منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6821)

ايوب صابر 05-06-2012 03:29 PM

الكاتب العراقي عبد الخالق الركابي: «ألفليلة وليلة» يلازمني منذ طفولتي
بغداد: منذر عبد الحر
القاص والروائي العراقي عبد الخالق الركابي من المبدعين الذين تميزوا بغزارة النتاج الادبي، فقد قدم عددا من الروايات والمجموعات القصصية، وبدأ عالم الكتابة والنشر بمجموعة شعرية، سرعان ما تجاوزها الى عالم الرواية فقدم روايات منها: «نافذة بسعة الحلم» و«من يفتح باب الطلسم» و«حائط البنادق» و«الراووق» و«سابع ايام الخلق» و«اطراس الكلام» وغيرها.

التقيناه لقاء سريعا وسألناه:
* ماذا يقرأ الركابي من كتب الآن؟
ـ في العادة اقرأ اكثر من كتاب، اذ ان قراءاتي اليومية تتوزع بين كتب التراث، والفلسفة والشعر والرواية في الغالب. ما انا منهمك في قراءته هو كتاب محمد عابد الجابري (تكوين العقل العربي) الذي سبق ان قرأته منذ اعوام، إلا انني اعيد قراءته الآن لكي اتواصل مع الاجيال الثلاثة الاخرى من هذه الموسوعة الفكرية الرائعة والمتمثلة لبنية الفكر العربي، والعقل السياسي العربي، والعقل الاخلاقي العربي.
* ما هي الكتب التي تعود اليها دائما لقراءتها؟
ـ يكاد كتاب «ألف ليلة وليلة» يلازمني منذ طفولتي، اذ انني لا اتذكر عدد المرات التي قرأت فيها هذا الكتاب الذي احسب انه الكتاب الاول في تأريخ هذا الكوكب. وهناك ايضا ديوان المتنبي بطبعاته وشروحاته المتعددة، الذي يلازمني باستمرار، فضلا عن حماسة أبي تمام. وهناك «الصخب والعنف» لفوكنر، وهناك بالتأكيد القرآن الكريم، والكتاب المقدس لا سيما التوراة من دون ان انسى ملحمة جلجامش والاساطير العراقية القديمة عموما، سواء أكانت سومرية أم بابلية أم آشورية.

ايوب صابر 05-07-2012 10:44 AM

ملف/الرواية العراقية على مفترق طرق-3
حسين سرمك حسن
23/06/2008

نشر الزميل " سعد هادي " مقالة حول تقصير الروائيين العراقيين في ملاحقة وتجسيد الشدائد الفاجعة التي تمر بمجتمعهم استهلها بقوله " كأن الزلزال الذي أصاب الحياة في العراق بعد 9-4-2007 قد وقع في مكان آخر من العالم .إذ لم يتحرك لحد الآن روائي عراقي ليقول كلمته في ما يجري . الجميع صمتوا برغم أنهم مجبرون يوميا على المشاركة في رؤية الأحداث والاحتراق بنارها . وإذا كانت كتابة الرواية تتطلب زمنا طويلا لتأمل حركة المجتمع والأفراد والتحولات التي تطرأ عليها فان مرور أربع سنوات ونصف قد يكفي لظهور موجة من الروايات تتحدث عن الوضع العراقي الراهن وعن مأساة الإنسان فيه ، ولكن هذا لم يحدث . ترى ما الذي يمنع الروائيين من الكتابة عن واقع حافل بالتناقضات والصراعات وهل هناك من يكمم أقلامهم ؟"
وكنت كتبت عن هذا الموضوع – تقصير المبدعين العراقيين عموما والروائيين خصوصا في الأعوام الأربعة الماضية خمس مرات وآخرها في مقالتي ( ما بعد السوريالية العراقية ، من يتصدى لها ؟ ) والتي نشرت في صحيفة الزمان قبل أسبوعين *. ولكن المشكلة إن الجسد العراقي شبه ميت ولا يهتز لأي مؤثر فمرت مقالاتي مرور البخلاء مثلما ستمر مقالة الزميل سعد هادي .
أقول في روايته الأخيرة و المهمة : ( سفر السرمدية ) , يقدم لنا الروائي العراقي عبد الخالق الركابي موقفا بالغ الأهمية و شديد الثراء بإيحاءاته التي تتعلق بقضية مركزية ترتبط بالدور الإنساني و الاجتماعي للمبدع و حدود التزامه بهموم و انشغالات شعبه المصيرية , فقد أصبح هذا الدور ثانويا إن لم أقل مهملا تماما في ظل موجة الحداثة وما بعدها و خصوصا في ظل مفاهيمها الغربية المستوردة التي جعلت حداثتنا بائسة فهي جسم " موميائي " أجوف يرتدي ثيابا فضفاضة براقة .
في هذا الموقف يجري حوار بين بطل رواية ( سفر السرمدية ) و صديقه يوسف خوشابا صاحب محل تسجيلات ( الدانوب الأزرق ) الذي وصله الأول بعد أن تجول في سوق مفتوح يعرض فيه المواطنون العراقيون , على الأرصفة , أثاث منازلهم و مقتنياتهم الشخصية العزيزة للبيع بأسعار زهيدة كي يضمنوا شروط بقائهم ووجودهم الذي تعرض للتهديد الماحق بسبب الحصار الشامل الذي فرض على الشعب العراقي بعد غزو الكويت :
يقول خوشابا لصديقه أن طروادة كانت مدينة إغريقية صغيرة , لا يزيد عدد سكانها على العشرة آلاف نسمة , و قد تعرضت لحصار معروف , قاومت و صمدت ثم تم اختراقها بفعل خدعة الحصان الخشبي الشهيرة . و المهم في هذا الأمر , و بقدر ارتباطه بالعملية الإبداعية و بدور المبدع تجاه شعبه , هو أن شاعرها هوميروس هو الذي خلد صمود مدينته و استبسال أبنائها في الدفاع عنها و الذود عن حياضها . و قد صاغ هوميروس تفاصيل ذلك في ملحمته الشهيرة : ( الإلياذة ) التي تتناقلها الأجيال عبر مئات السنين بشغف و اهتمام , و صارت علامة فارقة في تاريخ الأدب العالمي عبر عصوره المختلفة . وأعاد جيمس جويس كتابة وقائعها في عمله يوليسيس بطريقة معاصرة.
و مناسبة هذا الكلام هو أن ( خوشابا ) يرى أن الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية على شعب العراق و الذي استمر لأكثر من عشر سنوات أحرق خلالها زرع الوجود و ضرع المحبة , هو حصار لا يمكن مقارنته بحصار طروادة مطلقا . هنا , يتعرض شعب كامل للتجويع و الإبادة البطيئة –
Genocide - أمام أنظار الضمير الإنساني العالمي , و الأغرب بمباركته , من دون أي احتجاج رسمي لكن هذه المحنة لم تجد لها توظيفا خلاقا يناسب حدتها و شراستها من قبل المبدعين العراقيين و بشكل خاص في مجال الرواية / ملحمة الشعوب المعاصرة أو أسطورتها الحديثة كما يضفها النقد المعاصر .
و هذا الحديث الذي وضعه عبد الخالق الركابي على لسان شخوصه يعبر عن حقيقة واقعية تثير الألم , حيث لم نشهد عملا روائيا / ملحميا يناسب مسيرة أهوال الواقع الفعلي . و بالمناسبة , فإن هذا الاستنتاج يشمل المنجز الروائي لـ ( الركابي ) نفسه , _ ويشمل سعد هادي كاتب المقال أيضا. ولن نجانب الصواب إذا قلنا أن هذا الاستنتاج يمكن توسيعه ليشمل فعل الروائيين العرب كاملا , فأين هي الروايات التي تتناسب مع ملحمة المليون روح المقدسة التي أزهقها المحتل في ثورة الجزائر , أو الآلاف المؤلفة من الشهداء الذين فقدتهم ليبيا في ثورة المختار أو لبنان في حصار بيروت أو في حربه الأهلية أو فلسطين في ثورة حجارتها المقدسة وآلام شعبها المدمرة ؟؟
و انظر الآن إلى القنبلة الموقوتة التي يفجرها الركابي بلا تردد – رغم أنها تصيبه نفسه بشظاياها كما قلنا – حين يطرح بطل الرواية اعتراضا ( حداثويا ) وجيها على كلام خوشابا من خلال القول بأن الظروف الراهنة لا تعمل لصالح الروائي المعاصر و تحاصر جهوده من أجل الانتشار و إيصال منجزه إلى القراء . هنا يرد عليه خوشابا بالقول أن هوميروس كان أعمى / فاقد البصر وليس البصيرة و أنه كان يوصل أبيات ملحمته من خلال إنشادها على قيثارته . شاعر أعمى و بقيثارة صغيرة استطاع نشر واحدة من أعظم الملاحم في الأدب العالمي . فكيف لا يستطيع المبدع العراقي و العربي المعاصر – كما يقول الركابي – الذي بات يمتلك أشد الوسائل قدرة على التأثير و التواصل مثل شبكات الإنترنيت و مواقعها و الحواسيب و أجهزة التلفاز و الفضائيات و غيرها ؟
إن ما تستطيع المصادقة عليه هنا , هو أن هناك تقصيرا فادحا من قبل الروائيين العراقيين خصوصا و المبدعين عموما في استمراء وتمثل ثمرة التجربة المرة التي يغدقها عليهم , و بكرم , واقعهم الجحيمي المدمر . ولم يتعرض سعد هادي لأسباب سياسية ونفسية أجملها بما يأتي : هناك أولا تبعية الثقافي للسياسي المزمنة التي تعاني منها الثقافة العراقية عموما والتي تحد من حرية الكاتب العراقي على التعبير . ثانيا إن الرواية لا تزدهر إلا في ظل الحرية . ثالثا يقوم الإبداع على أساس قاعدة أن مخيلة المبدع تسبق الواقع ، الآن يسبق الواقع العراقي مخيلة المبدع ويجتازها بأشواط .رابعا هناك الشعور الطاغي بالذنب الذي يركب المبدع العراقي منذ عقود والذي ضاعفه الواقع الراهن وأوصله إلى حد التمزق النفسي ( التقيت بمبدعين عراقيين صامتين يحمدون الله أن لا احد يلتفت إليهم لكي لا يلفتوا أنظار بعض الجهات ) . خامسا يتطلب الفن الروائي سمات أساسية في شخصية المبدع منها الصبر والانضباط والتنظيم وكلها غير موجودة في شخصيات الكثير من الروائيين العراقيين. تحية لسعد هادي في مبادرته الصادمة ولكن هل من مجيب .
* نشرت هذه المقالة في جريدة الصباح الجديد البغدادية في 2007-08-20

ايوب صابر 05-07-2012 11:25 AM

ابرز الاحداث المؤثرة في حياة الركابي

- بدأ عبد الخالق الركابي حياته الأدبية شاعراً واصدر مجموعة شعرية عام 1976 بعنوان (موت بين البحر والصحراء)
-هذا الروائي تعرّض لحادث مؤسف أوشك على أن ينهي حياته، وتوقّع محبّوه أن ينتحر بعد تلك الاصابة التي حوّلته كومة لحم لا تتحرّك إلا من خلال كرسي متحرّك ولا شيء فيه ـ في المراحل الأولى ـ يتحرّك غير رموشه...! ولولا الدعم والمؤازرة اللذان تلقّاهما من حفنة أصدقاء، ومن زوجته على نحو خاص، لمات الركابي على كرسيّه منتحراً في أقرب فرصة تحرّكت فيها يده بصورة مفاجئة بقوّة الأمل والحب والصداقة.
- وهذا الروائي الذي توقّع كثيرون أن ينهي حياته من فوق كرسيّه المتحرّك، فاجأ الجميع حين قرّر إطلاق النار لا على نفسه، بل على التاريخ والزمن والحقارة البشرية التي صار هناك من يحتفل بها ويتلقّى برقيّات التهاني بسبب موهبة الحقارة وحدها..! إنه زمن عراقي رديء تماماً.
- ويبدو أن عبد الخالق الركابي، الذي يعيش الكتابة الروائية بصدق وصمت وسرّيّة ومن دون ضجيج، لم يعد مشغولاً بما كتب أو يكتب عنه، لأن كل هذا لن يفيده بشيء في اللعبة الروائية الشديدة المراوغة والالتباس. فمن حصار الداخل على الابداع الروائي، والرواية تزدهر في مناخ الحرّيّة، الى حصار الخارج حيث مرجعيّات النقد والكتابة هي مرجعيّات حزبية، عائلية، قبلية، شخصية، مزاجية،
لا يوجد للاسف تفاصيل عن طفولة ونشأة الركابي كغيره من المبدعين العرب. لكن يمكن تصور مدى مأساوية طفولة هذا العبقري الفذ من خلال تسيمته لجيوان الشعري الاول باسم ( موت بين البحر والصحراء ) والذي صدر عام 1976 وذلك يشير حتما الى دور الموت في صناعة عبقرية الركابي وربما اليتم.
ايضا لا شك ان الحادث الذي تعرض له واقعده لا بد ان يكون قد صنع عبقريته الروايئة في وقت لاحق.
ولا ننسى الظروف الصعبة التي مر بها العراق خلال زمن تفتح عبقرية هذا الروائي.
ولا شك ان كل تلك العوامل هي التي اطلقت عبقريته .
وهو حتما عاش حياة ازمة رغم احتمالية ان يكون يتيم.

مأزوم.

ايوب صابر 05-07-2012 08:34 PM

72- شيء من الخوف ثروت أباظة مصر

فيلم شيء من الخوف إنتاج عام 1969 من إخراج حسين كمال وهو مأخوذ عن قصة قصيرة للكاتب الكبير ثروت أباظة. الفيلم تم تصويره بالأبيض والأسود بالرغم من إمكانية تصويره بالألوان لانتشار الأفلام الملونة في هذا الوقت، ويرجع ذلك لاستغلال المخرج حسين كمال لظلال الأبيض والأسود ببراعة لم تكن ممكنة فيما لو تم التصوير بالألوان.


القصة

القصة تدور بقرية مصرية حيث يفرض عتريس (محمود مرسي) سلطته على أهالي القرية ويفرض عليهم الإتاوات. كان عتريس يحب فؤادة (شادية) منذ نعومة أظافرة ولكن فؤادة تتحدى عتريس بفتح الهويس الذي أغلقه عقاباً لأهل القرية ولأن عتريس يحب فؤادة لا يستطيع قتلها فيقرر أن يتزوجها.
حافظ (محمد توفيق) أبو فؤادة لا يستطيع أن يعصى أمر عتريس فيزوجها له بشهادة شهود باطلة.
بسبب هذا الزواج الباطل يتصدى الشيخ إبراهيم (يحيى شاهين) لعتريس فيقتل عتريس محمود ابن الشيخ إبراهيم.
يأتي مشهد النهاية بمشهد جنازة محمود وفيها يردد الشيخ إبراهيم جملته الشهيرة "جواز عتريس من فؤادة باطل" ويردد كل أهل القرية وراء الشيخ إبراهيم ويتوجهون لمنزل عتريس الذي لا يستطيع مقاومة كل أهل القرية مجتمعين فيحرق أهل القرية منزل عتريس وهو بداخلها وتكون هذه نهاية عتريس جزاءاً لأفعاله.
البعد السياسي للفيلم

الفيلم به الكثير من الرمزية، فعتريس يرمز للحاكم الديكتاتور، وأهل القرية يرمزون للشعب الذي يقع تحت وطأة الطاغية. فؤادة ترمز لمصر التي لا يستطيع الدكتاتور أن يهنأ بها.
أشار بعض النقاد إلى أن هذا الفيلم قد يرمز لفترة حكم جمال عبدالناصر وأشار البعض الآخر أنه قد يرمز لفترة حكم الملك فاروق، كما قال البعض انه يرمز لأي حكم ديكتاتوري وطغيان وقهر عامة.
قال حسين كمال: لقد أطلق أعداء النجاح إشاعة مؤداها أننا نقصد بشخصية عتريس الرئيس جمال عبد الناصر
حدثت زوبعة وكان الفيلم جاهزا للعرض وكانت أفيشاته تملأ الشوارع وشاهد جمال عبد الناصر الفيلم وشاهده مره أخرى مع أنور السادات وبعد المشاهدة الثانية إقتنع جمال عبد الناصر انه لا يمكن أن يكون المقصود بشخصية عتريس وسمح بعرض الفيلم
فريق العمل

الإخراج: حسين كمال
التأليف:

ايوب صابر 05-07-2012 10:39 PM

شيء من الخوف


ابراهيم محمد عياش
الحوار المتمدن - العدد: 1934 - 2007 / 6 / 2 - 05:30

الخوف هو واحد من الغرائز العديدة التي خلقها الله في كل إنسان بل حتى في الحيوان ولكنها قد تضمر عند البعض وقد تطغى على البعض حسب ظروف حياتهم إلا أن الخوف شعور سيئ يجعل الإنسان سجين فيشل إرادته و يعيق تفكيره.
والفيلم *شيء من الخوف*طرح هذه القضية و هو ثالث أفلام المخرج المرحوم حسين كمال بعد *المستحيل*عام 1965 ثم *البوستجي* عام 1968 ثم* شيء من الخوف* الذي أنتج عام 1969 عن قصة لثورة أباظة وكتب له السينايرو صبري عزت و الحوار عبد الرحمان الأبنودي والموسيقى التصويرية بليغ حمدي لقد ارتبط هذا المخرج بسينما الإنسان، الباحث عن الحق والعدل والحرية سينما تتجاوز الموضوع إلى أغوار الإنسان الفكرية والوجدانية والنفسية.

أن مضمون هذا الفيلم هو مضمون إنساني عام لأنه مضمون عالمي يرتبط بالإنســـــان في أحاسيسه وتفاعلات مشاعر هذا الكائن, دون تحديد الزمان والمكان، انه يتحدث عن الخوف من أي شيء وربما من كل شيء، هذا الخوف الذي زرعناه في انفسا وقلوبنا يخلـق في داخلنا أشباح ترعبنا و ترتعد منها فرائسنا رغم انهم من صنعنا وهم بشر مثلنا، يخافون مثل ما نخاف بل ربما أكثر.

إن هذا الخوف المعنوي أو النفسي هو الذي خلق حولنا الباطشين والعابثين بحقوقنا، وهو الذي يخلق المستبد والديكتاتور في أي زمان أو في أي مكان، لذلك فحكاية هذا الفيلم ليست قاصرة على زمان محدد أو شخوص بعينهم، فرغم التجسيد والتشخيص فهي حكاية صالحة للحدوث في أي مكان وفي أي زمان.
لقد انتج هذا الفيلم سنة 1969 ومازالت مشاهدته تشعرنا وكأنه يعالج قضية معاصرة نعيشها الآن مع العلم أن البعد الزمني الشاسع ما بين كتابة العمل روائيا ثم معالجته وتنفيذه سينمائيا يعطي للمشاهد إحساس بأن الفيلم يعالج مشكلة نعيشها الآن وقد نعيشها في المستقبل, ما دام شي من الخوف لا يزال يعيش في قلوب بعض الأهالي فنحن في حاجة إلى مشاهدة هذا الفيلم عدة مرات لعلنا نتعظ ونعتبر مثل تلك الفلاحة التي جسدت دورها الممثلة المعتزلة شادية*فؤاده*.
عمد عبد الرحمان الأبنودي إلى استعمال الأغاني في هذا الفيلم لكي تلعب دور الراوي الذي يكمل العمل الدرامي و لا يسرد الأحداث, و هذه الأغاني برقتها ورومانسيتها تطرح وجهة نظر كاتب السيناريو و المخرج في ذات الوقت, استعملت هذه المقطوعات الغنائية وبالتحديد الأمزورات أو الموتيفات كالإطار أو البرواز الذي يغلف الموضوع و الأحداث لتجسيد المعنى والمضمون العام للفيلم و خاصة مقطوعة * عيني على الولد*. أن هذه المقطوعات الغنائية استطاعت إن تغوص في البنية الدرامية للفيلم ودفعت بالعمل السينمائي قدما نحو الأمام في تصاعد مستمر فزادته الكثير من المصداقية. كما دخلت أيضا في تركيبة الشخصيات إذ عبرت عما يدور في خواطرها و ما يجول في أفكار المشاهد الذي يقف مجذوبا إلى ما يدور على الشاشة .
إن هذا الفيلم رغم انه ابيض واسود أي من كلاسيكيات السينما العربية، غير أن الظلال والأضواء و الديكور و الملابس تقوم مقام الألوان في هذا الفيلم فتساعد على تجسيد المعنى المطلوب من اللقطة بصفة خاصة و المشهد بصفة عامة.
فعلى سبيل المثال في مشهد يظهر الطفل *عتريس * من خلال قضبان النافذة يوحي إلينا أن الطفل سجين مقيد كما نلاحظ أيضا أن إضاءته واضحة رمزا للمستقبل والأمل والبراءة بينما إضاءة الجد *عتريس* الذي يمثل الظلم و الماضي إضاءته قاتمة تعبيرا عن سواد قلبه المملوء بالحقد رغم وجوده في مقدمة الكادر أو الشاشة.
و في مشهد آخر لفؤادة مع عتريس قبل أين يتحول إلى شرير نلاحظ رقرقة ماء البركة وانعكاس أشعة الشمس على وجه فؤاده دلالة على نقائها و صفائها و إيحاءا من المخرج لنا بأن هذه الشخصية في صفاء الماء وفي توهج وتوقد الشمس.
و نلاحظ على مدار الفصول التكنيكية للفيلم التي يرمي من خلالها المخرج للتعبير عن شخصية عتريس الحفيد نجد ملابسه بيضاء وباقي افرد العصابة ملابسهم سوداء و بعد مقتل *عتريس الجد* تتحول ملابسه إلي اللون الأسود مثل باقي أفراد العصابة و كأن الملابس تترجم مكنون الشخصية أو كأنها التعبير الخارجي عن أحاسيس الشخصية و أخلاقها الداخلية، فتلاحم هذه المتناقضات البصرية مع الملامح الشخصية لشخوص الممثلين وألوان الملابس وحركة الكاميرا أعطى للفيلم جمالية رائعة أوحت للمشاهد عن مكنون ذاتية الشخصيات في هذا الفيلم ألقت بنا في فضاء الفيلم لنتخذ موقفا منها وبالتالي من موضوع الفيلم، كما أكدت لنا على مقدرة المخرج من استعمال عناصر الصورة السينمائية لإيصال المعنى المقصود من اللقطة أو المشهد.
كما أضفى التوليف (المونتاج) على أحداث الفيلم الكثير من المصداقية والمنطق في فهم مواقف الشخصيات.فاستعمال التوليف المتناقض لإظهار مراحل تنشئة و تربية *فؤاده* و *عتريس* الشخصيتين المحوريتين في الفيلم كان موفقا إلى أقصي درجة وزاد في كثافة المعنى و أوصل مفهوم هام إلى المشاهد فمن ارتوى بأفكار الظلم والجبروت لا يمكن ان يكون إلا باطشا و عابثا بحقوق الناس و لن يفعل الخير أبدا لأن من شب على الشيء شاب عليه، فبلقطات عامة سريعة تارة ومقربة تارة أخرى تجلى فيها ذاك التناقض بين الشخصيتين.
في الوقت الذي كان فيه *عتريس* يتعلم ركوب الخيل كانت *فؤادة* تحفظ القرآن،و لما كان جده يعلمه الرمي بالسلاح (البندقية ) كانت هي تسقي الزرع ولما كان هو يحرق في الزرع كانت *فؤادة *تطفئ النار مع الفلاحين.
فهذا الفيلم بصفة عامة يتناول قضية الخوف كقضية أساسية إلا أن المشهد الذي يحمل هذا المضمون بشكل صارخ هو الفصل الذي تتحدى فيه *فؤادة* *عتريس* يمكن اعتباره نقطة الانقلاب في أحداث الفيلم والوصول إلى ذروة الصراع القائم بين الحق والباطل والتمرد ضد الظلم.
يبدأ هذا المشهد بلقطة بانورامية عامة تبين حالة البؤس التي يعشها السكان بعد أن منع عنهم عتريس ماء السقي: الأهالي جالسين في مجرى البركة ثم تنتقل الكاميرا إلى وجه فؤاده في لقطة ذاتية( سبجكتيف شوت) الوجوه خائفة, الأرض جافة والضرع جاف, النساء حيارى فتتابع هذه اللقطات التحريضية يهيئنا للتفاعل مع اللقطة المتوسطة* لفؤاده* وهي تفتح الهويس ( الحنفية) فيتدفق الماء وتعلو الزغاريد وتعم الفرحة وتروى الأرض فتعود الحياة لكل شيء وخاصة القلوب الخائفة لتتخلص من ذاك الشبح القاتل للإرادة.
فهذا الفيلم أحد علامات السينما العربية لأنه طرح قضية تلقي بظلالها على الإنسان في الماضي, الحاضر والمستقبل وفي كل مكان. أن هذا الفيلم يصنف ضمن الأعمال السينمائية الجادة لأنه استطاع خلق واقع مماثل و موازي للواقع المعاش ولأنه تناول هذه القضية التي تركت في أنفسنا العديد من التساؤلات وبهذا يبقى في الوجدان و الأذهان.
والجدير بالذكر في هذا المقام أن هذا الفيلم الملحمي الطابع الذي أصبح من كلاسيكيات السينما المصرية تعرض إلى عدة متاعب رقابية من قبل البوليس السياسي الذي اسقط بعض أحداث الفيلم على رموز الحكم و على شخص الزعيم ذو القوة المطلقة القاتلة لأرواح الناس.



ايوب صابر 05-07-2012 10:48 PM

ثروت دسوقي أباظة

(15 يوليو 1927 - 17 مارس 2002) كاتب وروائي مصري كبير، يعد من أعلام محافظة الشرقية وله اسهاماته العديدة في الأدب. وهو من عائلة أباظة وهي من أعرق عائلات مصر وهي أسرة أدبية قدمت للأدب العربي عمالقة من الأدباء علي رأسهم والده الأديب دسوقي أباظة وعمه الشاعر عزيز أباظة وعمه الكاتب الكبير فكري أباظة.
حياته العملية

حصل على ليسانس الحقوق من جامعة فؤاد الأول عام 1950، وبدأ حياته العملية بالعمل بالمحاماة. وقد بدأ حياته الأدبية في سن السادسة عشر وهي بدايه مبكرة واتجه إلى كتابة القصة القصيرة والتمثيلية الإذاعية وبدأ اسمه يتردد بالإذاعة، ثم اتجه إلى القصة الطويلة فكتب أول قصصه وهي ابن عمار وهي قصة تاريخية، كما كتب مسرحية بعنوان الحياة لنا.
تولى رئاسة تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون عام 1974، ورئاسة القسم الأدبي بصحيفة الأهرام بين عامي 1975 و1988 وظل يكتب في الصحيفة نفسها حتى وفاته. كما أنه شغل منصب رئيس اتحاد الكتاب. وقد تولى منصب وكيل مجلس الشورى، كما كان عضواً بالمجلس الأعلى للثقافة وبالمجالس القومية المتخصصة ومجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتلفزيون ورئيس شرف لرابطة الأدب الحديث وعضواً بنادي القلم الدولي.
ألف ثروت أباظة عدة قصص وروايات، تحول عدد منها إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية، كما كتب أكثر من أربعين تمثلية إذاعية، وأربعين قصة قصيرة وسبعه وعشرين رواية طويلة. كما حصل على عدة جوائز منها جائزة الدولة التشجيعية عام 1958، كما نال وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، ثم جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1982. في 17 مارس 2003 توفي بعد صراع طويل مع المرض إثر إصابته بورم خبيث في المعدة.
من أعماله

ايوب صابر 05-07-2012 10:54 PM

ثروت أباظة
(
1927-2003م)

ملتقي اسمار د . حسين علي محمد

سيرة موجزة

ولد في 15 يوليو 1927م في بلدة غزالة بمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، وهو من أسرة أدبية أخرجت للأدب العربي عمالقة من الأدباء, علي رأسهم والده الأديب إبراهيم الدسوقي باشا أباظة الذي تولي الوزارة عدة مرات، وعمه الشاعر الكبير عزيز أباظة وابن عمة الكاتب الكبير فكري أباظة.
تخرج ثروت أباظة في كلية الحقوق جامعة القاهرة 1950م, لكنه بدأ الكتابة قبل تخرجه في الجامعة, حينما كان طالبا في المرحلة الثانوية.
وقد استهل حياته العملية بالعمل بالمحاماة ثم تولى العديد من المناصب في الهيئات الأدبية والصحفية والسياسية.
وقد رأس تحرير مجلة (الإذاعة والتليفزيون) عام 1974م, ثم رأس القسم الأدبي بجريدة (الأهرام) (1975-1988م), وظل يكتب في الصحيفة نفسها حتى وفاته.
حصل علي العديد من الأوسمة والجوائز منها وسام العلوم والفن ونمن الطبقة الاولي ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولي وجائزة الدولة التشجيعية عام 1959 عن رواية (هارب من الايام) وجائزة الدولة التقديرية في الآداب 1982م, كما منحته جامعة الزقازيق درجة الدكتوراه الفخرية 1998م, وتبلغ مؤلفاته أكثر من 40 مؤلفاً، منها 30 رواية، ومسرحيتان، و10 كتب في الدراسات الأدبية والتراجم. وتم تحويل نحو 25 عملاً أدبيا إلي مسلسلات تليفزيونية ,كما كتب سيرته الذاتية تحت عنوان (لمحات من حياتي).
كان وكيل مجلس الشورى، كما كان عضوا بالمجلس الأعلى للثقافة والمجالس القومية المتخصصة ومجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون والمجلس الأعلى للصحافة. وكان رئيس شرف رابطة الأدب الحديث وعضو نادي القلم الدولي, بالإضافة إلي رئاسته لاتحاد كتاب مصر حتى قدم استقالته عام 1997م.
وقد ألف الراحل ثروت أباظة عدة قصص وروايات، تحول عدد منها إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية، كان أهمها: "هارب من الأيام"، "ثم تشرق الشمس"، "الضباب"، و"شيء من الخوف"، "أحلام في الظهيرة"، "طارق من السماء"، "الغفران"، "لؤلؤة وأصداف".
ولم يكن ثروت أباظة يسير علي هدي نجيب محفوظ الذي اختار أن تصدر أعماله كلها عن ناشر واحد، هو «مكتبة مصر»، فقد صدرت مؤلفات ثروت أباظة عن خمسة عشر ناشرا بدءا من دار المعارف التي أصدرت كتابه الأول «ابن عمار» في عام 1954م في سلسلة «اقرأ»، ومرورا بأخبار اليوم، ونهضة مصر، ودار غريب، ودار الشروق، ومكتبة مصر، والمكتب المصري الحديث، ودار الكتاب اللبناني، ودار النهضة العربية،ودار القلم، وروز اليوسف، ودار الكاتب العربي، والمركز الثقافي الجامعي، ودار التعاون، والهيئة المصرية العامة للكتاب التي أصدرت أعماله الكاملة.
وقد توفي فجر الأحد 17-3-2002م بعد صراع طويل مع المرض إثر إصابته بورم خبيث في المعدة، ونُقل جثمانه من مستشفى "الصفا" بالقاهرة إلى مسقط رأسه في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية حيث أوصى بدفنه.
ظلمه النقاد
وقد ظُلِم ثروت أباظة ظلما بينا فلم يمنحه النقاد الكبار ما يستحقه من جهد نقدي يتفق مع حجم عطائه في الرواية أو القصة أو المقال، ولولا محاولات عشوائية مثل كتاب ثروت أباظة 'الفلاح الأرستقراطي' لمحمود فوزي، ودراسات مثل : 'الدين والفن في أدب ثروت أباظة' لمهدي بندق، و'النماذج البشرية في أدب ثروت أباظة' للدكتور عبد العزيز شرف، وكتابين آخرين صدرا مؤخرا، ورسالتين أكاديميتين: 'الخطاب الروائي عند ثروت أباظة' للسيد أحمد السوداني 'من جامعة عين شمس'، و'الفن القصصي عند ثروت أباظة' لوجيهة المكاوي 'كلية الدراسات الإسلامية والعربية بالإسكندرية'، أقول لولا هذا لما واكبه أي جهد نقدي.
وإن كان توجه جائزة الدولة التشجيعية في الرواية في أولي دوراتها عام 1958 له عن 'هارب من الأيام' هو في حد ذاته تقدير لإبداعه أكده بعد ذلك منحة جائزة الدولة التقديرية في الآداب في بداية الثمانينات.
معارك سياسية
خاض ثروت أباظة معارك سياسية كثيرة مدافعاً عن مواقف يرى أنها صحيحة، ولم يحاول أن يُغيرها لإرضاء أحد حتى ولو أغضب منه الكثيرين، وقد كان الخلاف الأساس بين أباظة وبين كتائب اليسار والناصريين وذلك لمهاجمته عبد الناصر يعد رحيله في مقال شهير بعنوان «في أي شئ صدق؟»، والذي مثل بداية حرب سياسية ضد كاتبنا الكبير.
ولاشك في أن السياسة لعبت دورا كبيرا في حياة ثروت أباظة، وربما كان السبب في ذلك المناخ السياسي الذي عاش فيه وتشبع بمفاهيمه حول قضايا الحرية بصفة عامة.
وما بين السياسة والأدب مضت رحلة كاتبنا الكبير .. فقد خاض أكثر من معركة سياسية ابتداء بمعركته مع الناصريين وانتهاء بالإخوان المسلمين وفي كل الحالات لم يغير الرجل مواقفه مهما كانت ضراوة المواجهة .
وقد أثارت روايته "شيء من الخوف" التي تصور زواج فتاة رغم أنفها من رجل خارج على القانون جدلا؛ حيث اعتبرها كثيرون انتقادا لحكم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
ثروت أباظة وعبد الناصر
وقد كتب محمد الخولي في صحيفة العربي الناصرية في عموده «آخر زمن» ـ العدد 884 ـ السنة 11، في 9/11/2003م، تحت عنوان «مشكلة الأستاذ أنيس»، يقول:
من حق السيدة عفاف أباظة أن تنشر كتابا تشيد فيه بسيرة زوجها الأديب الراحل ثروت أباظة ومن حق السيد أنيس منصور أن ينشر مقالا يتغنى فيه هو الآخر بمآثر الكتاب المذكور أعلاه لكن ليس من حق أنيس منصور أن يقول إن ما كتبه ثروت أباظة في سب الزعيم عبد الناصر وبعنوان "وفى أي شيء صدق" هو أجرأ وأقوى مقال كتبه أديب عن عبد الناصر.. واصفا سخائم المقال بأنه قذائف صاروخية وأن كاتبها المرحوم أباظة كان صادقا شجاعا.. إلخ.
نقول إن من حق هؤلاء جميعا.. أن يقولوا ويكتبوا ما يشاءون لكن شرط أن نسجل نحن الحقيقة الأبلغ والأسطع والأبقى وهى:"إن الأديب ثروت أباظة كتب مقاله الموصوف بالجرأة والقوة والشجاعة وبأفعل التفضيل بعد رحيل جمال عبد الناصر إلى عالم الخلود وقد كتبه في إطار الحملة المسعورة والمشبوهة على ما كان يمثله عبد الناصر ـ الرمز والإنجاز وهى الحملة التي باتت تعرف الآن في أدبيات السياسة الأمريكية تحت مصطلح "تفكيك ناصرية مصر" وقد بدأت بحكاية الرئيس المؤمن والزبيبة والمسبحة وشارك فيها عدد من الكتاب الذين أتاح لهم النظام "المؤمن" إياه منابر جهيرة وكان منهم صالح جودت في مقاله "لو استطعت لأطلقت عليه الرصاص" وجلال الحمامصي الذي تجاسر ـ وهيهات ـ في التشكيك في ذمة عبد الناصر، ثم كتابات ومقالات ثروت أباظة ومنها المقال الذي يعتبره الأستاذ أنيس منصور الأجرأ والأشجع بين ما قالته العرب في باب "الهجاء بطبيعة الحال".
مشكلة الأستاذ أنيس منصور أن الجرأة والشجاعة والقوة وكل المسائل كانت جميعا بأثر رجعى.. وبعد أن رحل عبد الناصر بوقت طويل وباتت شتيمته أمرا مطلوبا ومريحا ومربحا من حيث الزلفى إلى الرئيس الجديد الذي رأى أيامها أن يعدد ما تركه سلفه من إنجازات فقال "لقد ترك جمال لي شيئا مهما للغاية هو.. الحقد".. وغفر الله للجميع.
من أقواله
يقول عن مولده: «ولدت بالقاهرة عام 1927 في 28 يونيه وقد كنت في غناء عن ذكر هذا التاريخ الا انني اذكره لان ابي لم يشأ أن يقيد ميلادي بالقاهرة وانما انتظر حتي ذهب الي بلدتنا في الريف غزالة الخيس مركز الزقازيق باقليم الشرقية وقيدني هناك ولذلك فتاريخ ميلادي الرسمي المقيد بشهادة الميلاد في البطاقة هو 15 يوليو 1927 وقد ذكرت هذه الواقعة علي بساطتها لابين مدي ارتباطنا بالريف ويوم ولدت كان أبي عضوا بمجلس النواب ثم صار وكيلا لمجلس النواب سنة 1930 إلي 1938 ثم عين وزيرا عدة مرات واستمر في احدي هذه المرات خمس سنوات متتالية في الوزارة، وهذا المولد وتلك النشأة التي تجمع بين أب فلاح ينتمي الي الريف ويدين له بكل ما وصل اليه من مجد وأب وصل في نفس الوقت الي أعلي المراتب في الدولة جعلتني اخالط كل الطبقات مخالطة معاشرة تامة.
وكان أبي أديبا.. وهكذا بدأت القراءة وأنا في السابعة وكان يرعي بماله وجاهه الشعراء فكان بيتنا لا يخلو من شاعر كبير.. ولهذا اتقنت اللغة العربية اتقانا قل ان يتاح لمن تعلموا مثلي في غير المدارس المتخصصة في العلوم الدينية واللغوية وقد قضيت طفولتي الباكرة بحي المنيرة وهو حي شعبي، ثم انتقلت قبيل حصولي علي الابتدائية الي حي العباسية وهو حي يجمع بين كل الطبقات، فصراع الطبقات الذي يقولون عنه انما هو عندي اكذوبة كبيرة لا حقيقة وراءها ابدا.
تزوجت عن حب من عفاف أباظة ابنة شاعر العربية والمسرح الكبير عزيز أباظة ولنا ابنة تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية واسمها أمينة، وابن واسمه دسوقي تخرج في كلية الحقوق وعين معاونا للنيابة وهي أولي درجات السلم القضائي.
لم اجد صعوبة في نشر مقالاتي ولا وجدت صعوبة في نشر كتبي، فأول مقالة لي نشرت بمجلة الثقافة القديمة سنة 1943 وكان عمري 16 سنة، وأول كتاب وهو 'ابن عمار' نشرته لي دار المعارف في سلسلة اقرأ عام 1954 وكان عمري 27 سنة والشيء الوحيد الذي آسف عليه ان أبي لم ير شيئا من كتبي لانه توفي في 22 يناير عام 1952، ولكنه كان قد قرأ كل ما كتبته بالصحف والمجلات حتي وفاته، وكنت انشر بجميع الجرائد المصرية تقريبا، ولكنني انتظمت في النشر أولا في مجلة الثقافة ثم جمعت اليها مجلة الرسالة، ثم اصبحت اكتب مقالا اسبوعيا بجريدة المقطم، ثم تركتها لاكتب مقالا اسبوعيا بجريدة المصري وقد ظللت اكتبه حتي استولت الثورة علي الجريدة وأغلقت أبوابها وصادرت أموال اصحابها، ثم أصبحت اكتب القصص بمجلة المصور ثم 'أخبار اليوم' ثم الجمهورية وعملت فترة بجريدة القاهرة من 1954 الي نهايتها.
ولم اكتب في كل ما كتب كلمة واحدة تمجد العهد السابق في مصر فجزائي انني لم اعين في أي وظيفة منذ تخرجي عام 1950 أما جريدة القاهرة فقد كانت ملكا للامير فيصل وعيني الرئيس السادات رئيسا لمجلس ادارة مجلة الاذاعة عام 1974، وكانت الجامعة العربية تريد تعييني بها ولكن السلطات المصرية قبل السادات رفضت وكانت كتاباتي كلها في هذه الفترة من خارج الصحف فاذا التحقت بوظيفة فلمدة شهور باحدي المجلات الاهلية، ولم اكن ارفض أي وظيفة خوفا من الفراغ، ولعله من الطريف انني حين نلت جائزة الدولة التشجيعية في أول سنة انشأت فيها عام 1958 عن رواية هارب من الايام نلت معها وسام العلوم والفنون فصدرت البراءة به ووظفني في البراءة رئيس تحرير مجلة الاعلان حتي أحس حين استيقظ في الصباح أن لي عملا يمكن أن اذهب إليه.
ولعل أهم أعمالي التي وضح فيها الرمز هما هارب من الأيام وشيء من الخوف وقد ظهر كلاهما بالسينما والإذاعة والتليفزيون وظهرت هارب من الأيام علي المسرح في علاج درامي قامت به المرحومة السيدة أمينة الصاوي.
وقد أثارت شيء من الخوف ضجة كبري في مصر والعالم العربي وقد كان المحور الأساسي فيها هو الشرعية وكانت هناك جملة تنطق بها الجموع وهي 'زواج عتريس من فؤادة باطل' وكانت الجموع في دور السينما تهتف زواج عتريس من فؤادة باطل' ولذلك لم يستمر عرض الرواية أكثر من ثلاثة أسابيع في دارين للسينما بالقاهرة، ثم مرت مرورا سريعا بالأقاليم، لكنها في عهد الحرية أصبحت تعرض كثيرا بالتليفزيون، وقد أصبحت هذه الجملة مثلا سائرا يستعمل كثيرا في المسرحيات كلما أراد المؤلف أن يعبر عن الحرية.

شغل المناصب التالية

: رئيس القسم الأدبي لجريدة الأهرام ، رئس مجلس إدارة مجلة الإذاعة والتلفزيون ، نائب رئيس اتحاد الكتاب في مصر ، عضو مجلس الشورى وغيرها من المناصب .
المؤلفات
الروايات
ابن عمار ، 1954
هارب من الأيام ، 1956
قصر على النيل ، 1957
ثم تشرق الشمس ، 1959
لقاء هناك ، 1960
الضباب 1965
شيئ من الخوف ، 1966
أمواج ولا شاظى ، 1969
أوقات خادعة ، 1970
جذور في الهواء ، 1974
خائنة الأعين ، 1977
نقوش من ذهب ونحاس ، 1979
خيوط السماء 1982
طائر في العنق ، 1983
أحلام في الظهيرة ، 1984
لؤلؤ وأصداف ، 1985
النهر لا يحترق ، 1986
طارق من السماء ، 1986
وبالحق نزل ، 1988
بريق في السحب ، 1992
القصص القصيرة
الأيام الخضراء ، 1961
ذكريات بعيدة ، 1963
هذه اللعبة ، 1967
حين يميل الميزان ، 1970
السياحة في الرمال ، 1973
لأنه يحبها ، 1977
وبقي شيئ ، 1979
المسرحيات
الحياة لنا ، 1955
حياة الحياة ، 1968
من أقاصيص العرب ، 1968
مقالات : 11 مؤلفا من المقالات أهمها خواطر ثروت أباظة 1980
كما صدر في العام 1992 مؤلفات ثروت أباظة في 6 مجلدات.

دراسة عن المقالة عند ثروت أباظة

حصل شكيل أحمد خان الندوي‏(‏ هندي الجنسية‏)‏ علي درجة الماجستير بتقدير ممتاز عن موضوع فن المقالة عند ثروت أباظة ـ دراسة فنية من قسم الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة‏.‏ تكونت لجنة المناقشة من الدكاترة‏:‏ شعبان محمد مرسي أستاذ الأدب العربي بالكلية مشرفا‏,‏ ومحمد موسي خشبة أستاذ الأدب العربي بالكلية‏,‏ وأحمد حلمي حلوة رئيس قسم اللغة العربية بأكاديمية الفنون بالهرم عضوين‏.‏
وقد بدأ الباحث دراسته باستعراض تاريخي لفن المقال من حيث تطوره وأساليبه‏.‏ فقد كتب ثروت أباظة أكثر من‏1500‏ مقال صحفي ما بين سياسي واجتماعي وأدبي ونقدي وثقافي واقتصادي‏.‏ وأهم النتائج التي توصل إليها‏:‏ الكاتب ثروت أباظة استطاع أن يناقش قضايا مجتمعه المصري من خلال قلمه‏,‏ وقد حاول أن يجد حلولا لهذه المشاكل‏.‏ وأن هذه المقالات تأريخ لمصر‏.‏ وقد اهتم ثروت أباظة بقضية العدل واهتم بكل طبقات المجتمع‏.
‏ كما عني الكاتب باللغة العربية الفصحي الجميلة‏,‏ واستخدم لغة سهلة وابتعد عن الألفاظ الحوشية غير المتداولة‏.‏ وكثر اقتباس الكاتب من القرآن والأحاديث النبوية والشعر والأمثال‏.‏
ويقول الباحث‏:‏ انه يري ضرورة أن تهتم الدوائر الثقافية بإعاد ة نشر مقالات الكاتب الكاملة‏,‏ لأن ما نشر لا يضم كل مقالات ثروت أباظة‏.‏

*الأهرام ـ في 25/10/2009م.

ايوب صابر 05-08-2012 02:05 PM

القصة في الشعر العربي - ثروت اباظة


[right]برحيل الأديب ثروت اباظة فقدت الحركة الثقافية المصرية واحدا من الكتاب الذين انحازوا في كتاباتهم الابداعية لقضايا الفقراء والطبقات البسيطة في مجتمع المدينة، كما يعتبر اباظة من أكثر الكتاب المصريين إثارة للمعارك الابداعية، والثقافية والسياسية والتي كانت واحدة منها سببا في إقصائه من رئاسة تحرير مجلة الاذاعة والتلفزيون عام 1975، بعدها استمر الكاتب الراحل في معاركه مع قوى اليسار المصري والناصريين، كما هاجم الكثير من الكتابات ذات الرؤى الحداثية، وقال في أحد مقالاته «أتحدى ان يحفظ الشعراء الذين يكتبون قصائد التفعيلة ما يكتبون».

* حياة أدبية متنوعة
* ولد ثروت أباظة في 28 يونيو (حزيران) عام 1927، وتلقى تعليمه في مدارس القاهرة، وتخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة (فؤاد الأول) عام 1950، وتزوج بعد ذلك من عفاف ابنة عمه الكاتب المسرحي عزيز أباظة، وتعرف على أعماله المسرحية وأشرف على طباعتها وتمثيلها في المسرح، كما قرأ أعمال توفيق الحكيم وطه حسين والعقاد ويوسف السباعي الذي كان يعتبره أخاه الصغير.
نشر ثروت أباظة أول قصة قصيرة له بعنوان «اكرم من حاتم» في مجلة «صرخة العرب» عدد يناير (كانون الثاني) 1955، أما أول رواية فنشرت عام 1954 بعنوان «ابن عمار»، وحصل على أول جائزة تشجيعية للدولة عن روايته «هارب من الأيام» عام 1958 كما قامت جامعة ليدز البريطانية بتدريس قصصه بقسم اللغات السامية في عام 1960.
لم يقف الأديب الراحل ثروت أباظة عند حدود القصة والرواية، بل كتب المسرحية والدراسات النقدية والمقال.
* الجبار: احتفاء بالقيم الايجابية
* يقول عنه الدكتور مدحت الجيار عضو مجلس ادارة اتحاد الكتاب: «ان أهم المحاور التي عمل عليها الكاتب الراحل كانت قضايا القرية والمدينة، وكشف عبر رواياته وقصصه عن الظلم في العلاقات داخل القرية وربط بينها وبين الواقع السياسي في ذلك الوقت. ولعل شخصية «كمال الطبال» في رواية «هارب من الأيام» و«عتريس» و«فؤادة» في «شيء من الخوف» يمكن ان تشكل رموزا واضحة على هذا العالم، وهي نماذج تمثل عالم القرية وما يحدث فيه من تناقضات بين عالمي «الظاهر والباطن»، كما في «هارب من الأيام»، كما نلمح رموزا لعالم القوة والضعف، في «شيء من الخوف» وغيرها من الروايات مثل «لنا لقاء» و«ثم تشرق الشمس»، وكلها روايات من وجهة نظر الحيار تحتفي بالقيم الأخلاقية ونبل العلاقة بين الرجل والمرأة.
وأضاف الجيار «ان ثروت أباظة الذي توفي عن عمر يناهز 75 عاما لم يدع يوما في حياته يمر دون كتابة، فقد قدم للمكتبة العربية 20 عملا روائيا مثل معظمها في السينما والتلفزيون، كما كتب أكثر من 70 تمثيلية للاذاعة، ومائة قصة قصيرة ومسرحيتين هما «الحياة لنا» و«حياة الحياة». وأضاف د. الجيار يكفي ان نقول ان مجمل ما كتبه ثروت أباظة يتجاوز 10 آلاف صفحة من القطع الكبير.
وتحدث الجيار عن كتابات ثروت أباظة النقدية، مشيرا الى انها كانت كتابة انطباعية وخرجت في ثمانية كتب منها «السرد القصصي في القرآن» و«شعاع من طه حسين» و«القصة في الشعر العربي»، وأشار الجيار الى ان ثروت أباظة كان تلميذا نجيبا للكاتب الفرنسي موباسان والكتاب الروس وعلى وجه الخصوص تولستوي وديستويفسكي وجوجول، لكنه أقرب إلى موباسان لانه يعالج عالم البسطاء ويحاول ان يقدم شخصيات نبيلة في كل عمل قصصي له تكون وسيطا لحل لغز الرواية أو القصة، لتنتصر في النهاية القيم الأخلاقية النبيلة.
* جبريل: وقف إلى جانب كثير من الكتاب الشبان
* وحول دور ثروت أباظة قال الروائي محمد جبريل نائب رئيس اتحاد الكتاب السابق اذا كنت أدين بفضل الريادة وتذليل خطواتي الأولى في الساحة الثقافية في القاهرة منذ قدمت من مدينتي الساحلية الاسكندرية الى جيل الاربعينيات نجيب محفوظ والسحار والبدوي وغيرهم فاني أدين بالفضل نفسه الى الأديب الراحل ثروت أباظة هذا رغم انه من جيل تال عليهم، ولعلي اعترف أنه كان الوحيد من جيل الخمسينيات الذي وقف الى جانب كثير من المبدعين الشباب يساعدهم ويأخذ بأيديهم وينشر لهم أعمالهم ويتحمل غلاساتهم سواء على المستوى الشخصي أو اثناء رئاسته لاتحاد الكتاب حيث انتخب رئيسا له منذ عام 1984 واستمر في منصبه حتى عام 1990، وكان قبل ذلك نائبا للرئيس.
وأضاف جبريل كان ثروت أباظة يقوم بنفس الدور في نادي القصة والذي كان يترأسه ايضا وقال جبريل اذا كان البعض قد تسول له نفسه انكار ما قدمه ثروت أباظة له على المستوى الانساني والشخصي قبل المستوى الابداعي، فان ضمائر الكثيرين لن تقبل هذا وأنا منهم.
صحيح اختلفنا معه فكريا وفنيا لكنا لم نختلف معه أبدا على المستوى الانساني فقد كان انسانا نبيلا وفارسا لا يتذكر ابدا مساوئ الآخرين، واضاف جبريل جميعنا يذكر المؤامرة التي احيكت ضده لابعاده عن اتحاد الكتاب من بعض من ساعدهم حتى في أحوالهم المعيشية فقابلوا الاحسان بالاساءة وتآمروا عليه لكن ثروت أباظة لم يلجأ ابدا لمقابلة اساءاتهم والرد عليها وإنما تخلى بأخلاق الفرسان عن كل شيء في اتحاد الكتاب حتى العضوية العادية وكان مثالا للترفع عن الصغائر، وأشار جبريل الى اهتمام ثروت أباظة بالأعمال التي كان ينشرها زملاؤه من المبدعين، وحرصه على أن يلتقي بهم ويبدي لهم وجهة نظره في أعمالهم.
* داود: أعماله تشكل علامة في السينما المصرية
* وأشار الكاتب المسرحي ومدير السينماتيك المصري عبد الغني داود الى ان معظم أعمال ثروت أباظة الابداعية والتي تم تحويلها الى أفلام سينمائية تشكل علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية ولعل أهم هذه الأعمال فيلم «شيء من الخوف» الذي اخرجه حسين كمال وقام ببطولته الفنان محمود مرسي وشادية، وذكر ان هذا الفيلم كان من الشجاعة بحيث شكل ادانة صريحة للواقع السياسي في ذلك الوقت.
[size=3]وأشار داود الى ان رؤى ثروت أباظة التي عبر عنها في رواياته ونقلت الى السينما انحازت الى عالم الفقراء وانتصرت للحق والعدل، مع انه كان ممثلا لعائلة اقطاعية ثرية وبرغم انها اضيرت كثيرا من سياسات التأميم والمصادرة إلا ان ذلك لم يمنعه من مناقشة قضايا الانسان المصري وانحاز كثيرا للطبقات الهامشية في المجتمع.t]

ايوب صابر 05-08-2012 08:38 PM

ابرز االاحداث المؤثرة في حياة ثروت اباظة:
مثل كل المبدعين لا يوجد تفاصيل حول طفولة ثروت اباظة لكن ربما ان بعض الاحداث تبدو مهمة مثل تلك الرواية التي ترويها زوجته عن انه لم يعش طفولة عادية حيث كان يجالس الكبار منذ طفولته وكان والده يصطحبه الى مجال الكبار دائما.
ولد عام 1927 ومات ابوه عام 1952 اي وهو في سن 25 وتروي زوجته انه كاد يموت حينما اصيب بالتهاب الزائدة الدودية وانقذت حياته عندما اجريت له عملية بحضور والديه ويبدو ان تلك العملية استمرت على غير العادة لمدة ساعتين.

طبعا ربما ان اصوله الشركسية لها دور في شعوره بالاغتراب وكرهه للمدرسة كما تروي زوجته حيث يبدو انه كان يحاول ان يتغيب عن المدرسة وحينما يتم ايقاظة يذهب الى الصالون وقد ارتدى ملاب المدرسة ليعود الى النوم.

ايضا لا يمكن اهمال انه اهتم في كتاباته بحياة الفقراء والفلاحين.

كل هذه العناصر ربما تكون مؤثره لكن واضح ان والديه كانا موجودين وهو في سن اجراء العملية اي حينما كان متزوج .

يمكن اعتباره مجهول الطفولة لعدم وجود تفاصيل واضحه.

مجهول الطفولة.

ايوب صابر 05-08-2012 10:18 PM


73- اللاز الطاهر وطار الجزائر

رواية اللاز
أول رواية نشرها الكاتب الجزائريالطاهر وطار وذلك سنة 1974 وهي تعالج الصراع بين الثوار والثوار أيام الثورة التحريرية, حيث ذبح بعض الشيوعيين والمثقفين بسبب انتماءاتهم الأيديولوجية, نشرت هذه الرواية في أكثر من بلد وبأكثر من لغة, وهي تدرس إلى جانب رواية الأم لمكسيم غوركي والعقب الحديدية لجاك لندن, في المدارس النقابية والحزبية.
وأهم عمل للروائي جعل شهرته تقفز.

