منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6821)

ايوب صابر 05-12-2012 11:36 AM

أحمد بن عبد القادر:
لا، يوجد بيت لا يوجد به شاعر وبيوت كثيرة.
محمد كريشان:
لا يوجد فيها شعراء.
أحمد بن عبد القادر:
لا يوجد فبها شعراء، أدعياء الشعر موجودون في المشرق والمغرب، أما الشعراء فهم قلة، قلة وفي بلدنا خصوصاً في الجيل المتحضر من المحضرة نسبتهم عالية، نسبة عالية جداً.
محمد كريشان:
يعني استمرار المحاضر والتي كما ذكرنا هي نمط تقليدي للمدارس في موريتانيا، هل تشكل هي المعين المتواصل لاستمرار الشعر والشعراء في موريتانيا؟
أحمد بن عبد القادر:
أولاً المحضرة لم تعد كما كانت لأنه كما سبق أن أشرت إلى ظاهرة الجفاف في دول الساحل قضت على مقومات الحياة الريفية، فالمدارس كثير منها اختفت، المحاضر كثير منها اختفى أو هاجر إلى المدن، والمدن ليست هي الأرضية، ليست هي الرحم الذي ترعرعت فيه المحضرة، هي قامت على قاعدة اقتصادية اجتماعية تقوم على تربية المواشي، وخيام الصوف، والتنقل بين النجوع من مكان مخصب.. من مكان مجدب إلى المكان الأخصب، ومازالت منها بقية لا بأس بها من المحاضر لكنها نسبية جداً، أما الآن فالتعليم عندنا والثقافة بوجه عام والحركة الأدبية بالتالي تقوم بين تراث المحضرة وبالجامعة كمان، إحنا عندنا جامعة وعندنا معاهد وحياة ثقافية في المدن، هناك ازدواجية الآن ما بين ما هو من أصل محضري بدوي وبين ما هو ناشيء من المدن بتعليم مؤسسات (حضارية).
محمد كريشان:
لكن سيد أحمد مع ذلك وجود المحاضر التي مثلما ذكرنا هي النمط التقليدي للمدرسة في موريتانيا، الطالب فهيا يكون مطالب بحفظ المعلقات وبحفظ قصائد تتكون من ألف بيت، هل هذا بدوره يعني ساعد على نمو ظاهرة الشعراء وجعلها أكثر قدرة على الاستمرار في هذه البلاد؟
أحمد بن عبد القادر:
هو المنهاج المحوري ساعد لأنه كان الشعر الجاهلي خصوصاً يحفظ بكثرة، في المنهاج كان الطالب عليه أن يحفظ المعلقات، كان عليه أن يحفظ ديوان الشعراء الستة الجاهليين، كان عليه أن يحفظ ديوان غيلان ذي الرمة، غيلان ذو الرَّمة شاعر من العهد الإسلامي شعره قوي من نطاق الدهنة، وكان يحفظ شعر للشعراء المحليين، وحتى شعر الأدباء العباسيين، ثم كانت البيئة لها عامل، البيئة هنا كانوا ناس رُحل يقطعون في السنة آلاف الأميال، أو مئات الأميال بحثاً عن المراعي ويقول أحد أساتذتنا القُدامى المختار بلبونة صاحب الشرح الكبير على ألفية ابن مالك في النحو من القرن الثاني عشر الهجري، يقول يصف سفره مع محضرته يقول:
ونحن ركب من الأشراف منتظم
أجل ذا العصر قدراً دون أدنانا
قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة
فيها نبين دين الله تبيانا
كانت هناك عوامل تشابه البيئة المُعبَّر عنها بالشعر الجاهلي، بالبيئة التي يعيشها الطالب والأستاذ، ويعيشها الشاعر بالتالي، أنا كنت في نجد قبل شهور، نفس النباتات ونفس طبيعة الأرض في الصحراء الموريتانية، نفس الأرض، ونفس المسميات تقريباً من حيث النباتات والتضاريس، حضر أحدهم شعر امرئ القيس ورأى وتشبع به وتذوقه ورأى الأرض مشابهة هذا أيسر أن يكون هذا مساعداً له، ثم هناك اجتهاد من رجال الدين كان يربى عليه الطلاب أن من لم يفهم اللغة العربية لن يفهم كتاب الله ولا الفقه ولا العلوم الدينية، كان هناك إقبال كبير على اللغة من وجهة نظر دينية واحد اسمه بن متالي أحد الفقهاء البارزين، يقول: تعلم اللغة أفضل من عبادة الله. تعلم الشعر الجاهلي، تعلم اللغة العربية أفضل من التخلي للعبادة،
قل تعلم اللغة شرعاً فضلي
على التخلّي للعبادة الجلي
إذاً عوامل كثيرة خلقت الظاهرة المحضرية الثقافية منها ما هو متعلق -كما قلت لك- بمنهاج المدرسة، وما متعلق بالبيئة، وما هو متعلق بالمنظور الديني الذي يوصي ويُلح على محاولة فهم الدين الإسلامي عن طريق التطلع في اللغة العربية.
محمد كريشان:
ولماذا لم يبرز اسم شاعر موريتاني يكون محل إجماع داخل الساحة العربية رغم هذا التاريخ من الشعر؟
أحمد بن عبد القادر:
أنا سبق أن قلت لكم إن التحاقنا بقافلة التنوير والتحديث مُتأخرة، ثم جاءت مع السبعينات والستينات، وأعتقد إنه بعد الستينات، بعد السبعينات لم يظهر شاعر عربي موضع للإجماع العربي ككل، لأنه بدأ تدخل البيت العربي الصورة، آلة التلفزة، وبدأ الناس ينشغلون انشغالات أخرى عن هذا الاجماع، بينما كان الشعر في الماضي وفي أوائل القرن هو الشغل الشاغل للناس، ورغم ذلك ففي تلك المرحلة لم يتخط هذا الجدار المغربي، إهدار الخمول أو التخميل المغربي إلى منابر الشرق إلا أبو القاسم وحده، وحده لا سواه.
محمد كريشان:
يعني هل هناك أيضاً حركة نقد في موريتانيا؟ يعني ما الذي، من هو الشخص الآن المؤهل حتى يحكم على مستوى الشعر في موريتانيا طالما أنه غير منتشر خارج حدود موريتانيا، وطالما أن أغلب الناس يقولون الشعر، ولكن مَنْ يُقوِّم هذا الشعر؟ من الذي يُجزم بأن هذا الشعر جيد، وهذا متوسط، وهذا قابل للانتشار خارج موريتانيا، وهذا شعر محلي؟
أحمد بن عبد القادر:
الشعر يُقوَّم على مستويين وبمقياسين، أبناء المحضرة من المسنين ومن الجيل المحضري القديم يقومون حسب ذوقهم وحسب اختياراتهم ومقاييسهم الجمالية تقليدية طبعاً، في المدينة، في الحركة الثقافية في المدينة فيه الجامعة، وفيه أساتذة نقد، فقط لم تظهر عندنا مجلة نقدية متخصصة حتى الآن، ودعني أقول لك إن النقد ما زال عندنا في بداية الطريق لأنه لم تظهر بعد مجلة متخصصة، يضاف إلى هذا الشرذمة -إن صح التعبير- لأن الشرذمة العربية لا تعني الواقع السياسي والتفرق في الآراء والأهواء، فقد تعني أيضاً في الأذواق، فالشعر أصبح يُطلق على أجناس مختلفة والنقاد انقسموا حسب ذلك،فالقصيدة العمودية ذات الجرس القوي يسميها بعض الناس (هذرمة) أو هزيان قديم لا قيمة له، لا يعتبر شعر، وهناك الجانب الآخر أناس لا يعتبرون القصيدة المنثورة شعر، فتفرق الآراء والأهواء ليس لدينا على المستوى العربي مرجعية نقدية متفق عليها، إذا ما تذكرنا مدرسة الحداثة عند أودنيس ومدرسته في النقد تنفي وجود أكثرية ما هو شعر لدينا وله أعداء يعاملونه نفس المعاملة، إن عدت إلى هنا فالنقد عندنا نقد عصري بالمقاييس العصرية، ولكنه في بداية الطريق هو الآخر.
محمد كريشان:
نعم، على ذكر أدونيس، أدونيس زار موريتانيا في فترة من الفترات وكذلك الشاعر محمود درويش، كيف تُقيِّم تفاعلهم مع الشعر الموريتاني؟ كيف وجدوه؟ أو بالأحرى كيف وجدتم مدى تجاوبهم مع ما سمعوه هنا من شعر؟
أحمد بن عبد القادر:
بالنسبة لدوريش، بالنسبة لدرويش كعادته خصصنا له أمسية لوحده، لا شاعر إلا هو، وهذه كان يفرضها على العراقيين وعلى المصريين، وعلى المغاربة، وعلى التونسيين، أفردنا له ليلة، وأفردنا ليلة للشعراء المُحيِّين له فأبدى الإعجاب وقال لي وقتها أنه وجد نفسه ومشاعره من خلال السهرات الأدبية المتنوعة قصائد حرة، قصائد عمودية كلها عن القضية، كلها تحمل مشاعر عربية، كلها تأخذ من لغة الشعر بحظها، ومن المرامي القومية بقسطها، فكان مرتاحاً، وأعتقد أنا حسب معرفتي به أنه لا يرتاح إلا إذا ارتاح لم يكن مجاملاً ولا (…)، أما أدونيس فلم أحضر زيارته كلها، إنما كانت مناورات في الجامعة حول أطروحاته وآرائه الفكرية في النقد وما إليها والثابت والتحول وما إلى ذلك كان هو كل ما عمر به وقته ولم يكن هناك أمسية شعرية، لم تكن هناك أمسية شعرية بمناسبة مجيئه إلينا.
محمد كريشان:
نعم، من بين القصائد الأكثر، ربما التي أخذت رواجاً أكثر في خارج موريتانيا، هل تذكر بعض القصائد سواءً لكم أو لغيركم؟
أحمد بن عبد القادر:
أنا كتبت قصيدة في الثمانينات من القصائد العمودية التي يسميها بعض الناقدين خطابية، وأنا أسميها شعر عمودي بأغراض عصرية، كان عندنا مؤتمر، مهرجان شعري ساهم فيه شعراء من تونس والجزائر والمغرب وليبيا قلت فيه قصيدة قلما زرت بلد عربي إلا وجدتها عند بعض الأساتذة، رغم أني لم أنشرها في كتاب.
محمد كريشان:
السفينة؟
أحمد بن عبد القادر:
لا ليست الفنية.
محمد كريشان:
ليست السفينة.
أحمد بن عبد القادر:
السفينة أكثر انتشار عند الأوروبيين لأنها تُرجمت إلى الفرنسية ترجمة جيدة، وتعالج إشكالية محلية لا يتذوقها إلا –أعتقد- الإنثروبولوجيين أكثر، لأنها تطرح مشكلة الصحراء ورحيل أهلها، الرحيل المزدوج بالسفينة، الرحيل من المكان إلى المكان بسبب الجدب والرحيل من الداخل، أي رحيل الناس عن عاداتهم وقيمهم إلى لا أدري، يعني رحيل مزدوج، القصيدة اللي إذا حبِّيت أسمعك نماذج.
محمد كريشان:
أي نعم.
أحمد بن عبد القادر:
من قصيدة مهرجان الشعر المغاربي
أحباب عند أهله
وادي الأحبة هلا كنت مرعانا
إن الحبيب حبيب حينما كان
ويا أخ البعد هل تشفيك قافية
تبوح بالنفس أنفاساً وأشجان
أفٍ على الشعر والدنيا بأجمعها
ما لم تقرب إلى الإخوان إخوانا
هون عليك فذاك الشمل مجتمع
والنجع لاقى على التحنان خلانا
إن الحمائم قد عادت مغردة
فوق الغصون وعاد البان نشوانا
أما رأيت طيور البحر حالمة
في أفقنا ترسم الأفراح ألوانا؟
فسل معللة الأنخاب هل نسيت
بعد الرحيل كؤوساً كن هجرانا؟
وسل أحباءك الآتين كيف أتوا
وكيف ناموا على الهجران أزمانا
وشائج الأرض أقوى من نوازعنا
والحر ينسى طباع الحر أحيانا
أحبابنا الأهل مرحى يوم مقدمكم
هذا لقانا فهل تنضم أشلانا؟
هذا لقانا فهل آمالنا انعتقت؟
وهل نسينا ربيع الوصل قد لانا
نريده غرسة للمجد واحدة
لروحاً يكلِّلُ عُري الأرض تيجانا
ولا نريد مواثيقاً
الاتخاد المغازي يعني..
ولا نريد مواثيقاً مطرزة
تعيش في الورق المنسي أدرانا
ولا نريد ابتسامات مؤقتة
تغشى الوجوه وتغدو بعد نكرانا
قبل اللقاء أحرف التاريخ ما عرفت
وجه الصباح ولم تطربه عنوانا
كأن (طارق) أوصانا بأندلس
شراً و(عقبة) لم يحلل مغنانا
نروي لأبنائنا فخر الجدود ولا
نبدل الشوك عبر الدرب ريحانا
وكيف ينفعنا عز الأوائل
ما دمنا بغاة وطار الغير عقبانا؟
حار الأدلاء والبيداء تبحث
عن نجم السبيل ولم تعرف له شانا
وإنما نفنحات الضاد تسعفنا
نوراً إلى الليل في بلواه أعشانا
وإذا الرياح تراتيل بغير هدى
تسبي الذي يعبر الأمواج وسنانا
وتخطف البرق من أحشاء سطوته
وتترك الغيم في علياه ظمآنا
يا غرسة المجد، هل تسقيك أغنية
من وحي (أوراس) تبري الكون ألحانا؟
وهل تجود عليك الدهر ماطلة
من القلوب تحيل الصخر وجدانا
نبه لها عمر المختار وادع لها
عبد الكريم بمازان وما صانا
ونادِ شنقيط واستنفر منابعها
والقيروان وتطواناً وغزانا
فالكرم قد عانق الزيتون في مرح
والطلح يزهو عساليجاً وأغصانا طويلة

ايوب صابر 05-12-2012 11:36 AM

محمد كريشان:
نعم، يعني هذا الالتزام مثلاً إذا أردنا أن نكون أكثر دقة مثلاً التطورات الأخيرة التي شهدتها موريتانيا والجدل الداخلي الذي أثاره موضوع التطبيع مع إسرائيل، هل حفز همم بعض الشعراء؟ أم ربما في مرحلة مقبلة؟
أحمد بن عبد القادر:
ما دام التطبيع ظاهرة عربية فلابد يوماً، ما أن تكون له أن يوجد أدب تطبيع، ولكن هنا لم أره بعد، لم أجد هنا أدب تطبيعي، وعندما يوجد سأجيبك بملاحظتي عليه، لا مساهمتي فيه.
محمد كريشان:
لا أقصد الأدب التطبيعي، الأدب المناهض للتطبيع.
أحمد بن عبد القادر:
قد يوجد، قد يوجد.
محمد كريشان:
لكنه لم يوجد بعد؟
أحمد بن عبد القادر:
أنا لم أتصل به لكن أعتقد أنه موجود.
محمد كريشان:
لأنه بعد القرار الأخير تحرك الساسة، تحركت الأحزاب، تحرك، إذا لم يتحرك الشعراء؟
أحمد بن عبد القادر:
أعتقد أنا شخصياً لم أتحرك.
محمد كريشان:
لماذا؟
أحمد بن عبد القادر:
ربما لم يستحق الموضوع عندي، لم يستحق الموضوع عندي.
محمد كريشان:
يعني كل الهموم العربية التي أثرتها في شعرك، الموضوع الموريتاني الإسرائيلي لم يحرك فيك شيئاً يعني هنا مفارقة ربما؟
أحمد بن عبد القادر[مقاطعاً]:
ربما..
محمد كريشان[مستأنفاً]:
ولم يحرك شعراً ربما بالتحديد.
أحمد بن عبد القادر:
على كل حال شعوري لم يحركه فأمدحه.
محمد كريشان[مقاطعاً]:
ولم يغضبك فتهجوه.
أحمد بن عبد القادر[مستأنفاً]:
وإن أغضبني فلم أتكلم عنه بعد.
محمد كريشان:
نعم، إشارتنا قبل قليل إلى قصيدة السفينة تعود بنا مرة أخرى ربما إلى ما يسمى هنا بأدب التصحر، يعني ما هو هذا الأدب بالتحديد؟ ما هي ملامحه.
أحمد بن عبد القادر:
هذه كلها ظاهرة اجتماعية أدبها، والموقع اللي تقع فيه موريتانيا هو في شمال الصحراء، شمال غرب إفريقيا، والصحراء الكبرى تشغل 40 أو 60% من البلاد الموريتانية، وهي في الشمال، وعواصف التصحر تأتي من الشمال، الصحراء تتجه.. والتصحر يتوسع جنوباً، يعني إلى ما جنوب الصحراء، والموريتانيون يشعرون بالغربة عن أمتهم ولغتهم، عن أمتهم بسبب البعد، فنحن الصحراء الكبرى تقع ما بيننا مع المغرب والجزائر وتونس، وتعزلنا عن محيطنا، وأعتقد أن مَنْ تتبع تاريخ التصحر يجد أن سكان موريتانيا كانوا قبل خمسة قرون يوجد 90% منهم على مسافة ألف، ألفين كيلو متر إلى الشمال، فكانت الصحراء.. كانت كل دورة تصحرية يعني البلد تتداوله فترات خصب وفترات تصحر، لكن كل فترة خصب تأتي بعد أن توسعت الصحراء، ولا تعوض، فتأتي الدورة الجافة فتبتعد الصحراء إلى الجنوب، فنحن كنا ندفع إلى خط الاستواء بعيداً، لأنه بلغ المنى دول غرب إفريقيا بعضهم بلغ بالمواشي أدغال إفريقيا البعيدة بحثاً عن المرعى..
محمد كريشان[مقاطعاً]:
وأيضاً انعكس في الشعر هذه الهموم بـ..
أحمد بن عبد القادر:
بالبعد وبالاقتراب من خط الاستواء البعيد علينا شوية إلى الجنوب، فكان هناك اضطراب قوي، وكنا نرحل عن أرضنا، يعبر أحد البداة تعبيراً شاعرياً جميلاً، ولكنه نثري، يقول: سلم عليه ابن عمه قال له: ماذا طرأ فيكم؟ في أرضكم؟ قال له: اللي طارئ فينا إنه فيه كثبان جديدة وتلال جديدة، معالم جديدة في الأرض، لازم تذبحوا لها كباش وتسموهها، ما تحمل أسماء، المعالم القديمة ماتت، وعندنا أصبحنا نعيش بين معالم جديدة لا تحمل أسماء، يعني يشعرون بانفصام، اجتذاه من العروق ينتج عنه قلق كبير.
قصيدة السفينة -كما تفضلتم بالحديث عنها- تمثل هذا النوع، وأفضلها:
رحلنا كما كان آباؤنا يرحلون.
وها نحن نبحر كما كان آباؤنا يبحرون.
تقول لنا ضاربة الرمل وا عجباً سفينتكم..
رفعت كل المراسي مبحرة.. ألا تشعرون؟
وهو حوار مع ضاربة رمل..
محمد كريشان[مقاطعاً]:
رمل.
أحمد بن عبد القادر[مستأنفاً]:
تخبرهم بحظوظ الفناء، أو ما يدعو للقلق..
محمد كريشان[مقاطعاً]:
هل..
أحمد بن عبد القادر[مستأنفاً]:
من قصيدة السفينة سبقتها قصيدة اسمها الكواليس، كواليس التصحر، أقول فيها:
مرت بقربي حمائم ثكلى
وردن الغدير، وسرن عطاشاً جنوباً جنوباً
يطاردن أعشاش جيل جديد
يحلق في الجو من غير ريش.
ويؤسفني في بكاء الحمام أن ضحاياه..
في عهد طوفان الرمادة أنسته ضحاياه..
في عهد طوفان نوح عليه السلام.
ويؤسفني يا سيال الرمال نور البطاح..
أن الحياة..
يعني إلى آخره.
محمد كريشان:
نعم، هل هذه المحلية الخاصة بالشعر الموريتاني وارتباطه بالبيئة هو الذي ربما يجعله لاحقاً أكثر انتشاراً، أكثر من ارتباطه بقضايا الأمة العربية والقضايا السياسية، يعني أشرتم مثلاً إلى السفينة أنها لاقت اهتمام في أوروبا لأنها تُرجمت، ربما لأنها موريتانية قحة، ولأنها محلية وخاصة بالبيئة، وأحياناً يُقال: كلما كان الأدب محلياً كلما صار عالمياً.
أحمد بن عبد القادر:
الأقطار العربية، أو الشعوب العربية على تباعدها المطلوب من كل واحد منها هو ما سيضيفه، لا ما سيأخذه من الآخرين من الأشقاء، والسؤال.. كل ما (...) خصائص هذا البلد، إبداعاته التي لا توجد في شعر مصر، ولا في شعر الحجاز، ولا في شعر.. في أي بلد هي التي سيُكتب لها البقاء، وهي المهمة، فأروي لك حكاية إني كنت مرة في طرابلس، مؤتمر اتحاد أدباء العرب، وكان فيه أستاذ عراقي يُسمى دكتور ناجي.. محامي ما أذكر اسمه، ناجي هلال أعتقد، في السبعينات، وكان ينظم دائماً إذا وصل، وحصل حضور مؤتمر اتحاد الأدباء العرب، يقول: أنا سأنظم مؤتمر الأدباء المنقح على الهامش، ويأخذ شعراء من كل قطر يبدؤون بمطارحات شعرية كل اللي بتحكيه بيت من شعر بلده، وعند اليمين يقوم هذا، مطارحة يعني، كان معي زميل من موريتانيا، فوصلت إليّ الدورة، وعليّ أن أبدأ بيت أوله ألف [أ] في المطارحة، فألقيت بيت لأحد الشعراء القدامى في موضوع غزلي يقول:
أطعت العوازل خوف الجفاء وخوف الحشيشة أن تُنتفَ
فصاحبي غمزني قال لي: هذا ليس فصيحاً، فمدير الندوة قال: أعد البيت واشرحه لنا. قلت له: هذا شاعر يحب زوجته ويكرمها، وله تعلق بغيرها، ويعيره العُزَّال ألا يمنح قلبه لغير زوجته، فقال:
أطعت العوازل خوف الجفاء وخوف الحشيشة أن تُنتفَ
عندنا مثل شعبي يقول: "نتفوا الحشيشة بينهم.. يعني كان بيت.. الزوج إياه كان شاب، حوله خيمة أصهاره بينهم حياء، يجعلون ساتر من الحشائش بينهما، للحياء بس باب الحياء، فإذا وقعت بينهم مشاجرة أو مشادة تنتف الحشيشة يعني تنتزع المهابة بينهم، فاستنبط الشاعر الفكرة من هذا المثل الشعبي الذي لا يوجد له نظير هناك، بل هو محلي هنا.
أطعت العوازل خوف الجفاء وخوف الحشيشة أن تُنتفَ
فكان.. أن كانت الخلاصة أمر مطلوب من كل حركة أدبية وكل شعراء كل قطر هو إغناء العرب بما سيرفدونه به المجرى العام بما يأتي من الروافد، نحن روافد، كل قطر يعني رافد، فأنا معك أن ما ركز على الخصائص هنا هو اللي يحكم له البقاء، أما الآخر فيجمعنا مع الآخرين، ولكن ليس بالعمق نفسه.

ايوب صابر 05-12-2012 11:37 AM

محمد كريشان:
على ذكر المطارحات، يعني أحياناً يُذكر بأن بعض الشعراء في موريتانيا بإمكانهم أن يرتجلوا على الفور قصيدة ما أو أبياتاً ما، هل هذا يمكن أن يكون إبداعاً شعرياً له مقومات الإبداع الحقيقي؟ يعني هذا الارتجال الفوري هل هو مفتعل؟ هل هو فعلاً حقيقي، ويدل عن موهبة خاصة؟
أحمد بن عبد القادر:
الارتجال الشعري من قطعة.. من خمسة أبيات.. ستة شيء معروف عند العرب. والارتجال يأخذ دقائق، إذا كان الإنسان منفعلاً، إذا كان موضوع يعني موضوعاً يحس به إحساساً خاصاً يرتجل، لكن هذا الارتجال لم يعد اليوم، هذا في الماضي، في الصحراء هنا الماضية كانت للشعراء وللناس عقليات وحاضرات وحاجات لا نفهمها نحن هذا اليوم، كانت أشبه بحياة الجاهليين العرب القدماء، وكان مردودها الارتجال، يدل على سرعة البديهة والدربة، وعلى –أيضاً- حساسية.. أهمية، حساسية خاصة للموضوع في نفس الشاعر، إذا كان غضبان في موضوع مفاخرة، أو إذا كان عاشقاً وهدَّه البين بالحزن، هذا من الشاعر استذكرت اللي الآن بيتاً من شعره يُقال: إنه ارتجل أربعة أبيات أو خمسة عندما رأى حبيبته ترحل من حيه إلى حي آخر، قال.. ارتجل:
أتمسك دمع العين وهو يروف
أتأمن مكر البين وهو مخوف وتمسك دمع العين وهو يروفُ تكلم منا البعض والبعض ساكت غداة افترقنا والوداع صنوفُ
حلفت يميناً..
وآلت بنا الأحوال آخر وقفة إلى كلمات مالهن حروفُ
حلفت يميناً لست فيها بكاذب بعقبى الحانثين عروفُ
لئن وقف الدمع الذي كان جارياً إذا الماء مور مالهن وقوفُ
هذا ارتجال وهذا الشعر مقبول.
محمد كريشان:
سيد أحمد، وتحدثنا عن الهموم المحلية والهموم العربية في الشعر الموريتاني، ولم نتحدث عن مكانة المرأة في الشعر الموريتاني، المرأة لها وضع خاص ومتميز في موريتانيا، كيف انعكس ذلك على الشعراء، سواء في غزل أو في غيره من المواضيع؟
أحمد بن عبد القادر:
كان الشعر الغزلي منتشراً، وفي المجتمع القديم.. في المجتمع القديم كان الشعر الغزلي كثير، وكان أوسع الأنواع الشعرية..، الأساليب الشعرية من حيث استقبال المتلقي، وكان الشعر العربي عندنا الغزلي شعر يميل للعذرية، كان شعراؤنا الأوائل تلامذة للجاهليين في لغتهم وتلامذة للعذريين الإسلاميين في أسلوبهم، ولم يكن.. ولكن كان هناك نوع من التقليد إنه لا يمكن أن تمدح أحداً، أو تهجو أحداً، أو ترثي ميتاً، أو تمدح الرسول إلا بمقدمة غزلية.
محمد كريشان:
يعني هل فقط اختصر الأمر على التعاطي مع المرأة في موريتانيا على قضايا الغزل دون غيرها أم امتد إلى قضايا أخرى؟
أحمد بن عبد القادر:
كان عندنا في الستينات شعر لشاعرات يطالبن بتحرر المرأة ومساواتها مع الرجل، ولكن هذا حديث.
محمد كريشان:
ماذا عن شعر المرأة المتغزل –أحياناً- بالرجل المعروف هنا في موريتانيا (بالتبراع)؟
أحمد بن عبد القادر:
هذا عندنا بالحساني، هذا عندنا بالعامي، تغزل المرأة بالرجل بنوع من الشعر الشعبي الخاص، وبالعربي لا يوجد.
محمد كريشان:
لا يوجد.
أحمد بن عبد القادر:
لا يوجد، والله إذا كان قد وُجد فهو نادر، يوجد بالعامي.
محمد كريشان:
المعروف بس بالتبراع. يعني مثلاً بالنسبة إليك هل كانت المرأة لها حضور خاص في شعرك أو في شعر الجيل الذي تنتمي إليه من الشعراء؟
أحمد بن عبد القادر:
أنا المرأة أجلها كثيراً، وتبهرني كثيراً، لأنها هي إنسان، وهي نصفنا الآخر، وهي جمال، وهي أمومة، وهي روعة، لكنني لم أكن -حسب التجربة- متغزلاً كثيراً، لم أكن متغزلاً، ربما لأني أيام نضوج كتابتي للشعر كنت في التزامات سياسية واجتماعية.
محمد كريشان[مقاطعاً]:
لم يكن لديك وقت للمرأة.
أحمد بن عبد القادر[مستأنفاً]:
لم يكن.. يعني نراه نوعاً من الترف الذي لا داعي له، وله مَنْ يقومون به، مرة دعوني بعض الجماعات وهذا من باب الارتجال ولم تكن من زمن بعيد، زمن قريب دعاني أصدقائي في ملتقى في حفل أكتب لنا غزلاً، أكتب لنا غزلاً ولازم أن تُضيف إلى دواوينك شيئاًمن الغزل فارتجلت بيتين:
قالوا تغزل فالحياة خميلة والقلب يندى بالجمال ويورقُ
فرفعت عودي كي أبوح وإنما عفت الديار فلا مليح يُعشق
محمد كريشان:
من بيتين فقط لاغير.
أحمد بن عبد القادر:
شطر مضمن تقريباً، كفاية فيه بركة.
محمد كريشان:
سيد أحمد ولد عبد القادر شكراً جزيلاً.
أحمد بن عبد القادر:
شكراً لكم وللجزيرة.
المصدر: الجزيرة

ايوب صابر 05-13-2012 02:40 PM

العوامل التي اثرت في صناعة شاعرية أحمد بن عبد القادر:

لا شك انه ابن الصحراء وشظف العيش فيها وابن البادية وسحرها وقساوتها وهي عناصر كفيلة بأن تصنع الشعراء لكننا لا نكاد نعرف شيء عن طفولته وعن تفاصيل هذه الطفولة.

