بعض ما كتبته وكان منه أنها اعتبرت رواية المسلة ترسيماً للقوى السياسية في سوريا في فترة السبعينيات وكنت قد صحوت على شغلي قليلاً فقلت لها أن هذا خطأ كبير ، للأسف من كتب الرواية وهو أنا كنت أنظر إلى المجتمع بعين واحدة لم يرى إلا القوى المعارضة السياسية التي رسمها في الرواية لكن في فترة كتابة الرواية كان قد بدأ أمر آخر في سوريا سيشعل الحريق بعد سنة أو سنتين في عام 1979 و 1980 وكانت عين الكاتب عمياء عن هذا الشطر من المجتمع ، لكن هذا العمى علمني أمراً ،بأن لا نؤخذ مع رغباتنا ومع أفكارنا واندفاعاتنا فقط عندما نكتب الرواية أو غير الرواية ، بل يجب على كل العيون أن تكون مفتوحة نقدياً ، كل ذلك كان المهاد الذي أوصلني إلى مشروع مدارات الشرق ، وقد جعلتني أصدق أن بعض الكاتب يكون لهم مشروع واحد في حياتهم ويسميه بفخامة مشروع العمر ، عندما بدأت بكتابة رواية مدارات الشرق لم يكن في خاطري لا أن أكتب رواية بجزء واحد ولا أن أكتب رواية من عدة أجزاء ، لكن كانت الأسئلة التي رافقتنا منذ سن اليفاعة منذ 1967 و 1973 وحتى 1982 من هزيمة إلى غيرها و غيرها، بالإضافة إلى ما جرى في العالم كله وكأن العالم كله على منعطف في أواسط الثمانينيات ، وكانت عبارته الكبرى سقوط الاتحاد السوفييتي وكوكبه ولكن الأمر أكبر من ذلك حتى على المستوى الأدبي والفكري الفلسفي ما الذي كان يجري ، كيف كان ينعطف العالم حينها ، أظن أن هذه الأسئلة دفعتني إلى أن أسأل ( لماذا يحدث هذا الأمر معنا ؟؟ ) السؤال قد يبدو بسيطاً جداً ( كيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه ولماذا ؟؟ ) اجتماعياً وفكرياً وسياسياً وفنياً وحضارياً ، كان القرن العشرون في منتصف الثمانينيات يوشك أن ينتهي من سيء إلى أسوء ( لماذا ؟ ) هذا السؤال يذكرني برواية المرحوم هاني الراغد الوباء 1980 ، هذه الأسئلة كانت محور رواية الوباء ، في نفس الفترة كان الكاتب عبد الرحمن منيف قد بدأ بإصدار أجزاء خماسيته مدن الملح هذه الأسئلة وإن كان عن منطقة أخرى ، ولكن هذه الأسئلة هي جوهر رواية عبد الرحمن منيف ، وبدون أي تنسيق في هذه الفترة بدأت فيها العمل على مدارات الشرق كان الروائي السوري خيري الذهبي قد بدأ العمل على ثلاثيته التحولات ، للوهلة الأولى بدا كأن الروائيين يهربون من الكتابة عن الراهن عن الحاضر يهربون إلى الماضي وهناك الكثيرون من الروائيين الشباب وبعض النقاد قالوا هذا القول الصريح ، أننا نهرب من مواجهة جروح الحاضر من مواجهة الرقيب الاجتماعي أو السياسي إلى الماضي ولكن هل الأمر كذلك حقاً ؟ أم أنها الأسئلة الجوهرية التي لا بد لنا أن نواجهها؟ ، في مرحلة السبعينيات ظهر مشروع أدونيس الثابت والمتحول ومشروع محمد عبد الجابري ومشروع هادي العلوي , إذاً على مستوى مشروع حسين مروة وعلى المستوى الفكري وقبل الروائيين ولو بسنوات معدودات ، هناك بعض المفكرين الذين واجهوا الأسئلة فبدؤوا الحفر في التراث والفكري العربي الإسلامي أو تراث المنطقة ما قبل الإسلامي في السينما بدأ هذا أيضاً المهم في أن ما بلغته أحوالنا من سوء عقداً فعقداً , فحاول كلٌّ بقدراته وإمكاناته أن يحفر في ما مضى ليقرأ جذور الهزيمة أو جذور المستقبل ، فمدارات الشرق شأن المشروعات الأخرى كتبت والعين على المستقبل ولم تكتب والعين مفصولة على الماضي ، المدة الزمني الذي اشتغلت عليه مدارات الشرق هو النصف الأول من القرن العشرين ، من الأسئلة التي لا تزال قائمة إلى يومنا هذا وإلى مدى أرجو أن يكون قصيراً (هل فكرة الجمهورية فكرة مكينة فينا ؟ ) ، بكل هذا الفضاء العربي الإسلامي من شرق آسيا إلى الأندلس العظيمة ، على ضوء ما حصلت عليه مدارات الشرق تبدى لها أن فكرة الجمهورية ليست مكينة ،
- شكري القوتلي عندما ترأس سورية من عام 1943 إلى عام 1947 كما تضمنت الرواية ، في عام 1946 بدأ يهيئ وحزبه ( الحزب الوطني ) للتجديد ولولا أن مسلسل الانقلابات العسكرية الذي بدأه حسني الزعيم عام 1949 قد قطع مسلسل التجديد لكان للقوتلي تجديد آخر .
تعلمون انه في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي ولدت المشروعات الثقافية السياسية الكبرى في الفضاء العربي كله، إن كان المشروع الذي عبر عنه أنطوان سعادة أو مشروع حسن البنا ( المشروع الإسلامي ) أو مشروع عصبة العمل القومي ( المشروع القومي العربي ) الذي سيكبر في الأربعينيات و مشروع الإحياء العربي والبعث العربي ، أو المشروع الماركسي الشيوعي ، هذه المشروعات التي جاء بها مثقفون شباب منهم من درس في فرنسا ومنهم من درس في ألمانيا ومنهم من درس في موسكو هذه المشروعات الأربع التي عبر عنها بكتب فكرية أو بروايات أو بأحزاب ، ستشغل الفضاء العربي تحت مسميات شتى طوال القرن العشرين والآن ترون إلى أي مآب آلت جميعاً الأمر الذي فرض على جيلي وعلى من سلفوا بأن يتأملوا ويحفروا بدون أوهام وبدون عماء وبدون تعصب ، وبأقصى ما أمكن من العقل النقدي حتى نتلمس جميعاً مخرجاً ما من هذا المأزق الذي نحن فيه .
- فاتني أن أقول لكم أنه في الفترة الفاصلة بين المرحلة الأولى ( الروايات الثلاث الأولى ) والمرحلة الثانية ( الجرماتي والمسلة ) في تلك الفترة ألح عليّ كثيراً أن أتقرى ماذا يعمل الآخرون في الكتابة الروائية أو ماذا يكتب سواي وخصوصاً من جيلي ، هذا السؤال جعلني أتطفل على النقد ، وإلى هذا اليوم لولا كتابة الرواية لا أظنني كنت حرفاً واحداً في النقد ، وحتى اليوم أنا أكتب لأتعلم حتى من روائيين وروائيات شبّان وشابات في أعمالهم الأولى ، ولعل البعض يعرف أنه في ست أو سبع سنوات الأخيرة كتبت عن حوالي 200 رواية عربية لهؤلاء الشبان والشابات وإلى اليوم 99% منهم لا أعرفهم . لكن هذا ما كان يوفر لي النظر في المشهد الروائي العربي كله تقريباً ، وبصورة خاصة في النص الجديد من المشهد الروائي العربي .
- بعد سبع سنوات من النزيف في الروح والجسد ومن البحث في ما أربى على 230 مرجع و مصدر وعلى أكوام من المجلات والجرائد التي تحدثت كلها عما حدث في النصف الأول من القرن العشرين ، بالإضافة إلى لقاءات مع عشرات المسنين والمسنات ، وبعمل يومي من 10 إلى 15 ساعة ، فكانت بلوى للكاتب كما كانت بلوى للقارئ والنتيجة ( 2400 صفحة ) ، أُسأل : لما كل هذا ؟ فأقول : حتى أضمن أن أحد لن يقرأ 2400 صفة وبالتالي أهرب من النقد و الشتائم .
ولكن هذا العمل علمني كيف يكون استثمار الوثيقة فيما تكتب ، كيف تكون العلاقة بين الرواية وبين التاريخ ، من الدروس الكبرى التي تعلمتها : أن الروائي عندما يحاول أن يكون مؤرخاً فسيكون مؤرخاً فاشلاً كما أن المؤرخ عندما يحاول أن يكون روائياً فسيكون ذلك على حساب التاريخ ، كيف يمكن لرواية أن ترسم الفسيفساء السورية هذا المجتمع الفريد والخصب عبر مئات الشخصيات سوف ترى الفضاء البدوي والريفي والمدني وفي زمن أنت لم تعشه ، سوف ترى الفسيفساء القومية والدينية ، هذا الخصب الذي يمكن أيضاً أن يكون عنصر تدمير كما تبدى ذلك في الحرب اللبنانية الأهلية سابقاً وكما يتبدى الآن في العراق بدوافع من عوامل خارجية ، فبدلاً أن يكون هذا العنصر عنصر خصوبة وغنى انقلب إلى عنصر تدمير .
- ومن الدروس التي تعلمتها هنا أيضاً لذة الكتابة رغم العمل الشاق لمدة 10 أو 15 ساعة ولكن أية لذة أن تنسى العالم كله ولمدة سبع سنوات ، ومن عقابيل ذلك كانت الرواية التالية بعنوان ( أطياف العرش ) والحقيقة أنه بعد انتهائي من كتابة ( مدارات الشرق ) قضيت فترة فظيعة من الخوف من أني قد أفلست مما عندي وأصبحت عاجزاً وسألت نفسي : كيف ستكتب بعد هذا ؟ ، لقد أنقذتني أطياف العرش لأنها كانت جسراً بين خروجي من بلوى السبع سنوات إلى نقلة أخرى أو مقلب آخر ، ورواية أطياف العرش حولت إلى مسلسل تلفزيوني عنوانه (الطويبي ) وكانت بالنسبة إلي تجربة مرة ، كما أنتج عن هذا المسلسل فيلماً سينمائي بعنوان الرسالة الأخيرة ولم أشاهده حتى الآن ، وتجربتي مع التلفزيون والسينما عبرت عنها بمقالة كتبتها في مطلع العام في مجلة خليجية تعنى بشؤون الفضائيات ، فكتبت في تلك المقالة بعنوان : أنا مضرب مثل ... ولكن بالفشل وتحدثت فيها عن فشلي في التعامل مع التلفزيون ومع السينما .
- هناك رواية مخطوطة كتبتها بين عامي 1971 و 1972 كنت حينها في حلب ،وكطلب مني المخرج المرحوم مروان المؤذن أن أكتب عن فكرة من روايتي الأولى ليجعل منه فيلماً سينمائياً واشترته المؤسسة العامة للسينما التي استقدمت المخرج والسينارست المصري رأفت الميجي ليكتب السيناريو لتلك الرواية ، وفعلاً كتب السيناريو لتلك الرواية ولم ينتج الفيلم حتى هذا اليوم .
- في عام 1990 ظهرت أطياف العرش وهنا بدا لي وكأني أقول لنفسي ( أنهيت مرحلة وانتهيت من تجربتك ولنعد الآن إلى ما نعيشه ، ولتعد كتابتك الروائية إلى ما نعيشه اليوم ) ، وهذا ما بدأ برواية مجاز العشق ، إلى هذا اليوم ، حتى أن صديقاً روائياً مصرياً كتب ذات مرة ( كأن المدعو نبيل سليمان قد انتهى من رباعية تاريخية وبدأ برباعية عن الراهن أو خماسية عن الراهن ) .
في رواية مجاز العشق على الأقل توازى الزمن الروائي مع زمن الكتابة والسؤال المركزي فيها إضافة إلى سؤال الجسد وعلاقة الرجل بالمرأة ، كان سؤال المياه أو حرب المياه الآتية لا محالة فآخر حروب النفط انتهت في العراق الآن لكن حرب المياه فلم تبدأ بعد .
في رواية سمر الليالي بدأ سؤال آخر كيف يمكن لعجوز تجاوز الخمسين عندما كتب تلك الرواية أن يبني شخصيات شبابية ، شابات وشبان في العشرين من عمرهم وطلبة في الجامعة في مواجهة القمع .
هناك من كتب أو كتبت عن تجارب السجن السياسي في الرواية العربية حتى أن صنف جديداً من الأدب بات يعرف بأدب السجون وأصبح هناك مدونة كبيرة من هذا الأدب ، ولكن ماذا عن المرأة السجينة ولا أقصد السجينة جنائياً وهذا ما اشتغلت عليه رواية سمر الليالي .
- قيض لي خلال حياتي أن أسافر كثيراً والسفر عامل أساسي في تكويني وخصوصاً أن نشأتي كانت موزعة بين عدة قرى وعدة مناطق في بلدي ، وهذا ما أزعم أنه قد أغنى علاقتي بالفضاء أو بالمكان داخل سورية لكنني لم أكن لأجرؤ على أن أكتب عن ما وفره لي تجوالي فغي أنحاء العالم حتى جاءت رواية ( في غيابها ) عام 2003 وهي أول رواية أصف فيها واحدة من رحلاتي التي كانت إلى أسبانيا ، وحيث اشتغل السؤال الأندلسي وسؤال الاستعمار الاستيطاني وسؤال الحضارة و سؤال التعايش والتسامح والتلقي بين الديانات والثقافات ، فهذه كانت المرة الأولى التي استثمرت إحدى أسفاري ، وعسى أن أكمل ذلك .
وهنا سألخص وأبلور العناوين الأساسي لما شغلني عبر 17 رواية وأكثر من 20 كتاباً في النقد والشأن العام وعبر ما يشغلني الآن :
أول ذلك أن الرواية علمتني أنها فن التعدد وليس فن الواحد ، يكتبها واحد ولكن إذا كتبها بلا روح التعددية أو روح ديمقراطية يتحول الكاتب إلى ساطور على رقاب شخصياته الروائية وإلى استبدادي حتى لو كان يتحدث في روايته عن الحرية الديمقراطية إذا فالرواية فن العددية والديمقراطية والاختلاف ، كما أنها فن المكر أيضاً .
- شواغلي الأساسية يمكن أن تبدأ أن تنتهي بحرية الاعتقاد سواء كان ديني أو سياسي أو .....أو ما تشاء
- رواية درج الليل درج النهار التي صدرت عام 2005 تطرقت إلى مواقع محرم الخوض فيها وهم الإيزيديون الموجودون في العراق والشمال الشرق من سورية والرواية حاولت أن تشتغل في هذه المنطقة الملتبسة لتعالج سؤال حرية الاعتقاد كما أن هذا السؤال كان مكيناً في رواية مدارات الشرق وهو حرية الاعتقاد ثم حرية التعبير ثم جاء سؤال العدالة سؤال بسيط جداً سؤال البشرية والمستقبل وعلى أي مستوى شئت من سرير الزوجية إلى ما هو عليه العالم الآن من العربدة الأمريكية الإسرائيلية.

ايوب صابر 12-18-2011 11:53 AM

أعطى نبيل سليمان الرواية السورية أفقاً جديداً
لمى يوسف
الثلاثاء 04 آذار 2008
يمثل نبيل سليمان منذ ثلاثة عقود تقريباً الصوت السوريالروائي الأكثر اجتهاداً وتنوعاً، وإن لم يمثل حالة ثقافية خاصة تمارس النقد والنشروالكتابة الروائية والمداخلة الفكرية الضرورية، وإذا كان في هذه الممارسة أعطىالرواية السورية أفقاً جديداً،
فقد كان ذلكالجهد المتراكم الذي صوب أدوات الروائي، وأتاح له أن يكتب مدارات الشرق التي قرأتالتاريخ القريب بأدوات روائية، وأن يساجل التاريخ القائم في مساحات يومية ضيقة، هذاما جاء في ورقة د.فيصل دراج والتي تحت عنوان "التاريخ في صوره اليومية" ولم يتمكند.دراج من حضور الندوة التكريمية للروائي نبيل سليمان فقرأ مداخلته د.صلاح صالح منجامعة تشرين.

وتناولت د.شهلا العجيلي "تجليات النسق الثقافي في نص سليمانالروائي" والتي أكدت خلال عرضها أنه نص متطور وتجربته في الكتابة
تجربة تصاعدية، يتحولالنص فيها من الإيديولوجي، ليصير إلى الجمال-المعرفي الذي تسعى إليه نظرية الرواية. ويبدو هذا التحول جلياً في انتقال سليمان من كتابة (المدارات) بأجزائها الأربعة إلىكتابة رواياته الأخيرة (في غيابها)، ودرج الليل–درج النهار .. و( دلعون ) إذ يلحظالمتلقي انتقال الكتابة الروائية لدى نبيل سليمان من مرحلة استقطاب النص للمقولاتالنظرية إلى مرحلة كتابة.

ليختم د.رضوان قضماني بخطاب نبيل سليمان الروائي "من الحكاية إلى تأويل الحكاية السرد ولغة التشكيل الدلالي فيه "مشيراً إلى أنه منذصدور
روايته ينداح الطوفان 1970 وحتى صدور روايته الأخيرة دلعون 2006 راحت بنية السرد الروائي عند سليمانتتعدد بين عمل وآخر منتقلة من الحكاية القائمة على أحادية صوت الراوي إلى تجاوزالراوي إلى ساردين عدة سعياً إلى خلق تعددية الأصوات.

في ختام الندوةالتكريمية تلت د.شهلا العجيلي رسالة الناقد سعيد يقطين التي وجهها إلى الروائيالمكرم عنوانها "نبيل سليمان شهريار التخييل العربي" جاء فيها : "لقد تبين لي منخلال اللقاء والقراءة والاطلاع أن نبيل سليمان من معدن نادر من الرجال. وحسبه أنه ممن يؤلفُ ويألفُ. يملأ المجالس الثقافيةبهحة وحبوراً، وكيف والبسمة لا تفارق محياه حتى في أحلك الظروفوأصعبها".

هنيئاً لك هذا التكريم الذي أنت أهله، ومزيداً من العافيةوالعطاء.."

ايوب صابر 12-18-2011 11:54 AM

الروائي نبيل سليمان لـ"النور":

التمجيد وحده دون النقدية.. لا يصنع رواية.. بل ربما يقتلها!


خمسة وثلاثون عاماً (يرتكب) المبدع نبيل سليمان عشق الرواية أولاً، ليملأ غيابها بنشاطات أخرى، هي ثانوية أو إضافية لكنها مميزة. وعلى مدار الخمسة والثلاثين إبداعاً تعلم من الراوية الكثير، لتصوغه هي كما نعرفه: شجاعاً في وجه السلطان الاجتماعي والسياسي، يعرف كيف يحتال على الرقيب وينتصر عليه، مختلفاً دائماً عن المعتاد، وأكثر من ذلك كما يقول تعلمت منهاً ألاّ أركن إلى أسلوب بعينه أو نجاح بعينه، بل أن أغامر وأجرّب وأعتزل وأتأمل وأتلذذ و.. وأقرأ وأكتب.


عن فضاء روايته وزمنها المتعدد الرؤوس، وعن اللحظة التاريخية فيها كما يرصدها سليمان الأديب الناقد كان معه الحوار السريع التالي:
س- بعد أعوام طويلة من النقد والرواية، جربت خلالها الأصوات المتعددة، واستفدت من إنجازات الرواية الحديثة على نحو استطعت معه أن ترسم فضاءك الروائي الخاص، كيف تصف لنا هذا الفضاء؟ وما الذي يميزه باعتقادك عن الفضاءات الأخرى؟

++ أظن أنه فضاء متلاطم في الزمان وفي المكان، عناصره متنوعة جداً وأليفة جداً وغريبة جداً. في البداية كان الريف، كانت إحدى قرى الجبل التي لم تسمِّها رواية (ينداح الطوفان). وقد عدت إليها في رواية (هزائم مبكرة)، كما عدت إليها مؤخراً في رواية (في غيابها). وفي الفضاء الريفي طوّحتْ (مدارات الشرق) كما في البادية وفي المدن الشامية، لا السورية فقط، وفي سواها. وكما طوّحت (مدارات الشرق) في إيطاليا وسويسرا وألمانيا طوّحت (في غيابها) في إسبانيا وموسكو وتل أبيب.

على النقيض من هذه الرحابة المتلاطمة كان الفضاء الضيق كسمّ الإبرة والمتلاطم رغم ضيقه، في السجون والمعتقلات، سواء في رواية (السجن) أو في رواية (سمر الليالي). وعلى الرغم من كل ذلك يمضني السؤال عن الفضاء الكوني كله، من الشموس إلى الأقمار والنجوم، كما أفتقد البحر الذي أعيش على شاطئه، لكأنني أسيرٌ في قفص من قرى ومدن وجبال وبيوت وسجون وبراري و.. على العكس مما هو الزمان من هذا الفضاء المتلاطم.
في البداية (ينداح الطوفان) كما في (هزائم مبكرة) عدت إلى خمسينيات القرن الماضي. في (السجن) كما في (سمر الليالي) انطلق الزمان من العد والحصر، يتعيّن بقدر ما لا يتعيّن. في (جرماتي) و(المسلة) عاينت يومي حيث زمن الكتابة هو زمن الرواية، كما سأفعل في الروايات الأربع الأخيرة، مغامراً في كتابة الحاضر.
في (مدارات الشرق) وفي (أطياف العرش) عدت إلى النصف الأول من القرن الماضي مخاطباً هذا اليوم وذلك الغد، كما عدت إلى اللحظة الأندلسية في رواية (في غيابها) مخاطباً ذلك الغد وهذا اليوم. وما أكثر ما رمح الزمن من عشرات أو مئات أو آلاف السنين إلى حرب العراق أمس أو إلى حرب 1973 أول أمس. إنه زمن يرمح، أجل، زمن يملؤني بالحرية، زمن حرّ حتى ليصح فيه القول: الزمان. على العكس من أسر المكان، ولعل في هذا ما يميز فضاءات رواياتي عن الفضاءات الأخرى.
ولعل لي أن أضيف أنني مجبول من أزمنة وأمكنة بلا عدّ ولا حصر، لذلك كان لرواياتي هذا الفضاء المتلاطم ـ الفضاءات المتلاطمة.
س- زمن يتعيّن بقدر ما لا يتعيّن، أستطيع أن أراه بقوة في روايتيّ (جرماتي) و(المسلة)، فالكثير مما اشتغلت عليه في هاتين الروايتين لا يزال يومياً بامتياز في حياتنا الراهنة، لماذا أسألك؟ إنه سؤال سياسي أسوقه هنا على نحو أدبي.

++ ربما لأن الصراع العربي الإسرائيلي لا يزال الشاغل الأكبر من أدق دقائق حياتنا إلى أكبرها. وربما لأن الحرب لا تزال اللغة الغالبة في حياتنا. فبعد حرب 1973 سرعان ما جاءت حرب 1982 فحرب الانتفاضة فحرب الخليج الثانية فحرب العراق بالأمس، عدا عما كان من الحروب الداخلية في اليمن والسودان والصحراء الغربية والجزائر.. وكل ذلك في ثلاثين سنة. وقد يكون لازال الكثير مما اشتغلت عليه (جرماتي) و(المسلة) يومياً جراء الأسّ النقدي فيهما، سواء للمؤسسة العسكرية أم للأحزاب اليسارية أم للسلطان السياسي والسلطان الاجتماعي بعامة. وربما كان السبب أيضاً في حضور الجسد، أو في حرارة السيرية، أو في غواية تعبير الروايتين عن كل ذلك، على الرغم من أنك وصفت سؤالك بالسياسي على نحو أدبي
س- في هاتين الروايتين قاربتَ تفاصيل المجتمع السوري في مرحلة حرب تشرين 1973، وكان أسلوبك ينحو باتجاه النقد لا التمجيد، هل هنا يكمن الفرق بين الروائي والمؤرخ على نحو عام؟ أم هو الفرق بين نبيل الروائي والآخر الروائي عند تصديهما لكتابة التاريخ؟
++ أنت تعلم أن (جرماتي) ظلت ممنوعة هنا منذ صدورها في القاهرة أول مرة عام 1977 حتى عام 1995. وأنت تعلم أن (المسلّة) صدرت هنا أول مرة في طبعتها الرابعة عام 2004، بعد حذف الجمل التي اشترط الرقيب (في اتحاد الكتاب) حذفها. ولقد كانت الروايتان أول مغامرة لي باشتباك زمن الكتابة بزمن الرواية، أي بالشهادة على الحاضر، حيث تتكاثر منزلقات العابر والراهن. ولكن ها أنت تقول اليوم في الروايتين ما تقول، كما قال كثيرون بعد ربع قرن من صدورهما: هكذا يكون للرواية أن تحيا إن لم تقم على العابر، إن بقي فيها ما يخاطب قراءها بعد عشرين أو أربعين أو.. سنة. وهنا يبقى السؤال: هل صارت (جرماتي) أو (المسلّة) بعد ربع قرن رواية تاريخية بعدما كانت رواية الحاضر؟ هل ستصير (درج الليل.. درج النهار) رواية تاريخية بعد ربع قرن أو نصف قرن، بعدما كانت رواية هذا اليوم من سقوط بغداد إلى سقوط سد زيزون؟
أن تكون النقدية أساً روائياً بامتياز، فهذا لا يعني رواية تاريخية أو غير تاريخية. هذا أسٌّ لا رواية من دونه، فالتمجيد وحده دون النقدية، لا يصنع رواية، بل ربما يقتلها. لكن الفرق بين الروائي والمؤرخ ليس هنا، فالنقدية فيما أحسب أسّ لأية كتابة: فكرية أو تاريخية أو إبداعية. وبالتالي: هذا الأسّ النقدي، من بين عناصر أخرى، هو ما يفرق بين روائي وروائي، سواء تصديا للتاريخ أم للحاضر أم لكليهما.
س- في الترتيب الزمني لعالم نبيل سليمان الأدبي ثمة ثلاث روايات منشورة هي: ينداح الطوفان ـ 1970، السجن ـ 1972، ثلج الصيف ـ 1973، فضلاً عن رابعة (هي الأولى بتاريخ كتابتها) لم تزل أسيرة الأدراج، ثم كان النقد بدءاً بـ (الأدب والأيديولوجيا في سورية) 1974 بالاشتراك مع بوعلي ياسين. كل ذلك سوف أتجاهله لأعاود السؤال: أنت روائي أولاً أم ناقد؟ وهنا لا أعني التسمية المجردة، بقدر ما تكونه أولاً عند التصدي لفعل الكتابة روائياً أو نقدياً، ولعلي هنا أريد أن أتوقف ملياً عند ظاهرة الأديب الناقد!

++ الرواية بالنسبة لي هي الأول والآخر والباطن والظاهر، هي الحياة والموت، وما عدا ذلك هو نشاط آخر، ثانوي أو إضافي، دون أن يعني ذلك التقليل من شأن النقد، سواء فيما أحاول منه أم بعامة. أما ظاهرة الأديب الناقد فليست حكراً على لغة أو ثقافة أو شعب أو عصر. وحسبي أن أعدد من العرب جبرا إبراهيم جبرا وأدونيس وإلياس خوري وهاني الراهب وواسيني الأعرج ورضوى عاشور ومحمد الباردي وصلاح الدين بوجاه و.. ولا تنس هنا صدقي إسماعيل ومصطفى خضر وأحمد يوسف داوود ووفيق خنسة ومحمد كامل الخطيب وفرحان بلبل.