وصلات خارجية

يمكن قراءة هذه الرواية أو نسخها من موقع المؤلف علي الرابط :

ايوب صابر 05-08-2012 10:29 PM

لاز الوطن النبيل
كتبهاالخير شوار ، في 1 ديسمبر 2008 الساعة: 21:23 م

رواية اللازللطاهروطار ككل رواياته السابقة تتناول في متنها الشأن الجزائري خاصة فترة الاستعمار الفرنسي والكفاح ضده عبر حرب التحرير التي شهدت مؤازرة عربية عن طريق مد هذه الثورة بالسلاح والوقوف معها سياسياً في المنابر الدولية..

محمد الأصفر*
تناول الطاهر وطار أيضاً في رواياته الفترة التي أعقبت التحرير وتناول بالتحليل والدرس الشخصيات والفئات التي استغلت هذه الثورة لتجنى ثمار الإنتصار من دون أن تصنعه وعبر هذه الفئات الطفيلية استطاع الطاهر وطار أن يضع إصبعه على جراح وهموم الشعب الجزائري من دون أن يقترح حلولاً ولعل تشخيص الحالة ووضع الأصبع على موضع الداء هو نصف العلاج لأي مرض.
في رواية الشمعة والدهليز والتي على ما أعتقد أنه كتبها في نفس واحد أي في فترة قصيرة متصلة مع بعضها من دون توقف حاول أن يدخل دهليز الظلام بشمعة وقودها روحه وفي هذا الدهليز المظلم أضاء الكثير من المنعطفات والثنايا كاشفاً ما فيها ومنظفها من قذارة الظلم والقهر والنفاق.. لقد حارب الطاهر وطار في روايته الشمعة والدهليز النفاق والتملق عبر شخصية بطل الرواية المناضلة والمثقفة واليسارية وفضح الكثير من لاعني الملة وآكلي الغلة.. الذين ينتقدون الدولة والنظام في المقاهي والجلسات وفي الوقت نفسه هم أكبر المستفيدين من هذا النظام وما أن يدعوهم إليه أو يهمس لهم حتى يهشون ويبشون ويركضون نحوه متنكرين لكل المبادئ التي يطلقها لسانهم والتي ينظرون لها في الاتساع.
عندما قرأت رواية الشمعة والدهليز لم أشعر أن الطاهر وطار يتحدث عن الجزائر إنما يتحدث عن بلادنا فكل ما تناوله عبر الرواية موجود لدينا وأعتقد أيضاً أنه موجود في كل الدول مما يعني أن قضية التملق والمتاجرة والنفاق قضية إنسانية عالمية لا يستحوذ عليها مكان واحد مهما تعاظمت فيه. وهذا الأمر يعتبر أمراً جيداً فالرواية هي فن عالمي ولو أنه يكتسي دائماً بالمحلية، فالمحلية دائماً تتركز في المكان والزمان لكن الأحداث والصراع دائماً تكون عالمية لأن مادتها الإنسان وأحاسيسه ومشاعره ومعاناته.. كل الكتاب المنطلقين من وجهة نظر سياسية والذين لديهم انتماء عقائدي أو سياسي سنجد لديهم المادة الروائية غزيرة جداً.. لأن السياسة تنتقل معهم دائماً إلي الفن.. والسطور تتحول إلى شخصيات والأوراق تتحول إلى منابر تقول فيها كل شخصية رأيها ومن هنا يتحول العمل الفني إلى /خطابة / أو مقالة من الممكن أن ننشرها في جريدة وألا نَصْنَعَ منها رواية.. لكن عند الطاهر وطار يختلف الأمر، فمادته سياسية لكن حبره إبداعي، فروايته عبارة عن لوحة فنية أو جدارية ترى فيها الأحداث قبل أن تقرأها لتحسها وتشعر بها أكثر، فكتابته نابعة من إيمان عميق بقضية الإنسان.. وكتابته محاولة لاكتشاف ما يمتلك هذا الإنسان من طاقات جبارة تمكنه من مقاومة الألم والفناء والانبعاث من جديد.. في الشمعة والدهليز نلمس الغوص في النفس الإنسانية.. نرى التوغل في أعماق هذه النفس بمصباح يذوب كلما عاش أكثر في هذا الزمن.
وفي رواية اللاز التي تتحدث معظم أحداثها عن فترة المقاومة الجزائرية للإستعمار الفرنسي يطرح الكاتب مشكل الإستعمار وما يفرضه من نظم على البلاد التي يحتلها فيقسّم السكان إلى نعم أو لا.. معنا أو ضدنا والشيء نفسه تفعله المقاومة أو الثورة.. ومن هنا يجد الإنسان نفسه بين نارين.. نار الثورة ونار الاستعمار.. وكلاهما يمارس العنف والتصفية على معارضيه.. لقد صور لنا الطاهر وطار في روايته اللاز الدم ومعنى كلمة اللاز هي البطل.. لكن هذا البطل سرعان ما يتحجم ويكاد يختفي منذ منتصف الرواية ليتحول اللاز إلى الجماعة التي تعنى الثورة، لكن في الثورة تحدثت صراعات.. فالثورة ليس لها إلا وجه واحد.. وعندما تجد أن المقاومين متعددي المشارب السياسية تحاول هذه الثورة أن تصفي اليسار فتحاكم كل المنضويين إليها من تيارات سياسية أخرى وهنا يضع الطاهر وطار قضية المتطوعين في المقاومة والذين يتعرضون للتبرأ من أفكارهم السياسية السابقة والانصياع لعقيدة القوة المسيطرة على الثورة الجزائرية آنذاك عبر سطوة القيادة في المنفى.. فعلى الرغم من أن قضية النضال ضد الفاشية والظلم عالمية حيث يشترك في المقاومة الجزائرية إلي جانب المجاهدين الجزائريين عدة أفراد ينتمون إلى أحزاب شيوعية.. أسبانية وفرنسية وجزائرية بل هم أوروبيون وليسوا جزائريين.. إلا أن هذا النضال لا يقبل منهم في النهاية ويتعرضون إلى محكمة صورية تخيّرهم بين التخلي عن المبدأ أو الذبح فيختارون الذبح ربما ندماً وتكفيراً على الالتحاق بهذه الثورة التي باعتهم.
في رواية اللاز حفر الطاهر وطار جيداً في قضية الثورة وفي قضية الدفاع عن الوطن وتحريره ساعده في ذلك أنه عاش هذا النضال عن قرب فأحياناً تشعر أن ما يكتب هو سيرة ذاتية فلا تشعر بأي تكلف في الكتابة فالكلمة جزائرية واللسان جزائري والغضب جزائري والذبح والدماء جزائرية.

وعلى الرغم من قدرات الطاهر وطار الإبداعية الكبيرة إلا أنه لم يبتعد عن واقعه ولم يخرج من ملعبه ليلعب بعيداً عن أرضه.. أي أنه لم يتأثر بما يكتبه الأدب الفرنسي الذي يجيد لغته والذي وقع في فخه الكثير من الروائيين الجزائريين. فجاءت رواياتهم ذات نكهة فرنسية لا تحمل من الخصوصية الجزائرية إلا كون الكاتب جنسيته جزائري.
فرواية وطار واضحة جداً.. دائماً تحكي عن نضال الشعب الجزائري الذي مازال مستمراً حتى الآن ودائماً تنحاز إلى اليسار ودائماً تواصل الحفر لفهم هذا الإنسان الذي يقدم التضحيات من أجل الثورة ثم يسرقها أو يقتلها أو يطفئ لهيبها لكن لا يتركها تندفن أو تتوغل في الظلام فعبر أغنية جزائرية يبعثها من جديد يشتعل الرقص والغناء وتصدح الموسيقا في كل مكان.
من هو البطل ؟
ومن هو اللاز الحقيقي ؟
وما مفهوم البطولة ؟
وهل البطولة تعنى الانتصار ؟
.. هذه المعاني نجدها واردة بصورة جلية في رواية اللاز.
هذا اللاز الذي حنكته الحياة وربّاه الشارع المكتظ بالدروس.. اللاز الذي يرى الوضع بعين النبل حتى وإن كان منحرفا مع العباد فهو مخلص مع الوطن يجند المجاهدين الجدد ويساعد المجندين الجزائريين في الجيش الفرنسي على الهرب بأسلحتهم والإنضمام للمقاومين وعندما تم القبض عليه وجهت له هذه التهمة التي افتخر اللاز بها كثيرا والجميل أن المجاهدين لم يتركوه اقتحموا المعسكر وحرروه ودمروا الكثير من آليات العدو وقتلوا الكثير من جنوده وسأعرض جزء من نضاله عبر هذه المقاطع التي سطرها إبداع وطار على الورق :
/ اللاز… إننا وحدنا، كما رغبت… هيا تكلم… أنت تعيش في الثكنة، في مقر القيادة إن شئنا التدقيق. تتصل بالمجندين المسلمين وتسلم لهم رسائل من الخارجين عن القانون، أو تقنعهم بالقرار، بدون رسائل، وحين تتفق مع ثلاثة أو أربعة تحدد لهم المكان والوقت بعد أن تتصل بالشخص الذي يتولى نقلهم أو إرسالهم أو تهريبهم، سمه كما شئت. كل هذا عرفناه بوسائلنا الخاصة التي تعلمها. و بقي أن تقول لي من هو الشخص أو الأشخاص أو رئيسهم الذي تتصل به أنت. هذا فقط ما أريد معرفته.
سأضمن سلامتك إن اعترفت.
بمن أبدأ؟
فكرة رائعة… رائعة جداً… الشامبيط، الخنزير. لشد ما عذبني بسوطه… الخائن… أكبر خائن على الإطلاق… هو الذي يشي بكل الناس… أربع محاولات اغتيال ينجو منها.
سيساعدني ذلك على اتهامه… سأعلن للضابط أن محاولات اغتياله كانت تمثيلاً لا غير، المقصود منها التمويه عنه.
سأراه منبطحاً على هذه المنضدة كالثور، عارياً تخزه المسامير الحادة، وتلسع جلده اللدن السياط المبتلة، والجراح المملحة.
يا له من منظر! وانفرجت شفتاه المتورمتان عن أسنانه الصدئة السوداء…/.
رواية بها الكثير من الألم وبها تصوير رائع للتضحية في سبيل القيم والمبادئ التي بدأت رحيلها نحو الانقراض.. رواية بها الكثير من الأحداث التي يظنها البعض أنها لعبة ( اكشن ) لكن ليس هناك مقاومة ساكنة أو استعمار صامت فظروف الرواية وأحداثها تفرض على الكاتب أن يضمّنها الكثير من المشاهد الحركية.. طريقة الهجوم.. طريقة التفتيش.. الاغتصاب.. الذبح.. هي رواية بها الشيء الكثير الذي يسمى السيناريو.. تقرؤها وكأن أمامك شاشة تلفزيون.. هي من الروايات التي تقرؤها وتراها بصرياً ووجدانياً في الآن نفسه وعندما تنام تحلم بها كثيرا فتؤرجحك بين حالات كثيرة كابوسية ولذيذة وحالمة.. رواية تجعلك تستيقظ صباحا برأس عنيد كرأس اللاز عندما يقرر التحدّي.

* روائي من ليبيا

ايوب صابر 05-08-2012 10:30 PM

اللاز ملحمة شعب
دراسة نقدية لرواية الفنان الجزائري الطاهر وطار-اللاز

بقلم عبد الله رضوان



تعريف بالمؤلف:

ارتبطت بعض الأسماء الروائية العربية،بظروف تطور مجتمعاتها بشكل انعكس على الكثير من إبداعاتها الروائية،فإذا كان نجيب محفوظ روائي البرجوازية الصغيرة في صعودها ونمائها حتى وصولها إلى الحكم،وصدقي إسماعيل في روايته"العصا"يحد المرحلة التاريخية التي عاشها الشعب السوري بين حقبتين-الأتراك،الفرنسيين-وبداية الاستقلال مشيرا إلى دور البرجوازية الوطنية وظهور بداية التشكل السياسي.
وإذا كان حنا مينة قد التزم في معظم رواياته،باستثناء المرصد،برصد واقع الفقراء وابراز مجموعة من النماذج الفاعلة اجتماعيا وسياسيا في مجتمعه بحيث ارتبط اسمه كمعلم بارز من معالم الرواية الواقعية تستطيع من خلال رواياته أن نقرأ تاريخ سوريا المعاصر.
إذا كان ذلك صحيحا فإننا نستطيع القول بثقة أن الطاهر وطار يشكل ظاهرة فنية مميزة ليس في الجزائر فقط وانما في المغرب العربي عموما،انه رجل الثورة الجزائرية الذي يعي دوره الحقيقي كفنان ملتزم بمجتمعه وشعبه، لصالح تقدم هذا المجتمع وتحقيق الثورة الزراعية والصناعية تمهيدا لتكوين المجتمع الجزائري.الحلم.
وإذا كان بعض الأسماء الجزائرية،التي تتعامل باللغة الفرنسية في إبداعها،قد أخذت حجما متقدما من الاهتمام في المشرق العربي مثل محمد ديب، وكاتب ياسين وغيرهم،فان الطاهر وطار قد ظلم على أكثر من مستوى،علما بأن ما يقدمه يشرب من نفس المنبع الذي قدمه هؤلاء،المجتمع الجزائري الحديث والقديم،الفقراء،مع إيمان حاد بتقدم هذا المجتمع وتغيره ومن هنا أهمية التعريف بهذا الكاتب،وضرورة دراسة نتاجه.
وطار كفنان خصب الإنتاج فقد أمكن التعريف على بعض أعماله التي تنوعت بين القصة القصيرة،و الرواية،والمسرحية.نذكر منها:
الهارب-مسرحية.
الطعنات-قصص قصيرة.
الزلزال-رواية
عرس بغل-رواية.
الموت في الزمن الحراشي.
رواية.
واخيرا وكما ورد في غلاف روايته اللاز،فالطاهر وطار من مواليد 1936،وقد شارك في الثورة التحريرية الجزائرية منذ عام 1956 ولازال عنصرا فاعلا في مجتمعه حريصا على ثورته وعلى استمرار تقدمها.
لماذا اللاز
*تتبع أهمية هذه الرواية التي تقدمت في أهميتها معظم ما كتبه الطاهر وطار،من أكثر من مستوي،منها،ميدان الرواية التي اختار وطار فيها التحدث عن أخطر مراحل الثورة الجزائرية،المرحلة التي تلت انبثاق الثورة،أو مرحلة انتقال الثورة من الحالة العفوية،إلى حالة منظمة،وما اعترى هذا الانتقال من معوقات، بل حد من محاولة تصفية للقوي التقدمية فيها.
الجانب الثاني-أن الرواية-وأن لم تتخذ الحالة التسجيلية،بمعنى أنها ليست رواية تاريخية لواقع معين ولكننا نقرا فيها التاريخ،نعيش حالة الشعب الجزائري عبر ملحمة بطولته في النضال ضد المستعمر الفرنسي،مثل هذه الموضوعات تفتقدها في أدبنا العربي عموما-إذا استثنينا ما قدمه الروائيون الفلسطينيون في اكثر من عمل يتقدمهم الشهيد غسان كنفاني-رشاد أبو شاور واخرون.
الجانب الثالث-يتعلق بالمضمون الثوري الذي تطرحه الرواية وتصر عليه،عن طريق عكس لرؤية وموقف الروائي نفسه أننا نحس بإيمان الطاهر وطار بفقراء شعبية،وقدرتهم الدائمة على النضال،هذا النظال الذي وان بدأ هنا ضد الاستعمار الفرنسي،سنجد انه في الجزء الثاني من الرواية-الموت في الزمن الحراشي-يأخذ بعدا جديدا متمثلا في النضال ضد بعض القوي الغيبية داخل المجتمع الجزائري هذه القوى التي تختار الوقوف ضد الثورة متمثلة بمحاولتها لتخريب الثورة الزراعية.
أننا نلتقي في هذه الرواية بملحمة شعب،شعب المليون شهيد،الذي خاض النضال أشعل ثورته ضد الاستعمار أولا،ثم ضد التخلف والجهل والمرض.
التعامل النقدي مع هذه الرواية سيتم عبر محورين:
المحور الأول-محاولة التحليل الجانب البنائي في العمل.
المحور الثاني-متابعة تطور الحدث في الرواية لتقدمها إلى القارئ ومن ثم الخروج بمجموعة من النتائج والملاحظات حول هذا العمل.
حول المحور الأول نشير إلى أننا نستطيع متابعة الجانب الروائي في الرواية بشكله البسيط والمعقد من خلال متابعة الظواهر التالية:
*الزمن:
عنصر الزمن في الرواية عنصر أساسي،وزمن الرواية-الحدث-يتم في فترة الثورة الجزائرية على أننا نقصد بالزمن هنا،الطريقة التي أستخدمها الراوي في تحديد مسار روايته فالرواية تبدأ من لحظة حاضرة..
- أيه الله يرحمك يا السبع
- سيد الرجال
- عشر رصاصات،ومات واقفا الرواية ص9
الراوي إذن يضعنا أمام حالة حاضرة تتحدث عن لحظة ماضية،انه"قدور"أحد أبطال الرواية،والانتقال إلى الماضي يتم عبر ذكريات الشيخ الربيعي، والد قدور الذي"استند إلى الجدر وأطلق العنان لمخيلته،تتحسس الجرح..شيء عشناه،وشيء سمعناه..وشيء نتخيله"ص10
عندها تبدأ الرواية عبر الماضي-الحاضر،بمعنى أن الراوي ينقلنا عبر ذكريات الشيخ الربيعي إلى لحظة قائمة في الماضي،لنسير معها،عبر بداية جديدة،وكأن الزمن في طريق تشكله التدريجي والطبيعي.
في سير الحدث، يطرح المستقبل، عبر استشر قات وتخيلات القائد- زيدان-حينما يفكر في خلوته في مصير قريته-جزائر،مجتمعة،ثم وعبر تقطيع يشبه المشاهد المتلاحقة وصلت إلي اثنين وعشرين مشهدا، لنصل إلى الخاتمة-العودة إلى الحاضر في لحظة ابتداء الرواية،يعود الشيخ إلى واقعه،أمام مكتب توزيع المنح لاسر الشهداء"هات بطاقتك يا عم الربيعي"ويتقدم اللاز"يقف في أبهة وتطاول...وهو يهتف-ما يبقي في الوادي غير أحجاره-اللاز الذي تحول من حضور مادي محسوس إلي حالة روحية ذات حضور يقترب من الأولياء-بالمصطلح الشعبي-والذي تتابع حركته أو لنقل حركة الروائي معه في جزء الرواية الثاني-الموت في الزمن الحراشي.
هذه الطرية في البناء الزمني،تشبه إلى حد بعيد ما تحدث عنه الروائي جبرا إبراهيم جبرا في حديثه في مجلة الأفلام حول روايته الأخيرة،البحث عن وليد مسعود-وان كان استخدام جبرا لدائرية الزمن استخداما مختلفا عن استخدام الطاهر وطاو،على أن كليهما يتفقان على خصوصية الزمن لدى الإنسان العربي- بل والشرقي-عموما-فاللحظة الحاضرة ليست مفصولة عن اللحظة السابقة-الماضي- وهما بدورهما مرتبطان بحركة المستقبل بعكس الزمن لدى الإنسان الأوروبي الذي يتحرك أفقيا-ماضي- حاضر-مستقبل-دون العودة إلى الماضي لإغلاق الدائرة.
هذا الزمن الدائري نجده يمتد في جوانبه العمل في رواية اللاز-ليصبح كل نموذج رئيسي فيها-اللاز-زيدان-حمو-قدور-بعطوش-يتحرك كل هذه الشخصيات ضمن دائرية الزمن-الحاضر-الماضي-المستقبل-ثم الحاضر-الماضي وهذا في دوائر مختلفة،على أنها قضية-أي دائرية الزمن-في العمل الروائي العربي-بحاجة إلى مناقشة وتعمق اكثر ليس هذا مجاله.
*البطل:
تشير بعض الدراسات الأكاديمية في تقسيمها للأشكال الروائية إلى أن هنالك رواية أبطال،ورواية البطل الرئيسي-النموذج-وسط جمع حاشد من الشخصيات النمطية،وهنالك رواية المكان..الخ،وهنا لن ندخل في تفاصيل هذه التقسيمات،وانما سنتطرق إلى خصوصية الطاهر وطار في تعامله مع أبطاله،إننا في رواياته خاصة-عرس بغل واللازبقسميها-لا نجد اعتمادا على البطل الفردي،بل نجد أنفسنا أمام مجموعة أفراد يتوزعون البطولة في مشاهد مختلفة،في الجزء الأول من اللازيتقدم-زيدان-على المستوى المباشر للحدث ليحتل دائرة الضوء،وزيدان-البطل الثوري الحقيقي-واقعيا،والمسيطر على حركة المحور الحدثي في الرواية،فعند زيدان –القائد الثوري- تتمحور مجموعة خيوط الشخصيات الأخرى في العمل، وحتى الشيخ"مسعود"الذي مارس عملية الإعدام-الذبح من العنق-ضد زيدان ورفاقه،يبقي متراجعا إلى الظل واقعيا وفنيا،ليتقدم زيدان دائما في مركز البؤرة .
وفاة زيدان بهذه الكيفية-الذبح-ثم انفجار الدم أمام ولده اللازعمل على نقل اللاز من دائرة الوعي،إلى حالة أخرى،مما سيساهم على إعطاء اللاز بعدا روحيا جديدا لن نلبث أن نتعرف عليه في الجزء الثاني من الرواية،وهذا ما سنتعرض له في دراسة لاحقة.
هذه الظاهرة-تعدد الأبطال- الملاحظة في أعمال الطاهر وطار الروائية والمتمثلة في تقديم اكثر من بطل مع السماح بتقدم الشخصيات في روايته ليحتل مركز البؤرة دون أن يلغي ذلك حضور باقي الشخصيات،تكاد تعمم في معظم روايات الطاهر وطار،إذ لا وجود لشخصيات ثابتة ضمن محور محدد إلا فيما ندر"كما يلاحظ في روايته الزلزال" فلو عدنا إلى"عرس بغل"فإننا نجد أن أبطال الرواية الأساسين يتورطون وتتغير مواقفهم على الدوام تبعا لتغير الحدث،أ لنضج التجربة.الحاج كيان-عصفور الجنة.العنابيين-الفلاح..الح"وهي نقطة تبقي لصالح هذه الروايات ذات النهج الواقعي في الرؤية التي تعددت أشكال بناءها الفني،بين بناء مباشر كما في اللاز.وبناء رمزي مبسط في الزلزال-أو اللجوء إلي البناء الرمزي المعقد في –عرس بغل-وهذا مؤشر على قدرة هذا الروائي الفذ في التعامل مع واقعه ببعديه الموضوعي والفني.
في اللاز تتقدم الشخصيات لتحتل مواقع جديدة على الدوام،فهي شخصيات نامية ومتحركة داخل العمل،تصل إلى مرحلة النمذجة الفنية في كثير منها،ولو أردنا التمثيل على ذلك بالإضافة لـ ـزيدان واللازـ فإننا نلتقي بـ ـ حموـ قدورـ بعطوش ـرمضان..الخ.
هذا التعامل مع ظاهرة البطل،أعطى رواية"اللاز"تحديدا،بناء ملحميا،يتحرك فيها الشعب،بتناقضاته،وغضبه،بمظاهر المتعددة،الايجابيةوالسلبية،وهنا تتقدم خصوصية جديدة لصالح الطاهر وطار وهي ـ واقعية النقديةـ فهو يعايش مسيرة مجتمعه حتى النخاع يجيء بالإيجابي لفرزه وتثبيته،والسلبي لتحديده ومن ثم تجاوزه والابتعاد عنه،هنا يأخذ العمل الفني دوره الاجتماعي كحالة فاعلة غير معزولة عن حركة مجتمعها.
*اللغة:
اللغة الروائية مسألة من الصعب ضبط وتيرة توجهاتها،ذلك أن لكل عمل خصوصية،وبقدر نجاح الفنان في التعامل مع اللغة،يقدر قدرته على فهم شخصياته،ووعيهم وثقافتهم،أما بالنسبة للطاهر وطار،فان الأمر يبدو قد حسم،ففي"عرس بغل"نجد أن اللغة تشف،وتتعقد أحيانا،وتدخل في سحابات من الحلم والضباب،مما يبعدها عن القارئ العادي،وهذا وضع طبيعي على أساس أنها موجة للنخبة، وان كانت هذه القضية اقصدـ توجد النخبةـ بحاجة إلى نقاش ليس هذا مجاله.
في اللاز،نجد مستويين من اللغة،المستوي الأول،المباشر،الحدثي الذي يجيء على لسان الشخوص،وهو بسيط يقترب من العامية،بل ويدخل فيها أحيانا وهذا ما يتفق مع وعي شخوصه،لتراقب هذا الحوار،بين حمو،وقدور قبل التحاق الأخير،بالثورة"تصبح على خير،أنها الرابعة،تأخرت عن أيقاد الفرن ..تختلف عن موعد"دايخة"..لايهم...تصبح على خير.
-ربي يعزك..حمو..أنت أخ بحق"-ص32
بينما نجد أن مستوى وطريقة بناء الجملة يختلف حين يتعلق الأمر بالتعبير عن حالة الحلم، فالجملة عندها تصبح قصيرة مكثفة،محملة بشحنة شعورية عالية ومتدفقة،لتراقب هذا المقطع حول تداعيات-زيدان-القائد المثقف.
هذا الوليد..آه..الجزائر..هذا الوليد لا يزال في المهد،بل لا يزال جنينا،نقطة في أحشاء التاريخ،يكتمل نموه ويولد،يرضع ويحبو،ويسقط مرات ومرات،ثم ينهض على قدميه،يمشي على الجدران،يقف معتدلا،يسقط وينهض...وسيظل طيلة سنوات طفلا صغيرا،سيظل بلا منطق زمنا طويلا..من يدري أي عذاب يلحقه أثناء مرحلة المراهقة آه..هذه المرحلة يجب أن نكون نحن"ص109.
هنا اللغة تستخدم في أدق تجليتها..زيدان القائد المثقف،يرسم من خلال حلمه مستقبل شعبه،ومجتمعة،بل ثورته.
اكتفي بهذه الملاحضات حول الجانب البنائي في الرواية،وانتقل لمناقشة المحور الثاني
*الحدث:
اللاز-هو الشخصية الذي يتمحور حولها سير الحدث في الجزء الأول من الرواية،طفولته طفولة شقي،اندع الرواية تقدمه لنا"هذا اللقيط الذي لا تتذكر حتى أمه،من هو أبوه..برز إلى الحياة يحمل كل الشرور..يضرب هذا..يختطف محفظة ذات،ويهدد الأخر أن لم يسرق له النقود من متجر أبيه..حتى إذا جاء يوم الأحد بادر إلى الملعب،شاهرا خنجره في وجوه الصغار حتى ينزلوا عند إرادته"ص12.
مكابر،معاند،وقح،متعنت،لا ينهزم في معركة،وان استمر عدة أيام،يضربه المرء حتى يعتقد انه قتله،لكن ما أن يبتعد عنه حتى ينهض ويسرع على الحجارة..مما جعل الجميع كبارا وصغارا يهابونه،ويتحاشون الاصطدام معه.
اللقيط،كلما كبر واعتق الناس انه سيهدا.. ازداد سعاره.. حتى بلغ معدل دخوله السجن،ثلاثين مرة في الشهر،ص13.
هذا هو اللاز،عند قدوم المستعمر الفرنسي يقوي علاقته بالجيش الفرنسي،ثم يصبح على علاقة وثيقة مع الضابط-مسؤول المعسكر-مما يزيد من كرة القرية له،اتهمه البعض بالخيانة ولكنه لم يقتل،ولو كان خائنا لصفاه الثوار،وكذلك لم تمسك عليه خيانة واحدة.
فجأة نجده مدمي،يجره الجنود،يضربونه وهو يسير أمامهم في شوارع القرية حتى يتوقف أمام دكان قدور صارخا"حانت ساعتكم كلكم"
ينتقل الحدث إلى قدور- الوحيد الذي يعلم بعلاقة اللاز بالثورة،وقد استلم قدور التحذير من اللاز،فيقرر الالتحاق بالثوار في الجبل،يهجر القرية تاركا حبيبته وأمه وحياة الدعة والاستقرار،منتقلا إلى مرحلة جديدة،المشاركة في النضال المباشر-الحرب-ضد الاستعمار الفرنسي مع صديقه.حمو-الذي سبقه إلى الجبل مستعرضا الروائي قصة انضمام قدور إلى الثورة عن طريق صديقه حمو-الفقير المعدوم الذي لا يملك إلا قوة عمله كخمار في فرن يمتلكه أحد السادة-حمو الذي التحق بدوره بالثورة بعد أن نظمه أخوه زيدان فيها.
زيدان،الشخصية الثورية الفاعلة الذي يجمع بين الفعل والنظرية،مثقف،واحد الأعضاء التقدميين،ناضل طويلا،أتقل عاملا إلى باريس،هنالك تعلم،ثم انتقل إلى مدرسة للكادر،عاد بعدها مقاتلا في صفوف الثورة الجزائرية ضد فرنسا،ليس مقاتلا فقط بل ومنظرا،وقائدا لإحدى الفصائل الثورية.
زيدان هو الذي نظم-حمو-الذي بدوره الحق-قدور-بالثورة في جهازها السياسي أولا،ثم ليتسلم قدور مكان حمو كمسؤول في القرية بعد التحاق حمو بالجبل،وليفاجأ قدور بعد فترة بدخول اللاز عليه قائلا كلمة السر"ما يبقى في الوادي غير أحجاره"ثم لتصبح هذه المقولة فيما بعد عبارة تردد على لسان،مشيرة إلى أن الحق،والحق فقط،هو الذي يبقى وان الاستعمار والخيانة،في سبيلها إلى الاندحار تدريجيا.
انضمام اللاز إلى الثورة جاء بعد لقائه مع زيدان،اللاز يبحث عن زيدان ابن قريته،ويجده باستمرار وكأنه يراقبه،في إحدى المرات يطلب من زيدان أن يضمه إلى الثورة،أن يضمه إلى الثورة،يفاجأ زيدان ولكنه،وحين يرى الإصرار عند اللاز،يخبره بأنه سيعمل على ذلك ،يصعدان معا في القطار الذاهب إلى المدينة.
يتحدثان في الطريق فيعترف زيدان للاز بأنه أبوه،وانه أي اللاز ليس لقيطا،فقد جملت به أمه-مريام-بعد أن شتت العسكر الفرنسي أهل القرية التي كانوا يعيشون فيها،فالتقى مع ابنة عمه في الغابة-أم اللاز-وعاشا معا شهرا كانت حصيلة اللاز.أما الأب فقد القي القبض عليه وارسل إلى الخدمة الإجبارية في الجيش الفرنسي.هذا السر الذي كشف،يهز اللاز من أعماقه،يفرح،وبعد أن يهدأ من المفاجأة يخبر أباه مستفسرا عن مقولة سمعها من الضابط الفرنسي،بأن لونه-أي زيدان-"احمر"وان الضابط وضع اسمه"زيدان"على رأس قائمة المطلوبين وهذا ما دفع اللاز للبحث عن زيدان لإخباره،لماذا"كنت دائما احبك يا عم زيدان..يا أبي..لانك الوحيد الذي لم يؤذني،ولم يشتم أمي..ولانك الوحيد الذي يحتقر الأغنياء ويسبهم..الوحيد بعدي طبعا ص67 عندها يطلب زيدان من ابنه الاتصال بقدور رجل الثورة في القرية ويخبره بكلمة السر"ما يبقى في الوادي غير أحجاره"لتتحدد مهمة اللاز في مساعدة الثوار المعتقلين،وهي المساعدة كذلك على تهريب الجنود الجزائريين من خدمتهم الإجبارية إلى الجبل للالتحاق بالثورة.
هذا الوضع يمهدنا للعودة إلى الضابط في تحقيقه مع اللاز،مع تصوير للتعذيب البشع الذي تعرض له اللاز دون أن يعترف،في النهاية يقرر اللاز أن يلعب لعبة تطيل الوقت أمام قدور ليتسنى له الهرب وإخبار الرفاق،وترفع التعذيب عنه،فيقرر الادعاء بأن-الشامبيط-الجزائري الفني المتعاون مع المستعمر هو الذي نظمه،وانه أي الشامبيط-يعمل مع الثورة وان ادعى بأنه يخدم فرنسا فليس ذلك إلا ادعاء طلبه منه الثوار.
هنا تتدخل الصدفة،والصدفة،في حياة اللاز مقبولة ومبررة لأننا وأن بدأ التعامل مع شخصية واقعية،فإنها-أي شخصية اللاز-شخصية ذات بعد روحي،بمعنى أنها تمزج الواقع بالخيال،الحلم بالحقيقة،الغيب والحاضر معا،وهذا ما سيتضح في الجزء الثاني من الرواية.
هذه الصدفة تمثلت في دخول الشامبيط معلنا هرب قدور من القرية،فيتغير الموقف،الضابط يطلب من خادمه إعطاء اللاز مزيدا من الخمر،بعد خروج الضابط من القرية،تتدخل شخصية جديدة هي السرجانت.
رمضان-الجزائري الذي يخدم في الجيش الفرنسي والذي يعرف اللازجيدا،يتقدم رمضان إلى مكان اللازحاملا الخمر ليقدم إلى مساعد الضابط الذي بقي عند اللاز،عند دخوله يقتل المساعد الفرنسي،ويأخذ اللاز معه بعد أن البسه ملابس المساعد،ويخرجون مع اثنين من الجنود الجزائريين للالتحاق بالجبل،يفقدون أحدهم في صدام مع نقطة حراسه وينطلقون ثلاثتهم إلى الجبل معتمدين على حدس اللاز في معرفة الثورة.
هنا تأخذ الرواية مسارين،الأول في القرية.
الثاني في الجبل.
في القرية يجمع الضابط قواته بعد اكتشافه موت مساعده ستيفان،وهرب اللاز،وينتقل إلى القرية،إلى بيت قدور.
يدخله ويطلب إحضار مريام أم اللاز،في بيت قدور يجد أمامه الأب الربيعي.والد قدور وزوجته-خيرية،خالة بعطوش الخائن مع فرنسا ضد أبناء قريته،والذي رفع إلى رتبه"كابران"ليصبح المساعد الأول للقائد الفرنسي،يطلب القائد من بعطوس أن يقتل بقرة خالته،فيفعل،ثم قتل مريام أم اللاز،فيفعل ذلك أيضا،الضابط الفرنسي يطرحه لنا الروائي كشخصية مريضة تعاني من مركب نقص كتمثل في عقدة اللواط.فيطلب من بعطوش ممارسة الجنس مع خالته أمام هذا الجمع المكون من القائد،والشامبيط والربيعي،الزوج،وبعض الجنود،فيفعل ذلك أيضا،هنا تصل شخصية بعطوش إلى حالة لا إنسانية قدرة ،لكن إيمان الطاهر وطار بشعبه،إيمان عظيم فهو لا يسمح بانهيار أحدهم،ففي الوقت الذي يستمر الشامبيط-صاحب المصلحة- الغني-في تعاونه مع فرنسا،نجد بعطوش يأخذ موقفا مغايرا،فهو يصاب بانهيار عصبي،ولا يستطيع نسيان ما فعله يحاول الهرب إلى المخمر فيفشل،ثم يقرر عمل شيء أخر،فيقتل خالته وكأنه يقتل عاره وسقوطه هو لكن ذلك لا يشفيه فيعود إلى المعسكر مقررا عمل شيء أخر.
هذا التغير الانقلابي الذي يحدث مع"بعطوش"قد يبدو تغيرا غير مبرر فنيا،ولكن ضخامة الأحداث التي وقعت في هذه الفترة الزمنية الضيقة لم تستطيع عقلية بعطوش-الشاب الفقير البسيط،الذي كان يعمل راعيا،أن يتحملها،خاصة وانه لا يتعامل عم الفرنسيين من منطق تعامل-الشامبيط-معهم،فالشمبيط يعتبر أن استمرار نفوده ومركز الاجتماعي والمالي مرتبط بفرنسا يعكس بعطوش الذي لا يريد إلا أن يصبح سيدا"آه بعطوش"يا رعي العجول لقد صبرت سيدا،سيدا معتبرا"ص127،يضاف إلى ذلك إيمان الروائي بشعبه،دفعه إلى عدم الإساءة حتى إلى بعطوش الذي ما أن ارتكب أخطاءه هذه حتى دخل في حالة انهيار عصبي،هذيان،بدأت الأشياء خلالها.تضح بصورة مشوشة مع تركيز غير واعي على منطقة تجمع البنزين في المعسكر ،واتجاه تفكيره يميل إلى تخيل منظر المعسكر وهو يحترق.
تصل المر إلى حافة الانفجار حين يدعوه الضابط إلى المبيت عنده لإشباع مركب نقطه،هنا يعود"بعطوش"إلى الانهيار من جديد،يقترب من الضابط المستلقي على بطنه ،يخنقه ثم ما يلبت أن يستل خنجره وراح يطعنه أينما صادف..ظل يطعن ويطعن حتى انفتحت عيناه..لقد زال الضباب"ص263.
الفرنسي ثم يبدءون بنقل الذخائر المتبقية والأسلحة إلى الخارج،عندها يلتقون مع أحد الثوار الذي يعرفه علاوه،هذا الثائر جاء أصلا لاغتيال بعطوش ولكن المعادلة تغير فقد اختاربعطوش موفقا جديدا-فهو الذي قتل الضابط،أشعل النيران في المعسكر-فيتعانقان-الثائروبعطوش ويبدأ الجميع ينقل الذخائر إلى الجبل والزغاريد تملأ سماء القرية تحية الأبطال.

*المسار الثاني للرواية:
يكون في الجبل،مع زيدان ورفاقه وقد انضم قدور إليهم وتوجهت المجموعات لاداء مهماتها،عارضا لشخوص متعددة من الثوار،مبرزا بعض أطفالهم،وعبر تداعيات زيدان لشكل الثورة،واقعا،ضرورة النظرية لدعم البندقية،ثم ليلتحق اللاز ورمضان ورفيقيهما الثالث بزيدان،وتعود المجموعات بعد أداء مهمتها،عندها نلتقي بعنصر جديد جاء ليطلب زيدان لمقابلة القيادة،يطبق زيدان المركزية الديمقراطية فيتم اختيار السبتي مكانه لحين عودته،ويذهب مع ولده اللاز،والعنصر الجديد إلى القيادة،في الطريق يلتقون مع فرقة-الشيخ مسعود-ويلاحظ زيدان بعض الأوربيين الأسرى معه،يتعرف فيهم على رفاق قدماء من فرنسا وإسبانيا،يلقي الشيخ القبض على زيدان،يسجنهم في مغارة ليقرروا حل التجمع التقدمي الذين ينوون تشكيله،في المغارة تتضح الكثير من المفرقات،ثم ليأخذ القرار بعدم حل أنفسهم لانهم مؤمنون بموقفهم وانهم لا يمتلكون ولا يريدون الحل،فيحكم عليهم الشيخ بالذبح من العنق،يشترط زيدان أن يبعدوا اللاز حتى لا يرى هذه المذبحة،ولكن وحين جاء دور زيدان أرسل الشيخ أحد اتباعه لجلب اللاز الذي ما رأى ذبح أبيه حتى وقع صريعا منتقلا من حالة الوعي إلى حالة روحانية جديدة نتعرف عليها في الجزء الثاني من الرواية.

*نتائج وملاحظات:
*أولى هذه الملاحظات التي تفرض حضورها على القارئ والدرس معا،هو هذا البناء الملحمي الضخم المتمثل بحركة شعب أثناء ثورته وانفجاره ضد مستعمريه،مع إبراز قدرة هذا الشعب العربي على فرض إرادته، وحصوله على استقلاله.
هذا البناء الملحمي،ومتابعة الحدث على أكثر من رافد،لتصب جميع الروافد في الحركة المركزية-الثورة –يؤكد المقولة السابقة حول انتماء هذا الروائي لشعبه وأرضه،والتصاقه بهما حتى العظم.


*الملاحظة الثانية:
تتعلق بهذه الملحمة الواقعية.التي نلتقي فيها،بأشكال واقعية متداخلة بين واقع تسجيلي لعل.اكثر من يدلل عليه،ما حدث بين جماعة الشيخ مسعود وبين زيدان ورفاقه.
ثم الواقع النقدي-الذي يتمثل في اكثر من موقع في الرواية،أبرزه كذلك الحوار الذي يدور بين-الناصر-قائد المجموعة التي نفدت حكم الإعدام بالخونة،وبين القائد زيدان الذي يرفض أية ظواهر انحرافية والتي تمثلت بحديث الناصر-بحيث بدا انه يمارس متعة القتل،والثورة ليست ممارسة متعة بقدر ما هي واجب،ونضال واعي ومدروس لتحقيق الأهداف النبيلة.
كذلك نلتقي بنقد لاذع لبعض حالات كانت سائدة في المجتمع الجزائري،مع إدانة كاملة للاتجاه الغيبي الذي كان متواجدا في الثورة الجزائرية،وسنجد استمرار هذا الصاع بين الاتجاه الغيبي والاتجاه التقدمي في الجزء الثاني من الرواية بحيث أن هذا الصراع سيشكل المحور المركزي الذي تدور حوله رواية"الموت في الزمن الحراشي".
كما يتضح هذا البناء الواقعي في الإيمان الجاد والقوي بالشعب ممثلا لفقرائه،وقدرة الشعب على بناء الجزائر الجميلة والفتية.
هذه الأطروحة التي نلمسها في الرواية تنقلنا للتحدث حول انتماء الطاهر وطار إلى المدرسة الواقعية-ليست الواقعية الجامدة-الفهم الميكانيكي لحركة الواقع ومن ثم بناء العمل الفني وانما الواقعية الخلاقة التي تحدد مناطق السلب لتجاوزها،وتدفع وتعمق الاتجاهات الإيجابية مع الحفاظ على البناء الغني المتماسك،مما يعطي الطاهر وطار قدرة روائية فنية متميزة.
*الملاحظة الأخيرة:
أن هذا العمل يبرز قدرة الطاهر وطار على تطوير شخوصه،ليتجاوزوا دائرتهم الحياتية،تمهيدا للوصول إلى النموذج الفني-أرقي أشكال التعامل الجمالي مع الواقع خاصة في طرحه لشخصيات-زيدان-بعطوش-اللاز-
وبعد..فإنها رواية عظيمة،تستحق أن تدرس بعمق اكبر،لابراز جوانبها المتعددة،والتي أرجو أن أكون قد وفقت في إبراز بعض منها.
قتل الضابط يعيد إلى بعطوش توازنه فيأخذ رشاش الضابط،وبعض القنابل وينطق إلى تجمع السيارات والبنزين فتتوالى الانفجارات،ثم يلتقي"بعلاوة"الجزائري المجند في الجيش لتشكل فريق جزائري يقوم بمهمة إبادة المعسكر.
بقلم عبد الله رضوان
جريدة الدستور الأردنية 26/12/1980

ايوب صابر 05-08-2012 10:33 PM

الطاهر وطار

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

الطاهر وطار (15 أغسطس 1936 في سوق أهراس[1] - 12 أغسطس 2010[2]) كان كاتباً جزائرياً. ولد في بيئة ريفية وأسرة أمازيغية تنتمي إلى عرش الحراكتة الذي يتمركز في إقليم يمتدّ من باتنة غربا (حركتة المعذر) إلى خنشلة جنوبا إلى ما وراء سدراتة شمالا وتتوسّطه مدينة الحراكتة : عين البيضاء، ولد الطاهر وطار بعد أن فقدت أمه ثلاثة بطون قبله, فكان الابن المدلل للأسرة الكبيرة التي يشرف عليها الجد المتزوج بأربع نساء أنجبت كل واحدة منهن عدة رجال لهم نساء وأولاد أيضا.
حياته

كان الجد أميا لكن له حضور اجتماعي قوي فهو الحاج الذي يقصده كل عابر سبيل حيث يجد المأوى والأكل, وهو كبير العرش الذي يحتكم عنده, وهو المعارض الدائم لممثلي السلطة الفرنسية, وهو الذي فتح كتابا لتعليم القرآن الكريم بالمجان, وهو الذي يوقد النار في رمضان إيذانا بحلول ساعة الإفطار, لمن لا يبلغهم صوت الحفيد المؤذن. يقول الطاهر وطار, إنه ورث عن جده الكرم والأنفة, وورث عن أبيه الزهد والقناعة والتواضع, وورث عن أمه الطموح والحساسية المرهفة, وورث عن خاله الذي بدد تركة أبيه الكبيرة في الأعراس والزهو الفن. تنقل الطاهر مع أبيه بحكم وضيفته البسيطة في عدة مناطق حتى استقر المقام بقرية مداوروش التي لم تكن تبعد عن مسقط الرأس بأكثر من 20 كلم. هناك اكتشف مجتمعا آخر غريبا في لباسه وغريبا في لسانه, وفي كل حياته, فاستغرق في التأمل وهو يتعلم أو يعلم القرآن الكريم. التحق بمدرسة جمعية العلماء التي فتحت في 1950 فكان من ضمن تلاميذها النجباء. أرسله أبوه إلى قسنطينة ليتفقه في معهد الإمام عبد الحميد بن باديس في 1952. انتبه إلى أن هناك ثقافة أخرى موازية للفقه ولعلوم الشريعة, هي الأدب, فالتهم في أقل من سنة ما وصله من كتب جبران خليل جبران ومخائيل نعيمة, وزكي مبارك وطه حسين والرافعي وألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة. يقول الطاهر وطار في هذا الصدد: الحداثة كانت قدري ولم يملها علي أحد. راسل مدارس في مصر فتعلم الصحافة والسينما, في مطلع الخمسينات. التحق بتونس في مغامرة شخصية في 1954 حيث درس قليلا في جامع الزيتونة.
في 1956 انضم إلى جبهة التحرير الوطني وظل يعمل في صفوفها حتى 1984. تعرف عام 1955على أدب جديد هو أدب السرد الملحمي, فالتهم الروايات والقصص والمسرحيات العربية والعالمية المترجمة, فنشر القصص في جريدة الصباح وجريدة العمل وفي أسبوعية لواء البرلمان التونسي وأسبوعية النداء ومجلة الفكر التونسية. استهواه الفكر الماركسي فاعتنقه, وظل يخفيه عن جبهة التحرير الوطني, رغم أنه يكتب في إطاره.
عمله في الصحافة

عمل في الصحافة التونسية: لواء البرلمان التونسي والنداء التي شارك في تأسيسها, وعمل في يومية الصباح، وتعلم فن الطباعة. أسس في 1962 أسبوعية الأحرار بمدينة قسنطينة وهي أول أسبوعية في الجزائر المستقلة، ثم أسس في 1963 أسبوعية الجماهير بالجزائر العاصمة أوقفتها السلطة بدورها، ليعود في 1973 و يأسس أسبوعية الشعب الثقافي وهي تابعة لجريدة الشعب, أوقفتها السلطات في 1974 لأنه حاول أن يجعلها منبرا للمثقفين اليساريين.
عمله السياسي

من 1963 إلى 1984 عمل بحزب جبهة التحرير الوطني عضوا في اللجنة الوطنية للإعلام مع شخصيات مثل محمد حربي, ثم مراقبا وطنيا حتى أحيل على المعاش وهو في سن 47. كما شغل منصب مدير عام للإذاعة الجزائرية عامي 91 و 1992. عمل في الحياة السرية معارضا لانقلاب 1965 حتى أواخر الثمانينات و اتخذ موقفا رافضا لإلغاء انتخابات 1992 ولإرسال آلاف الشباب إلى المحتشدات في الصحراء دون محاكمة, ويهاجم كثيرا عن موقفه هذا, وقد همش بسببه. كرس حياته للعمل الثقافي التطوعي وهو يرأس ويسير الجمعية الثقافية الجاحظية منذ 1989 وقبلها كان حول بيته إلى منتدى يلتقي فيه المثقفون كل شهر.
السيناريوهات

مساهمات في عدة سيناريوهات لأفلام جزائرية حيث حول قصة نوة من مجموعة دخان من قلبي إلى فيلم من إنتاج التلفزة الجزائرية نال عدة جوائز. كما حُولت قصة الشهداء يعودون هذا الأسبوع إلى مسرحية نالت الجائزة الأولى في مهرجان قرطاج. مثلت مسرحية الهارب في كل من المغرب وتونس.
مواضيع الطاهر وطار

يقول إن همه الأساسي هو الوصول إلى الحد الأقصى الذي يمكن أن تبلغه البرجوازية في التضحية بصفتها قائدة التغييرات الكبرى في العالم. ويقول إنه هو في حد ذاته التراث. وبقدر ما يحضره بابلو نيرودا يحضره المتنبي أو الشنفرى. كما يقول: أنا مشرقي لي طقوسي في كل مجالات الحياة, وأن معتقدات المؤمنين ينبغي أن تحترم. عمل الكاتب في كل الميادين و النشاطات السياسية، من مؤلفاته نجد مجموعات قصصية و مسرحيات و روايات، كما قام بترجمة مجموعة من الأعمال الفرانكوفينية. تد رس أعمال الطاهر وطار في مختلف الجامعات في العالم وتعد عليها رسائل عديدة لجميع المستويات. أجمل القصائد التي قيلت في رثاء الاديب الكبير الطاهر وطار بعنوان : ( سلاماً وطّار )
هل ستعود هذا الأسبوع...؟
(حيدر طالب الأحمر)أم طعنات الجزائر قضت عليك ... !
لا ... اعتقد انك عَبرت إلى ضفةٍ أخرى..!
هل طرتَ يا وطّار أم انه دُخان قلبُك طار...؟
أم انك تريد الخلاص من الدهاليز ... ! لكنك تحتاج إلى شمعة !
لا أعرف ماذا حل بك يا وطّار !
أم انك تريد الخلاص من الدهاليز ... ! لكنك تحتاج إلى شمعة !
أم انك تمر بتجربةٍ في العشق ؟
أنه ليس زمن الحراشي.
بل انه زمن الزلازل يا وطّار
نعم انه زمن طعنات الجزائر
بل ليس فقط هم ...! بل حتى الولي الطاهر كان معهم
هل هذا لأنك شاركت بعرس بغل ؟
حسبك شرقيةٌ ... فالمغربيةُ، هي أصلاً ما تريد
وسيبقى الولي الطاهر يرفع يده بالدعاء لك يا وطّار
فوداعاً لك ياوطّار..
مؤلفاته

المجموعات القصصية
  • دخان من قلبي تونس 1961 الجزائر 1979و 2005
  • الطعنات الجزائر 1971و2005
  • الشهداء يعودون هذا الأسبوع (العراق 1974 الجزائر 1984 و 2005) ترجم
المسرحيات
  • على الصفة الأخرى (جلة الفكر تونس أواخر الخمسينات).
  • الهارب (جلة الفكر تونس أواخر الخمسينات) الجزائر 1971 و 2005.
  • الشهداء يعودون هذا الاسبوع.
الروايات
  • اللاز (الجزائر 1974 بيروت 82 و 83 الجزائر 1981 و 2005). ترجم
  • الزلزال (بيروت 1974 الجزائر 81 و 2005). ترجم
  • الحوات والقصر الجزائر جريدة الشعب في 1974 وعلى حساب المؤلف في 1978 القاهرة 1987 والجزائر 2005). ترجم
  • عرس بغل (بيروت عدة طبعات بدءا من 1983القاهرة 1988 الجزائر في 81 و2005). ترجم
  • العشق والموت في الزمن الحراشي (بيروت 82 و 83 الجزائر 2005).
  • تجربة في العشق (بيروت _89 الجزائر 89 و 2005).
  • رمانة (الجزائر 1971 و 1981 و 2005).
  • الشمعة والدهاليز (الجزائر 1995 و 2005 القاهرة 1995 الأردن1996 ألمانيا دار الجمل2001؟).
  • الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي (الجزائر 1999 و 2005 المغرب 1999 ألمانيا دار الجمل ؟2001). ترجم
  • الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء (الجزائر جريدة الخبر وموفم 2005 القاهرة أخبار الأدب 2005).
  • قصـيدٌ في التذلل (القـاهرة ـ دار كيـان 2010)
الترجمات
  • ترجمة ديوان للشاعر الفرنسي فرنسيس كومب بعنوان الربيع الأزرق (َApprentit au printemps) - الجزائر 1986.
وصلات خارجية

ايوب صابر 05-09-2012 07:46 AM

الراحل الطاهر وطار يسترجع حياته
المصدر : موقع الناقد المغربي محمد الداهي
هذا الحوار كنت قد أجريته قبل أربع سنوات، مع الروائي الراحل الطاهر وطار، بمناسبة انتهائه من كتابة الجزء الأول (والوحيد) من مذكراته التي صدرت بعد ذلك تحت عنوان "أراه.. الحزب وحيد الخلية". وكان ذلك فرصة للغوص في تفاصيل ذكرياته والعودة إلى منابع تشكل الوعي الثقافي والسياسي لديه. وهذه فرصة لإعادة قراءة الطاهر وطار بعد اكتمال تجربته الثقافية والحياتية، وقد رحل علينا مؤخرا:

خير شوار: أنت معروف كروائي، لكنك في المقابل صاحب تجربة سياسية طويلة... مذكراتك، هل هي سياسية أم أدبية؟
الطاهر وطار: هي مذكرات سياسية، اجتماعية، تاريخية أيضا، تقوم على شقين، الأول هو الوجود في مكان قصد الانتحار بسبب الإحالة على المعاش في سن السابعة والأربعين. في هذه الأثناء تعود الذاكرة إلى الطفولة حيث تستعرض ما يقرب من خمس سنوات أو ست، وتنتهي مع الحرب العالمية الثانية. هي مذكرات سياسية لأني تعرضت لطبيعة «جبهة التحرير الوطني» والأساليب القمعية المستعملة ضدي بتهمة الشيوعية والمضايقات لإبعادي، ولأنني صممت على البقاء باعتبار أن «جبهة التحرير الوطني» موروث لجميع الجزائريين. وهو تجمع سياسي وليس حزبا يقوم على ضوابط فكرية وأيديولوجية، وبالتالي يمكن العمل داخله ويمكن الاستفادة منه ولو قليلا. لقد كانوا يسعون إلى تصفيتي حتى بمحاولات القتل إلى أن وجدت نفسي محالا على المعاش، وقد تعرضت في المذكرات إلى تفاصيل كثيرة. والمذكرات تاريخية ـ اجتماعية لأنني صورت بدقة الدار التي ولدت فيها في بادية في سفح جبال الأوراس، وهي هضبة تبدأ من مداوروش وتقطع «الحضنة»، وتصل إلى منطقة الجلفة وأفلو وتيارت، وهي شبه سهل طويل سكانه يتشابهون في العادات والتقاليد.
يتشابهون وفيهم الهلاليون والأمازيغ والأجناس المختلفة؟
يتشابهون في العادات والتقاليد، في اللباس والعقلية والأكل.. كل الدول التي قامت في الجزائر، قامت في تلك الهضبة/السهل.
وهل أعدت اكتشاف شيء جديد وأنت تكتب المذكرات؟
في دار جدي اكتشفت أن المجتمع في ثلاثينات القرن العشرين فقد ذاكرته، ولم يبق يعرف شيئا عن دخول العرب والدول العربية الأمازيغية، وعن حروبه ضد الغزو الاستعماري. كل ما بقي في الذاكرة هو المتعلق بعالم الآخرة، يوم القيامة، الصلاة، الصوم ومكة المكرمة، والعلاقة بين الإنسان والله. وهذا الأمر لم يكن خاصا بمنطقتنا، فحتى في الجزائر العاصمة مثلا، كانت الأغاني الشائعة هي «فاطمة بنت الرسول» وما شابهها من مدائح دينية، أما إذا احتاجوا إلى غناء الدنيا «استوردوه» من المغرب الأقصى على غرار أغاني «الفاسية» و«المكناسية» التي أعيد أداؤها في الجزائر.
الخير شوار : وكيف تم اقتلاع الذاكرة الجماعية؟
الطاهر وطار: باقتلاع كل من يحملها. فرنسا نجحت في قتل وإبعاد ونفي كل من يحمل شيئا من الماضي فعملت بطرق مختلفة على تهجير الناس منطقة إلى أخرى، وإذابة الآثار التاريخية، حتى يبقى الشعب بدون تاريخ. وانحصر التعليم في القرآن الكريم وبعض أصول اللغة والفقه.
الخير شوار : كتبت الآن الجزء الأول فقط، أين يتوقف هذا الجزء؟
الطاهر وطار: سياسيا ينتهي عند حالة حزب «جبهة التحرير الوطني» في نهاية السبعينات. وتبقى هناك مجالات كثيرة سأعود لاحقا إلى تناولها، وربما سأفرد لها جزءا كاملا. أما اجتماعيا وتاريخيا فهو ينتهي برحيل أبي من دار جدي في عام 1941 تقريبا. كنا نرحل في الليل في عربات تجرها الثيران والخيول، وكنت أتأمل نجمة في السماء... أسألها عن الدراجة الوحيدة في دوارنا التي كنا نعشقها حد الجنون.
الخير شوار: ومن كان صاحب تلك الدراجة؟
الطاهر وطار : كانت هناك ثلاث وسائل «حداثية» تسير من تلقاء نفسها، الأولى سيارة لأبي، لا أذكر سوى لون غطائها الأبيض ولا أذكر كيف ركبتها، والثانية هي دراجة «رجم بن الزين»، التي كنا نتمنى مجرد لمسها، والشيء الثالث هو ما كنا نسميه محليا «بابور» ذلك الفرن النحاسي الصغير الذي كان يستعمل في طهي الطعام، كان يشتغل بدون تبن أو «وقيد» «بقايا البهائم» . تلك هي جملة الأشياء الحداثية.
الخير شوار:عاب عليك البعض عدم نشر مراسلاتك مع الكاتبة الجزائرية الراحلة زليخة السعودي، وأجبت بأن التقاليد لا تسمح بذلك. فهل كتبت في هذه المذكرات ما تسمح به التقاليد فقط؟
الطاهر وطار : فيما يتعلق بتلك الفترة «1962 ـ 1963» ، فقد كنت أرتدي الزي العسكري، كنت مديرا ورئيس تحرير لجريدة «الأحرار» في قسنطينة ثم جريدة «الجماهير» في الجزائر العاصمة «بلباس مدني» . وكنا في انهماك تام، حيث ان أسرة الجريدة كانت تتكون من شخصين أو ثلاثة لا غير، فجميع المتعلمين كانوا يلهثون وراء المناصب، وهذا طبيعي. قد تكون للإنسان عواطف، وأعتقد أن جزءا كبيرا منها كان يتعلق بحالة البلاد السياسية والإدارية والثقافية، وبالمستقبل. أما العلاقة بين الطاهر وطار وزليخة السعودي فليست علاقة شباب متفرغ للحب، خال من الهموم. في خضم معركة كبرى يصبح الحديث عن الجانب العاطفي ثانويا جدا، ولربما يعد نوعا من استراحة المحارب القصيرة.
الخير شوار: وماذا ستكتب عن زليخة السعودي في مستقبل المذكرات؟
الطاهر وطار : عندما أصل إلى تلك الفترة، سأكتب نفس الكلام الذي قلته لك، ربما سأتحدث بالتفصيل عن الحالة العامة للجزائر، وليس عن علاقة فلان بفلانة. كنت أجتمع مع قادة وأستجوب رئيس الجمهورية وأكتب افتتاحيات، وأهاجم رؤساء جمهوريات. سأخبرك عن شيء تحدثت عنه في مذكراتي، وهو عملية كانت تتم في دار جدي هي تلقيح وتخصيب الحيوانات، استغربت أن الأمر كان يتم بطريقة طبيعية جدا ولا تلفت حتى الانتباه، لأبين أن ما يكتب عندنا في الأدب كان يحدث في الطبيعة، بين ذبابة وذبابة، وبين ديك ودجاجة.
الخير شوار :هذا هو سبب غياب الجنس في رواياتك؟
الطاهر وطار: نعم الجنس جزء من حياتنا اليومية، وهو حاجة طبيعية جدا. وما له خصوصية فهو الحب بكل أنواعه، وأعتقد أنني كتبت عن الحب. وهو سعي للاندماج بين الذوات.
الخير شوار: أثناء كتابة المذكرات، هل كانت رواياتك حاضرة كمحطات رئيسية في حياتك؟
الطاهر وطار: من حين إلى حين...رواية «اللاز» مثلا وهي أحد أسباب اضطهادي، ذكرت كيف كانت حالتي عند صدورها. وفي رواية «عرس بغل» وظفت شخصية السائق الذي كان معي «خاتم» ، وشخصية زيدان «بطل رواية اللاز»، وظفت جزءا كبيرا من سيرة المناضل الشيوعي العيد العمراني عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الجزائري الذي التحق بالثورة التحريرية، وذبح في النهاية مثلما تحكي الرواية.
الخير شوار: إلى حد الآن لم تتناول في الجانب الشخصي سوى خمس سنوات، فالحكاية ستطول إذن؟
الطاهر وطار: سأقفز في الجزء الثاني بحوالي عشر سنوات من مداوروش إلى قسنطينة فتونس، وقد تحدثت عن تونس قليلا وعن تعرفي على الفكر الماركسي واتصالاتي الأولى بالشيوعيين التوانسة.
الخير شوار : وهل كانت جذور شيوعيتك في تونس؟
الطاهر وطار: لقد بدأت قبل ذلك في مدينة قسنطينة، هناك كانت جذور التمرد من خلال التعرف على كتابات جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني. فقد كان هناك فارق كبير بين ما نقرأه ونسمعه في معهد «ابن باديس» والحياة في الخارج، وحتى داخل «الزيتونة» في تونس لم أقتنع أصلا بما كنا نقرأه. تقضي سنوات في تعلم كيف تصلي، وكيف تتوضأ، وهي أمور لا تحتاج إلى كل ذلك الجهد. أيامها كان الشباب شبه مضطر الى الانتماء إلى مدرسة فكرية، وكنت مخيرا بين البعثية والماركسية، وعندما قدم لي دستور حزب البعث العربي الاشتراكي وجدت أن البعثية هي اقتضاض مشوه للأفكار الماركسية، فرددت بالحرف الواحد ذلك المثل التونسي الذي يقول: «كافر ولا نصف مؤمن»، ذلك رغم خلفيتي البربرية، مع أن الكثير من القبائل كانوا في البعث، وفي قسنطينة كنت أقتني بشكل تلقائي جريدة الحزب الشيوعي دون غيرها، دون أي وعي سياسي.
الخير شوار: وفي تونس؟
الطاهر وطار : اتفقنا مع الحزب الشيوعي التونسي على أن النضال لا يمكن أن يكون خارج «جبهة التحرير الوطني»، لكنني وجدت نفسي في خلية ليس فيها سوى أنا وعمارة مساعدية «شقيق المسؤول السابق لجبهة التحرير الشريف مساعدية» وليس لها
ارتباط بغيرنا.
الخير شوار :هذا عن السياسة، وماذا عن الثقافة؟
الطاهر وطار: لم تكن حياتنا غنية ثقافيا، كانت حياة مسطحة، أسرة في قمة هضبة ليست لها مكتبة أو شاعر يقرض الكلام الجميل. وكل ما هنالك هو ما نكتبه في «اللوحة» من آيات لا نعرف معانيها
الخير شوار :في المذكرات، هل كنت تقول الحقيقة، أم تكتفي بأجزاء منها؟
الطاهر وطار :لا يمكن قول كل الحقيقة، الإنسان كائن اجتماعي، ولا يمكن بجرة قلم أن يفصل نفسه عن الناس. هناك تفاصيل تقرأ بين السطور ويمكن للقارئ أن يعود إلى الروايات ليقرأ المسكوت عنه. الإنسان الذي ليس له ارتباط نضالي مع الناس، ارتباط صادق، يضحي من أجلهم ويدعوهم إلى التضحية هو الوحيد الذي يستطيع كسر النموذج. وأنا طيلة حياتي نموذج للمناضل الصادق المستعد في أية لحظة لدفع حياته من أجل ما يؤمن به. من الصعب أن تكسر هذا النموذج وأنت تؤمن بالمستقبل، إن ما أكتبه هو دعوة للآخرين من أجل استنهاضهم.
الخير شوار: وكيف تناولت مسألة فصلك من الحزب؟
الطاهر وطار: قضية فصلي من حزب «جبهة التحرير الوطني» بدأت جذورها يوم الانقلاب على الرئيس أحمد بن بلة في 19 جوان 1965، من ساعتها كنت أعرف بأني مستهدف، وكنت مصرا على النضال ضد الانقلابيين وكتاباتي شاهد على ذلك، وأيضا مصرا على البقاء في الحزب، وهذا الأمر موجود في رواية «اللاز» حيث زيدان رفض الاستقالة، وترك الثورة أيضا، وطريقة الإحالة على المعاش لئيمة فيها تفاصيل كثيرة، أوردتها. وقد حددت ما هي شيوعيتي، فقلت إنها شيوعية تختلف عن مبادئ شيوعية باريس التي أثرت في العرب. ناديت بشيوعية لا تنفي وجود الله، فحتى لو كان الله كذبة في رأي البعض، فهو أجمل وأعذب كذبة، لأنها تخفف عن الناس معاناتهم، وتأخذ بأيديهم في محنة الحياة.
الخير شوار: أما زال لك هذا المفهوم للدين؟
الطاهر وطار: طبعا.. لي علاقة خاصة مع الله. لقد وهبني استخلافه وعلمني الأسماء كلها وأعطاني حرية التدخل في بعض ما نتج من خلل، أعالج القلب والأسنان، ولي الحق في التوليد القيصري، أتصرف بتوكيل من الله في كثير من القضايا، لست ذلك العبد الذليل الممتثل المستكين الذي لا يقدم سوى العبادة المجردة.
الخير شوار :وتؤمن أيضا بالاستنساخ؟
الطاهر وطار: الله خلق أمماً من النحل والنمل والقطط، فإذا أعطاني سرا فهو الذي «علم آدم الأسماء كلها»، وضع في ذاكرة بني آدم كل العلوم وتبعا لتقدم عقل البشرية، وحسب المرحلة، نكتشف سرا من الأسرار. الآن البشرية بصدد معرفة كل شيء عن
ADN وهذا لا يعني التناقض مع قدرة الله، أليس زرع السن نوعا من الاستنساخ؟
الخير شوار: ومتى تصدر المذكرات في كتاب؟
الطاهر وطار: قد تصدر وقد لا تصدر، هذا تراث للأمة الجزائرية، للمكتبة، ولست متلهفا على نشرها، أنا موجود في النهاية من خلال إبداعاتي.
الخير شوار: وهل المذكرات من شأنها أن تقلق بعض الأشخاص؟
الطاهر وطار: بالتأكيد.
الخير شوار: وهل أنت مستعد للنتائج؟
الطاهر وطار: أنا لم أشتم أحدا، إذا قلت أن الجهل ساد داخل إطارات «حزب جبهة التحرير الوطني» في الجزائر العاصمة مثلا، بعد انقلاب 1965 من القاعدة إلى القمة، فهذه حقيقة وعندي أمثلة، وقس على ذلك.
الخير شوار :أخيرا.. هل تأثرت وأنت تستعيد تلك الذكريات أثناء الكتابة؟
الطاهر وطار: لقد حزنت وبكيت وأنا أستحضر بعض المراحل
عن الموقع التالي:
http://www.thakafamag
.com

ايوب صابر 05-09-2012 10:36 AM

الراحل الطاهر وطار : بين فضاء الإبداع ودهاليز السياسة

ياسين تملالي
الحوار المتمدن - العدد: 3094 - 2010 / 8 / 14 - 13:45
المحور: الادب والفن


بالرغم من أن أول نص روائي جزائري عربي اللغة كان "ريح الجنوب" لعبد الحميد بن هدوقة (1971)، لا شك في أن الطاهر وطار، بغزارة إنتاجه (10 أعمال) وتنوع مواضيعه هو من أسس الروايةَ الجزائرية المكتوبة بالعربية في منتصف السبعينيات، أي بضعة عقود بعد ميلاد نظيرتها المكتوبة بالفرنسية.

بدأت مسيرة وطار الأدبية في تونس خلال حرب التحرير الجزائرية (1954-1962) بنشر بعض النصوص في الجرائد والمجلات وكتابة مسرحيات نذكر منها "الهارب" (نشرت في الجزائر سنة 1971)، لكن أولى مؤلفاته لم تصدر إلا في 1961، في شكل قصص قصيرة ("دخان في قلبي") حُولت إحداها إلى فيلم بعنوان "نوة" أخرجه عبد العزيز طُلبي سنة 1972. وقد كانت "نوة" بوصفها البليغ لتحالف الإدارة الاستعمارية مع كبار ملاك الأرض، إيذانا بما سيكون عليه كاتبُها من إيمان بواقع صراع الطبقات المرير وراء واجهة الأمة الواحدة المتحدة.

نشر وطار أولى رواياته، "اللاز"، في 1974، فجاءت صدمة لكل من كان يعتقد أن مناقضة تاريخ الثورة الرسمي مهمة مستحيلة على رجل هو عدا كونه عضوا في "الحزب الواحد"، كاتبٌ لغتُه العربية وما ألصقَ العربية آنذاك لدى قطاع كبير من الأنتلجتنسيا بـ "الرجعية الدينية" من جهة والأيديولوجية الرسمية من جهة أخرى. عبر حكاية اللاز، الشاب اللقيط الذي تزدريه القرية كلها ويبادلها هو نفس الشعور، يروي هذا النص انتقال الشعب الجزائري من مرحلة تلقي ضربات الاستعمار (والعمل على نسيانها بسرقة ملذات صغيرة عابرة) إلى مرحلة الثورة، لكنه يروي أيضا ما تخلل هذه المرحلة من مآس منها تصفية جبهة التحرير لشيوعييها إثر رفضهم حل تنظيمهم والالتحاق بصفوفها فرادى.

ليست "اللاز" رواية واقعية-اشتراكية فالتصفيات الجسدية في أوساط الثوار تلقي بظلالها على التعبئة البطولية من أجل الاستقلال، لكن كاتبها، بما لا يدع مجالا للشك، كان اشتراكيا، لم يمنعه الانتماء إلى الحزب الواحد من إدراج الشيوعيين في عداد محرري البلاد، ما كان تابوها في أوساط هذا التنظيم الأحادي بالرغم من يساريته الرسمية (بل وتحالف بعض قطاعاته مع الحزب الشيوعي في بداية السبعينيات).

اقتناعات وطار السياسية تجلت في اختياره مواضيع الكثير من رواياته : "الزلزال" (1974) التي تروي، من خلال شخصية عبد المجيد أبو الرواح، سعي البورجوازية وكبار الملاك إلى إفشال التأميم والإصلاح الزراعي، و"العشق والموت في الزمن الحراشي" (1982) التي قدمت على أنها الجزء الثاني من "اللاز" والتي تصف الصراع في البلاد بعد استقلالها بين مؤيدي الثورة الزراعية و"الرجعيين" الذين يرفضونها بحجة أن الطبقات "سنة الله في الكون". في هاتين الروايتين كذلك، لم يكن وطار بالكاتب "الواقعي-الاشتراكي المتفائل بـ"طبعه" أو بأمر من الحكام. بالعكس، سعى إلى تدمير أسطورة توازي الاستقلال والرفاهية فرسم الجزائر في أبشع ما عرفته من فقر وانتشار للرشوة والمحسوبية سنينا معدودة بعد رحيل المعمرين الفرنسيين.

نشر وطار في 1978 و 1981 على التوالي روايتين "غير سياسيتين" إن صح التعبير، هما "الحوات والقصر" و"عرس بغل". تصف الأولى في قالب أسطوري رمزي، إحباط "الرعية" (الحوات) العميق وهي تكتشف "راعيها" (القصر) في أفظع وجوه استبداده ووعيها بضرورة التخلص منه. و تدور أحداث الثانية في ماخور أثناء تحضير زواج إحدى المومسات فيما يتركز "خطابها الأيديولوجي" على فضح التاريخ الرسمي للدولة الإسلامية والتذكير بما عرفته من حركات انتفضت على الإسلام المؤسساتي المهادن.
وكان هذان النصان ختام مرحلة أولى من مسيرة الكاتب الأدبية، تلتها أخرى تراوحت اهتماماته فيها بين تجذير نقده للنظام ووصف صعود الحركات الإسلامية. ونذكر من أعمال هذه المرحلة الثانية "تجربة في العشق” (1989) و “الشمعة والدهاليز” (1995) و كذلك "الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي" (1999).

تبدو أولى هذه الروايات شبه سيرة ذاتية، فمن خلال حكاية مثقف ينتهي به الأمر مفصولا من عمله في وزارة الثقافة (وطار كان "مراقبا" بالحزب ثم أحيل على التقاعد)، يُسَلَطُ الضوء على علاقة الانتلجنتسيا الجزائرية بالسلطة وتردد الحكام بين الرغبة في كسب ودها ومصادمتها. الروايتان الأخريان تتطرقان إلى صعود نجم التيارات الدينية الأصولية في الجزائر (والعالم العربي والإسلامي)، ولا يبدو التدين فيهما كما في نصوص سابقة مرادفا للرجعية ونصرة الإقطاع والبورجوازية. بالعكس، فإحدى شخصياتها تتساءل وهي ترى الحشود تلبي دعوة حزب إسلامي إلى التظاهر في ميدان عام : "لو كان لينين حيا لتساءل : ماذا سيخسر هؤلاء الجياع لو انتصروا باسم الله". أما رواية "الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي"، فتركز على مفارقات هذه الحركات الدينية وتأرجحها بين الرغبة في تحرير الإنسان وسعيها إلى ذلك بوسائل العنف والترهيب.

لم يكن وطار أديبا فحسب. كان أيضا مجادلا ماضي اللسان، ويمكن القول إن ازدياد وعيه بطاقة الدين التعبوية وهو يرى جبهة الإنقاذ تكاد تصل إلى سدة الحكم في مطلع التسعينيات، ترافق بتعمق مقته لمن كان يسميهم "الفرانكفونيين"، على اعتبار (خاطئ واعتباطي) أنهم كلهم لا يقفون في صف الشعب ولا يحترمون لغاته وثقافته. وقد اتخذ هذا المقت في بعض الأحيان أشكالا بالغة العنف كان أحدها تصريحا قال فيه معلقا على اغتيال الكاتب الجزائري طاهر جاووت في 1993 : "لا أحد سيفتقده سوى أمه وفرنسا".

مثل هذا الكلام رسخ لدى بعض الجزائريين، ممن لم يعرفوا عن صاحب "اللاز" سوى مواقفه السياسية في التسعينيات وسنوات الألفين، صورة كاتب محافظ بل وإسلامي متطرف. لا شك أن وطار، بتصريحاته المثيرة للجدل، مسؤول عن هذه الصورة إلا أنها قطعا إكليشيه سريع يهمل أنه على "تعربه"، كان من أول من طالب بالاعتراف باللغة الأمازيغية وأن "محافظته" لم تحببه يوما إلى الإسلاميين فلم يتخلوا أبدا عن نعته بـ "الكاتب الشيوعي".

ايوب صابر 05-09-2012 10:37 AM

زياد أبو لبن حاور الطاهر وطار - ونشر الحوار في ملحق الدستور الثقافي
مجلة الرواية

التقيت الطاهر وطار قبل عشرين عاماً في القاهرة، تحدّثنا بحميمية معرفتي له من خلال مؤلفاته، وما يُكتب عنه في الصحف والمجلات، كان يتمتع بصحة تدفعه للحديث والشرب بصورة متواصلة، وبذاكرة تستعيد حكاياته الطريفة في مصر، ثم ينقطع الحديث عن حكاياته ليحدّثني عن تأسيس "الجاحظية"، وهي عبارة عن جمعية ثقافية فلسفية رئيسها الطاهر، وهي تضطلع بالفكر التنويري. وقد أهداني العدد الأول من مجلتها، وقمت بتسجيل حوار نُشر في ملحق الدستور الثقافي آنذاك، ومنذ ذاك الوقت أتابع أخبار "الطاهر"، وكتاباته، صاحب المجموعتين القصصيتين: دخان في قلبي، والشهداء يعودون هذا الأسبوع، وصاحب مسرحيات: على الضفة الأخرى، والهارب، وشهداء يعودون هذا الأسبوع. وصاحب روايات: عرس بغل، اللاز، والزلزال، وتجربة في العشق، والحوّات والقصر، والشمعة والدهاليز، ورمانة، والعشق والموت في الزمن الحراشي، والوالي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي، والوالي الطاهر يرفع يديه بالدعاء. وله من الكتابات النقدية والترجمات، منها: ديوان شعر مترجم للشاعر الفرنسي "فرنسيس كومب" بعنوان "الربيع الأزرق". أستعيد نشر حوارنا بعد رحيله.

■ الرواية عمل فنيّ خلاّق، كيف استطعتم رصد تحولات الواقع العربي من خلال تجربتكم الطويلة والمتميّزة في الرواية؟
¨ أنت سألت فأجبت. ولكن أنا أقول إن الرواية ليست عملاً فنياً خلاّقاً فقط، وإنما أقول: هي عمل حضاري لمواكبة كل شيء، حتى لو كنت أنا أو أي كاتب آخر روائي -عمل دائم، عمل صناعي تكنولوجي، ليس خلاّقاً فقط -كما قلت- وإنما نعبر عن مجتمعنا في الحالة الراهنة كما هي، عن الحالة الحضارية التي نؤمن بها ونعيش فيها وأنا عربي، فإذا ما قلت عربيّ فمعنى ذلك بدوي، وإذا شئنا بدائي، وإذا شئنا أيضاً ابتدائي -إذ صح التعبير- يعني منذ عشرين عاماً ونحن نعمل بأن نكون واقفين على أقدامنا ومتماسكين، وإن نكون في هذا اللون الفني الجديد في الأدب العربي والذي هو الرواية هذا شيء كثير من تماسك الإنسان العربي، وشيء من ذاتيتنا، ربما المتفردة.
■ كيف استفدتم من توظيف التراث العربي ضمن معطيات جديدة تندرج تحت مفهوم الحداثة؟
¨ نعم هذا سؤال يطرح على الذين لا يعرفون التراث العربي. أما بالنسبة لي شخصياً، فكما قلت من سنوات للصحافة المصرية وللصحافة العربية، أنا لا أستفيد من التراث العربي، إن التراث العربي فعلاً هو أنا. إذا ما تحدثتُ عن أبي زيد القرواني في رسالته، فأنا أبو زيد القرواني، وأنا ألفية بن مالك، وأنا كل الذي معروف في التراث العربي الإسلامي، نحن جميعاً -إميل حبيبي وسميح القاسم ومحمود درويش وتوفيق زياد.. وغيرنا- نحن التراث الآن. لا نستطيع أن نقول أننا استفدنا بل التراث هو الذي استفاد منّا، أنا أحفظ التراث، وأنا جزء منه، وأنا أتفاعل معه، أنا الوجه المغتسل والمتوضئ في التراث. وأكرر أنا لا أقول إنني استفدت من التراث بل التراث أنا، هو انعكاس مني، هو المتواجد فيّ، ولا أستطيع أن أقول أنني استفدت من التراث كذا، أو من عصر كذا، أنا القرن السادس الميلادي إلى القرن العاشر إلى القرن الثاني عشر، وأنا كل هذه القرون، وإنما ما ينبغي أن أسأل عنه، كيف استفدت من خارج التراث؟
■ كيف استفاد الطاهر وطار من تيارات النقد العربي وإشكالية هذا النقد في عمله الكتابي؟
¨ في النقد الأدبي العربي، هناك ما يمكن أن ينبغي أن نسميه بألا توازن في الحركة الإبداعية العربية، وهو ما يمكن أن نسميه بالوجدان العربي، بالوجدان التراثي الإنساني للمرحلة المتميّزة في خارطة إنسان ما، أو كائن ما، أنا شخصياً أرتبط بزكي مبارك وأبي شادي وإميل حبيبي وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ونجيب الريحاني، وهذا جزء من تراثي أنا، مرتبط بامرئ القيس، مرتبط بكل التراث الذي مرّ والذي هو آتٍ، كمبدع، ويجيئني الآن ناقد عربي ما، ويستشهد بواحد مما ذكرته، وبمئة اسم مما لم أذكره، وهي أجنبية بالنسبة لي وأجهلها ويقول لي مثلاً أنا ناقد، فأنا ها هنا مضطر للعودة إلى شيء ما يمكن تسميته بالأصول، مضطر للتصديق والتكذيب، قل بصراحة إن الإبداع العربي شخصية عربية، شخصية ما، بشكل ما، ثقافية إسلامية، شخصية بشكل من الأشكال إفريقية وآسيوية، أنا عندما أبتدئ في الكتابة يجب الاحتفاظ بكوني مسلم، بكوني عربي، بكوني من آسيا، ومن أفريقيا، وبكوني هندي ذكي، بكوني لست فقط هذا الرجل المسلم بل ورجل أفرو آسيوي الذي له شخصية متميّزة لا أتنازل عنها بأي شكل من الأشكال، وهناك نقّاد مستلبون، أقول ذلك، فقد قرأوا نظريات بلغات مختلفة وخاصة بالفرنسية ففرضوا أنفسهم أساتذة للإنتاج، أساتذة للإبداع، أساتذة للنقد. وأنا بحق لا أومن بهم، أومن بنجيب محفوظ ومحمود عباس العقاد ومحمود أمين العالم، أومن بهذه الإضافات المرتبطة بالماضي والمرتبطة بالحاضر والمرتبطة بالمستقبل.
■ كيف يتلاقى الأدب في المغرب العربي مع الأدب في المشرق العربي ومصر في تكوين جمالي للنصّ المتفتق من بنائية خاصة للأدب العربي؟
¨ الظاهرة التاريخية الحضارية في رأيي هو أن الأدب العربي واحد، فإن كنت أبو تمام و ابن تيمية أو ابن زيدون وغيرهم، فأنت أديب عربي، ولحسن حظ هذه الأمة إنها من الخليج إلى الغرب العربي أدبها واحد وثقافتها واحدة سواء كانوا سنّه أو شيعة أو غيرهما فثقافتنا واحدة، ونحن لحسن حظنا كأدباء مرتبطون ارتباطاً وثيقاً بالمشرق ثم بالغرب ثم بإفريقيا الوسطى، فما لك هنا ومالك هناك، وأبو حنيفة وأبو تمام وابن تيمية وابن زيدون وابن خلدون هناك، ووحدتنا الثقافية الحضارية هي التي تشكل شخصيتنا، وفي رأيي هي مصدر قوتنا.
■ العملية الإبداعية قد تكون صعبة، وقد تكون سهلة، كيف يكون الإبداع لديكم، وما هي ومضة الإلهام عندكم؟.
¨ ومضة الإلهام هي لحظة ابتدائية ونضع بين قوسين كبيرين عبارة اللحظة الابتدائية، وأنا لا أبدع في وقت معين، في شهر، في أيام معدودات، في أسابيع معدودة، في جلسة ما، أنا أعتبر نفسي مبدعاً كل يوم أرى كل ما هو حولي يومياً، أعيش الحالة الإبداعية، ولكن تحرير الإبداعية أو كتابة الحالة الإبداعية، الكتابة التوثيقية أو التسجيلية، هذه تتم في ظروف مختلفة قد تكون خمس، في مفهومي أن هناك حالتين، حالة الإبداع والمعايشة وحالة التحرير والكتابة، وآخذ هذه الأخيرة وهي الكتابة، فأنا قد أكتب عملاً أبدعته وعشته سنوات عديدة في أشهر وأسابيع.
■ إذا كان لكم اهتمام في الأدب الأردني، كيف تنظرون إلى هذا الأدب مشاركة مع الأدب العربي عموماً؟.
¨ أنا ضد هذا التقسيم، كما بدأنا، الأدب العربي واحد وأصل واحد والوحدة العربية واحدة لهذه اللغة الصافية الأصلية الأصيلة التي تبتدئ من المحيط إلى الخليج، وبالنسبة لي الأردن هو الجزائر، والجزائر هي مصر والسودان وعمان وعدن وصنعاء، صحيح إنني أذكر من الأسماء فايز محمود وإبراهيم اليافي وغالب هلسه وغيرهم لا أستحضر أسماءهم الآن، فالأدب العربي واحد ونبعة واحدة وروافده المتعددة هي رافد واحد.

ايوب صابر 05-09-2012 10:38 AM

الروائي الجزائري (الطاهر وطار) في حوار خاص مع (الوطن الثقافي)
لا أكتب بماء الذهب ولست بائع كلام يجري وراء
الدولار وينتظر المدح
ترجمتي إلى لغات أخرى اعتراف بأهمية تجربتي
الروائية وحملت روحي بعيدا
النجومية لا تشغلني .. فهناك ما هو أهم عندما تكون كاتبا (مثقفا)
الكتابة الروائية ينبغي أن تكون على أصول وقواعد وليس مجرد تقليد
بعضهم لا يعترفون بي ويرفضون كل تجربتي لدوافع ايدلوجية
(لغة) الرواية منضبطة جدا وتتخفى لترك المجال للصورة والحالة الفنية
بعض الروائيين يكتبون تناصصا او تلاصصا وأعمالهم
مليئة بالحشو ومالا يلزم
رشحت محفوظ وأدونيس ودرويش لنوبل ..
وتشدني كتابة صنع الله ابراهيم
(كتاب في جريدة) مشروع معرفي رائد في نشر الفكر والإبداع العربي
المرأة هي (الرمز) في أعمالي والتلفزة والسينما إضافة للعمل المكتوب
أسمي النصوص المفتوحة بنصوص (البوب) ..
وأعتبر كل أعمالي متجددة لأنها لا تتكرر
حياتي مليئة بالأسرار و(مذكراتي) سيكون لها وقع كبير
وهذا ما يجعلني مترددا في نشرها
لم أبارح الجزائر .. ومازلت أمشي في شوارعها محفوفا بمحبة الناس
حاوره في الدوحة ـ خالد عبداللطيف: حين نتأمل خارطة الرواية العربية لا يمكن بأي حال ان نخطئ موقع الروائي الجزائري (الطاهر وطار) الذي كرس لمكانته بعد رحلة روائية طويلة ابدع خلالها العديد من الكتابات اللافتة والتي استلهمت بروح طليعية تراثها وتاريخها وواقعها .. فعبرت عن ادق التفاصيل وترجمت مختلف المشاعر الانسانية في قوتها وانهزامها ، فرحها وحزنها .. غير ان المهم في تجربة (الطاهر وطار) ايضا انها لم تكن تجربة متكررة بل حاول ان يكون لها ملامحها الخاصة واسلوبها المميز رغم ما قد يقال نقديا على مدى اهمية كل تجربة على حدة.
منذ الخمسينيات والقلم لم يسقط من يده فاصدر ما يقرب من 15 عملا جادا وكل عمل لفت اليه الانتباه كما ترجمت اعماله الى ما يقرب من 15 لغة .. الامر الذي اسهم بذيوع اسمه على نطاق واسع وحاليا يرأس (الطاهر وطار) جمعية الجاحظية التي بدأ مشواره معها منذ عام 1989م وهي جمعية وطنية ثقافية متعددة الانشطة حيث تطبع ثلاث مجلات متخصصة هي (التبيين والقصيدة والقصة) ولها مطبعة خاصة بها يصل معدل اصداراتها الى حوالي 25 عنوانا في العام الواحد .. اضافة الى تنظيمها للأمسيات الشعرية والقصصية والنقدية ويوجد بها ايضا ناد يرتاده المثقفون والمبدعون ويناقشون من داخله همومهم وامالهم وتطلعاتهم الى جانب مشافهاتهم الثقافية التي لا تنقطع.
الصدفة جمعتني بالروائي الجزائري المعروف (الطاهر وطار) وذلك في العاصمة القطرية الدوحة ابان مهرجانها الثقافي الثاني الذي اسدل الستار عليه الشهر المنصرم .. هناك كان لي معه هذا الحوار الذي حاولت من خلاله التعرف على (الطاهر وطار) عن قرب ، حياته وابداعه .. ارائه ووجهات نظره .. ذلك ان هناك الكثير من الاسئلة التي يمكن ان تطرح امام قامات الرواية العربية من امثاله .. خاصة حينما يكونون من بلد كالجزائر لها بالتأكيد الاسئلة الاكثر خصوصية التي يمكن ان تطرح على مشهدها الثقافي.
(مشكلة الهوية)
* لك البداية .. دعنا نعرفك اكثر .. ودع هذه المعرفة تبوح ببعض تفاصيلها التي قد تقودنا لاحقا للاسئلة !!
** انا احد المناضلين الاشقياء من اجل اللغة العربية في الجزائر لاننا نعاني مشكلة الهوية وهي معاناة قاسية ولا يمر اسبوع دون ان تهاجمني الصحافة المنحازة لفرنسا.
تفتحت عيناي منذ الخمسينيات على الفكر الانساني وايامها كان الشاب العربي لا يستطيع ان يبقى خارج اي فكر او ايدلوجيا .. فهو اما ناصري او قومي او ماركسي وانا من طبعي اتجه الى الاقصى ارفض ان اكون نصف مؤمن .. حيث اعمل بالمثل القائل (كافر ولا نصف مؤمن) .. واكتسبت من هذا عقلانية كبيرة ونظرة غير عامودية او عاطفية للاشياء بل تشمل العامودي والافقي وكذلك هي نظرة غير متزمتة ايضا لانني اؤمن بتغير الكون والاشياء. الثابت عندي هو التعلق بالعدالة الاجتماعية وبالمساواة الطبقية اما الاسلوب فلست من منظري الاحزاب ولا من رجال السلطة انا لدى عاطفة تجاه هذه القضية نابعة من صلتي بتراثنا .. صلتي بأبي ذر الغفار وعلي بن أبي طالب وكل هؤلاء ممن جسدوا الكفاح الانساني من اجل رفع الحيف والظلم عن الانسان .. انا لم اقرأ في الجامعات النظامية ولا الغربية انا ابن المدارس العربية والدينية .. تعلمت في مدرسة قريتنا وهي مدرسة قرآنية ثم درست بمعهد الشيخ عبدالحميد امبدي ثم ايضا بجامعة الزيتونة بتونس وعندما اندلعت الحرب لم اواصل تعليمي .. لذا فانا قدم في الحداثة والقدمان معا في التراث .. احفظ القرآن الكريم .. لا اكره او اعادي من يخالفني في الرأي بل هم احبابي واصدقائي .. وادافع عن الحق مهما كان .. في الازمة الجزائرية التي مرت كان موقفي شاذا بالنسبة لكل زملائي .. فقد رفضت ارسال حوالي 24 الف شاب الى المحتشدات او السجون دون محاكمة لا لشيء الا لكونهم لحاء .. رفضت كذلك الغاء العملية الانتخابية . . حيث قلت طالما اننا غامرنا بالذهاب الى الصناديق فلنتحمل تبعات الديمقراطية .. و امشي وحدي كأبي ذر الغفاري ... اعتبر الاسلاميين المعتدلين وليس المتطرفين خصوما وليس اعداء .. اما السلطة او الانظمة فلست من اتباعها.
* كأنما تبدو مفكرا مشاغبا او حتى رافضا على الاقل ما هو متعارف عليه من تقسيمات جاهزة للاشياء؟!
** الطاهر وطار كاتب يشاغب باستمرار .. رغم زعمي بأني لا امارس السياسة بل اشتغل بالثقافة فقط ومع ذلك اجدني مشاغبا دائما .
(لغة الكتابة)
* ما موقفك من مسألة الفرانكفونية وما تثيره من جدل .. وما رأيك في الكتاب الجزائريين الذين يكتبون بالفرنسية وتجد اعمالهم الذيوع والانتشار؟!
** انا اصارع باستمرار .. وهناك اسبوعيا مقال بالفرنسية في الصحف يهاجمونني فيه .. حتى اثناء زيارة شيراك مؤخرا هناك جريدة كبرى في الجزائر لم تتورع من ذكر اسمي في عنوان كأحد المعادين للفرانكفونية وكأنهم يشون بي مثلا ومع ذلك فموقفي من الذين يكتبون بالفرنسية من الجزائريين هو موقف عقلاني .. فمن له وجدان عربي جزائري ويحسن اللغة العربية ويعرف شعراءها وادباءها ورموزها ويحترم امته .. فله ان يكتب بأي لغة .. هذه قضية مفروغ منها ولا تمثل مشكلة مطلقا .. لكن الذين نصارعهم هم منلهم موقف من اللغة العربية والعروبة عموما .. واعطيك مثالا لهؤلاء وهو روائي جزائري مشهور كان يعيش في فرنسا حيث كلف من طرف الجانب الفرنسي بوضع جزء من كتاب حول القصة الجزائرية والثورة او حرب الجزائر كما يسمونها .. فجمع عشرات القصص ممن كتبوا فقط باللغة الفرنسية ولم يذكر قاصا واحدا كتب باللغة العربية مع اننا مترجمون الى مختلف اللغات ومنها الفرنسية .. فأثار ذلك ايامها ضجة في معهد العالم العربي .. وحتى الفرنسيون انفسهم وقفوا معي وناصروني في هذه القضية .. وهذا بعد صغير من صراع كبير ومع الاسف قلائل هم الذين يساندونكجهرة .. ولدينا مثل شعبي في الجزائر يقول (الطماع قلبوا حنين) .. وتوجد في الجزائر جمعية للدفاع عن اللغة العربية لكنهم يكتفون بالكلام الخطابي فقط اما نحن في جمعية (الجاحظية) فنقيم اسبوعيا محاضرة ومطبعتنا تدور دون توقف واصداراتنا مستمرة كلما توفر لدينا الورق .. الان تركت العدد العاشر من مجلة (القصيدة) قيد الطبع والتي بدأنا اصدارها منذ عام 1990 وهذه المجلة تحوي قصائد مغاربية فنحن ننظم سنويا ومنذ 1989 جائزة مغاربية للشعر وهذا العام فازت شاعرة جزائرية بالمرتبة الاولى ثم تونسي ومغربي وهناك لجنة تحكيم من هذه الاقطار المغاربية ونعلن عن الجوائز في سياق مهرجان شعري .. وهذا جزء من نشاطنا الذي يؤكد اننا حاضرون في الساحة.
(مشهد سياسي)
* المراقب للمشهد السياسي في الجزائر يصاب بالحيرة حين يحاول معرفة حقيقة ما يحدث هناك فثمة تحليلات وتأويلات كثيرة ومتناقضة .. ومن المؤكد ان للمفكرين والمثقفين وجهة نظر ما حول هذا المشهد قد تكون هي بعض الحقيقة ان لم تكن كلها . ما الذي يحدث من وجهة نظرك؟
** ما حدث في فترة عدم الاستقرار باختصار شديد هو ارتدادات وهي ارتدادات ما كنا نتمناها ولا نتوقعها .. ما حدث انذاك هو اختلاف على تداول السلطة .. دعونا الى انتخابات ثم لما لم ترضينا احضرنا الدبابات والمجنزرات وحطمنا صناديق الاقتراع ودفعنا الناس لحمل السلاح وتحاربنا فيما بين بعضنا البعض .. وقتلنا انفسنا ومع الاسف الشديد كان يفترض حين خفت الازمة ان نأخذ درسا مثلما فعل عسكرة الاتراك .. لقد كانوا اذكياء حينما انحنوا للعاصفة وسمحوا للمعتدلين ان يتداولوا السلطة .. لكننا لم نفعل ذلك .. فمنذ الانقلاب العسكري في الجزائر عام 1965 ظل النظام السياسي يسير على وتيرة واحدة تتغير الوجوه ولكن ضمن دائرة واحدة هي الارتباط بما يسمى بالثورة .. ومع الاسف جاءت الردة كما ولو اننا انتصرنا على الاسلاميين وبالتالي اصبحنا فرنسيين .. وهذه نظرة خاطئة ... انا لست ميالا لاحد ولا متعاطفا مع احد .. ولكن وطنيتي تحتم على دائما ان ارى المشهد بمنطق وموضوعية وهذا ما حدث.
(نقد الرواية)
* اذا جلس الطاهر وطار ولو قليلا على كرسي النقد .. بعد هذه الرحلة الابداعية الطويلة التي قطعها كيف يقيمها .. وما هي المحطات التي تشعر انها كانت تأسيسية ومتجذرة في هذه الرحلة!!
** لقد اتجهت لكتابة الرواية في الخمسينيات وكان زادي قراءة طويلة وعريضة ومعرفة ودراية بقواعد واصول الملحمة والتراجيديا والدراما من الاغريقالى الانكليز الى الكلاسيكية الروسية الى الاتجاه الاميركي والفرنسي .. انا لا اكتب الرواية تناصا.. اكتبها عن وعي ودراية.. والوم زملائي في العالم العربي انهم يكتبون دون الارتباط بأصول الفن الروائي.. نقرأ الرواية المكونة من مائتي صفحة.. لكن يمكن ان تقرأ عشر صفحات ثم تقفز الى الصفحة الثلاثين ثم تقفز الى الصفحة السبعين دون ان تشعر بأن هناك انقطاعا قد حدث.. بينما حين تقرأ رواية ماركيز (مائة عام من العزلة) فأنت مرتبط بكل سطر فيها حتى تعرف مثلا مصير الولد الذي سيولد بذنب فتنقرض العائلة.. وهذا ما يقلل قيمة الكثير منالروايات العربية.. لان اصحابها يجهلون اصول كتابة الرواية.. وانا بالنسبة لي كاتب هاو لا اكتب لغيري.. كلما امتلأت اكتب.. ولم اشارك في مسابقة اطلاقا.. واختلفت مع جابر عصفور عندما طلب مني ان اشارك في مسابقة.. فاحترت كيف انه يطلب مني ذلك بعد كل هذه المسيرة والتجربة اذهب كناشئ واتقدم للمسابقة انتظارا للتقييم.. واذكر انني ارسلت له رسالة غاضبة.. وقد دعاني لزيارته حتى يشرح لي وجهة نظره في الموضوع لكنني رفضت..
* بعيدا عن المسابقات وجوائزها.. هل تعتقد انك حظيت بالتكريم الذي تستحقه في الوطن العربي؟
** نعم.. الحمد لله.. فكل ما كتبته نال اهتمام النقاد.. سلبا ام ايجابا.. لان حتى من يكتب عنك سلبا فهو على الاقل قرأ.. لقد كتب حول تجربتي نقاد كثيرون منهم صلاح فضل وجابر عصفور نفسه الذي وضع مقدمة للترجمة الانكليزية لروايتي (الزلزال).. وغيره كثيرون.. ولدي موقع في (الانترنت) فيه مئات الشهادات من كتاب كبار.. كذلك ترجمت ثلاثة من اعمالي في المانيا وتدرس كتاباتي في الجامعات هناك وتترجم في باريس.. كل هذا تكريم.. وانا لا اكتب بماء الذهب حتى ارجو من الناس ان يقيمونني تقييما جيدا.. ولكن استطيع اقول ان معظم ما كتب كان لصالح كتاباتي.. وهناكالبعض لا يعترفون بي لدوافع ربما ايدلوجية.. يرفضون كل تجربتي وفكري.. وانا متسامح معهم.. والغلبة في نهاية الامر للتاريخ لانه هو الذي سيحكم.. وانا مسرور كون هناك شباب في الجزائر يكتبون الآن رواية جيدة.. يكتبون عن معرفة بأصول الكتابة.. هؤلاء لا اقول انهم امتداد لي.. ولكن على الاقل ينشأون الآن في مظلتنا.. ولذلك فهم اقدر مستقبلا على تقييم تجربتي.
(مشاريع قصصية)
* لكن.. اين جديد الطاهر وطار الآن؟!
** العام الماضي عدت الى مواصلة مشاريع قصصية كانت مؤجلة منذ سنوات.. كنت قد كتبت جزءا منها وتحديدا ثلاث قصص نشرت في (القدس العربي) بتتابع ومازلت انجز الجزء الآخر منها.. والواقع انني كاتب سياسي وعندما اشعر انني افرغت الحقبة السياسية التي تشغلني انتظر لأن ليس لدي ما اضيفه.. وفي رواياتي تنبأت بأشياء كثيرة.. فلي مثلا رواية (تجربة في العشق) كانت حلما وقتها حول عودة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والقيادات الفلسطينية حيث قلت انهم سيعودون الى الارض المحتلة.. وهذه الرواية نشرت في الثمانينيات قبل اوسلو بسنوات طويلة.. حيث قلت فيها انهم سيدخلون بدون سلاح الى ارضهم.. وكما قلت انا لا اكتب يوميا او سنويا.. وانما كل اربع او خمس سنوات ثم امتلئ واتفرغ للكتابة اياما معدودات.. لا تتجاوز غالبا الثلاثة اسابيع.. واكتب الرواية على نفس واحد.. كل يوم عشر ساعات تقريبا.. بدءا من التاسعة صباحا حتى الخامسة مساء.. الى ان تكتمل الرواية.
* وكيف يعيش الآن الطاهر وطار؟
** انا موجود في الجزائر الآن وقبل الآن لم ابارحها قط.. امشي في شوارعها مرتديا هذه القبعة محفوفا بمحبة الناس الذين يحيونني من كل صوب.. كنت مدير عام الاذاعة لعامين الا قليلا ثم احالوني الى التقاعد.. ولم يعرضوا على مناصب لكنهم يستشيرونني فيمن يختارونهم وهذا في حد ذاته احترام لتجربتي.
(شهادة للآخر)
* من المهم ان نستمع الى شهادتك في الروائيين العرب خاصة من هم في جيلك.. كيف تنظر الى ابداعهم والى اي مدى اعلنت الرواية العربية عن نفسها واحرزت ربما اهدافها؟!
** قبل سنوات رشحت لجائزة نوبل نجيب محفوظ حين سئلت عن رأيي في كتاب الرواية العربية نظرا لكونه بذل جهدا كبيرا كما رشحت ادونيس كمختبر لصناعة الشعر الحديث.. ومحمود درويش كشاعر صاحب قضية.. اما الحديث بشكل خاص عن الروائيين كأفراد فهو يصعب لكن يمكن ان اقول انني احب صنع الله ابراهيم، حيث تشدني كتاباته، احببت كذلك الراحل مؤنس الرزاز، وهناك شباب كتبوا الرواية الآن تخطوا بالطبع مرحلة الشباب منهم المغربي عز الدين تاج، ويبدو عموما ان الخلاصة التي خرجت بها الرواية العربية بعد استقراء طويل جدا هو ان كثيرا من زملائنا الروائيين لا يعرفون اصول الدراما.. لا يعرفون اصول التراجيديا.. ولا الكوميديا.. يكتبون تناصا.. يستحلبون من ذاكرتهم اشكالا وشخصيات.. فالكتابة الروائية ينبغي ان تكون عن اصول وقواعد.. هناك كما قلت للاسف روايات مليئة بالحشو وما لا يلزم.. ويمكن ان تفهم خلاصتها من قراءة بعض صفحاتها فقط.. فهي تخلو من المقدمة المنطقية والبناء العقلاني للشخصيات.. وتفتقد الى التناسق بين اللغة والمضمون والشكل والحالة الروائية في فصولها المختلفة.. فاللغة تبدو متنافرة مع رواية تتحدث مثلا عن بحر هادئ ولكن كلمات السرد تجئ محماة ومتشنجة.. هناك استسهال للاسف في كتابة الرواية.. وكثير من الروائيين اكتسبوا اسماء فصاروا يدمجون الروايات بشكل متواتر.. وهناك كتاب لا اسميهم قلت لهم في وجوههم انكم لم تكتبوا روايات.. بل كتبتم ملخصات لافلام.. وعلى كل ومهما كان فالرواية في العالم العربي صارت مهمة سهلة ففي اليوم الواحد يمكن ان تصدر عشرات الروايات .. لكن لن نخرج من كل هذا الكم الا برواية واحدة.
(ترجمة ابداعية)
* ماذا أضافت ترجمات أعمالك لتجربتك الابداعية.. وهل كان انتقاء هذه الترجمات موفقا من ناحية ومصقولا على النحو الذي تتمناه من ناحية اخرى؟
** مجرد ترجمتي في بلدان اخرى وبلغات اخرى فهذا هو من وجهة نظري اعتراف بأهمية تجربتي الروائية .. وسواء كانت هذه الانتقاءات موفقة ام لا او مصقولة ام لا فهي في النهاية حملت روحي الروائية الى مدى بعيد وعرفت الاخرين بما اكتب .. واظن أن ذلك أسهم في ذيوع الرواية التي اكتبها .. كما كرست للرواية العربية بشكل او باخر في خارطة الرواية الدولية
*مازال النقاد العرب يحاولون التنظير لرؤيةنقدية عربية تجاور النص الابداعي العربي وتكون اكثر تماهيا معه وبعيدا عن هذا التنظير المسافة تبدو بعيدة بين النقد والابداع .. واقترابا من تجربتك نسأل عن المدى الذي يمكن ان نتحدث عنه بين خطاب النقد وخطابك الروائي؟‍!
** النقد العربي مع الاسف الشديد لا يمارس من منطلق ان الناقد احب عملا ابداعيا ما او يريد منه الخروج برؤية نظرية ما .. ولكنه في كثير من حالاته يكون من اجل بعض الدولارات يأخذها من مجلة او صحيفة او ندوة.. وهو ليس نقد بمفهوم النقد بل هو مجرد تقرير او استعراض ليس الا .. وهذه الكتابات غير النقدية لا تتابع حركة الكتابة الروائية او الشعرية في العالم العربي بحيث تتناول الانتاج الجاد والمهم وكذلك متابعة الاصوات الجديدة .. معظم النقاد او من يسمون بنقاد يكتبون عن حنا مينا ونجيب محفوظ واميل حبيبي والطاهر وطار وهي اسماء معروفة يستعرضون من خلالها ادواتهم الجاهزة غالبا مع وضع قليل من البهارات حتى يتميزون عن سواهم ويرتبون انفسهم في مقام ذلك الروائي المعروف وهذا امر مؤسف جدا ويكشف حقيقة العوز النقدي الذي نعيشه .. ربما في الجامعات والمعاهد والمؤسسات العلمية هناك عمل نقدي جاد وجماعي ويشرف عليه اناس لهم خبرتهم في هذا المجال وهو جهد مفيد ويبين مسالب وايجابيات العمل الابداعي وهذا النقد نحن نبشر به وننتظر انتشاره وان لا يكون فقط حبيسا داخل هذه المؤسسات الاكاديمية .. ومع ذلك فلي ملاحظات على بعض المناهج الادبية والنقدية فبعضها قديم تجاوزه الزمن وبعضها غربي محض لا ينطبق على ذهنياتنا الشرقية والعربية ولكن هذا المتاح الان على الاقل وربما تولد مستقبلا مدارس نقدية عربية رغم انني ارى صعوبة في ذلك..
حيث حاولت شخصيا ان نفعل شيئا في هذا المجال .. وبدأنا بالفعل نبحث ونضيف اشكالا جديدة أو بالاحرى قريبة منا فنضيف مثلا للواقعية التجريد او نستخدم اشكالا هندسية ما كانوا يلتفتون اليها .. ولكن جهودنا وحدها لا تكفي لاحداث التحول المرتقب في المفهوم النقدي سواء الروائي او الشعري
(كتابة حديثة)
*وماذا تقول للذين يقولون ان تجربة الطاهر وطار توقفت عند نقطة ما وتجاوزها الزمن او الكتابة الروائية الحديثة ‍‍!!
** أنا لم اسمع هذا الكلام ولم التق بهؤلاء وينبغي ان نعرف اولا من هؤلاء حتى ندرك قيمة ما يقولونه وعموما لقد صدرت لي منذ سنتين روايتي (الولي الطاهر يعود لمقامه الذكي) وصنفها النقاد بانها من الرواية الجديدة رغم ارتباطها بالتراث ووجدت استحسانا كبيرا من كل جهة وترجمت الى الفرنسية مؤخرا.. وعندما تكون كاتبا مثقفا يضيع منك الجانب النجومي وانا لا افكر في ان اكون نجما لامعا وساطعا فلدي ما يشغلني من قضايا هي اهم من ذلك قد نخفق لما لا ولكن جدوى ما نفعله لا تسقط والعملية الابداعية عموما شاقة جدا عندما تكون عميقة واصيلة وتكون محاولات للخروج من حالة الى حالة ومن زمن الى زمن وانا اقول دائما انني لا اكتب بماء الذهب ولست تاجرا يبيع الكلام ولا انشر في الصحف لاتقاضي اجرا عن ذلك وعندما انشر افعل ذلك في (القدس العربي) لانه ينشر مجانا ولا احد يمكن ان يتهمني باني اجرى وراء الدولارات او انتظر المدح واعتبر الكتابة موهبة وهبني الله إياها وعطية احترمها لذلك لا اكتب بالمقابل اصلا ورواياتي الاخيرتان لم أتلق عنهما قرشا واحدا .. نشرتا في مصر والاردن لم اتلق حتى نسخا منها والطبعة التي صدرت في الجزائر اهديتها لجمعيتنا (الجاحظية) وفي عام 1974 أهديت حقوق تأليف كتابين صدرا لي واحد منهما لمنظمة فتح قبل ان تكون منظمة التحرير الفلسطينية والاخر لفيتنام.. انني مثل من يكتب الرقى والاحجبة .. اعتبر ان ذلك غير مأجور او مدفوع له امارس الكتابة كهاو لانتشي .. كما يغرد العصفور .. فليقولوا ما يشاؤون فأنا راض عما كتبت ومنتش به.
(أصول وقواعد)
*لكن ماذا يقصدون بالكتابة الجديدة؟‍!
** أقولها صراحة.. مع الاسف الشديد كثير من الكتاب العرب لا يكتبون عن دراية بالكتابة.. انهم يظنون ان غارسيا مثلا كتب (مائة عام من العزلة) كرواية حديثة بينما هي مبنية على اصول الملحمة الاغريقية التي تجعل لها مقدمة منطقية تقول ان هذه العائلة ستنقرض عندما يولد فيها ولد له ذنب كما تقول عرافة لاي بطل اغريقي او اي بطل من ابطال شكسبير في الملك لير.. الخ
زملاؤنا الروائيون يتخلصون من قواعد الكتابة احيانا يتناصصون واحيانا اخرى يتلاصصون مع نصوص كتبت لمجتمعات اخرى فالواقعية الاشتراكية مثلا للملتزمين السياسيين كانت لها انذاك اصولها كأن يكون البطل ايجابيا وان تكون الرواية مرتبطة بالطبقة العاملة وان تكون متبنية لايديولوجية معينة الى ما غير ذلك فراح روائيونا من العالم الثالث واضافوا للواقعية الاشتراكية البطل السلبي .. اضافوا البطل المضاد والتجريد الذي هو عدو للواقعية وكان النتاج مشوها نحن نحتاج لادوات كتابة تتناسب مع وضعياتنا وواقعنا .. انا اعتبر كل اعمال متجددة لانها لا تتكرر.. لم اكرر شكلا .. لم اكرر بطلا .. وايضا جديدة لانها نتيجة لاسيتعابي لمعطيات المثاقفة الجديدة ولوجود خط خاص بي .. ولا يمكن ابدا ان نطلب من حنما مينا او نجيب محفوظ او الطاهر وطار ان يلهثوا وراء كتاب كانوا حداثيين منذ اكثر من عشرين عاما والبنيوية عندما انتهت في الغرب تبناها بعض النقاد العرب ولكن في جانبها السطحي فقط.. وفي بلدنا مثل شعبي يقول ( الشاعر اذا جاع يصير مداح) فهؤلاء عندما يعجزون عن التأليف الابداعي والخلق والابتكار يذهبون للتقليد ويكتبون اشياء ليس لها قواعد ولا اصول ثم يروجون لها على انها كتابة روائية جديدة وللاسف يقدمونها لقراء قدامى لهم خزينهم المعرفي الذي يؤهلهم لكشف هذا الزيف
(نصوص مفتوحة)
*هناك النص المفتوح الذي يتداخل فيه الشعري بالنثري.. وتتقاطع فيه القوالب ضمن أفق يسمى بالمفتوح ما رأيك في هذا النص؟‍!
** اقرأ هذه النصوص المفتوحة .. منها ما أسميه بنصوص (البوب) على غرار موسيقى البوب ليس لها قواعد عموما نحن ننتظر كيف ستصنف فيما بعد وكيف ستكرس لمكانها اما الرواية فلغتها منضبطة جدا وينبغي في احيان كثيرة ان تتخفى المفردة لترك المجال للصورة وللحالة الفنية والحركة الروائية وان لا تطمسها بالضجيج وهذا يحتاج الى خبرة .. همنجواي مثلا في كتاباته كأنما انت امام طلقة رصاصة .. رصاصة تصيب هدفها ولا يمكن تفاديها .. نجيب محفوظ في اعماله الاولى (اولاد حارتنا ) و(ثرثرة فوق النيل) و(كفاح طيبة) كانت ايضا كلمته هكذا منضبطة وبعض زملائنا يعجزون كما اشرت عن تأسيس حالات روائية فيروحون يثرثرون باللغة والمفردات والشعرية.. لكن لكل مقام مقال وهذا ينبغي ان يطبق في الرواية بصرامة.
(دال ومدلول)
* المرأة في رواية الطاهر وطار.. ماذا كانت تشكل على مستوى الدال والمدلول؟
**كل اعمالي كانت المرأة هي القضية هي الرمز في الخمسينيات كتبت قصة (نوة) وتحولت الى فيلم نال اعجاب العالم و(نوة) هي الضوء وكذلك كتبت قصة (ذنوبة) وهي رمز ايضا وكذلك قصتي (رومانة) وهي رمز لحركة التحرير الوطني الجزائري .. فالمرأة بالنسبة لي هي القضية وهي (الشريفة والمكافحة) في كل اعمالي عندي رواية لم اهن فيها المرأة ولم اكن الهث واجري وراء مشاهد اغرائية .. كانت المرأة كادحة وعاملة تشقى وتعانى وكانت الرواية كلها للواقع الفاسد والمقهور
* تحدثت عن فيلم (نوة) المأخوذ عن قصة لك .. ما رأيك في مسألة التناول السينمائي للاعمال الادبية وهل تعتقد ان التجربة المرئية تضيف بعدا اخر للتجربة المكتوبة ؟
** كل الصور المتحركة في السينما والتلفزة تضيف للعمل المكتوب فالسينما المصرية مثلا استقت بعض اعمالها من روايات نجيب محفوظ ولكن الاعمال الكبرى لنجيب محفوظ لم نشاهد الا القليل منها كالشوارع الخلفية او باب الحديد كما ان الجانب التسجيلي او الفلكلوري غالبا ما يضيع ولا يظهر .. وبالنسبة لنا في الجزائر فقد حولت احدى قصصي الى فيلم هو (النوة) ولي قصة اخرى هي (الشهداء يعودون هذا الاسبوع) حولوها الى مسرحية وقد نالت الجائزة الاولى في قرطاج وماعدا ذلك هناك تهميش سينمائي متعمد تجاه اعمالي واعتقد ان بعض المخرجين السينمائيين في الجزائر متأثرون بالثقافة الفرنسية ولا تحركهم كثيرا الكتابة العربية.
(مشروع رائد)
* قرأنا تجربتك (الشهداء يعودون هذا الاسبوع) من خلال اصدارات (كتاب في جريدة) ما رأيك في هذا المشروع المعرفي العربي الذي تبنته بعض الصحف العربية ومنها (الوطن) العمانية؟!
** هو مشروع رائد ورائع ولابد من تحية القائمين على هذا المشروع والصحف الذي تبنته لانه بالفعل ينشر الفكر والابداع العربي ويجعله متاحا للجميع كما يسهم في حل اشكالية النشر بالنسبة للكتاب انفسهم فعندما نشروا عملي ( الشهداء يعودون هذا الاسبوع) وصلت كتابتي الى الاف القراء وهذا سرني جدا واتمنى ان يستمر هذا العمل لانه يعتبر تكريما للكتاب العرب وآمل ان يتناول هذا المشروع كل الكتاب العرب الذين لهم تحربة مهمة.
*أخيرا ماذا تقول عن الطاهر وطار؟!
** أنا حياتي غنية جدا .. انا مخضرم (عشت عهد الاستعمار للجزائر) من مواليد الثلاثينيات وخضت الثورة التحريرية وعشت في تونس وطفت تقريبا ثلاثة ارباع العالم من الهند الى كوبا الى انغولا الى اوروبا الى العالم العربي .. تنقلت في الجزائر شبرا شبرا ولي في كل قرية صغيرة اصدقاء ومعارف .. حياتي صعبة ومرت وتمر بمراحل خطيرة ودائما انا في تحد .. اشعر اني اسير وحدي وبالتالي هي حياة مليئة بالاسرار لذا ستكون لمذكرات حياتي لو كتبتها وقع كبير وهذا ما يخيفني لقد فكرت في كتابتها لكنني ترددت ومع ذلك فالفكرة لا تفارقني ربما هذا هو اوانها .. لا اعرف!!.