سنعتبره مجهول الطفولة لاننا لا نستطيع ان نجزم بأنه كان يتيم اجتماعي او مأزوم رغم ان بيئة الصحراء وقساوتها ازمة بحد ذاتها.

مجهول الطفولة.

ايوب صابر 05-13-2012 03:36 PM

77- الاغتيال والغضب موفق خضرالعراق
البُنية السردية في الرواية السبعينية
وإشكالية توظيف الحوار الفني
أ.م.د باقر جواد الزجاجي
كلية الآداب / جامعة أهل البيت (ع)

ملخص :
يكتسب الحوار أهمية كبيرة في العمل الروائي عموما وذلك أن يمثل الملفوظ القصصي الذي تنطق به الشخصيات لتعبر عن نفسها ومستوى تكوينها ومجال فعلها الروائي عامة.
وقد دأب الكتاب السبعينيون على توظيف عنصر الحوار في أعمالهم الروائية من اجل غايات مختلفة كان من أبرزها التعبير عن الواقع النفسي والشعوري للشخصيات , والتعبير عن المستويات الفكرية بأسلوب تمثيلي بدلا من الاعتماد على السرد أو الوصف وحده .
وقد ابرزا لحوار وضوح الرأي للشخصية الروائية وتعبيره عن أحوال الشخصية المختلفة .
هذا ما حاول البحث الوصول إليه بمجموعة من المباحث التي اشتملت عليها .

المقدمة
ظل حوار ( الشخصية ) الإنسانية في الرواية الواقعية (الحديثة) يُشكل العنصر الأكثر فعاليّة وتأثيرًا في العناصر الأخرى ، ذلك أنَّ أهم ما يُميز تلك الشخصية درجة قربها أو صلتها بالقراء ، سواء أقام ذلك التقارب على الانحياز لها أم ازدرائها . (( فإذا ما كانت شخصيات مقنعة فسيكون أمام الرواية فرصة للنجاح ، وإلا فسيكون النسيان نصيبها)) (1) إذ على الكاتب أن لا يتحدث بلسانه الشخصي بل بلسان الشخصيات المختلفة التي نصادفها في القصة (2) .
ولا شك في أن هذه الصلة ليس لها أن تتحقق دون روابط فنية تجعل القارئ يتحسس بعمق ويقين طبيعة تكوينها ، فيستدل من خلالها على حقيقة البواعث النفسية والعقلية والشعورية التي تحكمت في تحديد مواقفها داخل الحدث ، وهذا الإحساس لا يتم من غير أن تسمعنا الشخصية صوتها الحقيقي إذا تحدثت معنا ، ومع غيرنا ، ومع نفسها . إنها (إنسان ) لا بد أن تتحدث (3) ، سواء كان حديثها ضمن البنية السردية للعمل الروائي ، إثرَ تعبيرها عن رؤيتها الذاتية من خلال المونولوج الداخلي وتيار الوعي الباطني ، أم منقولة من الخارج عبر الروائي الموضوعي (كلي العلم) ، أو كانت عبر إيحاءات رمزية ، أو حركات لا إرادية دالة .
من هنا كانت أهمية (الحوار) باعتباره عنصرًا له خطره في العمل الروائي ، إذ يستدل به على وعي الشخصية وتفردها ، ويُساهم في تطوير الأحداث ، فضلاً عن دوره في المساعدة على بعث الحرارة والحيوية في المواقف المتميزة التي تساعد على تشكيل البناء الفني للحدث منطقيًا ، بشكل يحقق معه تصورًا متكاملاً لظواهر الواقع ، تصورًا يعتمد على التنوع في الرؤية ، والشمول في آفاق التفكير .
ولعل كُتّاب الرواية الواقعية الحديثة في العراق لم يغفلوا أهمية هذا العنصر المهم في بناء رواياتهم ، بخاصة وأنهم اعتمدوا في رسم شخصياتهم مهمة التركيز على موقف الشخصية المتفرد ، فضلاً عن اشتراكها مع الشخصيات الإنسانية الأخرى في الرواية ، حيث تدور حولهم حوادث القصة ، ويمثلون مدار المعاني الإنسانية ومحور الأفكار والآراء ، عبر ما يجري من حوار .
وإذا كنا قد أسهبنا في الحديث عن خطورة الحوار وأثره في استقامة العمل الروائي ، باعتباره المؤشر الفني لرصانة تأسيساته واستقرار عناصره وتلاحمها . فان الاستدلال به عن وعي الشخصية ومدى قدرتها على اتخاذ الموقف المتفرد ، فضلاً عن إسهامه المباشر في تطوير المواقف والأحداث وشحنها بطاقات خلاقة وحيوية فاعلة ، تجعلها قادرة على تحقيق تصور دقيق ومتميز لظواهر الواقع وتناقضاته ، عبر رؤية شاملة وتفكير متعدد الآفاق .. هو ما يهمنا في هذا القسم من الأعمال الروائية السبعينية ، التي تناولت عوالم متعددة البيئات ومتنوعة القيم(4).
ذلك أن هذا التغاير الذي تجسد أصلاً في طبيعة رسم الشخصية ومستلزمات بنائها الفكري ، كان له تأثيره المباشر في مستوى وعيها العام وأسلوب لغتها ودلالاتها . ومرد ذلك يعود لسببين كما نعتقد :
الأول : إن عالم المدينة المتحرك ، الذي يتسم بالسرعة والصخب بحكم كثافة السكان قد خلق واقعًا معينًا له دوره الحاسم في هذا المجال ألا وهو تعدد الجنسيات والأصول ، واختلاف النشأة البيئية وما ينتج عن ذلك من تباين في آفاق التفكير وطبيعة الرؤية وتحديد السلوك (5) .
أما السبب الآخر – الأكثر تأثيرًا – (هو الطبيعة المختلفة للأعمال والمهن في المدينة وتباين متطلباتها وتنوع مردوداتها الاقتصادية على الفرد ، الذي يؤدي- بالتالي - إلى تحديد المنحى الثقافي للشخصية ، فضلاً عن تشكيل بعدها النفسي وانعكاس ذلك على طبيعة علاقاتها بالآخرين(6) .
هذا الاختلاف المتعدد حد التناقض في تحديد علاقات الإنسان بالإنسان من جهة ، والسلطة من جهة ثانية ، وبالحياة عامة من جهة أخرى ، والذي أدى إلى خلق الطبيعة المتميزة لإنسان المدينة الفائرة ولاسيما في الجانب النفسي .. إذ وجد نفسه مطالبًا – لكي يحقق الغاية التي يرجوها من وجوده الكوني – أن يواجه قوتين كبيرتين – عبر صراع دائب- الأولى تتمثل بالذات الطموح حد الخيال في علاقاته مع الآخرين ، والثانية خارجية تمثلت لديه بقوى التحدي لبعض فصائل المجتمع والدولة والطبيعة ، من خلال الحوار الدرامي المتوتر ، الذي تكشف كل جملة فيه عن مظهر جديد للشخصية وتخطو بالحدث الى الأمام(7) .
وهنا لا بدَّ من ظهور ثلاثة أنماط من السلوك لإنسان المدينة ، وجد فيها الروائي ضالته لتحديد هوية الشخصية داخل العمل الروائي ، حيث توزعت بين الشخصية السوية (الإيجابية )، التي أقترن فكرها بفعلها ، وأخرى أخفقت في إلباس الفكر رداء الفعل ، بينما أضاعت الثالثة روح الفكر في متاهات الفعل اللامسؤول...
وهذا ما حدا بالكتّاب –أحيانًا- إلى استبطان الذات واللجوء لاستخدام عنصر الحوار الداخلي (المونولوج) بغية التعبير عن الإحساس الداخلي للشخصية عبر رؤية ذاتية ، وخاصةً فيما يتعلق بالنمطين الأخيرين ، وهنا يُثار سؤال ! فهل يا ترى وفق روائيونا في تحقيق التوازن المطلوب بين فكر الشخصية وأحاسيسها ، وبين مواقفها المعبرة وسلوكها اليومي مع بقية الناس ، عبر الحوار بمختلف أنواعه ؟؟(*) هذا ما ستكشف عنه الشخصيات ذاتها. من خلال تحليلنا لأعمال العديد من كتاب الرواية في العراق – وهنا يجدر بنا القول بأنهم حرصوا-غاية الحرص – على إيلاء عنصر الحوار قدرًا كبيرًا من طاقتهم الذهنية وحسهم الفني . بخاصةً وأنهم اعتمدوا في بناء شخصياتهم على إبراز دور الفرد (الفاعل) ضمن إطار الجماعة لخلق الغد الأفضل معبرًا عن أشواق الإنسان في كل مكان ، رغم صور التعسف والعنت المتعددة . هادفين من وراء ذلك إلى خلق الإنسان العراقي الجديد ، الذي يطمح لتحقيق مصالحه الحيوية المشروعة بمنظار المستقبل ، ولا غرو فان هذا الهدف كانت له دالته الفنية في تحديد سمات الحوار وتنويع خصائصه الفنية سلبًا وإيجابًا ، سواء ما تعلق ذلك بطبيعة بنائه أم بتحديد وظائفه داخل العمل الروائي ، والتي أمكن إجمالها في خمسة (مباحث) ، هي :
1. التعبير عن الواقع النفسي والشعوري للشخصيات .
2. التعبير عن المستويات الفكرية بأسلوب تمثيلي ، بديل من السرد الوصفي .
3. تنوع موضوعات الحوار بتنوع الشخصيات وتعاظم حيرتها بين الواقع والطموح .
4. إبراز جوانب التفرد وسيادة الرأي الحر للشخصية .
5. واقعية اللغة ، وتعبيرها عن لسان الحال لا المقال .

ايوب صابر 05-13-2012 03:37 PM

1)
وأول ما يطالعنا به الحوار تعبيره عن الواقع النفسي والشعوري للشخصيات داخل العمل الروائي والذي يمنح القارئ فرصة التعرف القريب على الدوافع الحقيقية التي تغلف مواقف الشخصيات وتفسر انفعالاتها الذاتية إزاء التحديات المختلفة على امتداد الرواية .
وهو من غير شك وثيق الصلّة بالهدف المحوري الرئيس لكتّاب الرواية عندنا ، والذي سبقت الإشارة إليه .
فـ(أنيسة) في رواية (تماس المدن) لنجيب المانع يجسد حوارها مع د. رائد مديرها في العمل حقيقة الدوافع الذاتية الكامنة خلف اتهامه إياها بتشويه سمعة الدائرة جراء علاقتها العاطفية مع (احمد) . فهي عندما وضعته أمام حقيقته اللاأخلاقية ، التي عبر عنها في مواقف دنيئة غير إنسانية تجلت واضحة باستحواذه اللصوصي على رسائلها المتبادلة مع احمد ، مجيبة على اتهامه قائلة : " قبل أن أجيبك يا أستاذ ، أريد أن أعرف كيف تصل مثل هذه الأمور الخاصة إليك ..؟؟ ويستمر الحوار ليكشف أبعادًا أكثر عمقًا في نفسية د. رائد إلى حد التصريح له بنواياه الخبيثة إزاءها قائلة : (( اسمع يا أستاذ ، أنا أمامك الآن هيا انتقم ..- ولماذا انتقم وعماذا . – ها ، - أ عليّ يجوز هذا الكلام ؟؟ . - .. لا تحاولي أن تكوني بطلة مرة واحدة حين أفلت من مخالبك .. )) (8) .
وحوار (سعاد) في رواية (رموز عصرية ) للقاص (خضير عبد الأمير ) مع رفيق صباها (خالد ) في لقائهما العفوي بعد غيبة سنوات في العمل الوظيفي عبر – هو الآخر- عن مكنونات المستوى النفسي في بناء المواقف السابقة والتنبؤ بطبيعة المواقف اللاحقة ، وبذلك فقد كان له دوره الفاعل في دفع مسار الفعل الدرامي داخل الهيكل العام للرواية :
" قال خالد بعد صمت : - أيام طويلة مرت .- كنت فيها أتابعك وأقرأ بعض ما تكتب في الصحف .
قال خالد :
- لكني لم أعرف عنك أي شيء .
ابتسمت وقالت : ستعرف .
- لقد كانت مجرد أحلام يحبكها خيال الشباب .
- من يدرينا من أن تلك الأيام كانت بداية لمستقبلنا)) (9) ، ويتواصل حوارهما بتدفق سلس ، مفصحًا عما كان يختزنه كل منهما للآخر من مشاعر دفينة ....حين تخبره بدوافع اختراعها لمسألة زواجها عندما تقدم لها قائلة : ((كنت أكذب يا خالد ... أردتك أن تبتعد عني وتجد طريقك في الحياة لا أن ترتبط بامرأة طلقت وأنت في مرحلة الصبا .
- إذ كنت تحبينني ؟
- سمه ما شئت)) (10) .
و( منذر ) في حواره مع (حمد السالم ) ، و( حميد مزبان ) رغم حرصه على إخفاء عاطفته المتوهجة إزاء (سليمة ) ، عندما قال لـ (حمد ) يشكره على حمايته الحانية وعطفه السخي له في عرزاله ، رغم مطاردة السلطة . " تعرف يا أبا زهرة ؟ .. رغم أنني أحببتك أخًا كبيرًا ، إلا أنني أتمنى لو أنني دخلت السجن بدلاً من المجيء إلى هنا .
ضحك حمد السالم بمرح ثم قال :
- ابن العم ؟ لا تهتم ! .. إذا كانت هذه الفتاة قد دخلت في أعماقِ قلبكَ بهذه الدرجة ، فستكون لك حتى لو أدى ذلك إلى موتي .
قال حميد : ماذا ؟ ... هل هناك سر لا أعرفه ؟
قال منذر : لا أدري يا حميد ماذا حدث حتى هذه اللحظة " (11) .
لقد أسهم الحوار هنا في ولادة عنصر جديد لفكرة الرواية كان له دوره الخطير في تجسيد البعد الدرامي عبر محور العلاقة العاطفية الواعده .
والحالُ ذاتها واجهها (حسن مصطفى ) في رواية (المبعدون ) للركابي عندما وشي حواره مع (نضال ) مقدار تعلقه الحميم وإحساسه النفسي المفرط تجاهها . مما دفعها إلى التلميح له عن تعاطفها المتكافئ قائلة بدلال : " لماذا تنظر إلي هكذا ..؟ - علي أن أذهب .
سأل باختلاج :
-هل آذيتُكِ يا نضال ؟
كانت آثار ضحكتها لا تزال على الشفتين .
- لا . " (12) .
إن هذه السمة الفنية الخلاقة للحوار بما تبعثه في جسد الرواية من علامات الصحة وطاقات النمو ، عبر تحكمها الواعي في بناء الفعل الدرامي ، كان لها رصيدها الظاهر من اهتمام سائر كتّاب الرواية وهذا ما جعل نتاجات بعضهم تحقق مستويات فائقة في مجال كتابة الرواية الحديثة .
(2)
أما السمة الثانية التي لونت طبيعة الحوار وعناصر تكوينه فهي تعبيره عن المستويات الفكرية والثقافية بأسلوب تمثيلي مركز لا يجنح إلى التقرير أو الوعظ ، فقد حرص هؤلاء على أن تظهر مفرداتهم دالة مدببة ، تحمل في طياتها مخزونًا ثرًا من الأفكار والقيم المؤثرة ، فأن قدرة الكاتب الموهوب تتجلى في مقدار ما يطرحه من أفكار عبر تعمقه فيما وراء المظاهر السطحية ، فيعبر من خلال الرؤية الموضوعية الخارجية عن خوالج الناس التي يشعرون بها – إزاء أنفسهم وعالمهم – ويعجزون عن الإفصاح عنها، فيتولى هو عنهم ذلك (13) .
ولعلَّ هذه السمة بما تمتلك من خاصية موضوعية كانت موضع اهتمام رواد الرواية ذات المضمون الثقافي والسياسي قبل غيرهم ، ذلك أن هذا النوع من الروايات يتميز بقدرة رهيفة على ربط (المتعة بالوعي) مما يساعد على تألق وثراء المضمون .. فضلاً عن أنها تشف عن الخط السياسي لشخصياتها – التي ترمز لشخصيات المجتمع – وبما أن النظام السياسي لا ينفصل عن النظام الاقتصادي والاجتماعي فإنها بالضرورة ستكشف عن شخصيات روائية تولد وتتحرك وتتحدث ، كثمرة للوضع الاقتصادي والاجتماعي وتعبير عن أبعاده ومستوياته(14) . سواء ما جرى ذلك ضمن الرؤية الموضوعية الخارجية عن طريق الراوي كلي العلم ، أم جاء عن طريق الرؤية الذاتية الداخلية المحدودة للشخصية نفسها .
فالحوار الدائر بين (علي سعيد ) وبين فتاة المقهى (سيبلا) في برلين يتعرض لمشكلة تكاد تبدو همًا عصريًا يُعاني منه مجتمعنا العربي ، وهو في تطلعه لِآفاق النهضة الأوربية ، وطموحه لاحتواء جوهرها ، ليزاوج بينه وبين معطيات تراثه العريق :
(( - أستطيع القول أنك عربي .
- أجل أنا عربي ، ولكن كيف تمكنت من معرفة هويتي بهذه السرعة .
- صديقي في براغ أيضًا عربي من الأردن .
... هل أنت أردني ؟
- أنا عراقي .. أُفضل القول دائمًا أنا عربي .
- عرفت منذ جلست على المائدة أنك عربي ، الحقيقة إن أشكالكم متقاربة .. لكن صديقي الأردني لا يُريد العودة إلى وطنه ، يقول : الحياة صعبة هناك..
- أستطيع فهمه لكن لا يمكنني التسليم بحقه في موقفه .. إن بلاده بحاجة إلى خبراته ومعارفه )) (15) . ويتواصل الحوار مع تدخل شخص ثالث ، ليتعرض إلى هموم العربي وهموم الأوربي حيث القيم الأصيلة هناك ، والمادة المعبودة هنا في أوربا ويصل إلى حد إقناع الشابين الأوربيين )).
لقد أجتهد الروائي – كما هو واضح من سير الحوار المتنامي – أن يمنح المفردة الواحدة طاقة حية واسعة ، مستثمرًا كل أبعادها الفكرية والنفسية . فهو عربي إذن ، وهو لهذا كريم في عطائه بمختلف أشكاله – عطاء الفكر والتراث ، وعطاء البساطة (الواعية) والوفاء المحسوب . انه ليس (غربيًا ) يستنزف القيم ويهدر الأحاسيس ، يغتال الوجود الإنساني بمقصلة المادة . وهنا يبدو جليًا دور الحوار للتعويض عن الوصف السردي في عرض المتن الحكائي .
وللموضوع ذاته يتشعب الحوار القائم بين (مجدي ) وضيفه (الدكتور (رائد) العائد من باريس في رواية (تماس المدن) ، الذي آثر الانغماس في المتع المتهافتة والمظاهر السلبية خلال دراسته ، عبر حوار طويل أتسم بالحيوية والسيولة مما دفع بالمواقف إلى التطور باتجاه خلق القيم والأفكار الرائدة في هذا الجانب أو ذاك(16) .
وحوار ( خالد ) مع (سعاد) في (رموز عصرية) أفرز هو الآخر آفاقًا عريضة من المفاهيم الِإنسانية والأفكار المتحفزة عبر اختيار فني مقصود للمفردات والجمل ، بشكل حقق معه قدرًا كبيرًا من التركيز والإيحاء ، الذي تميز به القاص (خضير عبد الأمير ) عبر تراثه القصصي . فشخصية (خالد) ذاتها تعترف بما أوحته كلمات (سعاد) المحدودة في تعقيبها على موقفه من الماضي تصورات جديدة على الرغم من قلة مفرداتها .
" – أوافقك يا خالد .أن الجيل الجديد يعيش ممتلئًا ، ألا تذكر عبثنا القديم ، إنني أعتبره نتيجة أو إفرازاً لذلك الواقع الذي لم يكن يشد وجودنا إلى أي تطلع حقيقي .
أبتسم خالد لاكتشافه بأن سعاد تمتلك الحس والرؤية التي يجب أن تمتلكها كل امرأة وقال : أنا سعيد وفرح لوجودك بيننا (17) .
إن هذا المنحى الفكري من مهمات الحوار وجد طريقه السليم لدى سائر كتّاب الرواية (الحديثة) مما دفع الرواية في العراق آنئذ إلى طرق آفاق فكرية أشمل ومدارات فنية أعمق وأرحب .

ايوب صابر 05-13-2012 03:38 PM

(3)
ومن هذه الزاوية فقد ظهر الحوار وهو يحمل سمة فنية ثالثة تمثلت بمسألة تنوع موضوعاته وتشعب أفكاره عبر مضامين مقصودة ، فإذا سلمنا بأن الموقف الواحد يحتمل أكثر من وجهة نظر ويستلزم تناوله طرق آفاق مختلفة من الأفكار والموضوعات فرضتها طبيعة النقاش والجدل وتقلب الفكرة على وجوهها المختلفة فإن من البديهي أن تظهر أعمال هؤلاء الكتّاب مشحونة بالأفكار الفتية والآراء الصائبة ، ما داموا يهدفون إلى تحقيق التوازن المطلوب بين المستويات المتعددة للشخصية الإنسانية المعاصرة ، وهي تحث الخطى لتكوين شخصيتها الجديدة وهويتها المتميزة ، التي تؤهلها لإبراز دورها (الفاعل) المتفرد ضمن إطار الجماعة لخلق الغد المشرق لها ولمجتمعها ، معبرة عن أشواق الإنسان في كل مكان ، رغم تعدد صور العقبات وتنوعها .
فالحوار الدائر بين (عبد الرحمن ) و (سمير أحمد رؤوف ) في (الاغتيال والغضب ) تناول موضوعات عدّة ارتبطت بوشائج عضوية أبعدت الحوار عن مواطن التفكك والافتعال ، فضلاً عن السقوط في متاهات الوعظية المملة ، لتصل بالتالي إلى حقيقة واحدة تجسدت في تحقيق هدف الكاتب الرئيس في تشكيل معالم الصورة الثابتة للإنسان العربي الجديد ، إذ يبدأ الحوار بينهما من منطقة الصفر حيث يعلن (سمير ) هزيمته الكاملة في المهنة والحب وفي السياسة ومجمل العلاقات والمواقف ويعزوها إلى سوء الحظ ، غير أن (عبد الرحمن ) يحمل معوله ليهدم كل ركامات الخيبة وصخور الفشل والضياع من نفسه ، مبتدئًا بتقويم رؤيته المنحرفة عن تفسير الظواهر، عندما يدعوه للتواصل مع أصدقاء الأمس وأفكارهم ، مواقفهم ..، أخلاقيتهم .. فهم باعثو اليقين بالنسبة إليه .. وينتقلَ الموضوع إلى حال البلد ثم إلى نكسة حزيران وأبعادها على الروح العربية وما ستؤول إليه من نهارات مشرقة ثم ليتحول إلى مستوى جديد من الموضوعات هو أقرب إلى الفلسفة ، ذات النفس الرومانسي (18) .
ولنفس الدافع ظن ( أحمد ) وجماعتة بأن (حسن مصطفى ) في (المبعدون) رومانسي لا يقوى على الصمود والتحمل .
" -.. هل تظنني أنت الآخر رومانسيا ؟ بوغت حميد لحظة ثم هتف :
- في أعماق كلِّ واحدٍ منا أثر للرومانسية . وهذا ليس عيبًا . إننا بشر " .
ثم ينتقل الحوار من الخوف إلى العزيمة ، ثم العمل الذي يعتبره بديلاً من احتمال السقوط في متاهات الغربة ومجاهل الذات (19) .
والحوار الطويل الذي سبقت الإشارة إليه بين (مجدي) وضيفه (دكتور رائد) بمشاركة بقية الضيوف – خرج هو الآخر لمسارب جانبية عما كان يحتمله الموقف ، أوشك معه أن يفقد سمة الترابط والوضوح لولا تدارك القاص في لحظاته الأخيرة ، لِيُعيد إليه خيوطه العريضة ويصلُ به إلى هدفه الرئيس متمثلاً بتحديد معالم الإنسان العربي الأصيل . فقد أنتقل موضوع الحوار من الشعر والأدب إلى طبيعة النظرة الإنسانية للواقع من خلال مستوى الإحساس بأزمة زميلهم المُعتقل (سليم) ، ثم يعود ليتحول إلى بعض سمات الحضارة الغربية (صدقها وزيفها ) وما تفرزه من قيم متضاربة ومتداخلة قد تعمل على ضياع الإنسان في معمعة الآلة .. وهذا ما يقودهم إلى موضوع رابع يتعلق بالمشاعر والأحاسيس (20) .
(4)
هذا التنوع الخلاق في موضوعات الحوار ومضامينه ، كما طرحته الرواية العراقية، أتاح للروائي فرصة الوقوف على المواقف ( المتفردة ) للشخصيات والآراء الحرة المستقلة ، المتطابقة والمفترقة ، المستوحاة من عمق إحساس الفرد بالظروف المادية والموضوعية التي تُحيطه في واقعه المعاش .. وبذلك فقد حقق هؤلاء الكتّاب جانبًا حيويًا وحضاريًا من معالم الشخصية العربية الجديدة بمنحها القدرة على التفكير والتحليل لمجمل ظواهر الحياة ، وبذلك أسهموا في تصحيح النظرة (غير الموضوعية ) لبعض علماء الاجتماع والأجناس البشرية الأوربية ممن أجحفوا بحق العرب عندما اعتبروا العقل العربي ذا مستوى واحد ، يتعامل مع الظواهر من جانبها الحسي فقط (21) .
ولهذا فقد جعل هؤلاء الكتّاب من الحوار وسيلة لإظهار خصائص الشخصية (المتفردة ) وعرض وجهة نظرها المتميزة والمبتكرة إزاء الأحداث والمواقف المحيطة ، وبالتالي فإنه يرسم للشخصية نفسها موقفًا فاعلاً ومؤثراً من مجريات الواقع . ولا شك في أن هذا التوضيح لطبيعة تشكيل الأبعاد الخاصة للشخصية وتقنين حركتها الحرة المستقلة والمبدعة في الواقع ، يكشفها حوارها المتصل عبر طريقة استخدامها للغة وتنسيق الأفكار وزوايا الرؤية ومجالات المواقف الخاصة والعامة .. وبالتالي فإنه يدل على ردود فعل مميزة للشخصية ، وهو من هذه الزاوية يتصل اتصالاً وثيقًا بالمواقف بصورة مقنعة فيطور المواقف ويكشف طبيعة الشخصية –المتحدثة والفاعلة – في آن واحد ، ولهذا فقد لجأ الروائيون إلى تنويع أسلوب الحوار وفق ما يتحمله وعي الشخصية وواقعها الحياتي .
سوى بعض الأعمال الروائية التي سقطت في منزلق (الصوت الواحد) . رغم اجتهاد كتّابها لأبعاد رؤيتهم الذاتية الطاغية عن دواخل مخلوقاتهم الفنية ، كما فعل (نجيب المانع) خلال بنائه لشخصيتي (أنيسة وسليم الصابري) ، اللتين عبرتا بمنطق واحد ولغة واحدة هي لغة المؤلف (الراوي كلي العلم) ، غير أن بعضهم الآخر ممن أسعفتهم قدراتهم الفنية وإحساسهم الحاد بجزيئات الواقع وخصوصياته لم تنزلق بهم أقدامهم عن جادة الواقع المحتمل لمنطق الشخصية وموقفها . فحوار حسن مصطفى في (المبعدون ) أظهر بجلاء الصورة الصحيحة لتفرد الرأي واستقلالية الموقف المبتكر ، مسترشدًا بتجاربه النضالية العريقة ، عندما اقترح تكليف البنت الخبازة (نضال) مهمة القيام بنقل المنشورات المعادية للسلطة وتسليمها لرؤوف في المدينة ، باعتبارها متعاطفة مع المبعدين وبخاصة بعد استشهاد أخيها على يد السلطة ، من ناحية ، وإنها ليست موضوع شك من قبل سلطات الأمن من ناحية ثانية ، وبذلك استطاع المؤلف أن يمنح هذا الموقف المتفرد للشخصية – على الرغم من أنه لم يجد قبولاً حسنًا بين جماعته – مبررات نجاحه الذاتية والموضوعية ، مما أكسبه صفة الإقناع بالواقع وألبسه رداء الصدق الفني ، دونما سقوط في لجة الافتعال والمبالغة ، على الرغم من معارضة الآخرين له (22) .
وحوار (سعاد) في (رموز عصرية) هو الآخر جسد بعمق الموقف الواعي والمتفرد للشخصية عندما رفضت دعوة ( خالد ) للزواج منها عندما التقى بها في احد شوارع مدينتها رغم تقديمه لكل المبررات ، متذرعة بقرب زواجها ، رغبة منها في صرف اهتمامه بمستقبله الواعد غير أنها تلتقي به بعد سنوات في إطار العمل لتكشف له عن حبها وطبيعة الدوافع التي دعتها لاتخاذ مثل ذلك الموقف رغم حبها الجامح له (23) . ولا شك في أن الروايات الأخرى قد أشارت إلى العديد من مواقف التفرد وسيادة الرأي الشخصي (الحر) ، المبني على منطلقات موضوعية ، والذي كان له دوره الفاعل ضمن حركة الأحداث وتطورها الفني في الرواية .