عندما أعدّ لرواية وأتهيّأ لكتابتها، أنسى ما عداها. وحين أشرع بالكتابة تستغرقني تماماً، ليس فقط عن كتابة النقد، بل حتى عن أسرتي. مرة شبهت نفسي لـ (الدومري) المرحومة، جواباً على مثل هذا السؤال، بالمريض نفسياً: فصام، ازدواجية شخصية. الآن أفكر بمن يسعه أن يعشق اثنتين في آن، واحدة منهما هي الأول والآخر والباطن والظاهر. قد لا يروق هذا في الحب العذري وللهاتفين بالأحادية. ولكن بين البشر من يعشق أكثر من واحدة ـ لا يشتهي فقط ـ ومن بينهنّ تكون واحدة هي النساء جميعاً إذ يلتقيا. أما في غيابها فلا يقبع باكياً وطهوراً.

بقلم : ماهر منصور

ايوب صابر 12-18-2011 11:55 AM

حوار مع الروائي نبيل سليمان

أجراه: د.ثائر زين الدين


نبيل سليمان : روائي وناقد ، صدرت له ست عشرة رواية وثلاثة وعشرون كتاباً في النقد الأدبي والشأن الثقافي . تُرجمت بعض أعماله إلى الإنكليزية والروسية والإسبانية والفارسية .
مُنح جائزة غالب هلسا للإبداع الثقافي عام ( 1993) عبد الله باشرحبيل للرواية عام 2004 ، وُضعت عن رواياته مؤلفات وأطروحات جامعية عديدة ، شارك في مؤتمرات وندوات عديدة ، عربياً وعالمياً .
من رواياته :
• ينداح الطوفان – 1970
• المسلّة – 1980
• مدارات الشرق ( أربعة أجزاء ) – 1990/ 1993
• سمر الليالي – 2000
• درج الليل درج النهار – 2005
ومن مؤلفاته :
• مساهمة في نقد النقد الأدبي – 1980
• فتنة السرد والنقد – 1994
• الثقافة بين الظلام والسلام – 1996
• المتن المثلث – 1999
• كتاب الاحتفاء – 2002

ويسعدنا أن نقدم للقارئ الكريم هذا اللقاء الذي أجريناهُُُ معه :

ماذا يعني لك أن تكتب رواية؟
ج- أفكر الآن أنني عندما أكتب رواية , فإنما من أجل أن أقبض على هذا السراب الذي لا يفتأ يملص مني , أعني ذلك الفتى و هو يتطوح ما بين سنوات دراسته الإعدادية و الثانوية , يمشي في كرم التين- صار الآن مقبرة- وقت الغروب بخاصة , و يحلم . يمشي على الكورنيش القديم في اللاذقية –صار الآن جزءاً من المرفأ- وقت الغروب أيضاً , و يحلم, يسافر إلى بيروت أو الشام , يسافر إلى الجبهة , يعشق و يقرأ و يكتب.
لماذا تقرأ و تعشق و تكتب؟ بالأحرى : لماذا تعيش ؟ أليس هذا ما يعنيه أن تكتب رواية أو قصيدة أو أن تبدع رقصة أو لوحة تشكيلية أو....
شخوصك جميعها تقريباً لا تثبت في مكان واحد, إنها تخترق الأمكنة الروائية , تسافر, تنتقل . قد تعود-و هذا الأغلب – و قد لا تعود . أنت كتلة من الحيوية لا تحب الركود ؟!ج- أصدقك القول أنني لم انتبه إلى ذلك من قبل , و لم ينبهني أحد إليه , على كثرة ما كان لي من مثل هذا الحوار شكراً لك . من المؤكد أن بعض شخصيات رواياتي تشبهني . على الأقل شخصية نبيل في رواية (المسلّة ) و التي حملت اسمي الأول . شخصية خليل في رواية(هزائم مبكرة ) أيضاً . باختصار, حيث تلامحت السيرة في رواية لي , فثمة بضعة من روحي و من حياتي . و حين تخمد روحي و حياتي فلا بد أنه الموت , حتى لو بقي الجسد يؤدي وظائفه . ربما لذلك أسافر , و أتوحّد بمكان بعد مكان. ربما لذلك ترى وشم مكان بعد مكان على قلب هذه الشخصية أو تلك من شخصيات رواياتي , سواء تلك التي هي بضعة مني أو التي ابتدعتها المخيلة ممن(عشتهم) و (عشتهن) من البشر .
في معظم رواياتك تاريخ .. تاريخ معاصر , تاريخ قديم لمنطقتنا و بلادنا , و لكن هذا التاريخ- على ما أحسست- لم يمارس سطوة كبيرة على عملية الكتابة لديك , بينما فعل ذلك على معظم الروائيين السوريين , كيف ترى العلاقة بين التاريخ و الرواية , و كيف استطعت أنت أن تحل هذه المعادلة ؟ج- لم أواجه العلاقة بين التاريخ و الرواية مواجهة جديّة قبل رباعية (مدارات الشرق). هذه الرواية هي التي علمتني كيف أنقّب في التاريخ كأني مؤرخ, و كيف أسلم ما أظفر به من التنقيب إلى المخيلة, إلى الكتابة, لتلعب على هواها : قد تعجنه و تعيد تشكيله , و قد تأخذ به حرفياً , قد ترميه بعيداً و تمضي و هي تصدح: أنا تاريخ جديد , أنا وثيقة جديدة و حفريات جديدة , أنا رواية .
دخلت عالم الكتابة الروائية ليس فقط من موقع المُحّب الولوع بهذا الفن, و لكن أيضاً من موقع العارف الخبير بصعوبة ما يقدم عليه , وقد تجلى ذلك من خلال عمقك المعرفي النقدي الذي تجلى في كتاباتك النقدية المختلفة .إلى أي مدى استطعت الاستفادة من تلك المعرفة النظرية حين دخلت ميدان الفعل الإبداعي ؟ و هل شعرت أن تلك المعرفة لعبت دوراً سلبياً في بعض الأحيان؟ج- للحق أني دخلت عالم الرواية من موقع المحب الولوع بهذا الفن. صحيح أنني كنت أحمل شهادة جامعية في الآداب, و بالضبط في اللغة العربية , لكن الدراسة الجامعية في الستينات من القرن الماضي لم تكن معنية بنقد الرواية. و لم يكن في مطالعاتي آنئذٍ من نقد الرواية إلا أقل القليل .
بعد ثلاث روايات فيما بين1970-1973, و بعد تجربة كتاب (الآدب و الإيديولوجيا في سـوريا) مع بوعلي ياسين , بدأت أقرأ في نقد الرواية , لكنني لم أمارسه إلا بعد ما كتبت روايتين أخريين هما (جرماتي)و (المسلّة), و بعدهما كتابين في النقد الأدبي .
الآن, و بعد عشرات السنين , و بعد سبع عشرة رواية و عشرين كتاباً في النقد , أندم أحياناً كثيرة على ما ضيعت من وقت و من جهد في النقد , و أتعزى أحياناً كثيرة بما لعله أفادني ذلك في كتابة الرواية , و بما لعله ينهض به من دور في الحياة الأدبية و الثقافية , و بخاصة عندما يتعلق الأمر بالأصوات الشابة و الجديدة في الرواية, و بخاصة أيضاً أن الشكوى من قصور النقد , لا تفتأ تعلو تعلو.
في روايتك " مجاز العشق" مثلاً , تلغي علامات الترقيم كلها و تستخدم النقطتين الشاقوليتين أي(, و تستطيع فعلاً أن تجعل كل جملة تلد ما بعدها , أو تأتي مقول القول لما سبقها , أو تشرح ما سبقها, و ما إلى ذلك. وهذا إنجاز جميل, لكن أحد روائيي أميركا اللاتينية كان قد سبقك إلى ذلك.هل كنت مدفوعاً بمعرفتك النظرية و ثقافتك , أم أن الأمر جاء كضرورة فنية لها مبرراتها أو مسوغاتها الجمالية النابعة من العمل نفسه ؟ج- في حدود علمي أن من سبقني إلى ذلك هو الروائي الإسباني(خوان غويتسولو ) , و ليس أحد روائيي أمريكا اللاتينية. غويتسولو هو الذي دفعني إلى أن أغامر في الرواية العربية مثل مغامرته في الرواية الإسبانية ,و قد ذكر ذلك الروائي فؤاد صالح في رواية(مجاز العشق), كما ذكرت ذلك في أكثر من حوار مثل هذا الحوار معك. أظن أنها كانت تجربة استثنائية في اكتناه اللغة و التعلم يندر أن تعدله لذة.
في رواياتك الأخيرة " في غيابها" ,درج الليل...درج النهار" , "مجاز العشق " هناك حب سريع بين الرجل و المرأة..حب سهل أحياناً..ليس هناك معاناة من الحب كما كنا نقرأ مثلاً في " غادة الكاميليا"أو "مدام بوفاريه" أو البعث" أو غيرها من الأعمال الخالدة.كيف تفسر ذلك ؟ج- أرجو ألا يكون الحب في رواياتي كما هو في الروايات التي ذكرتها . لكن القول إنه حب سريع أمر , و القول إنه حب سهل أمرٌ آخر .
لعلك تذكر من رواية(مجاز العشق) اللعب على ألـ التعريف. بالأحرى: تعرية الحب من ألـ التعريف. هل تعرف البشرية حتى الآن ناموساً واحداً أحداً للحب؟ هل تذكر ما اقترحته رواية(مجاز العشق) من تعريف الحب ؟ ألم تقل هو ليس بالطابولا بالتابو, أي ليس ملكية و لا محرمات ؟ و ماذا عمّا عاناه في علاقتهما العاشقان فؤاد صالح و صبا العارف في رواية(مجاز العشق) أو سعد أيوب و صبا عمار في رواية(في غيابها) أو ونسة و إياس في رواية(درج الليل..درج النهار)؟ هل المعاناة فقط ذرف الدموع ؟ ألم تتبدل العلاقات الإنسانية , و منها الحب, ما بين امرئ القيس و فاطمة و بين قيس و ليلى و بين عبد المعين الملوحي و بهيرة و بينك و بين نساء من شعرك أو حياتك ؟
و أنت تخلق الشخصية, كم منها يكون جاهزاً مسبقا ًفي ذاكرتك ؟ و هل تحتاج إلى إضافات كثيرة بقصد جعلها أكثر قرباً من المعيش ؟ج- أحياناً يكون للشخصية ظل ما أو أكثر ممن عرفت من البشر , و بدرجة أقل مما سمعت عنهم أو جمعت عنهم ما جمعت , و بالطبع, هذا لا يكفي , لكن المخيلة تتكفل بالباقي . و أحياناً تتولى المخيلة الأمر كله في الروايات التي تعود إلى زمن لم أعشه . هكذا جاءت نجوم الصوان مثلاً في( مدارات الشرق) و جاء الطويبي في ( أطياف العرش). و بالمناسبة,لم أعرف يوماً شخصية إيزيدية (يزيدية ) , فشخصية ونسة في رواية(درج الليل..درج النهار) هي خلق المخيلة وحسب , بلا أي ظل في العيش أو في القراءة.
إلى أي مدى يرى نبيل سليمان أن اللغة الفصحى عاجزة عن التعبير عن الشخصية بعفوية و براعة, تجعلان من اللجوء إلى العامية ضرورة عند بعض الروائيين ؟ج- لأن واحدنا هو عجينة لغوية من الفصحى و العامية , فالفيصل الرقيق و الحاسم في الكتابة الروائية هو اللاشعور اللغوي , و الذي يفترض أن تكون له حساسيته الرهيفة التي قد تنادي العامية في مفردة أو صيغة أو في الحوار بصورة خاصة وأي اصطناع هنا ليس حلاً لا اصطناع العامية و لا التفاصح .
يحذر معظم الروائيين من تناول الزمن الراهن , و يفرّون إلى الماضي , فإذا بشخصياتهم تعيش في زمن العباسيين , و الاحتلال التركي و الفرنسي, بينما نراك تتصدى لزمن قريب . في رواياتك الأخيرة هناك: اتفاقية أوسلو , و حرب المياه المضمرة , و الفساد الداخلي, و القمع و الحرب في الخليج...هل تعتقد أن الرقيب الداخلي(في دماغك) سمح لك أن تقول ما تريد ؟ هذا إذا نجوت من الرقابة الخارجية؟!ج- ليس للرقيب الداخلي وجود في دماغي .في داخلي أنا أكبر حرية من نسمة الهواء, أكبر حرية من العصفور. و كما تعلم لم أنج شخصياً و لم تنجَ رواياتي من شر الرقيب الخارجي . لحظة الكتابة بالنسبة لي هي لحظة الحرية القصوى كما هي لحظة اللذة القصوى. هذا لا يعني البتّة ادعاء البطولة, كما لا أظنه غباءً , فأنا أدرك خطر الرقيب الخارجي , و أتعامل معه أحياناً إذا كان ما يريد حذفه كلمة هنا أو جملة هناك . لقد علمتني الكثير تجربة الأدباء الديمقراطيين الروس في العهد القيصري , في تعاملهم مع الرقابة. لماذا لا يرفع الكتاب شعار(هم يمكرون و نحن نمكر)؟.
ربما كان كل ذلك ما دفع رواياتي للاشتغال على قضايا الراهن . لكنني عدت مثل آخرين إلى النصف الأول من القرن العشرين في(مدرات الشرق) و في (أطياف العرش) , و قد أعود إلى ذلك و إلى سواه من الماضي . ليست كل عودة إلى الماضي فراراً أو تقية . لقد كان الأمر بالنسبة لي كما هو بالنسبة لعبد الرحمن منيف في خماسيته أو لجمال الغيطاني في( الزيني بركات ) أو لسالم بن حميش في رواياته عن الحاكم بأمر الله و ابن خلدون ..لقد كان الأمر حفراً في التاريخ من أجل أن نتبيّن حاضرنا و مستقبلنا , من أجل أن نتلمس جذور ما نحياه من هزائم و تخلّف. و الكتابة عن قضايا الراهن هي أيضاً فخّ لمن لا يتلمّس نبض التاريخ , فتأخذه الشعارية و يأخذه العابر.

ايوب صابر 12-18-2011 12:11 PM

نبيل سليمان

( دراسة شاملة )
02 تشرين الأول 2010
مقدمة
ماذا يفعل الربّان والسّفينة، حين تجري الرّياح وتنتشر، حيث لا يشتهي؟! لم تكن هذه الرّياح إلاّ الكاتب والنّاقد نبيل سليمان، وليس الربّان والسّفينة إلا والده المساعد في الدّرك والانضباطي في عمله المسلكي (ابن حكومة)، الذي كان يرغب أن يُبعد ولده عن السّياسة، أيّام الوحدة السّورية والمصريّة (1958ـ1961)، بشتّى الوسائل الممكنة، ليلحقه بالثّانوية الصناعية في اللاذقية، محذّراً إيّاه دوماً من السياسة ومشاكلها. وما إن عثر الوالد على كرّاسة حزب البعث العربي الاشتراكي تحت سرير ولده البكر، حتّى ضربه وأرهبه، وقد ظهر هذا الحدث جليّاً في عمله «هزائم مبكّرة»، والتي لم تكن إلا سيرة ذاتيّة للرّاوي منذ بداية تعلّمه، وحتّى نيله شهادة الدّراسة الثانويّة الصّناعيّة، ووصفاً لتنقّله بين القرية والبلدة والمدينة، وللأحداث الهامّة التي مرّ بها الوطن، والمظاهرات الطلاّبية التي اكتسحت الشّوارع مطالبة بالوحدة والإصلاح، حيث كانت الثانوية الصّناعية، حينذاك، وكراً من أوكار البعثيّين والنّاصريّين الّذين يسيّرون التّظاهرات بهتافاتهم: «بدنا الوحدة باكر باكر مع هالأسمر عبد النّاصر». هكذا حلّق نبيل سليمان في فضاءات عبد النّاصر، ثمّ تأثّر بالماركسية، دون أن ينتسب إلى الحزب الشيوعي.

أولادكم ليسوا لكم
هذه التجربة الحياتيّة خلّدها نبيل سليمان، في عمله «هزائم مبكّرة» من خلال سيرة مواطن يُدعى «خليل»، والذي كان والده الدركيّ يحذّره قائلاً: «إيّاك يا بنيّ والسّياسة. لا تنخدع برفاق السّوء. العين لا تقاوم المخرز. مَن يقدر على الحكومة؟ ألا تذكر كيف كنتُ لا أعود حتّى الفجر أيّاماً كثيرة في طرطوس؟ الدريكيش؟ أنا أعرف أولاد المدارس وطيبتهم. أعرف الشّباب وطيشهم. كم من أستاذ ودكتور ومحام جررْته بيديّ هاتين من بيته مثل الكلب؟ ومن بين أكوام الحطب كنت أجرّهم، بعد شهور قليلة ستتخرّج وقد تصبح ابن حكومة، فكن ابنها المطيع منذ اليوم».لكن الابن (خليل) ضرب بهذه النّصيحة عرض الحائط، فحمل دستور حزب البعث في قلبه، وآمن بأهدافه، وعندما حصل على الشهادة الثانوية، بدأ رحلة البحث عن وظيفة حكوميّة. فسافر إلى دمشق لتقديم مسابقة في وزارة الصّناعة. وهناك نصحه أحدهم بألاّ يُتعِب نفسه، لأنّ الأسماء المطلوبة للتّوظيف قد عُيّنت قبل أن تجري المسابقة. وفي ميناء اللاذقية وقّع «خليل» استمارة انتسابه إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، بعد أن نفذ صبره. حيث لا يمكنه أن يظلّ متفرّجاً، أو واقفاً على الحياد، ووطنه يحترق
تزوّج والده بامرأة أخرى، وهجر أمّه وإخوته وأرسلهم للعيش بعيداً كي يظلّ مع زوجته الشابّة، ممّا ترك جروحاً، ربّما لم تبرأ، حتى الآن لدى الكاتب، الذي ما زال يتحدّث عن تلك المرحلة بألم.
أستاذ اللّغة العربيّة والصّداقة
عيّن نبيل مدرِّساً للّغة العربيّة في الرقّة سنة 1969، وأحاط به عدد من الأصدقاء الشيوعيين الذي أثّروا فيه فحملت كتاباته نفَساً ماركسيّاً، جعلت من «كتبة التقارير يظنّونني عضواً في هذا الشقّ أو ذاك». كما أنّ صداقته التاريخيّة مع بوعلي ياسين، النّاقد لكلّ شيء، عزّزت لدى نبيل سليمان الحسّ النّقدي من كلّ شيء، والعزوف عن الانخراط في الأحزاب.
من ثمار هذه الصّداقة كتابهما المشترك «الأيديولوجيا والأدب في سورية»، الصادر عن دار ابن خلدون، ثمّ خاضا معاً مغامرة الرحيل إلى بيروت في ربيع 1979 تاركَين وراءهما أسرتين، راكضَين خلف الحلم بالعيش في «الفضاء الفلسطيني اللّبناني، وفضاء الثّورة والحرب الأهليّة اللاّهبة».
التقى الكاتبان في لبنان بمهدي عامل ويمنى العيد وماجد أبو شرار وجورج طرابيشي وسعد الله ونّوس وغيرهم، والتقيا كذلك سليمان صبح الذي أسّس دار ابن رشد، وذاع صيتهما سريعاً، ووضع ياسين وسليمان كتاباً آخر مشتركاً ونشراه لدى الدّار بعنوان «معارك ثقافية في سورية».

ابن قرية البودي
قرية البودي الواقعة على السّفوح الوسطى الغربية لجبال اللاذقية، المليئة بالآثار، والتي اكتشفت فيها قنوات مياه مطمورة، محفورة في الصّخر، يعود زمن بنائها إلى العصر الرّوماني.
ويروى أن ثمّة قصرين، شرقي وغربي، تتناثر آثارهما هناك، ويطلق عليهما الأهالي اسم «قصور الضهر»، كما يعتقد بأن أنقاض مدينة أثرية هامة ما تزال مطمورة في باطن ذلك الموقع، فالأحجار النحتية وبقايا الأبنية القديمة، تدلّ على علاقة القرية بالممالك الفينيقية القديمة، التي قامت على أرض الساحل السوري كأوغاريت وسيانو وغيرهما. وقد عثر في موقع برمّانا القريب على جرار فخارية، ونقود قديمة، أثناء شق الطريق بين عين شقاق والبودي.
ولد نبيل سليمان في صافيتا عام 1945، وتلقّى تعليمه في اللاذقية، وحصل على إجازة في اللغة العربية عام 1967. عمل مدرّساً وأسس دار الحوار للنشر في اللاذقية، حيث تفرّغ للكتابة منذ عام 1990.
بنى الروائي في بداية الثمانينيات، قصراً في قرية البودي التي تقع على بُعد عشرين كيلومتراً من جبلة وترتفع 600 متر عن البحر مطلةً على شواطئ بانياس إلى اللاذقية، ونقل مكتبته إلى هناك: «أعيش فيها عزلتي منذ عام 1987 متفرغاً للقراءة والكتابة. ولا يعرف لذة القراءة والكتابة إلا المتفرغ». ونبيل سليمان يعرف هذه اللذة منذ عام 1982 حتى اللحظة.
الحياة أو الكتابة
كان سليمان قد بدأ الكتابة روائيّاً قبل أن يتّجه إلى النّقد. خيار الكتابة أو «خيار الحياة»، اتّضح جدّياً لديه منذ 1969، حين كتب «ينداح الطّوفان» التي نُشرت بعد عام من كتابتها، ولم تتحدّث الرّواية عن الهزيمة أو الحرب.
لقد اكتفى صاحب «ثلج الصّيف» بالإشارة إلى الهزيمة، في كلمة الإهداء «إلى 5 حزيران عرفاناً بالجميل». ثم أتبعها بـ «هزائم مبكّرة» (1985)، التي تروي مسلسل الهزائم الذي لا يغفل عن بطولات هنا وهناك ويقاربها روائياً «اقتراناً بهزائم على المستوى الشخصي الرّوحي».
يتّضح التّنوع الثّقافي في شخصيّات رواياته، فمصدره التنقّل المبكّر بين الأمكنة: إنه مولود في صافيتا سنة 1945، ودرس الأدب العربي في جامعة دمشق وتخرج سنة 1967. وكان يسافر مراهقاً مع والده ليعيش فترات بين عامودا البلدة الكردية في منطقة الجزيرة، ثم عاش في قرية شركسيّة في عين صاف، إلى أن انتقل إلى الدريكيش. وعن ذلك يقول: «هذا الخليط جبلني تعددياً، وانفتاحياً وحوارياً». هكذا هي عوالم رواياته المتعدّدة والجدليّة.

وقد بات معروفاً أنّ مشروع نبيل سليمان الأكبر هو روايته «مدارات الشّرق»، التي يقول عنها: «صرت أصدّق أنّ في حياة كلّ كاتب مشروع العمر الذي يُكتَب مرّة واحدة ولا يتكرر». جاءت هذه الرواية بعد عمله «قيس يبكي»، فشرع في كتابة كتلة من أكثر من ألف صفحة كانت نتاجاً لعمل 15 ساعة يوميّاً صيفاً وشتاءً، حتّى أنجز «الكتلة الأولى»، بعد ستّة شهور، ثمّ تابع العمل حتّى بلغ 2400 صفحة.
تهيمن على معظم أعماله الروائية وأبحاثه النقدية الدراسات المضمونية والسوسيولوجية، وتطغى عليها الانطباعات الشّخصية، والأحكام الذّاتية، وتكتفي بتلخيص مضمون الرواية، في محاولة لتأكيد أحكام القيمة المستمدّة من العرض السّريع للمضمون.
بنية النّص عند نبيل سليمان، بنية مفتوحة على الحقول الدلالية، والثقافية والأيديولوجية والاجتماعية. ومن هنا نزوعها إلى تجاوز الدراسات السوسيولوجية التي تقف عند حدود المؤثرات، إلى التفاعل النّصي والتناص، وينفتح النص الأدبي على مستويات أعلى من الوعي والإدراك، ويتحوّل إلى «رؤية» للعالم، ذات دلالة اجتماعية، تنظّم فضاءه. ومع اعتبار المبدع واضعاً للصياغة الفنّية المناسبة للوعي الجماعي الذي يعتمل في ضمير مجتمعه، كما يقول ميشيل بوتور: «ليس الرّوائي هو الذي يصنع الرّواية، بل الرّواية هي التي تصنع نفسها بنفسها».
الرّواية والتّاريخ
يعكس الروائي نبيل سليمان الواقع الاجتماعي في تماسكه وتناقضاته وظاهره، لا انعكاساً بسيطاً ومباشراً، بل تعبيراً عن الطّموحات التي ينزع إليها وعي الجماعة التي يتحدّث الأديب باسمها. تعالج روايات نبيل سليمان، تاريخ سورية الحديث والمعاصر، منذ العهد العثماني وحتى اليوم.
لقد غطّى نبيل سليمان بإنتاجه الرّوائي قرابة ثلاثة أرباع القرن العشرين. وكان الطّابع العام لهذا الإنتاج هي التاريخية، والاجتماعية، معيداً الحق لأصحابه البسطاء العاديين الذين أهملهم التاريخ الرسمي، فجاء الفن الرّوائي ليصوّر بطولاتهم المنسيّة.
شخصيات مدارات الشرق (الأشرعة)
1ـ الذات/الموضوع: الشخصيات محورية، تقوم في رحلة البحث عن المصير (الموضوع).
2ـ المرسِل/ المرسَل إليه: تندغم «الذات» في المرسِل، و«الموضوع» في المرسَل إليه.
3ـ العامل المساعد/ المعاكس: يتمثّل العامل المساعد في النّصير، والمعاكس في النّقيض، فالمساعد هم الجنود الذين يعودون من الحرب، أملاً في بناء حياتهم وحياة الفلاحين المظلومين. والعامل المعاكس هو الاستعمار العثماني، الفرنسي، الإقطاعيون، الرأسماليون، حيث يتصارع الخير والشر، وتشهد أماكن الأحداث ملاحم بطولية، ومظالم عديدة يندى لها جبين الإنسانية. ويؤمن نبيل سليمان بالمذهب القائل إن البطولة ليست لفرد واحد وإنما هي للجماهير.
الشخصيات المحورية:

1ـ راغب الناصح، من الجولان.
2ـ ياسين الحلو، من الزنبقلي في جسر الشغور.
3ـ إسماعيل معلا، من كفر لالا، في مصياف.
4ـ عزيز اللباد، من قبية، في صافيتا.
5ـ فياض العقدة، من المشرفة، في حمص.