ايوب صابر 05-09-2012 11:14 AM

الموقع الشخصي للطاهر وطار
http://www.wattar.cv.dz/


اهم الاحداث المؤثرة في صناعة عبقرية الطاهر وطاهر :

لا شك ان الطاهر وطار عاش في ظل ظروف اجتماعية وسياسية صعبة للغاية تمثلت في فترة الاستعمار الفرنسي الذي قتلت مليون شهيد جزائري. لكن حياته الشخصية مليئة بالاسرار كما يقول هو في مذكراته وكما هو وارد في احدى مقابلاته ويبدو انه يعتبر نفسه بطل رواية روايتة الرائعة اللاز وهذا البطل لقيط. ربما كان الطاهر لقيط ولا احد يعرف تفاصيل حياتة المبكرة. لكن نحن نعرف عنه انه غادر منزل جده وهو في سن الحادية عشرة. ثم غادر منزل والده وهو في سن السادسة عشرة ثم غادر الى تونس وهو في سن 18 وهذه تكفي لصناعة عبقريته.

سنعتبره يتيم اجتماعي.

ايوب صابر 05-09-2012 11:02 PM

74- المرأة الوردة محمد زفزاف المغرب

المرأة والوردة” في قراءات أحمد اليبوري
هند الركيبي
I. مقدمــــــــــــة:
يستهل أحمد اليبوري في قراءاته لرواية ” المرأة والوردة” لـــ ” محمد زفزاف” بالتعريف بالتوجهات التي سيقارب بها هذه الرواية، والذي لم يبد واضحا في النص الأول بينما بدا جليا في النصين الثاني والثالث، بحيث إن الثاني حاول مقاربته انطلاقا من التحليل النفسي؛ أما الثالث فقد ضمٌن مقاربته بالتوظيف التراثي الأدبي والفكري والتاريخي والأسطوري.
كما أن النصين الأول والثاني يتفقان في عدم توفر الرواية على خاصيتي الكتابة الروائية، لكنه يرى في النص الثاني أن الرواية ضبطت العلاقة بين الكاتب والشخصية الرئيسية في إطار ما يسمى” الميثاق السردي”. ومن هنا برزت الخاصية الأساسية للكتابة الروائية من خلال انطلاق الكاتب من الواقع، وخلقه لعوالم متخيلة ذات علاقات منطقية.
II. عنوان الرواية:
يرى الكاتب أن عنوان الرواية ” المرأة والوردة” والتي تتجلى في حضور المرأة في الرواية بشكل واضح مع ارتباط ذكرها بالحس، وهذا عكس الوردة التي وردت بشكل نادر رامزة للسارد بالاستمرارية والألوهية، وهذا ما اتضح في النص الأول وقد أكده في النص الثاني مع اعتبار أن الوردة تشكل الخلاص بالنسبة للشخصية الساردة، وكلا الكلمتين تحضر في التراث الشعبي، باحثة عن التوازن النفسي والكمال والصفاء.
III. تقنية الحلم
عدد الكاتب من خلال النصوص الثلاث تقنيات روائية والتي يؤكد فيها اللاحق فيها السابق، مع الزيادة لما توصل إليه الكاتب. ترددت تقنية الحلم في النصوص الثلاث بيد أن هذه التقنية عكست في النص الأول حاجة الشخصية الساردة للاستقرار العائلي والاستمرار المتمثل في خلق امتداداته؛ ليجعل منه فردا داخل المجتمع، ذلك المجتمع الذي يخاف الاندماج والذوبان فيه، هذا بالنسبة للحلم الأول أما الحلم الثاني فقد عكس لاشعور الشخصية الرافضة لما تقوم به في الواقع. وقد أحال الحلمين معا في النص الثاني وحسب التحليل النفسي الذي انتهجه في هذا النص، إلى التعبير عن الأنا الأعلى واللاوعي التواق إلى الاستقرار النفسي سواء اجتماعيا ودينيا ؛ أما في النص فقد اكتفى بالحلم الثاني مبينا فيه استعمال الشخصية لمعجم قرآني كدليل على صوت القيم الذي غير نظرة السارد إلى الأمور ومن ضمنها المرأة التي تغيرت بنظره من آلة جنسية إلى عامل للاستقرار والتوازن، وبهذا نجده قد تجاوز بقراءته قراءات أخرى والتي ترى في هذه الرواية سرد بورنوغرافي، لتكون رواية تجربة وتحولات على مستوى الشعور.
IV. تقنية الحركة السينمائية:
لقد ترددت تقنية العرض السينمائي في النصين الأول والثاني بحيث إنه استعمل نفس المثال من الرواية؛ ليفسرها في النص الأول بأنها” حيوية نابعة من استجابته لهواجس الحياة الفطرية، التي تم التعبير عنها بجمل فعلية قصيرة” أما في النص الثاني فقد اعتبرها حيوية أيضا لكنها نابعة في حضور الحركة كإشارة بديلة للغة والجسد والفكر وفيهما معا انتفاء لعنصر ذهني على مستوى التعبير وسلوك البطل.
V. لغـــــــــــــة النص:
يرى الكاتب أن الرواية تعتمد لهجة الخطاب الحكائي الشعبي بحيث إنه بين في النص الأول ” أن الجملة تنتقل من النهي إلى الاستدراك إلى الاستفهام إلى التعجب إلى الاستنكار ثم الجواب وبذلك يكتسب الحديث الأدبي مرونة وبساطة.
أما في النص الثانيفقد توسل بنفس المثال ليبين الدينامية الحكائية في الرواية؛ مع تبينه لالتجاء الروائي لكليشيات من التراث الشعبي وقد تمكن من تطويع اللغة من حيث التعدد اللغوي الذي كان دقيقا لدرجة أنه مزج بين المصطلحات لنخلص إلى تعطيل الحوار، كما أكد على مرونة اللغة كما في النص الأول لكن مضيفا على استعمال المحسنات البلاغية والإنشائية، استعمال سجلات الدارج والفصيح.
وفي النص الثالث فقد عمق في رؤيته لأسلوب الرواية الشعبية مشيرا إلى ما أورده في النص الثاني حول تميز الرواية بالتركيب والتعدد على مستوى البناء والدلالة وقد اشتغل بالنهج الانشطاري من أجل توضيح هذه الخاصية والذي سعى من خلاله حسب تقديم الأستاذ بوحسن أحمد لكتاب أحمد اليبوري ” في الرواية العربية: التكون والاشتغال” إلــــــــى ” تقديم قراءة متعددة تراعي مختلف الطبقات المكونة للنص السردي”.
VI. علاقة الكاتب بالسارد:
ناقش أحمد اليبوري هذه العلاقة في النصين الأول والثاني مستعينا بنفس المثال وهو الاستشهاد بديتش. والذي يرى أن الابتعاد عن الواقع يجعل العمل أكثر إبداعية حتى لو كان سيرة ذاتية، وقد نوقشت هذه العلاقة في النص الثاني في مستهل التحليل تقريبا، بينما ختم بها في النص الأول وهذا تأكيدا على أن الرواية بعيدة عن حياة صاحبها الشخصية.
VII.خـــــــــــــــــــــاتمة:
وأخيرا نخلص إلى أن أحمد اليبوري خلال نصوصه الثلاث والتي تؤرخ بتواريخ متباعدة نسبيا قد قارب نوعا رواية ” المرأة والوردة” من خلال مناهج متعددة، بلغة مركزة أقرب إلى العلمية، وهو لا يتوق لمقاربته بصفة نهائيا لكن يدع مجالات للمه في كل مرة يطرح إشكال الرواية المغربية.
المراجـــــــــــــــــــــع:
§ أحمد اليبوري، الكتابة الروائية في المغرب: البنية والدلالة، المدارس، الدار البيضاء، 2000
§ أحمد اليبوري، المرجع والنظري في علم السرد، 1981
§ أحمد اليبوري، دينامية النص الروائي، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، 1993
§ أحمد بوحسن، تقديم كتاب الأستاذ أحمد اليبوري، في الرواية العربية: التكون والاشتغال،

ايوب صابر 05-09-2012 11:04 PM

محمد زفزاف.. مغامرة الكتابة في تلويناتها العديدة
اهتمام صاحب «المرأة والوردة» بعالم المهمشين والضائعين أضفى على أعماله نكهة إبداعية خاصة

http://www.aawsat.com/2001/08/22/images/art.53638.jpg
عبد الرحيم العلام * تنظم الآن في المغرب عدة فعاليات ثقافية إحياء لذكرى القاص والروائي محمد زفزاف، الذي يصادف غدا مرور أربعين يوما على رحيله تاركاً وراءه انجازاً ثقافياً مهماً. فقد كتب الراحل ثمانية عشر كتاباً (بين المجاميع القصصية والروايات) بالإضافة إلى بعض الترجمات المنشورة في المجلات والصحف العربية أو في كتب، وتنصب أساساً على جنسي الشعر والمسرح.
بدأ محمد زفزاف مشواره الإبداعي شاعراً في أوائل الستينات قبل أن يتجه لكتابة القصة والرواية تحديداً. كما استطاع «كاتبنا الكبير» (وهي الصفة التي اختارها له محبوه وأصدقاؤه من الكتاب) أن يطبع المشهد الأدبي العربي بطابع خاص يشهد له به الجميع، وخصوصاً ما يتصل منه باهتمامه الوفي باستيحاء العوالم السفلية في المجتمع المغربي في كتاباته القصصية والروائية، بما يوازي ذلك الاستيحاء من رصد وتمثل لعوالم المهمشين والمقهورين، اجتماعياً ونفسياً وفكرياً. وفي انتصاره ذاك لهذه العوالم ما يضفي على أعماله نكهة إبداعية خاصة يتميز بها محمد زفزاف في كتاباته، إلى جانب صديقيه في الحياة وزميليه في حرفة الأدب (محمد شكري وإدريس الخوري).
هذه الخصوصية التي يتميز بها أدب محمد زفزاف جعلته يتبوأ مكانة خاصة واستثنائية في المشهد الأدبي العربي والعالمي. فبعض أعماله تُدرس الآن في بعض الجامعات الأوروبية والأمريكية، وخصوصاً روايته الشهيرة «المرأة والوردة». وهو ما جعل شهرة زفزاف أيضاً تخترق المحلية بفضل ما ترجم له من أعمال إبداعية إلى عدة لغات أجنبية، كما اختيرت بعض قصصه ضمن المختارات القصصية العالمية.
ومحمد زفزاف في كل ذلك لم يسع قط إلى الشهرة في حياته، كما أنه لم يشهد له البتة بتهافته وراء الأضواء ووسائل الإعلام والدعاية. فالشهرة هي التي سعت إليه، غير أنها لم تستطع أن تغير من أصالته ونبل قيمه، ومن وفائه لمبادئه ومواقفه وهو الذي عاش بسيطاً إلى حد الجرح ومات بسيطا.
ولد الراحل بمدينة سوق أربعاء الغرب التي تبعد قليلاً عن العاصمة الرباط. غير أن اسمه وحياته وإبداعه وشهرته، كما هو الحال بالنسبة لموته، ارتبطت جميعها بمدينة الدار البيضاء. ففي هذه المدينة تفجرت رؤاه الإبداعية، كما وجد فيها ضالته التخييلية. وبإمكان المهتمين بعلاقة المبدع بالمكان أن يتخذوا الآن من هذه التجربة، التي اكتملت وانتهت، مجالاً للتنظير والرصد والمقاربة. لقد بقي محمد زفزاف وفيا لهذه المدينة (الغول)، كما يسميها أحد المبدعين، إلى أن دُفن بها، استوحاها في جل أعماله، كما تمثل عوالمها السفلى والهامشية ورصد تحولاتها المتسارعة وصيرورات شخوصها وانهيار القيم فيها.
كان الراحل محمد زفزاف أحد الكتاب المغاربة السباقين إلى النشر في المشرق العربي. وقد تركت قصته «الديدان التي تنحني»، التي نشرت في مجلة «المجلة» المصرية التي كان يرأس تحريرها الراحل يحيى حقي، وقعاً كبيراً على قراء القصة العربية آنذاك، كما لفتت الأنظار إلى هذا الكاتب وقد استمر في نشر إبداعاته ومقالاته الأولى في أمهات المجلات العربية آنذاك (المعرفة السورية ـ الآداب اللبنانية ـ الأقلام العراقية، وغيرها..)، حيث فرضت إبداعاته نفسها على أشهر تلك المجلات العريقة في وقت كان الوصول فيه إليها أمراً صعباً للغاية.
كما حظيت أعمال الراحل، القصصية والروائية، بمتابعات نقدية وتحليلية مكثفة، داخل المغرب وخارجه، فأنجزت بصددها الرسائل الجامعية والأبحاث الأكاديمية. وهنا لا بد من الإشارة، على سبيل التمثيل لا الحصر، إلى الأطروحة الجامعية المهمة التي أعدها الباحث الاسباني راموس، الأستاذ بجامعة اشبيلية، حول الأعمال الروائية لمحمد زفزاف. ومن بين النقاد المشارقة الذين كتبوا عن آخر أعماله نذكر الناقد المصري صبري حافظ في دراسته المتميزة لآخر رواية صدرت للراحل بعنوان «أفواه واسعة». وإذا لوحظ أن ثمة تراجعاً ما بخصوص الاهتمام النقدي بالأعمال الأدبية الأخيرة للراحل، فيبقى تراجعاً نسبياً وغير مبرر، أمام ما أصبح يطبع بعض خطاباتنا النقدية والتحليلية من زبونية وسطحية وابتذال.
وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة كذلك إلى ما حققته رواية محمد زفزاف «المرأة والوردة» من تراكم نقدي لافت حولها، حيث أنه بمجرد صدورها في أواخر السبعينات خصها النقد الأدبي في المغرب بالقراءة والتحليل، لتحقق تراكماً نقدياً مهماً ساهم فيه مجموعة من الأسماء من الجيل الأول من النقاد ومن الأجيال التالية. كما تباينت بصدد الرواية نفسها المنظورات النقدية من ناقد لآخر وأحياناً لدى الناقد نفسه، خصوصاً أن هذه الرواية تطرح من الأسئلة والموضوعات ما يُغري النقد الأدبي آنذاك لأجل تجريب المناهج وتوظيف المفاهيم والمقولات النقدية، وتحديداً ما يهم منها موضوعات «الجنس» و«الذات» و«الهوية» و«الآخر» (الغرب). وتعتبر الدراسة التي أنجزها الجامعي المغربي الباحث أحمد اليبوري، احدى أقدم تلك الدراسات وأنصفها وأعمقها تحليلاً لهذا العمل، بشهادة أحد من كتبوا بعد اليبوري عن الرواية ذاتها.
خارج الاحتفاء الملحوظ لأعمال زفزاف، القصصية والروائية، بالزخم في المضامين والأسئلة والموضوعات، اهتمت أعماله كذلك بالتنويع في الأشكال وفي طرائق الكتابة السريعة، خصوصاً على مستوى التنويع في استثمار المنظورات السردية وتعديدها في النص الواحد. ومحمد زفزاف في ذلك كله، وفي غيره من الإنجازات الأخرى، إنما كان يؤسس لكتابة، قصصية وروائية، مغايرة، بما هي كتابة تراهن على رصد كتابة المغامرة إلى جانب مغامرة الكتابة في تلويناتها العديدة.
إلا أن أهم ميزة تكشف عنها أعماله هي تجسيدها لوفاء أسطوري بين الكاتب وعالمه الإبداعي بمثل ذلك الوفاء المشتهى لفضاء الدار البيضاء، خصوصاً ما يتصل منه بالحضور المهيمن للرؤية الانتقادية في أعماله الأدبية. فقيمة أعماله الإبداعية تأتي أساساً من قدرتها على الانتقاد والسخرية والتهكم، بحيث نحس باللغة الإبداعية في أعماله غير منفصلة كلياً عن لغات الشخوص وعن رؤية الكاتب إلى العالم الذي يخلقه من حولها، وهي (أي الشخوص) تحكي عن ذواتها ومشاكلها وخيباتها، وعن رغائبها الخاصة والعامة، كما تحكي عن أوهامها وأحلامها وآمالها. هذا الوضع إذن يكشف عن ثراء باهر في مستويات المتخيل الحكائي المميزة لأعمال زفزاف الأدبية، وهو ما جعلها تثير من حولها الكثير من الجدل والأسئلة النقدية المخصبة والمقلقة. ويكفي هنا أن نشير إلى أعماله التالية (بيوت واطئة ـ المرأة والوردة ـ الأفعى والبحر ـ بيضة الديك ـ الثعلب الذي يظهر ويختفي ـ غجر في الغابة ـ بائعة الورد ـ أفواه واسعة...) لكي نلمس عن كثب مدى ما حققه التراكم النصي لدى الراحل من أسئلة وما يقدمه من إمكانات جديدة لإعادة القراءة والتأويل واستخراج دلالات جديدة، خصوصاً أن أعماله القصصية والروائية قد أعيد طبعها في أربعة مجلدات (ضمن سلسلة الأعمال الكاملة) بمبادرة من وزارة الثقافة المغربية، وهي تشكل الآن تجربة نصية متكاملة ومنتهية للدارسين والمهتمين بالتأريخ للأشكال وللمضامين وعقد المقارنات وتتبع المراحل التطورية في الكتابة والسرد.
وإذا كانت قضية «الكتابة» قد شغلت الراحل محمد زفزاف في العديد من أعماله، وتحديداً في روايته الأخيرة «أفواه واسعة»، باعتبارها موضوعاً للمساءلة والانتقاد، فإن سؤال «الموت» قد جثم بدوره على هذه الرواية، وكأن زفزاف قد أحس بثقله عليه ففجره إبداعياً فيها وبشكل لافت وحدسي، حيث يخيم الموت كعتبة لتحريك العديد من الأسئلة المسكوت عنها والمرتبطة بسؤال الكينونة خصوصاً، فالموت في هذه الرواية يصبح أحد هموم الكتابة عموماً، بما هو سؤال جوهري، في ارتباطه خصوصاً بمسألة القلق والوجود والحياة والعالم الآخر، فـ «النصر للموت في آخر الأمر»، تقول الرواية (ص68): هكذا تشاء المصادفات أن تكون آخر موضوعة تحتفي بها آخر رواياته هي موضوعة «الموت»، وكأن هذا المبدع قد حدس رحيله فأبى إلا أن يتصالح مع الموت إبداعياً قبل أن يختطفه من عالمه الإبداعي، يموت زفزاف ليحيا في أصيلة. فقد تقرر رسمياً خلال ندوة الرواية العربية التي نظمتها مؤسسة منتدى أصيلة خلال هذا الشهر إنشاء «جائزة محمد زفزاف للرواية العربية». وهذا المكسب المهم يشكل حياة جديدة لمحمد زفزاف. =

ايوب صابر 05-09-2012 11:19 PM

السّيرة الذّاتِيَة في مِعْطَف الرِّوايَة الصّعْلوكِيّة

الاثنين, 24 أكتوبر 2011 03:55 نشر في نقد أدبي
لقد تناولنا بالدراسة، في الدراستين السابقتين، لكل من الرواية التاريخية والرواية السيرذاتية، ولسوف نعرض في هذه الدراسة الثالثة، لجنس روائي حديث، على المكتبة العربية، ألا وهو، ما اصطلح بعض الكتاب العرب، على نعته، بالرواية (الشطارية). وهذا الجنس الروائي الوارد علينا من الأدبيات الغربية، حسب اعتقاد بعضهم، يعود في مراجعه الغربية، إلى القرن السادس عشر. بل هنالك من يعود به، إلى القرن الثاني ميلادي، أي للتراث الإغريقي-اللاتيني. وذلك مع ظهور قصة (الحمار الذهبي)، ل(لسيوس أبوليوس). لكن، من حيث التأريخ الرسمي، للأجناس الأدبية، تعتبر إسبانيا، ميدان ظهور هذا الجنس الأدبيي الجديد. وكلمة الشطار، أو الشطاري، أدخلت إلى القاموس العربي، عبر ترجمتها عن الكلمة الإسبانية، (بيكارو)، والتي تعني البطل الرحّالة، المتشرد، والبئيس، والماكر، الداهية. والتي سيبنى عليها الأدب (البيكاريسكي). وتعد رواية (لاثاريو دي طورميس ومحاسن طوالعه ومصائبه)، لمؤلف مجهول، المرجع الأولي لهذا الجنس. بل بالإمكان أن نضيف إليها، قصة (عثمان الفرج)، ل(ماطييو أليمان)، و(حياة المغامر دون بابلوس)، ل(كيفيدو)،كنصوص مؤسسة. ثم تبعتها قصص وروايات أخرى، في كل من فرنسا، ألمانيا وإنجلترة. ونذكر منها على سبيل المثال: قصة (أسطريه)، ل(هونوري دورفي)، وقصة (فرانسيون)، ل(شارل سوريل)، و(موت المحب)، ل(غوتييه)، و(جاك ولتون) ل(طوماس ناش)، (وليام ميسطر)، ل(غوته)، و(مول فلاندرز)، ل(دانييل ديفو)، بل حتى (أوليفر تويست)، ل(شارل ديكنز)، ونصوص أخرى، بالإمكان تفقدها في المراجع. ولقد تطور هذا الجنس مؤخرا، متخذا له آفاقا أدبية متشعبة ومختلفة، خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية، في كل من فرنسا، وبريطانيا، والولايات المتحدة، مع (مذكرة لصّ) ل(جان جنيه)، (جيل بيت)، ل(جاك كرواك). فنقف بهذا الخصوص، على سلسلة من الأسماء البيكاريسكية الشهيرة، من أمثال: (بريان غيزن)، و(شارل بيكوفسكي)، (جاك كيرواك)، ألان غيمبرغ)، (وليام بورغوت)، الذين انطلقوا بهذه التجربة الفنية، في مستهل الخمسينات، ممهدين الطريق، للثورات الجنسية التحررية في منتصف الستينات. بل حتى للذين لحقوا بهم من أمثال، (هينري ميلر) و(كارلوس فوينطس). وتتفق المراجع، على أن هذا الجنس الأدبي الجديد، يستمد آفاق جغرافيته، من طبيعة المدن الحديثة، كما ذاكرته التاريخية، من الواقع، أو الوقائع الاجتماعية للطبقة الكادحة والمهمشة، ويعتمد خصوصا، على السرد، (السّيرَذاتي). لهذا السبب، تعتبر هذه الرواية البيكاريسكية، جزءا من الرواية السّيرَذاتِيَة، ومعطفا واقيا لها. ويكون البطل الروائي، في هذه الأثناء، هو الراوي، الحامل لراية المنبوذين، الذين ينتسب إليهم، من حيث انتمائه الطبقي هو الأخر. ومن مواصفات هذا البطل (بيكارو- الشاطر)، كونه مخلوق بئيس، شرير قذر، سكير، شحاذ، مخادع، انتهازي، لئيم، لا ضمير أخلاقي له. وإذا شئنا، فبإمكاننا أن نوسع القائمة، لتضم بين ثناياها، كل الأوصاف والنعوت الشنيئة والبذيئة، فيما يتعلق، بمواصفات هذا البطل. ولسوف نتوقف، عند هذا الحد من التعريف، لنعيد قراءة هذه المقدمة التعريفية، من وجهة نظرنا الخاصة بنا. وذلك باعتمادنا، على المنهجية التحليلية التي استخدمناها، في دراساتنا السابقة، كما في دراستنا هذه.
لقد سبق وعرّفنا هذا الجنس الروائي، في المقدمة التي سقناها أعلاه، ونذكر، بأن من بين الاصطلاحات، التي اختيرت له، من قبل بعض الكتاب و الباحثين العرب، نسوق ما يلي: الرواية البيكاريسيكية، للدكتور جميل حمداوي، الرواية الشطارية، لكل من محمد غنيمي هلال، وإسماعيل عثماني، والرواية الاحتيالية، للدكتور علي الراعي، والأدب التشردي، للباحث محمد طرشونة. ومن جهتنا، فلقد وقع اختيارنا على تسمية جديدة، نطلقها على هذا الجنس الأدبي الحديث، ألا و هي، (الرواية الصّعلوكية). مع الإشارة، إلى أن كلمة صعلوك، قد وردت في بعض الأبحاث، دونما تخصيص، أو تحديد لها، داخل إطار دراسي منهجي منسق. لقد وقع اختيارنا على هذه التسمية، واخترنا هذا اللفظ، لأننا نعتبره من جهة، مطابقا للمضمون الروائي الذي يرويه، ومن جهة أخرى، مطابقا، ومتمما للمصطلح العربي، المتوفر، والمتواجد في قواميسنا العربية. فلا جدوى إذن، من نحت مصطلح جديد، إذا كانت مكتبتنا العربية في غناء عنه. ثم إن اختيارنا للفظة (الصعاليك)، من حيث مضمونها وإمكانية ربطها بأفقها التراثي، له معنى عميق. فإن مصطلح الصعاليك، في أدبياتنا الشعرية الجاهلية، كان يطلق على كل، من الشعراء أبناء الحبشيات السود، وقطاع الطرق، والرافضين لمجتمعاتهم القبلية، وأولئك الذين تبرأت منهم قبائلهم، لأسباب إجرامية. ونذكر منهم على سبيل المثال، كل من الشنفرة، وتأبط شرا، وعروة ابن الورد. فنحن نرى والحالة هذه، ربط هذه اللفظة بأفقنا الاجتماعي الحالي. ونرى شحنها بدلالات، تجدد من معانيها وتغنيها. فإطلاق تسمية الصعلوك على الفرد، ونعني به الفرد المنبوذ، والمهشم اجتماعيا، في مدننا الحديثة، يوافق المعنى المطلوب، بخلاف اصطلاح (الشاطر) الذي لا يعني شيئا، ولا يدل على صورة معينة، في ذهن الجماهير، كما القراء، غير المتعودين على هذه التسمية. ثم إن اختيار اللفظ العربي الصعلوك، عوضا من (البيكارو) أو غيره، وربطه بذاكرته الأدبية، يقربنا من الظروف التاريخية، لظهور هذا الجنس الأدبي، وارتباطه به. ويقربنا، في الوقت نفسه، من الجنس الأدبي الأم، الذي تطور ونشأ عنه، ونقصد به المقامة العربية. فلا غرابة، أن تكون المقامة العربية، هي المصدر، والمنبع الأساسي، لظهور وتطور هذا الفن الأدبي الصّعلوكي. فالمقامة في نشأتها وتطوراتها، مع كل من الحريري، في (حياة أبي زيد السروجي)، و(مقامات)، بديع الزمان الهمذاني، مرورا برسائل (التوابع والزوابع)، ل(ابن شهيد)، و(رسالة الغفران)، ل(أبي العلاء المعري)، و(ألف ليلة وليلة)،قد أنتجت بأساليبها، القصصية السّيرَذاتِيَة، المتداخلة، الأجواء الناضجة، والأرضية الأساسية،لكل الأجناس الروائية اللاحقة.
فالرواية الصّعلوكية، ظهرت بالتحديد، في منتصف القرن السادس عشر، وبداية القرن السابع عشر. أي مرحلة انتهاء حكم (فيليب الثاني)، وبداية حكم (فيليب الثالث) بإسبانيا. وباختصار، مرحلة انتصار الصليبية الكاثوليكية، على الأمة الأندلسية الإسلامية، بعد سقوط غرناطة سنة 1492م. فانطلاقا من هذه المرحلة، ستنشط محاكم التفتيش الدينية، والتطهير العرقي، في مطاردة، وملاحقة المواطن العربي الأندلسي. ومن هنا، ستأتي الرواية الصّعلوكية أو الصّعالِكِيّة، المجهولة المؤلف، في بداية الأمر، كرد فعل إيديولوجي، للمؤسسات الكاثوليكية العرقية. ونسوق بهذا الخصوص، الملاحظة الدقيقة، للأستاذ (جان لوي برو)، الباحث، والمتخصص في العصر الذهبي، للأدبيات الإسبانية، خلال القرنين: (السادس والسابع عشر)،حيث يقول: "لقد جاءت الرواية البيكاريسيكية، كمعيار، بين ما هو وهمي، وما هو إيديولوجي".
لقد كان جنس المقامة، كموروث ثقافي عربي، فنا رائجا في الأندلس، قبل سقوطها. وكان هذا الفن، الذي كان يدور في أجواء فكاهية، ينطلق من راوية، يحكي عن مغامراته، بأسلوب شيق، قريب جدا من أجواء السيرة الذاتية. ولئن كانت المقامة، تشبه إلى حد بعيد، التطور الروائي المعروف، الذي سيمنحها الكاتب الإسباني (سرفانطيس)، في روايته (دون كيخوطه). هذا الكاتب، الذي يعترف في مقدمة كتابه، بأنه استوحى روايته، نقلا عن كاتب عربي. لا يهمنا هنا، إن كان استوحاها أم لا، بل الشيء الأساسي، من كل هذا، وهو أن مضمون رواية سرفانطيس الفكهة، التي تروي لنا، حكاية فارس نبيل، من طبقة (الهيدالغو)، يحارب المراوح، ويتخذ من أحلامه حقائق واقعية. فهي إذن رواية ساخرة، وهي أيضا، سيرة ذاتية (لهيدالغو)، يسخر ضمنا، من مجتمعه، وخصوصا من طبقة الأشراف، والنبلاء، ورجال الدين، الذين كانوا فخر إسبانيا المنتصرة على أعدائها. ويرى المختصون في جنس الرواية، بأن تطور هذا الجنس، في حلته الواقعية، يعود فضله إلى الكاتب سرفانطيس، الذي مهد الطريق، لكل الروائيين الذين جاؤوا من بعده، من أمثال الكاتب الإنجليزي، (لورانس ستيرن)، في روايته، (تريستام شاندي)، و(جاك الحتمي)،للكاتب الفرنسي، (دنيس ديدرو).
لقد تحدثنا عن المصطلح، وتحدثنا أيضا عن المراجع المؤسسة لهذا الجنس، ونعود من جديد لتعميق هذه الدراسة، رابطين ظواهرها، بعضها ببعض. قلنا بأن هذا الجنس الصّعلوكي، قد ظهر في القرن السادس عشر في أجواء عدائية، وصفناها لكم. وسوف نقدم الآن، نموذجا من صميم الموروث الروائي الإسباني. ولقد اتخذنا بهذا الخصوص، النصوص الإسبانية التأسيسية، ونعني كل من (عثمان الفرج)، و(لاثاريو دي طورميس، وسعده ومحنه)، كمراجع أساسية، بالإضافة إلى (دون كيخوطه). فالرواية الصّعلوكية، هي رواية متمردة، تبني مضمون سردها، على حظوظ ومحن بطل(صعلوك)، يسعى إلى الالتحاق بطبقة المجتمع النبيلة. ويسعى أيضا، إلى اقتناء الثروات والمجد، لتغيير نمط حياته ووضعيته، من حالة سيئة وبئيسة، إلى حالة أحسن، يحمد عليها، ويعترف له فيها، بمقامه وشرف مولده. لكن سعيه، وحلمه، وأوهامه، محكوم عليها كلها، سلفا، بالخيبة والفشل. فهذا البطل، أو الفارس الصعلوك، ويقصد به ضمنا، المواطن الأندلسي المشرد، لا يمكن أن يفر من قدره، الذي رسمته له الطبقة الجديدة، الحاكمة للوطن. نذكر بهذا الخصوص، بأن محاكم التصفية العرقية، في مطاردتها، لأبناء الأمة الأندلسية المهزومة على أمرها، قد وضعت قوانين عنصرية تقول ب(طهارة الدم وخلاصته) لتطرد من سلك حكومتها، كل من لا ينتمي، إلى طبقة النبلاء، أو طبقة المسيحيين القدامى، من سكان البلد، [ أنظر بهذا الخصوص دراستنا عن الرواية التاريخية]. فالفارس الصعلوك، والحالة هذه، يتواجد في مجتمع مرتب ترتيبا طبقيا، توجد على رأسه طبقة (الهيدالغوس)، أي الفرسان النبلاء، أبناء البلد الأصليين، بحكم صفاء دمهم، وطهارته، من أي دم أجنبي دخيل عليهم، من جهة العرب،(المورسكيين) أو اليهود. ف(الهيدالغو)، المنتمي بحكم ولادته، إلى طبقة النبلاء، لا يشتغل بالفلاحة، أو التجارة والصناعة، لأن مقامه الشريف، لا يسمح له بعمل منحط كهذا، قد خصص للمهزومين، أي للعبيد الجدد، من مسلمي الأندلس، سادة البلد أمس، وعبيده اليوم. وهكذا، يصبح بإمكاننا أن نتفهم، ظاهرة تمرد الصعلوك، على (الهيدالغو) النبيل، ومؤسساته العنصرية. ونتفهم بعمق، هدف الصعلوك في ظاهرة التمرد هذه. فهدف الصعلوك، هو محاربة النبلاء العنصريين، الانتصار عليهم ،ودوس شرفهم المزيف، تحت قدميه، للتخلص من المأزق العبودي، الذي خصص له، وحبس فيه. لقد كان هذا هو مضمون الرواية الصّعلوكية، التي جاءت كرد فعل لمجتمع النبلاء العنصري. وجاءت رواية (سرفانطيس)، في نفس الفترة [الرواية نشرت سنة 1605م، الجزء الأول و1615 الجزء الثاني] هي الأخرى، ولكن من موقع واقعي داخلي، تمثيلا وسخرية، لطبقة (الهيدالغو) النبلاء، التي كان الروائي ينتمي إليها، والتي كان يسخر ضمنا من ادعاءاتها.
فالرواية الصّعلوكية إذن، تتخذ السرد السّيرذاتي، كمحور أساسي لتعبيرها. لهذا السبب بالذات، نجد هذا التداخل، والتزاوج السردي في ثناياها. وتتخذ هذه الرواية، البطل الصعلوك في مقابل الفارس النبيل. وتتخذ الوهم ،والحلم، والخيال، في مقابل واقع نبيل مغشوش، واقع مأسوي قاس، وبشع. وتنتهي بانتصار وانتقام وهمي، للفارس الصعلوك، بفعل وفضل امتلاكه لسلطة الكتابة، ولئن كانت بعض النهايات، تقوده في بعض الأحيان، إلى طلب الغفران. فالمحصلة إذن، هي أن الرواية الصّعلوكية، هي رواية مضادة للرواية الرعوية، والفُرْسانيِةّ، (القروسْطِيّة) العتيقة. وهي ظاهرة تمرد، لفئة مهمشة من المجتمع، على أخلاقيات الفئة السائدة، من النبلاء. وبطلها هو الآخر، بطل مضاد، للبطل التقليدي، في القصص القديمة، هذا فيما يتعلق بالأسس، والتطور لهذا الجنس الأدبي الصّعلوكي. ولننتقل الآن، لتطبيق هذا النموذج، على هذه الظاهرة في أدبياتنا الحديثة، لدى كل من محمد زفزاف، ومحمد شكري.

(المرأة والوردة) لمحمد زفزاف (1945-2001)

سنسعى إلى وضع ملخص، لرواية محمد زفزاف (المرأة والوردة)، التي نعتبرها، نموذجا أدبيا، وعربيا خالصا، للسيرة الذاتية الصعلوكية. وملخص الرواية، دونما خوض في التفاصيل الجزئية، نجمله ههنا، تاركين الجانب التقني، للمشتغلين بالنقد الروائي. تستهل الرواية، بالراوي، الذي هو بصدد تعليل مسألة الرحيل، رحيله إلى الغرب. وبالتحديد، رحيله من الجنوب العربي، إلى الشمال الغربي. وهكذا وقف بمدينة طنجة المطلة على الحدود الإسبانية المتاخمة لها، ومنها انتقل إلى مدينة (طري مولينوس) الإسبانية، الواقعة على الساحل الشهير (كوستا دِلْ صول)، الذي يعد، من بين أكثر السواحل الشمسية، استقطابا للسياح الأوربيين الأثرياء. وفي هذا المناخ السردي، تظهر عبر ضمير الغائب، شخصية ثانية نعتبرها، ازوادجية لأنا، الراوي. جاءت كصورة ناطقة وشاهدة، لتجربة سابقة، لهذا النوع من التجوال، في بلدان الغرب. وبطريقة غير مباشرة، مؤيدة ومشجعة للرحلة، التي يزعم البطل الراوي، القيام بها. ثم يعرض علينا، صورا سلبية لمدينة الدار البيضاء، التي خرج هاربا منها. فيقول عن المدينة، بأنها ملك للأجانب البيض، الذين يعيشون في ثراء، وأبهة، وفساد مالي، على حساب بقية طبقة الشعب المهمشة، خصوصا، تلك التي لا تنطق باللغة الفرنسية، لغة سادة البلاد. ثم تأتي مدينة طَنْجَة، في سياق الرحلة، كآخر محطة قبل العبور لإسبانيا. وهذه المدينة، تمثل لديه، الفرق الحدودي الواضح بين عالمين: عالم منبوذ لأنه عربي، وعالم مرغوب فيه لأنه أجنبي غربي. وفي هذا السياق الحلمي، يذكر تلك السنوات الأربع التي قضاها من قبل، في الغرب كأحد الأباطرة، منعما بحسن المأكل والمشرب، والثياب الفاخرة، ونكاح أجمل النساء. ثم يتطور السرد الروائي، ليحملنا إلى مشاهد لقاء، على ضفاف المصطاف، بين الراوي محمد، و(آلان)، و(جورج) القادمين من فرنسا، في اتجاه الجنوب، لاقتناء العُشْبَة المخدرة (الحشيشة). وفي هذه الأجواء السردية، تدخل (روز) الدانماركية، في صورة المرأة الجنس. المرأة الأوربية، المتحررة من كل القيود الأخلاقية، المرأة التي تهب جسدها مجانا، للمتعة الجنسية، والتي ترمز لدى الكاتب، حسب ما ورد في نصه الروائي:" تعرف كيف تمنح العالم، الحنان والحب." وفي رحلته الذاتية الداخلية، يرجع محمد بذاكرته إلى الوراء، حيث فتح عينيه، ونشأ في أسرة فقيرة بئيسة. ثم يعود الحديث من جديد، لعشيقته، (سوز) في أجواء (هِبِّيّة) من الإنسياح، وتعاطي بلا حدود، للحشيش، والخمور، والجنس. ويختم الراوي رواته، أو سيرته الصعلوكية، متسائلا عن هويته قائلا:" أنا .. ! من أي جنس أنا؟".
فعبر هذه السيرة الصّعلوكية، يكون محمد زفزاف هو المؤسس، والرابط بالفعل، لهذا الجنس الروائي الحديث، بآفاقه التراثية الماضية. فكل العوامل والشروط، لهذا الجنس الأدبي، متوفرة في نصه الروائي. ونحن لا نزعم، بأننا المبتكرين لهذا الجنس، وإنما إذا ما نحن ربطناه بالتراث المقامي العربي الممهد له، تبين لنا بأن العلاقة تظل وطيدة بين هذا وذاك، ولئن كان الفارق الأساسي بينهما، يكمن في العامل الأخلاقي، الذي لم تخترق المقامة حدوده. على العموم، فإن البطل في هذه الرواية، التي تكاد تكون قصة طويلة، هو إنسان حاقد ومتمرد على مجتمعه، كما على الظروف، التي جعلت منه، إنسانا هامشيا. ثم إنه ليعلن تمرده، سيمشي ضد التيار الأخلاقي، والقيمي الذي تسير عليه أمته. فكل ما هو محرم، أو مسكوت عنه، سيصبح مباحا، في نظر الكاتب. فهو يخترق الحدود، يتجاوزها، ويسخر من أولئك، الذين ما زالوا مقيدين بها، أو العاملين على حراستها. ثم إنه يسعى إلى المقارنة والمقابلة بين عالمين: عالمه العربي الذي ينتمي إليه، والذي لا يعترف به كإنسان، ولا يقيم له أي شأن، والعالم الغربي البديل في مخياله، الذي يمنحه الحرية، والحب، والحنان بدون ثمن. ويتلخص في المرأة (سوز)، التي ترمز في هذه السيرة الإباحية، إلى عالم الحب، والتحرر من القيود. و محمد الزفزاف، بالرغم من جرأة صراحته، فإنه ظل نوعا ما، لبقا في عدم الدفع بتمرده اللغوي، إلى حد الوقاحة والخلاعة. ويعد من حيث تجربته القصصية، والروائية من رواد الأدباء المغاربة، الذين نقلوا لنا، صورا حية، وواقعية، عن المجتمع المغربي، منظورا إليه هذه المرة، بعيون المنبوذين والمهمشين، والفقراء، والصعاليك، والسكارى، والغشاشين، والمحتالين، من الطبقة الضالة، والمغضوب عليها اجتماعيا
(الخبز الحافي) لمحمد شكري (1935-2003)
أما (الخبز الحافي)، فإنها رواية صعلوكية بامتياز. ونمط السرد السيرذاتي فيها، يعتمد على ذاكرة، مملوء خزانها، بصور مختلفة ومتداخلة، لشريط الكاتب الحياتي،أيام كان المغرب تحت الحماية الفرنسية-الإسبانية. ولقد كانت قصة نشر هذه الرواية الصعلوكية، وهي، بكل ما تحمل الكلمة من معنى، حادثة عرضية، غير متوقعة. فالرواية أصلا، ليس لها ذاك الثقل الروائي، المتواجد لدى الروائيين الكبار. وليست حتى برواية أصلا، حتى يخوض الباحثين في تركيباتها، وحبكاتها العجيبة. إنما هي باختصار، شهادة إباحية لصعلوك متمرد، عن نشـأته، وعن مصيره، في مجتمع طبقي، حكم عليه، كما على من هم أمثاله، بالجهل والفقر والعيش في المستنقعات. فالكاتب مثلا، قبل التفكير في نشر هذه السيرة الصعلوكية، والتي لم يكن قد فكر في كتابتها، كان يعاشر بعض الكتاب الأجانب، القادمين إلى المغرب، بحثا عن الشذوذ الجنسي، ولو كان ذلك خلف أقنعة أدبية، أو فنية. نذكر منهم (تينسي وليام)، و(جان جنيه) الفرنسي، و(بول باولز) الأمريكي، وبالتحديد، الناشر الإنجليزي (بيتر بين) صاحب (بول باولز). لقد كان هذا الناشر، قد قدم للمغرب، بحثا عن الأدبيات الشاذة. وهو بالمناسبة، الذي نشر لكل من: العربي العياشي (حياة مليئة بالثقوب)، و(الحب بخفته من الشعر)، لمحمد المرابط، التي كان (بول باولز)، قد قام إلى نقلها إلى الإنجليزية، بعد سماع روايتها شفهيا، من الكاتبين المعنيين. وفي هذا السياق، سياق البحث عن الشاذ، التقى الناشر (بيتر بين) بشكري، وعرض عليه، نشر أحد نصوصه، شريطة أن يكون، من الأدبيات الصّعلوكية الشاذة. وكذلك كان، أن التجأ محمد شكري، إلى مرشده الصّعلوكي، بالتبني في هذا المستنقع الأدبي، (بول باولز)، الذي نقل له سيرته الصعلوكية في السبعينات، وذلك قبل ظهورها بالعربية، لسبب بسيط، وهو أن النص العربي، لا يوجد، ولم يتواجد قط. ومن المفارقة العجيبة، بخصوص هذا المتن السيرذاتي، فإن المؤلف نفسه، لم يحرره كتابيا قط. وهكذا قام الكاتب محمد برادة، بنقله إلى العربية، من بعد ما ظهرت ترجمته إلى الفرنسية، التي أشهرته، على يد الكاتب، الطاهر بن جلون. والسر من ترجمة هذا النص إلى العربية، على يد كاتب عربي آخر، يكمن في عدم تمكن محمد شكري، من اللغات الأجنية، حتى يعيد كتابة النص بنفسه من الإنجليزية أو الفرنسية، إلى العربية. و إلا لكان قد أخرج نصه العربي، أو بالأحرى أعاد كتابته. لكن كيف سيعيد صياغته، على أصل إنجليزي، أو فرنسي، قد لا يكون وفيا، لنقل ما ورد فيه. وملخص هذه الرواية، التي لا تغدو عن كونها قصة طويلة، نجمله في صور متفرقة، ومتداعية من هنا، وهنالك لذاكرة الكاتب. فرواية (الخبز الحافي)، تروي عن طفولة الراوي، الشقية والمعذبة. عن سلطة الأب العنيفة. هذا الأب، الذي تجمعت فيه كل أوصاف الرذيلة، من حيث أنه، كان شرّيرا، سكّيرا، قمّارا، ومعذبا لزوجته، وقاتلا لأخ الكاتب. ثم يحدثنا عن رحيل العائلة، إلى مدينة طنجة. ثم رحيلها منها، في اتجاه مدينة تطوان، فوهران. ثم عودته لطنجة من جديد. ثم اشتغاله كبائع للسجائر المهربة. ثم تعلمه القراءة، للدخول إلى المدينة الفاضلة للمتعلمين. ثم يعرض لطابور من النساء العواهر. ثم بعض الصور، للشذوذ الجنسي، مع رجال أجانب، ولأدباء مشاهير مروا من هنا، وكل هذا، في المناخ الإباحي، لمدينة طَنْجَة الليلي. لأن النهار، كان متروكا لأصحاب العمل، أما الليل فهو لأصحاب السهر، من المدمنين، المتعاطين، للخمور والحشيشة، والذعارة بشتى ألوانها. فالخبز الحافي، قد كتب لها النجاح، في الخارج مبدئيا، لأن مروجيها، كانوا يعلمون مدى المراهنة التجارية، على إخراج شبه كتاب، من هذه الدرجة الصعلوكية، ومن هذا النوع الصعلوكي المستحب. بل واختراع شبه كاتب، يكون حصانا طرواديا، لتمرير هذا الجنس الأدبي الصّعلوكي المحرم، إلى مجتمع عربي إسلامي محافظ في أدبياته. وحين كتب له النجاح، كحامل لراية الرواية الصّعلوكية، لم يجد، ما يمكن أن يخسره، سوى المضي قدما بمشروعه، عبر قصصه ورواياته اللاحقة: كمجنون الورد، والشطار والوجوه. والذي جر على محمد شكري، لعنة منع روايته، وحظرها في كل من م ة، وأسلوبها الخلاعي، لبطل صعلوك وشاذ. فإذا كان الأدب الصعلوكي في بدايته التاريخية مع الصعاليك، أدب احتيال وسرقات، مع احتفاظه بمقوماته الأخلاقية، وفي عصر النهضة مع عرب الأندلس، أدب تمرد واحتجاج، فأنه سيصبح مع شكري، بالإضافة لهذا وذاك، أدب وقاحة، واستهتار، ومجون، وخلاعة ولواطة، وسحاق، واغتصاب الغلمان. وسيصبح بيانه الصّعلوكي،[على غرار البطل، راسكولينكوف، في الجريمة والعقاب، لدستوفيسكي] على لسان الكاتب نفسه:" إن السرقة مشروعة في عالم االصّعاليك". ونضيف من جهتنا مصححين، بل في أجواء صعلوكية كهذه، فإن كل المحرمات، والمعاصي، تصبح مباحات مشروعة.
الرواية الصّعلوكية بين زفزاف وشكري
لقد طورا، كل من محمد زفزاف، ومحمد شكري، فن القصة القصيرة، كما الرواية المغربية، انطلاقا من الستينات. فالزفزاف مثلا، من (حوار في ليل متأخر)، إلى (الأفعى والبحر)، مرورا ب(المرأة والوردة)، إلى (الثعلب الذي يظهر ويختفي)، كان يعمل فعلا، على تأسيس التجربة الروائية الصّعلوكية، انطلاقا من التجربة المعاشية، لواقع المدن المغربية، كمدينة الدار البيضاء، نموذجا.
ولقد جاءت تجربة الزفزاف الروائية، كما قصصه، التي تتمحور حول الأنا الساردة، شهادة تمرد، وإغراق الذات في المشروبات الكحولية، وتجوال بدون هدف، واحتجاج، وإدانة، وفضح للفوارق الطبقية، وبؤس مدن الصفيح، والطبقة الشعبية المهمشة، في مقابل أصحاب الثراء.
ولقد جمع محمد زفزاف، في قاموسه اللغوي الروائي، كل ما هو عامي، وشعبي، وصعلوكي. وكانت هذه التجربة الأدبية، تدور داخل إطار الأدبيات الرسمية آنذاك. ولو أن صاحبها، ظل نوعا ما، ككاتب مُهَمّش طوال حياته. وهذا بالرغم من ممارسته، لمهنة التدريس من جهة، وتعامله مع الأدب العربي، والعالمي، من جهة أخرى. وهو في كل هذا، وبجرأته الأدبية الصّعلوكية، والخارجة عن المألوف الأدبي العربي، لم يخترق حرمة الخط الأحمر. لقد ظل محترسا، نوعا ما، علما بأن أدبياته الصّعلوكية، كانت كثيرا ما تثير حرجا كبيرا، في تعريتها لكثير، من مشاهد طقوس الحشيش، والخمريات، والقَحْبانِيات.
أما شكري فإنه في مقابل محمد زفزاف لم يكن ليحظ بهذا الثراء الثقافي الزفزافي. ولم تكن له، تلك السلطة الثقافية، التي كان يتمتع بها نده. ولئن كان كليهما، يشترك في تقاسم، مجالس الحانة والقصص الحمراء.
فشكري، سيأتي متأخرا، من حيث الثورة الكتابية. وهو الآخر، كان قد نشر هنا وهناك، في بعض المجلات والصحف العربية، إلا أن كتابته الصّعلوكية المحتشمة، والحذرة آنذاك، لم تكن لتثير إليه الانتباه. وهو سيدخل إلى معترك الساحة، كرائد ومؤسس لهذا الوجه الإباحي، والمتعالي على أخلاقيات المجتمع، بتمرده هو الآخر، ولكن بشكل متطرف.
فشكري والخبز الحافي، بداية لسلسلة حلقات سيرذاتيّة صعلوكيّة، ذات أوجه متعددة، ومضمون واحد. وهو بهذه المناسبة، من (الخبز الحافي)، إلى (الخيمة)، ف(الوجوه)، مرورا (بمجنون الورد)، و(الشطار)، لم يضف من عبقرية صعلوكية، سوى تكرار البطل الصّعلوكي نفسه، الذي يمكننا اختزاله، وتلخيصه في (الخبز الحافي). وقاموسه اللغوي الصّعلوكي، بإمكاننا حصره في الألفاظ التالية: الإغتراب، السرقة، الاحتيال، إدمان الحشيش والخمور، بالإضافة إلى القَحْبانِيات، والسخرية، و السّحاق، واللّواطة، والقيم المبتذلة.
التجربة الصّعلوكية
لقد سقنا هذه الدراسة التحليلية، وليس في نيتنا، أن نحكم على هذا أو ذاك. لقد عرضنا، لربّما بشكل فاضح، ما يشكل ويؤسس هذا الجنس، من الأدبيات الصّعلوكية الإباحية. وسقنا بعض الشواهد التاريخية، لنربط حاضر هذا الجنس الروائي، بماضيه. ثم إننا من جهتنا، لا نرى من ضرورة، لمنع أو تحريم هذا الجنس الكتابي. بل نرى بالأحرى، دراسته والوقوف على سلبياته، كما إيجابياته، لتوظيفها في خانتها التي تليق بها. ثم العمل من بعدئذ، على معالجة تلك الظواهر الاجتماعية، التي تعمل كالسرطان، في الطبقات الدنيا من مجتمعنا. فإذا كان محمد زفزاف، قد عانى من البؤس والفقر، لغاية أنه راح يجترهما في تجربته، طوال حياته. وإذا كان في الوقت نفسه، قد شخص لنا بعض الأمراض، التي تنهش كالسوس، في شجرة مجتمعنا. فلأنه كان يسعى من خلف كتاباته، أن يوصل لنا رسالته، التي عبر عنها بأسلوبه، وطريقته الكتابية، الخاصة به.
ومحمد شكري من ناحيته، كان هو الآخر، ضحية لهذا الداء الذي تحدثنا عنه. فلا غرابة إذن، أن يكون هو بالذات، الذي قد تعرض للاغتصاب، والاعتداء، قد أراد هو الآخر، أن يبلغنا رسالته، ولكن بشكل قاس، ومبتذل، لأنه لم يكن بإمكانه، أن يستبدل طبيعته، وعما نشأت وتربت عليه، بطبيعة أخرى.
وملخص القول، من هذه الدراسة، أننا لم نلعب قط، دور المرشد أو الواعظ. بل إننا نرى، أنه لنا في هذه الأدبيات الصّعلوكية، عبرة، ولنا فيها مادة اجتماعية، قد يستفيد منها الأديب، كما قد يستفيد منها، الدّارس الإجتماعي. بل وكل مصلح اجتماعي، سواء على مستوى الأحياء الشعبية، بمحاربة الأمية، والفساد الجنسي. أو على مستوى جمعيات وخيرات محلية، لمحاربة إدمان المخدرات، والسرقات، والدعارة، وباقي العاهات، والأمراض الاجتماعية المزمنة.