ايوب صابر 05-13-2012 03:38 PM


(5)
إن هذا التفرد في المواقف كما جسده عنصر الحوار كان له فعله المؤثر في منح الشخصية بُعدها النفسي إلى جانب صدقها الفني . ولعل طبيعة اللغة التي اختارها هؤلاء – بما أتسمت به من واقعية تعنى بمستويات تكوين الشخصية النفسي والعقلي والعاطفي – كانت عنصرًا له أثره في نجاحهم فنيا – بتصوير حقائق الواقع – فهي وسيلة للتعبير عن لسان الحال ، ((فالواقعية لا تقتصر على واقعية الحال ، بل واقعية الحال والمقال جميعًا ، واللغة ليست أداة حوار حسب ، بل هي جزء من مكونات النموذج البشري وعنصر من صميم عناصره )) (24) .
وهذا لا يعني عندهم أن تتحدث الشخصية بلغتها البيئية الخاصة (العامية) بل قصدوا منها إلى أن تعبر عن الواقعية الإنسانية قبل الواقعة اللفظية ، فاللغة العربية الفصحى عندهم تمتلك القدرة على التعبير عن الأفكار والخواطر والمشاعر الرهيفة ضمن إطار الوعي الاجتماعي للشخصيات (( إذ جدير بكل روائي مسؤول أن يفهم أن هناك فارقًا مهمًا بين النموذج الذي يقدمه في الرواية وبين الفرد الحقيقي في الحياة )) (25) ، ومهما يكن الأمر فإن ما تميزت به لغتهم من خصائص فنية وجمالية تجسدت في وضوحها التام وميلهم في الغالب إلى البساطة والليونة والصدق واعتدادها بالفصحى المبسطة أو ما يُسمى باللغة الثالثة بصرف النظر عن الانتماء الطبقي والاجتماعي للشخصيات جعلها ذلك قريبة إلى نفوس القراء ، فضلاً عن اختراقها لحاجز (المحلية) إلى آفاق اللغة (القومية ) في كثير من الأحيان مع أن الفرق شاسع– بتعبير الدكتور محمد غنيمي هلال – بين معنى الواقعية الفني وواقعية اللغة ؛ فالواقعية يُقصد بها واقعية النفس البشرية ، وواقعية الحياة والمجتمع ... ولا ضير أن يُحاور صبي أو عامي باللغة العربية ، على أن لا يكون فيها تكلف أو فيهقة ، ولكن الضرر كل الضرر أن يجري الكاتب على لسان صبي أو عامي آراء فلسفية أو أفكار إجتماعية ، أو صورًا عميقة لا يُبررها الواقع ولا تنصل بالموقف (26) . فلم تعد القضية قضية فصحى وعامية ، بل أصبحت تُطرح باعتبارها قضية لغة فنية أو غير فنية .
ولعلَّ في الحوار الطويل الذي أداره القاص (موفق خضير) بلغته الفصيحة المبسطة بين (سمير أحمد رؤوف ) وبين (بدرية) المرأة الشعبية الأصيلة في (الاغتيال والغضب) ، الشيء الذي يعبر بصدق وعفوية عن طبيعة المشاعر النفسية لكلتا الشخصيتين ، على الرغم من اختلاف المستويات الثقافية والاجتماعية والنفسية بينهما ، وهذا ما دفع بالمواقف إلى التطور لتسهم في نمو الأحداث فيما بعد ، حيث استطاع الكاتب من خلال لغته الفنية أن يمزج بنجاح بين الرؤية الذاتية للشخصية والرؤية الموضوعية للراوي كلي العلم .
" – سمير .. أحقًا أراك بعد هذا الغيبة الطويلة ؟
- ماذا أفعل يا بدرية .. إنها الظروف الصعبة التي أواجهها ومشاغل الحياة والركض وراء لقمة العيش .
- ولو .. يا سمير .. لا تقل ذلك ، كان يجب أن تسأل عنا ..
- حقًا .. حقًا .. والصفح من سمة الأكرمين ..
- كيف أصفح عنك يا لئيم ؟ وضحكت مازحة ..
أجبتها بلطف :
- طبيعة السماح من خلقك .. أنا أعرفه ..
- أنت واحد ممن لا أنساهم في حياتي كلها يا سمير .
- وأنا كذلك .
- ولكنك نسيتنا . أما صاحبك فلم ينسنا .
أنت لا تختلف عنه لولا بعض اللؤم فيك ..
- بدرية .. عبد الرحمن معتقل الآن .
ندت عنها آهة وصرخة ،
- ماذا تقول يا سمير ؟ " (27) .
((وهنا يُجيد موفق خضير في الإغتيال والغضب القص ، ويدل على تمكن واستفادة من التجربة )) (28) .
ويستمر الحوار بهذا الجريان الطبيعي ، دونما افتعال أو تصنع ليعبر بعمق عن حقيقة المشاعر الصادقة فضلاً عن تجسيده الأمين لملامح المستوى الاجتماعي مستعينًا باللغة الفصحى (المبسطة ) – كما هو واضح من التراكيب اللفظية فيه – رغم الهوة الواسعة بين المستويين .
والحوار السابق بين (سعاد) و(خالد) في رواية ( رموز عصرية ) ، هو الآخر جاء محتفظًا بسمته الفنية ، ذلك أنه جاء متلائمًا مع وعي الشخصية وظروفها الزمانية والمكانية ، فضلاً عن إحساسها الباطن باللحظة الآنية وخاصة بعد لقائهما الثاني على صعيد العمل الوظيفي (29) .
لقد أستأثر هذا المنحى الفني في اختيار لغة الحوار باهتمام سائر كتّاب الرواية (الحديثة) فأولوه رعايتهم الخاصة ، كما كان يوفره لهم من فرص متميزة لتحقيق الرؤية الإنسانية الشاملة للواقع ، عبر كشفه لجزئِيات أوجه التطور فيه وعناصر الصراع في حركته المستمرة ، المنظورة وغير المنظورة .
غير أن بعضهم لم تسعفه أداته التعبيرية لاستخدام اللغة الفنية المطلوبة، عندما انطق شخصياته بما يتجاوز وعيها الاجتماعي في (التفكير والتعبير ) .
فظهرت تردد أفكار المؤلف من دروس ورؤى فلسفية عبر لغة ملتوية ومفردات غريبة أعاقت سير الحوار وترابط أفكاره .. وهذا ما حدث للكاتب (نجيب المانع) حيث ظهرت شخصية (حارث) في بعض مراحلها وشخصية (سليم) نفسها ، التي ظهرت وكأنها تتحدث بلسان (أنيسة ) لولا اختلاف الأسماء(30).
وعلى أية حال ، فانه استطاع مشاركة أقرانه في مهمة توظيف الحوار لمهمات فنية ، تمثلت بتعبيره عن بيئات مختلفة ، فضلاً عن قدرته على تحقيق الذاتي والموضوعي في تبرير حركة الصراع المتنامي بين الأصالة والزيف عبر مناجاة النفس البشرية ، المعتمدة على الإحساس الباطني ، الخاصة بالأشياء وبالإنسان ، وما يمور في أعماقه – ضمن دائرة النزعة الإنسانية الرحيبة في أكثر من موقف ، كما لمسنا ذلك في الجزء المقتطع من الحوار الطويل الدائر بين المدعويين في بيت مجدي فخر الدين (31) .
أخيرًا – ومهما تكن طبيعة الحوار ووظائفه ودلالات لغته – فإن ما يمكن قوله هو أن الرواية الواقعية (الحديثة ) ضمن مرحلة البحث قد وضعت لهذا العنصر مكانة خاصة بين بقية عناصر الرواية ، فقد تأثر – عندهم – وبشكل مباشر وحاد بالهدف المحوري الذي أجمع عليه هؤلاء ، والذي سبقت الإشارة إليه .
فقد كان ذلك ضروريًا للاستدلال به عن وعي الشخصية وتفردها فساهم في تطوير الأحداث وبعث الحيوية في المواقف المتميزة ، بشكل حقق معه تصورًا متكاملاً لظواهر الواقع ، معتمدًا التنوع في الرؤية والشمول في آفاق التفكير ، ذلك أن هذه الأعمال حاولت أن تجسد الأوضاع التي تدينها أو التي تتبناها وتعمل على تطويرها ، من خلال عالم غني متنوع من الشخصيات المتفردة والمواقف المتنوعة (حوارًا ووقائع ) ، عالم ينتظمه تلاحم البنية والرؤية على السواء لصالح الاتجاه الذي تمثله لأسباب أدبية وجمالية .

ايوب صابر 05-13-2012 03:40 PM

للاسف لا يوجد على الشبكة العنكبوتية اي قراءة نقدية منفصلة لهذه الرواية!!!

ماهر كرم 05-13-2012 05:22 PM

الأستاذ الفاضل:
(أيوب صابر).. مذهل أنت في جمعك لهذا الكم الغفير من المعلومات، كم تمنيتُ أن أحظى بها منذ عهد طويل!

تسمرتُ مكاني وأنا أقرأ ما تجوده اناملك من سير وكتابات ولقاءات وحوارات المؤلفين.. فرحتُ أتابع القراءة وقد أوجدت لدي نظرة جديدة حول ما قرأته من روايات.. فجعلتُ اتأمل بعض العبارات ثم اربطها بما علمتهُ منكِ - من خلال ما اتحفتنا من معلومات - فذهلتُ مما وجدت..

وجدتُ أن اغلب الشخصيات الروائية المتضمنة في الرواية ما هي في الحقيقة إلا حالات (حقيقية) مر بها الكاتب على وجه اليقين.. فجسدها في شخصية روائية!

حقاً لقد أتحفتنا.. فلك جزيل الشكر.. وهو جهد عظيم تبذله فبارك الله بخطاك.

وأتمنى أن تمضي بحماسك هذا حتى النهاية - اعني آخر رواية والتي تحمل التسلسل 105.

ولقد لمعت في ذهني فكرة (أحببتُ على عجل أن انقلها إليك، علها تفيدك أنت "شخصيا"، وهي عمل مجلد ضخم يحوي هذا الموضوع "بشكل مرتب، مع استطراد لعض الفقرات" ليكون دليل لمن يقرأ أفضل رواية عربية "عن اتحاد الكتاب العرب" كي ينتقي ما يريد، ويتعرف عن كثب على هؤلاء الكتاب البارعون).

وسأشرح لحضرتك - لاحقا، نظراً لضيق وقتي حالياً - عن خطة للكتاب المقترح..
وكلي يقين بأنه سيجد صدى واسع عن المثقفين ودور النشر وخاصة معارض الكتب العالمية..

تقبل مروري، ودعائي لك بالتوفيق والنجاح

أخوك المحب.

ايوب صابر 05-14-2012 09:04 AM

كم انا سعيد بأن تكون اول مشاركة لك في منابر هنا وفيها ثناء على هذا الجهد. انت ماهر وكريم وممتاز ايضا وتحسن تقدير الامور.
اشكرك جزيلا على مرورك ومداخلتك، واهتمامك بموضوعة الابداع واثر المآسي والالام وعلى رأسها اليتم في صناعة الابداع والعبقرية.
لا شك انني افكر في المجلد الذي تقترحه وخطتي المبدئية له كما يلي :
- تحليل للبيانات الاحصائية حول ابرز العوامل المؤثرة في طفولة كتاب الروايات اصحاب اروع 100 رواية عربية.
- ملخص للحبكة في كل رواية.
- عناصر القوة والتأثير في كل رواية، والتي جعلت منها واحدة من اروع الروايات.
- السيرة الذاتية التفصيلية للروائي مع توضيح وتركيز على العناصر المؤثرة في حياتهم.
لكنني ساكون في انتظار اقتراحكم الكريم حول الموضوع.
شكرا لاهتمامك.

ايوب صابر 05-17-2012 05:34 PM

السرد والذاكرة.. قراءات في الرواية العراقية ج1


جاسم عاصي
20. 8. 2010


خص القاص والروائي والناقد الاستاذ جاسم عاصي موقع شهريار بكتابه السرد والذاكرة، وهنا ننشر المقدمة والقسم الاول منه، وانتظروا الأقسام التالية على مراحل
المحرر


المقدمة


لعل ما شغل السرد عموما ً عبر حقب من الزمن ؛ مساحة ما احتوته الذاكرة الفردية والجمعية من خزين، كان بمثابة المحرّك والدافع من أجل إحداث نوع من الموازنة في وظائف السرد. إذ من الملاحظ انتماء النصوص السردية إلى حقب وأزمنة بعيدة نوعا ً ما. مما جعلها تأخذ دورها في نبش الماضي، والتوقف على أهم أجزائه. وبذلك تحقق مبدأ العلاقة بين السرد والتاريخ، انطلاقا ً من حقيقة ؛ أن السرد يُعيد صياغة الأحداث. فمقولة أن التاريخ يدون مالا تدونه الرواية، وأن الرواية تكتب ما لم يدونه التاريخ، أصبحت من مسّلمات الرأي، حي نلحظ مدى قوة الأواصر التي تربط السرد بالتاريخ، دون الدخول في تفاصيله، مكتفية ـ أي السردية ـ بجدليتها الداخلية القابلة لكشوفات الذات ورؤيتها.
والرواية العراقية حصرا ً كان لها نصيب وافر من إقامة مثل هذه الصلة بالتاريخ، مستلهمة أهم وقائعه، متمثلة محركاته الفكرية والأخلاقية، متوقفة على الأثر والتأثير الناتج من حركة التاريخ وجريان الأحداث. سيّما أن التاريخ العراقي ـ نتيجة تبدل أحداثه السريعة وتأثير عوامل كثيرة على جريانها ـ فقد بدا أكثر قسوة وأشد ثقلا ً وهيمنة جرّاء السياسات المتعاقبة التي حمل وزرها الإنسان العراقي. لذا نرى أن الرواية كانت أكثر موازنة في إقامة مثل هذه العلاقة، حتى وهي تُقيم علاقة مع التاريخ الفردي، مجسدة صراعات الذات مع الواقع. وهذا منطلِق من تاريخ الجزء المكمل لتأريخ الكل .
ولنا في كتابات ( محمود أحمد السيد، غائب طعمة فرمان، فؤاد التكرلي، حسين ياسين، مهدي النجار، ناجح المعموري عبد عون الروضان، مهدي عيسى الصقر، أحمد خلف، عبد الجليل الميّاح، موفق خضر، زهير الجزائري ) وغيرهم، خير أمثلة على ما ذكرنا. وما يعطينا حق القول أن الرواية العراقية بحق ارتبطت بالذاكرة العراقية مؤسسة لنفسها مجالا ً حيويا ً، عبر ذاكرة سردية متوازنة، استطاعت أن تُقدم للواقع الثقافي نماذج مهمة. لعل محاولتنا هذه في قراءة بعض النصوص الروائية خير دليل على مثل هذا الضرب من الكلام. لأننا من خلال هذه القراءات زاوجنا بين الأجيال في خارطة الرواية العراقية. فوجدنا فيها نوع من الاهتمام المشترك في ضروب وحدات النص السردي الروائي. سيّما في الوحدات التالية: الزمان والمكان والشخصية. فهذه الدالات الثلاثة وجدت لها أشكالا ً من الصياغات المهمة، ففي الزمان ارتبط النص بالتاريخ ولم يبتعد عنه وعن أحداثه إلا بما هو مصاغ فنيا ً. كذلك رأينا في المكان مثل هذا. فقد كان معززا ً برؤى صافية، وعكس لمفرداته بما يتناسب مع وعي الشخصيات. بمعنى أن الوحدات الثلاثة المذكورة وردت في النصوص على شكلٍ متوازن ومدروس، ودالٍ على نظرة مرهفة له من قبل الشخصيات.
يضاف إلى هذا ثمة محاولات عكستها بعض النصوص المقروءة في مجال الموروث والاستفادة منه، ليس على حساب مجرى الواقع في النص بقدر ما كان هذا معينا ً معرفيا ً ساهم في توسيع رؤى السارد من خلال غنى النص بتعدد النظرات. وبعض هذه النصوص اجترحت لها منحى في السرد وعرض الشخصية معتمدة على حركة الذاكرة في تأسيس حراك الرواية، مكّنتها من قيادة شخوصها وأزمنتها، متخذة من تأريخ الشخصيات والأحداث، مجالها على أساس استطراد الذاكرة، واسلوب سحب الملفات في ملأ فراغات النص ومن ثم تشييد تأريخ للشخصية، عبر اقتطاع جزء من تأريخه. فيما عمد البعض على أن يدرس الشخصيات ويؤكد على تأثر بعضها على بعض، كذلك وضعها في منطقة التناص مع نماذج في التأريخ، خاصة التأريخ المثيولوجي والملحمي. في ما حاول البعض تُسجيل أحداث وسط بيئة غرائبية كبيئة الأهوار، عاكسا ً تأثيرات السياسية على نماذجه. وثمة إجراءات روائية استنطقت المخيال السردي من أجل وضع ثيمة أساسية للرواية في مجال البحث عن الهوية السردية، مزاوجة بين مفردات التأريخ وتأسيسات المخيال للبحث عن آثار المدن في الواقع عبر البحث في الذاكرة الجمعية عن المكان. ثم أسطرة الواقع من خلال مجموعة تصورات ورؤى معرفية أسهمت في الصياغة وانكسار الرؤى باتجاه ابتكار صورتها الدلالية.
هذه بعض مما توصلت إليه القراءة لهذه الروايات التي أجدها زاخرة بالتنوع والمعرفة بالأشياء والظواهر المعالَجة في النصوص، أو تلك التي توسِّع دائرة النظر وبلورتها في وجهة النظر الذاتية.
لقد تحكمت في هذه القراءات مجموعة مناهج في القراءة، وجدتها تحذو حذو ما هو مناسب لإيجاد مقاربة بين القراءة والنص، بين ثرائه وقدرة القراءة على الكشف، معتبرا ً أن ما وطئته القراءة ترك مجالا ً آخر لقراءات مختلفة ومتعددة. وأعتقد أن هذا مردّه لثراء النصوص وقابليتها لاستقبال القراءات المتعددة .

ايوب صابر 05-17-2012 05:36 PM

بيان الكتب:الدكتور نجم عبدالله كاظم استاذ الادب المقارن في جامعة الحسين بن طلال في الاردن باحث جاد له بحوثه المتعددة في هذا اللون من الادب بدءا بالرواية العراقية وتأثيرات الرواية الامريكية عليها عام 1985 وانتهاء بكتابه التطبيقي الجديد الذي اصدره نهاية عام 2001 بعنوان (في الادب المقارن ـ مقدمات للتطبيق).
واذا كان نقاد كتاب الادب المقارن يختلفون حتى الآن حول مفهومه وطبيعته وميادينه وحدوده رغم نشأته كفرع من الاداب النقدية في العقود الثلاثة الاولى من القرن التاسع عشر فان الدارس ينبغي له ان يلم بهذه الاختلافات التي نشأت عنها مدارس الادب المقارن المستندة الى تعريفاته الاساسية ففان تيغم يقول بدراسة التأثيرات والتأثرات وهو يتناول النتائج التي ينتهي اليها تاريخ الادب القومي ويضمها الى النتائج التي انتهى اليها مؤرخو الاداب الاخرى ليضمها الى بعضها ضمن تاريخ ادبي اشمل. اما غويار فيعرف الادب المقارن بانه تاريخ العلائق الادبية الدولية بما يعني ان العلاقة يمكن ان تكون بين اكثر من ادبين قوميين وهذا ما يراه شيلبي الذي يعرفه بانه دراسة العلاقات المتبادلة بين اداب شعوب واخرى وهو امر دفع الناقد عبدالجبار داود البصري الى اعتبار الادب المقارن عملية بحث في العلاقات الدولية ادبيا وبذلك فهو ليس ادبا بل بحثا في تاريخ الادب وقد جاء ذلك في كتابه (خرافات ادبية) 2001، لكن الناقد الكبير د. محمد غنيمي هلال يعرفه بانه يدرس مواطن التلاقي والصلات ومالها من تأثير وتأثر.
وفي رأي مؤلف (في الادب المقارن) اننا ينبغي ان نحتوي كل هذه الرؤى ونحن نكتب في الادب المقارن لكن هذه العناية لم تقده الى تقديم دراسات تطبيقية شاملة الا في بعض فصول الكتاب بل هي مقدمات للتطبيق تسعى لفتح ابواب الدراسة التطبيقية للآخرين.
لقد سعى المؤلف في موضوعه الاول مقدمة في التأثير العربي في الادب الاسباني الحديث ـ خوان غويتسلو نموذجا، الى دفع الدارسين الى الالتفات اكثر الى العلاقات والصلات ما بين العربية وادابها من جهة والادب الاسباني الحديث في وقت انصبت فيه دراسات النقاد العرب والاسبان في دراسة التأثيرات الاولى القديمة مما صار مكرورا وكلاسيكيا ومعروفا تماما.
أما دراسته التالية التي يسميها مقدمة فقد جاءت تحت عنوان (كافكا في الرواية العربية مقدمة في تأثيراته) ورغم ان المؤلف لايقف عند المؤلفات العربية التي تناولت هوية كافكا وتأثيراتها على اتجاهات ادبه مثل دراسة بديعة امين المهمة التي صدرت تحت عنوان (هل ينبغي احراق كافكا؟) ذلك ان اعمال كافكا «متعددة الرؤى والمضامين والمعاني والايحاءات» كما يقول د. كاظم ولكن يبقى ممكنا ان نجد في أدبه موضوعات تعد انعكاسات لشخصية صاحبها ونفسيته وتداخلاتها وقد درس الكاتب أعمال كافكا الأساسية مثل «القصر» و«القضية» و«أمريكا» و«المسخ» وبعض قصصه القصيرة ليجد فيها ما قاله روجيه جارودي ان كافكا نجح في خلق عالم اسطوري لا ينفصل عن عالمنا وانه «خلق هذا العالم بمواد عالمنا هذا مع اعادة ترتيبها وفقا لقوانين اخرى تماما كما فعل الرسامون التكعيبيون في الفترة نفسها» وبذلك فهو العالم منظورا اليه بشكل منحرف قليلا كأنما ينظر المرء اليه من بين ساقيه أو يقف على رأسه أو ينظر اليه في مرآة مشوهة.
إن الضغوط والمؤثرات المختلفة التي أحاطت ببطل كافكا جعلت منه الفرد الخائف والمغترب المستلب الذي ينتابه الشعور دوما بأنه يعيش عالما معاديا له ومطاردا من قبل قوى اخرى نراها وتخطر أمامنا كل يوم ولكننا لا نرى أفعالها كما هي في أعمال كافكا، وإذ يشير الدارس الى تأثيرات ما بعد الحرب الأولى على التيارات الفكرية والادبية وبروز الوجودية كفلسفة اختيار للانسان يجد في كافكا ـ ربما ـ اعظم الكتاب الوجوديين، واذا كانت الوجودية ترتكز على الحرية والمسئولية والالتزام كأعمدة فكرية فان من الطبيعي ان يشعر الفرد المحاصر عبر حياته القلقة بالقلق ذاته والهجران واليأس وهي مفاهيم تمظهرت دراميا في أعمال كافكا التي وصلت الى العالم العربي ثمرة جهود فردية لمترجم مثل منير بعلبكي ونقاد مثل سهيل ادريس ونهاد التكرلي، وقد ظهر تأثير أعمال كافكا في ادب القصة العربية المعاصرة ـ كما يقول الدارس ـ في أعمال غادة السمان وزكريا تامر وجورج سالم ووليد اخلاصي وياسين رفاعية وجليل القيسي وجمعة اللامي وعبدالرحمن الربيعي وسواهم وهو يشير الى تأثيرات ادب الوجوديين الآخرين مثل البير كامو وسارتر وبيكيت وتأثيراتها على الاعمال الروائية لجبرا ابراهيم جبرا وسهيل ادريس وليلى بعلبكي وجورج سالم وصدقي اسماعيل ويوسف الصائغ ومحيي الدين زنكنة وهاني الراهب، لكن الذي يبدو غريبا ألا يشير د. كاظم الى تأثيرات الوجودية عامة على ادب فؤاد التكرلي القصصي وهو امر درسناه في كتابنا «رحلة مع القصة الواقعية» الصادر عام 1980 في فصل خاص تحت عنوان «تأثير الوجودية على القصة الواقعية القصيرة».
إن الدارس الشامل لأدب كافكا وتأثيره على الأدب القصصي العربي يجد في رواية (خاتم الرمل) للتكرلي فؤاد بنية شديدة التأثر بالأدب الوجودي عموما والكافكوي منه بوجه خاص كما ان رواية خسرو الجاف (الكلب) تحمل مضامينها الوجودية المعاصرة وكذلك (مجنون الأمل) لعبداللطيف اللعبي و(الاغتيال والغضب) لموفق خضر وقل ذلك عن روايات عربية كثيرة لكن الدارس اختار نماذج محددة ليطبق عليها برهافة حس وعلمية ونحسب انه لو ادار بحثا متكاملا عن تأثيرات الوجودية على الادب الروائي العربي لنتج عنه عمل مثمر وكبير نتمنى ان يتصدى له الدارس ذاته أو غيره.
مقدمة الدارس الثالثة كانت تحت عنوان «القصة القصيرة جدا من ساروت الى الادب العربي والبحث عن نوع أدبي جديد» يتناول في بدايته مصطلح القصة القصيرة جدا short short story و(اختلافه) عن مصطلح القصة القصيرة short story حيث يعرف جوزيف شيلبي القصة story بمعنى «عرض لصراع يشتمل على قوتين متعارضتين في حالة نزاع وغاية».
واذا كان هذا التعريف ـ في مفهومنا ـ مبهماً تماماً ، فإن القصة القصيرة ـ تكون ابرامز في كتابه M. H. Abrams: Aglossaryof liteary terms - pi 76 والذي اعتمد عليه د. كاظم هو «قصة تتسم بالقصر بما يعني اختلافها عن الرواية ـ Novel في البعد الذي اسماه ارسطو الحجم، وان كان القصر ليس عاملاً اساسياً في تحديد هذا المصطلح اذ ان مجدي وهبة في معجمه يقول ان «القصة القصيرة ليست مجرد قصة تقع في صفحات قلائل بل هي لون من الوان الادب الجديد له خصائص ومميزات شكلية معينة منها القصر وتناولها حدثاً او جزءا من حدث والتركيز والتكثيف» وهذا التعريف اقرب الى الرضا والوضوح ولكنه لا يستجيب لمصطلح القصة القصيرة جداً الذي اطلقه ارنست همنجواي اول مرة على احدى قصصه عام 1925 ولم يكن القاص العربي يوسف الشاروني قد فهم مدى اهمية ما يفعل عندما اطلق على بعض قصصه تعبير «قصص في دقائق» بمعنى ان قصصه هذه اكثر قصراً من القصص القصيرة الاعتيادية وبالتالي فهي لا تحتاج الا لذلك الوقت القصير لقراءتها وهو ذات ما ذهبنا اليه في بحثنا المنشور في مجلة الافلام ـ والذي اعتمد عليه د. كاظم ـ بعنوان (القصة الواقعية القصيرة جداً.. عن المصطلح والصورة التاريخية) في مجلة الافلام ـ بغداد ـ العدد 10/11/1988 حيث ذهبنا الى ان اول قاص عربي اطلق مصطلح القصة القصيرة جداً على بعض قصصه هو المحامي العراقي نوئيل رسام عام 1928 ـ 1932 دون ان يقرأ ساروت التي اشتهرت بهذا اللون ولم نجد باحثاً واحداً حتى الان يثبت عكس الذي ذهبنا اليه وان كان الكثير منهم لا يشير الى هذه الحقيقة.
المهم ان الباحث يقف عند كتابات ساروت التي ظهرت عام 1938 في كتاب ترجم الى العربية سنة 1971 تحت عنوان (انفعالات) Tropisms لفتحي العشري الذي اضاف اليها عنواناً ثانوياً هو (قصص قصيرة جداً) و(انفعالات) كلمة لا توجد لها ترجمة في غير اللغات اللاتينية ولا يوجد لها تفسير في اي من هذه اللغات وبالتالي فإن الناقد ازاء هذه المجموعة التي كتبتها ساروت يكتشف صوراً قد تبدو مقتطعة من مجرى حياة ما وحياة مجموعة بشرية غالباً، ليس لها بدايات بل انك تحس وانت تقرأ اول كلمة او جملة فيها انك قد بدأتها قبل ذلك، واذ لا تمتلك الواحدة منها بداية فانها لاتنتهي ايضاً مع اخر كلمة منها.. بمعنى انها تفتقد اي صراع او حبكة او تطور درامي وبذلك فهي تنفصل عموماً عن (القصة) كما نعرفها اصطلاحاً ونماذج.
ان اوضح مميزات القصة القصيرة جداً هي القصر الشديد اذ ان عموم الجيد منها يتراوح بين 002 ـ 500 كلمة ثم التكثيف حيث تعوض الكلمة عن جملة والجملة عن عبارة دون اخلال ثم محدودية الصراع وبهذا المعنى تشتمل القصة القصيرة على شخصية او اثنتين وتكون النهاية متفجرة ذات ضربة فعلية ـ في رأينا.
واذ يطرح الكاتب في نهاية هذا الفصل سؤاله المهم «هل هناك نوع ادبي اسمه القصة القصيرة جداً؟ يقول ما يطابق رأينا الذي ذكره بموضوعية وهو «ان القصة القصيرة جداً ليست جسداً مفصولاً عن فن القصة القصيرة ولكنها تراعي التكثيف والجو الخاص وضربة النهاية وتراعي التركيز والاقتصاد بالكلمات» فيما رأى ان ميزات التكثيف والقصر والصراع المحدود تتخذ سمات خاصة بها لكنها لا تفرقها عن فن القصة القصيرة بعامة.
عبدالخالق الركابي وماركيز وآخرون.. وقفة عند العلاقات الادبية والتأثير والتأثر، حيث يبرر الكاتب حديثه عن الركابي باعتباره قد احتل مكانة متميزة في الأدب الروائي العربي وان تجربته الروائية قد استخفت ان تدخل مختبرات النقاد «وذلك بما اشتملت عليه من تدرج فني متصاعد بثبات» وقناعة د. كاظم بالمقدرة المتنامية التي يمتلكها الركابي في الخلق والابداع، أما المبرر المباشر لدراسة تأثيرات ماركيز وآخرين على الركابي فهو الضجة النقدية التي أثارها القاص جهاد مجيد والناقد عباس ثابت حمدو حول اقتباس الركابي من اجواء وشخصيات ماركيز وهو أمر رد عليه ياسين النصير وباسم حمودي في الصحافة المحلية وبينا (في شهر اكتوبر 1988) الفرق بين التأثير والتأثر والاقتباس رغم ان مصطلح التناص مصطلح مفتوح الابواب يبرر للكاتب هضم التجارب السابقة واعادة تمثيلها بلغة الكاتب الجديد الخاصة.
ويقيم د. كاظم دراساته ومقارناته على أساس رواية «الراووق» المعتمدة على مخطوطة لعشيرة البواشق ويدرس المرحلة التاريخية التي يحاكيها. ويدرس الباحث في فصل تال الرواية العراقية دراسة مقارنة فيشير الى اهتمام القاص والروائي بما يقرأ في الآداب الاخرى وسبق اللبنانيين والمصريين العرب الآخرين بالتعرف على فن القصة الحديثة والاهتمام به طارحا صورة تاريخية لتأثر الروائي العراقي بفن الرواية الاوروبية وهذه مسألة طرحتها دراسات متعددة لكن جديد الدارس انه يوثق لآراء الروائيين في تأثيرات الكتابة الروائية الغربية عليهم حيث يعتبر غائب فرمان مكسيم جوركي معلمه الأول بعد نجيب محفوظ، ويعلن تأثره بكولدويل وشتاينبك دون ان يستطيع هضم تجربة فيرجينيا وولف وبروست فيما يؤكد فؤاد التكرلي انه قرأ الرواية الغربية بالعربية والفرنسية مثل فوكنر وهمنجواي ومارك توين وكولدويل ودستوفيسكي وسيمون دي بوفوار في وقت كان فيه جبرا قارئا في سنوات مبكرة من حياته للرواية الاوروبية الحديثة وإذا كان عبدالرحمن الربيعي وعبدالرزاق المطلبي ومحيي الدين زنكنة قد قرأوا الرواية الغربية باللغة العربية، فإن هؤلاء الكتاب جميعا ومعهم موفق خضر وموسى كريدي قد مظهروا ذلك التأثير في أعمالهم الروائية المتعددة وهو أمر يخصص له المؤلف دراسة تطبيقية واضحة المعالم في فصل تال تحت عنوان «الركابي حلماً روائياً» حيث يجد الباحث نوعا من التأثير من قبل أوران ملكيادس لدى ماركيز على مخطوطة الراووق ثم «يمتد الالتقاء بين روايات الركابي ورواية ماركيز ليصل الى السعي لربط الوطن بالعالم» وهو امر تشارك به معهما قيم روائية أخرى لدى دوس باسوس ونجيب محفوظ وغائب فرمان وهوثورون وغيرهم.
ويقدم الكاتب في الفصل الأخير دراسة تطبيقية في الأدب المقارن (بين الصخب والعنف والرجع البعيد) مقرا بداية ان بناء (الرجع البعيد) وتقنيتها يختلفان عن (الصخب والعنف) لكن التكرلي اختار عائلة بغدادية وقسم روايته الى فصول يرويها افراد العائلة بصيغة المتكلم او الغائب في وقت قسم فيه فوكنر روايته الى اربعة اقسام وزع ثلاثة منها على عائلة كومون معتمدا صيغة ضمير المتكلم بينما تولى هو الفصل الاخير، ويجد الدارس ان الاحساس بالزمن كان واضحا في العملين واستخدام التداعي الحر والحوار الداخلي واحساس (مدحت) احد ابطال (الرجع) بالعزلة عن المجتمع بشكل متشابه وشخصية (كوينتس) رغم ان فؤاد التكرلي ينوع في (مدحت) على بطله السابق في روايته المبكرة (الوجه الآخر) كانسان صاحب موقف وجودي من الحياة، كما انه يشير الى تكرار رحلة كوينتس في رحلة مدحت وهو امر لا يستدعي التأكيد على الاقتباس او التأثير ففؤاد التكرلي قد بنى تجربته الضخمة على احداث وشخوص مختلفة ولكن دراسة الناقد د. كاظم ترى في تجربته بعض ظلال الصخب والعنف وهو امر لا نقره تماما لاختلاف التجربتين.