هؤلاء الأبطال فرّوا من الجيش العثماني والتحقوا بالجيش الميمّم شمالاً، جيش الثورة العربية الكبرى. وبعد أن انتصرت الثورة رغب كل منهم في العودة إلى قريته، بعد أن انتهى الجهاد الأصغر، في محاربة العدو الخارجي، وجاء الجهاد الأكبر، في محاربة العدو الداخلي (الإقطاع، البورجوازية).
بنات نعش:

يهدي نبيل سليمان هذا الجزء قائلاً:
«لبو علي ياسين وعبد الرّحمن منيف،
لأفئدة تلوّح:
سلاماً
لشرق قضى
وقرن مضى
سلاماً
لدنيا جديدة».
حيث يتابع نبيل سليمان في الجزء الثاني من «مدارات الشرق» مصير الشخصيات، وتبدأ بطلقات عزيز اللباد على عبود بك الرشدة الذي قتل هيلانة:
«صارت البندقية خفيفة بين يديه، كالرّيشة. صارت دافئة وأليفة، كأنّها لم تغادره منذ انتزعوه من قبية، وجعلوه يقطع هذا السّهل حتى طرابلس. لا ينبغي له أن ينأى عنها ثانية، وحدها تستطيع أن تجمع في ومضة سنيه المقضيّة، أسفاره ومراراته، أصدقاءه وأهله، سنيّه التي قد تكون بقيت له، أجمل أو أقبح، ما الفرق؟
وحدها البندقية يستطيع أن يركن إليها وقت الشدة. وعما قليل سوف ترفع حذاء عبود بك وغير عبود بك عن رقبته. سوف تنتزع من تحت ذلك الحذاء وكل حذاء، سوف تنتزع هيلانة من أحضان الضيوف العرب أو الفرنسيين أو الأتراك، وتمسح دموعها وجراحها، تستر عريها، وتزفّها، أو تشيّعها كما يليق. لن يدع عزيز أحداً يخرج في جنازتها سواه. وإذ يصل بالنعش الصغير إلى أهلها يطلب يدها، ويدفن فؤادها معه، وينطلق ثانية مثلما انطلق من حمص بعد أن أودع نجوم لدى العم حاتم.
كان يعاين فتحات القصر ومحيطه، الأضواء والأصوات، والليل يعدو وهو يلهث خلفه، ويملأ صدره من الهواء المسائي القوي، ويحمحم مثل حصان، يكتم ضحكته مما كان بالأمس، بل لتوّه، ويحاول أن يقلّد نهيق الحمار.
قبيل الفجر قرّر أن الجميع قد هجعوا. تسلل من البرج خفيفاً وممتنّاً للعيون الغافلة. دار حول القصر حتى النافذة التي قدر أن وردة كانت تنام خلفها. أيقظت طرقاته الخفيفة من كانت نائمة خلف النافذة، وجاءه صوت غير أليف. أمر صاحبة الصوت بفتح النافذة. ظهرت وردة في النافذة، فشهق وسمّى باسم الله الرحمن الرحيم. سأله الصوت عما يبتغي، وخاطبه باسمه. صار الصوت أليفاً، بيد أن صاحبته لم تعد وردة تماماً. سأل عمن في الغرفة وأمر صاحبة الصوت أن تذهب لتنام في مكان آخر. قفز إلى داخل الغرفة وصوت وردة يشهق. أمر الخادمة بالصّمت، ثم أمرها أن تستطلع له الممر والطابق الأرضي. خرجت الخادمة منوّمة، ولم تلبث أن عادت بصوت وردة الرّاجف:
ـ لا أحد.
سأله الصوت أو رجاه:
ـ ماذا تريد يا عزيز؟
ـ ريثما أعود افتحي النافذة المجاورة للبوّابة. افتحي النافذتين المجاورتين وعودي إلى غرفتك، ونامي. أغلقي هذه النافذة ونامي. إياك أن يراك أحد.
ألحّ الصوت:
ـ ماذا تريد يا أخي؟
وكان قد ابتعد. جرت خلفه، لكنه كان قد بدأ يقفز فوق الدّرج إلى الطّابق العلوي. طارت إلى البوابة، ثم إلى غرفتها، وقبل أن تستلقي سمعت دويّ رصاصة أو رصاصتين. طارت إلى الممر، لكن صوت خبطة قوية سمّرها. تلفّتت حيرى، جزعة، فإذا بدويّ جديد للرّصاص. جرت إلى نافذة غرفتها تدعو الله أن يحمي عزيز اللباد، وتمعّن في عتمة الليل التي تضاعفها ظلال الأشجار. ولم تلبث الأضواء أن أخذت تشتعل في القصر، والأصوات تعلو».
الشخصيات الأنثوية:

جانيت الفرنسية، خديجة التكلي، والست زهرة، ووردة، أم عثمان، نجوم. لكن النّص الرّوائي يتّهم جميع نساء المدينة بالتهتّك والعهر: سارة، مريانا، أم نور الدين، بينما يرى كل نساء الرّيف فاضلات، ولا همّ لهن غير العمل والبطولة. والمرأة الرّيفية تتمتّع بقوّة نادرة في الدّفاع عن شرفها أمام البيك والآغا والوكيل: فأم عثمان تصمد أمام الكثير من المحاولات، وتحترم سنّها وأمومتها، ووردة عندما تُرغم على التعرّي أمام الفرنسي، تهرب، لتموت في بطولة تراجيدية، دفاعاً عن شرفها. ونجوم الصوان، الصلبة، الشجاعة، ترتقي إلى مستوى الرمز الوطني والتاريخي، لتمثّل الشام والوطن كلّه.
يشكّك نبيل سليمان بصدق العربي فيما يتبنّاه من مبادئ: «هل الجمهورية عميقة وأصيلة فينا؟ كما أظن أنّ فكرة الديمقراطية ليست أصيلة ولا عميقة، رغم كل ما نعتدّ به من زوايا مضيئة في التاريخ».
حاول سليمان في «مدارات الشرق» أن يبحث في أسس التيارات الماركسية والقومية والإسلامية، ويتأمل نشأتها وما آلت فيه في القرن العشرين من دمار على جميع المستويات الفكرية والاجتماعية والوطنيّة والمؤسساتيّة.
لكن ألم يكن لأي مؤرخ أن يقوم بهذا العمل على نحو أفضل من الروائي؟ هنا تأتي تلك التجربة الغاضبة، تجربة اللذة الغاضبة: «الكتابة بلا أي حساب للخبرة الفنية وللرقيب التاريخي والسياسي، تجربة من الحرية. أظن أنها عجنت كل الحمولة التاريخية والفكرية التي في "مدارات الشرق"، واقترحت شكلاً يبدو للوهلة الأولى كلاسيكياً».
في هذه الرواية وبحسب الكاتب نفسه، ثمة تجربة خاصة في بناء الزمان الممتد عبر 65 سنة، بُني على شكل موجات. وهذا المقترح الجمالي في «مدارات الشرق»، هو إضافتها الأهم من محاولتها تصوير ما كان عليه أمر النفط في الثلاثينيات في سورية والعراق، وما وصل إليه مع بدء الانقلابات العسكرية عام 1948.

أمّا مشروعه كناشر، فتجلّى في «دار الحوار» التي أسسها سنة 1982، وانصرف إليها انصرافاً كاملاً بدل عمله في التدريس. يقول عنها منذر المصري: «أرادَ أن يخرج من حالة الهزائم المبكرة التي بدأ بها حياته وجعلها عنوان إحدى رواياته، إلى حالة الانتصارات المتأخرة، ويكون صاحب مشروع ثقافي متكامل».

ايوب صابر 12-18-2011 12:12 PM

تابع،،،
مدارات الشرق:


قام المؤلفان د. محمد صابر عبيد، ود. سوسن هادي جعفر البياتي، بدراسة في الملحمة الروائية «مدارات الشرق»، متسائلين عن العلاقة التي تربط الفن الروائي بالتاريخ، بوصفه معيناً مركزياً يغذّي الراوي بمادة كثيفة وفعّالة، وكيفية استنطاق الحدث التاريخي وتفعيله روائيا، والوسائل المتاحة أمام الروائي ليستطيع تحويل الحدث الواقعي إلى رواية تاريخية، لاسيّما وأن منظّّر الرواية التاريخية (لوكاتش) اعتبر الرواية أدباً اجتماعياً، وفناً في التعبير عن المجتمع بكل إسقاطاته وتجلياته، إيجابياته وسلبياته، صفائه وشوائبه، وبكل ما يختزنه من أحداث وهموم ومصاعب إلى جانب أحلامه وآماله وطموحاته.

فإذا كانت الرواية أدباً اجتماعياً ـ في المنظور اللوكاتشي ـ والتاريخ جزءاً من نشاط المجتمع البشري في حقبة زمنية معينة، بل هو كنز الأسرار الخاصة والعامة المرتبطة به والممثلة له على نحو أو آخر، فإن الرواية هي تعبير تمثيلي ـ تخييلي عن الفضاء العام لهذا الكون الإنساني في أنموذجه الاجتماعي ـ التاريخي، فثمة علاقة ثلاثية المنشأ تستلهم أركانها من هذه الأعمدة الثلاثية المكوّنة للمثلث النصي في التشكيل الروائي: المجتمع/التاريخ/الرواية. فالمجتمع هو الأساس الأولي الحيّ وعليه ومنه ينطلق التاريخ في تسجيل أحداثه المرتبطة به والممثلة له.
ورواية «مدارات الشرق» قد استوعبت في ثناياها الكثير من الأحداث التاريخية وصاغتها صياغة روائية ـ تمثيلاً وتخييلاً ـ عبرت بالأزمنة والأمكنة الحدود الروائية التقليدية في إطارها العام، وتعاطفت مع الشّخصيات التي عانت ما عانت، من جراء خذلان أصحاب الزّعامات لها وهي تبحث عن ممكنات عيشها الرّغيد على حساب الطبقات المسحوقة، في نمط خفي من الصّراع الطّبقي المهيمن على ذهنيّة مجتمع تشكّلت نسقيته على هذا الأساس.
تجاوزت الرواية في هذا السياق السمات السردية التقليدية الجاهزة، لتخلق لها سمات مبتكرة تفرضها الطبيعة الملحمية للحدث الروائي، وصياغة حوارات ذات وظائف انفعالية وتفسيرية وإشارية، لتؤسس عبرها لغة روائية خاصة يندمج فيها المديني بالرّعوي والشرقي بالغربي، مع ما فيها من صدامات ومشاحنات وتنافر تصل حد الإذلال المتعمّد والمهين لكرامة الإنسان واستحقاقات وجوده الطبيعي في الحياة عبر كشف أساليب تعذيبية وحشية. فالرواية على وفق هذه الجدلية زاخرة بالمقابلات الضدّية مادياً ومعنوياً: الحياة والموت/الاتصال والانفصال/الثورة والرضوخ/السلطة والاستعباد/المقاومة والعجز، حيث التضاد شكل من أشكال الصراع الملحمي العنيف.



مفهوم الأنا والآخر والمسؤولية الثقافية

تثير مسألة الأنا والآخر إشكالية سردية ترتبط باختلاف وجهات النظر أو الزاوية التي ينطلق منها الروائي في إبرازها بصورة قد تكون معقدة وشائكة نوعاً ما، وربما تظهر الأنا مفردة بصورة أكثر وضوحاً فيما لو اقترنت بالآخر، ولا سيما إذا كان هذا الآخر هو العدو بحدّ ذاته، حيث يضع الأنا في موقع تصادمي وصراعي على الدّوام، وهو ما يؤسس إشكالية العلاقة، التي تحكمها أسس ثقافية وفكرية وفلسفية وسيكولوجية وأيديولوجية، تنهض بصناعة طبيعة العلاقة وكيفيتها على عدّة مستويات.

ويتم بناء صيغة العلاقة وتلقّيها عبر المقابلة بين صورة الذات (أو «الأنا»، أو «النحن» العربية) وصورة «الآخر» الحضاري الغربي، مع فروق في الطرح تحددها مواقف ورؤى المفكّرين والأدباء. وقد تعاملت الرواية العربية منذ تجاربها المبكّرة مروراً بكل التحولات والثورات التي مرت بها حتى الآن مع هذه الإشكالية التي صارت ثيمة محورية في الخطاب الروائي العربي، واشتملت على طروحات ورؤى، حتى باتت أشبه بموضة طالت مشاغل أكثر الروائيين العرب، إلا أنها جاءت على مستوى عال من المسؤولية الثقافية والإبداعية عند الروائيين المخلصين لمشاريعهم، حيث تخلّصوا من سلطة التقليد وعالجوا القضية بوعي فنّي وفكري وتقاني متميز، انعكس إيجابياً على تجاربهم وأصبح قضية مركزية من قضاياهم الرّوائية.
فوضع الحدود الفاصلة للمفاهيم واجتراحها، هي النقطة الأهم والأشمل، خاصة إذا تعلق الأمر بالآخر، ذلك أن هذا الآخر لا يبقى على وتيرة واحدة وشكل واحد ورؤية واحدة وحساسية واحدة بمرور الزّمن، كما هو الحال في «مدارات الشرق».
إن نقطة الالتقاء بين الأنا والآخر هي التي تشكّل المادة الأساس لمشروع السّرد الرّوائي: «أنا النص والآخر، منتجاً جملة من الإحالات اللغوية والنفسية والفكرية، التي غالباً ما تكون في خصوصية المعنى، تعبّر عن أنا وآخر في الوقت نفسه، فالسّرد بوصفه التّوليفة المحايثة لتوظيف كل منهما في تركيبة الوعي، كرغبة إرادية تمتحن صيغ التعايش الممكنة بينهما، وتجعل من الآخر مرتدّاً في حيّز الوجود إلى الأنا في إطار الكينونة».
فنحن إذن أمام تعدّد الآخر وتنوّعه ـ في الشكل والهوية والمشروع والمنهج والفكر ـ فيما تبقى بالمقابل، الذات العربية، الأنا الفردية، والأنا الجمعية واحدة لا تختلف عبر مرّ العصور وإن اختلفت وجهات نظرها وتطلّعاتها وآمالها، على النّحو الذي يخلق إشكالاً تفاعلياً بين حركة الآخر في تغيّره المستمر وثبات الأنا في استمرارها النّمطي على حال شبه مستقرّة.
تتموضع الأنا والآخر إذاً في مكان واحد وفضاء عملي واحد، فلا يمكن الحكم على الآخر بأنه الآخر، ما لم يكن هناك صلة تربط الاثنين ببعضهما، يتحرّكان في فضاء مكاني وزماني واحد، ففي إطار هذه المفاهيم تتكوّن «فكرة الآخرية من حجم الصّراع بين الإنسان والإنسان، وكل صراع بين إنسان وإنسان يبتدئ من تموضع كلا الطّرفين في حيزيّ الآخرية، فلا يمكن أن يحدث بينهما صراع ما لم يكن كل منهما آخر بالنسبة للآخر، على المستويين الفردي والجمعي، والآخر هو الكلية المزدوجة للكينونة الذاتية وتقويضها في الآن نفسه».
فالصراع بين الطرفين يبدأ عندما يحس عامل الأنا، بأن رغبة الآخر تشتغل للاستحواذ على الفضاء الخاص به وتحييده وتهميشه وإقصائه، وممارسة إكراهات معيّنة على رصيده الأنوي المستقل.
أشكال الأنا:

يتدخّل الراوي دوماً في إقحام ذاته، بين «الأنا» و«النحن»، وبالتالي يصبح ضمير الغائب هو الفاعل والمسيطر على هذا التلاعب في الضمائر، وذلك إنما يعود إلى أسلوب خاص يتبعه الرّاوي في التّحديدات الضمائريّة، وهي تحديدات تعلن مسبقاً عن مهارة الراوي وبراعته في التلاعب وقدرته على إدارة دفّة السّرد والتحكّم بمجرياته: «كان ميتاً بحق، على الرّغم من أنه قد طاف في ساحة البيت، وحوله، ثم حول النّهر، يتحاشى أن يصادف أحداً ممّن يعرف أو لا يعرف، يتلمّس الجنيه الذي أودعتَه في جيبه هذا الضّحى المشمس. وبعد المغيب يتسلّل إلى المحطة، يقعي في زاوية قذرة ومعتمة حتّى يأتي القطار، فيتسلّل إلى جوفه، ويدفن نفسه هناك.
أيّهما كان أكثر عجزاً: ذلك الشّاب الذي خلف شماً وراءه بلا عنق، أم هذا الكهل الذي خلف نجوم وراءه بلا سروال؟ أيّهما كان أكبر هزيمة؟ هل كان ما فعل رصاص الفرنسيين في الكهل أقتل مما فعلت سكاكين الخيالة في الشاب؟ شخصية العم حاتم أبو راسين من الشخصيات المثيرة حقاً في الرواية، تنمو وتتطور مع الأحداث على الرغم من إنه يتحرّك في نطاق مكاني ضيّق، ومع محدوديّة الدّور الذي يلعبه ـ إذ ينتهي هذا الدّور مع نهاية الجزء الأول ـ إلا أنه استطاع أن يترك بصماته على الأحداث، سواء أكانت الأحداث الماضية التي يعود إليها بذاكرته عبر تقانة الاسترجاع أم الأحداث الراهنة التي يعيشها في الحاضر، إذ يمكن اعتباره رمزاً، وانعكاساً فنّياً لمعاناة الإنسان المقهور في المجتمع الاستبدادي الشرقي المتطلع إلى الحرية والتقدم».

وبفعل الروح الوطنية التي يحملها، فإنه يتحطم إنسانياً بفعل الضربات الموجعة التي تلحق بروحه وجسده وحلمه هزيمة ساحقة، هذه الهزيمة التي تترك أثرها في علاقته بنجوم، ومن ثم يبرز الهروب بوصفه بديلاً أو وسيلة للتخلّص من عقدة الذنب التي يحسّها، هذه العقدة التي نشأت لديه بعد أن ترك شمّا تُذبح أمام عينيه وهو ساكن وعاجز لا يتحرّك ولا يتمكّن من فعل شيء. هنا تتحول الشخصية التي عرفناها في بداية الرواية ـ مرحة، ثورية، فاعلة ومتفاعلة مع الآخرين، محبّة ـ إلى شخصية أخرى محطّمة، منسحقة، فيثور، وتبرز هذه الثورة في نقمته على نفسه، والتمرّد عليها، إذ ينشأ الصراع داخليا وذاتياً أكثر مما هو خارجي، وبفعل الضّغوط والمواجهة الحادّة مع النّفس تتشكّل رؤيته الخاصة لذاته ولشخصه ككيان يحمل في داخله آثار الدّمار والعجز ومحاولة إفناء الآخرين من غير تعمّد.
«أيقن عمر وهو يخرج من اللجة، ويلتقط أنفاسه، إنه قد جبل من طينة أخرى، ليست مثل طينة أحد ممن عرف حتى اليوم، وإذ راوده ذلك فيما بعد، لام نفسه على غرورها. فعمر التكلي هو على الأقل ابن الحاج المرحوم، شقيق هولو وخديجة. ولكن نفسه تأبت على هذا النّسب، استصغرته بالأحرى، كما لم تشأ أن تقترن إلى سليم أفندي ولا الباشا ولا الخواجة ثابت، بل أنها زينت له أن أولاء جميعاً قد يكون فيهم ما ينسبهم إليه، ولهم على أية حال أن يكونوا من طينة أخرى إن شاؤوا. أما هو، فله أن يشمخ عالياً، يبتدع أصلاً وفروعاً، ولذلك تكون النسبة إليه. وبقدر ما يقترب الآخرون منه يكونون من طينته، لا فرق بين طه اليتيم أو الباشا أو أمه العجوز أو أي كان. فسوى ذلك ليس ثمة إلا المساكين والحمير، سواء أكانوا باشوات أم خدماً، خواجات أم أمراء، فلاحين أم بدواً أم تجارا، فرنسيين أم سوريين. إنه عمر العمر، لا عمر التكلي، ولو أمكن لجعل الناس جميعاً ينادونه بهذا الاسم الجديد العتيد».
من خلال شخصية عمر التكلي نقف على نشأة البرجوازية الحديثة في الشرق العربي، واهتمامها بمصالحها الشخصية، وتحيّنها الفرصة للصعود، فهي شخصية نرجسية، تعيش في عالم آخر أكثر ثراء من العالم الذي تركته خلفها، فهاهو عمر مزهواً بذاته، متملّقاً حتى في أبسط الأمور، انتهازياً بكل معنى الكلمة، ونرجسيته هذه تجعله ينظر إلى نفسه بمنظار آخر إذ يحتفي بذاته ويتمركز حولها تمركزاً شديداً.
كذلك شخصية فيّاض العقدة الذي أحب نجوم الصوان، ورغب الزواج منها، وبعد أن خطبها وحدث احتلال مرجمين، أُصيب فياض وتشردت نجوم بعد أن قُتِل أبوها وماتت أمها، تلتقي بعزيز فيأخذها إلى العم حاتم أبو راسين ويغيب عنها، تتزوج نجوم من العم حاتم، في أثناء ذلك يستطيع فياض الهرب من المستشفى والبحث عنها، يلتقيها هناك في بيت العم حاتم بعد أن يكون قد استشهد وتركها أرملة.
يتحوّل فياض إلى شخصية انتهازية وجشعة، نرجسية، يتنكّر لأصدقاء الأمس بغرور، يحاول السيطرة على الآخرين، محاولاً الاستحواذ على كل ما يمكنه الاستحواذ عليه في سبيل الإعلاء من شأن وجوده الشخصاني، وكأنه يعاني من «مركب النقص» ذلك أن إحساسه بفقدان الكثير مما كان يأمل الحصول عليه قبل الاحتلال، نمّى لديه شعوراً قويا بالعقدة - لاحظ التسمية المقصودة في اسمه - وهذه العقدة تدفعه إلى التعامل مع الآخرين بقوة مزعومة، فيتعامل مع الفرنسيين ويضطر الثوار إلى قتله.
أما شخصية فؤاد، فهو مثقف أولاً، عاش في الغرب مدة من الزمن، تنتمي عمته إلى إحدى الدول الغربية التي عاشت فيها وتزوجت هناك من المستر بيجيت، ينتمي إلى أسرة عريقة فأبوه الباشا شكيم أحد باشاوات سورية، له صلة بالإنكليز، عاش حياة مترفة، متنقّلاً بين الشرق والغرب. يتجاذبه طرفان، الغرب من جهة، والشرق من جهة أخرى، ومع هذا الانتماء فإنه لا يحس بانتمائه لأي جهة منهما، بل ينتمي إلى وطنه ويسمّي عشيقاته بسورية. ويتجلى أنموذج الأنا من خلال عنصر الشخصية، حيث تتمادى في أنويتها على حساب الذوات المجاورة مما يكسبها حسّاً فاعلاً بوجوب حصولها على استحقاقات إضافية ليست لها في الأصل.
إشكالية الأنا/الآخر:

تغدو الأنا في علاقتها بالآخر المحور المهم في توجيه الصراع الدائر ووضعه على طاولة المفاوضات الثنائية التي لا تجد مفراً سوى الرضوخ لهذه الثنائية وبالتالي التماهي بين الاثنين، وإن كانت النتيجة تحسم دوماً في صالح الجانب الآخر بوصفه الحلقة المسيطرة في عمليات الصراع ودينامياته.
فشعور العربي بتفوق الغرب عليه، في كافة المجالات خلق لديه هاجساً مريراً، فنشأ الصراع بين «الأنا والغرب» مع الأخذ بعين الاعتبار عدم تساوي كفتي الصراع. فصورة الآخر المتفوق والمهيمن والمركزي والمتسلط والصانع للحضارة دوماً، تجعل العربي يظهر بمظهر المهزوم، المضطرب والضعيف ويندرج ضمن هذا المحور عدة أقانيم تحدد شكل العلاقة وتفسّرها.
الآخر/الإنساني، وفيه:

الآخر/العربي. الآخر/الغربي. الآخر/الصهيوني. الآخر العربي في نظر الأجنبي. الآخر الغربي في نظر الأجنبي. الشرق/الغرب.
وتظهر صورة الآخر/العربي بكل قسوته وجبروته وطغيانه ضد الأنا/العربية المستضعفة والمقهورة التي لا حول لها ولا قوة. فشخصية عزيز اللباد في نظرته السلبية والدونية إلى عبود بك، مقابل نظرة هذا الأخير الفوقية المتعالية إلى عزيز، ورغبة الأخير في الإبادة التامة التي يمارسها على كل من يحاول الخروج عن الطاعة. أما القوة، العزوبية، الهدوء، الأمانة، عفّة النفس، فهي صفات يحملها القطب الآخر، المواجهة لعبود بك، الصفات التي يفتقدها ويبحث عنها عند الآخر، وتمسكه بعزيز وحرصه على بقائه معه، إنما يأتي من باب التمسك بهذه الصفات.
«لقد استهواه عمر منذ البداية، ومليا فكّر من بعد فيما ينطوي عليه ذلك الشاب من قدرات فيما يجذب الناس إليه، في ألغازه وتناقضاته. كان عمر يبدو لراغب ضعيفاً وساذجاً، يقدر أن يلعب بعقله مثل الطفل، حتى إذا همّ بذلك، تكشف عن رجل صلب ومحنّك، عن خبيث بخاصة. وأياً كان لا تنقصه القوة. كان راغب يشفق على ما يخيل إليه من تردد عمر وجهله، يودّ لو يأخذ بيده فإذا بعمر، حيث ينبغي أن يكون، خبيراً وصارماً، لا هو بابن الحرزة التي استهاب راغب بأصله، ولا هو مثل من عهد أو عرف من الوكلاء أو التجار...».
يظهر عمر في صورة شخصية مركّبة، قلّما يستقر على حال واحدة، انتهازية نشأت مع الطبقة البرجوازية، ينمو مع الأحداث ويتغيّر معها، تارة يكسب أعداء كثيرين، وقلما يحتفظ بصداقاته مع الآخرين إلا بما يخدم مصلحته الشخصية الضيقة، وفي نظرة راغب إليه تتكشف هذه الحقيقة السردية التي تفصح عن نفسها في مونولوج يرصده الراوي بصيغة الغائب الذي يعبر عن مكنونات النفس الداخلية وما يحاول راغب التعبير عنه. وعلى الرغم من أن ضمير الغائب هو المهيمن على النص، إلا أنه يتناوب في الانتقال من شخصية إلى أخرى، فالضمير الغائب الموجود في «استهواه، بعقله، إليه، يود، ينقاد، نأى، يفكر، يقرأ، سره، يميل» يعود إلى راغب. فيما يعود الضمير نفسه في الأفعال الأخرى إلى عمر، والنص مسرود عن طريق الراوي كلي العلم، حيث السرد الموضوعي هو الطاغي على مجريات القول الروائي، حيث يبرز الصدام بالوعي الثقافي المغترب، في النظرة إلى هذه الثقافة التي تؤطّر نفسها داخل أسوار البيئة التي انبثقت منها، فيما تتحرر من هذه الأسوار بمجرد ما تنفتح على الخارج وتدخل في حوار مع ثقافة أخرى، فالمثقف الشامي، والعربي عموماً، يكبر بمجرد ما يهاجر. هنا يصبح الانفتاح على الآخر انفتاحاً تحررياً يدعم حرية الذات وصيرورتها على نحو ما، فالذات العربية عندما تجد نفسها في بوتقة ما محاصرة حصاراً ضيقاً يصل إلى حد صعوبة التنفس، تحاول التمرد والخروج على قوانين الأسوار المحيطة بها، ويستغل الآخر هذا التمرد والخروج على القوانين فيعمل على تلبية كل المطالب الممكنة لهذه الذات المتمردة، ليس بدافع التعاطف معها، بل إن ثمة دافعاً حقيقياً وراء هذه الاستجابة غير المشروعة. فهو وبكل بساطة يريد من هذه الذات أن تكون بوقاً أو أداة دفاع تم إعادة إنتاجها وفق صياغات هذا الآخر من جهة، ومن جهة أخرى يعمل على إذلال الآخر/العربي وعزله عن طريقه بوساطة مشاريعه الرامية عادة إلى استغلال الآخر/العربي على المستويات كافة، إذ يعطي الغرب حرية كافية للتغيير في محاولة منه لجذب الآخر/العربي إليه وإيهامه بحلم الخلاص والتغيير الذي يلوح أمام شخصيته، وهنا يكمن سر الهجرة وتكمن سرّ الإشكالية التي تحكم هذه العلاقة. يجد المثقف نفسه دوماً مقيداً محاطاً بمجموعة من التابوهات غير المسموح بتجاوزها (السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية)، وربما كانت السياسة والجنس أكثر هذه التابوهات قبولاً.
الآخر/الغربي:

إن الاعتراف بالهزيمة، هزيمة الذات العربية ينطلق من الإحساس الفاجع بأن الذات العربية هي مصدر البلاء وأساسه، ولولا ضعفها واستسلامها لما كان للعدو أن يمزق جسد الأمة العربية على هذا النحو المرعب، يصول ويجول فيها ويتلاعب بمقدرات الذات العربية كيفما يشاء، فالعرب منهمكون دوماً في نواح مستمر وبكاء وجلد للذات على إحساس دائم بالانكسار والهزيمة لا ينتهي.
«إذا بقي الانكليز يحلبون الشام مثلما كان من قبلهم يحلبها. وكما لم يخرج من قبلهم إلا بالقتال، ظني أنهم لن يخرجوا إلا بالقتال. ولن يكون الحال أفضل مع الفرنسيين. هاهو الساحل كله أمامك، ألا تسمع بما يجري هناك؟ قل يا راغب بربّك: لماذا تطمع الدنيا ببلادنا؟ بل لماذا تطمع الناس ببعضها؟ ماذا يضرّهم لو تركونا نعيش بسلام؟ هل كتب الله علينا ذلك؟ مرة الأتراك ومرّة الإنكليز، ومرة الفرنسيين، وهاهي فلسطين تبتلى بالصهاينة!! شيء يحيّر! شيء يقبض القلب. لو كنا أقوى فهل تظن أن الآخرين كانوا يتطاولون علينا هكذا؟».
وتبرز روسيا ـ بوصفها مرحلة أخرى من مراحل النكبة التي شهدتها سورية ـ مبعثاً للوباء الشيوعي المستشري فيها، وبمقطع صحفي نقف عند نظرة العرب إلى الشيوعية: «وفي اليوم التالي جاءني بجريدة حلبية وقال لي: اقرأ. قرأت على قدر ما أستطيع، وحفظت وطار صوابي. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إليكم أيها العمال، أيها الفلاحون المغرورون بمحاسن المذهب الشيوعي والآخذون بدعاية رسل السوفييت وأضاليلهم. إليكم يا بني وطني هذه الصفحة السوداء عن روسيا الحمراء مبعث الوباء الشيوعي. والصفحة يا هولو حديث ليهودي روسي هارب من هناك، الشيوعيون ملحدون، يحاربون كل مؤمن، مهما كان دينه، يمنعون المسلم والمسيحي واليهودي من العبادة. الشيوعيون فجّار، يركبون بعضهم مثل البهائم. لا يحللون ولا يحرّمون، وروسيا مثلها مثل كل البلاد فيها الصالح والطالح، ولكنها تحاول أن تكون أفضل. ولم تمش مع الأبالسة الذين يقهرون الشعوب ويحلّلون دمها».
وبهذه السلبية تظهر فرنسا في نظر العرب، فزين العرب يعقد مقارنة بينها وبين غيرها من الدول الغربية وفيها تظهر إشارة إلى أصالة الأمة العربية وكيف يعمل العربي على الإعلاء من شأن أمته على الرغم من السلبية التي ترزح تحتها، وتظهر هذه المقارنة عبر أصوات عديدة تحاول الكشف عن همجية فرنسا والدول الغربية.