ايوب صابر 05-10-2012 12:47 PM

محمد زفزاف
وكيبيديا

(1942، سوق الأربعاء الغرب، المغرب - 13 يوليو سنة 2001، الدار البيظاء) قاص وروائي يعد من أشهر القاصين المغاربة على الصعيد العربي. امتهن التدريس بالتعليم الثانوي بالدار البيضاء.
وقد كرم زفزاف بعمل جائزة أدبية باسمه تمنح كل ثلاث سنوات خلال مهرجان أصيلة الثقافي الدولي بالمغرب (فاز بها السوداني الطيب صالح، 2002 م، والليبي إبراهيم الكوني 2005 م).
بعض أعماله
  • حوار في ليل متأخر: قصص، وزارة الثقافة، دمشق 1970.
  • المرأة والوردة: رواية، الدار المتحدة للنشر، بيروت، 1972.
  • أرصفة وجدران: رواية، منشورات وزارة الإعلام العراقية، بغداد، 1974،
  • بيوت واطئة: قصص، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، 1977.
  • قبور في الماء: رواية: الدار العربية للكتاب، تونس، 1978.
  • الأقوى: قصص، اتحاد كتاب العرب، دمشق، 1978.
  • الأفعى والبحر: رواية، المطابع السريعة، الدار البيضاء، 1979.
  • الشجرة المقدسة: قصص، دار الآداب، بيروت، 1980.
  • غجر في الغابة: قصص، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1982.
  • بيضة الديك: رواية، منشورات الجامعة، الدار البيضاء، 1984.
  • محاولة عيش: رواية، الدار العربية للكتاب، تونس، 1985.
  • ملك الجن: قصص، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1988.
  • ملاك أبيض: قصص، مطبوعات فصول، القاهرة، 1988.
  • الثعلب الذي يظهر ويختفي، رواية، منشورات أوراق، الدار البيضاء، 1989.
  • العربة، منشورات عكاظ، الرباط، 1993.
  • الأعمال الكاملة: المجموعات القصصية في جزئين (376 ص و352 ص)
  • الأعمال الكاملة: الروايات في جزئين (375 ص و365 ص)

ايوب صابر 05-10-2012 12:54 PM

"محاولة عيش"محمد زفزاف

ولد الشاعر والقاص والروائي المغربي الكبير محمد زفزاف عام 1942م في مدينة الغرب في المغرب. كاتب له خصوصيته التي ميّزت أعماله، نشر أولى محاولاته الشعرية في الستينيات. من أبرز أعماله الروائية: "المرأة والوردة" و"بيضة الديك" و"الثعلب الذي يظهر ويختفي". ونشر عدة مجموعات قصصية من أبرزها "حوار ليل متأخر" و"بائعة الورد". كتب عن المجتمع المغربي وانتقده في أغلب أعماله التي تكاد تكون سيرا ذاتية مموهة، ترجم جل أعماله إلى عدة لغات عالمية، امتازت كتاباته بحوار ممتع مكثف ولغة سهلة وراقية. لأعماله قيمة معرفية وفكرية واجتماعية لا حدود لها، ترك مهنة التدريس وتفرغ للكتابة، عاش فقيراً ومات فقيراً مريضاً عام 2001م.
يتحدث في روايته "محاولة عيش" عن معاناة الطبقة المسحوقة في المغرب، أولئك الذين يسكنون في "البراريك" أو بيوت الصفيح قرب الميناء، منطقة تعج بالغربيين الذين أفسدوا أهلها، والفقر أفسد أهلها كذلك، منطقة بغاء وحشيش وخمور.
يسرد زفزاف في "محاولة عيش" قصة حميد الذي أجبر بسنواته الست عشرة وبسبب فقره وكسل والده وتسلط أمه على العمل بائعا للصحف. يسرد معاناته اليومية بدءا من الشتائم التي يتلقاها من صاحب شركة التوزيع، مروراً بشتائم حراس الميناء، حراس السفن الغربية الراسية على الشاطئ، والتي يحاول الصعود إليها لبيع الصحف للأجانب طمعاً في عملة صعبة أو علبة سجائر مستوردة. ولا تنتهي الشتائم والشكوك والظنون السيئة، بل تحاصره في كل مكان، يجد الملاذ أحياناً عند اليهودية صاحبة المطعم الفخم الذي تسمح له بأكل بقايا الطعام.
يتحدث عن طقوس أكل كيلو جرام واحد من اللحم في تلك الأحياء القذرة الفقيرة، طقوس تبدأ من تكرار كلمة "لحم" لإغاظة الجيران، ثم شيء يشبه الاحتفال في تلك "البراريك" ثم إهداء قطعة صغيرة من اللحم لإحدى الجارات تعبيراً عن الحب، ليعرف الجميع أن لحماً أكل هنا.
حميد قاوم الفقر والحياة بالعمل، حاول ألا يسكر، حاول ألا ينجر خلف بغي، لكن في النهاية كان ضغط الفقر والمجتمع وتأثير المنطقة أكبر من كل محاولاته التي فشلت وأصبح كأي منهم، بلا ميزة إلا أنه يعمل بجد أكثر مما حرض والدته على تزويجه. تزويجه لأنه يكسب دراهم معدودات يومياً وأصبح يملك "بركة" في الفناء وصار رجلاً بعد بلوغه الثامنة عشرة، ليتزوج وفق المراسم الشعبية المعتادة، ليتحول الاحتفال في النهاية إلى معركة بعد أن يكتشف حميد أن زوجته العرجاء لم تكن عذراء. "محاولة عيش" هي تجسيد محاولة لعيش .. محاولة تريد أن تنجح مهما كانت الظروف المحيطة وضغوط الحياة.
الرواية تقع في 111 صفحة، الطبعة الأولى عام 2004م من إصدار منشورات الجمل في ألمانيا.

ايوب صابر 05-10-2012 02:46 PM

محمد زفزاف: مبدع رحل مبكرا

حمد نزال
شكلت أعمال الراحل الكبير محمد زفزاف (1942-2001) لقصة عربية / مغربية من نوعمختلف وأدب سار ضد كل تحاليل وتصنيفات الأكاديميين. أدب مبتكر، حداثي، جميل، وغارقفي تفاصيل الهم اليومي للإنسان العادي البسيط. نصوص زفزاف العالقة في الأذهان لاتنسى، فيها يصور المواطن العادي مهلل الملابس يمشي خائفا متلفتا وراءه وهو يعبرالشاعر ويتقيأ يوميا متقززا من كل شئ.

سطر محمد زفزاف عشرات الروايات وعشراتالقصص. وكان استاذا في مدرسة إعدادية قبل أن "يترقى" ليصبح أمين مكتبة التلاميذ. ولما كان طلبة اللغة يودون إنجاز رسائلهم الجامعية، لم يجدوا أدبا أحلى من ذاك الذيخطه محمد زفزاف.

حضر زفزاف من مدينة القنيطرة واستقر بالدار البيضاء ومنهاكان يبعث قصصه ومقالاته و ترجماته من عيون الأدب. عاش "بوهيميا" لا يعرف غيرالكتابة بين شقته ومقاهيه المفضلة مثل مقهى ماجستيك بحي المعاريف بالدار البيضاء.

إنه الفوضوي المنظم، كان بنظر الكثير من النقاد العرب، أحد أكبر كتابالمغرب. وظل طيلة حياته لا تستسيغه مدينة الإسمنت ولا يستسيغها. كان دائما يمثلالوجه الاخر. الصورة المتناقضة مع "ثقافة المدينة" وبريقها الخادع وأصحاب البدلاتالشيك والجهل الثقافي المطبق. كيف لا يراهم جهلة وهم من هدموا مسرح المدينة الوحيدفي الثمانينات؟

مثله مثل المبدع المغربي الراحل محمد شكري، كانا معا يجوبانالحانات يبحثان عن إجابة للمسائل الكبيرة.

يقول الكاتب العراقي فيصل عبدالحسن: "كنت أعرف ان المبدع محمد زفزاف كريم اليد ويجود بما يملكه، كان بيته ممتلأدوما بالأدباء الشباب الذين يأكلون معه في صحن واحد ويدخنون من علبة سجائره ويشربونمعه بذات القدح.. لكنه، بسبب افتقاره الي مورد مال ثابت كان لا يستطيع في بعضالأحيان حتي شراء الجريدة."

زفزاف، الذي لم يحظى بأية جائزة أدبية وطنية فيبلاده. يعكس حالة معروفة تماما في الأدب العربي بشكل عام. فالثقافة واجهة للسياسةوساحة لها أيضا. وليس ثمة رابط حقيقي بين الإبداع والشهرة.

يفسر الشاعرالعراقي الكبير سعدي يوسف قلة الإهتمام بزفزاف ويرجعها إلى سببين: الأول أن أعمالزفزاف العفوية الصادقة تحترم جمهورها وتعنى بقضاياه ولا تقدمها كما يشتهي الآخر،والثاني: أن زفزاف لم يكتب بلغة أجنبية.
من بين كتّاب القصة المغاربة، ظل محمد زفزاف الأكثر نصَباَ ازاء الفن، يحزم أمره، ويأخذ نفسه بالشدة.

ومن بين كتاب القصة المغاربة، ظل محمد زفزاف الأكثر وفاء لمسحوقي شعبه، حريصا الحرص كله على ان يظل هذا الوفاء متألقاً واضحاً عبر الفن، لا عبر البيان الصحافي او السياسي.

يقول سعدي يوسف في رثاء زفزاف: تشبّثه بالحرية، حرية الفنان والمواطن، أورده شظف العيش، بل المقاطعة والعزلة أحيانا. وبينما كانت النُّهزة سبيلاً الى الرفاهة كانت الشدة لدى محمد سبيله الى قامة الفنان الفارعة.

لقد كان الأدب المغربي بحاجة الي مسيح، يعذبه الفقر والمرض، ويموت بدلا عن جميع الكتاب والأدباء المغاربة، ويتحمل بموته عذاباتهم وغربتهم وقلة حيلتهم ازاء واقع متغير لا يرحم أحدا.

لقد خسر الأدب العربي محمد زفزاف مبكرا وربما ربح العرب والمغاربة "اسطورة أدبية"، كما فعل العراقيون حين ربحوا بموت السياب المفجع نموذجهم الأدبي الخاص بهم.

ايوب صابر 05-10-2012 02:48 PM

الروائي المغربي محمد زفزاف ـ ثعلب النوم والنبيذ والموت

حمزة الحسن
المصدر الحوار المتمدن. 2003 / 7 / 27

( محمد زفزاف صريح إلى درجة الإحراج،
صادق إلى درجة الفضح،
وأنه رجل المبدأ إلى درجة التهور).
* الكاتب المغربي أحمد زيادي*

قد يكون الروائي محمد زفزاف من بين روائيين عرب قلائل من الذين استطاعوا أن يخفوا بمهارة وحرفية عالية صوت الراوي أو الحاكي ويدمجه في ثنايا النص كلغز حتى يصعب التفريق ـ ولا يستحيل ـ بين صوت السارد من صوت المؤلف في عفوية مدهشة مصنوعة بحس عفوي يحاول إعادة بناء كل شيء ببراءة نصية تقترب لتلقائيتها من الجمال غير المدرك لنفسه، مثل جمال البراري والنجوم والينابيع الصافية العذبة.
ومع أن هذا الروائي الذي يظهر ويختفي( عنوان رواية رائعة لمحمد زفزاف هو: الثعلب الذي يظهر ويختفي) لم يكتب نصا صريحا تحت عنوان سيرة ذاتية أو سيرة روائية ذاتية، غير أن جميع رواياته هي نصوص سيروية رغم أن عقد القراءة الأولي بينه وبين القراء يشير دائما على الغلاف باسم رواية وليس سيرة روائية ذاتية، وهذه اللعبة الروائية شائعة على يد كبار كتاب الرواية في العالم.
فمن المرأة والوردة إلى الحي الخلفي إلى بيضة الديك ومحاولة عيش وحتى قبور في الماء أو الأفعى والبحر أو الثعلب الذي يظهر ويختفي، هناك دائما، تحت طبقات الخطاب الروائي المخفي بعناية، أو النص الصريح، جزء من سيرة هذا الروائي المبدع.
وقد تكون روايته( الثعلب الذي يظهر ويختفي) تلخيصا مركزا للخطاب الروائي الزفزافي وهو خطاب يحاول فيه الكاتب تجنب فخاخ الكلام السياسي الفخم الذي يثقل النص، والاعتماد على السرد الحكائي القصصي المشذب والبعيد عن كلام الآيديولوجيا التي دمغت نصوص الأدب الروائي العربي لفترة طويلة.
لا يمكن طبعا عزل أعمال محمد زفزاف عن تاريخ الرواية المغربية وهي رواية نشأت بين حضنين ترك كل واحد منهما فيها أثرا خاصا: الحضن العربي، والحضن الحداثي الغربي، وتحديدا الفرنسي، والروائي محمد شكري هو أول أمطار الرواية المغربية الحداثية التي تأثرت بالغيم القادم عبر البحر، مع الطاهر بن جلون.
إن صفات الوصف السردي غير المنتظم وتكسير الأزمنة والشخصيات الضبابية غير المحددة المعالم( في عالم ضبابي يضيع فيه الفرد) والكشف الجريء عن المخبوء والمسكوت عنه والتعرية والفضح، والرواية التشردية، والبحث عن معنى، والتمرد، وتفكيك البنية الاجتماعية، والرفض أو العصيان على التقاليد الادبية والاجتماعية، والتركيز على اللغة كمكون روائي عضوي، والبوح، والصدمة، والفرادة، والعلنية، والجسد، واللعب المدروس خلال الحكي، وهو شرط جوهري في الرواية الجديدة، كل ذلك شكل أبرز ملامح هذه الرواية رغم أنه جاء في نصوص كثيرة من خارجها أو ملصوقا عليها وهذه طبيعة أي تقليد لحداثة مجلوبة لا تنبع من شروطها التاريخية والنفسية كالحداثة الروائية في أمريكا اللاتينية، علي يد غابريل ماركيز مثلا، وأنخيغل اوستاريس مؤلف رواية( السيد الرئيس) أو ماريو فارغاس يوسو مؤلف رواية (حفلة التيس) وكلهم حصلوا على جائزة نوبل وتركوا أثرا في الحداثة الروائية العالمية بما في ذلك الاوروبية دون الوقوع تحت سطوة الرواية الغربية.
والرواية المغربية تبحث عن حداثتها هي الأخرى، وهذه الحداثة موضع جدل مثمر وطويل. وحسب كتاب مغاربة، كتبوا عن الحداثة الروائية بصورة عامة والحداثة المغربية خاصة، تختلف الإجابة من كاتب لآخر، وهذه إجابات بعضهم عن سؤال الحداثة في الرواية كما جاءت في كتاب ( سؤال الحداثة) لعبد الرحيم العلام:
ـ بول بوز( روائي أمريكي عاش ومات في طنجة) أول من أدخل الحداثة في الرواية المغربية ـ شهادة ليلى أبو زيد.
ـ حداثة الرواية ملتصقة بالنسغ الجواني الذي يتيح للذات( في جميع تجلياتها) أن تجابه" الآخر" المتعدد الوجوه ـ شهادة الروائي والناقد محمد برادة.
ـ الحداثة في الرواية تفترض تحررا في التفكير والتخييل واللغة، وفي أساليب التعبير وأشكالها ـ شهادة أحمد بو حسن.

ـ نستطيع أن نقول إن الرواية المغربية بدأت تدخل موجة الحداثة وتعثر على أشكالها الأصلية والمتميزة والمنفصلة، بشكل حيوي، عن الرواية المشرقية وعن الرواية الغربية ـ شهادة الروائي إدريس بلمليح.
ـ منطق الحداثة، يقتضي أن يكون الكاتب مخالفا للآخرين صادما لهم إن اقتضى الحال، ومتميزا عنهم ـ ياسين بهوش.
ـ لا يمكن للحداثة أن تصبح سوى مهاترة وادعاء فارغين من المعنى إذا ظل الروائي يضيف الكم إلى تجربته من عمل لآخر، ولا يضيف التحولات النوعية من عمل لآخر ـ الروائي عز الدين التازي.
ـ الأدب المغربي لم يكتب بعد روايته الكلاسيكية لكي يستسلم لترف الإغراق في التجريب ـ عبد الكريم جويطي.
ـ الحداثة ليست ما يقوم وينحصر في الزمن المعاصر وحده، بل هي أيضا محاصيل التألقات والاشرقات الإبداعية العابرة للأزمنة والأمكنة ـ الروائي سالم بن حميش.
ـ الحداثة تعني تجديد الهوية لا تغييرها بالكامل ـ حميد الحميداني.
ـ الرواية المغربية، كغيرها، تتوهم الحداثة، إنها رواية بدون حداثة ـ محمد الدغمومي.
ـ في مناخ تنتفي فيه شروط الرؤية والحداثة معا، يظل أي حديث ـ إطلاقي ـ عن هاتين الاثنتين( الرؤية والحداثة) أقرب إلى العبث ـ الحبيب الدائم ربي.
ـ كيف نتحدث عن الحداثة في الرواية المغربية وهي في طور النشأة؟. ـ الروائي محمد زفزاف.
ـ الحداثة في الرواية المغربية مشروع مؤجل، لكن بوادره منبثة في الكثير من النصوص ـ الروائي إدريس الصغير.
ـ يمكن الإقرار بشيء اسمه الحداثة في روايتنا" المغربية" إذا كان المقصود بالحداثة هاجس التجديد والتطور ـ الروائي محمد صوف.
ـ الحداثة ليست شكلا يراود عن نفسه، وإنما هي أفق لخلخلة الوعي القائم واقتراح رؤية متسائلة ـ بشير القمري.
ـ كل رواية تؤسس حداثتها الخاصة التي هي نقيض كل تقليد أو محاكاة وضد استلهام أي نموذج أو مثال سابق ـ عبد الكريم امجاهد.
ـ كلما تحققت" السردية" كلما وجدنا أنفسنا أمام رواية حداثية ـ الناقد سعيد يقطين.
ـ أهم ملمح حداثي في الرواية المغربية هو نزوعها إلى التجريب. الكتابة السردية. فقد تم تكسير الأنماط السردية التقليدية القائمة على البطل العارف بكل شيء واللغة المرصوصة التي توزع على مختلف الشخوص بشكل قسري. أصوات متعددة. الانفتاح على فضاءات جديدة كالبادية مثلا ـ شهادة الكاتب أحمد بو حسن.

وهذه القراءات المتعددة والمختلفة والمتناقضة تعكس مناخ القلق الإبداعي في فضاء الرواية المغربية وهي ظاهرة صحية لا مثيل لها مع الأسف في المناخ العراقي، في الخارج على الأقل حسب مناخ الحرية المفترض، فهذا التنوع والاختلاف هو الذي يخلق ويؤسس تقاليده الثقافية التي لا يدخل فيها العامل "السياسي" كعنصر تحيز، سلبا أم إيجابا، كما هو الأمر في وضعية النقد العراقي الذي لا يخضع لشروط الثقافة والسؤال الإبداعي، بل هو رهين وأسير السياسة بصورتها الفجة.
وهنا تحضرني حادثة واقعية سوداء وكثيفة تعكس غياب كل أخلاقيات النقد عند بعض المشتغلين في النقد الروائي العراقي حين اتصل رئيس تحرير صحيفة عراقية في لندن بناقد عراقي في هولندة يطلب منه كتابة مقالة عن الشاعر والروائي سليم بركات عبر الهاتف، فكان رد الناقد كالتالي:
ـ كيف تريد المقال؟ سلبي أم إيجابي؟!
هذا السلوك يهدم كل بناء نقدي قائم على معايير أخلاقية علمية نقدية تشتغل على النصوص وحدها دون أي شيء آخر. لكن، وقطعا، لا يمكن عزل هذه الحادثة عن المناخ العام الذي ينهار فيه كل شيء علنا في وضح النهار، لكن أحدا لا يشم رائحة التفسخ.

في الطريق إلى شقة الروائي المغربي محمد صوف قبل ثلاث سنوات في الدار البيضاء، وفي صيف بحري حار، لكنه يختلف عن صيف بغداد المهلك، فوجئت وأنا أصعد الدرج الحلزوني المظلم والملتوي أن أناسا يصعدون ويهبطون في العتمة الباردة، كانوا ينبثقون من الظلام، أو ينبعون من الجدران، كشخوص ناتالي ساروت، ويختفون في النهار المفتوح اسفل السلم، ويضيعون في دروب الدارالبيضاء، مدينة الأشجان البيضاء بتعبير الشاعر عبد اللطيف اللعبي.
خطر إلي وأنا اصعد أن هذا السلم لا نهاية له وأني إذ واصلت الصعود فسأصل إلى إحدى السماوات أو أدخل بارا أو مركزا للشرطة أو وكرا للصوص، ثم فجأة بزغ في الذهن خيال، أو شبح، محمد زفزاف، بلحيته الصغيرة، وهو ينزل السلم بأسماله المرتبة، وشكله الديستوفسيكي بالخدود الغائرة التي تشبه صخورا رمادية ناتئة من قلب عشب بري متوهج.
لا يمكن عزل زفزاف الروائي والإنسان عن هذه المدينة، ولا يمكن قراءة أدبه خارجها، فهذه المدينة بكل ما فيها من بشر وأمكنة وروائح وتيه وضياع وأمل وخوف وجمال هي صورته السرية، هي متاهته الشخصية مثل أية متاهة أخرى، كمتاهات بورخيس، أو متاهات امبرتو ايكو، أو بصرياثا محمد خضير، فكل كاتب يصنع متاهته الخاصة بنفسه.
إنها مدينة، نص، ينتفح، وينغلق، على الروائي، وهذا التقلب هو سر الحنين الدائم في الهرب منها والعودة إليها من هذا القنيطري ( نسبة إلى بلدة القنيطرة المغربية التي ولد فيها زفزاف) ثم دخل في غرام البيضاء حتى يوم حفل التكريم الذي قال عنه ضاحكا( هذا حفل تكريم أم حفل تأبين؟!)لأن العرب لا يكرمون كتابهم إلا بعد قراءة آخر تقرير طبي يشير إلى الحالة الميئوس منها، أو بقايا الفقيد، وعندها تبدأ حالات تبرئة الذمة وحفل الزور.
هذه هي عادة زفزاف في كونه يضفي على الواقعي شكلا أسطوريا، أو يحول العادي إلى حكائي، سواء في الهامش النصي، أو في المتن، أو في الحقيقة.
إن مقاهي الدار البيضاء مثل مقهى لاكوميدي، المسرح البلدي، مقهى الكابتول، أو مقهى ميشيل، مدام غيران، ميرسلطان، مقهى الرونيسانس، أو الزنقات التي عاش فيها مثل زنقة البريني، أو زنقة ليستريل، أو زنقة الجبل الأبيض، والمطاعم التي كان يرتدها( هو غير محب للطعام) مثل مطعم التيرمينوس، كلها ستكون في نصوصه الروائية أمكنة أخرى مع الشخوص والروائح، رائحة الناس، أو رائحة النبيذ، أو رائحة الزمن الذي يمر على رصيف الأزهار السري حيث الخطى المتسارعة لأقدام الزمن.

وعودة إلى سلم منزل الروائي محمد صوف الشبيه بسلالم كافكا ( ضحك صوف كثيرا لهذا الوصف حين عثرت عليه في المقهى) فإن روايات زفزاف مشبعة بهذه الأجواء البيضاوية( نسبة إلى المدينة) حيث البحث عن مأوى وسرير وكأس نبيذ هي الخاتمة أو اللازمة التي تتكرر في جميع روايات هذا الروائي الكبير ولا أدري كيف حصل ذلك وهل كان واعيا به أول الأمر أم لا وحتى اليوم الأخير؟

هذا الهاجس الثلاثي( السرير والنبيذ والمأوى) هو هاجس شخصي قبل أن يكون روائيا، أي أن نصوص الروائي هنا تأخذ تطابقها( التطابق هنا ليس التناسخ بل التشابه وهذا افتراق عن الأصل) من التجربة الحية للروائي، وهذا هو هاجس السرية الذاتية الروائية.
أدناه نهايات سبع من روايات محمد زفزاف تبين بوضوح أن هذا الروائي المنهك بأعباء كثيرة كان يستعجل، يستعجل تماما، الوصول إلى الغرفة أو المدينة التي فارقها، أو السرير أو الدخول إلى بار أو كأس أو الأمل بالعثور على مكان دافئ نظيف حسن الإضاءة بتعبير أرنست همنغواي.

* رواية( أرصفة وجدران).
الخاتمة:
( في الشارع كان يتوه وحده. في اتجاه غير معين. يداه في جيوبه. وهو يفكر في أشياء..).
*رواية( قبور في الماء).
الخاتمة:
( وسمع نباح كلب بعيد، وشيء شبيه بمحرك سيارة قديم، لكن هذا الصوت نفسه اختفى. ثم ارتفع شخير عال، وارتفع شخير آخر بالقرب منه).
*رواية( الأفعى والبحر).
الخاتمة:
( كان أمامها آدم عملاقا.. ذا عضلات يدخل في الماء. يضرب الأمواج بذراعيه القويتين. يغطس. ثم أخذت الصور تتبدل. تتغير. تتلاشى. وذهبت سوسو في نوم عميق).
*رواية( بيضة الديك).
الخاتمة:
( شرب جرعة من الكأس. شعر بنشوة عارمة تغزو خلايا مخه. كانت الزجاجة قد فرغت.غمر البار ضوء..).
* رواية( أفواه واسعة).
الخاتمة:
( قطع الطريق إلى الرصيف المقابل باتجاه الحانة لكي يشرب قنينة نبيذ صغيرة كالعادة...).
*رواية( الثعلب الذي يظهر ويختفي)
الخاتمة:
( مددت يدي إلى كيس التبن، وناولني الرجل كأسا غير نظيفة. وقلت في نفسي" متى اصل إلى بيتي كي أستريح؟").
* رواية( محاولة عيش).
الخاتمة:
( تصور الزجاجات المليئة، وأنصاف الزجاجات، ثم ضغط على الدواسين بقوة لكي يسرع، سوف يشرب، ويشرب، وسوف ينام نوما عميقا في تلك الغرفة).
آخر مرة نام فيها محمد زفزاف نوما عميقا جدا، مثل ثعلبه الجميل، والمدهش، لكنه هذه المرة لم يستيقظ رغم مرور كل هذا الوقت الذي لا يصلح لمزحة ثقيلة كالموت( هل كان هو الذي يصعد سلالم شقة الروائي محمد صوف في تلك العتمة الباردة؟ أم أنه الشبح أو الظل؟).
هرب، هذه المرة، إلى البنفسج، والأزرق المعتم، لكنه سيظهر يوما في الحكاية الجديدة كنهر القنيطرة سبو!
ــــــــــــــــــــ
* بسبب الكتابة اليومية تقع أخطاء مطبعية أو لغوية أحيانا، وهذه واحدة من متاعب الكتابة المستمرة.

ايوب صابر 05-10-2012 02:51 PM

من يعيش حياة بوهيمية مثل صاحبنا هنا لا بد ان يكون يتيم او على الاقل يتيم اجتماعي وان لم يكن فهو مأزوم حتما.

نظرا لعدم توفر تفاصيل عن طفولته وفي ضوء حياة الفقر البوهيمية التي عاشاها سوف نعتبره يتيم اجتماعي.

يتيم اجتماعي

ايوب صابر 05-11-2012 02:50 PM

75- ألف عام وعام من الحنين رشيد بوجدرة الجزائر

ألف وعام من الحنين : رواية الجزائري رشيد بو جدرة
رواية: ألف وعام من الحنين
تأليف: رشيد بو جدرة
في رواية ألف عام وعام من الحنين يلتحم الخيال بالواقع التحاما قويا الى درجة أنك لا تستطيع الفصل بينهما، بل تظهر كل محاولة للفصل بينهما مجرد عبث سيؤدي الى فراغ الرواية من محتواها. في هذه الرواية، يتصارع الممكن والمستحيل على حد سواء. الواقع في الرواية خيال والخيال واقع.
إن بو جدرة يحلل التاريخ رابطاً الماضي بالحاضر من خلال ما جرى في التاريخ الإسلامي عبر (مملوكيته) وما يجري فيه حاليا عبر المملوكية (المتطورة في أشكال جديدة)، من هنا، كانت أهمية الرواية التنبؤية الداعية الى تأمل التاريخ، مرآة أية حضارة تطمح الى تجديد مجدها.

الروائي رشيد بوجدرة طرح اسمه لأكثـر من مرة للفوز بجائزة غونكور للأدب الفرانكفوني، وحتى جائزة نوبل للآداب.
وقد فاز بجائزة المكتبيين الجزائريين عن روايته الأخيرة ”نزل سان جورج”، ومن سخرية الأقدار أن الكاتب صاحب الشهرة العالمية الذي فرح بالجائزة اعتبرها أول تكريم له في بلده·
رشيد بوجدرة كاتب وروائي وشاعر جزائري ولد في 5 سبتمبر سنة 1941 م بمدينة عين البيضاء. اشتغل بالتعليم، وتقلد عدة مناصب منها، مستشار بوزارة الثقافة، أمين عام لرابطة حقوق الإنسان، أمين عام لاتحاد الكتاب الجزائريين.

مؤلفاته الروائية
الحلزون العنيد
الإنكار
القروي
العسس
الإرثة
ضربة جزاء
التطليق
التفكك
ليليات امرأة آرق
ألف وعام من الحنين
الحياة في المكان
تيميمون
ورواية ألف وعام من الحنين اختارها اتحاد الكتاب العرب ضمن قامئة أفضل مئة رواية عربية في تاريخ الأدب العربي.. رغم أن كاتبها كتبها باللغة الفرنسية!! وقد ترجمها إلى اللغة العربية الأديب ( مرزاق بقطاش).
والنسخة المنشورة هنا هي الطبعة الثانية عام 1984 لاموسسة الوطنية للكتاب بالجزائر.
وقد عانيت في تصويرها بسبب الحجم الصغير للكتاب وقلة الهوامش فيه.. ولم أتمكن من تنظيف كامل الصفحات. لذلك إذا وجدتم نسخة أفضل يرجى تزويدنا بها.
حمل الكتاب من هنا >>
http://www.4shared.com/file/11408969...ra_______.html

ايوب صابر 05-11-2012 03:01 PM

رشيد بوجدرة: كتبت بالفرنسية لأصبح معروفاً
الخميس, 11 يونيو 2009

الجزائر - عصام أبو القاسم
لا أحد، من المشتغلين بالكتابة الأدبية، يمر بالجزائر ولا يسأل عن رشيد بوجدرة، وأحلام مستغانمي... وعن الطاهر وطار الذي يرقد في مستشفى في فرنسا خاضعاً لعلاج. أما أحلام مستغانمي، فإن لم تكن في مدينة قسنطينة البعيدة من العاصمة فهي في بيروت، وفي كل حال يصعب الوصول اليها، كما قال لي صديقي الناقد الجزائري عبدالناصر خلاف. لكنني التقيت أخيراً صاحب «ألف عام وعام من الحنين» الروائي رشيد بوجدرة، في مقهى وسط العاصمة التي كانت أنهت للتوّ احتفالها بالقدس «عاصمة أبدية للثقافة العربية» لتنتقل الى احتفالها بأفريقيا «ارض الحضارات الأولى». الروائي الفائز بجائزة المكتبيين الجزائريين عن روايته «نزل سان جورج» بدا نشطاً وحيوياً وفق إيقاع أعماله الروائية التي بلغت العشرين عملاً روائياً في اللغتين العربية والفرنسية، ومتابعاً لما ينشر من أعمال سردية حتى على مستوى منتديات الحوار على شبكة الانترنت.

قدم رشيد بوجدرة الكثير من الأعمال الروائية، أبرزها: «الحلزون العنيد»، «الإنكار»، «التطليق»، «التفكك»، «تيميمون» وسواها. وقد بدأنا معه بالسؤال التقليدي الذي يطرحه عادة المشرقيون على المغربيين: «هل فرنسا هي صاحبة الفضل في ذيوع الاسماء الابداعية المغاربية؟». فأجاب: «هذا صحيح، لولا فرنسا لما عرفنا العرب، شخصياً بدأت الكتابة في فرنسا ومن بعد صرت معروفاً في الجزائر، ثم صرت معروفاً لدى العرب. كان عليّ اذاً أن أكتب في باريس لأصبح مشهوراً. المعيار الغربي هو الأساس، بل هو أساسي، فالمثقف العربي حينما يسمع ان كاتب ياسين والطاهر وطار ورشيد بوجدرة لهم حضورهم في المشهد الأدبي الغربي يسرع لقراءتهم... هذا هو الحال، والغرب يعرف الرواية قبلنا وله تقاليده ومعاييره. وعموماً لو لم نكن في الغرب لما كتبنا بهذه الجرأة. وبالنسبة إلي انه أمر في غاية الاستحالة ان انشر مثلاً رواية «التطليق» لدى أي ناشر عربي. الكتابة في الغرب جعلتنا نخلخل البنى الاجتماعية ونكسر التابوات. لم نر مثيلاً لنا في كتّاب المشرق العربي؛ فليس من بينهم من وظّف الجنس بطريقتنا، بالكيفية التي تتجلى في أعمالنا».

> ولكن، الآن هناك أصوات شابة تقدم الكثير في هذا المضمار؟ ـ صحيح، فأنا بدأت الكتابة في 1963، والآن تطور المجتمع والسلطة السياسية صارت ذكية، سقف الحريات أعلى ولكن للمزيد من التقييد. يقال لك دعه يكتب كما يشاء، لكن كل شيء تحت السيطرة.

> يقال إنكم اشتهرتم في إظهاركم عيوب العرب أمام الغربيين؟ـ نحن لم نرد ذلك، أردنا ان نظهر عيوبنا لأنفسنا، لكن الغرب استغل ذلك، نحن كتبنا بقصد النقد الذاتي، وقد استمتع القارئ العربي بذلك وبيعت أعمالنا في القاهرة والكويت بنسب كبيرة. روايتي «ألف عام وعام من الحنين» طبعت مرات عدة بخاصة هنا في الجزائر، وهذا يعني انها أعجبت القارئ العربي.

> يرى بعضهم انك تأثرت بماركيز في رواية «ألف عام وعام من الحنين»؟
- ليس صحيحاً، أعدائي من الجزائريين أشاعوا ذلك في وقت سابق، لكن روايتي هي قراءة مركزة للتاريخ العربي القديم. وفي المناسبة، «الواقعية السحرية» التي يقال ان ماركيز وكتّاب أميركا اللاتينية هم الذين أسسوها، بدأت عندنا لدى الحريري، في «المقامات» وفي «ألف ليلة وليلة». وماركيز ربما لا يعرف هذا العمل... الذي كتب قبل «الواقعية السحرية». بعض الجزائريين «المتفرنسين» أشاعوا مسألة تأثري بماركيز، لكن ما قدمته كان مختلفاً ونحن ككتاب مغاربة انفتحنا على التراث العربي. وفي مسألة التقنية، فإن تقنية الكتابة الحداثية هي تقنية «ألف ليلة وليلة». كل الكتّاب الغربيين في فرنسا وبريطانيا اعترفوا بذلك. علي اي حال من هو ماركيز قياساً الى «ألف ليلة»؟
وللحقيقة روايتي «ألف عام وعام من الحنين» هي الأعمق، فيما «مئة عام من العزلة» لوحات ممازحة وكاريكاتورية تفتقر الى العمق.

> أيهما اكثر تعبيراً أدبياً، اللغة العربية أم الفرنسية؟ وهل تعتقد ان كتابتك بالفرنسية ساعدت في جماليات أعمالك؟

- اللغة العربية هي الأفضل لكتابة الرواية بالطبع. عندما كتبت بالفرنسية لم أتجاوز نسبة محدودة من الصفحات. وفي العربية كتبت رواية بلغت ألف صفحة. والكتابة باللغة العربية تتيح لي استخدام العامية، وهي توسع الفضاء أمامي، وقد درست الفلسفة والرياضيات ولدي منظور هندسي، لذا تمكنني اللغة العربية أكثر في التعبير، لكن الرواية في العالم العربي لا توزع أكثر من ألف نسخة، وفي الغرب تصل الى 27 ألف نسخة، وتلك هي المفارقة!

> الرواية هل هي وثيقة تاريخية أم تجربة فنية محضة في رأيك؟

- الرواية تجب قراءتها على أساس جمالي، يمكننا توظيف التاريخ ولكن ليظهر كعمل تخييلي لا كوثيقة. وبعض الأعمال الرديئة تعجز عن خلق هذا الفرق فلا تجد فيها المادة التاريخية الأمينة ولا التجربة الفنية الفعلية!

> هل هو زمن الرواية في العالم العربي؟ وكيف تنظر الى الأجيال الحديثة؟
- الرواية حديثة الولادة في المجتمع العربي لكنها صارت تتقدم متجاوزة الشعر. حتى الشعر اصبح نثراً لأن هناك علاقة بين الفن والبنى الاجتماعية. الرواية فن مديني والشعر فن الريف وهو ديوان العرب لأن المجتمع العربي يتقدم وتحصل تغييرات في بنيته، لذلك يتقدم الفن الروائي الى صدارة المشهد. وتظهر أسماء جديدة أكثر جرأة وحدّة. بخصوص الكتابة الجديدة في الانترنت أظنها «موضة» ستذهب سريعاً، والمستقبل لمن يكتب في الورق!

> كيف تنظر الى اسم الطيب صالح في المشهد الروائي العربي؟

- الطيب صالح هو الذي أتى بالشرخ الأول. هو الذي ادخل الرواية العربية الى نطاق الحداثة، لكن مشكلة الطيب صالح انه اتجه الى الإدارة بدلاً من الرواية. كتب رواية واحدة هي «موسم الهجرة الى الشمال». وفي أعماله الأخرى تقهقر وعاد الى الأجواء الريفية في «عرس الزين» التي هي قصة طويلة و «بندر شاه». صحيح ان الريف موجود في «موسم الهجرة» لكنه صار أساساً في أعماله الأخرى.
صحيفة الحياة اللندنية