ايوب صابر 05-17-2012 06:44 PM

لم اعثر وللاسف على السيرة الذاتية لهذا الكاتب الفذ. يرجى ممن يعثر عليها ادراجها هنا للمنفعة العامة.

مجهول الطفولة

ايوب صابر 05-17-2012 06:52 PM

78- الدوامة قمر كيلاني سوريا

رواية الدوامة:
يأتي الإنذار باشتعال الحرب في رواية "الدوامة" للكاتبة قمر كيلاني عبر حلم تراه السيدة هنية، وتعبّر عنه ابنتها في لوحة رسمتها تمثل دوامة وامرأة بلا رأس تطوف وتطوف في دوائر، ومن ثم تشعل النار في المنزل وترحل بعد سقوط القنيطرة (المدينة الحدودية السورية).
اعتمدت االكاتبة لطريقة غير المباشرة في تقديم شخصيتي سامية وليلى. وهذه الإشارة تتضح على نحو أكثر جلاء إذا لاحظنا أن الراوي هو مصدر المعلومات المقدَّمة صراحةً عن سامية، وأن شخصيات (سميرة وهدى والأم) هي مصدر المعلومات المقدَّمة صراحةً أيضاً عن ليلى. وعلى الرغم من أن مصدر المعلومات عن الشخصيتين مختلف، فإن اختلافه يلائم وضع الشخصية داخل الرواية. فسامية تشعر بالخواء الداخلي، وليلى تشعر بالخواء الخارجي، ولا سبيل إلى تقديم المعلومات عن مظهر سامية ونفسيتها غير الراوي الذي يبتعد عن الشخصية ويرصدها ويسعى إلى التقاط جزئياتها. أما الخواء الخارجي الذي تشعر ليلى به فلا بدَّ من أن يتضح من خلال حوار الشخصيات، فهذا الحوار هو فرصة الشخصيات الأخرى لتقديم آرائها في ليلى. ومن المعروف أن اللجوء إلى الراوي لتقديم الشخصيات تأكيد للموقف الجمالي الذي رسّخته التقاليد الروائية الغربية والعربية. وقد استثمرت قمر كيلاني موقف الراوي في رواية (الدوامة)، وفسحت له المكان ليُقدِّم المعلومات التي ذكرناها عن شخصية سامية. ولكنها - في رواية الأشباح - خرقت هذا الموقف الجمالي، ولجأت إلى بناء الشخصيات كلها بوساطة الحوار، وكادت تقضي على الراوي الذي أفادت من معرفته الكلية وعينه الراصدة وكونه وسيطاً بينها وبين القارىء في رواية الدوامة. ويمكنني القول هنا إن مصدري المعلومات عن سامية وليلى (الراوي والشخصيات الأخرى)، وهما مصدران غير مباشرين، لجأا إلى مقياس نوعي يفيد من المعلومات المقدَّمة عن الشخصية بوساطة المقياس الكمي، ثم يروح يحرص على توضيح نوعية تقديم هذه المعلومات. ولعلنا قادرون على معرفة نوعية هذا التقديم من خلال مبدأي التّدرُّج والتّحوُّل. المراد بمبدأ التدرُّج الانتقال من العام إلى الخاص، أي أن الشخصية تبدو عامة أول الأمر ثم تتضح رويداً رويداً في السياق. وكلما زادت المعلومات عنها وعن علاقاتها بالشخصيات الأخرى زاد وضوحها. ولعل هذا المبدأ يساير الإدراك الإنساني حسب نظرية الجشتالت المعروفة. والمهم بالنسبة إلينا عمومية هذا المبدأ وقدرته على التّحكُّم في بناء الشخصية الروائية ودلالتها.

ايوب صابر 05-17-2012 10:09 PM

قمر كيلاني
أديبة سورية رائدة من مواليد دمشق عام 1932. تخرجت من جامعة دمشق -كلية الآداب- في الخمسينات. وحصلت على شهادات في التربية (دبلوم)، وفي التعليم للمرحلة الثانوية ودور المعلمين(المعهد العالي).
عملت في التدريس في دور المعلمين والمعلمات إلى جانب الكتابة، ثم في اللجنة الوطنية لليونسكو. ومنذ عام 1976 متفرّغة للأدب وعضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب وحالياً رئيسة تحرير مجلة الآداب الأجنبية الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب.

التعليم
-أطروحة دكتوراه لم تناقش
العمل
  • 1954 ـ 1975 تدريس اللغة العربية وآدابها وأصول التدريس في المعاهد العليا لإعداد المدرسين ودور المعلمين.
1975 ـ 1980 عضو المكتب التنفيذي لاتحـاد الكتّاب العرب ـ مسؤولة النشاط الثقافي. 1980 ـ 1985 عضو اللجنة الوطنية لليونسكو ـ مسؤولة شؤون منظمة التربية والثقافة والعلوم (الاليكسو). 1985 ـ 2000 عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتّاب العرب ـ مسؤولة العلاقات الخارجية ـ مسؤولة عن نشاط الجمعيات الأدبية وفروع الاتحاد ـ رئيسة تحرير مجلة الآداب الأجنبية الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب.
[عدل] لجان ومنظمات

1967 ـ 1971 رئيسة لجنة الإعلام في الاتحاد العام النسائي
  • عضو لجنة التضامن الآفرو آسيوي
  • عضو لجنة الدفاع عن الوطن وحماية الثورة
  • عضو اللجنة العليا لدعم العمل الفدائي
  • عضو اللجنة المركزية لمحو الأمية
  • منذ عام 1967 عضو مؤسس لاتحاد الصحفيين السوريين
  • عضو مؤسس لاتحاد الكتّاب العرب
[عدل] الترجمـت

ترجمت بعض أعمالها الأدبية إلى الروسية ـ الفرنسية ـ الإنكليزية ـ الفارسية ـ الهولندية.
مقالات في الصحف والمجلات:
  • مئات المقالات في الصحف والمجلات والدوريات المحلية والعربية منذ عام 1955.
  • مقال أسبوعي في إحدى الصحف الرسمية في سوريا منذ عام 1963.
[عدل] الأبحاث
  • عشرات الأبحاث في التراث وفي النقد، وفي موضوعات المرأة والمجتمع، وفي مناسبات تكريم أدباء معاصرين أو في رثائهم بتقويم لأعمالهم.
  • تم إعداد عدد من رسائل الدكتوراه والماجستير والدبلوم حول مؤلفاتها، واعتمد بعض من هذه المؤلفات للتدريس في جامعة (ايكس لو بروفانس) في فرنسا، وفي جامعات أخرى عربية وأجنبية
  • شاركت في العديد من الندوات والمؤتمرات العربية والدولية.
  • أدرج اسمها في عدد كبير من الموسوعات العالمية والعربية، وموسوعة أعلام القرن العشرين.
[عدل] مؤلفاتها
  1. التصوف الإسلامي- دراسة- بيروت - دار شعر -1962
  2. أيام مغربية- رواية- بيروت - دار الكاتب العربي-1965
  3. عالم بلا حدود- قصص- بغداد- وزارة الإعلام- 1972
  4. بستان الكرز- رواية- دمشق - اتحاد الكتاب العرب-1977
  5. الصيادون ولعبة الموت- قصص- دمشق - اتحاد الكتاب العرب-1978
  6. الهودج- رواية- دمشق - اتحاد الكتاب العرب-1979
  7. حب وحرب- رواية- الإدارة السياسية- سوريا-1982
  8. امرأة من خزف- قصص- دار الأنوار- سوريا-1980
  9. اعترافات امرأة صغيرة- قصص- وزارة الثقافة - سوريا-1980
  10. طائر النار- رواية- اتحاد الكتاب العرب-1981
  11. الأشباح- رواية- المنشأة الشعبية للنشر- ليبيا-1981
  12. الدوامة- رواية- وزارة الثقافة- سوريا-1981.
  13. المحطة- قصص- اتحاد الكتاب العرب- 1987.
  14. حلم على جدران السجون (مجموعة قصصية)-
  15. الدار العربية للكتاب- تونس- 1985
  16. أوراق مسافرة- دار الجليل- سوريا- 1987
  17. أسامة بن منقذ (دراسة)- دار النوري- سوريا- 1985
  18. امروء القيس (دراسة)- دار طلاس- سوريا- 1986

ايوب صابر 05-17-2012 10:27 PM


الأديبة السورية قمر كيلاني

مقدمة

ما إن ينحني قوس قزح في السّماء، حتى تنجذب إليه العيون، تدلّ عليه الأصابع، تشدّ انتباه مَن لم ينتبه، فتمتلىء الأرواح، بالامتنان لهذا الجمال المباغت وتلك النّعمة الملوّنة التي تنبىء الأرض بالصّحو والتّجديد.

كذلك باغت اسم قمر كيلاني أساتذة المدرسة، فأغدقا على كتاباتها عبارات الثّناء، وتسابقت الفتيات على استعارة دفاترها للاستفادة من أفكارها في مواضيع التعبير، كل هذا وهي ماتزال في الحادية عشرة من عمرها، حيث بدأت بكتابة مذكراتها.

في دمشق ولدت قمر كيلاني عام 1928، في أسرة إقطاعية، ليس للعلم مكانة هامّة بين بناتها، لكن الاحترام والثقة العائلية، دفعا الكاتبة لتشقّ طريقها بثبات وعزم، في مجتمع لا يتقبّل لا الصحافة ولا الأدب ولا حتى فكرة تحرّر المرأة، ولكن دأب هذه الطفلة المجتهدة على القراءة، جعل الجميع يعترف بها، أو على الأقل يقف موقف الحياد من طموحها، راصدين كل خطوة من خطواتها، كظاهرة تحرريّة متقدّمة، سابقة لعصرها.

تأثّرت قمر كيلاني بكتب جبران خليل جبران، إيليا أبو ماضي، المنفلوطي، والقصص المترجمة عن الفرنسية، إضافة إلى الكتب الفلسفية
لشاكر مصطفى.

كتبت في صف الشهادة الثانوية أول قصة، ونشرتها في مجلة لبنانية بعنوان « شبح أم »، ونالت قصة « دمية العيد » جائزة أفضل قصة قصيرة في مسابقة أقامتها هيئة الإذاعة البريطانية bbc.

مثل حصان جامح عصيّ عن الخضوع، جمح قلم قمر كيلاني في سنين الجامعة، قافزاً فوق وديان التّقاليد، يصهل بحريّة المرأة، والحضّ على تعليم يؤهّلها استقلال قطار الحياة بجدارة. حصان تفجّر تحت وقع سنابكه، بركان من رؤى وأفكار، سالت حممه على صفحات المجلة الجامعيّة لطلاّب كليّة الآداب التي انتسَبَتْ إليها في قسم اللغة العربيّة، تحت اسم مستعار
( رائدة النبع ) إلا أن اسماً آخر أطلقه البعض على قلمها والتصق بريشته وهو ( المتمرّدة الذهبية )، وبعد فترة قصيرة لم يعد خافياً على أحد أن المتمرّدة الذهبية هذه هي رائدة النبع.

بين التدريس والأدب

بعد أن تفتّح برعم كتابتها، ناشراً عطره في كلّ مكان، قال لها الدّكتور أمجد طرابلسي في المعهد العالي للمعلمين : « نحن لا نريد أدباء ولكننا نريد مدرسين للغة العربية »، وكأنّه لم يدرك أن هذا الحصان الجامع، قادر على القفز لمسافات بعيدة، فوق حقليْ التّعليم والكتابة بآن معاً. فما كان من الكاتبة إلا إهداء أستاذها أوراقاً بعنوان : « أوراق من دفتر التدريس » نُشِرت مسلسلة في مجلة « صوت المعلمين »، تقول في إهدائها : « إلى أستاذي وصديقي فيما بعد الذي قال لي نحن لا نريد أدباء بل مدرسين ».

درست قمر كيلاني التّصوف، واستغرقت في اتّجاهه الفكري، الفلسفي الدّيني، وابن عربي، وابن الفارض، وعبد القادر الجيلاني، لتجد نفسها تحلّق في عوالم شيّقة، رائعة، لا نهائيّة، متمنّية لو درست عوضاً عن اللّغة العربيّة، الفلسفة وعلم النّفس. فما كان منها إلا خوض غمارهما لتحصل على شهادة في علم النّفس والتّربية.

حصاد كثير وعمّال قليلون

التوق إلى الكتابة كان عظيماً، ولكن ليس هناك من دور نشر، ولا اتحاد كتّاب، ولا وزارة للثقافة، ولا أي مؤسسة تحمل هذا الحصاد، وتتبنّاه. لم تجد الكاتبة بدّاً من السفر إلى بيروت عاصمة الثقافة، لتبحث عن مجلات أسبوعية وشهرية، لنشر مقالاتها، وبالبحث عن دور للنشر تتبنى إنتاجها. ولم يتحقق هذا إلا في بداية الستينات عندما طبعت أول كتاب في التصوف الإسلامي، ومن بعده عام 1965 روايتها الأولى ( أيام مغربية ) التي كانت تحبو بين يديها مثل طفلة يتيمة.

في مجتمع محافظ ومتزمّت، عانت قمر كيلاني من الإفصاح عن اسمها كأديبة وكاتبة، إلى أن قامت ثورة آذار وبدأ الانفتاح فعلياً، ونشرت الأعداد الأولى من جريدة البعث، قصصاً للكاتبة قمر كيلاني، ومقالات، بعد تجربة مريرة من أيام الانفصال في 28 أيلول 1961، حيث أنشأت مع نخبة من الكتاب والمثقفين والنقاد مجلة اسمها « ليلى »، بإخراج مختلف وبتكاليف معقولة، دون أن تتقاضى ثمناً لأي كلمة فيها.‏

في هذه الأثناء، لمعت أسماء كتاب كثيرين على الساحة الأدبية، من بينهم قمر كيلاني، محي الدين صبحي، محمد الماغوط، وكثيرين غيرهم، وأصبحوا مراسلين لمجلات شهيرة أدبية أو ثقافية في الخليج وفي لبنان.‏ وظلت رغبتها الأولى في أن تكون في موكب الملكة الصغيرة أو القصة القصيرة التي نشرت أعداداً منها كثيرة في الوطن العربي كله، وترجم بعضها إلى لغات أجنبية. بالإضافة إلى الإذاعات العالمية أو العربية التي كانت تحتفي بالقصة القصيرة وتذيعها في برامجها الثقافية.

وبسبب تعذّر نشر الرواية، استعاضت الكاتبة عنها، بالمسلسلات الإذاعية وخاصة في هيئة الإذاعة البريطانية، وبعض من هذه المسلسلات شكلت منه فيما بعد روايات مثل رواية « الأشباح ».

أدرج بعض إنتاجها في مناهج الجامعات كنماذج عن الأدب العربي الحديث، ودخل اسمها في موسوعات عالمية بين أعلام القرن.

نشرت فصول روايتها عن دمشق والحياة الاجتماعية والسياسية فيها من الثلاثينات إلى الخمسينات من القرن الماضي في الموقف الأدبي، وفي مجلات إسبانية تهتم بنشر نماذج من إنتاج أدباء عرب ودمشقيين خاصة لما لهم من صلة حضارية بالأندلس.

في زمن عُدّ فيه خروج المرأة للعمل، ضرباً من الغرابة، وأمراً مستهجناً، كانت قمر كيلاني المرأة الوحيدة التي تعمل في عدّة مكاتب تنفيذية، لاتحاد الكتّاب العرب، ومشاركات صحفية، أو في لجان عليا حتى على المستوى القومي، وبين عامي 1954 - 1975 ساهمت قمر كيلاني في تدريس اللغة العربية وآدابها، وأصول التدريـــس في المعاهد العليا لإعداد المدرسين ودور المعلمين، وانخرطت في النشاطات الثقافية، فكانت بين 1975 - 1980 عضو المكتب التنفيذي لاتحـاد الكتّاب العرب، مسؤولة النشاط الثقافي. وعلى الصعيد الاجتماعي فقد عملت الكاتبة قمر كيلاني، بين عامي 1980 - 1985 كعضو للّجنة الوطنية لليونسكو، ومسؤولة شؤون منظمة التربية والثقافة والعلوم ( الإليكسو ). وفي عام 1985 - 2000 أصبحت عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتّاب العرب، مسؤولة العلاقات الخارجية، ومسؤولة عن نشاط الجمعيات الأدبية وفروع الاتحاد، ورئيسة تحرير مجلة
« الآداب الأجنبية » الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب.

لجان ومنظمات

1967 - 1971 : رئيسة لجنة الإعلام في الاتحاد العام النسـائي.
- عضو لجنة التضامن الآفرو آســــيوي.
- عضو لجنة الدفاع عن الوطن وحماية الثورة.
- عضو اللجنة العليا لدعم العمل الفدائي.
- عضو اللجنة المركزية لمحو الأميـة.
- منذ عام 1967 عضو مؤسس لاتحاد الصحفيين السوريين.
- عضو مؤسس لاتحاد الكتّاب العـرب.

الترجمــات

ترجمت بعض أعمالها الأدبية إلى الروسية - الفرنسية - الإنكليزية
الفارسية - الهولندية.

الأبحاث

- عشرات الأبحاث في التراث وفي النقد، وفي موضوعات المرأة والمجتمع، لا سيما صورة المرأة الأم التي بالكاد ترد في « ألف ليلة وليلة »، حيث تقول الكاتبة: « إنّ صورة المرأة الأم قليلاً ما ترد في ألف ليلة وليلة، كأنّ النساء فيه مقطوعات عن أمّهاتهن، ولعلّ السّبب قي ذلك أنّ أكثرهنّ من الجواري أمّا أم الرجل ( أو الحماة ) فهي إن برزت فمن أجل تنكيد العيش على زوجة ابنها أو جاريته أو من يحبها ».

- تم إعداد عدد من رسائل الدكتوراه والماجستير والدبلوم حول مؤلفاتها، واعتمد بعض من هذه المؤلفات للتدريس في جامعة ايكس لو بروفانس
في فرنسا، وفي جامعات أخرى عربية وأجنبية.

- شاركت في العديد من الندوات والمؤتمرات العربية والدولية.

- أدرج اسمها في عدد كبير من الموسوعات العالمية والعربية، وموسوعة أعلام القرن العشرين.







موقف الأديبة من القضايا المصيرية

القضية الفلسطينية

تبنّى الشاعر أدونيس أول كتاب للكاتبة قمر كيلاني في بيروت، محطة استراحة المثقفين، وتولى إصداره عام 1962. كذلك أصدرت دار الكتاب العربي 1965 أول رواية للكاتبة ( أيام مغربية ).

بين عامي 1964-1965 أعلن النضال الفلسطيني لمنظمة التحرير، فكتبت عدداً من القصص حول القضية الفلسطينية مثل « قبلة على أرض غريبة »، و« ناتالي وأشجار البرتقال »، إضافة إلى المحاضرات والندوات حول الكفاح الفلسطيني، وكان لها زاوية أسبوعية في جريدة مغربية ( العلم ) تتكلم فيها أيضاً عن أوضاع المرأة في المجتمع المغربي.

في عام 1965 كتبت في صحيفة مغربية بعنوان عريض : « الحل في يد الشعب الفلسطيني »، « اللعبة الخطرة »، التي استوحتها من حادثة جرت في القدس، إذ تآمر الأطفال على الجنود الإسرائيليين الذين يعتقلون بعض الفلسطينيين بأن رموا مياه الصابون في طريقهم كما أطلقوا أصواتاً غريبة لإفزاعهم كما يعتقد الصغار، وكأنها تنبىء بأن الإسرائيليين لو بدؤوا يلعبون مع هؤلاء الأطفال فإنها ستكون لعبة خطرة تؤدي إلى رميهم بالحجارة ومقاومتهم، كما حدث في الانتفاضتين.‏

كانت الكاتبة تفرح بكتابة قصة كما لو أنجبت طفلاً، فتهرع بها إلى زملائها الذين يشجعونها على المضي قدماً، لتطير بها إلى بيروت نحو المجلات اللبنانية. فقد ساعدت نفسها بنفسها، وبنت كوخ كلماتها، في عالم الأدب لبنة لبنة من خلال معاناة طويلة جداً، دون أن تهتم بالنقاد، على الرغم من صداقتها لهم، وفصلها بين علاقتها الأدبية بهم وبين آرائهم النقدية.

نكسة حزيران

عبّرَت الكاتبة قمر كيلاني عن النساء اللواتي خرجن من العزلة، والواجبات الأسرية، إلى القيام بمهام وطنية في روايتها « الدوامة »، والتي اعتبرت من بين أفضل مئة رواية عربية، وكان المحرّض لها نكسة حزيران، وظهور العمل الفدائي واحتدام معركة الكرامة، حيث بدأت إسرائيل بالتمدد في الوطن العربي كالأخطبوط، تقتطع الجولان، تسطو على سيناء، وتصادر الضفة الغربية وغزة وتقبض على القدس. وما أكثر ما كتبت قمر كيلاني، من قصص ومسلسلات إذاعية، حتى في مجلات نوعية كمجلة الشرطة، أو جيش الشعب، تحمل ثقل تلك المرحلة كلها. ويستشف القارىء من خلال كتاباتها كشفاً تنبؤياً يقول بأن ما يحدث لن يقتصر على المجال الذي نحن فيه خلال تلك الأيام بل سيتسع ويتسع، وهكذا صدرت مجموعتها « عالم بلا حدود » في بغداد
في أوائل السبعينات.

حرب تشرين

نشرت قمر كيلاني رواية مسلسلة في جريدة تشرين بعنوان « حب وحرب » طبعت فيما بعد في كتاب، تحيط بها خواطر تنبؤية، بأن الحل لن يكون إلا شاملاً لخارطة الوطن العربي كله وليس لفلسطين بالتحديد، كما تفتخر الكاتبة بأن لها مشاهد تمثيلية من حرب تشرين واقتحام جبل الشيخ بعنوان
« عواء الذئب ».

لبنان الطفل الصغير

التصقت الأديبة بلبنان، ذلك الطفل الصغير الذي يحبو، وتأثرت بالأحداث اللبنانية فكتبت رواية « بستان الكرز ». فيها تتحدث الكاتبة عن أهوال الحرب التي تشطر لبنان إلى بطلتي الرواية ( سونيا وناديا )، حيث تسير الأولى في الركب العربي، والأخرى تريد الابتعاد عنه، حيث أنهت القصة عام 1976 بدخول الجيش السوري إلى لبنان منقذاً ومنهياً هذه الحرب. تخلط الرواية السياسة بالفكر، والواقع بالخيال، كما تستخدم الإسقاط والاستبطان تارة والمباشرة والخطابية تارة أخرى. بطلة الرواية فتاة جامعية بورجوازية، أبوها رجل أعمال مسلم، وأمها من أسرة مسيحية مرموقة، جميلة ومثقفة، ترتبط بعلاقة حب مع زميلها الفلسطيني في الجامعة. منذ بداية الرواية تجد سونيا نفسها في جو مشحون بالتوتر والقلق، يوحي بأن كارثة ما على الأبواب، فالاضطراب يعم أوجه الحياة المختلفة، والانقسام يتضح بين التجمعات اللبنانية، والصراع يشتد فيما بينها، فتقع البطلة في حيرة بين الأفكار والمواقف المتناقضة التي سادت الساحة اللبنانية.



ايوب صابر 05-18-2012 11:25 AM

"قمر كيلاني".. المتمردة الذهبية

الخميس 22 كانون الأول 2011



كاتبة سورية قديرة تخرجت في جامعة دمشق في الخمسينيات حين كان التعليم للإناث أمراً صعباً ونادراً، فاستطاعت أن تكون واحدة من أهم الشخصيات الأدبية في سورية.

هي الكاتبة القديرة "قمر كيلاني" التي التقى موقع eDamascus مع ابنتها السيدة "لينا كيلاني" بتاريخ 9/12/2011 بعد مرور أسبوع على وفاة والدتها، فاسترسلت بالحديث عنها بوجدانية عالية وقالت:

«في محنة وفاتها اكتشفت هذا الكمّ العظيم من الحب من قبل كل الذين عرفوها من أصدقاء وصديقات، ووقفوا جميعاً إلى جانبي، وقدموا لي الكثير من وفائهم ومحبتهم لها، فكانت كلماتهم عزاءً وسلوى لن أنساها طوال حياتي.

أتذكر الآن كل التفاصيل التي عشتها معها.. كانت والدتي من أوائل النساء الذين تحرروا وحرروا غيرهم من مثيلاتها. فهي عندما تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة العربية كان ذلك أمراً شاقاً لسيدة تنتمي إلى عائلة إقطاعية لا تؤمن بتعليم البنات، لكن أسرتها رغم ذلك كانت تثق أن المحافظة على التقاليد والتقيد بالدين بمرونة ووعي كان كافياً لثقتهم بأن التعليم لن يؤثر على ابنتهم، لذلك شجعوها فتعلمت ومارست حياتها العملية بتدريس اللغة العربية حيث علمت بحب ونقلت هذا الحب لطالباتها رغم أنها لم تكن أكبر منهن بكثير.