ايوب صابر 12-18-2011 12:13 PM

تابع،،،
الندوة النّقديّة التّكريمية

كرّمت وزارة الثّقافة مؤخّراً الرّوائي والنّاقد نبيل سليمان في المركز الثّقافي العربي باللاذقية، بإقامة النّدوة النّقدية التكريمية، التي تناولت عطاء المبدع الرّوائي والنّقدي، الذي امتدّ على مساحة نصف قرن، بلغ فيها نتاجه سبعة وثلاثين كتاباً.
استمرّت النّدوة لمدّة يومين متتاليين، تضمّنت ثلاث جلسات شارك بها عدد من الباحثين النّقديين من مصر، العراق، السّعوديّة، وسورية، وأفصحت أبحاثهم عن مكوّنات إبداعه ومزاياه الدّاعمة للرّؤى الفكريّة والإنسانيّة القوميّة.
أهدى المبدع سليمان تكريمه إلى من هو أولى منه في هذه المدينة، وخصّ بالذّكر بو علي ياسين وإلياس مرقص وهاني الرّاهب، وحضّ القيّمين في اللاذقية على ذكرهم على الأقل باسم شارع أو مدرسة. وحثّ وزارة الثّقافة لتوالي نهجها الحميد بتكريم من ذكر ومن فاته ذكرهم. مضيفاً: «أصارحكم بأنني كلما اقترب هذا المساء كنت أزداد غبطة وقلقاً، إنّها الغبطة بهذه المودّة وبهذا التّقدير. وإنه القلق في اشتباه التّكريم بالوداع الأخير في ثقافتنا المعاصرة، حيث نصيب التّكريم أدنى بكثير من نصيب النّسيان والنّكران. لكنني متمسّك بالبقاء معكم، أي بالكتابة معكم وعنكم وإليكم، أمّا التّرميم فلعلّ أبْلغه هو في دراسة ونقد أعمال المكرّم».‏
وأكّد السيّد وزير الثقافة د. رياض نعسان آغا على أنّ معرفته بنبيل سليمان بدأت بعدم حبّه للنّهج النّقدي الذي يكتب ويتّخذ المواقف النّقدية من خلاله، ثم بدأ حباً به كشخص ليتحول إعجاباً بنتاجه الرّوائي بشكل عام، وهذه كانت إحدى مفارقات نبيل سليمان. ‏
إنجاز ضخم:

في الجلسة النقدية الأولى التي تمحورت حول نبيل سليمان ومواقفه الفكرية والأدبية والنقدية شارك د. سيد البحراوي من مصر الذي تحدث عن نبيل سليمان النحلة والإنسان مؤكداً على أن المحتفى به إنسان يمتلك الكثير ويحرص على أن يقدم هذا الكثير إلى العالم وأنجز عشرين كتاباً نقدياً وثقافياً وسبع عشرة رواية، وهو إنجاز ضخم على مستوى الكم يحتاج إلى وقت.‏ غير أن الأهم هو الخصائص النوعية، فمع أن تركيز سليمان غالب على الرواية إبداعا ونقداً، إلا أن أعماله النقدية تنوعت، فبالإضافة إلى النقد الروائي هناك اهتمام واضح بالأيديولوجيا والثقافة عامة والماركسية والتراث العربي. مضيفاً بأن نبيل سليمان لا يتورع من تجريب كل أشكال الكتابة الروائية من حيث الطول، فلديه القصيرة (جرماتي)، والخماسية التي تتجاوز الألفي صفحة (مدارات الشرق)، ومن حيث التوجه الفني بين الواقعية والسيرة الذاتية وتيار الوعي والحلمية.
وتناول د. سعيد الدين كليب نبيل سليمان ونقد النقد مبيناً أن سليمان قدم خدمة كبرى للحركة النقدية الأدبية في سورية، سواء أكان ذلك من خلال المشاركة والمتابعة والمساجلة النقدية أم من خلال توطيد النقد ونقد النقد في الوعي الثقافي. وعرض الدكتور كليب سمات نقد النقد لدى سليمان والتي تتحدد بنقد النقد المتبع في النص النقدي في علاقته بالنص الأدبي، ونقد الأسس النظرية الكلية الناظمة للنقد، ونقد الآراء والأفكار الجزئية في علاقتها فيما بينها وعلاقتها بالأسس النظرية الكلية، ونقد النقد من منظور علاقته بالفعالية الاجتماعية - الثقافية.
استمرت الندوة التكريمية للروائي نبيل سليمان في يومها الثاني وتصدت الجلستان النقديتان لنبيل سليمان قاصاً وروائياً. شارك في الجلسة الأولى د. سعد البازعي من السعودية وتناول ارتباك العيش في «درج الليل- درج النهار» فهذه الرواية تطرح جملة من القضايا على مستوى الثيمات والشكل وتقترح توظيف الشكلي للدخول في المستوى الآخر، فالاقتباس أولاً: لرواية تضيء دلالات العنوان مثلما تعين على تبين بعض جوانب الثيمات التي يتناولها العمل. وفي المجمل فإن ما تطرحه الرواية هو صورة من مجتمع نخبوي تكنوقراطي يعيش حالة من الارتباك الوجودي، أي المتصل بقيمة سلوكه مثلما هو متصل بالظروف التي تحيط به على المستويات كافة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويتابع البازعي مؤكداً: الاقتباس الأول، المستمد من مصدر صوفي، يوحي بأن ثمة حقيقة يمكن الوصول إليها وراء تلك الأدراج المتعاقبة في الليل والنهار بإشارته إلى «درج الحقيقة» لكنه في الآن نفسه يشير إلى حجم الاضطراب والزيف اللذين تموج بهما أحداث الرواية، وذلك بإشارته إلى تخلي الأصدقاء وحجم المعاناة المطلوبة للوصول إلى تلك الحقيقة، أو إلى إنقاذ المجتمع من الوضع الذي يعيشه، ومنها التحقيق الأمني والاضطهاد الذي تلقاه فئة دينية هي فئة الإيزيديين. كما تفيض الرواية بقلق إزاء الأحداث السياسية المحيطة، وفي طليعتها الحرب المتوقعة في العراق حين كتبت الرواية.‏
إضاءات‏:

وقدم د. محمد صابر عبيد من العراق مجموعة من الإضاءات التي كشفت عن مفاصل القراءة لرواية «دلعون» بوصفها الرواية الأخيرة للمحتفى به، وعرج فيها على التشكيل الإيروسي وحساسية التعبير السردي. فـ «دلعون» أتت بعد تجربة ثرة امتدت على مساحة زمنية اشتغل بها الروائي على عدة كتابات، وتفنن بالتقانات الروائية الحرة التي أعطته فرصة للكتابة كما يشاء.‏
فتجربة سليمان أسهمت إسهاماً فاعلاً في إنتاج الرواية المعاصرة، ورواية «دلعون» مغامرة روائية شكلت موقعاً متميزاً في المدونة السردية العربية الحديثة.‏

وأشار د. عبيد إلى أن الروائي حاول كسر هيمنة القضية المركزية وسيطرة الحكاية على المسرود الروائي وراح يفتح أفقه على مسارات سرد سيري شخصاني، مشتت نسبياً، لا يعبأ بالعناصر والمكونات والسياقات التقليدية في الحكي والتصوير السردي بغية إنشاء عمارة سرية ذات هندسة روائية خاصة، تنهض على تفوق حضور الشخصية الروائية ذاتها، وانفتاحها على المشهد السردي بتلقائية مقصودة تتعمد استظهار باطنية الشخصية على سطح ظاهرها .‏ مبيناً أن الفضاء العام والمهيمن على الرواية فضاء مقهور ومتوتر ينطوي على ضياع مأساوي عميق، ويحظى التشكل الإيروسي فيه بحضور طاغ وجوهري ومقصود، وهو في مضمونه الدفين يسعى إلى الانتصار على اللحظة السردية المشبعة بالقهر والتوتر وفقدان الأمل.‏
نص كرنفالي:

وتصدت د. زبيدة القاضي لرواية «مجاز العشق»، ملتقى النصوص والفنون، واعتبرت الرواية نصاً «كرنفالياً» مشيرة إلى أن المواد غير الأدبية فيها انفتحت على جملة من الخطابات والنصوص غير الأدبية استعارها الكاتب من فضاءات مختلفة، واختزلتها في ثلاثة حقول (إعلامي، ثقافي، اجتماعي). واستمدت الرواية حداثة كتابتها من التفجير المتعمد من قبل الروائي لأبنية اللغة وأنساق الأسلوب بغية اشتقاق لغة جديدة من اللغة ذاتها، ونحت أسلوباً متميزاً من خلال تدميره أنساق الأسلوب التقليدي بتحويل التناسق إلى تفكك يصبح هو الآخر تناسقاً يطبع كلية النص، لا تجزئة ولا تفصيلاً، وتأتي الكتابة وكأنها جملة واحدة متواصلة.‏


واتخذ د. وفيق سليطين رواية سليمان الأخيرة «دلعون» مادة لبناء «الذرى السردية في التأويل والتنازع الدلالي»، فبدأ بتعريف مقترح للذروة السردية، يفرق فيه بينها وبين الحبكة ويميز بين أنواع الذرى السردية، المركزية منها والفرعية، على قاعدة الربط بالبنية والوظيفة من جهة، وبإنتاج الدلالة الكلية من جهة أخرى، كما ذهب إلى تطبيق مقترحه الموصول بالذروة السردية على الرواية مشخصاً ذروتها المركزية في احتدام المواجهة عند شليطا (سردياً ودلالياً)، وقدم من خلال التحليل الموضوعي فحصاً لحوافز التنامي، ولمركبات التعقيد والتنازع المشكلة للذروة الموصوفة في منحى تحريض ممكنات التأويل والانفتاح عليها، من خلال الربط بتحولات السرد وخاصيات بناء لحظة (الذروة) لرد ذلك على باقي الأجزاء في تعالقها وتفاعلها، بما يهيئ الدلالة الكلية للنص من منظور هذا التناول.‏


في غيابها


ورغم أن د. فيصل درّاج لم يتمكن من الحضور شخصياً، إلا أن بحثه قدم من خلال د. صلاح صالح وجاء فيه: «يمثل نبيل سليمان منذ ثلاثة عقود تقريباً الصوت السوري الروائي الأكثر اجتهادا وتنوعاً، إن لم يمثل حالة ثقافية خاصة تمارس النقد والنشر والكتابة الروائية والمداخلة الفكرية الضرورية، وإذا كان في هذه الممارسة أعطى الرواية السورية أفقاً جديداً، فقد كان ذلك الجهد المتراكم الذي صوب أدوات الروائي، وأتاح له أن يكتب مدارات الشرق التي قرأت التاريخ القريب بأدوات روائية، وأن يساجل التاريخ القائم في مساحات يومية ضيقة، كما في روايات أخرى (السجن، ثلج الصيف). إلا إنه على هذا السجال الخصيب الذي يقرأ الواقع في نزوعه وينظر إلى هذا النزوع من دون غبطة ولا مسرة. والتاريخ اليومي الذي يرصده سليمان ويؤوله ويرفضه، مرآة للقيم الإنسانية التي إن ارتقت وعدت بخير وإن تسفلت أنذرت بمستقبل من هشيم».


وتشير الورقة إلى أن أعمال سليمان الروائية تنتج بمعنيين مختلفين للتاريخ: يساوي الأول منهما بين التاريخ والوقائع الماضية حيث ما مضى أخذ دلالة خاصة به تقبل أكثر من تأويل، أما المعنى الثاني فمرتبط بوقائع حاضرة لا تزال تتكون وتتطور ولم تأخذ صيغة نهائية بعد، والمعنى الثاني صادر عن شخصيات مختلفة تعيش حياة يومية وتسهم في تشكيلها وبنائها انطلاقاً من ممارسات ومواقف وتصدرات متعددة. يتعين المعنى الثاني في حقل القيم، ذلك أن التاريخ في تقدمه وتراجعه مرآة لتقدم القيم أو تراجعها.

تجليات ثقافية:‏


وتناولت د. شهلا العجيلي «تجليات النسق الثقافي في نص سليمان الروائي»، والتي أكدت خلال عرضها أنه نص متطور وتجربته في الكتابة تجربة تصاعدية يتحول النص فيها من الأيديولوجي ليصير إلى الجمال المعرفي الذي تسعى إليه نظرية الرواية، ويبدو هذا التحول جلياً في انتقال سليمان من كتابة «المدارات» بأجزائها الأربعة إلى كتابة رواياته الأخيرة: «في غيابها»، «درج الليل- درج النهار»، و«دلعون». إذ يلحظ المتلقي انتقال الكتابة الروائية لدى نبيل سليمان من مرحلة استقطاب النص لمقولات النظرية إلى مرحلة كتابة التجربة، فكيفّ نصه ليكون أيديولوجياً، وتاريخياً، وسياسياً من غير أن يتخلى عن الأيديولوجيا والتاريخ والسياسة. ويعود ذلك التحول إلى اكتشاف المبدع وجوهاً جديدة لعلاقته بالنسق الثقافي، ما اقتضى الشغل بلعبة سردية جديدة على كل النسق المسيطر والنسق المعارض في الثقافة.‏

تعدد بنية السرد‏:


واختتم القراءات النقدية د. رضوان قضماني بقراءة لخطاب نبيل سليمان الروائي «من الحكاية إلى تأويل الحكاية: السرد ولغة التشكيل الدلالي فيه»، مشيراً إلى أن منذ صدور روايته «ينداح الطوفان» (1970)، وحتى صدور روايته الأخيرة «دلعون» (2006) راحت بنية السرد الروائي عند سليمان تتعدد بين عمل وآخر منتقلة من الحكاية القائمة على أحادية صوت الراوي إلى تجاوز الراوي إلى عدة ساردين سعياً إلى خلق تعددية الأصوات، وراحت لغة السرد الروائي في تشكيلاتها الدلالية تتجاوز الخطاب التنويري ثم الثوري الأيديولوجي إلى اختراق التابوات السياسية والدينية والجنسية في محاولة للخروج من حكي الحكاية إلى تأويلها ليخرج صاحبها بذلك عن نهج الرواية السورية قبل حروب عام 1967، متجاوزاً الواقعية بأنواعها وأشكالها إلى تشكيلات سردية جديدة تتجاوزها على الرغم من حفاظ السرد على تفاصيل الحياة الدقيقة التي قد تصدم القارئ بما تحمله من كشف وصراحة وصدق ومرارة في حياة جيل كامل نشأ في سورية.‏

ختام الندوة:‏


في ختام الندوة التكريمية تلت د. شهلا العجيلي رسالة الناقد سعيد يقطين التي وجهها إلى الروائي المكرم وعنوانها «نبيل سليمان شهريار التخييل العربي»، جاء فيها: «لقد تبين لي من خلال اللقاء والقراءة والاطلاع أن نبيل سليمان من معدن نادر من الرجال. وحسبه أنه ممن يؤلف ويألف. يملأ المجالس الثقافية بهجة وحبوراً، وكيف والبسمة لا تفارق محياه حتى في أحلك الظروف وأصعبها، كما أن نقاشاته الجادة تكشف عن شخص لا يسالم ولا يهادن، ليس حباً في السجال والخلاف، ولكن مبتغاه تحقيق حلم راوده أبداً، وهو أن يرى للإنسان العربي موقعاً جيداً في العصر الحديث».‏
ويضيف الناقد سعيد يقطين: «مكانة نبيل سليمان متميزة في المشهد النقدي والروائي العربيين، وهذه المكانة لم تتحقق إلا له بصورة فريدة، وتكمن هذه المكانة في كونه متتبعاً جيداً دؤوباً ودقيقاً لكل ما يصدر في العالم العربي من نقد ورواية وسواهما.‏ والكاتب نبيل سليمان المهووس بقلق السرد لأنه يتصادى مع هموم الأمة وشجونها، والناقد المشاكس لأنه يهوى الارتقاء بالإنساني فيه في الواقع من الشجن إلى الشجو.‏ تقصر الكلمات عن الإحاطة بعوالم كتاباتك الزاخرة والغنية والمتنوعة. طالما أجلت اقتحام هذه العوالم وارتياد فضاءاتها الرحبة. هنيئاً لك هذا التكريم الذي أنت أهله، ومزيداً من العافية والعطاء».‏



مؤلّفاته
ـ سيرة القارئ، دار الحوار، 1969.
ـ جرماتي، أو ملف البلاد التي سوف تعيش بعد الحرب، القاهرة، دار الثقافة الجديدة، 1977.
ـ النّسوية في الكتاب السّوري المدرسي 67-76، دمشق، وزارة الثقافة، 1978.
ـ ثلج الصّيف، دار الفارابي، بيروت، 1979.
ـ النقد الأدبي في سوريا، بمثابة البيان الروائي، بيروت، 1980.
ـ الرواية السورية 67-77، دمشق، وزارة الثقافة، 1982.
ـ ينداح الطّوفان، دار الحوار، 1983.
ـ الأيديولوجيا والأدب في سوريا، تأليف نبيل سليمان وبوعلي ياسين، اللاذقية، دار الحوار، 1985.
ـ وعي الذات والعالم: دراسات في الرواية العربية، دار الحوار، 1985.
ـ هزائم مبكّرة، اتحاد الكتاب العرب، 1985.
ـ أسئلة الواقعية والالتزام، دار الحوار، 1985.
ـ أيديولوجية السلطة: بحث في الكتاب المدرسي، دار الحوار، 1985.
ـ الرواية العربية بين الواقع والأيديولوجيا، تأليف: محمود أمين العالم، يمنى العيد، نبيل سليمان، 1986.
ـ السجن، دار الحوار، 1986.
ـ مساهمة في نقد النّقد الأدبي، دار الحوار، 1986.
ـ الماركسية والتراث الإسلامي: دراسة للنزعات المادية، دار الحوار، 1988.
ـ قيس يبكي، دار الحوار، 1988.
ـ في الإبداع والنّقد، دار الحوار، 1989.
ـ مدارات الشّرق، دار الحوار،1990ـ 1993.
ـ التخلّف وعلم نفس المعوقين، دمشق، جامعة دمشق، 1991.
ـ اللباس والزينة في العالم العربي: دراسة موثقة بالصور، تأليف: بينول، بو عجينة، بوحلفاية. ج: نبيل سليمان، بيروت شركة المطبوعات، 1992.
ـ فتنة السّرد والنّقد، دار الحوار، 1994.
ـ حوارات وشهادات، دار الحوار، 1995.
ـ الثقافة بين الظلام والسلام، اللاذقية، دار الحوار، 1996.
ـ المسلّة، رواية، القاهرة، مصر العربية، 1997.
ـ مجاز العشق، دار الحوار، 1998.
ـ حوارية الواقع والخطاب الروائي، دار الحوار، 1999.
ـ أسئلة في الطّب النفسي، دمشق، مكتبة صايمة، 1999.
ـ الرواية العربية: رسوم وقراءات، القاهرة، مركز الحضارة العربية، 1999.
ـ متن المثلث، دار الحوار، 1999.
ـ أطياف العرش، اللاذقية، دار الحوار، 2000.
ـ الكتابة والاستجابة، دراسة، اتحاد الكتاب العرب، 2000.
ـ سمر الليالي: رواية، دار الحوار، 2000.
ـ أقواس في الحياة الثقافية، اللاذقية، دار الحوار، 2001.
ـ جماليات وشواغل روائية: دراسة، دمشق، اتحاد الكتاب العرب، 2003.
ـ في غيابها، دار الحوار، 2003.
ـ أسرار التخييل الرّوائي، دمشق، اتحاد الكتاب العرب، 2005.
ـ درج الليل - درج النهار، دار الحوار، 2005.
ـ دلعون: رواية، دار الحوار، 2006.
ـ شهرزاد المعاصرة: دراسات في الرواية العربية، اتحاد الكتاب العرب، 2008.
ـ عبد السلام العجيلي: حكواتي من الفرات، الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية، 2008.

يعمل حالياً على نص جديد، بعد سنتين من صدور روايته «دلعون». وكان في العام الماضي قد أثار سجالاً بعد هجومه على الرواية الجديدة خلال مؤتمر الرواية العربية في دمشق والمؤتمر الأول للرواية في عمّان.
الخاتمة
إن احترام الإنسان، والدّفاع عن المظلوم، وتخليد البطولة المنسيّة، بلغة حوار جذابة، قوية، وصور لا تُمحى من الذاكرة، هي الخيوط التي رُبطت بطائرة الرّواية الورقيّة، والتي يستطيع القارئ أن يمسكها، يحرّكها، ويركض بها لتحلّق بعيداً بعيداً ويحلّق معها في فضاءات الواقع والبيئة والإحساس، وكأنّه صانع لهذه الطّائرة بنفسه.
المصادر
ـ موقع البودي.
ـ جريدة الأخبار.
ـ جريدة الثورة.
ـ رواية بنات نعش.
ـ جماليات التشكيل الروائي، د. محمد صابر عبيد، د. سوسن هادي جعفر البياتي.
ـ فضاء النّص الروائي، تأليف: محمد عزّام.
- مواقع إلكترونية.



إعداد: أميرة سلامة


اكتشف سورية

ايوب صابر 12-18-2011 12:59 PM

نبيل سليمان

ولد نبيل سليمان في صافيتا عام 1945، وتلقّى تعليمه في اللاذقية، وحصل على إجازة في اللغة العربية عام 1967. عمل مدرّساً وأسس دار الحوار للنشر في اللاذقية، حيث تفرّغ للكتابة منذ عام 1990.
- عمل مدرساً وأسس دار الحوار للنشر في اللاذقية- متفرغ للكتابة منذ عام 1990.
- في صيف 1959 كنت قد أنهيت الدراسة في المرحلة الإعدادية وذهبت مع صديقي إلى قريته في ريف طرطوس وهناك اشتريت دفتراً صغيراً وبدأت أكتب حكاية أو رواية حتى انتهت صفحات الدفتر وأسميتها (حكاية مها) وعلى شكل روايات الأدباء المصريين كانت قصة حب والبطل له اسمي وكانت مليئة بأحداث كالانتحار وغيرها ...
- درست بعد ذلك في الثانوية الصناعية و بعد ها أعدت الدراسة في الثانوية العلمية وكان كل توجهي وحلمي أن أدرس الهندسة ولم أفكر يوماً في أن أدرس الأدب لكن قراءاتي في الأدب ابتداءً من السير الشعبية ( ألف ليلة وليلة – سيرة عياض – سيف بن ذي يزن - ..الخ ) ورغم نظرة الاستعلاء التي ينظر بها بعض المثقفين إلى هذه القصص فهي كنوز .
- العجز المادي اضطرني إلى أن أعمل في التعليم إلى أن أدرس الأدب العربي في الجامعة بانتظار أن يتحسن الوضع المادي لأتابع الدراسة في الهندسة، وهذا لم يتحقق إلى الآن.
- عدا إلى هزيمة 1967 ، فاكن الشعر والرواية والقصة والمقالات وغيرها في صخب الهزيمة و كان أن كتبت رواية عنوانها ( ثلج الصيف ) استلهمت فيها الهزيمة ،ولكن دون أن أذكرها مباشرة بحرف واحد ، فقط في الإهداء الذي جاء فيه إلى خمس حزيران 1967 اعترافاً بالفضل.
- في رواية المسلة عرفت بدرجة أكبر ماذا تعني السيرة الذاتي في الرواية ،و فيها حملت شخصيتها المركزية اسمي الأول وكانت هذه الرواية سانحة لي بالتفكر في المشهد السياسي السوري في السبعينيات .
- قيض لي خلال حياتي أن أسافر كثيراً والسفر عامل أساسي في تكويني وخصوصاً أن نشأتي كانت موزعة بين عدة قرى وعدة مناطق في بلدي ، وهذا ما أزعم أنه قد أغنى علاقتي بالفضاء أو بالمكان داخل سورية لكنني لم أكن لأجرؤ على أن أكتب عن ما وفره لي تجوالي فغي أنحاء العالم حتى جاءت رواية ( في غيابها ) عام 2003 وهي أول رواية أصف فيها واحدة من رحلاتي التي كانت إلى أسبانيا ، وحيث اشتغل السؤال الأندلسي وسؤال الاستعمار الاستيطاني وسؤال الحضارة و سؤال التعايش والتسامح والتلقي بين الديانات والثقافات ، فهذه كانت المرة الأولى التي استثمرت إحدى أسفاري ، وعسى أن أكمل ذلك .
- عندما عثر الوالد على كرّاسة حزب البعث العربي الاشتراكي تحت سرير ولده البكر، حتّى ضربه وأرهبه، وقد ظهر هذا الحدث جليّاً في عمله «هزائم مبكّرة»، والتي لم تكن إلا سيرة ذاتيّة للرّاوي منذ بداية تعلّمه، وحتّى نيله شهادة الدّراسة الثانويّة الصّناعيّة، ووصفاً لتنقّله بين القرية والبلدة والمدينة، وللأحداث الهامّة التي مرّ بها الوطن، والمظاهرات الطلاّبية التي اكتسحت الشّوارع مطالبة بالوحدة والإصلاح، حيث كانت الثانوية الصّناعية، حينذاك، وكراً من أوكار البعثيّين والنّاصريّين الّذين يسيّرون التّظاهرات بهتافاتهم: «بدنا الوحدة باكر باكر مع هالأسمر عبد النّاصر». هكذا حلّق نبيل سليمان في فضاءات عبد النّاصر، ثمّ تأثّر بالماركسية، دون أن ينتسب إلى الحزب الشيوعي.
- تزوّج والده بامرأة أخرى، وهجر أمّه وإخوته وأرسلهم للعيش بعيداً كي يظلّ مع زوجته الشابّة، ممّا ترك جروحاً، ربّما لم تبرأ، حتى الآن لدى الكاتب، الذي ما زال يتحدّث عن تلك المرحلة بألم.
- بنى الروائي في بداية الثمانينيات، قصراً في قرية البودي التي تقع على بُعد عشرين كيلومتراً من جبلة وترتفع 600 متر عن البحر مطلةً على شواطئ بانياس إلى اللاذقية، ونقل مكتبته إلى هناك: «أعيش فيها عزلتي منذ عام 1987 متفرغاً للقراءة والكتابة. ولا يعرف لذة القراءة والكتابة إلا المتفرغ». ونبيل سليمان يعرف هذه اللذة منذ عام 1982 حتى اللحظة.
- كان يسافر مراهقاً مع والده ليعيش فترات بين عامودا البلدة الكردية في منطقة الجزيرة، ثم عاش في قرية شركسيّة في عين صاف، إلى أن انتقل إلى الدريكيش. وعن ذلك يقول: «هذا الخليط جبلني تعددياً، وانفتاحياً وحوارياً». هكذا هي عوالم رواياته المتعدّدة والجدليّة.
- يعكس الروائي نبيل سليمان الواقع الاجتماعي في تماسكه وتناقضاته وظاهره، لا انعكاساً بسيطاً ومباشراً، بل تعبيراً عن الطّموحات التي ينزع إليها وعي الجماعة التي يتحدّث الأديب باسمها.
- رواية «مدارات الشرق» قد استوعبت في ثناياها الكثير من الأحداث التاريخية وصاغتها صياغة روائية ـ تمثيلاً وتخييلاً ـ عبرت بالأزمنة والأمكنة الحدود الروائية التقليدية في إطارها العام، وتعاطفت مع الشّخصيات التي عانت ما عانت، من جراء خذلان أصحاب الزّعامات لها وهي تبحث عن ممكنات عيشها الرّغيد على حساب الطبقات المسحوقة، في نمط خفي من الصّراع الطّبقي المهيمن على ذهنيّة مجتمع تشكّلت نسقيته على هذا الأساس.
- تجاوزت الرواية في هذا السياق السمات السردية التقليدية الجاهزة، لتخلق لها سمات مبتكرة تفرضها الطبيعة الملحمية للحدث الروائي، وصياغة حوارات ذات وظائف انفعالية وتفسيرية وإشارية، لتؤسس عبرها لغة روائية خاصة يندمج فيها المديني بالرّعوي والشرقي بالغربي، مع ما فيها من صدامات ومشاحنات وتنافر تصل حد الإذلال المتعمّد والمهين لكرامة الإنسان واستحقاقات وجوده الطبيعي في الحياة عبر كشف أساليب تعذيبية وحشية.
- الرواية على وفق هذه الجدلية زاخرة بالمقابلات الضدّية مادياً ومعنوياً: الحياة والموت/الاتصال والانفصال/الثورة والرضوخ/السلطة والاستعباد/المقاومة والعجز، حيث التضاد شكل من أشكال الصراع الملحمي العنيف.
- تتمحور اعماله حول موضوعات مثل "احترام الإنسان، والدّفاع عن المظلوم، وتخليد البطولة المنسيّة، بلغة حوار جذابة، قوية، وصور لا تُمحى من الذاكرة.