ايوب صابر 05-11-2012 03:15 PM

في روائيّة رشيد بو جدرة

٢٤ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧بقلم كمال الرياحي

تسعى هذه الدراسة إلى تسليط بعض الضوء على واحدة من أهم التجارب الروائية في المغرب العربي يمثّلها الروائي رشيد بو جدرة الذي غادر منذ الثمانينات “ فم الذئب” ليحبّر نصوصه باللغة العربية بعد أن أنجز مدونة روائية بلغة ديكارت جعلته في مصاف كبار الروائيين في الغرب وواحدا من أهم ممثلي تيار الرواية الجديدة في فرنسا إلى جانب كلود سيمون و ألان روب غريي و ناتالي ساروت ,غير أن نداء الهويّة جعله يغادر لغة فلوبار ليعود إلى لغته الأم و يقدّم مدوّنة جديدة بلغة الضاد أثبت بها أنّه متميّز دائما فأثرى بنصوصه المكتبة الروائية العربية بسرد مختلف ورؤى جديدة ,تحاول هذه الدراسة التعريف بهذا الروائي و تحسّس الأسباب التي جعلته يعود إلى العربية كما تسعى إلى تحسّس بعض ألاعيب السرد الروائي التي أمّنت لنصوصه حداثتها .
رشيد بوجدرة روائيّا أو “عودة الابن الضّال”
يمثّل رشيد بوجدرة[1] حالة وجودية استثنائية بين الكتّاب العرب الذين مارسوا الكتابة بغير العربية، فقد انطلق الرجل في الكتابة بالفرنسية ليُعرف كاتبا فرونكفونيا إلى جانب محمد ديب ومالك حداد وليلى صبّار وآسيا جبّار فأصدر روايته التطليق (1969) والإنكار (1972) ثم الحلزون العنيد (1977) وألف وعام من الحنين (1979) والفائز بالكأس (1979). وبعد هذه المسيرة التي كرّسته كاتبا باللغة الفرنسية يرتدّ رشيد بوجدرة عن الفرنسية ويهجر متلقيه ليجترح سنة 1982 أوّل رواية باللغة العربية فكّك بها صلته الإبداعية بلغة فلوبار وفولتار ووسمها ب”التفكّك” ليبدأ رحلة إبداعية جديدة لا يعمل ماذا ينتظره على جنباتها. وبالفعل تعرّض بوجدرة إلى هجوم مزدوج ممّن طلّقهم، قرّاء ونقّادا فرنسيين وممن عاد إليهم قرّاء ونقّادا عربا. ويكفي أن نذكّر بما ورد في مجلة الوسط (العدد 85) بتاريخ 13/09/1993 على لسان حموش أبو بكر في مقاله : تجربة الكتابة باللغة الفرنسية. “رشيد بوجدرة، تحوّل إلى الكتابة باللغة العربية ونجح في الإبداع بها، غير عابئ بالضجّة السياسية التي أحاطت بقرار تخليه عن الكتابة باللغة الفرنسية. ويقال أن الأمر وصل بجريدة “لومند” الفرنسية إلى حدّ ردّ نسخ من روايات بوجدرة الجديدة. كانت أرسلت لها من قبل الناشر الفرنسي “دونوال” الذي قام بنشرها مترجمة عن العربية. ويبدو أن محرّر “لوموند” أرفق النسخ المترجمة برسالة إلى الناشر مفادها أنه لا جدوى من إرسال مثل هذه الروايات إلى الجريدة إذ أنها لن تكتب عن أي عمل لرشيد بوجدرة بعد تخلّيه – على حد تعبيرها – عن لغة ومنطق ديكارت “.[2] ولكن بوجدرة سرعان ما عبر مأزق الامتحان لتسّاقط من قلمه روايات أخر بلغة الضاد تثبت أنّ رواية “التفكّك” لم تكن بيضة الديك ولا هي نزوة إبداعية إنّما هي نقطة تحوّل كلّي في تجربة المبدع، فكانت روايات المرث (1984) وليليات امرأة آراق (1985) ومعركة الزقاق (1986) ثم جاءت مرحلة الصمت التي تزامنت مع اشتعال فتيل المحنة ليعود الرّجل إلى الكتابة ويكسر جدار الصمت في بداية التسعينات بنصّين روائيين يحملان بصمات المحنة وروائح سنوات الجمر وهما فوضى الأشياء (1990) وتيميمون (1994).
لماذا عاد بوجدرة إلى اللّغة العربيّة ؟
يردّ الكاتب نفسه على هذا السؤال قائلا : ” عُدت للعربية بالغريزة، كنت منذ عام 1969، عندما بدأت الكتابة بالفرنسية أشعر بعقدة ذنب وحنين للعربية، وكانت علاقة عشق بالمعنى التصوّفي باللغة العربية، وكان انتقالي للعربية ناتجا عن ضغوط نفسية […] كنت عندما أكتب بالفرنسية أعيش نوعا من العصاب بسبب عدم الكتابة بالعربية، في بعض الأحيان كنت تحت وطأة كوابيس أراني فيها فقدت النطق بالعربية أمام جمع حاشد “.[3] وأقرّ بوجدرة بقصور اللغة الفرنسية على نقل أفكاره ومواضيعه المتعلّقة أساسا بالإنسان الجزائري العربي المسلم، وأبدى الكاتب ارتياحه للعودة إلى العربية التي مكّنته من الرقص على درجات سلّمها فاستخدم “اللغة الشعبية واللغة السوقية” يقول ” هناك شيء يسمّى اللغة العربية بقاموسها العظيم الزخم، كما هناك أيضا اللغة الشعبية وأقول في أحيان كثيرة اللغات الشعبية. فقد استعملت “الشاوية” مثلا في بعض الروايات من خلال منولوجات أو حوار [إن] إدخال اللغات الشعبية في الكتابة الغربية يعطي العمل الأدبي نوعا من الزخرفة والزخامة والقوة للنص العربي أكثر مما يعطيه للنص الفرنسي “.[4] وفي حوار آخر يرى بوجدرة أنّ المستقبل للرّواية العربية المكتوبة بالعربية : “المستقبل بالفعل للرّواية الجديدة المكتوبة باللغة العربية “[5] وأن لا مستقبل للكتابة الروائية العربية باللغة الفرنسية.
يمكننا أن نخلص من خلال هذه الآراء إلى أنّ عودة رشيد بوجدرة إلى اللغة العربية لها أسبابا عميقة وذاتية وأخرى موضوعيّة فهو يعيش في اغتراب لغوي، إنه يعيش خارج بيته ومسكنه أليست اللغة مسكن الكائن البشري ؟!
وهذا ما جعله يفقد الإحساس بالأمان، مما ولّد عنده كوابيس تدور حول حادثة فقدان النطق بالعربية، وهذه الحادثة الذاتية النفسية يمكن فهمها في سياق أكبر، وهو علاقة اللغة بالهويّة. يبدو أن رشيد بوجدرة أصبح يشعر أنه مهدّد في هويّته العربية نتيجة استمرار حالة الاغتراب اللغوي، وهذا ما عجّل عودته إلى العربية ويذكّرنا هذا بعبارة مالك حدّاد الشهيرة “اللغة الفرنسية سجني ومنفاي “.
أمّا الدافع الموضوعي للعودة فهو ارتباط مناخات الكتابة عنده بالفضاء والإنسان العربيين، واللغة الأجنبية لا يمكن أن تنقل خصوصيّة المناخ العربي وتفكير الإنسان الجزائري نقلا أمينا. كان رشيد بوجدرة يفكر بالعربية ويكتب بالفرنسية وفي تلك الرحلة بين لغة التفكير ولغة الكتابة تسقط أشياء كثيرة وأحيانا يسقط عمق الفكرة، فالأمر أشبه ما يكون برحلة النص بين لغتين من خلال الترجمة، فالترجمة ستظلّ خيانة للنص أبدا. وبعودة رشيد بوجدرة إلى العربية تطابقت لغة الفكر مع لغة الكتابة وسقطت رحلة الاغتراب.
يتقاطع هذا السبب الموضوعي لعودة بوجدرة إلى العربية مع الأسئلة المصيرية التي طرحها محمد ديب ذات يوم على نفسه وعلى زملائه: “هل يمكن للإنسان أن يتلاءم مع ذاته وهو يبدع بلغة غيره، وأن يرتاح لذلك خاصة وهو يعرف أن لغته تمتلك قدرات حضارية وتعبيرية عالية ؟
http://www.mnaabr.com/vb/local/cache..._rtl-58b6b.gif هل يمكن للمبدع أن يكتب ويكون حرّا داخل “جهاز” لغوي أجنبي ؟
http://www.mnaabr.com/vb/local/cache..._rtl-58b6b.gif ماذا يحدث للمرء ثقافيا، عندما يفقد كل صلة بلغته الأصلية ؟ “[6]
اختصر محمد ديب الإجابة في أنّ “كل كلمة تكتبها بلغة غيرك تشبه رصاصة تطلقها على نفسك، وبالتالي على قيمك وقيمتك. فما معنى وما جدوى العالمية إذا كنا بلا جذور ؟ “.[7]
وأضاف “بعد أكثر من نصف قرن من الإبداع بلغة الغير، التفت إلى تجربتي فرأيت بكل حسرة أنها بلا جدوى. لقد بقيت دوما أعيش غربة المقصّ ووحشة المجهول. وأحس أنني أعسكر وحيدا في حقل أجرد للغة أخرى، تائه أترقّب وهم التجذّر في مجالات ومدن أغلقت في وجهي إلى الأبد. فبقيت كالغجري، على أبوابها، وأهلها يخافون منّي، عيونهم مفتوحة عليّ خشية أن أسرق دجاجهم !!!”.[8]
وإجابة عن تلك الأسئلة ترك كاتب ياسين “فم الذئب” وكتب نصوصه المسرحية بالعربية الجزائرية وعاد رشيد بوجدرة إلى لغة الضادّ في أوج شهرته. مثّلت عودة رشيد بوجدرة إلى اللغة العربية مكسبا كبيرا للرّواية العربية الجزائرية من ناحية ومكسبا آخر للرواية العربية عامّة، خاصة أن الرجل عاد مُدجّجا في تجربة ووعي كبيرين بالكتابة الرّوائية. وقد عاد رشيد بوجدرة إلى العربية عودة الفارس المنتصر لا الجندي المهزوم حيث تخلّى عن انتصاراته ومناصريه وغنائمه ليغيّر اتجاه السير في حركة لا يجرؤ عليها إلاّ الثّوار وكان بالفعل ثائرا في نصوصه على كل ما هو سائد من أساليب كتابة ومضامين متن ليؤسّس” فاجعة “الكتابة العربية. فشكّلت نصوصه مأزقا حقيقيا للكاتب العربي التقليدي الذي تربّى على الخمول والمهادنة والتقنّع. لقد اجترح رشيد بوجدرة مسلكا جديدا للإبداع العربي علامته الأولى الكتابة دون حدود وخارج سلطة الرقابة (الفنية، السياسية، الدينية) فتحرّر من كل ما يعيق العمل الإبداعي ليحاور في جرأة كبيرة كل المحرّمات والمقدّسات التي كرّستها الكتابة المنحنية، فأعاد للمرأة العربية لسانها المنهوب منذ شهرزاد حتى تقول ذاتها، فكرا وجسدا، وتصدّى للسلطة السياسية ففضح فسادها وكشف آلاعيبها وواجه التاريخ العربي المزيّف بحقائق الوقائع لتتعرّى أمام القارئ العربي قرونا من الوهم والحمل الكاذب.
لقد اختارت الكتابة السردية عند رشيد بوجدرة أن تكون كتابة عقوق، وكتابة مقاومة وكتابة انحراف عن الطرق المسطورة وكتابة تمرّد على تاريخ الكتابة العربية. إنها كتابة السفلي (الجسد) لكشف العلوي (الفكر) وفضحه فانشغلت نصوصه بتعرية المستور وحرق ورقة التوت الشهيرة ليكون ساردا لا يحتمل يتمترس وراء معجمه الخاص ليعبّر عن عصره الموبوء بكل العورات. رشيد بوجدرة هو لا وعي الإنسان العربي، إذ انقلبت نصوصه إلى لوحات سلفادورية(نسبة إلى الرسّام السريالي سلفادور دالي) تعهر بجرأة عظيمة ومستحيلة بين أحضان الحروف العربية. لقد خلّصها الرّوائي رشيد بوجدرة من قداستها، ليحوّلها إلى لغة ماجنة معربدة، لغة أيروسية تلتذّ خيانة نفسها وتعلن في غير تردّد ارتدادها. إنّّ اللغة العربية, مع بوجدرة, لم يعد إعجازها متمثّلا في كونها لغة النصّ الديني/ المقدّس فقط ، إنّما تمثّل إعجازها الحقيقي في قدرتها على قول المدنّس و تصويره بنفس القدرة و الكفاءة . غير أن هذه العودة لم تدم طويلا إذ عاد بوجدرة إلى "فم الذئب" ليكتب بلغة مستعمره القديم بعد أن خابت توقعاته عن المتلقي العربي .فقد ظلّ بوجدرة يهاجم في كل محفل إلى أن تحوّل فم الأم الحاضنة إلى فم أشرس من فم الذئب الذي اشتكى من أنيابه كاتب ياسين . من السّرد الحداثي عند رشيد بو جدرة .
لا يمكن أن نلمّ بكلّ الجوانب التي تجعل من رواية بو جدرة رواية غير تقليدية ,رواية تجنح إلى الحداثة, لذلك سنكتفي بعنصرين اثنين نقارب من خلالهما نماذج من تجربته -ما كتبه منها بالفرنسية و ما حبّره بالعربيّة- و هما :التكرار و ما أطلقنا عليه عبارة ؛شعريّة العين و الأذن . التكرار:
يتّفق كل من جرار جينيت وتودوروف حول مفهوم السرد المكرر , باعتباره أحد أشكال التواتر الثلاث :”السرد المفرد” و”السرد المكرر” و”السرد المجمع” فيقول تودوروف مثلا “هناك ميزة […] أساسية في العلاقة بين زمن الخطاب و زمن التخيل في التواتر وأمامنا هنا ثلاث إمكانيات نظرية :القص المفرد حيث يستحضر خطاب واحد حدثا واحدا بعينه,ثم القص المكرر حيث تستحضر عدة خطابات حدثا واحدا بعينه وأخيرا الخطاب المؤلف حيث يستحضر خطاب واحد جمعا من الأحداث”[9] وهذا ذات التقسيم لأشكال القص الذي نجده عند جرار جينيت في مؤلفه صورر 3 أين أشار إلى حضور السرد المكرر عند ألان روب غريي ويلح خاصة على أهمية هذا الأ سلوب عند رواد الرواية التراسلية في القرن التاسع عشر[10] ويمثل السرد الاعادي علامة بارزة في مؤلفات الروائي رشيد بو جدرة ويتخذ مستويات متعددة وأشكالا مختلفة ,ويمكن للقارئ أن يكتشف ذلك بسهولة سواء كان قارئا عابرا أم كان مقيما في مدونة صاحب “التفكك” إذ يحضر التكرار عند بوجدرة في العمل الروائي الواحد من خلال تردد مقاطع سردية معينة على امتداد النص كما هو الشأن في رواياته “ضربة جزاء “و “التطليق” و”الحلزون العنيد”و “معركة الزقاق”… ويكون هذا التكرار إما إعادة نسخية لمقطع سردي ,أي كما ورد أول مرة أو إعادة المعنى أو إعادة سرد الحدث بأسلوب آخر .ويتخذ التكرار ساعة شكل “التكرار المتدرج” كما يسميه محمد سار ي في مقاله “رشيد بو جدرة وهاجس الحداثة” وهو تكرار “تصاعدي” يأتي دائما بالجديد شبّهه الناقد “بقوقعة الحلزون التي تنتظم على شكل لولبي يبتدئ من نقطة مركزية ليتطور نحو الخارج” [11]
ولكننا نعتقد أن أهم شكل من أشكال التكرار الذي ميّز كتابات بو جدرة هو التكرار العابر للرّوايات .وهذا أسلوب لم أعثر عليه عند غيره وإن وجد فبأنماط لا ترقى إلى ما ظهر عليه عند بوجدرة فنعثر بسهولة على مقاطع كثيرة ترتحل من نصّ الى آخر نسخا أو ببعض التغيير الطفيف .ويمكن رصد هذا الأسلوب في كل روايات بو جدرة وخاصة في رواياته “ضربة جزاء” و”الحلزون العنيد”و”ليليات امرأة آرق “حيث تتداخل هذه الروايات بشكل لافت .ونمثل لذلك بهذه المقاطع :
ورد في رواية “ضربة جزاء ” :
ما أشبه هذا اليوم بذلك اليوم من شهر جوان 1956 حين جاؤوا بجثة شقيقه الأكبر … جرح لا ينسى …ندب عميق…التابوت يتأرجح في رافعة الميناء .أبوه مسرور جدا … عودة الإبن الضال …الذي تحدى المحرّمات القديمة بعدم عبور البحر … لم يكن يريد سوى أن يزاول الطب …وقبضوا عليه متلبسا بجريمة تقديم العون للمنظمة .كان يقوم بالعمليات الجراحية في أحد الأقبية ويخيط جروح المناضلين ,ألقي القبض عليه وعذب ثم قتل …ووضعت جثته في رصاص التابوت …الذي ظل يتأرجح في طرف الرافعة ..فوق الميناء كأنما يسخر من الشرطة ورجال الجمارك …وأصيبت الأم بمرض السكر من جراء ذلك (ص35)
يستعيد بو جدرة هذا المقطع في رواية “ليليات امرأة آرق”كما يلي:”فمي:إنه مليء من نترات الحياة وسمعي ملؤه الزغاريد يوم صرت طبيبة وملؤه العويل يوم جاؤوا بجثة شقيقي الأكبر :جرح دامل لا يغلق .ندب لا يتوقف .جوان 1956.جاؤوا بجثة أخي محمولة في تابوت مختوم بطابع الجمارك (بالشمع الأحمر) عودة الابن الضال كان قد قطع البحر لدراسة الطب والتخصص في الجراحة .قبض عليه متلبسا بجريمة مساعدة منظمة التحرير .كان يقوم بالعمليات الجراحية في أحد الأقبية بمدينة باريس ويخيط جروح المناضلين .ألقي القبض عليه فكان التعذيب فالقتل في التابوت المرصص.وعند وصوله إلى الميناء راح يتأرجح في طرف الرافعة كأنه يسخر من الشرطة والجيش الاستعماري على الواء .كانت الحرب تدور رحاها بلا هوادة .صممت آنذاك أن أكون طبيبة مثلما فعل هو .أصيبت أمي بمرض السكر نتيجة الفجعة هذه (ص ص25_26)
ويتواصل ارتحال المقاطع السردية بين الروايتين فيعيد الروائي سرد حادثة المرأة التي اغتصبها زوجها ليلة العرس بوحشية فخاطت جهازها التناسلي وانتحرت .ويمتد سرد هذه الحادثة على ثلاث صفحات في رواية “ضربة جزاء (94 .95 .96 ) وعلى خمس صفحات في ليليات امرأة (41.40,39,38,37.) ولم نر تغييرا في سرد تلك المقاطع ما عدى تغيير الضمائر فبعد أن كان السرد منسوبا إلى رجل في رواية “ضربة جزاء” نسبه إلى امرأة في “ليليات امرأة آرق”. ولا يخرج التكرار عن هذه الملامح العامة بين رواية “الحلزون العنيد” و”ليليات امرأة آرق” فالليليات تكاد تستنسخ في جزء منها رواية الحلزون العنيد. وقد تركز التكرار خاصة على الجانب المعرفي الذي رشحت به الرواية الأولى حيث تستعيد سعاد في ليلياتها تلك المعلومات التي دونها الراوي في الحلزون العنيد حول الحلزون والخنزير والجرذان .واختار الروائي مقاطع محددة من الرواية الأولى ليقحمها في الرواية الجديدة وهي تلك المقاطع المتعلقة بالجنس والقدرة الجنسية فأعاد سرد ما ذكره عن القدرة الجنسية للحلزون الذي يقضي أربع ساعات في السفاد وذكر قدرة الخنزير الذي يقذف نصف لتر من المني فيقول مثلا في الحلزون العنيد :” الحلازن .تلتذ لمدة أربع ساعات.الحلزون في الميثولوجيا الكونية متصل أوثق الاتصال بالقمر وبالتجدد…(ص ص.78.77).ويعود إلى هذه المعلومة في ليليات سعاد التي تقول متحدثة عن عشيقها .”عاد متشنجا و عدائيا.ممتلئا حقدا وغطرسة .عيناه ممتلئتان قذارة وزهوا ونكلة .قلت في نفسي :إنها زلتي الأولى .تذكرت الحلازن في الحديقة ما قرأته عن طاقاتهم الهائلة .احتقرت هذا .أوقفته عند حده .مهلا سعاد […]بات مسمرا في مكانه مبهوتا .مبهورا .غضبضبا. وابتعدت عنه .الحلزون .الحلزون أفحل منك يا صاحبي !أربع ساعات يقضيها الحلزون في التجانس .أما أنت..”(ص60)
لماذا هذا التّكرار؟
يقول الباحث محمد الساري “وتساءلت مع نفسي عن وظيفة هذا التكرار ولم أعثر على جواب مفيد .وسألت بو جدرة نفسه فاكتفى بالقول بأن هذه الطريقة لم يستعملها أحد قبله ,وبما أن رواياته في أغلبها هي رواية واحدة وهي أقرب إلى السيرة الذاتية فما المانع من من إدخال نصوص سبق نشرها في النصوص الجديدة “[12]
ويبدو أن محمد الساري لم يقتنع بحجج بو جدرة ورأى أنه لا جدوى من إعادة تلك النصوص في مدونة الروائي . و يذهب الروائي العراقي عبد الرحمان مجيد الربيعي ,في مقالاته التي كتبها عن روايات بو جدرة , إلى نفس الرأي فيراها زوائد لا خير فيها و اعتبرها من النقاط التي أخلّت بنصوصه و” نصحه” بتشذيبها فيقول:” إن ايغال بو جدرة في التفاصيل الشاذّة لا يمكن تفسيره أو ارجاعه إلاّ إلى هذه الملاحظة و هي إرضاء فضول القارئ الأجنبي ,و كان بالإمكان تشذيب الكثير منها خاصة ذلك الذي يتكرّر بشكل ملحّ”[13] و عاد إلى نفس الملاحظة في قراءته لرواية “معركة الزقاق” فلم ير في المقاطع السردية المكررة غير زوائد[14] غير أننا سنعثر,حتما, على وظائف لذلك التكرار لو جوّدنا النظر في مدونة الرجل مستحضرين عبارة تودوروف”التكرار[…]لا يكون تاما أبدا لان المقاطع المكررة محاطة بسياق مختلف واطلاعنا على الحكاية يكون كل مرة مختلفا”[15] يسعى الروائي حين يعمد إلى تكرار مقطع سردي معين داخل الرواية الواحدة إلى تأكيد حدث معين باستعادته المتكررة حتى يرسخ في ذهن القارئ.فيكون ذلك أشبه باستعادة المشهد السينمائي في الفيلم من خلال استعادة الشخصية الدرامية للحدث .وينشط هذا الأسلوب في الأفلام ذات الطابع السيكولوجي حيث تتردد فيها مشاهد الكوابيس والأحلام وأحداث الطفولة .والحق أن رشيد بو جدرة ليس غريبا على الميدان السينمائي (كاتب سيناريو) كما أنه يعتمد اعتمادا كبيرا على التداعي الحر والأحلام والاستيهام والسرد الاسترجاعي في كل مؤلفاته.
ويتوسل الروائي مرة بالتكرار لإبراز زاوية نظر مختلفة للحدث الواحد .فكل شخصية تروي الحدث من زاوية نظرها الخاص ومن موقعها الخاص[16] كما أن دلالة الحدث تتغير مع موقع سرده في الحكاية فدلالته في بداية الرواية غير دلالته في وسطها أو فى نهايتها .ويذكرنا هذا التكرار بقضية مهمة تبنتها الرواية الجديدة وهي” نسبية الحقيقة” فلا شيء ثابت ونهائي في العمل الإبداعي , كل شيء نسبي لذلك فالمقطع السردي الواحد في ارتحاله من موقع إلى آخر لا يكون هو هو .ولا يمكن أن يحافظ على الدلالة نفسها والوظيفة نفسها ,فمثله مثل النهر الذي لا يمكنك أن نسبح فيه مرتين لا يكون النص المكرر نفسه وان حافظ على خصائصه اللسانية والطوبوغرافية .
أما التكرار الثاني والذي أطلقنا عليه عبارة “التكرار العابر للروايات” فيحمل شعرية أخرى ودلالات مغايرة منها خلخلة عملية التلقي التقليدي ذات الطبيعة الوثوقية .فالقارئ المتابع لتجربة بو جدرة الروائية تهزه هذه التكرارات وتثير عنده أسئلة جمة أهمها :أين قرأ ذلك المقطع ؟ وهذا ما يدفعه في اغلب الأحيان إلى مراجعة مدونة الروائي حتى يعثر على النص المكرر .إن استعادة أحداث بعينها في أكثر من رواية لنفس الروائي تدفع بالمدونة الروائية نحو السيرة الذاتية لأنّ الحدث يتملّص من نسبته إلى الشخصية المتخيلة/الورقية ليصبح لصيقا بشخصية الكاتب.ويفتح هذا الرأي أفقا جديدا لتلقي مؤلفات بو جدرة بين السير الذاتي والتخييل الروائي.
تشي القراءة التناصية للنصوص المكررة في روايات رشيد بو جدرة بمسألة أخرى يمكن اختزالها في عبارة “النصية الذاتية “أو” التناص الخاص” حسب عبارة جون ريكاردو [17] حيث اتخذ هذا التناص أشكالا مختلفة في المدونة الروائية العربية ,فترتبط روايات الغيطاني بهاجس توظيف التاريخ _المملوكي خاصة_ وترتبط أعمال الطيب صالح باستثمارها للخرافي والأسطوري وروايات أمين معلوف بأدب الرحلة وروايات إبراهيم الكوني بالمناخ الطوارقي وروايات واسيني الأعرج بالتاريخ الأندلسي وبشخصية مريم التي تحولت إلى إمضاء يوقّع به الكاتب جلّ رواياته [18].كما تضافرت نصوص بو جدرة باستعادة المقاطع السردية وأحداث بعينها حتى تبدو كما لو كانت رواية نهرية .غير أن قيمة التكرار الحقيقية كما نراها في روايات الرجل تتمثل أساسا في كشفه علاقة الذاكرة بالكتابة .إذ أثبت رشيد بوجدرة أن الذاكرة الواحدة بما تحمله من أحداث محدودة وما تختزنه من ذكريات متناهية وعوالم مضبوطة يمكنها أن تكون معينا / منبعا لنصوص لا نهائية فنصبح أمام الذاكرة الواحدة والنص المتعدد.لأنّ التكرار عنده لا يعبر عن قصور في التخييل أو توعك إبداعي أو خداع للقارئ كما يرى البعض باستنساخ الروائي لمقاطع من نصوصه التي كتبها بالفرنسية في نصوصه المكتوبة بالعربية ظانا أن القارئ لم يطلع عليها بالفرنسية ,إنما مثل التكرار استراتيجية كتابة وخصوصية ارتآها الكاتب لتجربته تكشف قدرة الإبداع على إعادة تشكيل محتوى الذاكرة وعلى نسبية الحقيقة وهذا ما يمكن أن يكون تفسيرا لرد بوجدرة على سؤال الأستاذ محمد الساري الذي ذكرناه سابقا من أنّه لم يسبقه إلى تلك الطريقة أحد .
شعريّة العين و الأذن :
انفتحت الرواية الجديدة على وسائط أخرى غير اللغة الأدبية فاستفادت استفادة كبيرة من كل الفنون الأخرى مستلهمة فن العمارة في تشكيلها لفضاءاتها التي تدور فيها الأحداث وقد انتبه الروائي العربي إلى هذه النقطة فكانت رواية الزيني بركات لجمال الغيطاني التي قسمها صاحبها إلى سرادقات وكذلك كتابه الخطط الذي استلهم فيه خطط المقريزي ,وفي تونس بنى صلاح الدين بو جاه روايته “السيرك” على شكل البيوت العربية القديمة المقسمة إلى سقيفة ..ووسط الدار ..والمجلس الكبير ..و المقصورة و المستراق و الخوخة …وانسرب فن الرسم إلى الرواية منذ مراحلها الأولى عبر الوصف ورسم ملامح الشخصيات ولكن توظيف الرسم تنوع مع الرواية الجديدة التي تحولت إلى لوحة من لوحات الفن التشكيلي ويكفي أن نذكر بأعمال كلود سيمون الذي يقول “اكتب كتبي كما تصنع اللوحة .وكل لوحة تأليف قبل كل شيء” ونمثل لرواياته ب”حديقة النباتات” التي تحول فيها النص الروائي إلى مشهد .من خلال إعادة تشكيل النص المكتوب وتوزيعه الفني على الصفحة أو تكرار حروف بعينها مما يشكل مشهدا بصريا ويلتفت المؤلف أحيانا إلى اللوحات ينقل تفاصيلها كما لو كان يحمل بين أصابعه كامرا _انظر وصفه الدقيق للوحة الغاستون أرشيف الذاكرة في “حديقة النباتات”[19]
كان رشيد بو جدرة أقرب الروائيين العرب إلى تيار الرواية الجديدة بل هو أحد أعلامها حتى انه كان يستدعى باعتباره ممثلا لهذا التيار في العالم العربي وأفريقيا لذلك كان أكثر الروائيين العرب توظيفا للفنون البصرية وللخطاب الإعلامي في نصوصه .ففي روايته “ضربة جزاء “استطاع أن يبني نصا روائيا قائما على تقنية التناوب السردي بين السرد الروائي والخطاب الصحفي المسموع عبر توظيف مادة التعليق الرياضي على مباراة كرة قدم فكان الراوي يقطع سرده لينقل إلينا ,مستعينا بالمذياع الذي يستمع إليه في سيارة التاكسي, صوت المعلق الرياضي قائلا مثلا :”نحن الآن في الدقيقة السادسة عشر من المقابلة ,والضغط الذي يمارسه تولوز قويا جدا, اللاعبون متجمعون في منطقة مرمى فريق أنجي … إنه باليه حقيقي .رجال جول بيجو” وتتكرر تدخلات المعلق الرياضي في الرواية أكثر من عشرين مقطعا يمتد أحيانا على صفحات من المتن . وقد أبرزه الروائي ببنط عريض حتى يميزه عن بقية السرد ووصل رشيد بو جدرة في التجريب إلى حدّ عنونة فصول الرواية بنتائج المباراة فعنوان الفصل الأول :تولوز :صفر _انجي :صفر وعنوان الفصل الثاني : تولوز هدف .انجي :صفر وعنوان الفصل الثالث :تولوز 2 .انجي :صفر وعنوان الفصل السابع :فترة الاستراحة ما بين الشوطين .
كما وقف بو جدرة على عادة روائيي الرواية الجديدة عند بطاقة بريدية ينقل تفاصيلها وجها وقفا فيقول مثلا:”وخطر له أن يرسل إحدى تلك البطاقات إلى والدته […] انجذبت عيناه نحو بطاقة ترتسم عليها صورة تمثال صغير واقف على قاعدة .يمثل رياضيا شاهرا كأسا …[…]وبحركة آلية قرأ الكتابة المحفورة على البياض إلى الجانب السفلي الأيسر منها .قاعدة مجمرة التروسكية:
الفائز بالكأس ذو القدمين المجنحتين وهو يشهر قصب السبق
بداية القرن الخامس ما قبل الميلاد
برونز ارتفاع 18.7 سم
أما اسفل البطاقة فهناك كتابة مطبوعة بأحرف أصغر بكثير[…]إلى الجهة العلوية اليمنى من ظهر هذه البطاقة البريدية .مستطيل صغير يحدد موضع الطابع البريدي . وفي وسطها ثلاثة سطور متساوية الأبعاد والبرج .ثم هناك سطرا آخر مطبوع على غرار الأسطر الأخرى ويمثل الثلثين من أطوالها السطور الأربعة مخصصة لكتابة العنوان بدون شك,أما السطر الأخير فهو لكتابة اسم البلد المرسل إليه (ص122 ) إن نقل الراوي تفاصيل هذه البطاقة البريدية يشي بعمق الوعي البصري للروائي الذي عليه أن يكون رساما وسينمائيا ورياضيا حتى ينقل تلك الألوان والظلال والأبعاد بكل تلك الدقة .و يتكرر هذا الولع بقل اللوحات والصور عند بو جدرة في روايته” معركة الزقاق ” حيث تنهض المنمنمة التي يظهر فيها طارق بن زياد محرّكا أساسيا للسرد الروائي فيحتفل بها أيما احتفال.
يوظف بوجدرة في رواياته الأخرى الخبر الصحفي كما هو الأمر في روايته تيميمون أين حشد مجموعة من الأخبار الصحفية التي تنقل جرائم الإرهاب بجزائر التسعينات فنقرأ مثلا :”صحافي فرنسي يغتال من طرف إرهابيين إسلاميين بالقصبة في الجزائر العاصمة”(ص77) “تسبب انفجار قنبلة وضعها الأصوليون في مطار الجزائر العاصمة في مجزرة خلفت تسعة قتلى وأكثر من مائة جريح جلهم في حالة خطرة “(ص92) “شغالة منزلية في السادسة والأربعين من عمرها وأم لتسعة أطفال تغتال رميا بالرصاص وهي عائدة إلى بيتها “(ص102) “الكاتب الكبير طاهر جاعوط يغتال برصاصتين في رأسه من طرف ثلاثة إرهابيين وهو يقود ابنته إلى المدرسة “(ص111) يبدو أن الروائي اختار أن يلتقط عناوين الأخبار من على الصفحات الأولى للجرائد أي “المانشيتات” وليس الخبر الصحفي بتفاصيله كما وظفه واسيني الأعرج في روايته “حارسة الظلال “[20] والحق أن توظيف هذه القصاصات الصحفية أصبح مطروقا في الروايات العربية المعاصرة مع واسيني الأعرج وصنع الله إبراهيم ولكن طرق التوظيف هي التي تختلف فبو جدرة حافظ على طوبوغرافية النص الصحفي في روايته “طوبوغرافية نموذجية لعدوان موصوف ” حين استعان بتقنية الكولاج ليقحم خبرين صحفيين كما وردا في الصحيفة بتوزيعهما العمودي يتحدثان عن العنصرية في فرنسا و عمليات الاغتيال التي يتعرض لها المهاجرون الجزائريون .[21]
إن لإقحام تلك الأخبار في النص السردي وظائف شتى منها الوظيفة الجمالية المتمثّلة في خلخلة المشهد الأفقي/ التقليدي للنص السردي فتربك تلك النصوص خطية التلقي وتخرج القارئ من رتابة القراءة المعتادة لتبعث فيه الحذر .فالقارئ التقليدي لن يتمكن من متابعة النص الحداثي الجديد الذي يتلاعب فيه الروائي بتشكيل الصفحة.فمع روايات كلود سيمون مثلا لا يمكنك أن تقلب الصفحة مرة واحدة لأن عليك العودة إليها لتقرأ مقطعا سرديا آخر يركن في أحد أطرافها لأن توزيع النص ليس توزيعا تقليديا و إنما هو توزيع يخضع لمقاييس جمالية أخرى حولته إلى لوحة لا يمكنك أن تمسحها مسحا واحدا .لقد” تشظى” النصّ داخل الصفحة وتنجّم إلى قطع .و ينهض الخبر الصحفي –إضافة إلى التوظيف الجمالي - بوظائف أخرى لها علاقة بالسرد و سير الأحداث والتلاعب بالزمن السردي وزمن التلقي.
* إنّ التعامل مع نصوص رشيد بو جدرة الرّوائية مغامرة محفوفة بمخاطر عديدة لأنّ هذا الكاتب يقدّم جماليات جديدة في الكتابة العربية قد لا تتلاءم مع ذائقة القارئ العربي الذي ظلّ إلى وقت قريب سجين نمط كتابي معيّن .و الحقّ أنّ عودة بو جدرة إلى العربية حملت معها أشكالا سردية جديدة و غريبة أحيانا على بنية السّرد العربي التقليدي, كما حملت متون رواياته أسئلة جديدة , ربّما استأثرت باهتمام سدنة الرواية العربية فأهملوا في المقابل شعريّة الكتابة و جماليتها لينكبّوا على ما رأوه خرقا لنواميس القصّ العربي و أخلاقياته . و اكتفى البعض الآخر بملاحقة الأخطاء اللّغوية التي وقع فيها الروائي- و هي كثيرة حقّا- ليحكم على نصوصه بالنجاح أو بالإخفاق , و لكنّ ,يبدو أنّ النّقد العربي المعاصر بدأ يعود إلى نصوص الرّجل ليحاورها بعيدا عن الآراء المسبقة ,وبعيدا عن القراءة الإيديولوجية ليكتشف جماليات ذلك السّرد العربي المختلف الذي يحفر في أعماق الذات العربية بحرّية غير مسبوقة

ايوب صابر 05-11-2012 03:18 PM

رشيد بوجدرة في «الرعن» استحضار طفولة

الكاتب : رامي قطيني في : 7 مارس 2011 – 9:42 صأضف مشاركة | 1,053 مشاهدة
في هذه الرواية (الرعن) نجد رجلاً محكوماً عليه أن يبقى في المستشفى، تحاصره امرأة وتؤثر البقاء إلى جواره فتجلس إلى سريره وتحدّق فيه النظر مرسلة إليه شرارات مستعرة ملؤها الكراهية، فما كان منه إلى أن غرق في نوبة من السعال المتواصل كي يظن المشرفون على المستشفى أنه مصاب بمرض السل، فينقلونه إلى جناح آخر غير جناحه، من أجل أن يهرب من براثن هذه الأنثى الرهيبة، ولكنها كانت له بالمرصاد فهي مصرّة أن يبقى في قبضتها المفزعة. ويروح الكاتب فيروي قصة اختتانه يوم كان عمره ست سنوات: (وسط الصخب الموسيقي وضوضاء الخادمات السوداوات، وسط بربرة تلامذة الكتّاب وهم يرضخون لأوامر مرشدهم سي الأخضر). وعندما لم تصدقه، راح يقصّ عليها خرافات لا أساس لها البتة وروايات ملفقة ووقائع وأحداثاً حقيقية كان يتعمد تحريفها وتزييفها، لم ينقذه منها سوى رنين الجرس بعلاماته الحمراء، عند ذلك انصرفت الممرضة الشمطاء مهرولة ومبتعدة، بدأ بالتفكير لماذا هو هنا؟ وبأي حق يحشر في هذه الغرفة البائسة الحقيرة ؟ ولماذا يصطلي بنيران تلك المرأة الطاغية؟
وعندما لا يجد جواباً يمضي بالكتابة على الأوراق مستضيئاً بسراج القاعة الشحيح مستعيناً بقلم عتيق: (كنت أحرّر ليلياتي بين الفينة والأخرى خلال دوريات الممرضات المتجولات متيقظاً وكنت قد جعلت من الحذر مبدأ من مبادئ الحياة المقدسة، لا يمس). ‏

وفي اجتراح الذكريات نعرف أن بطل الرواية، أو الشخصية الأولى فيها، كان يعمل مدرساً بسيطاً للفتيات، أصبح موضوع تهديد من قبل أحد كبار التجار الشرسين المتسلطين على المدينة ليس لـه إلا أن يتذكّر قصة حبه لـ (سامية) وكيف قضى معها على البحر أروع قصص الحب على الإطلاق، يراقبهما قط أبيض خبيث، ورجل عجوز. ‏
تنقله الذاكرة إلى الطفولة وحلاق القرية الذي يفعل الأعاجيب للكبار والصغار معاً، زغردة النساء وهياجهن أمام رؤيتهن لـه وقد قطع (الغرلة) وغسل يديه بإبريق ذهبي، وغير ذلك نشاهد ولعه بالراقصة سامية جمال تلك التي اكتشفها عبر أفلام إباحية، وكان يشاهدها في إحدى قاعات العرض الصغيرة والقذرة من أيام الطفولة، وهي تلوي خصرها بينما هو/ الطفل يلوك حبات الفول السوداني بنهم فائق، فيكاد يختنق وهو يسعل متربصاً عقب سيجارة يرميه أحد الفلاحين على الأرض، فينقض عليه قبل سحقه. ‏
ها هو يروي لنا قصة أحد المهاجرين إلى فرنسا الذي نسي لغته فلا يتذكّر كلمة عربية، وإذا أراد أن يعبّر فعلى دفتر لا يفارقه، يرسم رسوماً غريبة تشير إلى رجال ونساء يقودون أمامهم كلاباً تتوقف من حين لآخر رافعة قدماً، تريد التبول أو التغوط على الأرصفة. ‏
هذه المشاهد وغيرها من شبان هربوا من الخدمة العسكرية، ودراويش وعرافين ومتعصبين، ومحتكري الأموال العّامة، وعلماء الموسيقا المتحمسين للتواشيح الأندلسية، ومبدعين مصابين بالعقم، وثرثارين دوزنوا الفصحى حسب مقاييس مجهولة، وفلاسفة ذوي الوجوه الذميمة والطرق الماورائية القبيحة، إضافة إلى معوقي حرب السبع سنوات والهاربين من مرض السرطان، ودكاترة مختصين في فن الديماغوجيا الحديثة، كل هؤلاء يروي عنهم الكاتب إلى نادية، وهي لا تصدقه، يروي عن سامية، التي نزلت إلى البحر، وهو لا يعرف أقتلها، أم أنها انتحرت، يروي عن أبيه الذي ليس أباه، يروي عن أمه التي اغتصبت، ولم تغتصب، يروي عن القبطان الذي يعود في نهاية الأمر مثقلاً بالأوسمة من الحرب التي شارك فيها في الهند الصينية، يجرجر ساقه البلاستيكية على الدرج، وفي فترة الاستراحة يثني على القومية الفرنسية والوطن الأم، عند ذاك سوف يقومون بسؤال نادية: (كيف الأحوال اليوم، هل خف نبض هذا الرعن، لا بأس به، الحمى معتدلة)، يتهمونها بالتهاون والتغاضي عن حراسته والسهر عليه سهراً دقيقاً، أما هو فقد أخفى كل ما يملكه (القرآن الكريم ورأس المال العظيم ورسالة الغفران للمعري)، هذه الكتب لم تفارقه قط. ‏
شخصيات كثيرة ولكنها مهمّشة، وتبقى شخصية الكاتب/ المجنون، تطفو على السطح، بكل انفعالاتها وقسوتها ولينها وجبروتها، وخيبتها ومرارتها، شخصية تعاني من مرض مستفحل ألا وهو الجنون، يجلس مع ممرضة (نادية) يقص عليها ويكتب وهي لا تصدق قصصه بشيء، لأنها تعتبره مجنوناً، لا أمل له بالخلاص. ‏
لقد أراد الكاتب أن يتخلص من فخ العادات البدائية والاتفاقات الاجتماعية، وهذه المحاولة تجعله يعيش في الماضي ويستحضر الطفولة مصدر كل كتابة تريد بلوغ أقصى ما لديها. ‏
المؤلف في سطور: ‏
رشيد بوجدرة كاتب وروائي وشاعر جزائري ولد في 5 أيلول سنة 1941 م في مدينة عين البيضاء، اشتغل بالتعليم ، وتقلد عدة مناصب منها ، مستشار في وزارة الثقافة ، وأمين عام، ‎له من الرّوايات: 14 رواية، منها : الحلزون العنيد – التفكك – فوضى الأشياء – واقعة اغتيال – الانبهار، وله ديوانا شعر هما: من أجل إغلاق نوافذ الحلم – لقاح، وله دراسة واحدة : الشرق في الفن التشكيلي. وجميع أعماله صدرت عن المؤسسة الوطنية للاتصال «ANEP» . ‏

ايوب صابر 05-11-2012 03:21 PM


الروائي الجزائري رشيد بوجدرة من كبار الراوائيين على مستوى عالمي

رشيد بوجدرة ضيف ''الخبر''
المناخ السياسي راكد ولا يساعد على الإبداع

أوضح الروائى رشيد بوجدرة أن الجزائر تعيش حاليا واقعا ثقافيا متوسطا، حيث تبرز بعض الأعمال الثقافية والإبداعات، بين الحين والآخر، بعد الانفتاح السياسي والثقافي والاقتصادي، مبرزا في نفس السياق أن الانفجار الثقافي والإبداعي لم يتمكنا من إيجاد أعمال خارقة للعادة، تحمل تطويرا أو تغييرا بطريقة عميقة.
أرجع بوجدرة تدني مستوى الإبداع الجزائري في السنوات الأخيرة، إلى عدم وجود شرخ، وفي شتى المجالات، محملا كلا من الجيل الذي جاء بعده والجيل الجديد مسؤولية العجز عن إحداث هذا الشرخ. وقال بوجدرة: ''في الرواية أتت المجموعة المؤسسة، والمتمثلة في كل من فرعون ومحمد ديب ومعمري، ليحدث كاتب ياسين أول شرخ، أما الشرخ الثاني فأحدثه رشيد بوجدرة، وبعدها لم يأت شرخ آخر يتحدى الممنوعات والمحرمات''.
وأشار ضيف فطور الصباح، إلى أن الطاهر وطار كتب رواية سياسية جيدة، ولكنه لم يحدث شرخا، كونه لم يقحم أبدا موضوع الجنس مثلا.
وواصل بوجدرة قائلا :''في كل المجتمعات والحضارات لا تأتي الشروخ، إلا بعد نصف قرن تقريبا، عقب ثورات ثقافية وإبداعية وفنية، تكون مرتبطة بالانقلابات السياسية والتاريخية. مضيفا: ''نحن الآن نعيش فترة ركود لم تمكّن من وجود شرخ، ولكن رغم ذلك توجد قدرات هائلة، ومنابر عبور أصيلة، لكن للأسف ينقص شيء ما، أضف إلى أن المناخ السياسي الراكد، لا يساعد على الإبداع''.
ونفى صحّة الطرح القائل بأن الحريات في الجزائر تراجعت، ناسبا الفكرة إلى ابتكار صحفيين، يستعملونها للاستفزاز وجلب القارئ، مبرزا في نفس السياق أنها موجودة لدى بعض السياسيين والمثقفين الذين تحمل مقالاتهم نوعا من الذاتية المفرطة، البعيدة عن الموضوعية في معارضة السلطة.
وأظهر بوجدرة أنه لا يدافع عن السلطة السياسية القائمة حاليا، كونه مناضلا معارضا وماركسيا، وإنما هو ضد الطرق التي يستعملها بعض ''المتسيسين''، إذ يقدّم البعض نفسه على أنه مثقف ولكنه سياسي، يقوم بصناعة السياسة. وقال بخصوص هذه المسألة: ''السياسة نضال صعب، وعلى مستوى العمل السياسي هنا مشاكل وعقبات توضع أمام الناس الذين يحترفونها''. وتحدث رشيد بوجدرة عن قضية الرقابة التي لا تهم المبدع، بدليل فرضه لنفسه على الرقابة الجزائرية التي كانت متشددة في زمن الرئيس الأسبق هواري بومدين، مذكرا بأن الرقابة الذاتية في الإبداع تلعب دورا أكبر من الرقابة السلطوية.
وقال المتحدث بأن بومدين كان رجل دولة حقيقي، يشهد له التاريخ الجزائري بذلك، معقبا ''كان كذلك رغم سلبياته، ورفضه عودتي لأرض الوطن بعد غياب دام سنتين في باريس، وثلاث سنوات بالرباط، وزجّي في السجن مرتين''.
وانتقد رشيد من يعتبره كاتبا استفزازيا، لأنه يعبّر عن شعوره الداخلي بصدق، ويكتب ما يعيشه للتنفيس، مضيفا ''أنا مهوس بالثالوث المحرم، ومن يتهمني بالكتابة الاستفزازية ينسى جهدي الذي أبذله، فأنا أتألم لما أكتب، ونزاهتي تغلبني''.
وأضاف بوجدرة أنه كاتب نخبة، بدليل أن القليل فقط من يقرأ له، فكتبه لا يباع منها سوى 75 ألف نسخة، نظرا لصعوبة كتابته، وقال: ''أصبح لديّ نوع من الشهرة على أنني أكتب كتابة معقدة، وأن كتاباتي مرَضية، وهذا راجع لتكويني في الفلسفة والرياضيات''.
وكشف المتحدث أنه لما قرأ ''الحريق'' لمحمد ديب، لم يتحرّك فيه ساكنا، لكن قراءته ''نجمة'' لكاتب ياسين زعزعت كيانه

ايوب صابر 05-11-2012 03:25 PM

كتبهاالخير شوار ، في 29 يوليو 2007 الساعة: 17:19 م


حوار مع الروائي الجزائري رشيد بوجدرة:
في فرنسا كنت دوما مراقبا من طرف الشرطة

أنا ضد المصالحة حتى الموت·


في هذا الحوار الذي أجري مع الكاتب الجزائري الشهير رشيد بوجدرة يتحدث بجرأة كبيرة عن مجمل تجربته في الكتابة ومواقفه السياسية والكثير من القضايا ذات الصلة، وقد أجري في شهر أوت 2005 قبيل الاستفتاء حول قانون السلم والمصالحة في الجزائر التي أبدى بشأنها موقفا مغايرا:

حاوره: الخير شوار
لنبدأ من البداية.. من رواية "التطليق" الصادرة سنة 1969 بالفرنسية، التي تبدأ بتكسير "طابوهي" الدين والجنس (زنا المحارم)، وتنتهي بتكسير طابو السياسة من خلال الاستنطاق البوليسي، هل كنت واعيا بذلك حتى تحقق النجاح من العمل الأول؟
طبعا كنت واعيا بذلك، وكنت مناضلا سياسيا قبل أن أنطلق في الكتابة، وخاصة فيما يتعلق بطابو المرأة، وقضية الجنس، والسياسة والدين، ولكن بطريقة واعية، لم أكسر تلك الطابوهات في ذلك العمل الأول من أجل الشهرة أو للنجاح، لم أفعل ذلك.. كانت هناك أمور متغلغلة في كشخص خاصة أثناء مرحلة الطفولة ومن المراهقة، فقد جاء الأمر عفويا، لم أختلق شيئا من ذلك.

ذكرت مرة أنك أثناء لحظة الكتابة الأولى لم تكن تقصد كتابة رواية، بقدر ما قصدت تأليف كتاب، يتناول "سلطة الأب"، كيف تحولت تلك "الدراسة" إلى رواية؟
نعم حول قضية الرجل والمرأة، ومسألة إقطاعية الرجل، أنا خريج الفلسفة والرياضيات، كان ليشغف بالكتابة، وكتبت سنة 1965 تلك المجموعة الشعرية، وقضية الأب بالنسبة إليّ هي الهاجسي المركزي، العقدة المركزية، ولم أقصد أبي الشخصي فحسب، وإنما الأب كسلطة بصفة عامة، لقد عشت تلك أمور، ومن خلال المناخ الإقطاعي الأبوي في البيت كانت علاقات زنا المحارم طبيعية، وكتبتها لأني عشتها رغم أنفي، أنا أغتصبت (بضم الألف) من طرق نساء منهن زوجة أبي، وأختي، فلم استعمل ذلك من أجل الإثارة، وإنما هو الواقع، وكل ما عملته هو أني وضعتها في قالب تقني روائي وفق ما أسمه "عقاقيري".. لم تأت محرجة أو جارحة، وإنما في قالب شعري.

على ذكر "التطليق"، بعدها كتبت حوالي عشرين رواية، ولكن أسمك ما زال مرتبطا لحد الآن بتلك الرواية الأولى، هل نقول أن "التطليق" جنت عليك؟
لم تجن علي، فمن خلالها اكتسبت شهرة فائقة، وإلى الآن هي الرواية الأكثر المقروئية، فقد صدر منها لحد الآن باللغة الفرنسية مليون نسخة ككتاب جيب، وقضية رواية "التطليق" هي المعروفة عند بوجدوة أمر مرتبط بجيل معين، هناك من لا يعرف إلا "التطليق"، ولكن هناك أجيال أخرى، جيل يعرف "التفكك" مثلا، أو "المرث"، أو "معركة الزقاق"، أو "ألف وعام من الحنين" هذا بالنسبة لجيلكم، أما الجيل الأول فمازال مرتبطا بـ "التطليق" لحد الآن، وبعضهم لم يقرأ الأعمال الأخرى، وفي رأيي الشخصي "التفكك" الرواية الأولى التي كتبتها بالعربية، أحسن من "التطليق" بكثير، و"المرث" بالنسبة لي هي الأحسن على الإطلاق، والرواية الأخيرة جاءت بالعربية مع "معركة الزقاق" صدفة.
فالقارئ حر، والناقد حر في اختيار الرواية التي تعجبه، فربطي "التطليق" دون غيرها، هو فعلا بالنسبة لجيل معين.

نعود إلى طابو السياسة الحاضر في متنك الروائي بقوة منذ البداية، هل يمكن أن نقول بأنك روائي سياسي؟
أبدا.. أنا أرفض هذا، وأنا ضد الرواية السياسية، فقد أكل عليها الدهر وشرب، وانتهت منذ زمان، الذيعندي هو توظيف للسياسة من خلال التاريخ كحيلة حتى أتجنب الدخول في السياسة المباشرة.

في "معركة الزقاق"، و"ألف وعام من الحين" مثلا؟
نعم.. من خلال التاريخ، من خلال "ابن خلدون" مثلا، أو بعض المؤرخين الآخرين، وحتى بداياتي بالفرنسية "التطليق" و"الرعن" فيها أشياء من السياسة مثلا قضية اضطهاد فرنسا، للشعب الجزائري في أواخر القرن التاسع عشر، فأنا أرفض هذا التضييق، وفي الأخير الناقد حر فيما يقول.

هناك كتاب يعتبر استثناء في مسيرتك، فبعد الحضور السياسي من خلال التناص، كتبت في السياسة مباشرة "فيس الحقد"، في بداية التسعينات وهو كتاب "هجائي" إن صح التعبير في بداية الأحداث والأزمة الدموية المعروفة، هل كنت تتوقع ساعتها ما حدث فيما بعد؟
*عندما كتبت "فيس الحقد" كان مسلسل الإرهاب قد بدأ، وصراحة لم أكن أتوقع ما حدث بالفعل بعد ذلك من دماء وأحداث مأساوية، وحتى عند بداية الإرهاب، توقعت أن ينتهي في غضون سنة أو سنتين على الأكثر، وقد أخطأنا في ذلك بكل صراحة، وقد توقعت مع بعض الأصدقاء، أن الجيش سيتمكن من حل الأزمة بسرعة، كلنا أخطأنا…

بعدها عشت في المنفى…
(مقاطعا).. لم أعش في المنفى، فهي مجرد إشاعات… كنت في المنفى الداخلي هنا في الجزائر متخفيا، أعيش في شبه سرية، وعندي شهادات وحجج، وصور وأفلام.

يقال أن بوجدرة كان يظهر بلحية، وشوارب مستعارة؟
في بعض الأحيان بشوارب مستعارة، وفي أحيان أخرى بشوارب حقيقية.. طورت اللحية، ولبست الباروكة والقميص.

كيف تستعيد تلك الذكريات الآن؟
هي موجودة في رواياتي، في "حادثة اغتيال ياماها" التي ستصدر بالعربية عن دار البرزخ، وأعود لأؤكد أني لم أهاجر أبدا، كنت أسافر مثلا كنت منذ شهر في إيطاليا، ودخلت منذ أسبوع فقط، وعندما كنت أسافر أبقى مثلا هناك عشرين يوما، أختفي قليلا، وعند سفري إلى أوروبا أو أمريكا كنت دائمافي حماية الشرطة.

كنت معرضا لتهديد مباشر؟
نعم.. في فرنسا مثلا، كانت الشرطة تنتظرني في المطار، وأبقى تحت رقابة الشرطة حتى العودة إلى البلاد، وقد كنت مسلحا.. ولنا شبكتنا التابعة للباكس وقتها، وقد نظمنا أنفسنا، وواسيني شاهد على ذلك.. لقد عشت سنة كاملة في شقة بموريتي، وسنة أخرى في منزل أحمد راشدي الذي كان في باريس، عشت في فيلته في "الجزائر الشاطئ"، سكنت تقريبا في 36 بيت في تلك الفترة، ولم أعش في الغربة، هذه إشاعات مغرضة.

أعلنت مواقفك السياسية بكل صراحة خاصة أثناء إلغاء المسار الانتخابي، من خلال كتاب "فيس الحقد"، ومن خلال التصريحات السياسية، ولكن الناس حاليا لا يعرفون موقفك من العملية السلمية الجارية حاليا، الوئام المدني، ثم مسألة العفو الشامل؟
نعم.. لم أتحدث في الموضوع، لأنه لم يطرح عليّ السؤال بخصوص هذه القضية، فأنا فقط أنتظر حتى يخرج القانون، ويأتي الاستفتاء.. ساعتها سيكون لي موقفي، وسأتظاهر، مثلما تظاهر 800 ألف إسباني ضد منظمة "إيتا"، ضد هذه المصالحة، أنا شخصيا ضدها حد الموت، الرئيس يقول أن هناك 200 ألف ضحية، وأعتقد أن الرقم مبالغ فيه، كيف يحدث كل الذي حدث من تقتيل وتذبيح وغير ذلك، ثم يأتي اليوم العفو الشامل هكذا؟ على الأقل نقول "عفو" أما أن يكون "شاملا" فلا، ثم أن زروال قام بالعفو، بدأ بالعفو…

قانون الرحمة؟
* نعم "قانون الرحمة"، ولكن العفو الشامل معناه "مهما فعلت فأنت معفى عنك"، مواقفي في هذا الموضوع لم تتغير، وأنا شخصيا أترقب حتى يخرج النص.. نص الاستفتاء، أو أن يصدر كتاب حول القانون، وعندما أقرؤه سأقرر، وعلى العموم فمن الناحية المبدئية أنا ضد.

نقلت الصحافة أنك التقيت بالشاعر عيسى لحيلح الذي كان في الجيش الإسلامي للإنقاذ..
أبدا مجرد إشاعات.

أنت تشتغل في نصوصك، على ما تسميه "تناص" مع نصوص تراثية، ويحضر الجاحظ بقوة في متونك، ما هيحكايتك مع هذا الرجل؟
لي قصة مع كل التراث.

الجاحظ خاصة؟
أولا أنا مبهور بالجاحظ، حتى من الناحية الرمزية، أنت تعرف كيف مات الجاحظ، سقطت عليه خزانة من الكتب.

ووظفت ذلك بشكل كاريكاتوري في رواية "ألف وعام من الحنين".
بالضبط، واستعملت الجاحظ كذلك في "الحلزون العنيد"، من خلال كتاب "الحيوان"، واستعملت كذلك ابن خلدون، وقد يكون هذا الأخير هو الأكثر حضورا في رواياتي، من خلال "تاريخه" لأن تحليله للتاريخ رائع فيه حداثة، والتصوف خاصة ابن عربي، والسهروري والحلاج، وغيرهم.

بخصوص ابن خلدون ألا ترى أن هذا الأخير متناقض في نظرياته وتطبيقاتها، وبمعنى آخر هو "رجعي" بطريقة ما، في المقدمة عقلاني، وفي "كتاب العبر" عكس ذلك تماما؟
هذا علميا صحيح، لأن ابن خلدون انتهى، قاضيا للقضاة في مصر، وكتب "كتاب العبر" وهو قاضي القضاة، فمن الممكن أنه أثناء ذلك كان في موقف حرج.

مايمسـى بـ "واجب التحفظ"؟
بالضبط، وما يبهرني في ابن خلدون هو المدخل (المقدمة).

في سياق متنك الروائي.. تبقى رواية "ألف وعام من الحنين" متميزة، كيف نضجت تلك التجربة، وهل يمكن أن نضعها ضمن مدرسة "الواقعية السحرية" التي كانت موضة في ذلك الوقت مع ماريكيز مثلا؟
الواقعية السحرية" كانت موضة قبل ماركيز، الواقعية السحرية هي "ألف ليلة وليلة"، ونحن تربينا على "ألف ليلة وليلة"، ورضعناها من ثدي الأم، فلا علاقة لـ "ألف وعام من الحنين"، بـ "مائة عام من العزلة" لماركيز، ما عدى التشابه في العناوين بصراحة.
"ألف وعام من الحنين" هي رواية الشخصية الجزائرية التي تفقد حتى اسمها من خلال الاستعمار، وهناك شخص جزائري اسمه عديم اللقب (SNP)، "محمد عديم اللقب" أو "محمد SNP"، فعندما كنت صغيرا في المدرسة الابتدائية في قسنطينة، رأيت شخصا اسمه مصطفى SNP(عديم اللقب)، وقد استغربت الأمر، واعتبرته عيبا، وخجلت من أبي لأسأله عن سر "SNP" خاصة حرف "P" الذي لا وجود له في اللغة العربية، وفهمت الأمر عندما كان عمري ثماني سنوات، وقد أفهمني أبي أن الاستعمار انتزع الأملاك من الناس، من القبائل التي تمتلك الأرض، انتزع من القبيلة اسمها من أجل انتزاع أراضيها، ويبقى أفراد القبيلة (SNP)"عديم اللقب"، فأين هي العلاقة بين عائلة "بوينديا" التي كتب عنها ماركيز، بروايتي (ألف وعام من الحنين)، في رواية ماركيز كولونيل يريد أخذ الحكم، وتحدث انقلابات وحروب، لا توجد أي علاقة بين الروايتين.
"ألف وعام من الحنين" هي قراءتي في "ألف ليلة وليلة"، وماركيز هو الذي أخذ "الواقعية السحرية" من ألف ليلة وليلة، نحن فقد فطرنا على ذلك الكتاب ونحن صغار، لا نقرأ وإنما كنا نسمعها شفاها.
وقد جاءتني الفكرة مع فيلم "وقائع سنين الجمر" لمحمد لخضر حامينة، وأدخلت أحداث تصوير الفيلم في الرواية، لقد قمت بقراءة في السلطة السياسية العربية الإسلامية منذ البداية بعد وفاة الرسول، إلى الانقلابات والاغتيالات التي جاءت فيما بعد إلى التاريخ المعاصر، هذا هو "ألف وعام من الحنين"، فأين هو التشابه؟

ما سر اختيارك للمنامة اسما للمدينة، خاصة وهي موجودة (عاصمة البحرين)، هل جلب لك ذلك مشكلات؟
لا.. لا.. تلك الرواية نجحت في الخليج، وربما بسبب "المنامة"، عندما ترجمها مرزاق بقطاش إلى العربية.
أنا لم أفكر في "منامتهم"، كنت أقصد "فرندة" ولم أسمها، فقلت لتكن "المنامة"، وهي لباس النوم، وجاءت كذلك من المنام، ولعبت على تلك المعاني.

لكن "فرندة" لا توجد على "طريق الحرير" محور الرواية؟
أنا مع رأي محمود درويش عند مقارنته للرواية بالشعر، الرواية عكس الشعر قادرة على استيعاب كل الأشياء، حتى العلوم، مثلما استعملت ذلك في رواية "الحلزون العنيد" مثلا، وحتى العلوم الدقيقة في "معركة الزقاق"، هناك معادلة جبرية كاملة.

في "ألف وعام من الحنين" هناك بحار عربي هو أحمد بن ماجد، صديق المكتشف "فاسكو دي غاما"، صورته بطريقة كاريكاتورية، ووصفته بالشعرور، ألم تظلمه؟
* هو كقائد بحرية عظيم، هو أعظم من فاسكو دي غاما، لاكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح؟..نعم هو من دله على ذلك، لكن المسكين شطبوا اسمه من التاريخ.

أصبحSNP؟
نعم.. SNP (ضاحكا)، ولكن في نفس الوقت أحمد بن ماجد كان شعرورا، كان يحب أن يعرف كشاعر، كان يجب عليه الاهتمام بالبحرية، لأنه كان عبقريا، لكنه اهتم بالشعر، ولم ينجح فيه، إنه لوم لطيف لأن شخصية ابن ماجد تعجبني كثيرا، ففيها نكهة خاصة، بحار كبير يهتم بالشعر، وليست له قدرة على الإبداع فيه.

القارئ المعرب يجد صعوبة كبيرة في رواياتك المكتوبة بالعربية مباشرة، التي تستعمل فيها لغة حوشية قاموسية على عكس الروايات المفرنسة التي هي أكثر سلامة؟
لا أظن ذلك، حتى لغتي الفرنسية هي قاموسية، أنا عندي قاموس خاص، المفرنسون الذين قرأوني قالوا لي أنه لكي نقرأ "التطليق" أو "الرعن"، يجب علينا أن نستعمل القاموس كل مرة، والأمر نفسه ينطبق على كتاباتي باللغة العربية، لقد قالوا بأن زوجتي تكتب لي بالفرنسية، وماذا عن العربية، اعتقد أن قطتي تقوم بذلك (يضحك).

بمناسبة الحديث عن الرواية المكتوبة بالعربية، كيف تقرأ الرواية الجزائرية المعربة مقارنة بنظيرتها المفرنسة؟
صراحة، وبدون شوفينية، الرواية وحتى الشعر المكتوب بالعربية أحسن بكثير من المكتوب بالفرنسية، هناك فرق شاسع بينهما.
الرواية المكتوبة بالفرنسية، عند الكتاب المعروفين بوعلام صنصال مثلا، رواية سياسية محضة، عند رشيد ميموني كانت رواية سياسية محضة كذلك، لقد لمتهم على ذلك، قلت لهم: أنتم مازلتم تكتبون الرواية السياسية التي انتهت معبداية القرن العشرين.
لكنهم كتبوا ما كتبوا رغم أنهم كتاب كبار يمتلكون لغة قوية، وخاصة بوعلام صنصال. ورشيد ميموني لما توفي أحتفي به، ونحن عندنا فكرة الميت، التي هي فكرة تطيرية في الحقيقة.
صنصال أفضل بكثير من ميموني، هذه أمور ليست معروفة، لقد قرأتهما معا، صنصال يمتلك أسلوبا جميلا.

وياسمينة خضرا؟
لا.. لا.. رشيد ميموني أفضل من ياسمينة خضرا، ما يكتبه ياسمينة خضرا رواية بوليسية، بل ليست حتى رواية بوليسية، هناك روايات بوليسية جميلة، وقد قرأت روايات بوليسية أمريكية وأنجليزية شيء آخر تماما الرواية الجزائرية الجديدة لجيكم أنتم المكتوبة بالعربية أحسن بكثير، أما المكتوبة بالفرنسية، فكأنها موجهة للفرنسيين، للغرب وعادة ما تصدر بفرنسا، وحتى عندما تصدر هنا فيها نوع من الشذوذ ومن البلادة، لأنها ليست مكتوبة من الداخل، كأنها عرض لأشياء، أو كأنها شكاية لفرنسا أو لغيرها، رغموجود بعض الكتاب الوطنيين، أنا لا أعمم، ولكن عموما هذا هو الموجود، الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية أحسن، والشعر أحسن وأحسن، لأنه لا يوجد شعر بالفرنسية في الجزائر الآن، والشعر المكتوب بالعربية دائما كان الأحسن بما فيه الشعر الكلاسيكي.. لقد كانوا يكتبون القصيدة التقليدية ولكن بقوة، نصوص لها قيمتها، بالفرنسية بعد محمد ديب، جون سيناك لا يوجد شعر جيد.

على ذكر محمد ديب لك موقف سلبي منه؟
أعتقد أنه كانت هناك قطيعة بين البلد الأم ومحمد ديب بعد هجرته إلى الشمال، ومن سلبياته أنه كتب ثلاثيته الشمالية، هذا موقعي منه، رغم أنه بالنسبة لي يعتبر مؤسس الرواية الجزائرية، التي لم يؤسسها لا مولود فرعون، ولا مولود معمري، وبالنسبة لي يعتبر من خلال الثلاثية تقليدي.

تقصد الثلاثية الأولى؟
نعم.. لكنه يبقى هو مؤسس الرواية، وهو كاتب كبير، من سلبياته فقد كانت له قطيعة مع الجزائر، لقد تأسفت عليه هو وعلى الجزائر، فالجزائر لا تستحق أن تقاطع بتلك الطريقة، لقد كان متألما من الجزائر وبقي هناك.. خسارة.

يقال أن الكتّاب بالفرنسية، أكثر جرأة، والكاتب المعرب يجد صعوبة في تحطيم أغلال الإرث المرتبط بتاريخ اللغة، إلى أي مدى كان الأمر صادقا معك وأنت تكتب بالعربية وبالفرنسية؟
صراحة، أنا أرى أنه لا يوجد كتّاب بالعربية أو بالفرنسية استغلوا الجنس، أو اللغة أو الدين بجرأة.

والسياسة؟
كل الناس حاليا يستعملون السياسة.. لا يهمنا، لا توجد في نظري رواية مكتوبة بالفرنسية أو بالعربية في العالم العربي فيها جرأة رواياتي.. من كتب بتلك يا ترى؟

محمد شكري مثلا؟
محمد شكري كتب عن تجارب شخصية متعلقة بالشذوذ، ما كتبه ليس برواية إنها مجرد شهادات، رغم جرأته في هذا الموضوع، لم يبدع في كتاباته، أنا أتكلم عن رواية فيها إبداع، كتاباته بسيطة جدا، "الخبز الحافي" مثلاهي مجرد شهادة فيها شذوذ عن الحيوان وفيها لواط، وقد استعملت اللواط مثلا قبله بكثير، في المشرق خاصة الجنس غائب تماما، وحتى عندما يستعمل فبطريقة محتشمة، فالكاتب العربي حتى التقدمي مازال مرتبطا بالكيان التقليدي، ما زال متأخرا، الطيب صالح مثلا استعمل الجنس بطريقة محتشمة، ولكنه كان ضد الحرية الجنسية، المرأة الغربية في روايته (موسم الهجرة إلى الشمال) مجرد مومس، يقتلها وليذهب ليتطهر في قريته، بالنسبة لي رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" رجعية مائة في المائة، رغم أنها استغلت من طرف التقدميين العرب، لكن أثناء القراءة المعمقة تجدها رجعية، ضد المرأة الغربية، وضد الغرب، وهذه النظرة للأسف موجودة عندنا، فمن العيب أن نقول أن كل النساء الغربيات عاهرات، النساء الغربيات لهن تقاليد، المرأة الغربية منذ 25 إلى 30 سنة أخذت حرية جسدها، ولكنها لا تمنحه إلا عند الحب والعشق، والمومساتوموجودات في العالم أجمع بما في ذلك العالم العربي، بلادنا مملوءة بالمومسات.