كان زملاؤها وزميلاتها في كلية الآداب لقسم العربية يطلقون عليها لقب "المتمردة الذهبية".. تلك الشقراء التي تمردت على واقع الفتاة العربية في فترة الخمسينيات عندما كان التعليم وبالأخص الجامعي منه غير متاح لمعظم الفتيات ضمن قيود المجتمع آنذاك.. فتلك الشقراء لم تكتف بالتحصيل العلمي الجامعي بل هي تحدّت أيضا من خلال موهبتها فكتبت في "مجلة الجامعة" وعبرت عن جرأة أفكارها باسم مستعار هو "رائدة النبع"، ذلك الاسم الذي ما لبث زملاؤها وزميلاتها أن عرفوا صاحبته، ولم يعد خافياً على أحد أن "المتمردة الذهبية" هي ذاتها "رائدة النبع".

كانت تؤمن أن التحرر لا يعني الانفلاش دون ضوابط، وأن الحرية يجب أن تكون ملتزمة بالضوابط الأخلاقية والفكرية والوطنية وهذا ما عزز انطلاقتها.

أريد أن أخبركِ أنني كثيراً ما ألتقي بعض طالباتها القدامى فيذكرنها أمامي بكثير من الود والوفاء. قالت لي إحداهن عما كان يميز تواضعها ودماثة خلقها إنها كانت تشجعهن دائماً على قراءة القرآن وكانت تقول: «اقرؤوا القرآن لتستقيم لغتكم العربية»، وفي إحدى المرات سألتها إحدى طالباتها عن معلومة باللغة العربية فردت عليها: انتظريني لأرجع للمراجع لأجيبك عن السؤال بشكل صحيح.

أنا أذكر قولها: "الأديب يجب أن يكون مؤدباً"، وأنا كابنة لها أحترمها كإنسانة لأنها كانت تمارس القول مع الفعل في كل شيء في حياتها. وكان لها وجه واحد صادق ومنسجم مع نفسه وليس فيه تناقض.

جيل والدتي كان جيلا متعلماً ومتميزاً رجالاً ونساءً.. جيل مميز صعد نجمه في السياسة وفي الأدب والبحث العلمي، وما تلاه من جيل بعدهم كان متأثراً بهم وكان متميزاً أيضاً مثل الراحل الكبير "سعد الله ونوس".

الجانب المهم في حياتها كان عشقها للوطن وانتماؤها كان دائماً وأبداً حسب الترتيب التالي: دمشق.. سورية.. الوطن العربي. وكل ما كتبته في إنتاجها الأدبي كان يحكي عن الهمّ الوطني وقد وثقت لمراحل تاريخية مهمة عن سورية.

بعض رواياتها كانت عن الهمّ الفلسطيني فهي أكثر من أخلص للقضية ما جعل زملاءها الفلسطينيين يحترمون ذلك حتى إنهم يؤكدون أن "اسمها" كان المفتاح لبدء العمل أثناء انطلاقة العمل الفدائي وكانت كلمة السر التي أطلقوها لذلك البدء: "انتظروا ظهور القمر".

كان لديها رؤية تنبؤية فقصة "عالم بلاحدود" تنبأت فيها بالانتفاضة الفلسطينية، وقصة "بستان الكرز" تنبأت فيها بأحداث لبنان وأين انتهت.

كانت تتمتع بذاكرة متقدة وروح عالية مقبلة على الحياة. عندما كانت تعمل في اتحاد الكتاب العرب كانت هي أول من أسست ما يسمى "الجمعيات" في الاتحاد، وهي من وضعت ذلك، فأصبح هناك "جمعية النقد"، و"جمعية الشعر"، و"جمعية القصة"، و"الرواية". وكانت مسؤولة الاعلام بالاتحاد النسائي فعملت كل جهدها من أجل المرأة حتى إنها كانت ترتدي اللباس العسكري لتجمع التبرعات، وكتبت عن حرب حزيران. لقد اختصرت الوطن بآماله، وأفراحه، وأحزانه.

أصدرت آخر كتاب لها في احتفالية "دمشق عاصمة الثقافة 2008". فكرست كل مقالاتها عن "دمشق" وجمعتها في هذا الكتاب. أتمنى أن أستطيع جمع تراثها الأدبي في كل الصحف والمجلات والدراسات والأبحاث التي قدمتها منذ /1963/ إلى ما قبل وفاتها بأسبوع.

المرض لم يقهرها لكن العمر هو من فعل ذلك، ولعل جرح الوطن الآن سرّع بموتها، فقد كانت تكتب مقالاً عن ذلك قبل أيام من وفاتها لكنها للأسف لم تستطع إنهاءه .

كانت انسانة مجتهدة طوال حياتها وتقرأ كل ما يقع تحت يدها حتى المخطوطات التي كانت موجودة في اتحاد الكتاب العرب. العمر لم يفصلها عن الزمن. كانت متجددة. مميزة. عاطفية. صادقة. محبة للآخرين.. وأمّاً للجميع».

في لقاء مع وزيرة الثقافة الأسبق الدكتورة "نجوى قصاب حسن" التي كانت صديقة مقربة منها تحدثت عن السيدة "قمر" فقالت: «في القلب والذاكرة ترتسم صورة مميزة لإنسانة راقية وأديبة مرهفة الحس نقية الوجدان، تختزن الوطن بعراقته وبهائه وهمومه، وتسعى على امتداد عمرها للارتقاء به نحو الأفضل. إنها الأديبة الباحثة "قمر كيلاني" وهي اسم مميز بين الكاتبات والأديبات السوريات ونموذج يحتذى به بين النساء، ومواطنة عاشت مواطنيتها عملا وعطاء وإخلاصا. اهتمت بقضايا المرأة والارتقاء بواقعها ووظفت قلمها لمناصرة القضايا الوطنية والقومية والإنسانية.

تولّت المناصب في "اتحاد الكتاب العرب" و"الاتحاد العام النسائي" و"منظمة اليونسكو" من أجل أن تكون مشاركة فاعلة في كل ما يخص الارتقاء بالمجتمع والذائقة الأدبية. ساهمت في مجالات الأدب والنقد والتاريخ وواكبت مستجدات العصر والتقدم مع التأكيد على عدم الإخلال بالقيم والحفاظ على الهوية الوطنية.

كانت تطرح التساؤلات وتحلل المشكلات من منظور استهداف الغايات الانسانية والدفاع عن المعاييرالأخلاقية.

لقد تميزت بالرقي في التعامل والمشاركة الوجدانية ما أغنى رصيدها المعرفي والأدبي ومكّنها من الانتقال من الخصوصية في وصف الحدث أو الموقف أو اللحظة المعيشة إلى رؤى أشمل، وإلى أبعاد وطنية واجتماعية. كانت حياتها مسيرة عطاء دائم وحضور لافت وتفاؤل بالغد الأفضل».

أما الدكتور "طالب عمران" أستاذ كلية الهندسة الميكانيكية ومؤسس رابطة "كتاب الخيال العلمي العرب" والذي كان صديقاً هو أيضاً فقال عنها: «تعود معرفتي بالسيدة الكاتبة "قمر كيلاني" إلى عام 1978 حين أصدرت كتابي الأول "كوكب الأحلام" في مكتب اتحاد الكتاب العرب. هي تمثل جزءاً مهماً من تاريخ الرواية النسوية، وهي مرتبطة ارتباطاً عضوياً بدمشق، ولها مؤلفات كثيرة في عشق الوطن. هي تحكي بنبض الذاكرة والحضارة العربية، وفي التراب السوري الغالي خصوصا في الفترة الأخيرة. كانت السيدة "قمر" أماً لي وتشجعني وتقدم النصح، وكانت غيرية بشكل غير عادي فتشجع المبدعين الجدد وتأخذ بيدهم ليأخذوا دورهم إلى جانب المبدعين الكبار. إن للسيدة "قمر كيلاني" فضلاً كبيراً على التراث الابداعي السوري في العصر الحديث، وكانت تعطي آراءها الناقدة دون مجاملة. لي الكثير من الذكريات مع هذه الأم العظيمة التي كانت رافداً هاماً جداً في الأدب العربي بكل عمقها وشفافيتها وروحانيتها. هي قامة من القامات الكبيرة التي حظي بها هذا الوطن».

الأستاذة "غادة الجابي" وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل الأسبق كانت صديقتها ومقربة كثيراً منها وقالت عنها: «إننا نشعر بالحزن العميق والأسى الكبير لرحيل الأديبة الكبيرة والصديقة الوفية "قمر كيلاني". وفي هذه الأيام د. نجوة قصاب حسن وزيرة الثقافة الأسبقالحزينة نستحضر بكل تقدير خصالها الحميدة وإنجازاتها المتعددة، نستحضر شخصيتها المتينة، وثقافتها الواسعة، وإمكاناتها القيادية الفريدة، وجرأتها في قول الحق، وعدم قبولها بأنصاف الحلول، وقدرتها على الاقناع واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. كانت تمثل نموذجاً مهماً لأدب المرأة، وأولت عناية كبيرة بالقضايا الوطنية والاجتماعية من خلال الكتابة الروائية والصحفية. وإذا كانت العروبة أولى المعاني البهية في حياة الراحلة الكبيرة التي آمنت بوطنها وأمتها، فإن العروبة ليست مجرد انتماء بل هي كما فهمتها وعاشتها رديفة للحرية وللكفاح التحرري، ورديفة للعمل الجاد والمخلص من أجل حياة أفضل للانسان ترتكز على مفاهيم الحقوق والواجبات وتعتمد على العلم والمعرفة. لقد كان هاجسها طوال حياتها خدمة الوطن الذي أحبته حتى العبادة من خلال التدريس للغة العربية، ومن خلال انتاجها الأدبي، وعطاءاتها في اتحاد الكتاب العرب، وفي اتحاد الصحفيين، وفي منظمة الاتحاد النسائي.

الراحلة الغالية "قمر كيلاني" كانت ابنة بارّة وأختاً محبة وأماً لا مثيل لها، وقريبة متميزة، وصديقة مثالية، وجارة يركن إليها في مختلف الظروف والحالات.

كانت رقيقة كالياسمين، شفافة كالنسمة العليلة، وإذا اشتد الخطب كانت قوية لكنها لا تجازف ولا تتهاون. كانت طليعية في تأليف القلوب، وتوحيد الصفوف، لا تفارق الابتسامة وجهها، ترضى بما يرضاه الله، وتؤمن بالآخرة ايمانها بالدنيا، وكانت شعلة تضيء الطريق لمن داهمه الظلام. قدمت بسخاء إلى كل من يحتاج لحنان أو نسمة من رعاية. تشارك الناس آلامهم ولا تشرك في أوجاعها أحداً، وقد تحملت مرضها بروح عالية، وتحدت آلامها بصبر وصمت كبيرين لإيمانها العميق ولقناعتها بأن ابنتها الأديبة "لينا" قادرة على توفير البيئة المؤاتية لتحسين وضعها الصحي، هذه الابنة القديرة التي قامت برعايتها على أفضل وجه، وكانت تسعد بها وبإمكاناتها وتألقها بمجالات متعددة أهمها "أدب الأطفال" ما وفر مزيداً من الحوار المتفتح بين الأم وابنتها في المجالات الأدبية بعامة.

الأديبة الكبيرة "قمر كيلاني" في القلب كانت وماتزال قوة رائدة فكراً وعقيدة وسلوكاً. رحمها الله رحمة واسعة بقدر خصالها الحميدة وإنجازاتها المتعددة، راجية الله عز وجل أن ينزل السكينة في قلب ابنتها وفي قلوب الأهل الكرام والصديقات والأصدقاء ويعمرها بالصبر والسلوان».



يذكر أن الراحلة "قمر كيلاني":

ولدت في دمشق عام 1934.

تخرجت في جامعة دمشق - كلية الآداب - في الخمسينيات. وحصلت على شهادات في التربية (دبلوم)، وفي التعليم للمرحلة الثانوية ودور المعلمين (المعهد العالي).

1954 ـ 1975 تدريس اللغة العربية وآدابها وأصول التدريـس في المعاهد العليا لإعداد المدرسين ودور المعلمين.

1975 ـ 1980 عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتّاب العرب- مسؤولة النشاط الثقافي.

1980 ـ 1985 عضو اللجنة الوطنية لليونسكو ـ مسؤولة شؤون منظمة التربية والثقافة والعلوم (الاليكسو).

1985 ـ 2000 عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتّاب العرب ـ مسؤولة العلاقات الخارجية ـ مسؤولة عن نشاط الجمعيات الأدبية وفروع الاتحاد ـ رئيسة تحرير مجلة (الآداب الأجنبية) الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب.

1967 ـ 1971 رئيسة لجنة الإعلام في الاتحاد العام النسـائي

عضو لجنة التضامن الآفرو آســــــيوي.

عضو لجنة الدفاع عن الوطن وحماية الثورة.

عضو اللجنة العليا لدعم العمل الفــــدائي.

عضو اللجنة المركزية لمحو الأميــــــة.

منذ عام 1967 عضو مؤسس لاتحاد الصحفيين الســوريين.

عضو مؤسس لاتحاد الكتّاب العــــــرب.

ترجمت بعض أعمالها الأدبية الى الروسية ـ الفرنسية ـ الإنكليزية ـ الفارسية ـ الهولندية.

ـ مئات المقالات في الصحف والمجلات والدوريات المحلية والعربية منذ عام 1955.

ـ مقال أسبوعي في إحدى الصحف الرسمية في سورية منذ عام 1963.

ـ عشرات أ. غادة الجابي وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل الأسبقالأبحاث في التراث وفي النقد، وفي موضوعات المرأة والمجتمع، وفي مناسبات تكريم أدباء معاصرين أو في رثائهم بتقويم لأعمالهم.

ـ تم إعداد عدد من رسائل الدكتوراه والماجستير والدبلوم حول مؤلفاتها، واعتمد بعض من هذه المؤلفات للتدريس في جامعة (ايكس لو بروفانس) في فرنسا، وفي جامعات اخرى عربية وأجنبية.

- شاركت في العديد من الندوات والمؤتمرات العربية والدولية.

ـ أدرج اسمها في عدد كبير من الموسوعات العالمية والعربية، وموسوعة أعلام القرن العشرين.

مؤلفاتها:

1- التصوف الإسلامي- دراسة- بيروت - دار شعر - 1962

2- أيام مغربية- رواية- بيروت - دار الكاتب العربي- 1965

3- عالم بلا حدود- قصص- بغداد- وزارة الإعلام- 1972

4- بستان الكرز- رواية- دمشق - اتحاد الكتاب العرب- 1977

5- الصيادون ولعبة الموت- قصص- دمشق - اتحاد الكتاب العرب- 1978

6- الهودج- رواية- دمشق - اتحاد الكتاب العرب- 1979

7- حب وحرب- رواية- الإدارة السياسية- سورية- 1982

8- امرأة من خزف- قصص- دار الأنوار- سورية- 1980

9- اعترافات امرأة صغيرة- قصص- وزارة الثقافة - سورية- 1980

10- طائر النار- رواية- اتحاد الكتاب العرب- 1981

11- الأشباح- رواية- المنشأة الشعبية للنشر- ليبيا- 1981

12- الدوامة- رواية- وزارة الثقافة- سورية- 1981.

13- المحطة- قصص- اتحاد الكتاب العرب- 1987.

14- حلم على جدران السجون (مجموعة قصصية)- الدار العربية للكتاب- تونس- 1985

15- أوراق مسافرة- دار الجليل- سورية- 1987

16- أسامة بن منقذ (دراسة)- دار النوري- سورية- 1985

17- امرؤ القيس (دراسة)- دار طلاس- سورية- 1986.

ايوب صابر 05-18-2012 01:54 PM

لقاء مع الأديبة قمر كيلاني:صرخنا كثيراً.. لكن لم نسمع سوى أصداء أصواتنا..؟! حوار: وليد العودة



2006-02-13 08:11:13

أعيش أفكاري وأعيش ما أكتب..‏‏
الجيل الجديد محكوم بالكلام الجميل..‏‏
كلما كان الأديب محلياً شق طريقه نحو العالمية..‏‏
مثقفنا العربي مهدد بأطفاله وكسب عيشه..‏‏
المثقف لا يملك السلاح ولا النفوذ لصد الظلم عن أمته..‏‏
القصة القصيرة يتخاطف تاجها من ليسوا أهلاً لها..‏‏
ليس عندنا نقاد حقيقيون..‏‏
زاويتي الأسبوعية هي دمعة وصرخة ومناجاة..‏‏
أرفض أن يقال هناك أدب نسائي

وأدب رجالي..‏‏
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ‏‏
قمر كيلاني.. واحدة من الكاتبات المعروفات على الصعيد العربي.. اللواتي كرسّن للأدب والثقافة معظم وقتهن وجهدهن لعشرات السنين وحملن هموم الأرض والوطن والأمة خلجات راعفة بالحب والحنين.‏‏
من أهم أعمالها الروائية:‏‏
أيام مغربية 1965، وبستان الكرز 1976، والهودج 1980، وطائر النار 1980، والأشباح 1979، وحب وحروب 1981.‏‏
وفي القصة القصيرة:‏‏
عالم بلا حدود 1972، والصيادون والموت 1976، واعترافات امرأة صغيرة 1978، وامرأة من خزف 1980، والمحطة 1988.‏‏
وفي الدراسات والنقد:‏‏
التصوّف الإسلامي 1962، وأسامة بن منقذ 1984 وامرؤ القيس 1986.‏‏
حول تجربتها الأدبية والإبداعية كان معها الحوار التالي:‏‏
* هل نعود معك إلى بداياتك الأدبية؟.‏‏
** بدأت علاقتي بالكتابة منذ سنوات الطفولة وتحديداً منذ الصف السادس الابتدائي عندما كتبت أول قصة وكانت بعنوان "شبحان" وفي المرحلة الثانوية نشرت هذه القصة في مجلة "دنيا المرأة" اللبنانية.. وعندما انتسبت إلى الجامعة في الخمسينيات صرت أنشر في الصحف والمجلات التي كانت تصدر في جامعة دمشق آنذاك ومنها مجلة "الندوة" التي كتبت فيها "مذكرات فتاة جامعية" أتمرد على العادات والتقاليد التي كانت تمنع الفتاة من مواصلة تعليمها الجامعي.. ووقعت هذه المذكرات بإمضاء "رائدة البناء".. وتكرر هذا الأمر في مقالات عدة نشرت لي في ذلك الحين.. ولما عرفت أن طلاب وطالبات الجامعة يُشيرون إليّ ويقولون هذه قمر وليست "رائدة البناء" شعرت أن العملية خاسرة.. وكتبت بتوقيعي منذ عام 1952.. وأنا منذ ذلك الوقت لم أترك القلم.‏‏
* ما القضية أو المسألة الأهم التي يمكن أن تقرأها قمر كيلاني في أعمال قمر كيلاني؟.‏‏
** الواقع أننا كتبنا أنا وغيري من الكاتبات صرخات احتجاج.. وإعلاناً عن وجود ولفت أنظار إلى وجود مشكلات.. أما الحلول فقد كانت ضيقة وفردية وبمنظار يكاد يكون أحادياً.. لكن هذه الصرخات والنداءات لو وجدت بيئة تنتعش فيها ويتاح لها من يناقش فيها من زوايا متعددة اجتماعياً وفكرياً لكنا أقرب إلى النضج في ما نكتبه نحن أو ما ستكتبه كاتبات يأتين بعدنا.. فنحن في النقطة ذاتها ولا نسمع إلا أصداء أصواتنا.. لقد أُثير العديد من القضايا التي تهم المرأة، ولكن ما الحلول التي وصلنا إليها؟.‏‏
أعتقد أنها ضئيلة جداً.. لنأخذ مثلاً قضايا الزواج والطلاق وحضانة الأولاد.. الخ.. تظل النتائج غير متماشية مع العصر.‏‏
* برأيك هل استطاع أدبنا بلورة هويته الذاتية أم أنه في طريقه إلى ذلك؟.‏‏
** تحقيق الهوية الذاتية المحلية أمر فائق الأهمية بالنسبة للأديب وبمقدار ما يكون الأديب محلياً بمقدار ما يشق طريقه نحو العالمية والمثال أمامنا واضح.‏‏
إن نجيب محفوظ بدأ محلياً وانتهى عالمياً.. ويُخطئ من يظن أن المحلية ضيق وتحديد وسطحية إنها كإبداع شمولية وعمق واتساع.‏‏
ومن هذا المنطلق أقول: إن الأدب العربي السوري في أعماق بعض الأدباء كان محلياً.. لكن ليس بالنظرة الواسعة والعميقة للمحلية.‏‏
* هناك مصطلح شائع يتحدث عن أدب المرأة أو عن الأدب النسائي والأنثوي.. هل يمكن إيجاد الاستدلال على هذا الأدب فيما تكتبينه عن المرأة من ناحية اللغة والأسلوب.. أم أن المصطلح بالأصل اضطراري.. وليس ثمة لغة نسائية وأسلوب نسائي؟.‏‏
** من حيث المبدأ أنا أرفض أن يكون هناك أدب رجالي وآخر نسائي.. هناك أدب أولاً أدب.. ولا أدري من أين تسرب إلينا هذا المصطلح.. وكثيراً ما نكون في جلساتنا الأدبية فأعترض على النقّاد وعلى هذا الشيوع أو المصطلح كما سميته خاصة في الدراسات الأكاديمية وفي الأطروحات الجامعية.‏‏
ومع ذلك نستطيع أن نميز من خلال الخطاب الأنثوي ومن خلال تفجر الأحاسيس الأنثوية وأسلوب المرأة في التواصل مع العالم وفي كسر حواجز نفسية نستطيع أن نُمير أن هذا أدب نسائي.. ولكن ليس من ناحية الأجناس الأدبية.. إذ لا يوجد فرق بين أدب الرجل وأدب المرأة.. إنه أدب وكفى.. وهذا المصطلح بالتأكيد مدسوس علينا ولعله من أيام المستشرقين أو بدايات النهضة ربما وجدوا أن مجتمعنا يفصل بين المرأة والرجل ففصلوا لنا الأدب على ذلك وفرزوه.. ولكنه مصطلح بكل تأكيد خاطئ لأنهم هم أنفسهم لا يستعملون هذا المصطلح، فهم- أي المستشرقون- لا يقولون عن كاتبة غربية أو أميركية أن هذه المرأة أنتجت الرواية الفلانية أو قدّمت هذا العمل الرائع.. أو هذا المؤلف أو البحث الجيد.. هم فقط أعطونا مصطلحاً وتوهموا أنه يناسبنا.. والواقع ليس كذلك..‏‏
* إذاً هل هناك تناقض بين المرأة في الكتابة

والمرأة في الحياة..؟‏‏
وهل هناك فوارق بين المرأة الكاتبة والمرأة الإنسان؟.‏‏
** المفروض ألا توجد هذه الفوارق، أنا شخصياً أعيش أفكاري وأعيش ما أكتب.. وأصدق فيما أكتب ولا أجد أي تناقض بين حياتي كإنسانة وبين حياتي ككاتبة.. ولا أجد أي سدود بيني كإنسانة وككاتبة وأديبة.. كل هذا يتجمّع في نقطة ضوء واحدة وهي أن الكلمة في الأساس هي للتعبير الحر الصادق عن عواطف النفس الإنسانية.. فماذا يعني أن تقول كاتبة أو أديبة على المنابر بمبادئ معينة وتعود لتمارس نقيضها تماماً؟ ماذا يعني مثلاً أن تتهم الرجل وتستثير جموع النساء وتأتي إلى بيتها لتخضع له الخضوع الكامل.. حتى ولو كان ابنها الصغير المراهق فقط لكونه رجل البيت؟.‏‏
من هذا المنطلق لا أفهم هذه التناقضات على الإطلاق ولا أؤيدها، أريد للمرأة الكاتبة المتحررة أن تنسق إذا لم تستطع أن تطابق بين ما تنادي به وبين ما تكتب عنه، بين حياتها كإنسانة وامرأة.. ولو خيرتني بين الطرفين لما فضلت أحدهما على الآخر وهي ليست معجزة أن تجمع المرأة بين الأدب وبين حياتها كامرأة تماماً كما هو حال أي فنان آخر.‏‏
* الأجيال الجديدة في القصة تعتمد كثيراً على الشكل.. أما قصص الجيل الأول وأنت واحدة منهن فتعتمد على ثراء المضمون.. ما رأيك؟.‏‏
** مهما حاولنا أن نمزج بين الأجناس الأدبية أو أن نطرح مفاهيم الحداثة أو الحداثوية كما يسمونها.. والتجريبية.. وكل هذه الأشكال الجديدة تظل القصة أو الرواية مضطرة لأن تحمل مقولة معينة وتحمل بذرة معينة هي مشكلة "العُقدة" أو الحدث الرئيسي الذي يجب أن تدور عليه القصة.. أما أن تفرغ القصة من مضمونها أو من مقولتها أو أن تفكك وتحطم ويضرب عمودها الفقري كقصة من حيث الحدث وما ينتج عنه فهذه لا تعود قصة.. سمّها خاطرة.. سمّها بوحاً، مناجاة، سمّها ما شئت.. ولكنها ليست قصة.‏‏
الجيل الجديد بما أستطيع أن أسميه محكوم بالكلام الجميل والكلام الجميل نوع من البوح يُلبسه أحياناً ثوب القصة.. وربما أعطاه تنويعات وتقطيعات.. فجعلها مسرحية.. وربما رشّ عليه عطراً, فأصبحت قصيدة تُشبه قصيدة النثر، أما القصة فتظل هي القصة كما كانت في قصة آدم وحواء، أول قصة في تاريخ البشرية.. فهناك أطفال وأحداث رئيسية ونهاية لهذه الأحداث.. وبذلك تظل القصة تحمل هذه السمة مهما فعلنا.‏‏
* إذاً كيف تنظرين إلى القصة القصيرة في وطننا العربي.. وما رأيك بالنقد السائد؟.‏‏
** إنني أتألم من أجلها.. هذه الملكة الصغيرة المتوجة التي لا أقول إنها نزلت عن عرشها وإنما يتخاطف تاجها من ليسوا أهلاً لها خاصة بعد أن لم تعد الصحافة الأدبية- لغزارة الإنتاج القصصي- تُفرق الحصى عن اللآلئ, وأقول بصراحة إن اسم الكاتب أو شهرته لا يعني أن كل إنتاجه القصصي على حد سواء فعلينا ألا نغتر بالأسماء.. بل أن نختار القصة.‏‏
أنا أقدم هذا الجنس الأدبي الجميل جداً وأفرح بإنتاج قصة قصيرة أكثر من فرحي بإنتاج رواية, وأعتب على الصحافة لأنها لا تفتش على الجيد لتنشره.. وأحياناً تنشر العادي وما هو دون المستوى.‏‏
أما عن النقد.. فهذا حديث يطول.. أختصره بقولي: إنه يندر أن نجد عندنا نقاداً حقيقيين ينتمون إلى مدارس نقدية معينة أو اتجاهات نقدية.. حتى لو اختلفوا اختلافاً جذرياً في وجهات النظر.. المهم أن يقدم اعتباطاً أو مزاجياً بالصلات الشخصية أو اعتبارات أخرى.. فهذا أرفضه رفضاً قاطعاً وأتمنى أن يظل إنتاجي في الظل ولا تمتد إليه مثل هذه الأقلام لأن هذا النقد لا يقدم ولا يؤخر في شيء.. فالعمل الأدبي موجود وستأتي أجيال غير متأثرة بأوضاع راهنة.. ولعلها ستقوّم التقويم الصحيح.. "أبو حيان التوحيدي" مثلاً في التاريخ أغفل ولم يقم أحد ويكتب عنه.. وقد طغى عليه بريق الجاحظ.. وسلبت "الأغاني" ألباب الناس.. لكن "التوحيدي" ظهر إلى الوجود في عصرنا.. وأصبحت أعماله جزءاً بارزاً من تراثنا.. ورسائل "الصفا" أغفلت أيضاً وربما فُرّغ الكثير من صفحاتها وطمست معالم شعرائها لكنهم أخذوا مكانهم يوماً ما في الفكر العربي والشعر العربي.‏‏
* أعود إليك سيدة قمر وأسألك ما الذي تريدين أن تقوليه في كتاباتك؟.‏‏
** ما أريد أن أقوله في كتاباتي له عدة مستويات.. المستوى الشخصي كامرأة.. بأن لي معاناتي الصادقة والمريرة والتي لم أُعبر عنها إلا بلمحات خاطفة كأنها الشوق.‏‏
أريد أن أعبر بنطاق أوسع عن حياتي في دمشق التي أراها شبه أطلال الآن.. دمشق القديمة.. ومعاناتي في سورية كامرأة تؤمن بالعروبة.. وببلادها وبمستقبل هذه البلاد.. أريد أن أطوف حول مشكلاتنا الصميمية والحقيقية والتي هي جوهر معاناتنا في هذه البلاد كمشكلة فلسطين مثلاً، والعراق مؤخراً.‏‏
أريد أن أعيش حالة هي أنا.. وليست غيري لسنديانة عاشت بين الثلاثينيات حتى الآن في هذا البلد.‏‏
* ما الجانب الذي لا يعرفه الناس في شخصية "قمر كيلاني"؟.‏‏
أستطيع أن أقول إن كل ما كتبته كان نبضاً من حياتي.. وجزءاً من حياتي.. ولكنه ليس مرآتي وليس صورتي.‏‏
لم أكتب الأشياء التي جرحتني حتى العظم في صورتها الحقيقية.. وإنما غمزت إليها، أشرت إليها وعكستها.. لكنني لم أصورها التصوير الدقيق، أعتقد بأن كل ما أريد أن أكتبه عن نفسي أو يعرفه الآخرون عني لم أكتبه بعد.‏‏
* منذ سنوات عدّة لم يصدر لك أي نتاج أدبي.. سواء في القصة أو الرواية فما السّر في ذلك يا تُرى؟.‏‏
** هذا صحيح.. فأنا بالفعل في فترة صمت.. وليس صمتاً بمعنى العزوف والانكفاء.. بل أنا أعتبر أن هذا الصمت هو صمت كموت ولعلي سأتمم أعمالاً روائية بدأتها بخطوطها العريضة.‏‏
* هل تكفي زاويتك الأسبوعية في جريدة "الثورة" لتفرغي فيها كل همومك؟.‏‏
** بالنسبة لي.. هذا المقال الأسبوعي الذي استمر أربعين عاماً هو الوردة التي أغرسها في وطني.. أو الدمعة التي أذرفها أو هو الصرخة أو هو المناجاة.‏‏
كل ما يحدث معي أو يستثير اهتمامي خلال الأسبوع أستطيع أن أضعه على الورق في هذه الزاوية الصغيرة.. فهي المتنفس لرئتين مضغوطتين ومملوءتين بالحزن والأسى..‏‏
ولعل الناس.. وأقصد القراء والأدباء أيضاً يعرفون أين أتنقل وماذا أُعاني عندما يقرؤون زاويتي.. لأنها صادقة فعلاً.. وما يحدث معي.. وما أُحسه هو الذي ينعكس في هذه الزاوية الصغيرة..‏‏
* هل تفكرين بكتابة سيرتك الذاتية؟.‏‏
** ليس عندي رغبة أن أُرجع حياتي إلى الوراء.. ولكن هناك مؤلفات ربما تصدر بعد رحيلي.. وفيها شيء من سيرتي الذاتية..‏‏
لكن أن أجلس وأبدأ بكتابة سيرتي الذاتية بمنظار الآن أراه خطأ.. وكثير من السير الذاتية وقع أصحابها في هذا الخطأ حيث ينظر الكاتب لنفسه ويقوّم نفسه وهو بعمر معيّن بدءاً من الطفولة إلى المراهقة والشباب وهكذا.. وهنا الأحكام لا تكون دقيقة.‏‏
بالنسبة لي.. لو رجعت لعمر المراهقة الآن.. فسأقوم بالأعمال ذاتها التي قمت بها وسأرتكب ذات الحماقات والأفكار التي ارتكبتها ومن هناك لا يجوز أن أُحاول إيجاد مبررات للأعمال التي قمت بها في أيام الشباب.. وكذلك غيري.. لأن المبررات جاءت الآن مع تجاوز الستين.. وبسنها كانت هذه الممارسات عين الصواب وعين الحقيقة.. وهكذا أعتقد.‏‏
* أخيراً.. ما رأيك بدور المثقف العربي حيال قضايا الأمة بشكل عام؟.‏‏
** المثقف العربي في العموم ملتزم من تلقاء نفسه بكل ما تعانيه هذه الأمة من مشكلات.. وتحديات.. ولكن هذا المثقف لا يجد مكانه في هذه المعمعة التي تحدث حالياً في القتال والمواجهة مع الأعداء فهو لا يملك السلاح.. ولا النفوذ.. ولا يملك ما يصد به عن أمته هذا العدوان الظالم عليها.. فهو حقيقة في حيرة واضطراب.. وكما تعلم صوت المثقف العربي إلى جانب صوت السلاح غير مسموع.. لأن أصوات المدافع والطائرات والصواريخ أقوى من أصوات المثقفين.. وهذه الأصوات تطغى على صوت الكلمة.. ولكن هذا لا يمنع من أن تتفتح الرؤية خلال فترة بسيطة ويظهر بعدها المثقف على الساحة ليأخذ دوره الحقيقي..‏‏
وما يعانيه المثقف العربي اليوم كثير جداً.. فهو مُهدد بدينه وكسب عيشه.. ومهدد بأطفاله.. في البلاد التي يعيش فيها فانظر مثلاً إلى المثقف الفلسطيني.. فهو يُقتل وكذلك المثقف العراقي.. وهؤلاء يختفون عن الوجود كلياً ولا أحد يعرف أثرهم.. وأي مكان اتجهوا إليه، فهم شردوا في بقاع العالم، وإصلاح هذا الأمر يحتاج إلى فترة حتى نستطيع أن نلملم جراحنا من جديد..‏‏
-------------------‏
مجلة فارس العرب‏
العدد 118/119‏
كانون الثاني ـ شباط 2006‏