عزلة في الريف، بحر في الجوار، جبال شاهقة، وسفر متكرر، مظاهرات في المدرسة، عجز مالي، هزيمة عسكرية شنيعة اصابت الوجدان بمقتل، اب عسكري متسلط يهجر الزوجة ليعيش مع إمرأة اخرى شابة، فيترك الما لا يزال يؤلم.... ولا غرابة ان تكون اول رواية ( حكاية مها ) عبارة عن سيرة ذاتية لذلك الالم حيث ينتحر البطل...
هذه هي حياة نبيل سليمان المأزومة بأختصار شديد، وهذا هو النبع الذي فجر في ذهنه طاقات ابداعية غزيرة وعميقة... واضح ان هجر الوالد للوالدة كان بمثابة يتم اجتماعي.

يتيم اجتماعي.

ايوب صابر 12-19-2011 10:13 AM

ابرزأحداث في حياة الروائيين أصحاب أفضل الروايات من11-20
11-المجوس إبراهيم الكوني ليبيا..............................يتيم اجتماعي
12 -الوشمعبد الرحمن مجيد الربيعي العراق..................مجهول الطفولة
13- الرجع البعيدفؤاد التكرلي العراق...............يتيم فعلي في سن الـ 15
14-الشراع والعاصفةحنا مينه سوريا.........................يتيم اجتماعي
15- الزيني بركاتجمال الغيطاني مصر......................مأزوم
16- ثلاثية 'سأهبك مدينة أخرى'أحمد إبراهيم الفقيه ليبيا....مأزوم
17- أنا أحيا ليلي بعلبكي لبنان................................مأزومة
18- لا أحد ينام في الإسكندرية إبراهيم عبد المجيد مصر......مأزوم
19- الحب في المنفي بهاء طاهر مصر.......................مأزوم
20 - مدارات الشرق نبيل سليمان سوريا.....................يتيم اجتماعي
- عدد 1 أيتام فعليين 10%
- عدد 3 يتيم اجتماعي 30%
- عدد 5 مأزوم 50%
- عدد 1 مجهول الطفولة 10%

- أي أن نسبة الأيتام الفعليين+ وأيتام يتم اجتماعي + ومن عاش حياة أزمة هي 90%.
- مجهول الطفولة 10%

ايوب صابر 12-19-2011 10:51 AM

وألان مع سر الأفضلية في رواية :
21- الوباء هاني الراهب سوريا

الوباء - روايةالروائي المتميزهانيالراهبواحدة من أفضل الروايات فيتاريخ الأدب العربي.
رواية الوباء: اختارها اتحاد الكتاب العرب كواحدة من الروايات المائة الأوائل فيتاريخ الأدب العربي.

فيرواية الوباء .. فتبدأ الحكاية هناك في الشير فيتلك الفسحة المربعة بين كتلتين من الجبال. تنتهي آجال... وتولد أجيال، وما بينالولادة والموت فسحة الحياة التي تتلون بألوان يضفيها عليها المناخ والمسرحوالأفاق.
ضمن هذه الأجواء يتنقلهانيالراهبمتابعاً دورة الزمان لهذهالعائلة السنديانية الآتية من ذلك المكان الممتد بين مرابع الصحراء إلى بلاد الشاموزمان ينحدر من السفر برلك إلى يوم حاضر.
يتتابع الأشخاص يتغيرون بتغير أماكنهم وأزمانهم يموت أشخاص ويولد غيرهمويبقى وجه الحياة وحسها الآتي من معانيها قابعاً في كل حياته...
وتبقى حسرة في قلب خولة "كما يهدرمن عمر الإنسان في هذا النمط من الحياة؟ كل هذه الأعوام سبعة وأربعون... ولم تتعلمأن الزهرة تظل أجمل إذا لم تقطف... ولكن ماذا لو أنها تحت الحرية واكتملت؟ لو هذاالهدر لم يكن... لكان بوسعها أن تخيط ألف فستان زيادة... وتحب ألف شيء آخر... وتشعربألف فرح آخر..."
وتبقى ماذا لو؛لغز السعادة الآفلة... فيروايةالوباءالآتية من ثناياحكاية الحياة.
رابطتحميلروايةالوباء >>
http://www.4shared.com/file/98473427...rahib____.html
المصدر: منتديات ارجوان

ايوب صابر 12-19-2011 10:52 AM

قراءة في الروائي (هاني الراهب) بقلم : شاكر فريد حسن
مجلة الرواية

هاني الراهب روائي عربي سوري من أصحاب الكلمة الممنوعة والمقموعة والمغيبة. اقتحم بوابة الرواية بثقة وجواز مرور واحتلت نصوصه موقعاً واضحاً في الأدب القصصي والروائي السوري والعربي المعاصر.وقد نحى منحى جديداً في الكتابة الروائية واستفاد كثيراً من مطالعاته وقراءاته في الآداب والثقافات العالمية المختلفة ووظف كثيراً مما اكتسبه في آثاره وأعماله.
عاش هاني الراهب في زمن الانقلابات والعواصف والصراعات الفكرية التي اعقبت نكسة حزيران ، ومات في الرمال التي غطت أرض الوطن العربي بعد عاصفة الصحراء والهزيمة الكبرى في العراق ، تاركاً ومخلفاً وراءه الصدق والوهج وألم الفقدان ووجع الغربة والأسئلة عن الذات والحالة العربية الراهنة.
صدرت له عدة ترجمات لاعمال نقدية عالمية ولرواية "غبار" لياعيل ديان وألف كتاباً عن الشخصية الصهيونية في الرواية الانجليزية ، وله في القصة القصيرة "المدينة الفاضلة" وفي الرواية "المهزومون، شرخ في تاريخ طويل، ألف ليلة وليلتان، الوباء، التلال ، المستنقعات " وغيرها.
ويعبر هاني الراهب عن حالة وبؤس الواقع العربي المأزوم والمهزوم على لسان "أسيان" بطل قصته "المعجزة" فيقول: "ان حياتنا اليومية مطبوعة بطابع النذالة والتفاهة والغيظ والمماحكة، وعلينا أن نتخلص من هذا الطابع لتصبح الحياة ممكنة . أعرف انني أعمق نذالة من الجميع وأكثرها تفاهة وغيظاً وإني فارقت من الخطايا ما يبتلعكم كلكم، لكني من جانب آخر معذور لأني أردت أن أعرف حقيقة الإنسان، اننا جميعاً خطاة ولكننا لن نضيع وقتنا في المحاكمات واصدار عقوبات الاعدام فالشر بذلك يبقى شراً".
ويحاول هاني الراهب في نصوصه رسم ونقل هموم وعذابات أبناء جيله ووصف حالة الانهزام والسقوط والتكيف في ظل الهزيمة ، ونجده في قصة "الخامس الدائم من حزيران " يحكي عن مجموعة من الشباب المرح الذي يستسلم للهو والرقص للهروب من الواقع ونسيان ما يقلق البال وتنتهي حفلة الرقص بحادثة تقضي على الفرح الكاذب عندما تظهر لاجئة فلسطينية طالبة الخبز لأطفالها الجياع.
وفي رواية "الوباء" يطرح هاني الراهب أسئلة هامة وكثيرة لم يجد لها جواباً في الواقع الحياتي عن الديمقراطية والحرية ، وموقع المثقف في المجتمع المدني ودوره في عالم تنقرض فيه الثقافة ويقتل الوعي النقدي.
أما في رواية "المهزومون" فيروي ويسرد حكاية المهزومين الذين يثرثرون في المقاهي ويصنعون الفراغ من الحلم الوجودي.
وشخصيات هاني الراهب ملتبسة وقلقة ومضطربة تعاني القمع والاغتراب والتهميش وغير قادرة على مواجهة السلطة السياسية، التي تغتال الإبداع وتصادر حرية الكلمة.
أخيراً يمكن القول أن قصص وروايات هاني الراهب فيها الكثير من التفاصيل الزائدة والرموز السياسية ، وتستوعب الواقع اليومي الممل ، وذات أبعاد سياسية وفكرية عميقة ،وهي تصور التكوين والتشكيل الطبقي والسياسي في المجتمع العربي البطريركي ، وتغلب على أجائها مسحة الحزن واليأس ، وتحكي القهر والألم والتفجع لكاتب عربي أصيل أصيب بالخيبة وفقدان الأمل، وعايش الإخفاقات والانتكاسات والهزائم، ومات في رحاب المهزومين
==
في رواية الوباء يطرح هاني الراهب أسئلة هامة وكثيرة لم يجد لها جواباً في الواقع الحياتي عن الديمقراطية والحرية، وموقع المثقف في المجتمع المدني ودوره في عالم تنقرض فيه الثقافة ويقتل الوعي النقدي.وتبحث الرواية بجرأة في تاريخ الحركة السرية للمناضلين من أجل الديمقراطية وبداية نشاطهم وتشكل الوعي الثوري لديهم، وبنفس الوقت ترصد حركه العسكر الذين اغتصبوا السلطه وطموحاتهم وسيطرتهم على البلد وبمعنى آخر نشوء البرجوازية البيروقراطية والطفيلية التي لاتملك شيئاً

ايوب صابر 12-19-2011 10:54 AM

هانىالراهب
كان هانىالراهبكاتبا استثنائيا امتلك حدسابالمستقبل لم يرق إليه سواه، وقد ظل يتناول في كتاباته الشأن العربي العام، ولميقارب الأدب الذاتي قط، فقد ظل مأسورا للحالة العامة للناس.. لمآسي البشر في طولالوطن العربي وعرضه.
ولد الأديبهانيالراهبعام 1939م في القريةالبديعة الجمال (مشقيتا) التي تبعد قرابة 20 كم عن مدينة اللاذقيةبسوريا.
درس الأدب الإنجليزي في جامعة دمشق ونال شهادة الماجستير من الجامعةالأمريكية في بيروت.
نال شهادة الدكتوراه من بريطانيا.
مارس التدريس لسنوات في جامعة دمشق.
عاش فيالكويت وكان عضوا في الهيئة التدريسية في كلية الآداب لمدة عشر سنوات منذ 1988 وحتى 1998 .
ثم عاد إلى دمشق وتوفي فيها إثر مرض عضال أصابه في 6 شباط /فبراير2000م.
يعتبرهانيالراهبأنموذجا للروائي المجددوالمتجدد، عمل على تطوير الرواية السورية من خلال اشتغاله وبحثه الدؤوب عن التعبيرالروائي والتقـنية الروائية واقتصاد اللغة.
بدايته كانت عام 1960 حين أعلنت دار الآداب عن مسابقةللرواية العربية اشترك فيها أكثر من مئة وخمسين كاتبا عربيا.. وكانهانيالراهببين هؤلاء ولما يتجاوز عمرهوقتذاك الثانية والعشرين، وكان ما يزال طالبا فى جامعةدمشق.
وحدثت المفاجأة بأن فازترواية(المهزومون) بالجائزة الأولىليبرزالراهبكفنان يمتلك رؤيامن نوع خاص.. يمتلك حدسا بالمستقبل يقترب من النبؤة فى بعضملامحه.
وأخذ بعدها يطلق صرخاته المتمردة على الواقع المتردي، وبدأ مسيرتهالإبداعية الطويلة التى رصد خلالها هموم ملايين الناس فى هذا الوطنالكبير.
أعماله :
مارس كتابة الرواية والقصة والنقدالأدبي.
له ثماني روايات وثلاثمجموعات قصصية صدرت آخرها بعيد رحيله:
- المهزومون- رواية- بيروت 1961
- بلد واحد هوالعالم- روايةدمشق 1965.
-المدينة الفاضلة- قصص - دمشق 1969
-شرخ في تاريخ طويل - رواية- 1970
-ألف ليلة وليلتان - رواية- 1977
-جرائم دونكيشوت - قصص -1978
- التلال -رواية- بيروت 1989
- خضراء كالمستنقعات- رواية
- (خضراء كالحقول) - رواية.
- خضراء كالبحار - رواية
- رسمت خطا في الرمال- رواية- بيروت-1999
- خضراء كالعلقم- قصص- بيروت ( بعدوفاته)
- الوباء-رواية -1981 - (اختارها اتحاد الكتاب العرب كواحدة من الروايات المئة الأوائل في تاريخالأدب العربي)
1- كتبهانيالراهبرواية (المهزومون)بنوع من الجنون وخلال ثلاثين يوما متتاليامقتحما وبجرأة نادرة عالم الرواية العربية وعالم المحرمات العربية الثلاثالجنس- الدين - السياسة) .. في المهزومون التى غلفتها نفحة منالسارترية والعبثية فى آن واحد، قدمهانيالراهبتصوراً عميقا للحالةالعربية التي تعاني التفكك والانعزال وتوقع سلسلة من الهزائم تبدأ بسقوط الشعاراتالواهية التي كانت تطلقها الأنظمة العربية آنذاك.. هذه الشعارات التي جعلها غلافاًلروايته ليخبرنا عن مدى هشاشة هذه الأنظمة وشعاراتها الزائفة، وهذا ما حدث فيما بعدحيث توالت الهزائم العربية داخلياً وخارجياً على نحو مأساوىمفجع.

ايوب صابر 12-19-2011 11:18 AM

هاني الراهب
30 تشرين الثاني 2010
المقدمة
من غيمة تُدعى مشقيتا، هطل هاني الرّاهب، مثل مطر نيسان في أيار عام 1939، خافضاً درجة حرارة الرّواية التّقليديّة، مُنْعِماً بخيراته على قمح الرّواية الجديدة، وهو في طور الإزهار والإثمار، فزاد حبّاته امتلاءً واكتمالاً، جاعلاً إياها تنمو وتنضج، مطوّراً محصول الإبداع الرّوائي كمّاً وكيفاً.
ولادة هاني الراهب وحياته
حين شعرت أمّه «نزهة» بالمخاض، تركت الغرفة التي تسكنها عائلتها، المكوّنة من تسعة أشخاص، والتجأت إلى المطبخ الذي تشترك باستخدامه خمس عائلات، وأغلقت بابه من الدّاخل، ثم تمدّدت في إحدى زواياه منفردة، بآلامها وبالمخاطر التي تهدّد حياتها، إلى أن ولدت هاني محمّد علي الرّاهب، وذلك في عام 1939.
ما إن فتحت الأم باب المطبخ، حتى ارتفع صوت المولود، وأقبل عليها زوجها ببشاشته المعهودة، وهو الأبكم والأصم، ذو اللّحية البيضاء، المسترسلة على صدره، حتّى خصره النّاحل.
عانى هاني الراهب في طفولته من ترحال عائلته بين قريته ومدينة اللاذقية، ومن آثار عواصف الحرب العالمية الثانية، التي كانت تهب من كل اتجاه وتنذر بتدمير العالم، وقد خزّن الكاتب في قبو ذاكرته مشاعر الخوف، الظلم، القلق والنّقمة لتنعكس صوراً في رواياته، وجراحاً لم تندمل حتّى وفاته.
أمضى هاني طفولته في رعاية أمّه وأبيه وبعض أخوته، وبدأ دراسته في مدرسة القرية الابتدائية، إلى أن توفي أخوه عليّ، الذي كان يعمل في اللاذقية ويتولّى رعاية العائلة بكاملها، عن عمر لم يتجاوز الاثنين وعشرين عاماً.
تولّى أخوه سليمان، رعاية هاني الصغير، حتّى حصل على الدرجة الثانية في الثانوية العامة، فمنح مقعداً مجانياً في جامعة دمشق، قسم اللغة الإنكليزية، كما منح راتباً شهرياً قدره 180 ليرة سورية.

في أواخر عام 1957 سكن هاني الراهب مع اثنين من رفاقه في غرفة واحدة في حي الشعلان، ثم دعاه أخوه هلال الرّاهب للعيش معه.‏
تخرّج هاني الراهب من كلية الآداب وعُيّن معيداً في قسم اللغة الإنكليزية، ثم ما لبث أن منحته الأمم المتحدة مقعداً في الجامعة الأمريكية في بيروت، وخلال عام واحد، حصل على شهادة الماجستير في الأدب الإنكليزي، وحصل في لندن على شهادة الدكتوراه خلال سنتين ونصف.
المهزومون
أعلنت دار الآداب في عام 1960، عن مسابقة للرواية العربية اشترك فيها أكثر من مئة وخمسين كاتباً عربياً، وكان هاني الراهب طالباً في جامعة دمشق، لم يتجاوز عمره الثانية والعشرين. وكانت المفاجأة بأن فازت روايته «المهزومون» بالجائزة الأولى، ليبرز الراهب ككاتب يمتلك رؤيا من نوع خاص، يمتلك حدساً بالمستقبل يقترب من النبوءة فى بعض ملامحه. ففي «المهزومون» التي غلفتها نفحة من السارترية والعبثية في آن واحد، قدم تصوراً عميقاً للحالة العربية التي تعانى التفكك والانعزال، وتوقع سلسلة من الهزائم تبدأ بسقوط الشعارات الواهية التي كانت تطلقها الأنظمة العربية آنذاك، هذه الشعارات التي جعلها غلافاً لروايته، ليخبرنا عن مدى هشاشة هذه الأنظمة وشعاراتها الزائفة، وهذا ما حدث فيما بعد حيث توالت الهزائم العربية داخلياً وخارجياً على نحو مأساوي مفجع.
المتمرد والمتأمل
رفض هاني الرّاهب الكتابة الكلاسيكيّة، ونادى برواية جديدة بتقنياتها، تتجاوز حدودها الوطنيّة، دافعاً بها إلى آفاق جديدة، مكوّناً لنفسه مجرى خاصاً به، مستقلاً، وبالغ الأهميّة في العالم العربي والعالمي، في وقت، اكتفى فيه الكتّاب، بالقصة والرّواية الكلاسيكيّة التي تهدف إلى كتابة تاريخ الإنسان، كمؤرّخين، يكرّسون أنفسهم كشاهد أمين على حياة بعض الأشخاص، ناقلين تجاربهم المعاشة. فالشاهد المباشر في رواية هاني الرّاهب، ينتمي إلى عالم الخيال مهما كان شكله، وشأنه في ذلك شأن الوقائع التي يرويها، لتنحو منحى تأمّلياً، بنبرات وجودية واضحة، بغية استخلاص معنى، والتعبير عن أسلوب للحياة، وعن هويّة، بلغة بسيطة قريبة من لغة الحياة اليومية من حيث المفردات وقواعد النحو، وهي تجسّد طابع التفتّت بتراكم الجمل القصيرة، وتتجنّب إلى أبعد الحدود إقامة صلات سببيّة، وإبراز بعض العناصر على حساب أخرى. وهناك تعابير ومفردات تعود باستمرار مثل لحظة عابرة، تشير إلى الزمن الذي يمضي، وخيبة وضجر وغربة وقصور، للتأكيد على قلق الأشخاص.
يبدو بناء القصة عند هاني الراهب مفكّكاً دونما اتساق. ففي الرواية الكلاسيكية تشكّل الأحداث الهيكل العظمي للرواية، وهي تتسلسل وفق ترتيب زمني ومنطقي، وتتواصل بصورة لا يمكن فصل بعضها عن البعض الآخر، وتتضافر على إيصال القصة إلى نهايتها. إنها تشكل ما يشبه حلقات سلسلة، إذا غابت إحداها تأثرت القصة بمجموعها. على أن هاني الراهب لم يعد يرضيه هذا النموذج الذي لم يعد يعكس الواقع العربي المعاش. وهو يرفض الحوارات الهامشية جداً في هذه الرواية. ويعطي وظيفة جديدة للحدث على الأخص، عن طريق طبعه بخاتم التفتّت. يضع هاني الراهب النص بصورة رئيسة على المسرح، كمجموعة من الطلاب تضم أدباء، وهؤلاء الأشخاص يتناولون في مرّات متكرّرة موضوعات أدبيّة بصورة خاطفة. وحين يصل النقاش إلى الحدَث يجري التّأكيد على أنّه فقدَ أهمّيته: «من يكتب عن مجدّد يكتب رواية مشتّتة. حياته ليست سلسلة، بل حفر ومطبّات وبقع ضوئيّة، الحادثة لاتهم لأنها لا تمثّل حياته. كلّنا لا نطرح أنفسنا من خلال الحياة اليومية لأننا نعتبرها غريبة عنا وليست الحياة التي نحلم بها»، وقد نادى هاني الراهب بهذه الأفكار منذ عام 1965 في مجلة «المعرفة»، والتي تتمثل في أنه يبحث عن أسلوب جديد للكتابة، أشبه بلوحة تنقيطيّة، عن طريق تكديس لمسات صغيرة، ومشاهد من الحياة اليوميّة، حتى أكثرها تفاهة، أو أكثرها سخفاً، وهذه تتضافر لإعطاء المعنى العام للمؤلَّف، وهو أن العالم ليس إلا فرقة، حزناً، ضجراً، خيبة، وقصوراً.
ينفجر الحدَث في روايته عبر عواطف وأحوال، وفي شخصياتٍ ومعانٍ، فالحدث ليس أحد العناصر الجوهرية في القصة، بمعنى أنه لم يعد المحرّك المباشر للحبكة، ولا تعبّر عن عوامل تغيير، أو وقائع فريدة تطوّر الوجود الجماعي، أو الفردي للأشخاص. إنها تنقل محيطاً، جواً عاماً يمتد على طول النص من أوّله إلى آخره. وليس لهذه الأحداث معنى بذاتها، ولكنها تكتسب معنى بالعلاقات التي تقيمها مع الأحداث الأخرى، وترابطها مع أفعال أو عواطف، وبالتعليقات أو الصور التي ترافقها، من دون تسلسل للأحداث، حتى أن الروابط تضيع بينها، فإن حذفت عدداً كثيراً من صفحاتها أو قليلاً من أي مكان، لن تشعر بنقص في تسلسل أحداثها.
تتأرجح شخصيات هاني الراهب، بين احترامها للتقاليد وإرادتها للتقدّم والحرية، بالرغم من ظروفها الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي لا تسمح لها دائماً بالازدهار والعيش في سلم ورخاء. يتحكّم هاني الراهب في المعنى، ويختفي بصفته سلطة تعبيرية ليترك الأشخاص يستولون على الكلمة، ويتيح للقارئ الاستيلاء على المعنى، كما في روايته «شرخ في تاريخ طويل»، وهذا القارئ في الحقيقة، هو الذي سيستخلص من التجارب طابعها العام، ويربطها بالزمن الجماعي، ألا وهو زمن التاريخ.
لقد كتب هاني الراهب في كانون الأول 1969 أن العالم العربي يواجه مشكلتين رئيسيتين: التجزئة والتخلف. ولهذه الأسباب كانت هزيمة 1967 مكتوبة سلفاً في الحياة العربية اليومية، قبل أن تتحقق في ساحة المعركة، وأكّد أن على الأدب أن يأخذ بالحسبان هذه العوامل، وأن يعمل لتلبية حاجات التغيير في المجتمع: «الثورة خلق وتكوين جديدان، كذلك يجب أن يكون الأدب». ففي رواية «المهزومون» يؤكد على خط الأشخاص المشبعين بالرغبة في الحياة، والمتحرّرين من الضغوط الفكريّة والاجتماعية التي تعيق وجود السوريين: «أريد أن أشرب الحياة، أعبّ الحياة، أمتصّها، وأنسفح على أعصابها، وأنغمر في أعماق لذائذها ووجودها».