هناك رواية بمثابة "موسم إلى الهجرة" معكوس، هي "سباق المسافات الطويلة" للراحل عبد الرحمن منيف، وهي تمثل مغامرة رجل غربي في الشرق الأوسط، كيف قرأتها؟
إنها تتناول الأمور باحتشام، حتى رواية أحلام مستغانمي، أثارت ضجة وعلى أساس أنها رواية جنسية، هي رواية عشقية فقط.

ورواية "يوم الدين" التي صدرت في السنوات الأخيرة للبنانية رشا الأمير؟
نعم لقد قرأتها.. جميلة، لكنها في الأخير تبقى رواية "نسوية" والنساء لا أقول ليست لديهن جرأة، ولكنهن طبيعيا يرفضن الدخول في هذا الموضوع، بطريقة متعجرفة، مثلما هو عندي.

من خلال روايتك التي صدرت منذ سنتين تقريبا "حب كحب سلوى"؟
نعم·· لقد قرأتها، وحتى في "رائحة الكلب" الصادرة في بداية الثمانينات حاليا ما شئت ليس هناك رقابة، جيلالي كتب "رائحة الكلب" عندما كانت الرقابة موجودة، وهناك نسيناه، لقد أخطأنا في حق جيلالي خلاص·· حرام، لقد أتى جيلالي بجديد بالنسبة لجيله، وروايته جميلة جدا من ناحية الأسلوب والموضوع·

ذكرت منذ قليل صداقتك للمخرج أحمد راشدي، فقد سبق لك أن كتبت للسينما في عدة مناسبات (وقائع سنين الجمر، وعلي في بلاد السراب···) وغيرها، هل أفادتك تلك التجربة في الكتابة الروائية؟
صراحة لم تفدتني تلك التجربة، لأن كتابتي الروائية أصلا هي سينمائية، أكتب من منظور ثم من آخر، ثمم من آخر وهكذا، أقدم الأمور بنخسبية، رواية "تميمون" حتى من ناحية تقطيع الرواية كسيناريو موجودة فيها، فقط فيلم "وقائع الجمر" أفادتني لأنني أدخلت تلك التجربة في رواية "ألف وعام من الحنين"، وحتى رواية "ضرية جزاء

قصة "شكال"؟
نعم·· شكال·· هي في حد ذاتها سيناريو·

يفترض أن تحول الى فيلم سينمائي؟
يفترض ذلك وقد مرت الذكرى الخمسين للثورة، ولم يهتم بها أحد للأسف·

بخصوص السينما دائما، لماذا في رأيك توقف تطورها فجأة عندنا؟ بتلك التراجيديا، وهل من سبيل لاعادة بعثها من جديد؟
السبب يعود الى الوضعية السياسية للبلاد، جاءت الأزمة والإرهاب، وانخفضت أسعار البترول عشنا واقعا مؤلما·

لكن أزمة السينما بدأت قبل ذلك؟
أظن أن الظروف السياسية الاقتصادية ساهمت في ذلك، لقد شهدنا انسحاب الدولة م دعم الثقافة، لكن الكتاب لا يتطلب الكثير من الأموال بعكس الفيلم السينمائي الذي يتطلب الكثير من الأموال، فقد نشرت الكثير من الكتب في الثمانينات رغم الأزمة بعكس السينما·
ولكن بصراحة من جهة أخرى لم نرى هلفا للخضر حمينة، وأحمد راشدي عكس الشعر الذي فيه دائما الخلف باستمرار،سينما علواش مثلا موجهة الى الفرنسيين، هو الوحيد الذي بقي يفتح لكنه ضعيف·

هو الآن تحت سلطة الممول؟
نعم مع انسحاب الدولة، ولا يوجد عندنا ممولون واص للسينما، وأثرياء القوم عندنا بخلاء، ولكن سيأتي يوم تكون فيه سينما جزائرية، باخراج جزائري وفي الجزائر، ولا أتكلم عند هؤلاء الذين يعيشون في الخارج، وينتجون أفلامهم هناك·

بعد تجربتك في الكتابة بالعربية التي انطلقت سنة 1982 مع و"التفكك" عدت الى الفرنسية مرة أخرى، هل ستعود الى الكتابة بالعربية من جديد؟
طبعا، الرواية المقبلة ستكون بالعربية·

هل لنا أن نعرف عنها شيئا؟
- هي قيد الكتابة، مازلت في بدايتها، لقد تعبت كثيرا في رواية "يتسيمون" كنت أنقلها في الحقائب كل مرة آتي بمائة نسخة، ونشرت منها ثلاثة آلاف نسخة فقط·

هل وجدت ناشرا بالعربية؟
حاليا لا توجد مشكلة في النشر، الآن دور النشر تتهافت علي، "دار الحكمة"، و"دار القصبة" "ANEP" هذه الأخيرة التي تبقى داري الأساسية، ليست لدي أي مشكلة من هذا الجانب لقد اعطيت كل أعمالي ANEP، وسأعطي روايتي المقبلة لدار أخرى "الحكمة" مثلا التي لها طموح من أجل أشياء جديدة، ومازالت دار ناشئة، والتي تصدر لي عنها "حلزونيات" أثناء المعرض الدولي للكتاب في سبتمبر المقبل·

أليست لك رغبة في العودة الى كتابة "الحلزونيات" من جديد؟
كان بودي ذلك، ولكن ليس هناك طلب من الصحف المعربة·
حاليا أنت تكتب بالفرنسية في "الوطن" مقالا أسبوعيا؟
نعم، وكان بودي أن الكتب بالتوازي بالعربية، ولكني لم أجد منبرا كبيرا، لقد كتبت سابقا في "الثورة الافريقية" بالفرنسية، وفي "الوحدة" و"المساء" بالعربية، كان هناك توازن، وأنا بودي أن استعيد هذا التوازن·

ايوب صابر 05-11-2012 03:34 PM

حوار مع ابو جدرة
كتبت رواية الصبار ردا على المشككين في جدوى الاستقلال والثورة

أكد الروائي الكبير رشيد بوجدرة أنه كتب روايته الأخيرة "الصبار" للإجابة على ما وصفه بالبلبلة الحاصلة في أذهان بعض الجزائريين بشأن قراءة التاريخ، مستغربا طرح البعض لأسئلة عن جدوى الاستقلال مؤكدا أن الثورة كانت ضرورية و أن الاستقلال جاء إيجابيا وسيبقى إيجابيا، و قال أن بعض الكتاب الجزائريين يكتبون اليوم من المنظور الكولونيالي لليمين الرجعي الحاكم في فرنسا. بوجدرة الذي خص "كراس الثقافة" بهذا الحوار تحدث بصراحته المعهودة عن عدة قضايا سياسية واجتماعية وثقافية ولم يتردد أيضا في البوح بجوانب حميمية من حياته، وبالطبع فإن الحديث إلى هذا الكاتب يتشعب تشعب عوالمه واهتماماته وهواجسه وفي جميع الحالات فإنه حافل بالإمتاع الذي أختص في صناعته منذ أطلق سنة 1969 رائعة "الإنكار" إلى غاية "الصبار" المنجز الحادي والعشرين في معمار روائي فريد جعل طفل عين البيضاء المشاغب من خيرة من كتبوا فن الرواية العظيم في التاريخ.
حاوره: سليم بوفنداسة
رشيد بوجدرة الآن على باب السبعين، يا للمأساة! كيف تنظر إلى مرور العمر، وبعبارة أدق ألا تخشى الموت؟
لا، أبدا، نحن في الانتظار، قضية الموت عادية شأنها شأن الولادة، كما ولدنا نموت وكفى، ليس لدي هوس حول قضية الموت بل بالعكس قد يكون الموت كما قال أبو العلاء "ضجعة يستريح الجسم فيها".

بقدر ما عرى رشيد بوجدرة حياته الخاصة في رواياته بقدر ما أخفاها، حيث لا تزال هناك مناطق ظل وما يزال الكاتب لغزا، ما زالت هناك أشياء كثيرة في حياته، ربما يتعطش القراء إلى معرفتها: كيف يعيش رشيد وهو الآن جد، كيف يعيش هذه العلاقة مع العائلة، مع العائلة الكبيرة التي فضحها في رواياته وأخفاها في نفس الوقت ؟
إذا كنت تتحدث عن العائلة الكبيرة الأب والإخوان والأخوات، فالأمور واضحة، أنا لدي علاقة مرضية مع الأب، وهذا معروف، هذا الوضع قد يستغربه بعض الناس، فحتى بعض أصدقائي المثقفين يقولون لي لا مستحيل أن يكره شخص أباه، أنا لدي مشكل مرضي لم أشف منه، ولا زلت أعاني من هذه العقدة المرضية، الأم المتوفية بالنسبة لي أيقونة، وعدا الأب العلاقة بالآخرين عادية، بإستثناء بقية الإخوة والأخوات من الأب والذين ليس لدي علاقة بهم، بصراحة. بالنسبة للأبناء أن لدي بنت واحدة وهي أيضا متزوجة ولها بنت وحيدة هي الأخرى، علاقتي مع ابنتي وزوجتي طيبة جدا، وهما بالنسبة لي صديقتين وكذلك الشأن بالنسبة لحفيدتي التي هي الآن في العشرين وتدرس بمدرسة عليا في باريس، العلاقة هنا أكثر من زوجية وأبوية، إنها علاقة صداقة ورفقة، وهن يحملن معي عبء مشاكل البلد، ومشاكلي العائلية بسيطة طبعا، وليس لدي مشاكل أساسية، فالاتصال متواجد وحتى إديولوجيا فإنني مع زوجتي وابنتي ندور في محور واحد وفلك واحد.

أما بالنسبة لبقية الأشياء، فحتى أنا قد لا أعرفها، هناك بعض الأماكن المظلمة لا يمكن اكتشافها والحديث عنها، لا أدري أين أنا، لأن المبدع والكاتب لا يملك صفات خاصة، هو إنسان كالآخرين، ممكن أن يكون حساسا أكثر من الآخرين فقط. أنا كمواطن مواطن عاد جدا، أنا مع التقدم والحداثة هذا هوسي الأساسي، أحب هذه البلاد كثيرا، بل وأعشقها عشقا صوفيا، وأريدها أن تتقدم وتذهب إلى الأمام، أنا مهوس بنظافة المدن الجزائرية، مددنا أصبحت مهترئة ووسخة وقذرة وأنا أتأسف، و أنا أيضا حامل لهموم المواطن العادي كمناضل سياسي مواقفي معروفة بشأن الحريات والفقراء والمظلومين، وأتألم يوميا حين أرى في محيط بيتي نساء وعائلات تبيت في العراء، هذا مؤلم جدا، وأتمنى، من حبي للجزائر، أن تختفي هذه المظاهر.

في روايتك الأخيرة الصبار، تعود إلى التاريخ للمرة الثالثة بصفة مباشرة، لماذا هذه العودة إلى التاريخ الآن؟
هذه الرواية واقعية، وشخوصها موجودة فعلا، وهي جواب على البلبلة التي تمكنت منا كجزائريين بالنسبة للتاريخ وقراءة التاريخ، أما موقفي من الثورة فواضح لا لبس فيه، كان لا بد من الثورة ولا بد من الاستقلال وجاء الاستقلال وكان إيجابيا وسيبقى إيجابيا، لأن الفرق بين جزائر اليوم وجزائر الخمسينيات شاسع، أنا أستغرب حين يقول بعض المثقفين ماذا فعلنا. أذكر أننا حين كنا ندرس في الجامعة بعد الاستقلال كان عددنا حوالي خمسمئة طالب في كل الشعب، كم عدد الطلبة في الجامعات الجزائرية اليوم، كم عدد الجامعات اليوم، وكم عدد الثانويات والمستشفيات؟ الجزائريون وحتى بعض المثقفين منهم ينسون في بعض الأحيان هذه المنجزات، هناك فرق كبير بين ما كنا عليه خلال الاستعمار واليوم، كانت هناك مجاعة وأمراض مزمنة، اليوم خرجنا من هذا الوضع، لكن اليوم لا نجد الزخم الذي أحدثته الثورة، الثورة الرهيبة والنضال الثوري لجبهة التحرير الذي أدهش العالم وأدهش فرنسا، اليوم لا نجد تلك القوة في التنظيم وذلك الحس التنظيمي لدى الجبهة، ربما لأن الفارق الآن بين الأغنياء والفقراء أصبح رهيبا وذلك من الأشياء التي تؤلمني جدا.

العودة إلى التاريخ إذن، هي لمعالجة هذه البلبلة الموجودة لدى المثقفين وكأن هناك حتى من ندموا على الاستقلال، ويقولون ماذا فعلنا بالاستقلال وماذا أعطانا الاستقلال. أقول لهم أسكتوا، كيف كنتم وكيف كان آباؤكم؟
والدافع الآخرأيضا هو علاقتي بقريب وصديق، كان مقاوما وبعد الاستقلال كان له موقف صارم بالنسبة لأبيه الذي كان محافظا ورئيسا للشرطة بباتنة خلال الفترة الاستعمارية وبالنسبة لأخيه الذي انتمى إلى لوآس، حيث أعتبر أنهما لعبا مع التاريخ فأكلهما التاريخ، وهذا موقف عظيم، لكنه بدا شيئا فشيئا يتراجع، ويعكس موقفه البلبلة الحاصلة في أذهان المثقفين بصفة عامة، فأردت أن أطرح هذه القضية، قضية الريبة والشك التي بدأت تنخر النخاع الشوكي للناس والوطن، وفي نفس الوقت أنا لم يسبق لي تناول الغزو الفرنسي للجزائر فأردت مقاربة ذلك روائيا، كما أردت تناول المجازر الفرنسية التي بلغ ضحاياها الملايين، رغبت في تذكر وكتابة ذلك لأنه هاجس قائم بالنسبة لي منذ المراهقة وكالعادة لا استغل الأمور مباشرة، فلم أتناول في معركة قسنطينة مثلا الحرب بين سانت أرنو وأحمد باي، ولكن أخذت لمراسلات الجنرالات حول معركة قسنطينة ومعارك أخرى في العاصمة وتلمسان، سواء المراسلات التي تمت بين الجنرالات أو بينهم وبين عائلاتهم، لأقدم التاريخ في هشاشته وإنسانيته، فترى جنرالا كسانت أرنو الذي كان يراسل أخاه يوميا فيقول له مثلا قتلنا اليوم ستمئة واثنين وأربعين ذئبا وفي نفس الوقت يبدي تألمه لوفاة طفلة في العائلة بفرنسا، هذا يكشف عن عدم توازن غريب في الإنسان الذي يقتل أكثر من ستمئة شخصا ويتألم من جهة أخرى لوفاة شخص واحد. وهي أيضا فرصة لتقديم صورة عما عانته الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي.

بطل رواية "الصبار" يقول بأن المقاومين الذين ارتكبوا جرائم كان لهم الحق في الخطأ والحق في الجريمة، هل رأيك من رأي البطل، أي أنه يجب التغاضي عن الأخطاء التي حدثت أثناء الثورة؟
هناك طبعا تاريخ رسمي فيه الكثير من الصمت والخرافات والأشياء المسكوت عنها على الخصوص، فقضية عبان رمضان عانيت منها شخصيا ومنذ المراهقة، فكيف يقتل الرجل شنقا من طرف الرفقاء في ضيعة في تيطوان، وأظن أن هذه القضية تطرح لأول مرة في عمل روائي، وأيضا قضية ملوزة وأحداث أخرى، قام بها جيش التحرير مضطرا، فما حدث لم يحدث نتيجة روح القتل وإنما لظروف وضغوط الحرب، فضلا عن كون قادة المقاومة شبه أميين ويواجهون جيشا فرنسيا يلقي عليهم القنابل.
حاولت من خلال حادثة اغتيال عبان والتجاوزات التي حدثت وهي قليلة جدا وموجودة في كل الثورات أن أتناول جانبا لم أتطرق إليه من قبل ليس خوفا، ولكن لان وقتها لم يحن، والآن فإن المسكوت عنه بدأ ينطفئ وحتى المثقفين والمؤرخين والمهتمين بتاريخ الجزائر بدأوا يقدمون بعض الطروحات الجديدة الواقعية والتي تعطي توازن فجيش التحرير وإن أرتكب بعض التجاوزات فإنه لم يقم بها عمدا، فحتى قضية عبان فيها قليل من الموضوعية وقليل من الذاتية، فمؤتمر الصومام خلق شرخا حيث نجح عبان ديموقراطيا في انجاح المؤتمر و أصبح المسؤول الإيديولوجي لجبهة التحرير بصفته صاحب برنامج، وكريم بلقاسم و بوالصوف كانوا ضد محتوى وأسس البرنامج، هذا فيما يخص الجانب الموضوعي أما الجانب الذاتي الشخصي فإن عبان كان يصف كريم بآغيول، ما جعله ينفجر بعد كثير من الصبر.
من هذا المنظور فإن بطل الرواية لا يدين العقيد عميروش، فهو وإن أشار إلى استهدافه للمثقفين فإنه يسجل مساعدته لعدد كبير ممن نجاهم من الموت؟
نعم، نجى عشرين ألف شخص ويقال أنه كان مسؤولا عن وفاة ألفين، لقد نجى الكثير من المثقفين والعسكريين حين أصبحت الحرب ضروسا وهربهم إلى تونس، وأنا لذي الوثائق وحتى في عائلتي شهادات لناس أنقذهم عميروش، وأستطيع أن أقدم اسم سيدة من قسنطينة، هي فاطمة الزهرة فريخ اشتغلت مع عميروش وهربها إلى تونس، وبالنسبة لي ورغم أني لا أحب البطولة فإن عميروش بطل ومقاوم كبير.
مرة أخرى تصدر رواية جديدة لرشيد بوجدرة بفرنسا، ورغم القيمة الأدبية الكبيرة لأدب بوجدرة إلا أن الصحافة الأدبية في فرنسا والأوساط الأدبية واجهت الرواية كالعادة بنوع من الصمت، في الوقت الذي احتفت بروايات جزائرية أقل قيمة من "الصبار"، ما حكاية هذا الشرخ بين بوجدرة والدوائر الأدبية الفرنسية؟
هناك فعلا شرخ كبير، والدليل أن هذه الرواية ووجهت بصمت تام، هناك قطيعة مع بوجدرة خاصة و أن الموضوع الذي تطرحه هذه الرواية حساس الآن، حيث تأتي وقت الحديث عن تجريم الاستعمار الفرنسي، وفي وقت رفضت فرنسا الاعتراف بمجازرها، بالمقابل هناك بعض الجزائريين، دون أن أسمي أحدا، يكتبون في فرنسا روايات تتماشى مع الأفكار المطروحة هناك ومع المنظور السياسي والتاريخي لفرنسا اليمينية الرجعية، في الوقت تأتي روايتي ومن الطبيعي أن تواجه بالصمت التام.
هل يعني ذلك أن عدد المثقفين الفرنسيين النزهاء تناقص عما كان عليه في السابق؟
أظن ذلك،هذا هو الواقع صراحة، لأنه من الغريب ألا يعير ناقد في صحيفة فرنسية كبرى أهمية لهذه الرواية حتى و إن صدرت في فترة حساسة، وواضح أن هناك مقاطعة تامة، وكأنهم اتفقوا على أن تقاطع هذه الرواية، وعلى العكس من ذلك فإن الرواية قوبلت بترحاب كبير في الجزائر فالمقالات والاستجوابات كثيرة في الصحافة، المهم أن الرواية نجحت في بلادي الجزائر وهي الأخيرة في العقد الذي يربطني بالناشر الفرنسي.
وقد سئلت إذا كنت أفكر في المقروئية الفرنسية أو الجزائرية، وأجبت طبعا أني أفكر في المقروئية الجزائرية، ولا تهمني المقروئية الفرنسية، بالرغم من أن هناك بعض الفرنسيين الذين احترمهم لمواقفهم وهذه الرواية بالذات تعرض للفرنسيين التقدميين الذين هم من الشيوعيين وغير الشيوعيين والمسيحيين في الثورة الجزائرية، بطريقة رائعة وفيهم حتى من عذب وقتل، هذا هو شرف فرنسا أن يكون بعض أبنائها لعبوا دورا مشرفا خلال الثورة، هذا هو الضمير الفرنسي الإيجابي والشجاع الذي نحترمه.
بالعودة إلى الرواية نلاحظ أن عومار هو نظير التوأم في "فوضى الأشياء"، تماما كما نلاحظ أن الكاتب يبحث دائما عن شخص يسقط عليه بعض صفات البطل التقليدي المعروف في رواياته، هل أن عومار تعلّة لكتابة التاريخ من منظورين والرواية من زاويتين أم أنه شخصية واقعية حقا؟
هو شخص واقعي و تعلّة في آن، هو موجود وأستاذ في الطب في مكان ما من الجزائر، وفي نفس الوقت هو تعلّة، هذا الشخص "المسكين" التقي به بصفة عادية وبكثرة والآن أصبحت له عقدة بالنسبة لوالده وأخيه، حيث شرع في تأسيس أطروحة أخرى فحواها أن والده كان يشتغل مع الثورة وأن أخاه لم يكن عضوا في الأو آ س.
يستمر التناص الداخلي بضراوة في هذه الرواية كما في أغلب روايات بوجدرة والهواجس العائلية ذاتها، حيث نلمس عودة قمر صغرى زوجات الأب، وتوازي بين الهاجس التاريخي والهاجس الشخصي العائلي؟
بالضبط، الهاجس العائلي موجود و الأمر يتعلق حالة مرضية ولدي عقدة ذنب بالنسبة لهذه الأشياء من طفولتي، ولا علاقة لذلك بالخلفيات الدينية، كشخص أرى أن تعدد الزوجات يخلق مشاكل خطيرة داخل العائلة وأنا عشت هذا.

ايوب صابر 05-11-2012 03:36 PM

رشيد بوجدرة.. الكتابة والهوية
الاثنين, 10 يناير 2011 18:46



أصر الروائي رشيد بوجدرة في كل ما كتبه على أن يكون النص جزءا منه أولا؛ فهو ينطلق وفقا لما قاله وصرح به في كثير من المناسبات من تجارب حقيقية يحولها إلى أبعاد ترميزية قادرة على تقمص الحالة الإنسانية عموما أو الحالة الوطنية أو حالة الأمة في أبسط الدلالات.

أما الرافد الثاني الذي يغرف النص السردي منه أدبه الروائي فهو التراث العربي الإسلامي وما تضمنه من رموز عالمية كالجاحظ وابن خلدون وابن عربي وغيرهم، وهكذا يغدو أدب رشيد بوجدرة مدرسة ''استغرابية'' مناقضة للمدرسة الاستشراقية التي تفهم التراث العربي الإسلامي انطلاقا من الغايات الغربية؛ إذ أن رشيد بوجدرة يضمّن لغته الفرنسية وأدبها الغاية الوطنية والقومية والفهم القومي الأصيل للتراث العربي حين يعبر عنه باللغة الفرنسية، وبذلك يظل أدبه خارج السرب الفرنوكفوني بالرغم من الحروف الفرنسية التي يحبّر بها أدبه، وهو بعد ذلك يعمّق هذا البعد القومي حين يغازل الأندلس وإسبانيا واللغة الإسبانية ليزيل تلك الهيمنة الفرنكوفونية التي فرضتها اللغة الفرنسية في ظروف تاريخية معروفة.

والعمل الفني في جوهره هو هذا إذا كان صاحبه يعنيه جانب الصدق، وإذا كان يعنيه أصالة النبع الذي يستقي منه أدبه، بل إذا كان يريد لقارئه عالما روائيا حقيقيا، فهذا التصور الذي ينطلق بوجدرة منه يضمن للقارئ الفرنسي ولكل قارس باللغة الفرنسية التعرف على عوالم ثقافية وقيمية وجمالية غير متوفرة في التجربة الروائية الفرنسية؛ وهنا نتساءل: ماذا يمكن أن نقدم للقارئ الفرنسي إذا أعدنا كتابة فلوبير أو زولا أو بروست أو غرييي أو لو كليزيو؟

إن وجود بوجدرة ضمن كبار ممثلي الرواية الجديدة مع ''كلود سيمون'' و''آلان روب غرييي'' و''ناتالي ساروت''، لم ينسه البقاء ضمن الرواية المكتوبة بالفرنسية بعيدا عن الرواية الفرنسية، في موقف دقيق شديد التمييز بين مفهومين مختلفين هما: الأدب الفرنسي والأدب المكتوب بالفرنسية.

يبدو بوجدرة في هذه النقطة في غاية الحذر؛ حذر يمكن أن نستشفه من ذلك الموقف الصريح الحاد الذي وقفه من الروائية آسيا جبار حين رأى ضمها للأكاديمية الفرنسية اعترافا بانتمائها للرؤية الفرنسية، وخدمة الفرنكوفونية، وهذا يعني أنه يميز بين اللغة التعبير واللغة الموقف، ويبدو أن هذه الرؤية الحذرة هي التي جعلته يعود إلى التعبير العربي والمساهمة في السرد العربي بدءا من ''التفكّك'' سنة 1982 وهو عنوان شديد الدلالة على التحول من الفرنسية إلى العربية. ومن التفكك إلى ''المرث'' عام ,1984 ثم المرث في (1984) وليليات امرأة آرق عام (1985) ومعركة الزقاق في (1986) وتلت هذه الإبداعات مرحلة تأمل واندهاش أمام المشهد الدامي الذي عرفته الساحة الوطنية من تمزق عام كان اقتتال الجزائريين أبرزها، فاستدعت المرحلة قول الموقف السياسي قبل الموقف الفني كسرا لجدار الصمت بداية التسعينيات فكانت ''فوضى الأشياء'' عام (1990) و''تيميمون'' عام .1994

إن بوجدرة المسكون بالتعبير عن ذاته الباحث في لغة غيره عن إمكانية تصوير أعماقه كان من المنتظر أن يعود إلى العربية التي رآها قادرة على أن تمنحه إمكانات أوسع لتجسيد ذاته وثقافتها وحضارتها وواقعها من خلال الطاقات التعبيرية المختزنة في الفصحى وعامياتها وفي كل الألسن الجزائرية العربية والأمازيغية، وهي الطاقات التي قد لا تستطيع الفرنسية التعامل معها بسهولة، بالنظر إلى تلك العلاقة العميقة الموجودة بين العربية وبقية الألسن الجزائرية التي كثيرا ما تستقي قيمها التعبيرية من العربية ذاتها، وبذلك يكون التعبير العربي حاضنا طبيعيا لها في العمل السردي، بل لعل هذه الطاقات المختزنة في ''العربيات'' هي التي جعلت الرجل يرى أن الأدب الناطق بالعربية في الجزائر أكثر عمقا من التعبير الفرنسي، غير آبه بمسألة الكم القرائي الذي كثيرا ما يثار في هذا السياق.

يمكن القول كذلك بأن هذه الأصالة الفنية التي حققها رشيد بوجدرة قد تكون هي التي أغرت عددا من كتاب الرواية العربية في الجزائر لتجريب كتابة الرواية باللغة الفرنسية، لكن عودة رشيد بوجدرة إلى العربية هي ضمن البحث الفني الأكثر ثراء، قبل أن تكون عودة إيديولوجية - إن سلمنا بإيديولوجية لغة التعبير- مع العلم أن معظم حالات التعبير الفرنسي لدى الجزائريين قد شهدت هذا ''الهاجس الرجوعي'' الذي نجده قويا لدى مالك حداد الذي أعلن موقفه بشكل صريح حين عد الفرنسية منفى، وفي غصرار مولود فرعون على تجسيد حياة قريته ولغة قريته بإدخال عدد من الكلمات المحلية ككلمة ''الجماعة'' التي يذكرها حرفيا بهذا الشكل، ويظهر هذا الهاجس بقوة أيضا في بوح محمد ديب الفني الذي راح يترجم من العامية ومن الثقافة العربية ويحاول التقرب من الروح العربية قدر المستطاع ، فقال مثلا:

je te coupe la parole je couperai dans ta bouche du mielويبدو بوجدرة مولعا بالمضي في هذا الخط إلى أبعد الحدود حين يورد نصوصا لكبار الكتاب والعلماء العرب في رواياته، بل وحين يدخل في تفاصيل اللغة اليومية الجزائرية ليتمكن من دخول ذاته بصدق لا تمنحها له إلا اللغة العربية.

منقول من صفحة الأثر بجريدة الجزائر نيوز[b]

ايوب صابر 05-11-2012 06:55 PM

عناصر صنعت عبقرية رشيد بوجدرة:
يقول في مقابلاته :
- قضية الأب بالنسبة إليّ هي الهاجسي المركزي، العقدة المركزية، ولم أقصد أبي الشخصي فحسب، وإنما الأب كسلطة بصفة عامة، لقد عشت تلك أمور، ومن خلال المناخ الإقطاعي الأبوي في البيت كانت علاقات زنا المحارم طبيعية، وكتبتها لأني عشتها رغم أنفي، أنا أغتصبت (بضم الألف) من طرق نساء منهن زوجة أبي، وأختي، فلم استعمل ذلك من أجل الإثارة، وإنما هو الواقع، وكل ما عملته هو أني وضعتها في قالب تقني روائي وفق ما أسمه "عقاقيري".. لم تأت محرجة أو جارحة، وإنما في قالب شعري.

- إذا كنت تتحدث عن العائلة الكبيرة الأب والإخوان والأخوات، فالأمور واضحة، أنا لدي علاقة مرضية مع الأب، وهذا معروف، هذا الوضع قد يستغربه بعض الناس، فحتى بعض أصدقائي المثقفين يقولون لي لا مستحيل أن يكره شخص أباه، أنا لدي مشكل مرضي لم أشف منه، ولا زلت أعاني من هذه العقدة المرضية، الأم المتوفية بالنسبة لي أيقونة، وعدا الأب العلاقة بالآخرين عادية، بإستثناء بقية الإخوة والأخوات من الأب والذين ليس لدي علاقة بهم، بصراحة. بالنسبة للأبناء أن لدي بنت واحدة وهي أيضا متزوجة ولها بنت وحيدة هي الأخرى، علاقتي مع ابنتي وزوجتي طيبة جدا، وهما بالنسبة لي صديقتين وكذلك الشأن بالنسبة لحفيدتي التي هي الآن في العشرين وتدرس بمدرسة عليا في باريس، العلاقة هنا أكثر من زوجية وأبوية، إنها علاقة صداقة ورفقة، وهن يحملن معي عبء مشاكل البلد، ومشاكلي العائلية بسيطة طبعا، وليس لدي مشاكل أساسية، فالاتصال متواجد وحتى إديولوجيا فإنني مع زوجتي وابنتي ندور في محور واحد وفلك واحد.

اذا هو شخص مأزوم ويتم اجتماعي بسبب علاقتة مع الاب وهو يتيم الام رغم اننا لا نعرف على وجه التحديد متى ماتت الام.

يتيم

ايوب صابر 05-12-2012 11:26 AM

76- القبر المجهول احمد ولد عبد القادرموريتانيا
بنية الخطاب ودلالتها في رواية القبر المجهول لأحمد ولد عبد القادر :
مساهمة في الكشف عن خصوصية السرد الموريتاني
لمحمد الأمين ولد مولاي إبراهيم
تقديم : سعيد يقطين
1 . تتطور الدراسات السردية العربية باطراد . و تظهر بين الفينة والأخرى إسهامات تسلك الطريق نفسه ، وتتفاعل مع المنجزات السابقة حوارا وإغناء . هذا الوضع لا يمكن إلا أن يدفع في اتجاه تأكيد أن التراكم مهم جدا في هذا المضمار . و لا يمكن في نطاق الوضع العربي الحالي إلا تثمين هذا المنحى من الاهتمام و الدراسة وتشجيعه . واتخاذ الموقف السلبي من هذه التجارب ، وكيفما كانت االذرائع ، لا يمكنه إلا أن يكون ضد مجرى التحول الذي يعرفه مسار البحث السردي العربي . ولا يمكن أن يكون مآل هذا الموقف في النهاية إلا الفشل الذريع لأن مايتحقق باستمرار يوحي إلى أن هناك إصرارا على الاستمرار ، وبذل المزيد من الجهد والعطاء.
1 . 1 . لقد أتيح لي في الآونة الأخيرة ( 1) أن أطلع على أعمال عربية تؤكد ما أومأت إليه أعلاه . تشير هذه الأعمال إلى أن هذه الإسهامات لا تتوقف على بلدان عربية عريقة في مجال الإبداع السردي ( مصر ، سوريا ، العراق . . . ) و لا تقتصر على الاهتمام بالبحث فيه والتنظير له ( المغرب ، تونس ، مصر . . . ) ، لأنها صارت تأتينا من بلاد عربية لا نعرف ، لأسباب تاريخية واجتماعية ، أشياء ذات بال عن إبداعها السردي ، وانشغالات باحثيها و دارسيها بالقضايا السردية مثل اليمن ، وليبيا ، وموريتانيا . . .
1 . 2 . إن الإنصات إلى هذه التجارب ، سواء على المستوى الإبداعي أو النقدي ، ضروري لتطوير فكرنا الأدبي عامة والسردي خاصة ، نظرا لما يمكن أن تزخر به التجارب المختلفة من غنى وتنوع يساهم في إثراء الكل الذي تنتمي إليه . وأي تعال أو إحساس بالتفوق في هذا المجال ، ومهما كانت أسبابه أو مبرراته ، لا يمكنه إلا أن يوازي الموقف السلبي من الدراسات السردية الجديدة ، لأنه ضد التحول ، والتطور ، اللذين نعدهما رهان الإنسان العربي الحديث.
2 . نعرف في عالمنا العربي ظاهرتين لا يمكن إلا أن ننعتهما بالسلبية . هذان الموقفان هما :
2 . 1 . الموقف السلبي من الجديد فقط لأنه جديد ، وإن كانت تقدم تبريرات لا وجاهة لها . وإلى الآن ما يزال هذا الموقف يبدو بأشكال متعددة في الكتب والجرائد ضد الاتجاهات النقدية العربي الجديدة ، بذريعة ” انتمائها ” أو ” ا ستلهامها” أو محاكاتها للنظريات الغربية.
2 . 2 . التمييز بين مكونات العالم العربي ، والمفاضلة بينها : فهناك من جهة المشرق أولا ، والمغرب ثانيا . وهناك من جهة أخرى داخل القسمة نفسها ، مشرق مركز ( مصر ، الشام ، العراق… ) ، ومشرق هامش (اليمن ، عُمان …) ، ومغرب مركز ( المغرب ، الجزائر ، تونس ) ومغرب هامش (ليبيا ، موريتانيا ) . هذا التمييز بنوعيه ، وذاك الموقف السلبي من الجديد ينبنيان على مواقف جاهزة ومسبقة سلفا . ومن نتائجها على المستوى الفكري والثقافي ممارسة السجال مع الأفكار الجديدة بدل قراءتها ومحاورتها ، من جهة ، وممارسة التهميش وعدم الاهتمام بكل ما ينتج خارج ” المركز ” .
هذان الموقفان ، لايمكنهما إلا أن يساهما في عرقلة أي تطور منشود ، كما أنهما لا يمكن إلا أن يشوشا على أي انفتاح إيجابي على مختلف العطاءات والاجتهادات العربية مهما كان فضاء انتمائها . لكن الاقتناع بجدوى الانفتاح على فكر الآخر والاستفادة منه ، والانفتاح على مختلف الاجتهادات العربية في مختلف البلاد العربية فموجود كذلك لدى فئات واسعة من المثقفين والناشرين . وهؤلاء هم الرهان الأساس لتجاوز كل مثبطات التطور ومعوقات التقدم…
3 . تأتي أهمية عمل الباحث محمد الأمين ولد مولاي إبراهيم حول : ” بنية الخطاب ودلالتها في رواية “القبر المجهول أو الأصول ” لأحمد ولد عبد القادر ( مساهمة في الكشف عن خصوصية السرد الموريتاني ) ” لتصب في مجرى التطور الذي بدأت تحققه الدراسات السردية العربية من جهة ، ولتبرز من جهة ثانية أن هذه المساهمة تأتي من باحث من موريطانيا . ومعنى ذلك بعبارة أخرى أكثر ابتعادا عن المساجلة ، وأكثر انفتاحا على المستقبل ، أن السرديات تتطور في دراساتنا الأدبية ، وأن ما اعتبر أطراف العالم العربي صارت له إسهاماته في هذا المضمار . ولا يمكن والحال هذه إلا التأكيد على حيوية هذا المسار الجديد الذي لم يتحقق في أي حقبة من تاريخنا العربي الحديث .
3 . 1 . إن لهذا الكتاب قيمة خاصة في الدراسات السردية العربية الحديثة . وتبرز هذه القيمة من خلال مايلي :
3 . 1 . 1 . إنه طليعي في مجاله ، لأنه يقدم أرضية تركيبية وتأسيسية للأدب العربي في موريطانيا بصفة عامة ، وللسرد بصورة خاصة . يؤطر الباحث هذا الأدب في النطاق الاجتماعي والثقافي للمجتمع الموريطاني الحديث ، ويضعه في إطار تحولات المجتمع والأدب العربيين . وبذلك يثبت الروابط المتينة التي تصل بين مختلف مكونات العالم العربي . وهذه الأرضية بقدر ما تقدم معرفة ، وتفيد غير المطلع ، وغير المواكب لما يمور في هذه الرقعة من عالمنا العربي ، تساعد القارئ العربي في موريطانيا على تشكيل تصور متكامل ، وتدفعه إلى الإسهام في هذه التجربة حوارا ونقاشا لا يمكن إلا أن يثمر على المستوى المتوسط و البعيد .
3 . 1 . 2 . لا يقف هذا العمل عند حدود تقديم صورة تركيبية لواقع الأدب الحديث في موريطانيا ، ولكنه أيضا يقدم معرفة ببعض ما يتميز به السرد العربي في موريطانيا من أنواع ( مثل الأقفاف والبراوة … ) ظلت مجهولة لدى القاريء العربي ومقصاة من دائرة الاهتمام من لدن الباحث الموريطاني . وأعتبر شخصيا أن من أهم حسنات الاهتمام بالسرد في أدبنا العربي الحديث من وجهة نظر جديدة ، تبرز في تنبيهنا إلى العديد من الأشكال والأنواع السردية والأدبية التي يحفل بها أدبنا قديما ، والتي لم نلتفت إليها تحت تأثير هيمنة “الشعري” على تصورنا للإبداع الأدبي . ولعل المجتمع العربي في موريطانيا يزخر بتراث سردي شفاهي لم يتم الالتفات إليه والاهتمام به . ولا أشك في أن الباحث محمد الأمين وزملاءه سيضطلعون بمهمة البحث فيه ، والعمل على جمعه وتدوينه ودراسته . ولا يمكن إلا التأكيد على أن هذا الصنيع يفيد كثيرا الدرس والإبداع العربيين معا ، بما يختزنه من إمكانات وطاقات . كما أن اهتمام الباحث بالسرد في موريطانيا يكسر لدى القارئ أسطورة الشعر في مويطانيا ذات المليون شاعر ، ويثير انتباهه إلى أنها أيضا بلد السرد ، ويمكن انتظار الشيء الكثير من كتاب السرد العربي في موريطانيا إذا ما أحسنوا الإنصات إلى السرد الشعبي واهتموا بما يختزنه من تجارب وعطاءات .
3 . 2 . لم يكتف الباحث في هذا الكتاب بتقديم المعرفة عن هذا الفضاء الثقافي ، ولكنه زاوج بين النظري والتطبيقي ، فأبان عن قدرة فائقة في استيعاب وتمثل النظريات السردية الحديثة ، وأحسن التفاعل مع العطاءات العربية في هذا المضمار ، فقدم لنا بذلك تجربة متميزة سواء في قراءته لرواية القبر المجهول من حيث بنياتها الخطابية أو النصية . فوقف على خصوصياتها السردية ، وعوالمها الدلالية . وبذلك نؤكد أن السرديات العربية تتطور باستمرار ، وتتطور باطراد بمساهمة باحثين ودارسين من مختلف البلاد العربية ، ودونها الشيء الكثير الذي ينتظرها في سبيل التطور حتى تساهم في بلورة رؤية جديدة لإبداعنا العربي قديمه وحديثه ، وما اعتبر منه “عالما ” أو ” شعبيا ” أو ” مركزيا ” أو “محيطا ” لأنه بدون الاهتمام بمختلف هذه العطاءات تظل رؤيتنا محدودة ، وقاصرة عن الشمول الذي يتميز به العالم العربي .
3 . 3 . أملي أخيرا ، أن أرى أعمالا أخرى للباحث محمد الأمين ولد مولاي إبراهيم تتصل بالسرد العربي في موريطانيا الحديثة والقديمة ، وبالسرد العربي قديمه وحديثه . وآمل أن يتواصل الحوار والنقاش حول السرديات العربية حتى تنتقل إلى مستوى علمي رفيع في ثقافتنا . ومثل إسهامات الباحث في كتابه هذا الذي سررت بتقديمه تفتح مجالا رحبا للأمل، والثقة في المستقبل . سعيد يقطين

ايوب صابر 05-12-2012 11:28 AM

البنية الفنية والدلالية في ثلاثروايات

الكاتب : محمد الحسن ولد محمد المصطفي

2009-06-17


ومعلوم أن الأدب الموريتاني الكلاسيكي عاش نهضة أدبية كبيرة منذ أوائل القرن السابع عشر حتى مطالع القرن العشرين، وصفها الأستاذ الدكتور طه الحاجري بقوله : "إن الصورة الأدبية التي أتيح لنا أن نواها لشنقيط في هذين القرنين جديرة أن تعدل الحكم الذي اتفق مؤرخو الأدب العربي عامة في هذه الفترة عليه فهو عندهم وكما تقضي اثاره التي بين أيديهم، أدب يمثل الضعف والركاكة والفسولة"، في صياغته وصوره ومعانيه. إذ كانت هذه الصورة تمثل لنا الأدب في وضع مختلف يأبى هذا الحكم أشد الإباء، فهو - في جملته - أدب جزل بعيد عن التهافت والفسوله (1) ولقد لعبت عوامل كثيرة أدوارا مختلفة في عدم اطلاع الأشقاء العرب نقادا وقراء على هذا الأدب. بجميع مناحيه قديمه وحديثه إلا نادرا، منها أن معظمه لم يطبع بعد، وإن ظهر للعيان فإنما في صحف ومجلات محلية لا تحظى بقدر من التوزيع الخارجي يعتد به، ومنها أيضا غياب استراتيجية عربية مشتركة للنشر والتوزيع، وأولا وأخيرا افتقاد سياسة محلية تعني بطبع وتوزيع الكتاب الموريتاني. ومن ثم فإن النشر ظل رهين مبادرات الأفراد ونضالهم الشخصي لإثبات الوجود وإيجاد وسيلة اتصال بالقاريء من هذه الزوايا مجتمعة يمكن فهم النوع الأدبي الذي نحن بصدده وهو الرواية.لقد ابتدأ الاهتمام بالرواية منذ اتجه الأدب بشكل عام في ذلك البلد ينحو منحى التحديث مع بداية الستينات، وتميزت هذه الفترة بالحصول على الاستقلال سنة 1960 وبروز معالم الدولة، والانفتاح على التجربة النهضوية العربية، حيث أسهمت البعثات، والمكتبات الوطنية والعربية بالقسط الأكبر من وسائل ذلك الانفتاح.

غير أن الرواية لم تتجذر كشكل إبداعي يعتد به إلا منذ أواخر السبعينات وظهرت أول رواية إلى النور سنة 1981 وهي رواية (الأسماء المتغيرة) لأحمد ولد عبد القادر، ثم تبعتها رواية (القبر المجهول) للكاتب نفسه سنة 1984 ثم ظهرت رواية (أحمد الوادي) للشيخ ماء العينين بن شبيه سنة 1987 على أن من الملحوظ أن ظهورها تأخر نسبيا قياسا على الشعر، ويرجع ذلك في نظرنا إلى أن الشعر كان موجودا في البلاد منذ قرون فسهل على الشعراء استيعاب آليات التحديث ما دامت أصول الفن موجودة لديهم، واذا كانت الرواية بنت العصر الحديث في الأدب العربي، فما بالك بالأدب العربي الموريتاني. كان لابد أن تمر فترة زمنية كافية لاكتشاف هذا النوع الأدبي والاطلاع المعمق عليه، ثم اختمار التجربة، وأخيرا الكتابة.

وقد مثلت الرواية التاريخية أولية الرواية الموريتانية، وكانت شديدة الارتباط بالواقع، فرصدت تحولاته، وهزاته، ولم تجعل همها التأريخ للأحداث والاشخاص بل جعلت الوقائع التاريخية خلفيات تنفذ منها الى واقع فني يصدق على المجموع ولكنه لا يخص أحدا بعينه وهنا اكتسبت قيمتها الأدبية.

أما الرواية الثالثة فترتد الى ما نسميه تيار الواقعية الرمزية، وقد اهتم الشيخ ماء العينين - كاتب الرواية - برصد الواقع في مدينة أطار ونواكشوط وتتبع حيثياته، واعتنى بتحديد مميزات أبطاله ونوازعهم وطموحاتهم وصدماتهم، غير أنه جعل إطار الرواية العام رمزيا هو (الوادي)، وهذا النمط من الكتابة الروائية حاضر في الأدب العربي الحديث تجسده أعمال نجيب محفوظ المتأخرة، وجبرا ابراهيم جبرا، وسليم بركات، وابراهيم أصلان، وصنع الله ابراهيم.

ونظر الى أن هذه الدراسة تأسيسية وتطمح ال أن تخاطب الغالبية العظمي من المهتمين بالدراسات الأدبية، والذين ربما لا يعرفون شيئا يذكر عن الرواية في هذه البلاد فاننا سنتوقف بطريقة بانورامية غير مخلة عند مجمل المناحي الفنية والدلالية للروايات الثلاث.

اعتمد السرد في الروايات الثلاث على طريقة الراوي الغائب أو كلي المعرفة ولا يكاد يغيب الكاتب نهائيا ويحضر الراوي إلا في رواية (أحمد الوادي) حيث يحافظ الكاتب عل مسافة مناسبة بينه وبين العمل تاركا المجال للراوي ليتحرك بالأحداث.

وكان حضور الزمن في الروايات الثلاث قويا، وهو زمن متحكم في مصائر العباد يديرهم كما يشاء. "أرى بروقا تتخافق مزجية نوءا ثقيلا قد يشكل نزوله الليلة نهاية الصيف وبداية الخريف وصمت الرئيس محدثا نفسه" ونحن العربان في هذا الفصل يحل علينا موسم القتال "الجمال قوية والطرقات تتخلها الأضون المطريه" (2).

وفي "الأسماء المتغيرة" و"القبر المجهول" يكون الزمن أداة الحياة والنماء والموت، فهو موسم المطر والخير، وهو فصل الجفاف والعطش والرياح الحمراء وهو في القبر المجهول خصوصا كما رأينا من خلال الاستشهاد يكتسي دلالة مركبة ففصل المطر يتزامن مع استئناف الحروب والصراعات القبلية، بينما يهدأ الناس في فصل الصيف ويامن بعضهم بعضا وذلك مظهر من مظاهر تراجيدية الحياة البدوية التي تصورها الرواية.

ويرتبط الزمن في "أحمد الوادي" بلحظات العجز عن تحقيق الآمال الإنسانية والخطط الحياتية.

وقد تعددت أنماط التصرف في الزمن الروائي فتنوعت الاسترجاعات والتلخيصات وقلت الوقفات والثغرات، وبلغت المشاهد في القبر المجهول أربعة، واقتصرت على مشهد واحد في الفصلين الأولين في "الأسماء المتغيرة" وخلت "أحمد الوادي" من أي مشهد فلم تتأزم الأحداث ولم تنحبس الأنقاس على مدارها وذلك نابع من تقنيتها التي لا تهتم بما نسميه اللحظات البؤرة أي اللحظات الحاسمة التي تفصل الرواية.

واذا كان المكان البدوي ساد الروايتين الأوليين الى حد كبير، فإن المكان الحضري وسم الرواية الثالثة بميسمه، وتوزعت الأمكنة البدوية بين أمكنة خارجية (فضاء) وأمكنة داخلية مغلقة كالخيمة، أو مفتوحة كالمسجد، وهو غالبا شجرة وارفة الظلال في وسط الحي، وكانت الأمكنة الفضاء مسرحا للمعارك والحروب والضحايا، كما هي مأوى قطاع الطرق وسراق المواشي، والحيوانات المفترسة التي تعترض القوافل والبشر، وبشكل عام، انعكست نظرة الإنسان البدوي على المكان فكان المكان الداخلي بالنسبة له مصدر الأمان النفسي، في حين ظل المكان الفضاء عنصر قلق دائما، ولعل ما كان يمزق نظرته للمكان شعوره أنه مصدر رزقه ومكمن هلاكه، وهو في الوقت نفسه قدره الذي ليس عنه من محيد.. ورمزت الأمكنة الحضرية الى درجة من الاستقرار والأمان فكان الوادي مصدر الخيرات والنظام ورمز العودة الى الأصول والهروب من حياة المدينة المعاصرة وأزماتها الخانقة وجسدت شخصية البطل في "الأسماء المتغيرة" مثالا للشخصية النامية في الرواية.. تلك الشخصية التي ترصد تطوراتها الفكرية والبدنية منذ الطفولة حتى مراحل متأخرة، أو حتى الموت:

"سألني أحدهم ليلة : هل أفهم الفرق بين الحرية الشخصية والحرية الاجتماعية فأجبتهم أن سميدع قال لي : إنني لما كنت راعيا مملوكا كنت محروما من الأولى وبعد خروجي من سجن وتسخير القاعدة الفرنسية، كانت حاجتي الى الثانية مشكلتي آنذاك "(3)

إنه بطل ناضل لتغيير واقعا الشخص فلما تصور أنه انتصر عليه فوجيه بالقيود الاجتماعية تكبله،وترفض اندماجه.

وعكس أشخاص (القبر المجهول) عمق الصراع الذي كان دائرا بين الفئات الموريتانية في فترة مضطربة من تاريخ البلاد.

وتميزت شخصيتا بطلي (أحمد الوادي) القاسم، وأحمد بالتناقض وعدم وضوح الرؤية إزاء نموذجي "الغرب والريف" واتسمت تصرفاتهما بالعبثية والشعور بضرورة الاستمرار في تمثيل دور المقاوم انتظارا للمصير المحتوم. وضعف في الروايات الثلاث وصف الشخصيات، ولم يتجاوز سطورا معدودة واستخدم الحوار كعنصر فني يوضح الشخصية ويكشف أبعادها المختلفة ونوازعها النفسية، كما وظف كآلية سردية لنمو الأحداث واختزال الأفعال.

وقد تتبعت رواية "الأسماء المتغيرة" المجتمع الموريتاني منذ كان يعيش البنية البدوية مرورا بالمرحلة الاستعمارية وانتهاء بسنوات الاستقلال الأولى وبروز معالم دولة حديثة، ومجتمع شبه حديث، تقدم ذلك في سياق عرفي لا يهتم كثيرا بالتوقف عند كل لحظة بعينها.

«والأسماء المتغيرة» تثير إشكالية الهوية : هوية الفرد والمجتمع والدولة. إنها استشراف للتغيير، وتبدل البنى الاجتماعية السائدة، ومحاولة إيجاد مجتمع جديد لا تقوم أسسه على قيم الاستغلال وإنما تنبني على المساواة والعدالة الاجتماعية، ولكنه استشراف وأمل سرعان ما يتكسر أمام يأس عميق من الواقع وشعور باستحالة التغيير يصبح معه الفعل البشري مجرد عمل عبثي، أو نوعا من عدم الرغبة في الركون الى الاستسلام، فالمجتمع خرج من ربقة الصراعات الأهلية ليدخل في معاناة الاحتلال، وما إن شع الأمل في الخلاص حتى سقط من جديد في دوامة الصراع.. وهو صراع انحسم في نهاية الرواية بهزيمة الحركة الشبابية.

إنها مأساة مجتمع يبحث عن الهوية الداخلية والخارجية، ولئن نال الهوية الخارجية بعد لأي بقبوله عربيا من خلال الجامعة العربية سنة 1973م إلا انه ظل فاقد الإحساس بالهوية الداخلية يحاول أن يصنع لنفسه أسسا للتعامل تكرس مجتمع الدولة لا تجمع القبيلة. واذا كان الكاتب قد أوحى بعنوان روايته أن الأسماء تتغير وكل شي ء يتغير فإن تبدلا حقيقيا لا يطرأ، وبعبارة أخرى فالأسماء تتغير، وأما الجواهر فتظل ثابتة على حالها.

أما رواية "القبر المجهول" فتنحو منحى غير بعيد عن د«الأسماء المتغيرة» إذ أن مؤلفهما واحد، كما عرفنا، وهمومه في نهاية المطاف مترابطة، ومع ذلك فهما لا تسيران في المسار نفسه.. فاذا كانت «الأسماء المتغيرة» تنحو منحى البانوراما التاريخية للمجتمع الموريتاني عبر الزمن، فإن «القبر المجهول» تنتقي فترة زمنية محدودة لا تتجاوز عقدين من الزمن ينتميان للمرحلة السابقة للاحتلال الفرنسي فهي إذن تصوير لما يمكن أن نسميه المجتمع الموريتاني في عهد الفطرة، أي قبل ورود مؤثرات خارجية فعالجت أنماط حياته والصراعات التي تدور بين فئاته حول مناطق النفوذ العسكري والروحي، ولعل الفكرة العامة التي تحكمها هي أن الأصول متغيرة بينما الوظائف الاجتماعية ثابتة، فوظيفة القبيلة الحسانية (المحاربة) ثابتة، ولكن القبيلة نفسها كواقعة تاريخية متغيرة. كذلك وظيفة القبيلة الزاوية (العالمة) وقل مثل ذلك في القبيلة الزناقية أو التابعة. إنها بنية تتحول عناصرها وتنفير كما تتقلب رمال الصحراء التي تتمسرح عليها الأحداث.

ويذهب الأستاذ محمد ولد عبدالحي الى انه "إذا كانت رواية الأسماء المتغيرة" محكومة بنظرة التمجيد للمقاومة الوطنية والغيرة على الوطن فان رواية القبر المجهول محكومة بنظرة ترد كل شيء الى العامل الطبيعي وتتسم بالقلق إزاء الصراع القبلي وإيديولوجيته المهيمنة، والرواية الأولى محكومة بجو سنوات الأمل في بداية عقد السبعينات، والثانية محكومة بسنوات الإحباط في نهاية السبعينات وبدايه الثمانينات." (4)

أما رواية (أحمد الوادي) للشيخ ماء العينين فهي من ذلك النوح من الروايات العربية الذي يتجه الى تحليل العلاقة مع الأخر / الغرب وبعبارة أخرى كيف يمكن للمثقف الذي درس في الغرب وعاش فيه سنوات طويلة وتثاقف مع حضارة تتباين أشد التباين مع الحضارة التي ينتمي اليها ونمط الحياة الذي كان يعيش في بلده أن يعيد ارتباطه بوطنه.