ايوب صابر 05-18-2012 02:04 PM

الكاتبة والروائية السورية قمر كيلاني: أمركتنا ليست سهلة


نشر 15 تموز/يوليو 2000 - 03:00 بتوقيت جرينتش



عناوين ذات صلة



قالت الكاتبة والروائية السورية قمر كيلاني بأن على العرب أن يهتموا أكثر بالأمر الثقافي، وأن يجروا مسحا شاملا لتاريخهم وللحقائق التي يحتويها لتخزينها في الإنترنت، لأن ترك الأمر على ما هو الآن سوف يشوه صورتنا أمام العالم، وأضافت:"أنا لست خائفة من إلغائنا أو طمس هويتنا نهائيا، فنحن شعب حي ولغتنا حية وليس من السهل أمركتنا ولا مصادرتنا". وأكدت كيلاني في حوار أجرته معها صحيفة "الاتحاد" الإماراتية ونشرته اليوم السبت بأن مسؤولية المثقفين والأكاديميين والباحثين ومسؤولي القنوات الفضائية والإعلاميين، هي الاهتمام بالنواحي السلبية لتقويمها، إذ لم يعد للانتجلنسيا الدور الذي كان لها في القرن الماضي، واشارت إلى أن الثقافة الآن تأتي من خليط من الوسائل تلفزيون، مسرح، متحف، بيئة، إعلام، موسيقى·· الخ وقد أصبحت مفهوما شموليا وليس تنظيرا في الكتب ولا أفكارا تنبع من أدمغة النوابغ الذين يقودون العالم.
وردا على سؤال حول أدب الاستهلاك قالت كيلاني:"كما نحتاج إلى المعلبات في الطعام يبدو أننا أصبحنا بحاجة الى فيلم مأخوذ من رواية، أو مسلسل مقتبس عن قصة الخ وهنا تختلط الأوراق، فلنفترض أن رواية ما تحمل هما إنسانيا أو وطنيا وانتقلت الى السينما أو التليفزيون ولم تحقق هذا الهدف، هل أدين هذه الرواية؟" وأضافت بأن الفنون قد اختلطت والكتابة أيضا، وسنصل إلى زمن لا نجد فيه فرقا بين الشعر والنثر، بين القصيدة والنص المسرحي، بين الجملة الموسيقية المغناة بكلام والمسموعة فقط كموسيقى، وسنصل الى زمن الكتابة فيه هي ما يرى وما يسمع. وأشارت إلى أن هذا الأفق الواسع جدا والمفتوح أوقع المثقفين والكتاب والشعراء في فوضى، وتساءلت:" هل أقول ان القائمين على الفضائيات يجب أن يكونوا انتقائيين جدا في إيصال الكلمة النظيفة والهادفة التي تحقق شيئا؟"! ورأت كيلاني أن القنوات الفضائية العربية الآن ليست إلا نوعا من العبث بالمقارنة مع القنوات الأميركية التي نجد كل ما يبث فيها مدروس وله خلفية، بما في ذلك البرامج الترفيهية. في حين أن الكثير مما يعرض عندنا مجاني ولا يخرج منه المشاهد بأي فائدة.
وقالت كيلاني بأن الإبداع لا يتجزأ وهو موجود في العلم، إدارة الأعمال، الكتابة، الإستهلاك. لذلك علينا أن نبحث عن الإبداع وعن المبدعين ثم نلتقط هذه الجواهر الثمينة للإبداع ونوجهها في أنساقها، وإن لم نفعل ذلك أصبحنا مستلبين وإمكانياتنا معطلة وتاريخنا وراء ظهورنا. مؤكدة بأن الخوف ليس من عدم وجود الإبداع ولا من السيطرة، ولكن من الانسحاب وعدم المواجهة.
وحول الإبداع النسوي قالت كيلاني بأن المرأة اقدر على تقصي الجزئيات والدقائق، وهي تمتلك شحنات انفعالية اكثر من الرجل وهذا يعود الى تكوينها كامرأة، بمعنى أن للمرأة سماتها الخاصة، وذلك لا يعني بأن هناك أدبا نسويا يختلف عن أدب الرجل بدليل ان فلوبير، زولا، ديستوفسكي، وغيرهم ممن تقصوا نفسية المرأة لم يكونوا نساء، مما يدل على أن الأمر الحاسم في هذه المسألة هو موهبة الكاتب ومقدرته على امتلاك ناصية الفن الروائي. وأضافت:" لقد بدأ عندنا نوع من الأدب سمى بالأدب النسائي ولا تزال هذه الموجة تكبر وترى الأدب نوعا من السيرة الذاتية، الخواطر،والأحداث الفجائعية أو الغرائبية في حياة المرأة، ولا اعتقد ان النجاح هنا يعود الى الفن الروائي بل الى كشف الأستار والحجب عن الأنوثة، وأنا شخصيا لست مع الأدب الذي اسميه الأدب الفضائحي، مشيرة إلى أن هذه الموجة خطيرة جدا حيث تقول النشرات الأدبية في أميركا، على سبيل المثال، إن كتاب مذكرات مونيكا لوينسكي فتح الباب أمام كاتبات معروفات نلن جوائز لأنهن كتبن سيرتهن الذاتية وعلاقاتهن المحرمة، ولا يعني وجود 23 كاتبة من هذا النوع أن الأدب الأميركي كله على هذه الشاكلة.
واستنكرت كيلاني هذا التوجه قائلة أنه "على الرغم من كوننا عربا لنا تقاليدنا وعاداتنا ومجتمعنا إلا أن هذه الموجة قد بدأت بالتسرب إلينا، وأضافت أن "المرأة العربية يجب أن تحافظ على خصوصيتها وخفرها وكرامتها الأنثوية، أما أن تبتذل نفسها في أوراق مكشوفة فأنا ضد ذلك" وأشارت إلى أن هذه الموجات تهديمية وتخريبية وعلى الكاتبات مسؤولية تجاه المرأة نفسها.
وعن نفسها قالت كيلاني:" من حيث كوني امرأة لم أشعر يوما أنني خارج الأنوثة، أو أن هناك عقبة علي أن أحطمها، فقد عشت في جو أسري منفتح، حياة جامعية منفتحة، ولم أجد في المجتمع صعوبات، والرجل بالنسبة لي جزء من حياتي هو أبي وزوجي والجيل الذي أرعاه الآن من الكتاب والأدباء، وأضافت بأن الأدب إما يكون أدبا أو لا أدب، والأنوثة أو الذكورة ليست هي المعيار." إنني اكتب لمتعة الكتابة وللتعبير عن الذات فأنا كاتبة مزاجية أكتب المقالة والبحث والرواية والنقد، وأحقق المخطوط
أنا بنت الحياة، لا طقوس لدي للكتابة، أكتب في الغابة وأكتب في القطار، في المطبخ وأنا احضر الطعام، اكتب وأنا أبكي، وأنا أحضر حفلة زفاف، فحين تأتي الكتابة أكتب في أي مكان وأي زمان".
وأشارت كيلاني إلى أن الرواية هي التي تفرض أسلوب كتابتها، لأن الأسلوب لا ينفصل أبدا عن المضمون، وأنها كروائية ضد وضع شروط مسبقة للرواية " لا تهمني الشهرة الزائفة أو أن يكون عدد القراء بالآلاف والطبعات متواترة، أنا أكتب نبضي، وأغمس قلمي بدمي، وأشرب من قناعاتي، وأكتب وليقرأ من يقرأ ولينصرف من ينصرف"
يذكر أن للكاتبة والروائية السورية قمر كيلاني إسما حاضرا في الأوساط الثقافية العربية والعالمية فقد ترجمت أعمالها الى الروسية والفرنسية والإنجليزية والهولندية والفارسية، حين كان الحضور النسوي في الرواية قليلا ومحدودا.
وقد أصدرت كيلاني روايتها الأولى "أيام مغربية" في العام ،1964 ثم توالت رواياتها "بستان الكرز"، "طائر النار"، "الأشباح"،" حب وحرب"، "الدوامة"، ولكيلاني إسهامات بارزة على المستوى البحثي وفي مجال الترجمة فقد أصدرت 17 مؤلفا في مباحث عدة منها التصوف الاسلامي، عالم بلا حدود، أسامة بن منقذ وغيرها، وشغلت مناصب عدة في منظمات إقليمية ودولية منها: اليونسكو، الاليسكو، وهي عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب ورئيسة تحرير مجلة الآداب الأجنبية - -(البوابة)

ايوب صابر 05-18-2012 02:06 PM

المنظورات الفكرية وتقاناتها في الروايـة النسائية السوريــة -24/01/2008

نلاحظ أن غالبية كاتبات الرواية يكتبن في أجناس أدبية أخرى مثل مؤمنة بشير العوف، وهي استاذة جامعية وشاعرة وناقدة، وسمر العطار وهي استاذة جامعية وباحثة وواضعة كتب لتأليف اللغة العربية للأجانب، وماجدة بوظو التي تكتب المقالة والقصة والمسرحية، ووليدة عتو وأنيسة عبود وعائدة الخالدي وهيفاء بيطار، وضياء قصبجي، وصباح قباني، وأميمة الخش، وفائزة الداوود، ومية الرحبي، وماري رشو، ووصال سمير وناديا الغزي اللواتي يكتبن القصة ربما اكثر من الرواية.
وترتبط الكتابة الروائية النسائية في سورية غالباً بتجربة الكاتبة في الحياة وضمن حدود المكان ومنطلقاته حيث تقيم الكاتبة، في مدى اقترابها من الحرية والابداع، فقد تأثرت كتابة سمر العطار وحميدة نعنع وغادة السمان وسلمى الحفار الكزبري وألفة الادلبي وهنرييت عبودي وأسيمة درويش وأنيسة عبود ومية الرحبي برحابة في عرض التجربة الانسانية والعاطفية والاجتماعية حتى لتعد رواياتهن مرآة لتأزم الذات القومية، والرواية الاولى في نقدها للماضي حيث وجهت اعترافات صريحة للتجربة الذاتية لتطور المجتمع في سورية من خلال نزوع مطلق الى الحرية في الاغتراب، والثانية في نقدها للثورة العربية المحبطة في اكثر من قطر عربي في المشرق والمغرب، والثالثة في تقصيها الحاد للخيبة القومية من خلال واقع مشخص هو الواقع العربي في لبنان وتداعياته المختلفة، والرابعة في استعادتها المدهشة لسيرة الكفاح الوطني ضد الاستعمار داخل معمعان التطور الاجتماعي، والخامسة لوطأة التغيرات الاجتماعية على النسوية والتحقق الوجودي، والسادسة عن التأسي النسوي في غياهب الحب والتعالقات الحضارية مع الآخر، والسابعة عن التطور الاجتماعي بين الريف والمدينة وضغوطه على النسوية، والثامنة عن قسوة التغيرات الاجتماعية وارتباطها بالتقاليد والموروثات التي تحط من قدر المرأة.
تمارس كاتبة أخرى نقد التجربة السياسية في سورية هي سلمى الحفار الكزبري في روايتها، ولا سيما تجربة الانفصال والوحدة والتغيير الكبير مع ثورة الثامن من آذار، وفعلت ذلك ايضاً كاتبة اخرى هي مؤمنة بشير العوف في روايتها «مد بلا جزر»، وإن كانت الروايتان اكثر احتفاء بتفاصيل السيرة الشخصية حيث كان نقد الواقع السياسي اطاراً او استعراضاً ناقماً لوطأته الباهظة على فئة اجتماعية متضررة، وعالجت ماري رشو بقوة وضع المغتربين العرب في الولايات المتحدة وأحزان الهجرة بروح انسانية مفعمة بالارادة والتوق الى الحرية.
تحفل روايات ملك حاج عبيد وملاحة الخاني بتصوير ثّر للتغير الاجتماعي في سورية في السبعينيات على وجه الخصوص، الاولى من منظور تجربة شخصية مازالت بصماتها واضحة، والثانية استطاعت ان تعاين التحولات الاجتماعية بمعزل عن ضغوط التجربة الشخصية على ان التجربة الشخصية التي تصل الى حد المماهاة بين النص ومؤلفته الواضحة في غالبية النصوص الروائية السورية، ولا سيما اعمال اميمة الخش وصبحية عنداني، وهيفاء بيطار ونوال تقي الدين ووليدة عتو اللواتي حاولن بدرجات معينة ادماج الموضوع العاطفي في اطار سيرورة اجتماعية.
وتنجح روايات كثيرة في استيعاب الموضوع الاجتماعي والابتعاد قدر الامكان عن النزوع الذاتي المستفحل، كما في غالبية روايات قمر كيلاني وبعض روايات كوليت خوري، ولولا ولع حميدة نعنع بامتداح الذات لكانت روايتاها تعبيراً موضوعياً شديد القسوة للواقع العربي، ولكنها لا تستطيع الخروج من اعجابها بذاتها وتفاصيلها العادية احياناً، فتصير الرواية في بعض الاحيان الى نجوى ذاتية لا مسوغ لها.
أمعنت المرأة الروائية في رؤية تلاوين شجن النساء التي تصل الى شدة النسوة المناهضة للذكورة والمجتمع الابوي والتقليد الاجتماعي والثقافي، كما في روايات فاديا شماس وهيفاء بيطار وهنرييت عبودي وهدى الزين ومها حسن.
بينما اقبلت كاتبات معدودات على الرؤية التاريخية لوضع المرأة، ولا سيما البعد القومي والوطني والاجتماعي فضاء للرحابة الانسانية في الوقت كما في روايات كوليت خوري وغادة السمان وقمر كيلاني وناديا خوست وألفة الادلبي من الرائدات، وملك حصرية وحميدة نعنع من الاجيال اللاحقة.
تعدّ روايات سلمى الحفار الكزبري «البرتقال المر» ومؤمنة العوف «مدّ بلا جزر» نوعاً من تصفية الحساب مع مرحلة تاريخية حتى ان الرواية تتحول الى استعراض للخطب السياسية والمجادلات العقيمة التي تؤثر سلباً على المتن الروائي.
ثمة تفاصيل في هذا الصدد ضاغطة على وجدان الروائية، ولكنها ليست بذات قيمة فنية وهذا يثير بحد ذاته احدى القواعد الذهبية في الادب وهي ان الترائي اهم من الوجود، وهكذا تحمل بعض الكتابات الروائية وثائق عن زمنها، ففي روايات سمر العطار وألفة الادلبي وكوليت خوري وقمر كيلاني وكتاب رنا قباني السردي «رسالة الى الغرب» (دار الآداب - بيروت - 1991) تسجيل دقيق او لماح للمرحلة التاريخية التي تتجه هذه الكتابات اليها.
اما الموضوع الغالب مع الكتابات النسائية الروائية فهو وطأة الضغوط الاجتماعية على العاطفة تعبيراً عن انكسار الحب او اخفاقه، ولاسيما الزواج والطلاق والحب غير المتكافىء، وعلى نحو أقل العلاقات الحرة بين الرجل والمرأة، وقد افلحت روائية مثل نادرة بركات الحفار في كتابة رواية عاطفية في سياق اجتماعي فكانت روايتها اكثر من رواية عاطفية، واقرب الى الرواية الاجتماعية، وتتنازع معالجاتها طوابع (المشجاة) الميلودراما والميل الطبيعي الذي يجعل شخصياتها مستلبة عاجزة قدرية ضعيفة الارادة امام قسوة الشروط التاريخية، وهذا واضح في رواياتها جميعاً،ولا سيما «الهاوية» وثمة جرأة كبيرة في اعلان الخيار الشخصي في تناول الموضوع العاطفي على الرغم من الاستغراق السيري في الكتابة عن التجربة الشخصية بوصفها تجربة عامة كما في كتابة هيفاء بيطار عن تجربة الزواج المخفق بأقسى من الطلاق في روايتها «يوميات مطلقة» وكتابتها عن تجربة الحب المخفق ومآله الخسران التام في روايتها «قبو العباسيين»، وكتابتها عن هجاء الرجل والذكورة في روايتها« امرأة من طابقين».
على وجه العموم تعاني الكتابات الروائية النسائية في سورية من التحليل النفسي، وتكاد تنعدم الشخصيات النسائية الاشكالية او النموذجية باستثناء روايات غادة السمان وحميدة نعنع التي تقدم رواياتهن شخصيات نسائية مستقلة وحرة في غالب الاحيان ، وتظهر الاستقلالية والحرية في الحب والزواج ، وقبل ذلك في العمل السياسي والحزبي ، وفي العمل بحد ذاته، ولدى هاتين الكاتبتين تتنقل النساء بين الاماكن والرجال والافكار والمعتقدات برحابة يحسدها عليهن الرجال انفسهم، وثمة نص روائي هو سرد مفتوح لحرية مطلقة تمارسها امرأة مع رجل لمها حسن سمتها «سيرة الآخر- اللامتناهي» ( دار الحوار- اللاذقية- 1995).
ولعل مغامرة التحديث الروائي في الكتابات الروائية النسائية السورية تتجلى في النصوص التي اشرنا اليها قبل قليل، فيبدأ التحديث واثقاً عند غادة السمان في لعبة التداعي، وانتقال الازمنة وتثمير مناطق اللاشعور، ونسبية النظرة الى العالم، الى الاحتفاء بشعرية السرد حين تصير الذات منطلق الرؤية، وحين يغدو الوجدان منعكساً لتأزم الذات العامة ومتحرراً من السرد التقليدي ومركزاً على وجهة النظر عند حميدة نعنع الى هوس التحديث حين تتكسر اللغة، ويصبح النص بوقائعه واحداثياته واحداثه غائباً في نثار اللغة وفيض الانشاء الذاتي.
لقد حاولت ضياء قصبجي ان تعالج شخصيتها النسائية من خلال ميل نفسي في روايتها «امرأة لا تعرف الخوف» ( المنشأة العامة- ليبيا - 1985) ولكن الاختزال الذي يجعل النص الروائي اقرب الى قصة والتماهي السيري قد قلل من فرص التعمق في فهم الشخصية وطلب التأثير، وهو ما جاوزته الى تحليل معمق لاوضاع المرأة في روايتها « اختياراتي والحب».
وهكذا فإن مفهوم الرواية في الكتابة الروائية النسائية ملتبس احياناً وشديد التباين في احيان اخرى، لأن ما كتبته ضياء قصبجي وهيفاء بيطار واميمة الخش في روايتها الاولى هو اقرب الى القصة او القصة المتوسطة، كما ان عدداً كبيراً من النصوص الروائية يتداخل مع مفهوم السيرة بتأثير التماهي الذي اشرنا اليه، اذ قليلاً ما تغادر الكاتبة ذاتها الى الذات العامة، ولربما كان عدد من هذه النصوص هو اشبه بسيرة فنية لوجهة نظر الكاتبة في تجربتها، او الانطلاق من تجربتها الى تجارب عامة مماثلة، كما في روايات لصبحية عنداني ومؤمنة بشير العوف ونوال تقي الدين ووليدة عتو وماري رشو وسمر العطار وغيرهن.
من الملحوظ ان بعض الكاتبات قد عنين بالمأثورات الشعبية في بناء النص الروائي، مثل غادة السمان في روايتها «ليلة المليار»، وناديا الغزي في نصها الروائي «شروال برهوم»، ووصال سمير في روايتها «زينة»( دار الأهالي - دمشق - 1992).
أما بالنسبة للرواية التي تخاطب الفتيان والناشئة فإن عددها قليل جداً، وينطبق هذا الوصف على رواية ألفة الادلبي «حكاية جدي» وثمة كتابات روائية اقصر لدلال حاتم هي: «مذكرات عشرة قروش» ( اتحاد الكتاب العرب- دمشق - 1983)، «حدث في يوم ربيعي» (المديرية العامة للاثار والمتاحف - دمشق - 1981) و«حنون القرطاجني» (كتاب اسامة الشهري- وزارة الثقافة - دمشق - 1981) وآخرها لضحى مهنا «هكذا عاش جلجامش» (دار الحوار- اللاذقية- 1994) عن ملحمة جلجامش المعروفة.
نلاحظ ان النقد الموجه للكتابات الروائية النسائية السورية قليل ، باستثناء ما كتب حول غادة السمان التي صدر حول اعمالها حتى الآن سبعة كتب هي: «غادة السمان بلا اجنحة» لغالي شكري، «تحرر المرأة عبر اعمال سيمون دوبوفوار وغادة السمان» لنجلاء نسيب الاختيار، و« التمرد والالتزام في أدب غادة السمان» لباولا دي كابوا و«غادة السمان: الحب والحرب- دراسة في علم الاجتماع الادبي» لالهام غالي و«قضايا عربية في ادب غادة السمان» لحنان عواد، و«فض ذاكرة امرأة» لشاكر النابلسي،و«غادة السمان: رحلة في اعمالها غير الكاملة» لعبد اللطيف الارناؤوط.
أما المصادر الاخرى لنقد الكتابة الروائية النسائية في سورية، فهناك كتاب وحيد هو «الرواية النسائية في سورية» لهيام ضويحي (1992)، وكتاب آخر لإيمان القاضي يتناول «الرواية النسوية في بلاد الشام»(1992)، وخلا ذلك مقالات وبحوث في الدوريات وبعض الكتب النقدية والتعريفية والتاريخية.
هذه اهم منظورات الكتابة الروائية النسائية وتقاناتها في سورية، وكما نلاحظ هي تجربة أدبية كبيرة في حساب الكم والنوع، والأهم فيما تثيره من قضايا تتصل بالادب وبالنسوية معاً.
البعث

ايوب صابر 05-18-2012 02:10 PM

المرأة في رواية قمر كيلاني

http://www.damascusuniversity.edu.sy...05/helwani.pdf

ايوب صابر 05-18-2012 02:24 PM

مع قمر كيلاني
حوار : اديب قزاز

قمر كيلاني أديبة عاشت حياتها بين الكتب دراسةً وتدريساً، فكانت هي مثالها في الحياة لهذا عملت على محاكاتها بعد ما عرفت أنها ثمرة العقول والإبداع. تلبثت طويلاً في عوالم جبران خليل جبران، وإيليا أبي ماضي، ونزار قباني، وأحمد شوقي، وتراثيات الأدب العربي، وعوالم القصة العربية الحديثة في مصر، وسورية، والعراق.. وراقبت بعينيها الرائية المشهد الإبداعي العربي، وكان أن بدأت بكتابة القصة القصيرة وسط مناخ ثقافي حار يشكل أساتذتها (شاكر مصطفى) و(بديع حقي) و(شكري فيصل) جزءاً مهماً منه.‏ وقد كان اقتحامها مجال الكتابة الإبداعية إضافة نوعية لدور المرأة وحضورها في المجتمع، فقد كانت كتابتها ولا تزال ركناً أساسياً في أركان الكتابة النسوية في سورية اجتماعاً مع كوليت خوري، وغادة السمان، وسلمى الحفار الكزبري، وإلفة الإدلبي.. ليس باعتبارها كتابةً صادرة عن ذات أنثوية وإنما باعتبارها الإبداعي والاجتماعي في آن واحد. فكتابات قمر كيلاني تشكل مدونة إبداعية ـ اجتماعية عن حياة الناس في سورية طوال العقود الأربعة الماضية من القرن العشرين، كما تشكل مدونة للوعي الوطني والقومي حين تحسست بأدبها آلام الشعب العربي الفلسطيني وفداحة المأساة التي تعرض لها.
واليوم، حين نقرأ تجربة قمر كيلاني الأدبية، نعي جيداً أن كتابتها ليست أصداء أو حوارات مع الأحداث أو الحادثات وإنما هي إبداع ارتوى من خميرة الزمن، وتشبع بروح المجتمع، وحبّر نوازع النفس وهواجسها، وأعلى شأن القيم السامية.‏ عن قراءة ما كتبته قمر كيلاني قراءة واعية تؤكد كم كابدت وعانت في محراب الفن لتأتي بنصوصها المصقولة كقطع الرخام، الصافية كماء الينابيع، والحارة.. كالأشواق.‏
* أودّ بداية أن أفتتح هذا الحوار بالسؤال عن العتبات الأولى، والرغبات الأولى التي أخذت الأديبة قمر كيلاني إلى عالم القصة والرواية؟!‏
** كانت المطالعة أولاً، فقد أولعت بالقراءة منذ سن مبكرة جداً، أي في العاشرة من عمري. وكنت كلما قرأت عبارة جميلة أو بيتاً من الشعر أنسخه على دفاتري المدرسية لأعيد قراءته قبل أن أعيد الكتاب الى المكتبة التي نستعير منها الكتب، وحتى الشعر كنت أنسخه أيضاً. وأذكر أنني في صف الشهادة الابتدائية الفرنسية التقطت أول قصيدة كتبها (نزار قباني) في رثاء إحدى معلماتنا التي توفيت وهي تضع طفلها، وكانت السيدة (سلمى رويحة) والدة (غادة السمان).‏
أما نوعية الكتب فهي التي كانت بين أيدينا في ذلك الحين: كالمنفلوطي، وجبران خليل جبران، والقصص المترجمة عن الفرنسية. والمؤثر فيّ حينذاك كان (جبران) بالتحديد وشعراء المهجر مثل (إيليا أبو ماضي) وغيره. ولم أكن أجد مجالاً لمحاكاة ما أقرأ سوى دروس اللغة العربية ومادة الإنشاء أو التعبير. وبما أن حصص اللغة العربية كانت محدودة بساعات معينة فقد كنت أعير دفاتري الصغيرة هذه المفعمة بالعبارات الجميلة وبالشعر الى رفيقاتي ليأخذن منها ما يساعدهن على كتابة وظائفهن في التعبير. أما المناسبات المدرسية فكان قلبي يخفق لها كلما حانت الفرصة لذلك، ولفت هذا نظر أساتذتي في ذلك الحين: الدكتور (بديع حقي)، والأستاذ (زهير دجاني)، وغيرهما، فترصعت دفاتري المدرسية بعبارات الثناء والإعجاب، وبالعلامات التامة فكان هذا أكبر تشجيع لي، فبدأت أقلد ما أقرأ حتى أنني كتبت مذكراتي وأنا في الحادية عشرة من عمري، ولا أزال احتفظ بها حتى الآن