شرخ في تاريخ طويل
هي رواية قصص حب خائبة، أقامها الراوي والبطل أسيان على التوالي مع سوزي، ومرام، ولبنى. ويعود السبب الرئيسي لهذه الإخفاقات إلى النظام الاجتماعي العام الذي يمنع الأفراد من التعبير عن أنفسهم بحرية، وإظهار انفعالاتهم بصورة عفوية.
إن الحب مستحيل، لأن المحيط يتفنّن في إقامة الجدران التي لا يمكن اختراقها بين الناس ذوي الأخلاق الحسنة. ونصادف هنا من جديد نقد القوى الاجتماعية المحافظة السائدة، تلك القوى التي تتمسك بالمظاهر، بدلاً من القيم الاجتماعية الإيجابية، وتمنع الناس من أن يعيشوا كما يرغبون، في فرح وتفتّح.
ولما كان الحب ممنوعاً، فإنه لا يبقى أمام المرء لعلاج كبته إلا الخُطبات الخاطئة، أو العلاقات الجنسيّة التجارية، أو العادة السريّة. لأن هذه التيمة المحدودة للحب ليست إلا عرَضاً من أعراض الجو العام للضغط وعدم الرّضا السّائد. فالنظام الاجتماعي يمنع الصدق والحرية في جميع أحوال الحياة. وتغيير ذلك يعني أن ندق إسفيناً في الحالة الراهنة، ونعمل من أجل ثورة شاملة تمس جميع قطاعات الوجود العربي، وهذا ما يحاول أسيان شرحه لأحد أصدقائه.
«أسيان، لماذا تضيع حياتك متقطّعة. أنت موهوب وفهمان، اعمل ليستفيد منك وطنك. الوطن في حاجة لك، لجميع المخلصين، أليست بلادنا في حاجة إلى ثورة شاملة؟
ـ أريد امرأة أعيش معها ثورتي وبعدئذ أنطلق إلى ما هو أوسع. أكوّن أسرة وأنشئ أطفالاً أصحّاء.
ـ عصرنا لا يسمح لك بهذا الترك. هذه قضية صغيرة. أنت للوطن ولست لنفسك.
ـ عندما أعيش مع امرأة لا تتمزّق علاقتنا أكون قد صنعت ثورة كاملة. خدعتنا الشعارات الكبيرة، وغفلنا عن قصورنا الشّخصي».

ومدينة دمشق، المكان الاجتماعي بامتياز، تجسّد في معظم الأحيان هذا الانقسام، هذا التفتّت، عن طريق وضع حواجز داخلها: حواجز ماديّة أو رمزيّة تقيمها بين الناس وبين الجنسين بصورة خاصّة.
"رأيت البيوت المنظّمة حولي ـ بعضها غارق في الظلام، وبعضها مغلق على أنواره ـ والشوارع المنظّمة. عوالم سحيقة صامتة مفصولة بآلاف السدود والسنين. صبوات وخيبات أعلت بين الناس جدراناً من القيم والتقاليد وملأتها بالنوافذ والستائر، وصاروا يتحرّكون داخلها ويضاجعون ويأكلون ويلبسون الثياب ويتكلّمون في شؤون الدّنيا وأكثر من ذلك يطلقون أحكاماً». هذا الفصل قائم يومياً، وفي جميع الأنشطة الاعتيادية. والناس يعيشون في مكان وزمان يفصلان بعضهم عن بعض. هذه الجدران تقف حاجزاً أمام الحاضر، فأسيان يضطر إلى التصرّف كغريب حين يزور سوزي، المرأة التي يحبّها، وهو يشعر بأنه مستبعد من المشهد الذي يدور أمام عينيه، ولم يعد إلا متفرّجاً خارجيّاً، والأشخاص الذين يرون أنفسهم محصورين بين ماضٍ يفرض قوانينه الخاطئة، ومستقبل يبدو أنه لا يقدم فرصة للأمل، هؤلاء الأشخاص يستمرّون في الحياة بانتظار الموت. شيء واحد يمكن أن ينقذهم من الوحدة، ألا وهو الصّداقة التي تُسقط بعض الحواجز وتجعل المدينة غير معادية: «في دمشق لا توجد جدران ولا رمال. ثمّة مجد وسوزي ولبنى ومسعود وبعض لعاب العنكبوت القليل الأهميّة». كل هذا كتبه هاني الراهب بأسلوب العودة إلى الخلف.
يؤدّي الزّمن دوراً مهيمناً، ولكن دون أن يُنظر إليه من الناحية الكمّية التتابعيّة. إنه على العكس من ذلك، كيفي، نفسي، إنه الزمن البشري، الشعور الذي يحسّه كل إنسان باللحظة التي تمر، ويحيله إلى نشاط ذهني لإعادة البناء، من خلال استدعاء أحداث تشكل حياة. هكذا تصبح الفئات الزمنية للحاضر والماضي زاخرة. ففي الرواية يصبح الحاضر «شيئاً معاشاً» يقدم نفسه للقراءة. مروراً بآلية الذاكرة يقدم الماضي نفسه في حالة «حاضر»، يخضع للعلاقات الشعورية واللاشعورية التي تبني ذهن الإنسان.
التلال
هي تاريخ مدينة (وربما تاريخ مدن أخرى، لأنّ مصيرها مترابط) بعليتا، الواقعة في وادي «النهر الكبير»، أي النيل. ويأتي السرد التاريخي حول المدينة ليمثل، بالدرجة الأولى، التقلبات التي عاناها السكان، وطموحاتهم، وآمالهم، وإنجازاتهم: «معظم هذا التاريخ مرشوش الآن على ذاكرة العالم وفي متاحفه. لم يبق منه إلا القليل الذي رأيناه أطفالاً، القليل الغائب عن البصر والبصيرة، الذي يعيشه فقط ورثته، الغائبون هم أيضاً عن البصر والبصيرة. ولكن ما بقي هو الأهم. إنه التاريخ السري الذي تشاء الكتب والمخافر أن تنساه، الذي كلما تقادم اقترب من اللغز والهلوسة والمستحيل».
وهكذا فإن الأدب الخيالي واللجوء إلى الأسطورة والسخرية والرمز وأشكال السرد، يأتون لنجدة التاريخ، ويعيد للمنسيين مكانتهم. فطريقة الكاتب تجمع بين التاريخ «العلمي» والتجربة الشّخصية. فالتجربة الشخصية تسمح بالولوج إلى هذا التاريخ السرّي الذي لا يعرفه التاريخ الرسمي، والذي يعطي مكانة للتاريخ «الشعبي» على أن حضور شخصية «فيضة» يسمح بتجاوز هذا الإطار التاريخي الصرف وإعطاء معنى لحركة الحياة، وزحزحة السّرد نحو هذا «التاريخ السرّي» الذي يحمل في طياته قيماً عالمية، تتجه نحو غرض واحد، ألا وهو الحديث عن الممارسة المعاصرة للسلطة في العالم العربي لإبراز الجوانب السلبية فيها، والمطالبة بقدر أكبر من الديمقراطية. والرؤية التي يقدمها عن هذا العالم ما تزال متشائمة. فالبلدان العربية لم تنجح في إرساء الديمقراطية والسلم على أرضها. ومن خلال القصص الخاصة بالأشخاص تطالعنا خيبة الآمال الكبرى التي حرّكت التقدميين العرب في العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وحركات التحرر. وقد عبّر الكاتب عن هذا في مجلة ألف قائلاً: «بمعنى أنا أريد أن أحشد أكبر كمية، أكبر حجم ممكن من التجربة ومن البشر في خلق فني ما، فماذا أفعل، أتساءل عندها:
أيها الأقدر على تقديم هذا الحشد، الواقعية أم الأسطورة؟ ويأتيني الجواب: الأسطورية. الواقعية أم الرمزية؟ يأتيني الجواب: الرمزية. هل أهجر الواقع؟ أبداً، الواقع عنصر قائم ونحن لسنا منصرفين تماماً إلى الرمز والأسطورة لأنهما بالأساس نشآ من الواقع».

ألف ليلة وليلتان
نقد للتاريخ العربي في القرن العشرين، وصعود البورجوازية الصغيرة إلى السلطة في بداية الستينات، وإخفاقها في مهمتها لتحقيق التقدم والإصلاح. والأشخاص يمثّلون هذه الطبقة الجديدة المسيطرة، ويظهرون غير قادرين على تلبية توقعات الشعب. فقد جرى تجميد الإصلاح الزراعي، وهيمن الفساد والمحاباة، واحتل الجنس الأولوية أمام الحب الحقيقي، وبقيت التقاليد الأكثر رجعية تحكم العلاقات الاجتماعية، وقد تأثرت المرأة بشكل خاص بهذه الأوضاع، وبقيت خاضعة لسلطة عائلتها التي ترى فيها سلعة للتبادل، وسلطة زوجها الذي يفرض عليها أن تخدمه بصورة عمياء. صحيح أن الفروق الاجتماعية زالت، ولكن الانقسام القائم بين الأغنياء والفقراء ازداد اتساعاً. والمجتمع الاشتراكي التقدمي الموعود بقي بعيداً عن الواقع الممثل في الرواية: «إن اختلاط الأزمنة في الرواية مقصود به الإشارة إلى استمرار عالم ألف ليلة وليلة العربي خلال ألف سنة وسنة، وإن هذا الاستمرار بلغ ذروته عام 1967 عبر هزيمة حضارية أزاحت العرب عن هامش الزمن ووضعتهم في الليلة الثانية بعد الألف: وهذا الزمن الجديد الذي تنتهي الرواية ببدايته سيكون سداة رواية قادمة».
يبرز في الرواية عنصر رئيسي وهو «النعاس» وحياة الناس منظمة فيه، كما هي الحال في الحياة الواقعية، بالتناوب بين النوم واليقظة، ولكن هذه اليقظة ليست إلا جسدية، فالواقع أن المجتمع العربي استكان إلى النعاس، ولن يستيقظ إلا بعد الهزيمة، حيث يقرر قسم من الأشخاص مغادرة عالم ألف ليلة وليلة ومعيشة حياتهم الخاصة. وتنتظم القصة حول فعل «أفاق» الذي يفتتح الرواية، «في زمن ما يفيقون»، وكأن الأشخاص يعيشون في حالة من «النوم، التعب، ليلة بدون صباح، نوم أبدي، الخدر الدائم»، وكأن الزمن قد توقف بالنسبة إليهم، وهم لا يفعلون إلا تكرار النماذج الماضية، غير قادرين على إيجاد حل للأزمات التي يجتازونها، فعالمهم لا يملك من الحداثة إلا المظاهر، فهو يتزين بالكلام الجميل، ولكن مساوئ الماضي ما تزال مستمرة في القلوب، وهو متجمد في أساليب قديمة من التفكير، على غرار الزمن المتوقّف، فالعالم تكبّله التقاليد والديمقراطية الغائبة، وضيق هوامش الحرية بسبب الضغوط السياسية والعقائدية والفنية التي يخضع لها.

ايوب صابر 12-19-2011 11:19 AM

تابع،،،

رسمت خطاً في الرمال

واستمر الراهب في نقد وتعرية الواقع العربي الفاسد في روايته الأخيرة «رسمت خطاً فى الرمال» والتي تعتبر من أفضل ما كتب خلال مسيرته الروائية، حيث تناول فيها الوضع العربي ككل من خلال رسمه لملامح الغزو العراقي للكويت وما تبع ذلك من احتلال الجيوش الأمريكية للكويت بذريعة حمايتها من العدو.
«كان قد مضى عليّ ثلاثة أشهر دون أن أتلقّى دولاراً واحداً، وعشرون شهراً وأنا بلا عمل. عندما انقطع رزقي بسبب الطول السياسي للساني، انفضّ من حولي تسعون بالمئة من أصدقائي ومئة بالمئة من دخلي. وبعد أشهر بدأت أبيع مقتنياتي، وأقترض. الصحف والمجلات التي كنت أكتب لها ـ أنا عيسى بن هشام ـ وجدت أن مقاماتي باتت تفتقر إلى النّكهة والنّكتة والطّعم واللون والرّائحة (كلّها دفعة واحدة). وتأسّف رؤساء التحرير لعدم استطاعتهم نشرها».
وقد استخدم الراهب في هذه الرواية نفس الأسلوب الذي استخدمه في رواية «ألف ليلة وليلتان» حيث استعان بالتراث ليستحضر شخصيات منه و يلبسها ثوب المعاصرة ليحملها أفكاره الثائرة على الواقع، حيث نجده يسخر من الماضي والحاضر والمستقبل عبر شخصيتي بديع الزمان الهمذاني وأبو فتح الإسكندري، لنقرأ معاً هذه الصورة الساخرة:
«وهكذا جثمت على خاطري معضلات الحياة الجاثمة على مدينة لماذا. كنت مسترخياً على الحصيرة في غبش البرودة والتهويم. أسندت ظهري إلى الجدار. نقلت عيني الغافلتين بين المحراب والمنبر وحروف الذهب البديعة على الجدران الأخرى: أنا عيسى بن هشام، الذي تمرّد على خالقه بديع الزّمان وقال له: "إما أن تجعلني غنيّاً بالمال أو غنياً بالكرامة، أما لا ذاك ولا تلك، فهذا فراق بيني وبينك.
أبو الفتح الإسكندري طويل اللسان. نحن لم نتكوّن في رحم أمّ واحدة. لكننا توأمان في كل شيء. لقد تكوّنا في رحم آخر هو مخ خالقنا بديع الزّمان. كان طبيعياً أن نبقى أسيري لغته إلى يوم القيامة. لكن لحظة انفطار واحدة، الانفطار الكبير، غيّرت كل شيء. هذا التكرار، تلك النمطية، ذلك السجع. تلك هي لغة بديع الزمان التي اعتبرها فقهاؤنا معجزة. أدخلنا فيها وتركنا هناك. وفي مدينة بخارى اتفقنا أن نغادر وجدان خالقنا وأن نتأبى عليه إلى الأبد. وأخذ أبو الفتح ينشد:
ويحك هذا الزّمان زور فلا يغرّنك الغرور
لا تلتزم حالة ولكن در بالليالي كما تدور
ويمّم شطر مدينة الإسكندرية.
أما أنا فهوت عن كاهلي قشور الأبدية وشممت روائح الزمن في مدينتي النديّة، هناك استقريت، وعزمت أن أكسب لقمتي بكرامتي. جلست بين شجرة المشمش وشجرة الورد. انتظرت مجيء دنيازاد لنحتفل معاً بشرب فنجان قهوة (تكرّمت جارتنا بإعارتنا أوقية من البن). الشجرات المثمرات التي زرعتها في الحديقة صارت مجرد عيدان، فأولاد الجيران تربّصوا بكل غصن ينبت فيها أو ورقة، وأسعدهم اقتطاعها، بقيت فقط صنوبرة ودفلى وزيتونة».
وهنا أيضاً يناجي الأخطل قائلاً:
«واندهش وهتف: ماذا دهاك أيها الأخطل؟ أراك عدت إلى عقلية الحجاج بن يوسف.
قلت: هات الحجاج بن يوسف وهو يهدم الكعبة فوق رؤوسهم.
قال: إما انك أسرفت في معاقرة الخمرة أو أنك استمعت إلى حكاية من شهرزاد، اقتلهم وهم في الحرم الشريف؟ لدينا وسائل أرقى بكثير لعلك نسيت أننا في القرن العشرين.
قلت: بل أنت نسيت أننا في القرن السابع.
فنبر بصوت ودود: بئس الشعراء إذ يعاقرون السياسة، حتى أنك لا تعرف أن الحجاج فتح دكاناً خاصاً به ولم يعد يخدمنا».
بعد ذلك ينتقل الكاتب للحديث عن الواقع العربي والتغير الذي اعتراه بعد حدوث معجزة النفط، وسعي أميركا للحصول على هذه الثروة بأي شكل، في هذه الصورة نرى الأمريكي يخاطب ربه ويطلب منه أن يباركه في الحرب التي سيفتعلها بين العرب للحصول على النفط منهم (ويقصد بها حرب الخليج الثانية)، يقول:
«ماذا نفعل بمعجزة النفط هذه؟ هؤلاء الجمالون أنفسهم يشترون ويشترون كل مشتقات الجنس والتكنولوجيا والترف، ومع ذلك تبقى لديهم بلايين الدولارات من مشتقات النفط. ويدعون أن هذا فضل منك، يجب أن نجد وسيلة لسحب هذا الادعاء. البترودولار يهدد الدولار.
نحن يا أبي- الأميركي مخاطباً ربه - مضطرون لتصحيح أخطاء المصادفات الجيولوجية. منذ سبعة عشر عاماً ومليارات البترودولار تتراكم في حسابات الجمالين هؤلاء، إننا نجعلهم يشترون ثلث ما يشتريه العالم كله من الأسلحة ومع ذلك لا تنضب ملياراتهم. وإذا حدث وتصالح حاكم واحد منهم مع شعبه فسنكون في خطر، سوف لن يكون مضطراً لطلب حمايتنا ولا لإيداع دولاراته في مصارفنا. (...) وأنا شخصياً لم أجد وسيلة لتعديل هذا الخلل المستطير في الجيولوجيا المالية إلا أن أجعل هؤلاء الجمالين يتحاربون فيما بينهم كما كانت عاداتهم من قبل محمد، ومن ثم يطلبون المساعدة منا. لأجل هذا يا أبى أعتقد أنك ستمنحني بسهولة البركة التي أطلبها لأمضي قدماً في هذه الحرب. ليتقدس اسمك. ليتعال ملكوتك كما في السماء كذلك في الأرض».
قراءة في أدب هاني الراهب (شاكر فريد حسن)
هاني الراهب روائي سوري من أصحاب الكلمة الممنوعة والمقموعة والمغيبة. اقتحم بوابة الرواية بثقة وجواز مرور واحتلت نصوصه موقعاً واضحاً في الأدب القصصي والروائي السوري والعربي المعاصر. وقد نحى منحى جديداً في الكتابة الروائية واستفاد كثيراً من مطالعاته وقراءاته في الآداب والثقافات العالمية المختلفة ووظف كثيراً مما اكتسبه في آثاره وأعماله.
عاش هاني الراهب في زمن الانقلابات والعواصف والصراعات الفكرية التي أعقبت نكسة حزيران، ومات في الرمال التي غطت أرض الوطن العربي بعد عاصفة الصحراء والهزيمة الكبرى في العراق، تاركاً ومخلفاً وراءه الصدق والوهج وألم الفقدان ووجع الغربة والأسئلة عن الذات والحالة العربية الراهنة.
صدرت له عدة ترجمات لأعمال نقدية عالمية ولرواية «غبار» لياعيل ديان، وألف كتاباً عن الشخصية الصهيونية في الرواية الإنجليزية، وله في القصة القصيرة «المدينة الفاضلة» وفي الرواية «المهزومون»، «شرخ في تاريخ طويل»، «ألف ليلة وليلتان»، «الوباء»، «التلال»، «المستنقعات»، وغيرها.
ويعبر هاني الراهب عن حالة وبؤس الواقع العربي المأزوم والمهزوم على لسان «أسيان» بطل قصته «المعجزة» فيقول: «إن حياتنا اليومية مطبوعة بطابع النذالة والتفاهة والغيظ والمماحكة، وعلينا أن نتخلص من هذا الطابع لتصبح الحياة ممكنة. أعرف أنني أعمق نذالة من الجميع وأكثرها تفاهة وغيظاً وإني فارقت من الخطايا ما يبتلعكم كلكم، لكني من جانب آخر معذور لأني أردت أن أعرف حقيقة الإنسان، إننا جميعاً خطاة ولكننا لن نضيع وقتنا في المحاكمات وإصدار عقوبات الإعدام فالشر بذلك يبقى شراً».
ويحاول هاني الراهب في نصوصه رسم ونقل هموم وعذابات أبناء جيله ووصف حالة الانهزام والسقوط والتكيف في ظل الهزيمة، ونجده في قصة «الخامس الدائم من حزيران» يحكي عن مجموعة من الشباب المرح الذي يستسلم للهو والرقص للهروب من الواقع ونسيان ما يقلق البال وتنتهي حفلة الرقص بحادثة تقضي على الفرح الكاذب عندما تظهر لاجئة فلسطينية طالبة الخبز لأطفالها الجياع.
«خضراء كالبحار:
الحرب لم تنته...
الحرب مثل أمواج البحار..
لا تنتهي ...
أنت تعيش بين الناس في حالة حرب...
وأنت وهم في حالة حرب مع أناس آخرين..
الحياة نفسها حالة حرب «السلام حالة موت»..
ولكن من هذه الحالة يولد الحب والفن وتولد الإنسانية...
بعيد سفرها راح يهلع في المدينة.. واكتشف أن الحياة..لعنة ضرورية.
إذا فشل الإنسان في الحب عشرين مرة.. فكيف لا تقوم الحرب؟؟
إذا لم يكن الإنسان آمناً على عيشه وهو في الخمسين.. فكيف لا تقوم الحرب؟؟
إذا لم يكن أحد حراً في اختيار مكان صلاته... فكيف لا تقوم الحرب؟؟
عندما تتراكم الحلول التي لا تحل...تقوم الحرب!
ها هنا مجتمع يعلق أخلاقه على الستائر..ويطلق ثعابينه وراءها...
مجتمع أنتج زوجاً لاتهمه براءة الروح.. وإنما عفة الجسد..
عرفت أن الجسد والروح ينبثق أحدهما من الآخر.. وليس يلغي أحدهما الآخر..
وإنهما يكونان مئة و ألفاً.. عندما يكونان واحداً».

الوباء
اختارها اتحاد الكتاب العرب كواحدة من الروايات المئة الأوائل في تاريخ الأدب العربي، يطرح فيها هاني الراهب أسئلة هامة وكثيرة لم يجد لها جواباً في الواقع الحياتي عن الديمقراطية والحرية، وموقع المثقف في المجتمع المدني ودوره في عالم تنقرض فيه الثقافة ويقتل الوعي النقدي. تبدأ الحكاية هناك في الشير في تلك الفسحة المربعة بين كتلتين من الجبال. تنتهي آجال، وتولد أجيال، وما بين الولادة والموت فسحة الحياة التي تتلون بألوان يضفيها عليها المناخ والمسرح والآفاق.
ضمن هذه الأجواء يتنقل هاني الراهب متابعاً دورة الزمان لهذه العائلة السنديانية الآتية من ذلك المكان الممتد بين مرابع الصحراء إلى بلاد الشام وزمان ينحدر من السفر برلك إلى يوم حاضر.
يتتابع الأشخاص، يتغيرون بتغير أماكنهم وأزمانهم، يموت أشخاص ويولد غيرهم ويبقى وجه الحياة وحسها الآتي من معانيها قابعاً في كل حياته.
وتبقى حسرة في قلب خولة «كما يهدر من عمر الإنسان في هذا النمط من الحياة؟ كل هذه الأعوام، سبعة وأربعون، ولم تتعلم أن الزهرة تظل أجمل إذا لم تقطف، ولكن ماذا لو أنها تحت الحرية واكتملت؟ لو أن هذا الهدر لم يكن، لكان بوسعها أن تخيط ألف فستان زيادة، وتحب ألف شيء آخر، وتشعر بألف فرح آخر». وتبقى «ماذا لو؟» لغز السعادة الآفلة، في رواية الوباء الآتية من ثنايا حكاية الحياة.
وشخصيات هاني الراهب ملتبسة وقلقة ومضطربة، تعاني القمع والاغتراب والتهميش، وغير قادرة على مواجهة السلطة السياسية التي تغتال الإبداع وتصادر حرية الكلمة.
أخيراً يمكن القول أن قصص وروايات هاني الراهب فيها الكثير من التفاصيل الزائدة والرموز السياسية، وتستوعب الواقع اليومي الممل، وذات أبعاد سياسية وفكرية عميقة ،وهي تصور التكوين والتشكيل الطبقي والسياسي في المجتمع العربي البطريركي، وتغلب على أرجائها مسحة الحزن واليأس، وتحكي القهر والألم والتفجع لكاتب عربي أصيل أصيب بالخيبة وفقدان الأمل، وعايش الإخفاقات والانتكاسات والهزائم، ومات في رحاب المهزومين.
تكريم هاني الراهب
كتبت لمى يوسف في شؤون ثقافية عن تكريم هاني الراهب بتاريخ 9 أيار 2006:
احتفى اتحاد الكتاب العرب ومديرية الثقافة بالكاتب الروائي هاني الراهب خلال مهرجان نيسان الأدبي في عيده الفضي.
شارك في هذا التكريم الأديب عبد الكريم ناصيف، د. عبد الله أبو هيف، الناقد والروائي نبيل سليمان وأدار الندوة الأديب محمد حطاب.‏
اللامنتمي

‏استعرض أ. عبد الكريم ناصيف ظاهرة «اللامنتمي» في أدب هاني الراهب - «المهزومون» أنموذجاً – قائلاً: «طغت على المكتبة العربية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي موجة من كتب الأدب التي تنتمي للوجودية، إذ سعت دور النشر في بيروت خصوصاً والقاهرة ودمشق عموماً إلى ترجمة كتب سارتر، ولسن، وغيرهم من الكتاب، لتعرض في أبرز الأمكنة من واجهات المكتبات، ولينتشر بين بعض الناس - من ذلك الجيل - نمط من السلوك يحاكي النمط الوجودي ذاك، ويعمل على اقتفاء أثره في كثير من الجوانب والميادين الفكرية الاجتماعية وحتى السياسية. في تلك المرحلة من الزمن استقبل ذاك الجيل رواية هاني الراهب «المهزومون» بالحماسة والاندفاع، واعتبرها الكثيرون فتحاً في عالم الرواية وخروجاً على الموروث الروائي في تلك الأيام، وفتح باب جديد للإبداع الروائي على صعيدي الشكل والمضمون، وكان واضحاً كم كان الراهب متأثراً بتلك الموجة الوجودية واللاانتمائية التي جاءت من أوروبا، واستطاع أن يعبر في روايته عن انتشار تلك الأفكار بين الشباب المهزومين الذين يثرثرون في المقاهي ويصنعون الفراغ من الحلم الوجودي، وهو ما فسر يوم ذاك سبب تلقف سهيل إدريس مباشرة لرواية الراهب، ونشرها في دار الآداب - التي كانت تتبنى التيار الوجودي ـ مبشرة القارئ العربي بميلاد روائي عربي واعد. وأثبت هاني بعد ذلك أنه عالم من الإبداع قائم بحد ذاته لا يفتأ يتنقل بين عوالم مختلفة يبرع كثيراً في إعادة بنائها جميعاً، هو الفنان والمهندس الماهر في التشكيل والبناء».‏

ويضيف الأستاذ ناصيف: «ابتعد الراهب في "المهزومون" عن الاتباعية والمحاكاة في ميدان الرواية العربية لينفرد بذاته شاهداً على عصر بدأت فيه تحولات جذرية في المجتمع من أجل صنع مجتمع جديد بصيغ وعلاقات جديدة. فها هو بشر بطل "المهزومون" وطالب الجامعة يعلن عن أفكاره التي في مقدمتها النقمة على المجتمع والثورة عليه، فقد أعلن في أكثر من مكان أن المجتمع صفر، أي أن البطل يدين المجتمع ككل، يلغيه باعتباره لا قيمة له كالصفر».‏

تقانات جديدة‏


واستعاد د .عبد الله أبو هيف عبر مداخلته أغلب أعمال الروائي المحتفى به مستهلاً حديثه بالقول: «هاني الراهب من الروائيين العرب القلائل الذين جددوا السرد الروائي، وحدثوا تقاناته نحو التعبير الاستعاري الشامل عن تأزم الذات العربية ومحن الوجود العربي من خلال تعاضد رؤاه الفكرية مع تعليقاته الوجودية والتاريخية. فصارت غالبية رواياته مثار وعي بالتاريخ ومدار وعي بالذات إزاء اشتراطات الواقع المؤسسية. في مجموعته الثانية "جرائم دون كيشوت" (1978) صياغة سردية، أقرب إلى ممهدات لرواياته وتفكيره الروائي من حيث التزام الواقعية الجديدة وثراء الدلالات التناصية وتعدد المستويات السردية كما هو الحال مع قصة "وسوى الضبع" أنموذجاً، فهي مكتوبة ترميزاً عن هيمنة المحتلين والغزاة وتحالفهم مع العدوان الداخلي فيما بين العرب أنفسهم. فلا سبيل لمواجهة العدوان الخارجي ما لم يواجه العدوان الداخلي قبل ذلك. ويكرر الراهب في روايته "شرخ في تاريخ طويل" (1969) الموضوع نفسه، وتكاد الرواية تشبه لوحات متتابعة لحوارات سياسية وثقافية عن وعي الجيل الجديد وضغوطات السلطان السياسي عليه، حتى غدت الرواية مشاهد للجدل العقائدي والفكري والذي يتلفع كثيراً بلبوس وجودي حيناً وتاريخي حيناً آخر، وتلتزم ببعض تقانات الرواية الجديدة التي مارسها آلان روب جرييه وميشيل بوتور وكلود سيمون».
ويضيف د. أبو هيف: «لفت الراهب النظر إلى إبداعه الروائي الحديث بقوة في روايته "ألف ليلة وليلتان" التي وسع استخدام تقاناته الروائية الجديدة فيها، ولاسيما الشاعرية والكثافة وانفتاح المنظور السردي على مصراعيه لتعدد مكونات الفضاء الروائي من الواقعية إلى المرجعية التاريخية».
اللاتعيين

أضاء الناقد والروائي نبيل سليمان على إضافات هاني الراهب الأكثر أهمية، إن كان بالنسبة لتجربته الروائية أو بالنسبة للرواية العربية، كما تجلى ذلك في روايتيه «خضراء كالبحار» و«رسمت خطاً في الرمال»، وكان الراهب قد استخدم في رواية «التلال» إستراتيجية اللاتعيين كما يسميها الناقد سليمان. ويضيف: «تعثرت تجربة الراهب في "التلال" من هذه الناحية، لذلك لم يتابع مشروعه في الجزأين الثالث والرابع منها، وظل ذلك إشكالاً مريراً بينه وبين نفسه، وعرفت ذلك من أحاديثي الطويلة معه. في روايته "خضراء كالبحار" يشتغل من جديد على تطبيق هذه الإستراتيجية، لكن يمكن للقراءة أن تستعين ببعض المؤشرات، فالبلد قد يكون لبنان أو سورية من خلال وجود ضابط أسير لدى إسرائيل. كما اشتغلت الرواية على التلاقح مع الفن التشكيلي ومع الموسيقى، والرواية كما نعلم فن بلا تخوم تتفاعل مع الفلسفة والاقتصاد والتاريخ ومع الفنون كافة، وإن كان تلاقح الرواية العربية مع الفن في التشكيل والموسيقى ليس بغزارة تفاعلها مع التاريخ، لكن هاني راهن في روايته هذه على ما يمكن أن يقدمه التفاعل بين السرد وبين الفن التشكيلي والموسيقى، وليس المقصود هنا أن تكون الشخصية الروائية أو تلك رسامة أو عازفة مع أن الشخصيات المركزية فيها كلها تشتغل بالفن، واحدة منها تبدو قناع الكاتب ليدلي بدلوه وبآرائه بالفن التشكيلي. شخصية الفنان التشكيلي المزواج المطلاق، الذي يبدو كقناع للكاتب ليجسد التجربة الإبداعية. ودائماً الخلفية هي الموسيقى خاصة الكلاسيكية منها».
أخيراً‏ أغلقت هذه الندوة التكريمية، وفتحت أمامها مهرجاناً سنوياً لهاني الراهب في مشقيتا، كما فتحت باب تكريم أدباء اللاذقية الذين أصبحوا نسياً منسياً.