وبطلها الأول أحمد، شاب تنقل بين بلاد الغرب وثقف علومه وثقافاته ثم عاد مصدوما يحمل أفكارا وتصورات أخرى للحياة مطالبا بالاكتفاء الذاتي والاعتماد على القيم القديمة النابهة من الأرض أما البطل الثاني القاسم فقد قام بنفس التجربة تقريبا ولكنه عاد متحمسا مدافعا عن الغرب وثقافته مطالبا بتطبيقها بحذافيرها:

"إن أهله (الريف) يعيشون في اتكالية عمياء ويؤمنون بالخرافات الى حد يثبط نشاطهم.. إن وضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية يجب أن يقضي عليها. وتعيش جميع الشعوب والجماعات الوسائل والأنظمة التي توصلت اليها الإنسانية في القرن العشرين". (5)

والحق أن تجربة أحمد هي "تجربة الأصالة وصادق الإنتماء، وهي البناء الأصيل وريشة الفنان الأصيل، وكأن الهروب من المدينة الى الغابة الذي عرف عند الرومانسيين أصبح عند ابن الصحراء الذي لا يعرف الغابة هو الهروب الى (الوادي) حيث النخيل المنعزل في أعماق الصحراء وهو هروب يائس مصيره الفشل مسبقا ولكنه في نظر أحمد الوادي وأصحابه هو الملجأ الوحيد والطريق السليم ولا يضره بعد ذلك أن يكون الطريق المسدود". (6)

أما القاسم في مرحلته الأساسية، فهو مثل مصطفى سعيد في (موسم الهجرة الى الشمال) إنه (نموذج) لهؤلاء الذين ذابوا في حضارة الغرب وأسلموا أنفسهم لها، غائبين عن الوعي فاقدين للروح النقدية المبنية على أساس استيعابهم أصلا لقدرة شعبهم وإمكاناته بما يتيح لهم أن ينفذوا الى جوهر حضارتهم الأصلية، وجوهر الحضارة الغربية معا فيعرفوا ماذا ينبغي أن يأخذوا وماذا ينبغي أن يتركوا بمعنى إجراء جوار إيجابي مع هذه الحضارة. (7)

وفي كل الأحوال فإن نموذج أحمد كان متطرفا في انزوائه كما كان نموذج القاسم مبالغا في انفتاحه

ايوب صابر 05-12-2012 11:29 AM

قــــراءة نقـــــدية فـــــيروايــــــة «القبر المجهول أو الأصول»



د. عبد الله أبو
هيف


تندرج رواية أحمد ولد عبد القادر «القبر المجهول أو الأصول
» في رواية التأرخة التي تسند التخييل السردي إلى أصالة التاريخ في موريتانياوجغرافيتها الصحراوية والمدينية معاً وتمازجات هذه الأصالة التاريخية مع عناصرالتمثيل الثقافي، إذ تأخذ العادات والتقاليد والطقوس والأعراف في مدلولات الأضرحةوالعقائد والأصول الناظمة للسلطان الديني والاجتماعي الذي يفضي إلى هيمنة السلطانالسياسي وطغيانه اعتماداً على السلاح المادي من جهة، والفتن والمخادعة والتضليل منجهة أخرى.
وتقوم الرواية على تشابكات الخطاب الروائي من طبيعة المعتقد الديني
إلى مشكلات الصراع السياسي ولبوسها بلبوسهما الاجتماعي، ويظهر غطاؤهما التاريخيتعبيراً عن أشكال الصراع العسكري والسياسي في موريتانيا بخاصة وفي الوطن العربيبعامة، فقد عانى العرب خلال القرن العشرين من الانقلابات والطغيان والقمع وهدرالإمكانية العربية من أجل التحكم بالسلطان السياسي واستغلال الثروات والسيادةوالحرية.. إلخ. ولو تأملنا في التطورات السياسية الموريتانية منذ نصف قرن حتىاليوم، لوجدنا الصراعات العاصفة والمدمرة بين سلطة وأخرى، مثلما يطرح السلطانالسياسي العربي في موريتانيا وسواها العزف على المأثور الديني والعقائدي والثقافيوتعليلها ضمن سيرورة تاريخية، وهذا جلي في هذه الرواية المبنية على مدلول الضريحالمقدس أو المبارك (المجهول) في الصحراء ومدلولات الصراع القبلي بين مالكي المالوالثروة من خلال السلاح والسلطة، ومالكي الجاه والعلم والنفوذ الثقافي الروحي، وبينالمضطهدين الذين يندفعون إلى أي سبيل متاح لهم في المواجهة، ولو كانت الحيل والفتنوالمخادعة والتضليل.. الخ.
مهّد الروائي لضبط المنظور السردي بالإيماء إلى دلالة
القبر المجهول ومعنى الأصول في الفصل الأول عن «الضريح» (والفصول كلها مرقمة)،إثارة للتساؤلات العميقة حول قيمته عند المسلمين، فهل هو قبر لأحد الأولياءوالصالحين المعروفين أم لأحد عمالقة العصور الماضية البعيدة والقرون الغابرة، أم «لأحد المسلمين من الجان شُهر على هذا النحو ليزوره أصدقاؤه من الإنس تبركاً منهووفاء للعهد؟!» (ص5)، ولُفت النظر إلى امرأة مختبئة (هي أو الولد صاحب الضريح الذيمات ودفن رضيعاً) بين شجيرات طلح ملتفة حول بعضها البعض، بينما تكاثر عدد مرتاديهالذين يحضرون أخشاباً لحمايته، ويتبركون منه.
ثم كشف السرد في الفصول اللاحقة
واكتمال دائرته في الفصل الأخير (26) أن القبر لوليد ميمونة التي أحبها ابن عمهاسلامي ولد الهادي، كما أشرنا إلى ذلك، وتزوجها دون معرفة أمها، و غادر البلاد لطلبالعلم، ووعد بالعودة بعد شهرين، غير أن غيابه طال ثماني سنوات، في الحج والإقامة فيمصر دارساً ومدرساً في الأزهر.
ثم هربت ميمونة من منزل أمها مطرودة من زوج الأم،
لتدفن وليدها الذي مات في الصحراء عطشاً، ووضعت على قبره أخشاباً وقاية من الرمال،وأقامت في منطقة أخرى، وتزوجت هناك لفقدان الأمل بعودة زوجها سلامي.
وأبان الفصل
الأخير حقيقة الضريح عند والديه فحسب، إذ صار مزاراً عند الجميع، فقد عاد سلامي،وصار شيخاً، وتزوج امرأة أخرى لدى إخباره عن وفاة ميمونة، فزار الضريح الذي كثرتحوله الحكايات، وتشعبت الروايات «حول استجابة الدعاء عنده، لما لصاحبه المجهول منجاه عظيم عند الله» (ص248).
واقترب الفقيه من موضع القبر، وصلى ركعتي الضحى
قبالة رأس الضريح، وفوجئ بوجود زوجته الحبيبة الفقيدة ميمونة بنت الهادي، ولميخامره أي شك في أنها هي بعينها، وشاءت الأقدار أن يلتقيا في هذا المكان عند قبرولديهما، وظهر جوهر الصراع بينهما، على أنه، برأيها «الخائن، الكاذب، المخادع» (ص251)، و«الخسيس المتحايل النصاب!» (ص252)، وجاهرته أن دعاءه لن يستجاب، «لأن اللهعاقبك بالداء على جريمتك النكراء» (ص252)، واتهمته بالجهل والبلادة، وأنه مغفل،و«أن المدفون هنا هو ولدك، فضحتني وكنت وحدك المسؤول عن قتله يا مجرم» (ص253).
ورفضت أن تقصّ عليه حكايتها، ولن تستمع إلى «أساطيره» (ص254)، ونبذت
نداءه لعودتها، وهي لن تخون زوجها، ما دامت نمداوية وفية، وهددته بالمقدرة على صرعهوتعفيره، بل على ردمه هنا في التراب إلى جانب ولده المظلوم (ص256- 257).
وخطا
إلى الوراء بعد تهديدها، وربط في دعائه بين المدلول الأعم للقبر المجهول والمدلولالأخص لجوهر الصراع المتأصل في الذات: «سبحان خالق الأصول ومغيرها! سبحان من قسّمالأقدار والأقسام وحددها!» (ص257).
وأدغم المنظور الروائي بالتأرخة والتمثيل
الثقافي لإضاءة معنى الأصول في تصوير الصراع بين ثلاثة مناطق بدوية في الصحراءسماها الروائي أحياء، الأولى «من قبيلة أولاد اسويلم: حسانيون محاربون أشداء، كسبهممن المواشي قليل، إلا أنهم مسلحون بالبنادق، ولديهم بعض الخيول المسومة العربيةالعتيقة»، والثانية من قبيلة أولاد عبد الرحمن: «عشيرة زوايا من قبائل العلمالمتخصصة أصلاً في تدريسه، والعمل بمقتضاه، مجردة من السلاح، ولكن لديها مواشٍكثيرة»، والثالثة من قبيلة أولاد إحميدان: زناقة عزل تقريباً من السلاح والعلم،ولكن مواشيهم أكثر من حيوانات الحيين الآخرين مجتمعين، على أن في أموالهم حقاًلأولاد اسويلم أهل السلاح والسلطة، وآخر لأولاد عبد الرحمن بحكم النفوذ الثقافيوالروحي» (ص7).
وأوحى المنظور الروائي ضمن عملية ضبط أغراض السرد النابعة من
«الأصول» في المجتمع الموريتاني، إذ تتعدد القبائل والعشائر في براري الصحراءتمثيلاً للقوى المتصارعة باسم الدين أو السلاح أو المال في فئات حسان المتحكمةبالسلطة زمناً بالسلاح التقليدي وسواه والزوايا المتسلحة بالدين والثقافة، وأزناقةالمظلومة والمضطهدة من الفئات الأخرى، وصور الراوي المضمر العارف بالواقع وتحولاتهاتسيّد فئة على أخرى من ببكر ولد عثمان وجرفون وغزوهم لأولاد أعميرة وأولاد احميدان،إلى حرب شكرود وأبديهل انتصاراً للثاني على الأول، إلى انتفاضة ديلول وأولاداحميدان الذين صاروا الحكام الجدد لأولاد اسويلم وأولاد أعميرة الذين رضخوا مع فئةالزوايا أو فئة أزناقة، فقد ثبت «أنهم قتلوا كثيراً وكثيراً جداً من الرجال!» (ص225)، واعترفوا أنهم سحقوهم «سحقاً.. وفرّ بعضهم بدون أسلحة، واعترضهم كمين منرجالنا المسلحين بالسيوف والفؤوس ومزقوهم في لحظات..!» (ص229)، وزاد ديلول من تدريبقومه على الرماية وأعمال الفروسية بعد نجاح الانتفاضة، حرصاً على السيادة والمقدرةعلى تنفيذ الخدائع! (ص234).
واندغم سرد قصة القبر المجهول الناجم عن مكابدة
العيش الذي أفسد مصير ميمونة وولدها الرضيع الميت، بسرد قصة الأصول، عندما عادسلامي ليجد تبدلات الأحوال في انتقال السلطة ممن كانوا مظلومين ليصبحوا ظالمين، علىأن الحاكم ليس بإرادة الآخرين، بل بتسلله إلى السلطة كلما أمعن في التلاعبوالاحتيال والمخادعة والإرهاب والعنف دفاعاً عن نفسه وممارسة للجور والطغيان علىالآخر تبديلاً لموقع العدو من الداخل، ولقد مات الكثيرون، وأُنتهكت أعراضهموممتلكاتهم وحياتهم، لذلك تكررت تسمية الأعداء كثيراً من فئة إلى أخرى، وما يندرجفي منظومتها المأساوية، مثل أرض الأعداء والرصاص والقتال والمعارك والموت والحرب،حتى أن طرفاً من هذه الفئات شبّه هذه الحرب «بحرب البسوس التي توجد أخبارها فيالكتب، والتي دارت في الجاهلية بين تغلب الأراقم وأبناء عمهم بني بكر..!» (ص93).
ولطالما رددت الأطراف انتظارها للمعركة الحقيقية التي ما زالت أمامهم
«عندما نلتقي بذلك الشيطان المقطوع الأصابع ورجاله» (ص97).
ولا يكتفي المقاتلون
بمجرد النصر على الفئة أو الفئات الأخرى، بل يربطون معاركهم بموت هذه الفئة أوالفئات الأخرى، كوصف سلامي لديلول: «ولكن شكرود أطلق حال سقوطه على الأرض آخر رصاصةعنده، فاستقرت بين كتفي الأعور، وزحف إليه على بطنه ليقطع رأسه قبل أن يلتفت إلىكسر ساقه» (ص113).
ولعل مثل هذه المحاورة بين أفراد فئة مقاتلة كاشفة عن مدى
استغراق الفئات جميعها في ارتهان «النصر»، تجاوزاً بالقضاء على الفئاتالأخرى:
«-
أظن أن علينا الآن أن نعجل تعبئة الجيش لغزو الأعداء. ولو تمكنا من
القضاء على شخص شكرود، كما فعلنا بأبيه وأشقائه، فلن تبقى أمامنا عقبة في طريقالانتصار المحقق على أولاد اسويلم» (ص139).
ووصفت العلاقة بين الفئات «بالدائرة
الجهنمية» (ص152)، وكأن الفئة الواحدة تحارب عدداً بالفعل من خارج هذه الفئاتالواحدة:
«-
لأن الحرب سجال، والشرّ جرّ، البسوس دامت أكثر من مائة سنة. وعدم
الغزو ليس دليل ضعف. في بعض السنوات تتالت غزوات أولاد أسويلم، وبقي الآخرونمدافعين. إنهم يتبادلون الأدوار، يوماً لهذا ويوم لذاك.. هذا يغزو وذاك يدافع..» (ص155).
وأشار قتل شكرود غدراً من آخر، وهما يتقاتلان، إلى طبيعة الحياة الخانعة
للصراعات المخادعة والمضللة والظالمة، إذ رُمي بسهم مارق، و«لعلع الرصاص من بندقيةمعتوق ولد بلال في مكمنه، وأصاب شكروداً في خاصرته اليمنى، ونفذ من اليسرى، وسقطمجدلاً على قفاه بعيداً عن فرسه وإعفاج بطنه المرتمية على مسافة عشرة أمتار من نقطةمصرعه!» (ص202).
وقد اعتمد أحمد ولد عبد القادر في بناء الرواية على التقانات
التالية:
أ- التأرخة
:
وسمي التاريخ زمناً موريتانياً قديماً جداً «بالنظر إلى
مدى اختلاف ظروف حياة أهله عن عادات وظروف حياتنا نحن أبناء اليوم، والقريب جداًبالنظر إلى درجة ابتعاده في الماضي، وهو العقدان الرابع والخامس من القرن التاسععشر الميلادي» (ص7).
وربط التاريخ بجغرافية المكان وامتدادها العربي لدى وصف
البيئة والمناخ والطقس والأعراف في هذه المنطقة الصحراوية إلماحاً إلى الدلالاتالكامنة عن طبيعة الحياة المعذبة تحت وطأة الصراع الدائم للتسيد علىالحكم.
وأفاد المنظور الروائي إلى مجازية السرد نحو إفصاح الخطاب عن الغرض
المراد، مثل استنطاق التأرخة للسياسة الراهنة، حين سمّي أحد السادة «رئيساً سياسياًللعشيرة» (ص50).
وأكثر الروائي من إيراد أسماء الأماكن والمدن والقرى والمناطق
إلى جانبها مثل الرقيطة وتقانت وآراء وأجبتين وأفلة والركيز وأفان وتيرس والحلة.. الخ.
ب- العتبات السردية
:
عمد الروائي أحمد ولد عبد القادر إلى العناية
بالعتبات السردية مثل العنوان ودلالاته في التبئير لإظهار القصد الروائي. وثمة شروحعديدة لمفردات وتراكيب وأسماء لدى استخدامها في النص الروائي من أجل توضيحالمدلولات الخافية، وأورد أمثلة لذلك:
-
التوالة: نظام للضيافة، اتبعته بعض
قبائل الزوايا.. الخ (ص29).
-
حلق القرن: عادة عُرفت قديماً عند القبائل المسلحة
الحسانية.. الخ (ص34).
-
السلام عليك: لفظ التحية عند قدماء قبيلة النمادي
الصيادين (ص98).
-
التلاليس: في اللهجة الحسانية، خيمة الصوف التي تشققت مسوحها
لقدمها، أو قطعة منها بالية.. الخ (ص137).
-
القراقيز: واحدها أقرقز، وتنطق
شعبياً آقراقيز من أصل منهاجي، جلود الغزلان.. الخ (ص164).
ج- التناص
:
لجأ
الروائي إلى التناص تدعيماً لعناصر التمثيل الثقافي، ولا سيما النصوص الدينيةالإسلامية كالقرآن الكريم والأحاديث الشريفة والسيرة النبوية والدعاء والصلاة وصلاةالاستسقاء.. الخ. مثلما أدغم بعض الحقول الدلالية بالأمثال الشعبية، في عشراتالأماكن ص81، 85، 101، 140، 148، 179، 186، 188، 195، 210، 212، 214، 220.. الخ.
وأضاف إليها الشعر الشعبي للشاعر الشعبي الموريتاني القديم سيدي عبد الله
بن أحمد بن أحمد دام الحسني (ص246- 258)، اختتاماً لحال الصراع الدائر خاتمةللرواية:
ومن صحب الأيام أنأين جاره

وأدنت له من ليس بالمتداني

أوحت
الرواية من خلال التعالق النصي بين قصة القبر المجهول وقصة الأصول في هذه المنطقةالصحراوية وتواصلها مع المناطق المدينية في موريتانيا أن وصف الحروب الدامية بينالفئات العربية تؤدي إلى العذاب والقتل والدمار بتأثير استلام سلطة الحكم، إشارةإلى استمرار الانقلابات العسكرية في العديد من الأنظمة العربية التي لا تنتج إلاانعدام الحرية ودوام الاستبداد.
<
أحمد ولد عبد القادر: القبر المجهول أو
الأصول، رواية، الدار التونسية، تونس، 1984، وتشير الإحالات إلى الطبعة الثانية،المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مكتبة الأسرة العربية، سلسلة الكتابالعربي 8، تونس، 2003.

ايوب صابر 05-12-2012 11:30 AM

احمد بن عبد القادر
شاعر موريتاني
ولد عام 1941 في بادية الجنوب الغربي الموريتاني في مضارب قبيلة الحسنيين المشتهرين بتعاطي الشعر وعلوم اللغة العربية والشريعة. درس في محاضرها والتحق متأخرا بالتعليم النظامي ثم زاول التدريس في المدارس الحكومية بالتعليم الابتدائي من عام 1965 إلى 1971.
كان من مؤسسي حركة القوميين العرب في موريتانيا في ستينيات القرن المنصرم قبل أن يتحول يسارا مع جورج حبش إثر هزيمة 1967. شارك في تحرير نشرية موريتانيا الفتاة وهي أول نشرية للقوميين العرب بموريتانيا. كما عمل محرراً في نشرية صحيفة المظلوم السرية التي كانت تصدرها الحركة الوطنية الديمقراطية في بدايات السبعينيات. عضو لجنة القيادة المحلية لحركة القوميين العرب عام 1966. عرف السجن السياسي ثلاث مرات في الستينيات والسبعينيات. وتسلم وظائف سامية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم.
عضو اتحاد المؤرخين العرب وله حضور بارز في المشاهد الثقافية العربية في العراق والشام والخليج. ترأس منتدى المعرفة, وكان أمين عام اتحاد الأدباء الموريتانيين بين أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات. له ديوانا شعر جمع في الأول منهما كل القصائد ما بين 1961 إلى 1977، ونُشر ببيروت بعنوان "أصداء الرمال" عام 1981.ثم "كوابيس" المنشور في المملكة المغربية2002 له ثلاث روايات هي: الأسماء المتغيرة ، القبر المجهول،والعيون الشاخصة. شاعر ملتزم اهتم بقضايا وطنه وأمته ونالت القضية الفلسطينية حيزا كبيرا في شعره ومنه قصيدته التي اشتهرت في ستينيات القرن العشرين:
في الجماهير تكمن المعجزات :::: ومن الظلم تولد الحريات
ومن العسف في فلسطين قامت :::: ثورة الفتح يفتديها الأباة
مكثت في النفوس عشرين عاما :::: تتعاطى لهيبها الكلمات ثم سارت على صعيد الليالي :::: ضربات تشدها ضربات ورصاصا يجول قصفا وضربا :::: وتلاشى النحيب والزفرات دير يس ما نسينا دمانا :::: في ربانا تدوسها النظرات دير يس ما نسينا عظاما :::: نسفتها الرياح والهبوات
المصدر

copied from : http://www.zuhlool.org/wiki/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A8%D9%86_%D8%B9%D8%A8 %D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%AF%D8%B1 وله روايتان هما: (الأسماء المتغيرة) و (القبر المجهول). من قصائده: صوت الفن بمناسبة تأسيس الرابطة الموريتانية للآداب والفنون سنة 1976 بيـن خفـق الـرؤى وذوب الخـيـال وإقتحـام المـنـى عـيـون المـحـال والأغـانـي المجنـحـات سـكـارى سابحـات فــي مـوكـب الأمــال طبعا غنتها الفنانه العظيمة:ديمي منت آبة والأغنية شهيرة بـ: "ريشة الفن" سنحاول هنا نقل بعض من اشعاره
بيـن خفـق الـرؤى وذوب الخـيـال وإقتحـام المـنـى عـيـون المـحـال والأغـانـي المجنـحـات سـكـارى سابحـات فــي مـوكـب الأمــال نـهـض الـنـاي والـيـراع وقــالا كلمـات بيـض الحـروف الصقـال : هل لهذا الوجود لهذا الوجود معنى إذا لم يتـفـهـم هـويـتـي ومـجـالـي ؟ وأنـاشـيـد مـزمــري تـتـغـذى مـن صـدى أنتـي وفرحـة بالـي ؟ كـنـت حلـمـا معـلـلا بالأمـانـي همـسـات تـجـوب درب الـكـلال تــارة أبـصـر الحـيـاة أخــرى وأبصر الصمت فـي ضميـر الليالـي أنـا اليـوم صرخـة تركـب الــريـ ـح جـوادا نعلـو مـتـون الجـبـال وأنــا الـيـوم مشـعـل عـبـقـري يـزرع النـور فـي جبيـن الــزوال وأنـا اليـوم فتيـة صاحـبـو الــفـ ـن ونالـو مـن وحيـه كـل غــال ورحـيـق الجـمـال بـيـن يديـهـم مشـرب للنفـوس صـافـي الــزلال يتـعـاطـون بـــرده وشــــذاه فــي كــؤوس ظلالـهـا كـالآلـي نحتـوهـا مــن كـوكـب قـمـري فـي سمـاء الفنـون صعـب المنـال يتجلـى فـي الشعـر جـدول سحـر ضفـتـاه مــن روعــة وجــلال قزحـي الأنـفـاس يحـمـل فيـضـا أبـديــا يـهـتــز كـالـشــلال وتـــراه رســمــا ونـقـشــا نمنمـتـه يــد البـهـا والـكـمـال مثـل مايـبـدع السـحـاب إذا مــا عانـق الأرض بعـد قطـع الـوصـال بـالـنـدى والـغـصـون هــونــا وحلـى الـورود والضيـا والـظـلال هللـي مورتـان مـاذاك إلا ومـضـة مـــن سـراجــك الـمـتـلالـي هلـلـي يــا بــلاد مـانـحـن إلا قـطـرة مــن معيـنـك السلـسـال وأبـشـري صفـقـي لوثـبـة نـبـع ظـل يسـقـي مـواكـب الأجـيـال حـاول الغـرب حبـسـه ذات يــوم عـن مجاريـه عبـر هـذي الـرمـال وأنبـرى يمضـغ السـدود ويـجـري لايـبـالـي بشـأنـهـا لا يـبـالـي وتسـامـى أصـالــة وشـمـوخـا فـي رحـاب الخلـود ثــر نــوال نهضـة ترفـع المـعـارف جـسـرا ذهبـيـا يـرقـى بـهـا للمـعـالـي فكرها عزمها مـن الجمـود وضـرب لـنـوايـا المستـعـمـر المـحـتـال فتعالـي أقلامـنـا نسـبـر الـعـصـ ـر ودنيـا الألـوان دنـيـا المـقـال ريـشـة الـفـن بلـسـم وســـلاح ودليـل يضـيـئ وعــي الـرجـال إنـهـا عـالـم الحـقـائـق يـحـيـا بيـن خفـق الـرؤى وذوب الخـيـال
موكب النور مهرجان الشباب العربي بغداد 1977 موكب النور هل ترى مـن بعيـد وجـه مشتاقـك الحزيـن العنيـد أنـا طيـف وخاطـري عـربـي لم يصافحك بعـد مـوت الجـدود أنا شنقيـط هـل سمعـت بوحـي من رمالي أو درة من عقـودي ؟ جئتـك اليـوم زائـرا شـعـوري باقـة الفخـر والوفـا للعهـودي عندمـا عربـد النخيـل فـؤادي وأنبرى خاطـري وثـار قصيـدي أيـه بغـداد أيـن منـا زمــان كنت فيه وكـان عهـد الرشيـد ؟ كيف صار الهـلال بـدرا فشمسـا تلبس الكـون حلـة مـن ورود ؟ وزرعـنـا حـضـارة وعلـومـا وقطفنـا ثمـار نـبـع الخـلـود أي خـطـب اصابـنـا فنزلـنـا من عروش الضحى لسفح الركود ؟ مالـذي أذبـل الشمـوع لـمـاذا لم نصنها وهل ترى مـن جديـد ؟ إيه دار السـلام هـل أنـت عيـد يتباهـى بألـف عيـد وعـيـد ؟ أبـحـار عسـجـد أم ريـــاح من لهيب تمـوج عبـر البنـود ؟ أم حشود الشبـاب هبـت لتمحـو حبل الرين يالهـا مـن حشـود ؟ هاجر الزهر وألتقـى بعدمـا ظـل حبيس الشـذى رهيـف القيـود : زغرد الماء في السواقـي وغنـى طائـر الأمـس لحنـه للخـلـود ورفـات الزمـان تطـوي بعيـدا تسفـح الـدرب للزمـان الجديـد يا بـذور الحيـاة أهـلا وسهـلا بعنـاق الحبيـب بعـد الـصـدود حان بعث الشموس هيـا أرفعوهـا في طريـق المستقبـل المنشـود وأنيطوا عن وجههـا يـا بنيهـا كفن الغيم حـان صهـر الجهـود قـدمـوهـا هـديــة لـربـنـا فجروهـا علـى هضـاب الجليـد إن قدسـنـا ضـبـاب دمــوع تحفـر الأرض باللظـى والحديـد باركوهـا تنهـل شرقـا وغربـا وتغسـل العـار بالعطـاء المجيـد خـذوهـا لـكـل جـــرح دواء وأنسجوهـا لفـائـف التضمـيـد طمئنـو الخائفيـن إن لـم يفـيـ ـيقوا أنها صرخة العزيز الوليـد إنهـا المشعـل الكبيـر يـنـادي إنهـا وحـدة المصيـر السعـيـد

الليل في علوائه

اللـيـل فــي غـلـوائـه والنـجـم فــي لألائــه والبـوم فـي جنـح الدجـى تنـسـاب عـبـر نـدائـه مـوجـات لـحـن عـاثـر مستـأنـسـا بـدعـائــه فـي ذالـك الجـو الغـريـ ـب بـأرضـه وسـمـائـه تتجـاوب الأصـداء حــو ل قريـة السهـل الكئـيـب والليـل يمـضـي ساكـنـا في موكب الصمت الرهيـب سامرتـه فـي مروجـه ... وسـألـتـه إذ لايـجـيـب هــلا أزحــت ستـائـرا من وطأة الهـول الغريـب ؟ وتجيـب أبــوام الـدجـى في الفجر حيا علـى الفـلاح وتقـوم أشبـاح الصـبـاح كأنهـا رهـن الجـراح ... بـشـر يكـابـد مـرهـقـا عبء التخلـف فـي كفـاح ويموج في مرعـى الضنـى رهـج العجاجـة والصيـاح هـذا إلـى الحقـل البعيـد يسيـر فـي خطـو حزيـن يتوشـح المـحـراث لــم يعـرف سـواه مـن معيـن هـذي تسيـر بطفلـهـا الـ ـوسنـان عريـان السنيـن حتى تـروي الجـرة الـسـ ـعفـاء مـن مـاء وطيـن وتعـود للـكـوخ العتـيـق إلـى الهواجـس والأنـيـن البـيـر فــي مستـنـقـع داسـتـه أقــدام الـذئـاب وتمـرغ الأطـفـال فــي جنباتـه بـعـد السـحـاب لكنـهـا قـبـل الضـحـة ترتـاده قـصـد الـشـراب تخشـى إزدحـام الوارديـن وتتـقـي لـغـو السـبـاب حتـى إذا شـاب النـهـار وصار يرنـو فـي شحـوب قرب الدجى والدرة الحـمـ ـراء تجـنـح لـلـغـروب ستعـود أشـبـاح المـسـا بيـن المسالـك والــدروب بشـر يعانـي كــل مــا تحوي التعاسة من ضـروب وتـرى وجـوه الهائمـيـن العائـديـن مــع القطـيـع مـرتـاحـة لرجـوعـهـا كتبسـم الطفـل الرضـيـع قسمـاتـهـا لا تنـجـلـي سمـراء كالحـظ الصريـع نظـراتـهـا مـلـتـاعـة سـوداء كالحلـم الفظـيـع الـنـار تـوقـد هـاهـنـا يتجمـهـرون ويصطـلـون وتسـود أجـراس المـسـا روح البساطـة والمـجـون يـاقـوم مـاهـذا الخـنـا ياقـوم ماهـذا السـكـون ؟ أفهـكـذا يــا أخـوتــي أو هكذا تمضـي القـرون ؟ والنـاس غـيـر بـلادكـم ركبـوا الحديـد والنـجـوم صاغـو العدالـة والـرخـا ونصرو الضعيف على الظلوم فتضاحـك السـمـار مــن قــول تقـاذفـه الهـمـوم مستغربـيـن نصيـحـتـي يتسألـون مـن المـلـوم ؟ أبناؤنـا درســو العـلـوم وحصلـو لــب الحـيـاة جــاؤو إليـنـا مـــرة قالـو لـنـا أنـتـم بــداة مـن متحـف التـاريـخ لا تتحـركـو مــن سـبـات قلنـا لهـم نـحـن الـبـدا ة فأيـن أيـن نـرى الهـداة هــلا أتيـتـم يــا ورود النـور والعصـر الجديـد ؟ لتعـلـمـونـا حـكـمــة منـهـا نفـيـد ونستفـيـد لكـنـهـم لا يـحـسـنـو ن سوى الكـلام بـلا مزيـد إن كنـت تسعـى سعيـهـم فأتـرك حديـثـا لا يفـيـد إنـا هـنـا نحـيـا حـيـا ة البائسـيـن الصـابـريـن نحيـي عهـود الغابـريـن وسنـة عــن الصالحـيـن نرعـى الحقـول ونرتجـي قسطا مـن السيـل الضنيـن نتوشـح المـحـراث لــم نعـرف سـواه مـن معيـن الـنـار يخـبـو زنـدهـا متجرعـا فـقـد الـضـرام والكـون عـاوده الـدجـى والنـور حـاق بـه القتـام ونـام الرفـاق السـاهـرون ولـم تشـأ عينـي المـنـام مـتـفــردا والـغـابــة الصمـاء تصغـي للـظـلام اللـيـل فــي غـلـوائـه والنـجـم فــي لألائــه والبـوم فـي جنـح الدجـى تنـسـاب عـبـر نـدائـه

قصة شعب 28نوفمبر 1966
فرحة العيـد أيقظـت ذكرياتـي من صميمي وحركت خطراتـي حول ماض يعطيك قصة شعـب عبـق بالفخـار والمكرومـات زاره عقبـة المجاهـد قـدمـا حاملا ديـن أفضـل النسمـات وأنتمى بعـد ذا لقيـس وذهـل وقريـش العـلا وسعـد منـاة عاش الدهر يصطفيـه ويحمـي عـزه بالطمـوح والمعجـزات كلمـا دارت الـقـرون تــراه مستنار الجبيـن صلـب القنـاة كلمـا درات الـقـرون تــراه يرضع العز من زمـان مـوات يبعـث العلـم والثقافـة نـورا نابعـا مـن مناضليـه الأبــاة بينما كـان هكـذا فـي الزمـان يرقص الحظ حولـه فـي أنـاة إذ تبدى علـى سمـاه إغبـرار شاحب الوجـه أقتـم الجنبـات وتـاه المستعمـرون فـلا أهـ ـلا ولا مرحبا بهم مـن طغـاة يزرعون الظلام بين جبال الـنـ ـور حتـى تحـاط بالظلمـات ويشيـدون كـل قصـر منيـف من محاصيـل للجيـاع العـراة ويعيثـون بـالأيـادي فتلـقـى كـل قيـد ملـطـخ الحلـقـات محنـا ذقتهـا مضامـا كقومـي خانعـا تحـت وطـأة النكبـات هائمـا كالصـدى تلقفـه الأعـ ـماق أوكالأحـلام والخلجـات نفسـي جمـرة وقلبـي لهيـب فـي لهيـب تمجـه زفـراتـي وأنيـن الحيـاة وهـو جـريـح بـفـؤادي مقـطـع النـبـرات فيه ألف وألـف ألـف إنطـلاق حائـر بيـن زحمـة النبضـات وانعتاق الوجـود ألهـم نفسـي حكمـة قلتهـا بذاتـي لـذاتـي ليـس فـي عـالـم الـعـذاب مثل خنق الحياة في ذي الحيـاة ماكفى الظالمين خمسـون عامـا من ضياع الحقـوق والحريـات ماكفاهم حـز الرقـاب جزافـا ماكفتهـم فظائـع المنـكـرات لم يرعهـم إلا سواعـد شعبـي رفعت مـن ثمـار رأي الثقـات شعلـى كالـدم المثـار تلظـى في أحمرار جهنمـي السمـات حيث كان الجهاد بحـر هـلاك عبـرتـه أقدامـنـا بـثـبـات وأسـتـقـلـت بــلادنـــا بإتحـاد الصفـوف والجبهـات فأتحاد الصفوف أمضى سـلاح ضد كيـد المستعمريـن العتـاة وأعتمدنا علـى الشبـاب فأحيـا دورنـا فـي تجـاوز العقبـات وفهمنـا أن النضـال ســواء كطعـان بالرمـح دون شـبـاة أيهـا العيـد إن ذكـراك رمـز لنهوض الشعوب وبعد السبـات قد ملأت الصدور أمنـا وبشـرا وأنـرت الوجـود بالبسـمـات فأتسم بالخلـود وألبـس حـلاه سوف تأتي قهرا وتاتـي وتاتـي سوف نحميـك بالدمـاء فترقـى لامعـا فـي مواكـب النيـرات سوف نعطيك لا محالـة معنـى جئت من أجلـه ربـوع البـداة سوف ندني إليك كـل المعانـي ونوازي موصوفهـا بالصفـات سوف نعطي الجياع خبزا ونسقي ظمأ الأرض بالمعيـن الفـرات سوف نعطي الجهال علما ودينـا ورثـوه عـن الجـدود الهـداة وأنت عيدي إن كنـت هـذا وإلا لست عيدي ولست عيـد لداتـي فأنعتاق الوجـود ألهـم نفسـي حكمـة قلتهـا بذاتـي لـذاتـي ليس في عالـم العـذاب عـذاب مثل خنق الحياة في ذي الحيـاة
في الجماهير تكمن المعجزات في الجماهير تكمن المعجزات *** ومن الظلم تولد الحرياتُ ومن الشعب في فلسطين قامت *** ثورة الفتح يفتديها الأباةُ مكثت في النفوس عشرين عاما *** تتعاطى لهيبها الكلمات ثم صارن على صعيد الليــالي *** ضرباتٍ تشدها ضربـات ورصاصا يجول قصفا وضربا *** وتلاشى النحيب والزفراتُ دير ياسين ما نسينا دمانا *** في ربانا تدوسها النظرات دير ياسين ما نسينا عظاما *** نسفتها الرياح والهبوات جرحتنا مخالب الدهر يوما *** وتلاقى على ربانا الغزاة واعتمدنا على سوانا زمانا *** وألهتْنا الدموع والحسرات غير أنّا قد انتفضنا وثرنا *** ثورة لا تردها الفتكــات نحن شعب قد صلّبته المآسي *** سهرته الآلام والنكبات نسكن النار لا نبالي لظاها *** زادنا العزم والإبا والثبات نتلقى الشهيد عزا ونصرا *** والضحايا توديعهم حفلات ونغني للموت بل ونراها *** في سبيل الحياة هي الحياة ونغني حتى الجراح تغني *** في الجماهير تكمن المعجزات يتبع منقول أبوالفحفاح 09-30-2009, 04:56 PM بنت الجبيل
بنت الجبيل
بنت الجبيل سلاما درة الجبل ويا شفانا من الأدواء والعلل! وزهرة من سواد العصر طالعة بيضاء، حمراء، شوب الفجر بالطفل يا أبعد البعد – في أهلي وفي وطني وأقرب القرب من دمعي ومن أملي لا أبرد الله جفنا غير ذي سهر لما لقيت وقلبا غير مشتعل.. من أي أجبال أرض الشام جاء أبو- ك الصلد ينحت شمراخا من المُـثُل ِ وما اسمه؟ هل ذرى لبنان محتده؟ أم الجليل أم الجولان ذو الجدل؟ حاشاك ما أنت من طين ولا حجر وإنما أنت (شقرا) من بني زحل! العز عزك لا زيفا ولا كذبا والنصرُ نصرك فوق التاج والحلل هذي أساطير صهيون ممزقة على تلالكِ والأشلاءُ في الوحل لهفي على الأحمر الشلال منسكبا ما بين نهديك والخدين والمُـقل.. مجازر الظلم لا فكر يعاتبها ولو بشيء من الإنكار والخجل! بنت الجبيل.. تعالتْ فوقنا شرفا لأنها عن سبيل الحق لم تمل قانا وصبرا وشاتيلا تباركها ودير ياسين بالتهليل والقُبَل! والمسلمون وأبناء العروبة في ريب الفجاءة بين النوم والجذل.. يسّاءلون ونصر الله يخطبهم: ..لا تعجبوا من ثمار الحادث الجلل" توبوا إلى الله من أمراض فرقتكم وهذبوا القول والإيمانَ بالعمل حتى تهاوى عروش العابثين بنا والمارقين على التاريخ والرسل".
موريتان يا «مورتانُ» لكِ الكِلاءةُ والظفـرْ فابقي إلى جنب العروبةِ لا مفـرْ فيها لشعبـكِ قبـلُ عـزٌّ شامـخٌ نِعْم المقامُ بـه ونعـم المستقـر شعبٌ يحنّ إلى الجميل ويكتسـي حُللَ السماحةِ لا يُبالي من هجـر وترى وتعرف فيه من أسلافه الْـ ـغُرِّ الأعزّة من كِنانةَ أو مُضـر كرماً، حَيا، ووفا، وحُسنَ ضيافـةٍ وشجاعةً ترمي وتقذف بالشـرر فتخالـه فـي عهـدهـم لكـنّـهُ يدعو إلى الحُسنى ويؤمن بالقـدر شعـبٌ يغـار لدينـه ولعِرضـهِ بحماسةٍ تنفي الهوانَ فـلا تـذر شعبٌ دعتْه من المحيط إلى الخَلِيـ ـجِ أواصرُ القُربى فلبّى واعتمـر شعبٌ بـه تجـد الـدواةُ قوامَهـا تحت الخيامِ وتحت أكواخِ الشجـر كم فتيةٍ عكفـتْ علـى كاساتهـا سَحَراً تَعلّلُ من أحاديـث السمـر تسقيـهـمُ بغنائـهـا فـنّـانـةٌ كأسَ التأوّهِ تِلـوَ كاسـاتٍ أُخَـر فتميل من فوق الـرؤوسِ عمائـمٌ خضرٌ فتنتثـر البلاغـةُ كالـدُّرر هـذا يُعالـج وصـفَ ناقتـه وذا مُتغزِّلٌ يشكو الصَّبابـةَ والسهـر ويخوض ذو التاريخِ فيه وربّمـا جنحوا إلى «الفرّاء» فاتّضح الخبر يتسابقون إلى الهدى مهمـا بـدا وإذا يُنادي الجهـلُ كـلا لا وَزَر تدعوهـم للبـدو أعـرقُ نزعـةٍ فيرون للبدو العدولَ عن الحضـر كم عاينوا خطرَ الصحارى رُحَّـلاً يرتاد رائدُهـم مقاييـسَ المطـر والشربُ شاهٌ والكراسـي أَرْحـلٌ فوق الهجائنِ والمصابيحُ القمـر يا ساكني بطنِ الجزيـرةِ ساكنـي مهدِ الحضارةِ والديانـة والعِبَـر حيّاكـم شـعـبٌ نــأى لكـنّـهُ يدنو ويقرب في المآسي والبُشَـر تلك الأصالة لا نُريـد لنـا بهـا بدلاً، ولا ترضى سوانا في البَشَر الضادُ يشهد وَهْو أعـدلُ شاهـدٍ والخلقُ يشهد والعوائـد والسِّيَـر
منقول بتصرف

ايوب صابر 05-12-2012 11:35 AM

تطور الحركة الشعرية الموريتانية




مقدم الحلقة
محمد كريشان
ضيف الحلقة
أحمد ولد عبد القادر، شاعر موريتاني
تاريخ الحلقة
11/12/2000







أحمد بن عبد القادر




محمد كريشان:
أشهر ما توصف به موريتانيا هو أنها بلد المليون شاعر وبغض النظر عن مدى دقة التعبير فإن ظاهرة كثرة الشعراء التي نشأت وترعرعت هنا في أعماق الصحراء ما تزال مستمرة رغم تغير الأحوال، وإذا كانت البداوة والصحراء قادرتين دائماً على إنتاج شعراء، فإن القضية هي في استمرار هذا العطاء الإبداعي في وقت شحَّت فيه العواطف، وفي عالم لم يعد يتحدث إلا عن آخر الابتكارات العلمية والتكنولوجية، ضيفنا هذا الأسبوع هو الشاعر الموريتاني أحمد ولد عبد القادر.
أحمد بن عبد القادر من مواليد عام 1941م نشأ في بيئة بدوية تحترف تربية المواشي وتنتشر فيها المعارف العربية، الإسلامية، وقد تعلم الشعر من عائلته.
عمل مدرساً بالتعليم الابتدائي من عام 1965م إلى 1971م.
شارك في تحرير نشرية (موريتانيا الفتاة) وهي أول نشرية للقوميين العرب بموريتانيا. كما عمل محرراً في نشرية (صحيفة المظلوم) السرية التي كانت تصدرها الحركة الوطنية الديمقراطية في بدايات السبعينيات. عضو لجنة القيادة المحلية لحركة القوميين العرب عام 1966م بزعامة الدكتور جورج حبش آنذاك.
عرف السجن السياسي ثلاث مرات في الستينيات والسبعينيات. له ديوان شعر جمع فيه كل القصائد ما بين 1961م إلى 1977م، ونُشر ببيروت بعنوان (أصداء الرمال).
له روايتان هما: (الأسماء المتغيرة) و (القبر المجهول).
محمد كريشان:
سيد أحمد ولد عبد القادر أهلاً وسهلاً.
أحمد بن عبد القادر:
أهلاً بكم.
محمد كريشان:
عندما نتحدث عن موريتانيا كبلد المليون شاعر، متى بدأت هذه المقولة؟ وهل فيها بعض المبالغة ربما؟
أحمد بن عبد القادر:
هذا المصطلح الشائع جداً على ما أتذكر بدأ منذ سنة 1967م، وكان مطلق شرارة هذا الشعار هو مجلة العربي الكويتية، أتذكر أنها كانت وقتها جزيرة الوقت، كانت بإخراجها الجيد ومواضيعها المتنوعة جامعة للعرب..، جمهور من القراء العرب واسع النطاق، زارتنا البعثة وقتها، بعثة العربي وأتذكر أنها كانت تتألف من صحفي يسمى سليم زبال ومصور يسمى إدوار متريادا، وصادفت الصحراء الموريتانية على حقيقتها يعني قبل عهود الجفاف الذي أصاب بلدان الساحل فيما بعد فغير أوجه الحياة وترتبت عليه نتائج اجتماعية كثيرة، وأتذكر أن المرحوم الأستاذ أحمد بن عبد الله كان هو المرافق الدليل لهذه البعثة وتنقل معها بين المحاضر، محاضر البادية وشهدوا كثير من المطارحات الشعرية الليلية والسهرات الأدبية وأثناء التحقيق سأل أحدهم –أحد أعضاء الوفد- مرافقه: كم عدد سكان هذا البلد؟ قال له: مليون، قال له إذاً أنتم مليون شاعر، وطلع التحقيق بعنوان.. زاوية اعرف وطنك أيها العربي. موريتانيا بلاد المليون شاعر، فشاع هذا اللقب أو هذا الشعار أو هذه الصفة، من حيث المبالغة طبعاً تعرفون قبل أن تسألوا أنها مبالغة، لأنه لم يكن في العالم العربي كله مليون شاعر في أي وقت من الأوقات في زمن واحد، طبعاً هناك مبالغة، مبالغة إعلامية كما يقال.
محمد كريشان:
يعني جمالية العنوان هي التي فرضت ربما..
أحمد بن عبد القادر:
ربما يعني..
محمد كريشان:
ولكن مع ذلك حتى وإن لم يكن هناك مليون بالمعنى العددي الصارم ظاهرة الشعر في المجتمع الموريتاني ظاهرة منتشرة.
أحمد بن عبد القادر:
ظاهرة منتشرة، فعلاً منتشرة كانت ولا تزال، وللمبالغة ما يبررها، ولكنها تبقى مبالغة، فشاع في البلدان العربية أنها بلاد المليون شاعر، بعض العرب يأخذها على حقيقتها إعجاباً وتبجيلاً للموريتانيين أو تدليلاً، أو شيئاً من هذا القبيل، والبعض على وجه السخرية يعني فيه مفارقات، موريتانيا رغم كثرة دواوين شعرائها القدامى والمحدثون متخلفة في ميدان النشر، أن تقول بلد المليون شاعر ولا تجد دواوين كثيرة في المكتبات، ولا في المعارض العربية وتبقى المفارقة.
محمد كريشان:
ما تفسير هذه المفارقة يعني؟
أحمد بن عبد القادر:
المفارقة أننا في ميدان النشر متخلفون هو السبب.
محمد كريشان:
إذاً كيف يمكن الحفاظ على إبداعات بعض الشعراء لا شك بأن المستوى يتفاوت من شاعر إلى آخر، ولكن كيف يمكن لموريتانيا أن تحفظ هذه الذاكرة الشعرية طالما أن النشر متخلف كما ذكرت؟
أنتم ربما تراهنون على الذاكرة، ولكن الذاكرة لا يمكن أن تستوعب كل شيء.
أحمد بن عبد القادر:
الذاكرة في عهد الصورة يقال أنها تتراجع، في عهد الصورة والوسائل المرئية ولم تعد الذاكرة لدينا كما كانت وإن كان البقية من أفراد الجيل القديم أفراد ونماذج يحفظون بشكل جيد لكن لم تعد كما كانت، فقط الحل هو النشر ونحن نعتزم هذا ونتجه إليه.
محمد كريشان:
يعني ربما أنتم من الشعراء المخضرمين في موريتانيا المعروفين، هل كان الإبداع الشعري في موريتانيا زمن الاستعمار، أو في بدايات الاستقلال أكثر نضجاً وأكثر ثراءً وعطاءً من الآن؟ يعني إذا أردنا أن نعطي نوع من الفكرة الأولية التقييمية على تطور المستوى الإبداعي في الشعر في موريتانيا.
أحمد بن عبد القادر:
سؤال وجيه، موريتانيا في القرنين أو الثلاثة الماضية كان الشعر فيها ناضج بشكل ممتاز كشعر عربي قديم، تبدأ القصيدة بالمقدمة الطللية، وفعلاً كان الشعراء في مجتمع رُحَّل، من الرُّحل يقفون عند مرابع الأحباب وتهيج بهم نار الحنين ويبكون الحبيبة ويقفون على الرسوم والطلول، لا تقليداً وإنما تجاوباً مع..
محمد كريشان[مقاطعاً]:
البيئة.
أحمد بن عبد القادر[مستأنفاً]:
الواقع المعطى، وكانت أغراضهم متنوعة هذا الشعر رغم أنه أكثره مخطوط يوجد منه ديوان جامع نموذجي صدر في القاهرة 1911م (الوسيط في أدباء شنقيط) لأحمد بن الأمين الشنقيطي، وعلى درجة عالية من الرصانة وقوة الأسلوب والإبداع كمان، الإبداع.. الإبداع في محيطه وبيئته، وخاصة في نقاء اللغة العربية، أعطيك مثال: في الخمسينات أو الأربعينات حقق في مصر كتاب (الخصائص) لابن جني في النحو، هو كتاب صعب، فأثناء التحقيق جماعة التحقيق من علماء الأزهر وعلماء اللغة العربية في مصر بدأوا في باب الإبدال، باب الإبدال لكلمة (زبرجد) فقالوا يجوز قياساً، الكتاب يقول إن الزبرجد يجوز قياساً إبدال داله جيماً زبرجد فلم يجدوا له شاهداً من الشعر العربي القديم، ولكنهم قالوا وجدنا له شاهداً في الوسيط في أدباء شنقيط للشاعر محمد بن الطلبة، جيميته الشهيرة الزبردجي في قصيدة جميلة لا أتذكر،لا أتذكر مطلعها هذا مثال، أنه كان على درجة قوية من نقاء اللغة العربية. الشعر العصري، الشعر الحديث، أو الشعر الزمن الحاضر إذا أردت أن أتكلم عنه فعلي أن أقول لك إن عصر التنوير العربي الثقافي في المشرق وصلنا متأخراً يعني لم نبدأ نكتب الشعر في أغراضه الحديثة إلا بعد الستينات، إلا بعد الستينات، ونشترك مع المشرق والمغرب في -إلى جانب تلك الخاصية- في أن هذا العصر الذي هو عصر وضع علامات استفهام حول الشعر ومستقبله والعالم الذي يقودنا في طريق العولمة والغرب ترك الشعر منذ زمن قديم، والشعر دخل أزمة.. أزمة الكينونة لأن الوسائل المرئية، الخيال العلمي وما إليه من مستحدثات زاحمته في الخيال وفي الإثارة والتغني وفي كل شيء يعني نتحد مع الشرق في وصول هذه المرحلة الكأداء في آن واحد إلى جانب أننا وصلنا التنوير متأخراً.
مع أن أؤكد لك أن من السبعينات إلى الآن الساحة الموريتانية مليئة تعج بالشعراء الذين يكتبون الشعر بجميع أجناسه الشعرية، أجناسه الشعرية المعروفة اصطلاحاً.
محمد كريشان:
لكن هل اختفى تدريجياً ذلك الشعر الذي -كما ذكرت- يقف على الأطلال ويتشبه ليس من باب التشبه بالشعر الجاهلي أو الشعر العربي عموماً، وإنما نظراً للبيئة الصحراوية والبدوية هنا في موريتانيا، هل انقرض تدريجياً هذا النوع بفعل تقدم النمط الحضري في موريتانيا وإن كان ببطء يعني.
أحمد بن عبد القادر:
تقريباً، عندنا في الحركة الأدبية الشعرية تجد القصيدة العمودية ذات الجرس الإيقاعي القوي المقلد للشعر..، التي هي امتداد للشعر الموريتاني القديم و التي لا يستسيغها كثير من الجمهور اليوم، وتجد القصيدة العمودية ذات الأغراض العصرية، وتجد قصيدة الشعر التفعيلة عند الشعراء، وتجد حتى القصيدة النثرية التي يسمونها الشعر المنثور، عرفت لها مكانة في الساحة الأدبية، يعني جميع الأجناس الشعرية المتعارفة في الساحة العربية معروفة عندنا الآن.
محمد كريشان:
الغالب تقليدياً أنكم تحبذون هنا في موريتانيا الشعر العمودي، يعني هذا النوع من الشعر الذي عُرف في البلاد العربية في السنوات الماضية الشعر الحر أو أحياناً في غير العمودي والحر وغيره من التسميات، هل كان مستهجناً إلى حد ما نظراً لتشبث الشعراء الموريتانيين بالنمطية التقليدية للقصيدة العربية؟
أحمد بن عبد القادر:
الجمهور الواسع الواسع يرفض الخروج عن قانون الخليل ومرة عرضت على واحد قصيدة من قصائد التفعيلة هو بدوي فقال لي: هذا شعر؟ قلت له: نعم، فأنشد بيتاً للبرعي –شاعر عربي قديم-
وكم من سمىَّ ليس مثل سميه
صفاتاً ويُدعى باسمه فيجيب
يعني مسخرة عند الجمهور الكبير، مسخرة عندهم.
محمد كريشان:
التفاعلات التي تابعت بها الساحة الموريتانية الأوضاع العربية، يعني سواءً بعد الـ 1967م أو 1973م أو غيرها من الأحداث العربية الكبرى سياسياً، كيف انعكست على الشعر الموريتاني؟ هل ظل الشعر الموريتاني يتغنى بالأنماط التقليدية ولم يتفاعل مع الأحداث على الساحة العربية؟ مدى التفاعل الذي كان في الساحة؟
أحمد بن عبد القادر:
الشعر الموريتاني في الستينيات والسبعينات وحتى الثمانينات في أغلبه كان شعر القضايا العربية، أو القضايا المحلية الاجتماعية والسياسية، ولكن كانت قضية فلسطين لها الصوت الأعلى في القضايا، كانت القضايا العربية عندما كان للعرب قضايا.
محمد كريشان:
يعني ما الذي بقى في الذاكرة من بين هذه القصائد التي ربما كانت لها مكانة متميزة في الأحداث السابقة يعني؟
أحمد بن عبد القادر:
أنا مثلاً كتبت ديوان كبير عن القضية الفلسطينية وغيري من الشعراء زملائي كتبوا.
محمد كريشان:
هل تذكر منه شيئاً؟
أحمد بن عبد القادر:
لا أذكر قصيدة بذاتها ولكن مثلاً: في السبعينات عندي قصيدة عمودي بعنوان (نشيدي نشيد الرعد) أو نشيد فلسطين على لسانها يقول الشاعر:
سأجمع أشلائي بخيط من اللظى
وأزرع في حقل الجحيم رمادي
وأمضي.. وأمضي واليتامى فوارسي
وحمحمة الأقدار بين جيادي
ليخضر وجه البدر في صحن دره
على نغم الزيتون عبر جهادي
إلى آخره.
محمد كريشان:
هل صحيح أنه يكاد لا يوجد أي بيت موريتاني إلا وفيه شاعر؟ إذا اعتبرنا المليون شاعر مبالغة، هل هذه أيضاً يمكن أن توصف بالمبالغة؟
أحمد بن عبد القادر:
رجعتم بنا إلى نفس الغرض.
محمد كريشان:
نعم


الساعة الآن 12:25 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team