ايوب صابر 05-18-2012 02:26 PM

تلك كانت هي العتبات الأولى التي خطوت فيها الى عالم الأدب الذي اختلط عندي بالكتب الفلسفية والثقافية العامة، فما أكاد أنهي كتاباً حتى اقرأ الآخر. واذكر أن أستاذي المرحوم (شاكر مصطفى) وأنا في الصف العاشر انتزع من يدي كتاباً فلسفياً قائلاً لي: "هذا كثير عليك.. اكتبي بدل أن تقرأي". فبدأت بكتابة القصة القصيرة دون أي توجيه الى تكنيك القصة، وكانت ملاحظات أستاذي (شاكر مصطفى) هي الدليل والمرشد لي في هذا الجنس الأدبي، ولا تزال هذه البدايات في أدراجي مع تعليقات أساتذتي (شاكر مصطفى)، و(شكري فيصل) خاصة.‏

أما في صف الشهادة الثانوية فقد نشرت لي أول قصة في مجلة لبنانية وكانت بعنوان: (شبح أم)، ولم أصدق أن اسمي هو الذي يفتتح هذه القصة مع عبارات ثناء جميلة تقول: "نتمنى لهذه الأنامل البارعة أن تستمر في العطاء". وأذكر أن كان لمثيلة هذه القصة أيضاً (دمية العيد) حظ في أن تنال جائزة أفضل قصة قصيرة في المسابقة التي أقامتها هيئة الإذاعة البريطانية BBC.‏
أما سنوات الجامعة فتلك لها حديث آخر، حديث التمرد على التقاليد والمناداة بحرية المرأة من خلال وجوب تعليمها كي تأخذ فرصتها الحقيقية في الحياة. هذه الرؤى والأفكار كانت تأخذ طريقها الى النور عبر صفحات المجلة الجامعية لطلاب كلية الآداب التي انتسبت إليها لقسم اللغة العربية، وكانت تنشر لي تحت اسم مستعار هو (رائدة النبع)، إلا أن اسماً آخر أطلقه البعض علي والتصق بي وهو (المتمردة الذهبية)، وبعد فترة قصيرة لم يعد خافياً على أحد أن المتمردة الذهبية هذه هي رائدة النبع. وأذكر أن أحد أساتذتي آنذاك في المعهد العالي للمعلمين الدكتور (أمجد طرابلسي) قال لي ذات مرة وبعد أن أخذت كتاباتي الأدبية تزدهر: "نحن لا نريد أدباء ولكننا نريد مدرسين للغة العربية"، ولعله لم يكن ليدرك نسيج شخصيتي الحقيقي بأن التعليم والكتابة كانا عندي فَرسان لعربة واحدة. وما كان مني بعد سنوات عدة إلا أن أهدي أستاذي هذا أوراقاً كتبتها تحمل عنوان: "أوراق من دفتر التدريس" نشرت مسلسلة في مجلة (صوت المعلمين)، وأقول في إهدائها: "الى أستاذي وصديقي فيما بعد الذي قال لي نحن لا نريد أدباء بل مدرسين".‏

ايوب صابر 05-18-2012 02:28 PM

ولم تقتصر دراستي الجامعية في كلية الآداب قسم اللغة العربية على علوم اللغة فحسب بل امتدت الى دراسة التصوف، فاستغرقت في هذا الاتجاه الفكري الفلسفي الديني وفي دراسة ابن عربي، وابن الفارض، وعبد القادر الجيلاني، لأجد نفسي أغوص في عالم شيق رائع يستحق الخوض فيه، وكأنه سرداب يأخذني الى كل ما هو ممتع فهل أرجع؟.. بالتأكيد لا. وكيف لي أن أفسر ابن عربي أو أن أشرح أبياته إذا لم أقدر على تفسير وحدة الوجود؟..‏
ولكني فجأة أقف مع ذاتي، وأسأل نفسي: لماذا اخترت دراسة اللغة العربية؟.. خطأ لا أغفره لنفسي.. إذ كنت أظن أن الموهبة والكتابة لهما علاقة باللغة العربية، وإذا بي اكتشف عكس ذلك، وأتمنى لو أنني اخترت دراسة الفلسفة وعلم النفس فما كان منى إلا أن درستهما الى جانب دراستي الأصلية في اللغة العربية، وحصلت على شهادة في علم النفس والتربية.‏
أما الرغبات فلم يكن بالسهل أن تتحقق في تلك الفترة حيث لا يوجد دور نشر، ولا اتحاد كتّاب، ولا وزارة للثقافة، ولا أي مؤسسة تتبنى إنتاجنا، ولم أكن وحدي وقد كان هذا شأن جيلي كله، فما كان منا جميعاً إلا أن اتجهنا الى بيروت عاصمة الثقافة، وبدأنا ننشر في المجلات الأسبوعية والشهرية، ومن ثم نبحث عن دور للنشر تتبنى إنتاجنا. ولم يتحقق هذا إلا في بداية الستينات عندما طبعت أول كتاب لي وهو (التصوف الإسلامي)، ومن بعده عام 1965 روايتي الأولى التي كانت تحبو بين يدي مثل طفلة يتيمة وهي (أيام مغربية).‏
كل هذا والمجتمع المحافظ المتزمت لم يكن يقبل ظهور المرأة كأديبة وكاتبة، وأذكر أن كوليت خوري نفسها في نهاية الخمسينات قد أصدرت روايتها تحت اسم كوليت سهيل، حتى كانت ثورة آذار وبدأ الانفتاح فعلياً، واذكر أن الأعداد الأولى من جريدة البعث كانت تحتوي على قصص ومقالات لي، هذا بعد تجربة مريرة أيام الانفصال إذ أنشأنا نحن نخبة من الكتاب والمثقفين والنقاد مجلة اسمها (ليلى) كنا نأمل أن تأخذ طريقها ليس في سوريا فقط بل في العالم العربي كله، بإخراج مختلف وبتكاليف معقولة، وكنا ندفع من جيوبنا ولا نتقاضى ثمناً لأي كلمة حتى ذهبت جهودنا أدراج الرياح.‏
تلك الفترة كانت صعبة، لكنها مهدت الطريق أمامي وأمام غيري لكي نثبّت أسماءنا على الساحة الأدبية لاسيما وأننا أصبحنا مراسلين لمجلات شهيرة أدبية او ثقافية في الخليج وفي لبنان، واذكر منا (محي الدين صبحي) و(محمد الماغوط) وأنا وغيرنا كثيرون.‏ وظلت رغبتي الأولى أن أكون في موكب الملكة الصغيرة أو القصة القصيرة التي نشرت أعدادا منها كثيرة في الوطن العربي كله، وترجم بعضها الى لغات أجنبية. ولم أنس بالطبع الإذاعات العالمية او العربية التي كانت تحتفي بالقصة القصيرة وتذيعها في برامجها الثقافة.‏ ذلك كان شأن القصة القصيرة، أما الرواية فقد عوضت عنها مادام النشر متعذراً أو ضيق الأفق بالمسلسلات الإذاعية وخاصة في هيئة الإذاعة البريطانية، وبعض من هذه المسلسلات شكلت منه فيما بعد روايات مثل رواية (الأشباح).‏

ايوب صابر 05-18-2012 02:29 PM

* الكثير من الأعمال الأدبية قمر كيلاني تحمل نبوءات مستقبلية مثل مجموعتك القصصية التي طبعت في العراق، ومثل روايتك /بستان الكرز/…‏ ترى هل من قصدية وراء هذا التنبوء بمآل القضايا العربية المصيرية… كالقضية الفلسطينية؟!‏
** الحكاية بدأت منذ أعوام 64ـ65 عندما أعلن النضال الفلسطيني لمنظمة التحرير، فقد كان لي أصدقاء كثيرون من الفلسطينيين وكنت قد كتبت عدداً من القصص الكثيرة حول القضية الفلسطينية مثل (قبلة على أرض غريبة)، و(ناتالي وأشجار البرتقال). وإذ كنت أسافر الى أوروبا وباريس خاصة فقد كانوا يسألونني كثيراً عن القضية الفلسطينية، وترجمت بعض القصص لي. أما في المغرب فقد كانت لي زاوية أسبوعية في جريدة (العلم)، وكنت مدعوة دائماً الى المحاضرات والندوات حول الكفاح الفلسطيني. ووجدتني في عين القضية، ولم أغفل بالطبع عن أوضاع المجتمع المغربي آنذاك وخاصة المرأة فكتبت كثيرا في الصحف حول هاتين الناحيتين. وما هي إلا سنة او سنتان حتى جاءت نكسة حزيران المريعة فوجدتني في قلب العاصفة او (الدوامة) من جديد وهذا عنوان رواية لي. فمن كان يستطيع في تلك الفترة أن يتجاهل القوة الغاشمة الإسرائيلية التي بدأت تتمدد كالاخطبوط في أرضنا فتقتطع الجولان، وتسطو على سيناء، وتصادر الضفة الغربية وغزة وتقبض على القدس؟ كنا إذن جميعاً كتاباً ومثقفين ندور في هذا الفلك، وخاصة بعد ظهور العمل الفدائي ومعركة الكرامة، إذ تبلورت الأوضاع كلها في ذهني، واكتست جميعاً بلون واحد لتدور حول محور واحد وهو القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للعرب جميعاً. وما أكثر ما كتبت من قصص ومسلسلات إذاعية حتى في مجلات نوعية كمجلة الشرطة، أو جيش الشعب، وأصدرت رواية تحمل ثقل تلك المرحلة كلها. وكأنما أصبح لدي كشف تنبؤي بأن ما يحدث لن يقتصر على المجال الذي نحن فيه خلال تلك الأيام بل سيتسع ويتسع، وهكذا صدرت مجموعتي (عالم بلا حدود) في بغداد في أوائل السبعينات، وهذا العنوان لقصة معينة في الكتاب ـ الذي يحمل اسمها ـ لها أمداء واسعة، فقد كنت أتعجب من دولة تأخذ كل حقوقها كدولة من الأمم المتحدة وليس لها حدود معروفة وهذا ما حاصل مع إسرائيل حتى الآن.‏.‏

ايوب صابر 05-18-2012 02:29 PM


وعن حرب تشرين نشرت رواية مسلسلة في جريدة تشرين بعنوان (حب وحرب) طبعت فيما بعد في كتاب، وفيها خواطر تنبؤية بأن الحل لن يكون إلا شاملاً لخارطة الوطن العربي كله وليس لفلسطين بالتحديد. كما أن لي مشاهد تمثيلية من حرب تشرين واقتحام جبل الشيخ بعنوان (عواء الذئب)، وأنا افتخر بها جداً لأنها أيضاً تنبؤية بحيث أجعل المعركة فيها رهاناً بين الإنسان وبين الآلة، بين ما تملك إسرائيل من أسلحة متطورة وبين ما نفتقده نحن رغم بسالة جنودنا من أسلحة ومعدات وتقنيات.‏ إذن فهذه كلها رؤية شمولية أكثر منها تنبؤية وهي سبر للأحداث التي تجري مع نظرة‏ أبعد الى ما يمكن أن يجري.‏
أما عن رواية (بستان الكرز) وأعني به لبنان فقد كنت ملتصقة به الى حد كبير أسروياً واجتماعياً ومن خلال الإنتاج الأدبي أيضاً، فكان لدي من الاستشفاف والتنبؤ بأن المحرض الأساسي لهذه الحرب هي الطائفية وليس وجود الفلسطينيين فيه الذين لم يكونوا في يوم من الأيام إلا ضيوفاً على البلدان العربية لا يحركون سياساتها، ولا يتحكمون في مصائرها. وهكذا انشطر لبنان عندي من خلال البطلتين في الرواية (سونيا)، و(ناديا) الى (لبنانيين): لبنان الذي يسير في الركب العربي، والآخر الذي يريد الابتعاد عنه. وأنهيت هذه الرواية التي صدرت عام 76 بدخول الجيش السوري الى لبنان منقذاً ومنهياً لهذه الحرب، ورمزت للبنان بالطفل الصغير الذي عثرت عليه البطلة أثناء الحرب وكان معافى موفور الصحة لكنه لا يستطيع المشي، ويحتاج الى من يساعده.‏ ولعل هذه التنبؤات أو هذا الاستشفاف كان وارداً في كثير من قصصي القصيرة ومن رواياتي أيضاً، واذكر أنني في عام 1965 كتبت في صحيفة مغربية بعنوان عريض: "الحل في يد الشعب الفلسطيني"، وكأنني أقول منذ ذلك الحين أن بؤرة الحدث، وتفجر المقاومة يجب أن تبدأ في فلسطين ذاتها مهما كانت المساعدات وربما الإغاثات من البلاد العربية جميعاً.‏ ولدي أيضاً قصة قصيرة بعنوان (اللعبة الخطرة) استوحيتها من حادثة جرت في القدس، إذ تآمر الأطفال على الجنود الإسرائيليين الذين يعتقلون بعض الفلسطينيين بأن رموا مياه الصابون في طريقهم كما أطلقوا أصواتاً غريبة لإفزاعهم كما يعتقد الصغار، وكأنني أقول إن الإسرائيليين لو بدؤوا يلعبون مع هؤلاء الأطفال فإنها لعبة خطرة ستؤدي كما حدث الى رميهم بالحجارة ومقاومتهم، وكما حدث في الانتفاضتين

ايوب صابر 05-18-2012 02:30 PM

* ـ أنت إحدى الأديبات العربيات اللواتي رسخن مفهوم الأدب النسائي الذي ضاهى في أغلب نماذجه ما كتبه الرجل من أدب… ترى كيف تنظرين إلى عوالم المرأة العربية الكاتبة اليوم أين هي الإيجابيات وأين هي السلبيات؟!‏
** من حيث المبدأ أنا لا أعترف بأدب نسائي وأدب رجال إن صح التعبير، إنه أدب فقط سواء صدر عن المرأة أو الرجل. وأنا بحكم تحرري منذ البدايات اجتماعياً وقناعتي بأن المرأة ند للرجل فقد كرست لدى جيلي من الأدباء والكتّاب ـ وكنا قلة ـ بأنني مساوية لهم ولا أقول أضاهيهم. وفي حفل تكريمي في جمعية القصة في اتحاد الكتّاب العرب صرّحت لجريدة تشرين "أنني كاتب ولست كاتبة".. فقد عُزز هذا الإحساس لدي ولدى الآخرين بأنني كنت المرأة الوحيدة في عدة مكاتب تنفيذية لاتحاد الكتّاب العرب، أو في مشاركات صحفية، أو في لجان عليا حتى على المستوى القومي. وأنا أفصل تماماً بين شخصيتي كامرأة وبين شخصيتي ككاتبة وأديبة، ولعل هذا ما كان يشعر به زملائي جميعاً.‏
أما بالنسبة لإنتاجي فقد كنت أغرف من معاناتي كإنسانة في زمان معين، وبلد معين، وظروف معينة فكيف تكون إذن الفوارق؟ وهذه لو حصلت ـ أي الفوارق ـ فإنها تكون بلمسات خفيفة وشفافة جداً، وبإشارات خاطفة ليس أكثر، وكأنما المرأة لدي تأبى إلا أن تطل ولو من نوافذ صغيرة.‏ وبما أنني أتابع الإنتاج النسائي في الأدب عموماً والرواية خصوصاً، وربما ساهمت بطريقة أو بأخرى بمساعدة من أصبحن أديبات، فإنني أقول إنه أصبح لدينا أدب يسمى الأدب النسائي، لأن المرأة في هذا الإنتاج بعد أن خرجت من شرنقتها، وتمردت على أوضاع كثيرة أسروية أو اجتماعية لم تجد أمامها إلا المرأة الأنثى أو الاخرى الأنثى أيضاً، فأصبحت الهموم الأنثوية ومفردات الحب والجسد هي الأساس في أعمالهن الأدبية. ولأن مجتمعنا يتسارع في تغيراته، وربما في تناقضاته فهو يطفح بهذه المشكلات التي جعلتها المرأة محورا لإنتاجها الأدبي. ولا أريد أن أسوق أمثلة ولكن يكفي تلك العناوين المثيرة لإنتاج المرأة منذ ربع قرن حتى الآن على الأقل. وربما ضللتني بعض العناوين مثل (الوطن في العينين) لكني لم أجد فيه إلا قصة حب عادية ومفتعلة. وما أكثر ما أتساءل: هل تسجن المرأة نفسها من جديد في أقفاص الحب والشوق والخيانة والغدر بعد أن تحررت وسارت هذه الخطوات في التقدم الاجتماعي؟.. لكن هناك إنتاجاً آخر لنساء لم تتح لهن فرصة الظهور أو الانتشار ولهن مؤلفات عديدة سواء في الرواية أو الشعر أو القصة القصيرة والأبحاث الثقافية أيضاً. وأكاد اجزم بأن المرأة لم تسجل حضورها في النقد الأدبي رغم تناولها في الحلقات الضيقة والمجالس الأنثوية لما يصدر من أدب نسائي، ورغم حفلات التوقيع التي أصبحت ظاهرة ينتشر فيها هذا الإنتاج كما الفراشات في الهواء.‏

ايوب صابر 05-18-2012 02:31 PM

ويخيل إلي أن المرأة الكاتبة عموماً لم تستطع أن تتخلى أيضاً عن تجاربها الخاصة ومغامراتها التي تسوقها في حبكات روائية هي من صنعها وليست من التجربة نفسها، فلا أكاد ألمح أحياناً خيوط الصدق فيما تنتجه هاته النسوة بينما الصدق أي صدق التجربة هو الأساس في أي عمل أدبي من هذا النوع وخصوصاً في الرواية. وكأنني أيضاً أجد أن الجرأة في تناول مفردات الحب لا تتناسب أحياناً لا مع الواقع ولا مع التجربة الأدبية ولا مع المرأة نفسها.‏ كل هذا لا يعني أن ليس هناك تطور في اقتحام المرأة عالم الأدب أولاً، وفي انتقائها لأسلوبها الخاص ثانياً حتى يكون أحياناً هذا الأسلوب يحمل معنى الفرادة والتميز، وأنا معجبة ببعض هذه الأساليب التي تستوحي من الشعر وقد تكون متأثرة به، ومن الصور الأخاذة الجميلة التي ترد في بعض الأعمال وخاصة من أدب المغاربية في تونس أو الجزائر أو المغرب، وهذا لا يعني أيضاً أنني لا أتوسم إبداعاً في شابات يقتحمن عالم الكتابة فيما نسميه التجريبي إذ يتبعن أسلوباً مغايراً هو خليط بين الشعر والقصة القصيرة بمونولوج داخلي، وربما اتبعن ذلك في الرواية التجريبية أيضاً. على أي حال فإن إشراقة اللغة وسلامتها والابتعاد عن العامية او اللغة الدارجة أمر مهم جداً نجد المرأة فيه أحرص على العناية به من الرجل مما يعطي أدبها طابعاً مميزاً وجميلاً.‏

ايوب صابر 05-18-2012 02:32 PM

* أود أن أعرف ما هي الصعوبات الاجتماعية (وغير الاجتماعية) التي واجهتك وأنت تكتبين القصة والرواية، ومن كان المساعد الأول لك على الظهور والإبداع؟!
** الظروف الأسروية والاجتماعية لم تكن مواتية تماماً، فأنا من أسرة إقطاعية إن شئت التعبير ليس للعلم مكانة هامة بين بناتها، لكن الاحترام والثقة التي منحت إياها جعلاني أشق طريقي اجتماعياً بثبات وعزم، إلا أن المجتمع ذاته لم يكن يتقبل لا الصحافة ولا الأدب ولا حتى تحرر المرأة. على أي حال الصعوبات التي واجهتني كانت ضئيلة بالقياس الى من كن في مثل موقعي أو حتى اللائي أتين بعدي. ولعلي بإصراري وعزمي وتفتحي الحقيقي نحو عالم الأدب لفت الأنظار إلي فرمقوني بشيء من الاعتراف، أو ربما الحيادية لكنهم لم ينصرفوا عني لأنهم ظلوا يرصدون كل ما أقوم به كظاهرة تحررية متقدمة في تلك الفترة. ولعل أيضاً الجو الثقافي المميز في ذلك الحين ممن أصبحوا فيما بعد أعلاماً ورواداً في الأدب والثقافة والصحافة كان يعوضني كثيراً عن الفراغ الحاصل من غياب المؤسسات أو المنتديات الثقافية، أو حتى المنابر في المنتديات النسائية التي يمكن أن تعبر فيها المرأة عن ذاتها قبل أن تعالج واقعها الاجتماعي. وبعض من هؤلاء لا أنساهم أبداً لأنهم منحوني الكثير من المساعدات ولو كانت بسيطة لكنها كانت توفر عليّ الاقتحامية والظهور المستمر، فلو كان أحدهم سكرتير تحرير في جريدة أو مجلة فهو الذي يتولى الحصول على إنتاجي وربما مر بنفسه الى بيتي ليأخذه مني، ولم يكونوا يضعونني إلا في المكان اللائق عندما بدأت بوادر المنتديات الأدبية واللقاءات الثقافية، ولم أكن اشعر بالغربة بينهم رغم أنني أحياناً أكون المرأة الوحيدة في هذا الجمع المثقف والراقي اجتماعياً في آن معاً. واذكر أننا عندما أسسنا مجلة (ليلى) لم يكن يسمح رئيس التحرير بأن أعود الى بيتي في ساعة متأخرة نسبياً حرصا عليّ لا أكثر.‏

ايوب صابر 05-18-2012 02:32 PM

وهكذا يرتبط القسمان من السؤال أحدهما بالآخر، فالمساعدات الصغيرة كانت ترد بشفافية وغزارة، أما المساعدات الكبيرة والحقيقية فلم تكن موجودة على الإطلاق لأن الجو الثقافي نفسه رجالاً ونساءً كانوا بحاجة الى من يساعدهم، لكنني أذكر الشاعر الكبير (أدونيس) عندما تبنى أول كتاب لي في بيروت، وكانت محطة استراحة لنا نحن المثقفين، فتولى إصداره في عام 1962، وكذلك (دار الكتاب العربي) التي أصدرت لي عام 1965 أولى رواياتي (أيام مغربية).‏ ولعل الظروف التي نثرت أساتذتنا في العالم العربي من الكويت حتى المغرب حرمتني من التوجيه والاسترشاد بآراء من كانوا أول من شجعني على درب الأدب مثل الدكتور شاكر مصطفى، والدكتور أمجد طرابلسي، والدكتور شكري فيصل، وسامي دروبي، وفاخر عاقل، وغيرهم.. ولهذا وجدتني وحيدة لا من يساعدني غير مطالعتي الغزيرة والمستمرة، واكتشافاتي العادية أو المبهرة لما يجب أن تكون عليه القصة القصيرة أو الرواية، فأفرح كثيراً لو أنجبت قصة كما لو أنني أنجب طفلاً فأهرع بها الى زملائي الذين يشجعونني على المضي في طريقي، ولا ألبث أن أنشرها على الأقل في الصحف المحلية آنذاك، وإذا اشتدت عزيمتي أطير بها الى بيروت نحو المجلات اللبنانية.‏
إذن فأنا ساعدت نفسي بنفسي وبنيت هذا الكوخ الصغير في عالم الأدب لبنة لبنة من خلال معاناة طويلة طويلة.

ايوب صابر 05-18-2012 02:33 PM

* تُتَهم المرأة الكاتبة بتهم عديدة لعل أبرزها هي التهم التي تحاول تصيد المرأة ووضعها في خانة اللاإبداع، وأن هناك من يكتب لها… وما رأيك؟!‏
** هذه ليست تهمة بل حقيقة فكم من نساء كاتبات سواء في زمني او في هذا الزمن لازلن يعتمدن الرجل المبدع فيكتب لهن او يساعدهن على أقل تقدير، وأنا اعفي نفسي من الأسماء. ولعل الرجل كان يشعر بفرح بهذا التماهي مع شخصية الأنثى أولاً، وبأنه إذ لا يمتلك النص الأدبي بل هو يمتلك صاحبته. وكثيراً ما كانت تثار هذه القضايا وخاصة بين النقاد الذين يستطيعون أن يميزوا التفرد في أسلوب كل كاتب او كاتبة. وأنا اذكر جيداً أنني أرسلت قصة الى مجلة أدبية تعهد فيها عدد القصة الأديب فاضل السباعي، ولما نسيت أن اكتب اسمي استطاع من ملاحظة الأسلوب فقط أن يعرف أنها لي. وماذا أقول بالمقابل عن الكتاب الذين اختطفوا أسماء وهمية لنساء وأصدروا مؤلفات أو حتى مقالات، وعندما يبحث المتتبع لساحة الأدب لا يجد واحدة بهذا الاسم؟‏
أما أن ظاهرة ثالثة تبرز وهي أن المرأة تكتب أحياناً باسم مستعار لمخاوف اجتماعية أو لتغييب اسمها الحقيقي في المجتمعات الضيقة المغلقة، وهذا وارد حتى الآن.‏

ايوب صابر 05-18-2012 10:22 PM

- كتبت في صف الشهادة الثانوية أول قصة، ونشرتها في مجلة لبنانية بعنوان « شبح أم »، ونالت قصة « دمية العيد » جائزة أفضل قصة قصيرة في مسابقة أقامتها هيئة الإذاعة البريطانية bbc.
- ما أريد أن أقوله في كتاباتي له عدة مستويات.. المستوى الشخصي كامرأة.. بأن لي معاناتي الصادقة والمريرة والتي لم أُعبر عنها إلا بلمحات خاطفة كأنها الشوق.
- أريد أن أعبر بنطاق أوسع عن حياتي في دمشق التي أراها شبه أطلال الآن.. دمشق القديمة.. ومعاناتي في سورية كامرأة تؤمن بالعروبة..
- أستطيع أن أقول إن كل ما كتبته كان نبضاً من حياتي.. وجزءاً من حياتي.. ولكنه ليس مرآتي وليس صورتي.‏‏
- لم أكتب الأشياء التي جرحتني حتى العظم في صورتها الحقيقية.. وإنما غمزت إليها، أشرت إليها وعكستها.. لكنني لم أصورها التصوير الدقيق، أعتقد بأن كل ما أريد أن أكتبه عن نفسي أو يعرفه الآخرون عني لم أكتبه بعد.
- وأذكر أنني في صف الشهادة الابتدائية الفرنسية التقطت أول قصيدة كتبها (نزار قباني) في رثاء إحدى معلماتنا التي توفيت وهي تضع طفلها، وكانت السيدة (سلمى رويحة) والدة (غادة السمان).‏
- وما هي إلا سنة او سنتان حتى جاءت نكسة حزيران المريعة فوجدتني في قلب العاصفة او (الدوامة) من جديد وهذا عنوان رواية لي
- أما بالنسبة لإنتاجي فقد كنت أغرف من معاناتي كإنسانة في زمان معين، وبلد معين، وظروف معينة



يبدو ان عاشت حياة ازمة والاغلب انها يتيمة الام ودليل ذلك ان اول قصة نشرت لها كانت بأسم شبح ام.

لكننا سنعتبرها لغرض هذه الدراسة بسبب الهم الشخصي كأمرأة والهم العام واجواء الاستعمار والهزائم

مأزومة.

ايوب صابر 05-18-2012 10:47 PM

79- الحصارفوزية رشيد البحرين


نبذة النيل والفرات:
"الدماء المحتقنة في الوجوه لم تنزّ بعد، حاول الجميع أن يمتلكوا رباطة جأشهم حتى آخر لحظة. وبينما هم يكتمون أنفاسهم، خرج منصور ناكساً رأسه. علّه فعل ذلك خوفاً من البطش الذي يعرفه جيداً حيث يلمّ بحشد كامل متفق في رأيه حول شيء ما. اقترب متجهاً إلى قاسم وهو يتأمل الآخرين. عيناه ثابتتان عليه وحده ولسانه للجميع: أنتم تدركون أن الأمر ليس بالسهولة التي يتوقعونها. السيد روبنسون، يشير إلى الفرقة التي خرج منها، يرى أن القضية قضية عصيان، ومن ثم لا يريد أن يرضخ للأمر من هذه الزاوية! يحاول قاسم أن يقاطعه بينما يصرّ هو على إكمال حديثه بلهجة ودية هذه المرة: لذلك فليس من الخير جميعاً الاستمرار في مثل هذا العصيان. شعر قاسم أنه الموكّل ليجيب عن رأي الآخرين؛ فرد مقاطعاً ومتسائلاً بغضب: أي عصيان هذا؟ لا أعتقد أن هذا-يشير أيضاً إلى النافذة-يحلم بعمل يستغرب معظم وقتنا وجهدنا ليطلب منا أن نرضخ نحن لشروطه غير العادلة. ينتفض آخر مكملاً الحديث: إنّ "رجب" و"حسن" والشيخ مصطفى لم يفعلوا سوى أن نادوا بمثل ما ننادي به الآن، وكان مصيرهم الطرد أو السجن. هل يعني هذا أن مصيرنا مثلهم لمجرد أن نقدم أي اعتراض". تمضي الروائية في تلمس آلام العامة، العاملين منهم لتصور ضمن إطار قصصي مدى معاناتهم في سبيل لقمة عيشهم التي أبى صاحب العمل الأجنبي إلا اجتزاءها من خلال استغلال جهودهم، لينتهي الأمر إلى خروج صرخة تتجاوب معها أرجاء المدينة ليمضي الجميع متعاطفين مع هؤلاء ضد أصحاب العمل الأجانب. وتجدر الإشارة إلى أنه تم اختيار هذه الرواية عام 2000 من بين أهم مئة رواية عربية في القرن العشرين، وذلك في استفتاء قام به اتحاد الكتّاب في مصر، كذلك تمّ اختيار الرواية من بين (105) مئة وخمس روايات للترجمة إلى ست لغات عالمية حية عن طريق اتحاد الكتاب العرب في دمشق. هذا وتعتبر تلك الرواية إحدى أول روايتين صدرتا في البحرين، في إطار الحركة الأدبية البحرانية المعاصرة.