الراهب وجائزة نوبل
عندما سئل الراهب ذات يوم عن مغازلته جائزة نوبل وموقفه منها أجاب: «بالنسبة لجائزة نوبل، أنا لست مرشحاً لها والذي كتبته حتى الآن هو ثماني روايات اثنتان منها فقط جديرتان بالقراءة، والست الأخريات لا بأس بهن، ولدي كذلك مجموعتان قصصيتان، وهذه الجائزة إذا استثنينا منها الجانب المالي، وهو جانب لعله الشيء الإيجابي الوحيد فيها، جائزة سيئة السمعة جداً نظراً لتدخل السياسة فيها بعيداً عن الاعتبارات الثقافية، ومن ذلك بشكل خاص ترويجها قيماً إمبريالية ورأسمالية لا تناسبني أنا العربي الذي أعتز بتراثي وحضارتي».
الخاتمة
أقام بيننا هاني الراهب ليرحل، حاملاً بخفّة خيمته، بحثاً عن ماء بهي، يكون جديراً بعطشه، تاركاً آثار خطواته تغوص في ثلج الحقيقة، ممتثلاً لأوامر الرّيح، تحمله إلى أماكن بعيدة، واسمه ما يزال على طرف ألسنتنا، نريد أن نناديه، نودّعه، لنقول له: هاني الرّاهب، شكراً لقلمك، الذي بعث الشباب في وجه الرواية المعاصرة في سورية، موقظاً إيّاها من سباتها العميق، معيداً الألق والشّعلة لنظراتها، مطالباً بالديمقراطية والأمل على التغيير.
ارتاح هاني الراهب في السادس من شباط عام 2000 من صخب الحياة وهمومها، ونام بجانب تلك الصّومعة التي كانت مصدر إلهامه، في لحدٍ نديّ التّربة، طاهر الجنبات، يحرسه ضريح رخامي أنيق التّكوين، يرتفع فوق تلةٍ عالية، قريباً من مزار قبر جدّ أبيه الشّيخ سليمان الراهب، ليطلّ إلى الأبد، على بحيرات، غابات وجبال قرية مشقيتا، الممتدّة حتّى الحدود التركيّة.‏
أعماله
- المهزومون، رواية، بيروت، 1961.
- بلد واحد هو العالم، رواية، دمشق، 1965.
- المدينة الفاضلة، قصص، دمشق، 1969.
- شرخ في تاريخ طويل، رواية، 1970.
- ألف ليلة وليلتان، رواية، 1977.
- جرائم دون كيشوت، قصص، 1978.
- الوباء، رواية، 1981.
- التلال، رواية، بيروت، 1989.
- خضراء كالمستنقعات، رواية.
- خضراء كالحقول، رواية.
- رسمت خطاً في الرمال، بيروت، 1999.
- خضراء كالعلقم، قصص، بيروت، (نشرت بعد وفاته).

المصادر
1ـ موقع الروائي والأديب هاني الراهب (منتديات كفرنبل العامة).
2ـ مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر.
3ـ وزارة الإعلام.
4ـ الإبداع الروائي المعاصر في سورية، تأليف إليزابيت فوتييه، ترجمة: د. ملكة أبيض.
5- مواقع إلكترونية.



إعداد: أميرة سلامة


اكتشف سورية

ايوب صابر 12-19-2011 02:41 PM

هاني الراهب
بعد إلحاح مطول من أخي السليم في كتابة سيرة حياةهاني الراهب حاولت جمع أشتات هذه الرجل في هذه الأسطر، ولكن ما إن بدأت حتى تحدرتدموع محرقة من عيني ذهبت كل محاولات قمعها سدى .
ربما لايحسنبي بوصفي "مشروع ناقد أدبي" إطلاق أحكام القيمة، ولكن بعيداً عن هذه الاعتباراتكلها سأقول: إن هاني الراهب هو سيد الرواية السورية بدون منازع، هو السيد الذيحاولت مسح اسمه وحضوه عقول قاصرة ونفوس متقزمة لن تظهر للعين إذا ما قيستبه.
في "مشقيتا" التي تبعد عن اللاذقية 20 كم ولد هاني الراهب عام 1939 وأنهى دراسته ما قبل الجامعيةفيها ثم انتقل إلى جامعة دمشق طالباً في قسم الأدب الإنجليزي، وفي سنته الرابعةتعلن دار الآداب البيروتية عن مسابقة للرواية العربية شارك فيها أكثر من 150 كاتباًمن أهم الكتاب العرب وقرر هاني ابن الـ 22 عاماً المشاركة فيها، وكتب رواية خلال 30يوماً وأعلنت النتائج 1961، وكان هاني بمحاولته الجنونية "المهزومون" الفائز الأولىفي المسابقة.
في العام نفسه فاز بالجائزة الثانية لمسابقة القصة القصيرة في كليةالآداب بجامعة دمشق. أنهى هاني دراسة الأدب الإنجليزي في جامعة دمشق ودبلوم التأهيلالتربوي ثم حصل على بعثة للماجستير في الجامعة الأمريكية ببيروت بين عامي 1963 – 1965 ثم فاز بمنحة حكومية لمتابعة الدراسات العليا في جامعة إكستر ببريطانيا وهناكحصل على الدكتوراه في الأدب الإنجليزي عن بحثه "الشخصية الصهيونية في الأدبالإنجليزي" بين عامي 1971 – 1973، عاد بعدها للتدريسفي جامعة دمشق وبدأت رواياتهفي التتالي فأصدر مجموعته القصصية الأولى عام 1969، بعنوان "المدينة الفاضلة" ثمرواية "شرخ في تاريخ طويل" 1970، ثم رواية "ألف ليلة وليلتان" 1977، ثم مجموعتهالقصصية الثانية "جرائم دون كيشوت" 1978، فـ "الوباء" 1982 التي فازت في العام نفسهبجائزة اتحاد الكتاب العرب كأفضل رواية عربية، و "بلد واحد هو العالم" 1985، و "التلال" 1989، وفي عام 1990 فاز بمنحة روكفلر من جامعة "آن أربر" لتقديمه دراسة عنصورة المرأة في الرواية العربية خلال العام الجامعي 1991 – 1992.

بدأ مشروعاًلكتابة رواية نهرية "أي رواية من عدة أجزاء" أراد تسميتها "كل نساء المدينة" وأرادها من خمسة أجزاء ولكن ذلك لم يتحقق فأصدر منها: "خضراء كالحقول" 1991، و "خضراء كالمستنقعات" 1992، و "خضراء كالبحار" 1999 وتوقف المشروع. ثم أصدر روايتهالأخيرة: رسمت خطاً في الرمال" 5 حزيران 1999، وتوفاه الله في دمشق بعد معاناةطويلة مع مرض السرطان في 6 شباط 2000 ودفن في مسقط رأسه بمشقيتا، وبعيد وفاته ظهرتمجموعته القصصية الثالثة "خضراء كالعلقم" 2000.
كما ترجم عدداً من الكتب عن الإنجليزية منها: ثلاثةروائيين فلسفيين: جويس - جيد - مان، تأليف: جوزيف برينان - 1975، الرمزية والأدبالأمريكي، تاليف: تشارلز فيدلسون - 1976، مدخل إلى الرواية الإنجليزية، تأليف: أرنولد كيتل - 1977، ييتس، تاليف: هارولد بلوم - 1979، الكاتب الأمريكي الأسود،تحرير: كريستوفر بيغزني - 1982، عنف، تأليف: فيستس إيابي - 1984، صورة سيدة، تأليف: هنري جيمس - 1989.

وسنردد معالكاتب والباحث محمد جمال باروت: هاني الراهب كاتب إشكالي ويعتبر أنموذجاً للروائيالمجدد والمتجدد, عمل على تطوير الرواية السورية من خلال اشتغاله وبحثه الدؤوب عنالتعبير الروائي والتقنية الروائية واقتصاد اللغة, وكان لكتاباته تأثير مميز علىالرواية العربية شكلاً ومضموناً وشكلت علامة بارزة في مسيرة الرواية العربيةالمعاصرة وتطورها.

ويمكن القول: إنه ما من عمل روائي أصدره الراهب إلا وأثار جدلثقافياً وفكرياً كثيفاً، وهذا يعود إلى طبيعة كتابة الراهب الإشكالية، بالمعنىالفني، وبالمعنى السياسي.
عمل الراهب فيعدة جامعات منها اليمن والكويت التي درس فيها عشر سنوات من 1988 إلى 1998.
في بداية السبعينات ترجم هاني الراهب إلى العربية رواية "غبار" ليائيل دايان الكاتبة الإسرائيلية والرواية تصور العربي بصورة "الأهبل، اللاحضاري، الجبان، سلاحه خنجر الغدر لا سيف المواجهة" وكانت هذه الترجمة من منطلق: "علينا أن نعرف كل شيء عن عدونا حتى في الثقافة, فهذا العدو كان وما يزال متفوقاً علينا في كل المجالات حتى في الإبداع وإن لم نكن على الأقل في مستواه فإننا لن ننتصر عليه" ولكن هذه الخطوة كانت كفيلة بفتح بوابات الجحيم عليه،فاتهم بالدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل الأمر الذي نفاه مراراً وتكراراً ولكن دونفائدة، فطرد من اتحاد الكتاب العرب كما كان قد طرد قبله أدونيس ونزار قباني والماغوط ومعظم الأسماء الكبيرة لأسباب تافهة، ثم طرد من جامعة دمشق وامتنعت معظم الدوريات عن نشر كتاباته وسحب جواز سفره منه في مطار دمشق، حتى كاد يهلك جوعاً كما يصور في روايته الأخيرة.
والجدير بالذكرأنه وبعد رحيله بحوالي 10 سنوات ما يزال هذا الاسم محارباً على صعدين، الأول: الدراسات الأكاديمية العليا فهاني الراهب اسم غير مرغوب فيه لأنه سيسبب "وجع راس"،والثاني: هو "منطقة الخليج" التي عرى الراهب كثيراً من زيفها وإفلاسها الحضاري فيروايته الأخيرة "رسمت خطاً في الرمال".
هاني الراهب أيها الوباء الذي أخاف الأقزام المهزومينوما يزال أهلاً بك بيننا هنا كاتباً كبيراً وعملاقاً سورياً نريد منه أن يرسم شرخاًفي تاريخنا الطويل المتكدس تلالاً من البؤس كاتباً لن ندخر جهداً في تقديمه لمتصفحيالشبكة الإلكترونية عبر تقديم رواياته وقصصه ودراساته وربما ترجماته مستقبلاً وكلما كتب عنه حتى يستحيل هذا القسم جزيرة خضراءكالحب.

ايوب صابر 12-19-2011 02:42 PM

هاني الراهب الكاتب المجدد الذي اختار هوية المثقف الإشكالي
.... حاول كتابة الرواية وهو في الرابعة عشرة من عمره ,بعدها كتب (المهزومون) بنوع من الجنون وخلال ثلاثين يوما متتاليا مقتحما وبجرأة نادرة عالم الرواية العربية وعالم المحرمات العربية الثلاث(الجنس,الدين, السياسة) ,ونال في العام1961 جائزة مجلة الآداب البيروتية عن هذه الرواية التي ستعلن عن ولادة روائي سوري جديد ستكون له مكانته الروائية والأدبية والنقدية الهامة ,ذلك كان الروائي السوري الراحل (هاني الراهب)(رحل في 6/فبراير/2000).

ولد هاني الراهب في قرية (مشقيتا) باللاذقية عام 1939 ,درس الأدب الإنجليزي في الجامعة الأمريكية في بيروت ونال شهادة الدكتوراه من بريطانيا, مارس التدريس لسنوات في جامعة دمشق , واثر ظروف عديدة سافر الراهب إلى دولة الكويت في الخليج العربي,عاد إلى دمشق وتوفي فيها اثر مرض عضال أصابه,مارس كتابة الرواية والقصة والنقد الأدبي, له ثماني روايات وثلاث مجموعات قصصية صدرت آخرها بعيد رحيله.

يعتبر هاني الراهب أنموذجا للروائي المجدد والمتجدد, عمل على تطويرالرواية السورية من خلال اشتغاله وبحثه الدؤوب عن التعبير الروائي والتقـنية الروائية واقتصاد اللغة , فالتوتر اللغوي عنده يستمد نسيجه من تصور موحد للغة باعتبارها هيولى لاتزال في حالة الصيرورة,وفي هذا قال الراهب يوما : (ما دامت الرواية ظاهرة تكاد أن تكون حديثة العهد في تراثنا الأدبي, فينبغي أن يحتويها بناء لغوي وأسلوبي جديد), وقد كان لكتاباته تأثير مميز على الرواية العربية شكلا ومضمونا وشكلت علامة بارزة في مسيرة الرواية العربية المعاصرة وتطورها.

بعد روايته الأولى (المهزومون) يقول الراهب:خفت خوفا شديدا من الشهرة أن تؤثر على إجادتي لكتابة النص فرحت أعمل على تكثيف النص لغويا و بنيويا إلى درجة أن الفصل الأول من روايتي الثانية(شرخ في تاريخ طويل) أخذ سبعة أشهر والرواية كلها استغرقت سبع سنين بدل شهر واحد,هذا هو قلق المبدع الحقيقي المسكون بالهواجس الحياتية والروائية والأسئلة الوجودية وحسب تعبيره (نحن سكان مدن الأسئلة).

شكلت روايته (ألف ليلة وليلتان) واستفادته من التراث القصصي الشعبي واللغة والتقنية الروائية التي كتبت بها الرواية وبنية السرد المميزة والتي تدل على رغبة الراهب في التجريب والتجديد ,شكلت انعطافة هامة في مسيرته الروائية, فهي ذات طموح فني وتقني كبير للسيطرة على الحقيقة التاريخية, وعنها يقول الروائي والناقد السوري نبيل سليمان: (يقترب أسلوب هاني الراهب في هذه الرواية من أسلوب الروائية الإنجليزية (جين اوستن).

في الحرص على تقديم العادي ودقة النثر وهجائيته الحادة) فهاني الراهب كثير الاهتمام باللغة والأسلوب الروائي.

وقد حاول الراهب فيها أن يحكي قصة ثلاثين شخصا على الأقل وكل واحد منهم يظن نفسه قائما بذاته إلى أن تلطمه هزيمة حزيران (يونيو) فيكتشف أنه جزء صغير من مجتمع مهزوم وعمر هذه الهزيمة ألف عام , ولهذا لم يستطع الراهب تقديم هذه الرؤية عبر تقنيات السرد والوصف والحوار والحبكة المحكمة وخاصة الحبكة , ذلك أن المجتمع الذي ه زم هو مجتمع متفكك ,منقسم على نفسه, وقد تمثلت الرواية في بنيتها شكل هذا المجتمع, والزمن فيها هو زمن تجاوري أو تزامني ,وعنها يقول الراهب: (أحسست بالثقة الكافية لتقديم حطام رواية , أنا مدين إلى حد ما إلى بنية (ألف ليلة وليلة) التي تحكي ألف حكاية) ,لكن البحث الأساسي بالنسبة له ظل يلاحق بنية جديدة للرواية سماها البنية الجماعية , وسنجد في روايته (التلال) تقديمه للعبة زمنية وبطريقة خاصة , حيث رأى فيها حاجة ماسة لعنصري الأسطورة والرمز, واعتبارهما التقنية الأنجع في التعبير عن شمولية التجربة , ويؤكد فيها على مقولته الأساسية في العمل الروائي وهي أن شكل وبنية التجربة التي يكتب عنها يفرض شكل وبنية الرواية.

كتب هاني الراهب روايتي (خضراء كالمستنقعات) و(خضراء كالحقول) وهو في حالة وعي متأزم بعد انهيار الإتحاد السوفييتي وانهيار التقدم العربي وانهيار النظام الإقليمي العربي, أحس وكأن كل شيء ينهار, وقد انعكس هذا الإحساس على أدواته الفنية وأسلوبه في الكتابة (بدأت ألعن اللغة التي استخدمتها خلال ثلاثين عاما , كانت باهرة لغة شعرية , لغة ارتيادية , لغة تقدمية...لكن الشعر والتقدم والارتياد كله انهار, فلماذا أنا محتفظ بهذه اللغة التي باتت الآن وكأنها مجرد زينة, مجرد حلية...) لذلك سعى الراهب لكتابة رواية بلغة ميتة, تحت ضغط جملة من الظروف الذاتية الداخلية والخارجية , وعكف على كتابة مجموعة من الروايات الصغيرة بعنوان (كل نساء المدينة) وعندما صدر منها (خضراء كالمستنقعات) ظن البعض أنها رواية قائمة بذاتها واستغربوا وضعها على هذه الحالة, لقد كان لديه طموح روائي أن (خضراء كالمستنقعات) ستليها خمس خضراوات تكمل الحلقة وتصدر ذات يوم في رواية واحدة.

لا يعتبر الراهب نفسه كاتب قصة قصيرة , وهو يقول أنه إذا نجحت عندي بعض القصص وهي أربع أو خمس قصص فهذا بالصدفة, ويعتبر نفسه كذلك قصير الباع بها وي فضل تسميتها بالأقصوصة, وهو يعبر على الدوام عن عدم استيائه من هذا الموضوع ,فقد كان يكتب القصة كنوع من استراحة المحارب بين رواية وأخرى(عندما أعايش الحياة وأرى فيها أو ألتقط منها ما يمكنني التعبير عنه تعبيرا أدبيا , لا يخطر في بالي أن أفعل ذلك عن طريق الأقصوصة وإنما عن طريق الرواية), وقد كتب الراهب خلال حياته ثلاث مجموعات قصصية (المدينة الفاضلة) و(جرائم دونكيشوت) و(خضراء كالعلقم) والأخيرة نشرت بعيد وفاته عن دار الكنوز الأدبية التي ستعيد طباعة كل أعماله الإبداعية وترجماته ودراساته المختلفة, وقد كتب معظم قصص المجموعة الأخيرة بين مطلع الثمانينيات وأوائل التسعينيات, وقد تميزت القصص فيها بالحبكة المحكمة وبلغة متفردة ومميزة استطاع عبرها أن يدخل إلى أعماق الشخوص ويستنبط دواخلها الإنسانية والتباسات ضياع فرصها في الحياة دون أن يبتعد فيها عن الهم القومي والاجتماعي لتلك الشخوص, لقد كان الراهب هنا حكاء بارعا خفيف الظل وعميق المعنى.

رواية (التلال) التي نشرت عام 1989 في بيروت,رواية جديدة في بنائها الفني ورؤيتها للعمل الروائي, وهي تسقط من حساباتها الحوار وتستعيض عنه بالدلالات ,فيها جرأة غير عادية,فهي تتناول عالمين متناقضين ظاهريا عالم الأسطورة والأحلام والرغبات والهواجس المول دة من عذابات المجتمع وقحله كما يصفها الروائي حسن حميد وفي الجانب الآخر هناك عالم التاريخ الواقعي تماما والمعروف, والتلال رواية تهز الداخل الجواني عند القارئ وتحثه على التعامل معها بأكبر جدية ممكنة, إنها حفنة من التاريخ والواقع والأسطورة , غنية بإحساس كاتبها بأهمية النص الأدبي ودوره في الحياة, , ففي (التلال) عدة أزمنة متداخلة يفجر بعضها الآخر , فهناك الزمن التاريخي المشار إليه مباشرة في الرواية (الحرب العالمية الأولى والثانية, وعام 1946 ) وهناك الزمن النفسي الذي يبدو جليا في العديد من شخصيات الرواية ,وهناك الزمان الأسطوري(الذي تمثله فيضه) وهناك أيضا ما أسماه الراهب زمن اللازمان والذي يمثله الدراويش, وهي رواية تتكلم عن العرب ,عن تجربة التقدم في تاريخ الأمة العربية المعاصر, وهي لا تخص قطرا عربيا دون آخر, وكمعادل روائي فقد وضع الراهب مكانا يتكون مما هو عام ومشترك , وكذلك أسماء الشخصيات والبلدان ذات الدلالة الخاصة والمستمدة من تاريخ المنطقة , وقد رأى الراهب في روايته هذه رهان حياته الأدبية , وكان يطمح أن تكون لها أجزاء لاحقة تكملها.

المكان عموما في روايات هاني الراهب إشكالي, فهو موجود ومحدد في بعضها,وفي الآخر مبهم , فنجد في رواياته الثلاث الأولى أن المكان هو دمشق, وفي الوباء هو اللاذقية, وفي بلد واحد هو العالم يبدو المكان وكأنه حارة عربية وفي التلال هو مدينة ,قد تكون دمشق أو القاهرة أو بغداد...

عندما س ئل الراهب ذات يوم عن مغازلته جائزة نوبل وموقفه منها أجاب: (بالنسبة لجائزة نوبل أنا لست مرشحا لها والذي كتبته حتى الآن هو ثماني روايات اثنتان منها فقط جديرتان بالقراءة والست الأخريات لابأس بهن ولدي كذلك مجموعتان قصصيتان, وهذه الجائزة إذا استثنينا منها الجانب المالي وهو جانب لعله الشيء الإيجابي الوحيد فيها , جائزة سيئة السمعة جدا نظرا لتدخل السياسة فيها بعيدا عن الاعتبارات الثقافية ومن ذلك بشكل خاص ترويجها قيما إمبريالية ورأسمالية لا تناسبني أنا العربي الذي أعتز بتراثي وحضارتي..), فشغل الراهب الروائي وترجماته الهامة واهتمامه بالأدب الصهيوني ودراسته بعمق شديد كان الشغل الشاغل لفكره وأدبه وحياته.

روايته الأخيرة (رسمت خطا في الرمال) حققت قفزة نوعية في مسيرة الراهب الروائية ففيها تحول المجاز اللغوي إلى مجاز بنائي تركيبي, ففيها يتداخل المحكي مع نصوص أخرى, في مزج التراث الشعبي مع الواقع الاجتماعي مع ثقافة الراوي وعصره والتي تنعكس جميعا في مستوى الكتابة,وفيها يرسم الراهب خارطة تراجيدية للواقع العربي وسط عالم يتفكك ويتقوض, وفيها يستخدم الروائي خيالا خارقا , ومع ذلك لا يمكن وصف الرواية بأنها خيالية أو فانتازية, فقد استطاع الراهب توظيف الفانتازيا توظيفا دقيقا لتكون خاضعة لعمل عقلي منظم ش يد من خلاله البناء الروائي المحكم والمتنامي وحيث تتداخل العوالم الحكائية الخيالية ببعضها وتتداخل شخصياتها.

فعالم الرواية هو عالم الدول العربية النفطية في لحظة حرجة وحاسمة من تاريخها وتاريخنا العربي بشكل عام,وهذه اللحظة هي بداية التسعينيات وحرب الخليج الثانية, وعنها يقول الدكتور حسان عباس : (معمار الرواية الفسيفسائي وتجاوره للأصوات والأدوار وأنماط الكتابة يؤكد رغبة الراهب بكتابة رواية أصوات يرتفع فيها مستوى الحكاية من مستوى المشهدية إلى مستوى المفهومية ), فعبر متاهات الرواية الدائرية يقارب الراهب سيرة أمة , ويرسم صورة قاتمة لحاضر لا يبعث على التفاؤل, وحيث الزمان يمتد عبر ألف عام وأكثر الشخصيات حرة في المكان , حرة في الزمان , ستبقى مشدودة إلى الصحراء كل ذلك عبر سخرية لا تثير ابتسامنا بقدر ما تزيد إحساسنا بالألم والمرارة.

إن زماننا هذا أخيولة هاني الراهب المدهشة يضعها بين أيدينا في (رسمت خطا في الرمال) كما يرى عباس فيها.

كان لدى هاني الراهب دائما شعور حاد بأنه ميت أو ربما يموت دون أن يتمكن من الإمساك على التغيرات العاصفة والعنيفة في شرقنا العربي , روائيا ودون أن يكتمل تعبيره عن هذه الرؤية, رؤية التقدم العربي وانكساره وإعادة إنتاج الطغيان بدلا عنه , وما الميل إلى تغيير التقنيات الروائية من رواية إلى أخرى سوى اختلاف الرؤية الذي يتطلب بالضرورة اختلاف الشكل,لكن الزمن والمرض العضال لم يعطيا هذا الجسد المقاوم وتلك الروح الوقادة والوثابة مزيدا من الوقت وفسحة الحياة , فثمة مشاريع مؤجلة وأحلام تنتظر التحقق, على الورق المتناثر على الطاولة وفي خلايا الروح والجسد والدم الذي لا زال حارا طازجا ونظرا فيما كتب الراهب وأنتج من روايات وقصص وترجمات ودراسات وأحاديث صحفية وتفاصيل حياة.