==


نبذة النيل والفرات:
نظرات محمد تنتقل جمراً يحرق وجنتيه، يرد عليه بغضب. كفى أيها الدنيء.. ليس هكذا نفهم أحزان الآخرين.
ران صمت ثقيل، وشعر الكل بغرابة علي وتصرفه الصبياني، إهانة مباشرة لعباس الذي لم يتفوه بأية كلمة وإنما استغرق في صمته.
تعالت الأصوات من الغرف الأخرى المجاورة وقد كانت همساً غير مسموع، تشتم وتعلن وتطالب بالصمت ووضع حد لكل ما يجري.
وقبل أن يخلد الأربعة في الغرفة التي ينام فيها خالد قال علي متداركاً خطأه وكأنه يحاور نفسه: أن أضحك! فذلك أكثر قدرة في استيعاب حزني من فعل البكاء. لا تستغرب يا محمد! وأنت يا عباس؟ لا تعتقد أني كنت أهزأ من ألمك. قال ذلك وخلد إلى النوم مباشرة!





نبذة الناشر:
رغم تنوع موضوعات القصص، وتباين الأوعية التي تصب فيها أحداثها -ما بين الواقعية المجنحة، والواقعية الشعرية والحلم، والأسطورة المنتزعة في أغوار الماضي كي يضيئها نور وعي معاصر، ويبقى الإنسان وهم الإنسان الشغل الشاغل لفوزية رشيد. الإنسان طفلاً ورجلاً وامرأة. الإنسان شاباً أو عجوزاً. الإنسان مخطئاً أو مصيباً أو محيراً لا يدري أخطأ هو أم صواب. وتلجأ فوزية رشيد إلى الشعر وتقنيات الفن القصصي المعاصر. المونولوج الداخلي. تداخل الزمان والمكان. تعايش الماضي والحاضر ولكن ركيزتها الأساسية نفس شديدة الحس، وعاطفة دفاقة وروح تتعذب بالفعل وتقتطع من عذابها قطعاً تصنع منها قصصاً. إن على فوزية رشيد ألا تكتب إلا وهي مشتعلة، هكذا نطلب نحن الأنانيين!

ايوب صابر 05-18-2012 10:57 PM

اهتمام واسع برواية البحرينية فوزية رشيد


نشر 15 حزيران/يونيو 2000 - 03:00 بتوقيت جرينتش




قوبلت رواية "فراشات القلق السري" للروائية والكاتبة البحرينية فوزية رشيد، وهي شبه مقيمة بالقاهرة منذ تسع سنوات،‏ باهتمام لدى الكثير من الأوساط الأدبية والنقدية .‏‏
وقالت رشيد لوكالة الأنباء الكويتية "كونا" إن روايتها تتعلق ببحث المرأة ‏ ‏المعاصرة عن وجودها، من خلال قراءة وصياغة جديدة لأسطورة شهرزاد. ‏ ‏ وأضافت أن شهرزاد الأسطورة تحايلت على الموت وقتل شهريار لها، أما شهرزاد ‏ ‏الرواية فإنها تتحايل على الحياة بمحاولة فهمها لذاتها، والوقوف ضد المحاولات ‏الرامية إلى تشويهها، حتى تستطيع أن تتجاوز مأساتها.‏ ‏
وأشارت رشيد إلى أن شهرزاد الأسطورة أيضا تتبنى المنطق الذكوري، لأن الزمن آنذاك لم يكن مرشحا لأكثر من ذلك. أما شهرزاد القرن الواحد والعشرين فإنها تتبنى ‏منطقها الخاص وتطرح أسئلة وجودية كانت حكرا على الرجل.‏
وقالت إن القلق الذي تفصح عنه الرواية ليس قلقا من أجل التمرد على الرجل، ‏ ‏وإنما من أجل معرفة الذات، وإمكانياتها، وآفاقها، وخلخلة الخبرة السابقة حولها. تلك ‏ ‏الخبرة التي حبست المرأة في صورة زائفة يتم تداولها عبر العصور .‏
وأضافت رشيد أن أكثر ما تهتم به الرواية هو: طرح أسئلة عميقة وكثيفة على ألسنة نساء ‏القرن الجديد، حول وجود المرأة المعاصرة عبر بناء زمني متداخل، ولغة تمزج الحلم، ‏والفانتازيا، والواقع، والتاريخ، والأسطورة.‏ ‏
وكانت رشيد نشرت أول مجموعة قصصية لها عام 1983 بعنوان" مرايا الظل والفرح" ‏ ‏ثم نشرت مجموعتها الثانية بعد ذلك بثلاث سنوات تحت عنوان " كيف صار الاخضر حجرا ‏" وصدرت لفوزية رشيد أيضا رواية "الحصار" 1987 و "وتحولات الفارس الغريب" 1990، و"غابة في الصحراء" 1994.‏ ‏ أما روايتها " امرأة ورجل " فقد نشرت عام 1996 إلى جانب رواية أخرى هي"‏انقسامات السيد "، وقد ترجمت بعض قصصها إلى الإنجليزية، والألمانية، واليابانية،‏والنرويجية، والدانمركية - -(البوابة)

ايوب صابر 05-18-2012 10:59 PM

فوزية رشيد
كتبت القصة منذ 1979 ونشرت أو ل مجموعة لها بعنوان " مرايا الظل والفرح " في 1983 ونشرت رواية" الحصار " في نفس العام ثم نشرت المجموعة القصصية الثانية بعنوان " كيف صار الأخضر حجرا ؟ " في 1988 وراية " تحولات الفارس الغريب في البلاد العاربة " عام 1990
"عملت لعدة سنوات مشرفة على الصفحة الثقافية في جريدة الخليج في الشارقة.
"عضو اتحاد الكتاب العرب في دمشق وعضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين.
"كانت عضوا نشطا في أسرة الأدباء والكتاب في البحرين.
"ترجمت بعض قصصها إلى الألمانية والإنجليزية في كتابين عن قصص المرأة العربية.
"رشحت روايتها " تحولات الفارس الغريب في البلاد العاربة " للترجمة إلى الإنجليزية والفرنسية والأسبانية

ايوب صابر 05-18-2012 11:01 PM

فوزية رشيد
ولدت في المحرق- البحرين.
تعمل صحفية ولها العديد من المقالات النقدية والسياسية .
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين - دمشق
عضو عدد من الجمعيات والاتحادات الأدبية في مصر
عضو أسرة الأدباء والكتاب في البحرين
ترجمت بعض قصصها إلى الانجليزية والألمانية واليابانية والدانماركية ورشحت روايتها ( تحولات الفارس الغريب) للترجمة إلى الاسبانية والفرنسية والانجليزية.
شاركت في العديد من المؤتمرات والملتقيات الأدبية والفكرية.
تقيم حالياً في القاهرة .
http://awu-dam.org/dalil/08ra/images/o-472.jpg مؤلفاتها:

1-الحصار- رواية- بيروت 1983.والقاهرة 1990
2-مرايا الظل والفرح- قصص- بيروت 1983.والقاهرة 1990
3-كيف صار الأخضر حجراً- قصص- دمشق 1986- اتحاد الكتاب العرب.-القاهرة 1990 - دار سينا
4-تحولات الفارس الغريب في البلاد العاربة- رواية- 1990.( عمان وبيروت) - القاهرة 1992
5- امرأة ورجل - قصص - هيئة الكتاب المصرية 1996 ودار المدى ( دمشق) 1996.
تحت الطبع:

1- عذابات شهرزاد- ثلاثية روائية
2- بحثاً عن الزمن الآخر- كتابات نقدية متنوعة.

ايوب صابر 05-19-2012 02:05 PM

Fawzia Rashid (فوزية رشيد)
has been writing fiction since 1977. However her first major publication came in 1983 with her novel al-Hisar (The Siege) followed in 1990 by her novel Tahawwulat al-Faris al-Gharib fi-l-Bilad al-Ariyya (The Metamorphoses of the strange Knight in the Naked Country). In 1994 two of her collections of short stories, Maraya al-Zil wa-l-Farah (Mirrors of Shadow and Joy) and Kayfa Sara al-Akhdaru Hajaran (How the Green turned into Stone) were published in one volume entitled Ghaba fi-l-Ara' (A Forest in the Wilderness).

Rashid has worked as a journalist on the culture page of Akhbar al-Khalij newspaper in Sharja since 1984. She has also written a range of critical and literary articles for teh Gulf and Arab press and has worked as a correspondent for a number of other newspapers in teh region. Her short stories have been translated into English, German, Japanese and Danish. At present Rashid is living and working in Cairo.

(From The House of Silence by Fadia Faqir)

Publications: (Arabic)
  • Maraya al zill wa al-farah (Mirrors of Shadow and Joy, short stories). Beirut: 1983
  • Kayf sar al-akhdar hajaran (How the Green Became a stone, short stories). 1988
  • Tahawwulat al-faris al gharib fi-l-bilad al-`Arabia (Transformation of a Night, Stranger in Arab Lands, novel). 1990
  • al-Hisar (The Siege, novel). 1993
  • Ghaba fi-l-`ara' (Forest in teh Open Land, short stories). 1994
  • Imra'a wa rajul (A Man and a Woman, short stories). 1995

ايوب صابر 05-19-2012 02:11 PM

الليل البهيم
فصل من رواية (القلق السري)

فوزية رشيد
http://alflela.org/plugins/content/i...4d579462b.jpeg

(1)

ما سر الليل؟
لماذا تذهب الأفكار فيه بعيدا، وتتشح المشاعر بحضورها الكامن، وكأنها على وشك الانفجار، من تلك النقطة الهيولية، التي لم أعد أذكر شيئا عنها، بدأت المراوغة بيني وبين الليل. تعاودني الأسئلة ذاتها، وأنا أقرأ صفحته المدلهمة. وكما في فنجان قهوة، تتعرج الخطوط في سواده وتتداخل، لتجيء غجرية غامضة، فتفك الإشارات، أحاول بحواسي المتنافرة، أن أقرأ البياض في أفق الفنجان الأسود. ورغم ما يتيحه هذا الليل من قدرات، تتواثب في كل ما فيه، بشكل سري وخفي، إلا أن الحدقة تبقى متطلعة دوما، إلى ضوء يتسرب مع الفجر بعده. تصحو كل الكائنات بعدها وتنام حواس!ى، فالليل هو موعد الصحو مع الكمون، وتلك العوالم الداخلية الغريبة، التي قد تتبدى حيناً أحلاما مشحونة بالدلالات، وتتبدى حينا أخر كوابيس تنشب أظفارها في ورم هواجس داخلية مرعبة، فتهيئه للطفح وإخراج ما فيه، لأن الذي يحدث لم يحدث، أو هو قد حدث قبل أن يحدث، وإنما في سياق آخر وفى زمن آخر. في ظلال ذلك الصمت، يدخل كل شئ، هدوءه وربما صخبه، وهو يحاول أن يستأنس، فورة الظلام المتكاثف في فضاء ملغز. مأخوذة بالكثافة والأسرار التي ترافق الأمكنة، عشق يستبد في حينه، تجاه ما هو مستور، وتخبئه الكائنات في حين خلوتها مع ذاتها، أو مع الآخر الذي يشبهها كثيرا، إن صح التقدير. جموح طافح في أن أعيش حيوات الآخرين كلها دفعة واحدة" لا يفت في عضدي، الإحساس بأنها قد تكون مجرد حيوات متكررة، فليس ذلك وحده، هو ما يثير الفضول، الهاجس يصل إلى ما هو أبعد، إلى سبر حدود الأغوار البعيدة في النفس، والتي عادة تتكشف أكثر في الليل البهيم، وسبر تجليات الطبيعة بجبالها وهضابها وبحارها، وما تتبادله مع الكائنات من ألغاز وغموض.

وتلك اللحظات الاستثنائية، التي يدلهم فيها الليل، فيوارى خلف حجبه، آهات مشتركة تنبعث من ملايين الأفواه في لحظة واحدة، وكل خلف جدار بيته الموصد، حينها ينزلق الوقت نحوهم، ويؤجج فيهم الحب، ثم يتوقف الوقت عن سريانه، ليصطاد معهم، تلك البرهة الحميمة، والخارجة من إطار الجسد المحدود إلى أفاق الروح اللامحدودة، ولولا ذلك لعاش البشر كحيوانات البرية، يضاهونها في شراستها. ولكن لم الحيوانات بالذات رديفة المنفلت من الطبائع؟ هي أيضا تعيش ما يعيشه البشر، تسرق من الزمن وقتها الخاص، وحميميتها الخاصة، وربما تدرك أكثر من غيرها، طبيعة ما تهدر به الغرائز، فتتصرف معها بتلقائية، دون أن تعبأ كثيرا أو تبالي بالفخاخ المنصوبة، وهى في استرخائها، أو النواميس لأنها لا تعرفها، أو الزوايا المحفوفة بالخطر، لأنها لا تراها، خطر الكائنات الأخرى، القادرة بوحشية ذكائها المعقد والمركب، أن تلقم لها الموت بطعم رخيص. هكذا، وحدهم البشر، سلالة العنف المنظم، قادرون على الفتك الأقصى، بكل شئ بما فيه أنفسهم. تتساوى في ذلك الحكمة والحماقة، فلكل منهما تضاريسه وأساليبه، وهم منفلتون نحو خلق الغايات، التي تبدو في ظاهرها منظمة بالقوانين، وهى في حقيقتها وجدت لتتيح لهم مزيدا من الفتك، وأن يستبدوا بكل شئ وفى أية لحظة، والقانون في النهاية لا يحمى المغفلين … آه ما أكثرهم! هؤلاء المغفلين

أي سر لهذا الليل؟
ومن أين تجئ الوجوه المتعددة والرموز المتناقضة لكينونته؟ مثل شجرة النار أو عاشقة الغابات المحترقة، مثل نيرون الذي أحرق مدينته، لينتشي بمشهد الحريق وألسنة اللهب، مثل أولئك النوبيين الذين يؤمنون بسكان قاع النهر ويتصورونهم يسكنون مدنا ليلية كاملة، بقصور وشوارع وطواحين، بل وبسواقي أيضا وهم في جوف الماء الحالك… كل هؤلاء وغيرهم يأخذ فعلهم بهاءه ويستمد رونقه في الليل ا حضارات بأكملها، تأخذ بعضها، صفة بلادتها وتخلفها، من الوجه الأول لليل: الظلام… فيستبد القائم على شؤون الخلق، بطغيانه، ويكشر عن أنيابه الصفراء ضمن طقوس، قيل إنها، ظلامية، يتربحن فيها بكل ما هو، خارج المعتقد الأسمى للحضارة البليدة، ولو كان غرفا أو تقليدا بائدا.

مثل كل ذلك وغيره، هناك أيضا ما جمع بين خواص الليل، سره، وخواص الوهم. كثيرا ما تكون الحقيقة مجرد وهم، ويكون الوهم هو الحقيقة، مادام الليل عيه ويستمد لباسه من تعاليم الظلام. أكثر شرائع القتل والخراب، تأتى من الوهم، الذي يأخذ لباس اليقين أو الشك... ثم تدخل الضحية عمها أو كابوسها.،. بهما وحدهما تقتل الملك، وتدمر هيكله، وتلعب بصولجانه... مجرد حلم وتنفيس عن العجز الواقعي، فلا تجد أمامها إلا الحلم، تتوحد من خلاله السلطة العليا، بسلطة الذكورة المستبدة بتفاصيل الحياة... والضحية تقتل الاثنين معا... مجرد كابوس ويمضى، ويخال لها إنها قد قتلت الأب أيضا، ذلك الأب المحكوم بشكوكه وتعاليمه، فهل أنجزت في الليل والنوم ما كان ينبغي إنجازه في النهار والصحو؟.. الضحايا تعتقد ذلك، ولا يبقى لأحدها، إلا أن تناجى بعدها الأعضاء والحواس، وغالبا ما تكون النساء. في المناجاة تود لو تقول إن اليدين ليستا لمجرد الترتيب المنزلي، ولا العينين لمجرد رؤية ما هو تافه، ولا العقل لمجرد ترديد التعاليم الجامدة، ولا القدمين لمجرد الدبيب الأبله في الطرقات الملتوية لمدينة رملية، وليس الجسد لمجرد التغطية والمواراة، أو كوعاء للحمل.. فالحواس تومئ بمدائحها لما هو أسمى وأعلى في الكشف، إنما هي هكذا سادرة في اللافعل، وفى فراغها، تحت حماقة الوصايا المحفوفة بالأسيجة والظلام.. ها فعل آخر لرموز الليل هنا!.. ما السر أيضا؟ ليس الخارج أو الظاهر، هو ما يشي به، وإنما ذلك البرهان الداخلي أو الباطني على وجود الشيء فيوجد، الإنسان صنيعة فكره ومعتقداته وليس صنيعة الحقائق.. ألهذا يعطى الليل مثلا كل المساحة الفائضة، للالتقاء بعوالم الخفاء؟ أهو الليل، صديق الأسرار والألغاز والمبهم.. مؤازر الجنون والهذيان والكوابيس والأحلام، تقارن العتمة الداخلية، التي للنفوس بعتمته، ليبقى الجهل بالنفس، وتلك المناطق المتوارية أكبر من أي جهل، لا يكشفها الإنسان إلا في لحظات بصيرة خاطفة. مثل السنابل تتمايل برهافتها وضعف هسيسها، وفى لحظة بصيرة غريزية تتضح لها الرؤية.. أن ريحا قوية قادمة لتقتلعها، فتنحني لها مادامت باقية، لتعاود بعد ذلك استقامتها.. ألا يشبه ذلك ما تفعله النفس البشرية

الجاهلة بأدغال عتمتها الداخلية، إنما بصيص إدراك خاطف، يتيح لها روية مباغتة للضوء فتتصرف وفق بصيرتها في أفق ليلى ممتد. طبيعتنا ذاتها تشبه الليل، التخفي والمبهم وغير المنظور مرة أخرى. مثل الليل نبطن أكثر مما نظهر. قادرون على الإيهام، أكثر من قدرتنا على الكشف والإفصاح أو الوضوح. ومثل الليل أيضا ينقلب المخفي فينا على ذاته بغتة، وإلى نقيضه. فينا جميعا ذلك السري الذي لا يراه أحد، كالمساحات المجهولة في الطبيعة، حين لقائها الدوري بالليل، حتى الريح العاتية، ليس بإمكانها أن تبدد ذلك السري، قد تجعل من المياه المنسابة، في الممرات السرية للطبيعة، أو للنفس، مجرد صوت غامض، يتسرب من بعيد، دون أن نعرف مصدره. ما الذي بإمكاننا إذا أن ندركه غير أوهامنا عن ذواتنا والآخرين. وتلك الرحلة المضيئة من أجل أن نفهم أكثر أو نعى ما لا نعيه، إلى ماذا تؤول في نهاية المطاف. وهل حياة واحدة، في مدى زمني قصير، تكفى لسبر غور كل ما حولنا، وهى تنام في خفائها بعد كل شيء، ومساحات الليل فيها تفوق كثيرا المساحات المضيئة والمكشوفة! قد نصل في برهة خاطفة أو فالتة إلى فهم المعنى.. ما الذي خلق تلك البرهة الكاشفة؟ هل هو الارتحال نحو الخارج أم نحو الداخل في أنفسنا؟ أم هناك اشتراط لأسبقية أحدها على الآخر؟ وهل الوعي يسعف في الكشف، أم أن وعينا قادم من الوعاء الذي يوضع فيه أي شئ، فتتحول الأوهام إلى حقائق في مخلطه!. أمن أجل هذا تكون الكائنات الفطرية، وغير الواعية، أقرب بغريزتها وحدسها، إلى الارتباط بحدس الطبيعة؟ وبالنسبة للبشر، لماذا الحب بكل تجلياته الإنسانية المتفرعة، وحده قادر على كشف المخزون الهيولي الرابض فينا. وحين تتداعى الكائنات نحو ذاتها الشفيفة، تكون قدرتها على الكشف أكثر، رجحانا للاتصال بطبائع العلاقات ذات الغور البعيد. مثل فطيق يناوش أحدهما الآخر برغباته المحمومة، حتى إذا اكتملت المناوشة، وفعل إله الرغبات فعله، هدأ.. القطان قليلا، بعدها يستسلم الطرف الرافض، لفعل المباغتة التي كان يرفضها، لأنه يدرك بغريزته أن الأمر في حقيقته لم يكن اعتداء، وإنما مراوغة

حواسية واستنفار لما هو موجود فيه وكامن.. وتعبير عن الرغبة المتبادلة في الاتصال الحميم، كل مع الذي يشبهه... مجرد وجه آخر للغريزة أو للطبيعة، هكذا يتمكن الطرف الأول من سبر الغور البعيد في داخل الطرف الآخر حتى لو كان قطا وقطة.
ثم ماذا؟ قد يدخل الليل بعدها، في فوضاه، وجنونه، وشغبه. وقد تعصف الريح به، وبكل ما ي!خبئه في ظلاله المعتمة، وقد تجئ عاصفة رملية تقلب كل هدوئه العميق والمسترخي. قد تجيش حينها، العناصر كلها، وتستنفر طقوسها الكامنة، وهى تواجه العصف الفجائي.. قد وقد… ولكن كم هي وقورة العناصر، حين تقتفى فلول الليل، تناوش إغواء الشرك المستفحل، في عزلة جسورة، فيما الدوامة الرملية العاصفة، تلعب ببقايا خرابها، ثم ل! تجد أمامها إلا أن تخجل أخيرا من المقاومة الضارية للعناصر، لها ولقوتها الحمقاء، ينكمش الرمل على نفسه، ويعود إلى طبيعته كعنصر متوحد ملكما هو، مدارياً خجله في أحضان الليل المستتر، والذي لا يكشف سره أبدا، مهما واجه من عتوّ، وجبروت، وليبقى إلى الأبد، رمزا لما هو سري وغامض ومدتم في الطبيعة وفينا،

فوزية رشيد في القلق السري:
ايديولوجيا الانثى مقابل ايديولوجيا الذكورة

ايوب صابر 05-19-2012 02:12 PM

عرض- أحلام سليمان

لا يمكن قراءة رواية (القلق السري) للأديبة فوزية رشيد خارج اطار العنوان الرئيسي والمناصات أو ملحقات النص الروائي المتمثلة في التقدمة والعناوين الفرعية وشكل الكتابة وتوزيعها اذ ان العنوان وملحقاته يشكل حقلاً دلالياً يكثف مدى العمل الروائي ويبئره، ويمثل مدخلاً لقراءة التجربة الروائية التي يمنحها هويتها ومعناها فالرواية تمثل على صعيد الشكل استمراراً لظاهرة التجريب في الرواية العربية ومحاولة لتمثل شكلها الحداثي وذلك من خلال الانفتاح على الفنون الاخرى، والاعتماد على التقطيع والمشهدية وتعددية الضمائر والمستويات السردية بالاضافة إلى شعرية اللغة الموحية.

تنشغل فوزية رشيد في هذه الرواية بقضية المرأة وتجربتها الوجودية التي تعكس وضعاً اجتماعياً وتاريخياً وانسانياً مختلاً نتيجة القهر والتسلط الذي يمارسه المجتمع الذكوري عليها بصورة تجعلها تشعر بالضعف والدونية والاستلاب. من هنا وعبر مستويات السرد المختلفة وتعددية ضمير المتكلم في الرواية وتداخل المستويات الواقعية والاسطورية والغرائبية تحاول الروائية ان تعيد المعنى الخاص الذي تمثله المرأة على المستوى الوجودي حيث تستحضر في سياق البنية السردية حكايات واساطير وافكاراً ومفاهيماً قدمها علم نفس الاعماق حول بنية المرأة النفسية والعقلية الأمر الذي يكشف عن الفضاء الثقافي والايديولوجي الذي تتحرك فيه مسارات السرد حيث يبدو واضحاً سعي الروائية لتخييل الاسطوري والغرائبي بما يثري الفكرة التي تحاول تأكيدها والايديولوجيا التي تكشف عن حضور الايديولوجيا الانثوية في مواجهة ايديولوجيا الواقع الذكوري.

ان ايديولوجيا الكاتبة تتأكد من خلال شخصيات العمل الروائي وتقسيماتها إلى شخصيات سلبية وشخصيات ايجابية واذا كان الرجل يتمثل بشخصية الجد الشهوانية المتسلطة فان شخصية الشيخ مبروك تظل اقرب إلى الاسطورة منها إلى الواقع في حين ان المرأة اما ان تبدو مدجنة وضعيفة أو هي متمردة وشديدة الذكاء ورافضة للتدجين كما هي حال بطلة الرواية وبقدر ما تحاول فوزية رشيد ان تكشف عن مضمون تجربة المرأة الوجودية وعن رؤيتها للمرأة وجوداً ومعنى فانها تقارب قضايا كانت المرأة تخاف الاقتراب منها ذلك ان الروائية تحاول ان تتحدث عن وجود المرأة وعالمها السري وما تحس به على العكس مما يفرضه المجتمع عليها خاصة في القسم الذي يحمل عنوان خط الاستواء وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى التأكيد على ضرورة قراءة الرواية من خلال قراءة فصولها وعناوينها الفرعية، وكما هو واضح فان السيري الذاتي والانثوي العام يتداخلان في بنية السرد ومشهديته ليعبرا عن قسوة التجربة التي تعيشها المرأة وعن معنى اختراق السائد في القيم الاجتماعية والذي يبقي وضع المرأة المستلبة على حاله، واذا كانت المرأة في تجربة الوجود الأولى هي التي قادت إلى المعرفة عندما اكلت من ثمرة الشجرة المحرمة فان الرجل كان مجرد تابع لها "اليس ألم الكشف ابهى واسمى من لذة مسترخية ودائمة دون طائل هيهات ما بين لذة تنبثق من تعب ولذة تنثال عليه رطباً وهو فاغر فمه تحت النخلة! لماذا اللعنة اذن... كل شيء عار عن الحقيقة لا يهم بعدها حجم الشفاء الذي يتمازج معه، انتهاك لجهل يبقي الغلالة السحرية والشفرة السرية دون كشف (ص 239).

تتألف الرواية من قسمين وكل قسم يتألف من عدد من العناوين الفرعية أو المشاهد التي تتكامل داخل النسيج الروائي، والحقيقة ان رغبة الكاتبة في ان تقول كل شيء حول المرأة وتاريخ تجربتها ماضياً وحاضراً قد اثقل الرواية وجعل القارىء يحتاج إلى القراءة المتأنية لضبط حركة السرد خاصة وان الروائية حاولت ان تتكيء على مرجعيات متعددة اسطورية كقصة الامازونيات وشعرية كنشيد الاناشيد ونفسية تؤكد تكامل العقل والوجدان عند المرأة مقابل العقل الجاف والمجرد عند الرجل والذي يمكن بمفرده ان يقود العالم إلى الدمار والهلاك.

تحاول الروائية بتوظيف خصوصية اللغة الشعرية من استعارة ومجاز وتكرار وتكثيف ان تؤثر في المتلقي لكي يتعاطف مع ما تطرحه من أفكار ورؤية تحاول ان ترد الاعتبار إلى المرأة، وتعطي لوجودها قيمة ومعنى خاصين عقلاً وجسداً وروحاً بل ان الروائية في المشاهد التي تحمل عنوان خط المتوسط وخط الاستواء تتألق في شعريتها الدافئة والحميمة وهي تصور احساسات المرأة وعلاقتها بجسدها في أكثر اللحظات حميمية وتوتراً بصورة تحاول معها ان تكشف عن جمالية هذه العلاقة التي حرمت المرأة زمناً من التعبير عنها والتصريح بها الأمر الذي يؤكد جرأة الكاتبة وفنيتها في التعبير عن هذه الخصوصية في سياق البنية السردية والحكائية للرواية لكن المستغرب ان هذا العمل لم ينل من النقد الذكوري الاهتمام المطلوب ولم يحظ بالقراءة النقدية المطلوبة خاصة وان هذا العمل هو التجربة الروائية الأولى فيما اعتقد لفوزية رشيد.

انه سؤال يطرح نفسه عندما يكون العمل الروائي حميمياً وجريئاً في التعبيرعن تجربة المرأة وعالمها الجسدي والعقلي والوجداني معاً.

البيان الثقافي
6 جمادى الأولى 1421 هـ
16 أغسطس 2000- العدد 30


الساعة الآن 09:48 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team