ايوب صابر 12-19-2011 02:44 PM

هانى الراهب
- من غيمة تُدعى مشقيتا، هطل هاني الرّاهب، مثل مطر نيسان في أيار عام 1939،
- حين شعرت أمّه «نزهة» بالمخاض، تركت الغرفة التي تسكنها عائلتها، المكوّنة من تسعة أشخاص، والتجأت إلى المطبخ الذي تشترك باستخدامه خمس عائلات، وأغلقت بابه من الدّاخل، ثم تمدّدت في إحدى زواياه منفردة، بآلامها وبالمخاطر التي تهدّد حياتها، إلى أن ولدت هاني محمّد علي الرّاهب، وذلك في عام 1939.
- والد هاني الراهب كان أبكم واصم، وكان عند ولادة هاني ذو لّحية بيضاء، مسترسلة على صدره، حتّى خصره النّاحل.
- عانى هاني الراهب في طفولته من ترحال عائلته بين قريته ومدينة اللاذقية، ومن آثار عواصف الحرب العالمية الثانية، التي كانت تهب من كل اتجاه وتنذر بتدمير العالم، وقد خزّن الكاتب في قبو ذاكرته مشاعر الخوف، الظلم، القلق والنّقمة لتنعكس صوراً في رواياته، وجراحاً لم تندمل حتّى وفاته.
- أمضى هاني طفولته في رعاية أمّه وأبيه وبعض أخوته، وبدأ دراسته في مدرسة القرية الابتدائية، إلى أن توفي أخوه عليّ، الذي كان يعمل في اللاذقية ويتولّى رعاية العائلة بكاملها، عن عمر لم يتجاوز الاثنين وعشرين عاماً.
- كان هانىالراهبكاتبا استثنائيا امتلك حدسابالمستقبل لم يرق إليه سواه، وقد ظل يتناول في كتاباته الشأن العربي العام، ولميقارب الأدب الذاتي قط، فقد ظل مأسورا للحالة العامة للناس.. لمآسي البشر في طولالوطن العربي وعرضه.
- ولد الأديبهانيالراهبعام 1939م في القريةالبديعة الجمال (مشقيتا) التي تبعد قرابة 20 كم عن مدينة اللاذقيةبسوريا.
- درس الأدب الإنجليزي في جامعة دمشق ونال شهادة الماجستير من الجامعةالأمريكية في بيروت. نال شهادة الدكتوراه من بريطانيا. مارس التدريس لسنوات في جامعة دمشق.
- عاش فيالكويت وكان عضوا في الهيئة التدريسية في كلية الآداب لمدة عشر سنوات منذ 1988 وحتى 1998 .
ثم عاد إلى دمشق وتوفي فيها إثر مرض عضال أصابه في 6 شباط /فبراير2000م.
- كانت اول رواية له وعمره 22 سنة بعنوان " المهزومون".التى غلفتها نفحة منالسارترية والعبثية فى آن واحد، قدمهانيالراهبتصوراً عميقا للحالةالعربية التي تعاني التفكك والانعزال وتوقع سلسلة من الهزائم تبدأ بسقوط الشعاراتالواهية التي كانت تطلقها الأنظمة العربية آنذاك
- أخذ بعدها يطلق صرخاته المتمردة على الواقع المتردي، وبدأ مسيرتهالإبداعية الطويلة التى رصد خلالها هموم ملايين الناس فى هذا الوطنالكبير.
- بعد موت اخوه علي تولّى أخوه سليمان، رعايته ، حتّى حصل على الدرجة الثانية في الثانوية العامة، فمنح مقعداً مجانياً في جامعة دمشق، قسم اللغة الإنكليزية، كما منح راتباً شهرياً قدره 180 ليرة سورية. وفي أواخر عام 1957 سكن هاني الراهب مع اثنين من رفاقه في غرفة واحدة في حي الشعلان، ثم دعاه أخوه هلال الرّاهب للعيش معه.‏ وفي ذلك إشارة إلى غياب الأب طبعا إما بالموت الفعلي او بالعجز.
- الراهب ككاتب يمتلك رؤيا من نوع خاص، يمتلك حدساً بالمستقبل يقترب من النبوءة فى بعض ملامحه. ففي «المهزومون» التي غلفتها نفحة من السارترية والعبثية في آن واحد، قدم تصوراً عميقاً للحالة العربية التي تعانى التفكك والانعزال، وتوقع سلسلة من الهزائم تبدأ بسقوط الشعارات الواهية التي كانت تطلقها الأنظمة العربية آنذاك، هذه الشعارات التي جعلها غلافاً لروايته، ليخبرنا عن مدى هشاشة هذه الأنظمة وشعاراتها الزائفة، وهذا ما حدث فيما بعد حيث توالت الهزائم العربية داخلياً وخارجياً على نحو مأساوي مفجع.
- هاني الراهب روائي سوري من أصحاب الكلمة الممنوعة والمقموعة والمغيبة. اقتحم بوابة الرواية بثقة وجواز مرور واحتلت نصوصه موقعاً واضحاً في الأدب القصصي والروائي السوري والعربي المعاصر.
- عاش هاني الراهب في زمن الانقلابات والعواصف والصراعات الفكرية التي أعقبت نكسة حزيران، ومات في الرمال التي غطت أرض الوطن العربي بعد عاصفة الصحراء والهزيمة الكبرى في العراق، تاركاً ومخلفاً وراءه الصدق والوهج وألم الفقدان ووجع الغربة والأسئلة عن الذات والحالة العربية الراهنة.
- يعبر هاني الراهب عن حالة وبؤس الواقع العربي المأزوم والمهزوم على لسان «أسيان» بطل قصته «المعجزة» فيقول: «إن حياتنا اليومية مطبوعة بطابع النذالة والتفاهة والغيظ والمماحكة، وعلينا أن نتخلص من هذا الطابع لتصبح الحياة ممكنة.
- يحاول هاني الراهب في نصوصه رسم ونقل هموم وعذابات أبناء جيله ووصف حالة الانهزام والسقوط والتكيف في ظل الهزيمة، ونجده في قصة «الخامس الدائم من حزيران» يحكي عن مجموعة من الشباب المرح الذي يستسلم للهو والرقص للهروب من الواقع ونسيان ما يقلق البال وتنتهي حفلة الرقص بحادثة تقضي على الفرح الكاذب عندما تظهر لاجئة فلسطينية طالبة الخبز لأطفالها الجياع.
- يرى فيما كتبه ان الحياة نفسها حالة حرب «السلام حالة موت»..ومن هذه الحالة يولد الحب والفن وتولد الإنسانية...
- أقام بيننا هاني الراهب ليرحل، حاملاً بخفّة خيمته، بحثاً عن ماء بهي، يكون جديراً بعطشه، تاركاً آثار خطواته تغوص في ثلج الحقيقة، ممتثلاً لأوامر الرّيح، تحمله إلى أماكن بعيدة، واسمه ما يزال على طرف ألسنتنا، نريد أن نناديه، نودّعه، لنقول له: هاني الرّاهب، شكراً لقلمك، الذي بعث الشباب في وجه الرواية المعاصرة في سورية، موقظاً إيّاها من سباتها العميق، معيداً الألق والشّعلة لنظراتها، مطالباً بالديمقراطية والأمل على التغيير.
- ارتاح هاني الراهب في السادس من شباط عام 2000 من صخب الحياة وهمومها، ونام بجانب تلك الصّومعة التي كانت مصدر إلهامه، في لحدٍ نديّ التّربة، طاهر الجنبات، يحرسه ضريح رخامي أنيق التّكوين، يرتفع فوق تلةٍ عالية، قريباً من مزار قبر جدّ أبيه الشّيخ سليمان الراهب، ليطلّ إلى الأبد، على بحيرات، غابات وجبال قرية مشقيتا، الممتدّة حتّى الحدود التركيّة.‏
- في بداية السبعينات ترجم هانيالراهب إلى العربية رواية "غبار" ليائيل دايان الكاتبة الإسرائيلية والرواية تصورالعربي بصورة "الأهبل، اللاحضاري، الجبان، وكانت هذه الخطوة كفيلة بفتح بوابات الجحيم عليه.
- طرد من اتحاد الكتاب العرب ، ثم طرد من جامعة دمشق وامتنعت معظمالدوريات عن نشر كتاباته وسحب جواز سفره منه في مطار دمشق، حتى كاد يهلك جوعاً كمايصور في روايته الأخيرة.
- بعدروايته الأولى (المهزومون) يقول الراهب:خفت خوفاشديدا من الشهرة أن تؤثر علىإجادتي لكتابة النص فرحت أعمل على تكثيف النص لغويا و بنيويا إلى درجة أن الفصلالأول من روايتي الثانية(شرخ في تاريخ طويل) أخذ سبعة أشهر والرواية كلها استغرقتسبع سنين بدل شهر واحد,هذا هو قلق المبدع الحقيقي المسكون بالهواجس الحياتيةوالروائية والأسئلة الوجودية وحسب تعبيره (نحن سكان مدن الأسئل
-كان لدىهاني الراهب دائما شعور حاد بأنه ميت أو ربما يموت دون أن يتمكن من الإمساك علىالتغيرات العاصفة والعنيفة في شرقنا العربي .


ابن رجل أبكم واصم وأم تلده في مطبخ تشترك فيه خمس عائلات دون وجود احد على ما يبدو برفقتها، هو الابن الأخير على ما يبدو ( التاسع أو العاشر ) والده كان له لحية بيضاء عندما ولد، الأخ الأكبر ( على ) كان يقوم على رعايته حتى مات وهو في الحادية والعشرين من عمره وفي ذلك ما يشير إلى أن هاني كان طفلا صغيرا خاصة أن أخاه الثاني أصبح هو جهة الرعاية التي تقف معه إلى أن انهي الصف التوجيهي. وفي دمشق وخلال دراسته عاش بعيدا عن الأسرة ...واضح أن حياته كانت أشبه بحياة البؤس التي عاشها حنا مينه إن لم تكن اشد وطئا. لا نعرف تفاصيل عن متى فقد والديه لكن على الأرجح أن ذلك حصل وهو طفل وحتى وإن لم يحصل فقد اختبر الفقد بموت أخاه الأكبر وهو صغير، ولا شك أن لعجز والده الأبكم والأصم كان أثرا مزلزلا...فجر في ذهنه طاقات هائلة...جلعت منه كاتبا استثنائيا امتلك حدسا واستشرافا بالمستقبل لم يرق إليه سواه ولا عجب ان يظل مأسورا للحالة العامة للناس.. ولمآسي البشر في طول الوطن العربي وعرضه...وقد اختبر عن قرب اثر البؤس الذي أصابه شخصيا.


يتيم اجتماعي

ايوب صابر 12-20-2011 09:18 AM

وألان مع سر الأفضلية في رواية:

22- الحرام يوسف ادريس مصر

الحرام هي إحدى روايات يوسف إدريس التي صور فيها حياة عمال التراحيل وهم فئة مهمشة من طبقة الكادحين في المجتمع القروى المصري.
فكري أفندي

فكري أفندي هو ناظر التفتيش الزراعى في العزبة، وبالتالى فهو المسؤول عن أراضي التفتيش، كانت له علاقات غير شريفة مع كثيرات من النساء. كان فكري أفندي يحتقر الغرابوة(عمال التراحيل) ويعاملهم معاملة فظة سيئة مستغلا سلطته كقائد لفرق العمل.لقد ساعد فكري أفندي في كشف الحقيقة بما كان لديه من حب استطلاع وتركيزه لفكره في قصة اللقيط فتوصل إلى(عزيزه-أم اللقيط)عندما أبصرها مستلقية تبادر لذهنه على الفور بأنها أم اللقيط ثم سأل فتيقن.
لقد تحدث يوسف إدريس عن (الغرابوة) في الرواية عندما حدثت واقعة أم اللقيط، فقد شك في أن تكون أم اللقيط هي واحدة منهم. والغرابوة هم عمال التراحيل الفقراء الغرباء عن العزبة وأهلها الذين يأتون من بلادهم للعمل في الموسم الزراعي بمنطقة العمل في التفتيش من أجل أن يحصل كل منهم على بضعة قروش لا تكاد تقيم أوده، هذا الاسم "الغرابوه" يطلقه أهل العزبة(أهل التفتيش)على هؤلاء البؤساء، فأهل التفتيش يملكون النقود والأرض والبهائم ويرتدون الملابس النظيفة لذا فهم يحتقرون الغرابوة وينظرون إليهم وكأنهم مجرد نفايات.
أهم الامور التي تعالجها الرواية
  1. الرواية إدانة للنظام الاجتماعي حيث لا حقوق أو ضمانات تؤدي للفلاح الأجير عامل الترحيلة بينما هو في حقيقته عماد هذا المجتمع.
  2. الرواية وصف واقعي دقيق لشريحة من المجتمع المصري وهي الترحيلة في علاقتها بأهل التفتيش،و قد أذابت المأساة الفوارق بين الفريقين، فنساءهما معا أصبحن محل شك وريبة.
  3. تطرح الرواية رؤية خاصة لمفهوم الخطيئة، هذه الكلمة التي اخترعها الناس بعفوية مطلقة لتعبر عن حقيقة تعيش في حياتنا حتى يومنا هذا.
  4. في الرواية تحليل للنوازع البشرية في الشك. كما تتمثل في مسيحة أفندي وشكه في زوجته وابنته، كما نلاحظ التطفل وحب الاستطلاع والبحث عن الاشباع الجنسي وسيطرته على القلوب الفظة الغليظة عند ابن القمرين وفكرى أفندى.
==
رواية الحرام - يوسف إدريس
تتلخص الخطوط العامّة للواقعية عند الأدباء العرب بخطين أساسيين هما:العناية المفرطة بالفئات الكادحة من الشعب،والتأكيد على أن "الخير" هو السمة الأساسية للجنس البشري،وإن توارت أحياناً تحت ركام الظروف الاجتماعية السيئة.
ولقد أسهم تطور الأحداث الاجتماعية والسياسية في المنطقة العربية،في تكوين تيار نقدي تخصص تماماً في صياغة الاتجاه الواقعي في ذلك الإطار السابق،واتخذ من القصاص يوسف إدريس نموذجاً ممتازاً لدراساته.والحق أن هذا الاختيار لم يكن عبثا،وإنما كان تجسيداً حقيقياً لأزمة الاتجاه الواقعي،حين يقصر نظرته للواقع على الفئات الاجتماعية الدنيا،والخير الكامن في أعماقها.

القصة :
جاءت المقدمات الطويلة في منتهى التشويق والإثارة،حول حياة العزبة وحياة الترحيلة.فلقد أجاد الفنان في إبراز تلك الفئة الاجتماعية على وجداننا،إجادة رائعة.وهذه هي الحصيلة النهائية للقصة.إذ اكتشف مأمور الزراعة لقيطاً عثر عليه عبد المطلب الخفير بمحض الصدفة.ويستهلك الفنان عشرات الصفحات متتبعاً اهتمام أهل العزبة بهذا الحدث.ويستغل هذه الصفحات في تشريح العلاقة بين المأمور والكتبة من جانب،وأهل العزبة من جانب آخر، والترحيلة من جانب ثالث. فنعرف أن هوّة تفصل بين هذه الفئات الثلاث. ونعرف أن كل فئة تشك في أن تكون الأخرى هي صاحبة اللقيط،إلا أن منزلي المأمور والباشكاتب،كانا بعيدين عن مجرد الاحتمال،بالرغم من العلاقة - التي يشيعها البعض - بين بنت الباشكاتب وابن المأمور.

لا شك أننا نلاحظ مسحة من الرمزية في جميع أحداث القصة، فجذر البطاطا لا يدل فحسب على رغبة مريض يتدلل على زوجته، إنه رمز حقيقي لكسرة الخبز. ولكنه ليس رمزاً بسيطاً. فقد استراحت عزيزة بين أحضان الرجل وقاومته بيأس في المرة الأولى،ولم تقاومه في المرة الثانية. فهو رمز مركب،يرمز ثانية إلى أزمة الجنس. بل إن شجرة الصفصاف في نهاية القصة تحمل هذه الرموز مجتمعة.ولقد أضفت هذه الرمزية عمقاً أصيلاً على القصة،فلم تشطح بها مشكلات هذه الشخصية أو تلك،ولم تنفجر المعادلة الإدريسية انفجاراً،وإنما تمددت في بطء بين ثنايا الأحداث،حين أخذ الفنان يستعرض لأول مرة في تاريخنا الأدبي،حياة أولئك "التملية" أو "التراحيل" أو "الغرابوة" كما يسميهم أهل التفتيش.فجاءت الخطيئة نتيجة غير مباشرة للقحط الاجتماعي الذي عاشت فيه أسرة عزيزة.كما جاء جنونها مأساة ضارية تنشب مخالب الموت في العقول الخاوية إلا من ذهول اللقمة:في غيابها وحضورها.

كذلك توازنت قصة لنده-بنت الباشكاتب-مع أزمة أحمد سلطان من ناحية وأزمة صفوت ابن المأمور من ناحية أخرى-فقد نالت أزمة الجنس من كيان لندة حتى النخاع.فكان صراعها ضد مجموعة القيم المتوارثة تعبيراً حاداً عن أزمة الضمير الكامنة في أعماق أجيالنا في مختلف مستوياتها الاجتماعية والفكرية.على أن الكاتب آثر البعد عن التقرير والمباشرة في تصوير البنيان الداخلي للنده وصفوت وأحمد.إذ اعتمد اعتمادا مطلقاً على انعكاس ذلك البنيان في سلوكهم اليومي.ومن هنا تعانقت خيوط قصة لنده مع خيوط قصة عزيزة،برباط وثيق من الرمزية الأصيلة،حتى أننا لا نقارن أبداً بين "خطيئة" لنده-من وجهة نظر والدها- وخطيئة عزيزة من وجهة نظر الجميع.إن الفنان يهمس لنا من خلال هذا البناء التراجيدي الناجح،بأن الخطيئة اسم على غير مسمى،إنها كلمة اخترعها الناس بعقوبة مطلقة،لتعبر عن حقيقة تعيش في كياننا حتى الأعماق.حقيقة قدرية في ظل المخطط الاجتماعي الذي رسمته الظروف من أجلنا.وهي حقيقة مطلقة بالنسبة إلى جوهرنا البشري.وهي حقيقة نسبية حسب اختلاف ظروفنا.

ايوب صابر 12-20-2011 09:19 AM

يوسف إدريس علي

، كاتب قصصي، مسرحي، وروائي مصري ولد سنة 1927 في البيروم التابعة لمركزفاقوس، مصر وتوفي في 1 أغسطس عام 1991 عن 64 عام. وقد حاز على بكالوريوس الطب عام 1947 وفي 1951 تخصص في الطب النفسي.
حياته في سطور

طبيب بالقصر العيني، القاهرة، 1951-1960؛ حاول ممارسة الطب النفساني سنة 1956، مفتش صحة، صحفي محرر بالجمهورية، 1960، كاتب بجريدة الأهرام، 1973 حتى عام 1982. حصل على كل من وسام الجزائر (1961) ووسام الجمهورية (1963 و 1967) ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى (1980).
سافر عدة مرات إلى جل العالم العربي وزار (بين 1953 و 1980) كلاً من فرنسا، إنجلترا، أمريكا واليابان وتايلندا وسنغافورة وبلاد جنوب شرق آسيا. عضو كل من نادي القصة وجمعية الأدباء واتحاد الكتاب ونادي القلم الدولي. متزوج من السيدة رجاء الرفاعي وله ثلاثة أولاد المهندس سامح والمرحوم بهاء والسيدة نسمة.
السيرة

ولد يوسف إدريس في 18 مايو1927 وكان والده متخصصاً في استصلاح الأراضي ولذا كان متأثراً بكثرة تنقل والده وعاش بعيداً عن المدينة وقد أرسل ابنه الكبير (يوسف) ليعيش مع جدته في القرية.
لما كانت الكيمياء والعلوم تجتذب يوسف فقد أراد أن يكون طبيباً.
وفي سنوات دراسته بكلية الطب اشترك في مظاهرات كثيرة ضد المستعمرين البريطانيين ونظام الملك فاروق. وفي 1951 صار السكرتير التنفيذي للجنة الدفاع عند الطلبة، ثم سكرتيراً للجنة الطلبة. وبهذه الصفة نشر مجلات ثورية وسجن وأبعد عن الدراسة عدة أشهر. وكان أثناء دراسته للطب قد حاول كتابة قصته القصيرة الأولى، التي لاقت شهرة كبيرة بين زملائه.
منذ سنوات الدراسة الجامعية وهو يحاول نشر كتاباته. وبدأت قصصه القصيرة تظهر في المصري وروز اليوسف. وفي 1954 ظهرت مجموعته أرخص الليالي. وفي 1956 حاول ممارسة الطب النفسي ولكنه لم يلبث أن تخلى عن هذا الموضوع وواصل مهنة الطب حتى 1960 إلى أن انسحب منها وعين محرراً بجريدة الجمهورية وقام بأسفار في العالم العربي فيما بين 1956-1960. في 1957 تزوج يوسف إدريس.
في 1961 انضم إلى المناضلين الجزائريين في الجبال وحارب معارك استقلالهم ستة أشهر وأصيب بجرح وأهداه الجزائريون وساماً إعراباً عن تقديرهم لجهوده في سبيلهم وعاد إلى مصر، وقد صار صحفياً معترفاً به حيث نشر روايات قصصية، وقصصاً قصيرة، ومسرحيات.
وفي 1963 حصل على وسام الجمهورية واعترف به ككاتب من أهم كتّاب عصره. إلا أن النجاح والتقدير أو الاعتراف لم يخلّصه من انشغاله بالقضايا السياسية، وظل مثابراً على التعبير عن رأيه بصراحة، ونشر في 1969 المخططين منتقداً فيها نظام عبد الناصر ومنعت المسرحية، وإن ظلت قصصه القصيرة ومسرحياته غير السياسية تنشر في القاهرة وفي بيروت. وفي 1972، اختفى من الساحة العامة، على أثر تعليقات له علنية ضد الوضع السياسي في عصر السادات ولم يعد للظهور إلا بعد حرب أكتوبر1973 عندما أصبح من كبار كتّاب جريدة الأهرام.
مؤلفاته

قصص
  • أرخص ليالي، رة، سلسلة "الكتاب الكبير الذهبي"، روز اليوسف، ودار النشر القومي، 1954.
  • جمهورية فرحات، قصص ورواية قصة حب، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي" روز اليوسف، 1956. مع مقدمة لطه حسين. صدرت جمهورية فرحات بعد ذلك مستقلة، ثم مع ملك القطن، القاهرة، دار النشر القومية، 1957. وفي هذه المجموعة رواية: قصة حب التي نُشرت بعدها مستقلة في كتاب صادر عن دار الكاتب المصري بالقاهرة.
  • البطل، القاهرة، دار الفكر، 1957.
  • حادثة شرف، بيروت، دار الآداب، والقاهرة، عالم الكتب، 1958.
  • أليس كذلك؟، القاهرة، مركز كتب الشرق الأوسط، 1958. وصدرت بعدها تحت عنوان: قاع المدينة، عن الدار نفسها.
  • آخر الدنيا، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي" روز اليوسف، 1961.
  • العسكري الأسود، القاهرة، دار المعارف، 1962؛ وبيروت، دار الوطن العربي، 1975 مع رجال وثيران والسيدة فيينا.
  • قاع المدينة، القاهرة، مركز كتب الشرق الأوسط، 1964.
  • لغة الآي آي، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي"، روز اليوسف، 1965.
  • النداهة، القاهرة، سلسلة "رواية الهلال"، دار الهلال، 1969؛ ط2 تحت عنوان مسحوق الهمس، بيروت، دار الطليعة، 1970.
  • بيت من لحم، القاهرة، عالم الكتب، 1971.
  • المؤلفات الكاملة، ج 1:القصص القصيرة، القاهرة، عالم الكتب، 1971.
  • ليلة صيف، بيروت، دار العودة، د.ت. والكتاب بمجمله مأخوذ من مجموعة: أليس كذلك؟
  • أنا سلطان قانون الوجود، القاهرة، مكتبة غريب، 1980.
  • أقتلها، القاهرة، مكتبة مصر، 1982.
  • العتب على النظر، القاهرة، مركز الأهرام، 1987.
  • نظرة
روايات
  • الحرام، القاهرة، سلسلة "الكتاب الفضي"، دار الهلال، 1959.
  • العيب، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي"، دار الهلال، 1962.
  • رجال وثيران، القاهرة، المؤسسة المصرية العامة، 1964.
  • البيضاء، بيروت، دار الطليعة، 1970.
  • السيدة فيينا، بيروت، دار العودة 1977.
  • نيويورك 80، القاهرة، مكتبة مصر، 1980.
  • (نظرة) حارة في القاهرة
مسرحيات

1- ملك القطن (و) جمهورية فرحات، القاهرة، المؤسسة القومية. 1957 مسرحيتان.
2- اللحظة الحرجة، القاهرة، سلسلة "الكتاب الفضي"، روز اليوسف، 1958.
3- الفرافير، القاهرة، دار التحرير، 1964. مع مقدمة عن المسرح المصري.
4- المهزلة الأرضية، القاهرة سلسلة "مجلة المسرح" 1966.
5- المخططين، القاهرة، مجلة المسرح، 1969. مسرحية باللهجة القاهرية.
6- الجنس الثالث، القاهرة، عالم الكتب، 1971.
7- نحو مسرح عربي، بيروت، دار الوطن العربي، 1974. ويضم الكتاب النصوص الكاملة لمسرحياته: جمهورية فرحات، ملك القطن، اللحظة الحرجة، الفرافير، المهزلة الأرضية، المخططين والجنس الثالث.
8- البهلوان، القاهرة، مكتبة مصر، 1983. 9- أصابعنا التي تحترق
مقالات

1- بصراحة غير مطلقة، القاهرة، سلسلة "كتاب الهلال"، 1968.
2- مفكرة يوسف إدريس، القاهرة، مكتبة غريب، 1971.
3- اكتشاف قارة، القاهرة، سلسلة "كتاب الهلال"، 1972.
4- الإرادة، القاهرة، مكتبة غريب، 1977.
5- عن عمد اسمع تسمع، القاهرة، مكتبة غريب، 1980.
6- شاهد عصره، القاهرة، مكتبة مصر، 1982.
7- "جبرتي" الستينات، القاهرة، مكتبة مصر، 1983، وهو متضمن حوار بينه وبين الأستاذ محمد حسنين هيكل.
8- البحث عن السادات، طرابلس (ليبيا)، المنشأة العامة. 1984.
9- أهمية أن نتثقف.. يا ناس، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1985.
10- فقر الفكر وفكر الفقر، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1985.
11- خلو البال، القاهرة، دار المعارف، 1986.
12- انطباعيات مستفزة، القاهرة، مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1986.
13- الأب الغائب، القاهرة، مكتبة مصر، 1987.
14- عزف منفرد، القاهرة، دار الشروق، 1987.
15- الإسلام بلا ضفاف، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1989.
16- مدينة الملائكة، القاهرة، الهيئة المصرية…، 1989.
17- الإيدز العربي، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1989.
18- على فوهة بركان، محمود فوزي، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، 1991. حوار.
19- ذكريات يوسف إدريس، القاهرة، المركز المصري العربي للنشر والصحافة والتوزيع، 1991.


الساعة الآن 03:33 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team